احصائيات

الردود
9

المشاهدات
4668
 
محمد غالمي
كاتب وقاص مغربي

محمد غالمي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
91

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Dec 2005

الاقامة

رقم العضوية
734
09-06-2012, 12:20 AM
المشاركة 1
09-06-2012, 12:20 AM
المشاركة 1
افتراضي الرواية القصة وما بينهما من التباين..
ـ الرواية:
تتناول الرواية، باعتبارها جنسا أدبيا، أحداثا محكية متنوعة تتحكم فيها شروط سياسية واقتصادية واجتماعية، وتسعى لأن تمثل الحقيقة وتعكس مواقف الإنسان وتشخص ما في الكون.
وقد أطلق النقاد العرب مصطلح الرواية على كل عمل سردي طويل نسبيا، وينهض على جملة من الأشكال والأصول منها:
ـ اللغة: والمفروض في المبدع أن يجنح بها إلى منطق الإبداع؛ فالأديب هو صانع اللغة ومنتشلها من المستوى المعجمي الميكانيكي الدلالة إلى المستوى الانزياحي الذي يجعلها أكثر حيوية وأوسع دلالة، إليها تتوق النفوس الظمأى فتسقى زلالا سلسبيلا..
ـ الشخصيات:
تسع شخصيات الرواية كل الفئات الاجتماعية على اختلاف الأهواء والهواجس والطبائع.. تساهم في نسج الحدث بفاعلية فتؤثر تارة وتتأثر طورا، وعلى سواعدها ينهض البناء السردي وتتآلف لبناته. والشخصية في العمل السردي، قصة أو رواية، لا تعدو كونها كائنا ورقيا صرفا ينفخ فيه المبدع من من فيض إبداعه، فيبعث فيه حياة جديدة يتحدد فيها السلوك البشري انطلاقا من خلفيات سياسية، اجتماعية وفلسفية.
ـ الزمن: مستوى أساسي من مستويات الخطاب السردي، كائن خفي يظهر أثره في الإنسان حين يهرم ويشيخ وفي الشجر حين يذبل وييبس. وفي البناء حين يمسي أطلالا. ويكون شاهدا على وقوع الحدث باعتباره مفهوما مجردا وذا سيرورة وهمية،كما يتناول زمن الهزيمة والانتصار والتردي، والزمن النفسي.
المكان: ما دمنا بصدد إبداع روائي محض فمن الأجدر ترجيح مصطلح "الحيز" على أساس أنه مكان لا حد له، يلازمنا في الصحو واليقظة معا.. فالأحداث يحتمل جريانها في الأرض كما في عنان السماء أو في خضم الأمواج..
الحدث: والرواية أحداث متعاقبة توحي بها ظروف نفسية واجتماعية وتاريخية معينة، وتكون مبنية على أسس تجسدها السلوكات المتباينة والصراع المحتدم.. وجميع الأشكال السالفة الذكر تقوم بدورها على تقنيات معروفة أهمها: السرد والوصف والحبكة والصراع، إذ تبدو الشخصيات منسجمة حينا ومختلفة طورا، لينتهي بها المآل إلى نهاية مرسومة بكامل الدقة والعناية، من لدن مخرج مقتدر يعرف كيف يوزع الأدوار على من هم أهل لها.
والكثير من الدارسين يرى أن المقدرة الإبداعية والموهبة الجوهرية للروائي تكمن في قدرته على ملاحظة تفاصيل السلوك الاجتماعي للأفراد والجماعات، بحيث تقدم الرواية للمتلقي واقعا خافيا عليه، وإن كان يدخل في إطار مشاهداته اليومية.. بمعنى أن الحدث من نسج المخيلة، وليس واقعا أعيد نقله بطريقة آلية، لأن هذا من اختصاص المؤرخ، وبالتالي يدخل في إطار الحادثة التاريخية.. إن من الأهم، خلال زمن الكتابة، أن نضع في الحسبان أولا من نبث فيهم خطابنا، أي ضرورة الأخذ بعين الاعتبار العلاقة بين السارد والمسرود له، قارئ متميز أو قارئ عادي، وذلك لعمري يعد لبنة أساسية في البناء السردي.
2 ـ القصة:
وفيما يتعلق بالقصة القصيرة فالمطلوب من القاص أن يقدم عمله في شقين: جانب جلي وجانب معتم، وعلى القارئ أن يجد ساعيا في نزع الحجب عن الشق الثاني وانتشاله من زخم ضبابه، وبذلك يكون قد شارك المبدع في القبض على الرؤيا وفك لغز الصور التي تشكلت بفعل لغة إبداعية مشحونة بالدلالات والقيم، وعليه فلا محالة للقاص من أن يجعل القارئ شريكا له، لا أن يقدم إليه الوجبة دسمة من غير أن يكلف نفسه عناء الإعداد والتحضير.
وإذ نحن بصدد الحديث عن القصة القصيرة أشير إلى ما يلي:
القصة موصوفة بنعت (قصيرة)، والقصر يشمل ما يلي:
ـ اختزال الحدث: (اندحار.. انتكاسة.. إحباط.. فشل.. صمود.. تحد و انتصار.. صراع نفسي يتأرجح بين الإقدام و الإحجام...)
ـ اختزال الشخصيات: غالبا ما يبنى النص السردي على شخصية واحدة أو اثنتين، ولئن تعددت الشخصيات أحيانا فلكونها ضرورة اقتضاها الحدث الرئيسي للمساهمة في نسجه وهيكلة بنائه..
ـ اختزال المكان: حيث تتحرك الشخصية، وقد تتفرع عنه أمكنة على اعتبار أنها روافد لنهر رئيسي..
ـ اختزال الزمن: يحصر فقهاء القصة القصيرة زمن الحدث في اليوم أو بعض اليوم، وفي هذه الحال تكون عملية الاسترجاع أو "الفلاش باك" ملحة وفي غاية الضرورة، لأنها تحرق المدة الزمنية وتختزلها، وبالتالي تسعف على كشف جوانب خفية في الشخصية، كظروف النشأة وكل ما يفترض أن يكون عاملا أساسيا وسببا محوريا لنتائج متوقعة. وتاج ذلك كله هو اللغة القصصية الإبداعية كما أشرت في حديثي عن الرواية.فلا الإبداع مشهود له بالخلق والابتكار إلا بلغة الإبداع حتى يتسنى فك الشفرات المغلفة بحجب الاستعارة والتشبيه وكل ضروب الكناية.
وفي النهاية آمل أن أكون قد أضأت بعض الجوانب المتعلقة بالموضوع، ملتمسا من الله التوفيق..
محمد غالمي


قديم 09-06-2012, 05:35 PM
المشاركة 2
جليلة ماجد
كاتبة وأديبـة إماراتيـة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ـ وفيما يتعلق بالقصة القصيرة فالمطلوب من القاص أن يقدم عمله في شقين: جانب جلي وجانب معتم، وعلى القارئ أن يجد ساعيا في نزع الحجب عن الشق الثاني وانتشاله من زخم ضبابه، وبذلك يكون قد شارك المبدع في القبض على الرؤيا وفك لغز الصور التي تشكلت بفعل لغة إبداعية مشحونة بالدلالات والقيم، وعليه فلا محالة للقاص من أن يجعل القارئ شريكا له، لا أن يقدم إليه الوجبة دسمة من غير أن يكلف نفسه عناء الإعداد والتحضير.

و هُنا يتبين للكاتِب هل وَصلت رؤياه كما أرادها أم لا ....

مقال جميل و سلس أ. محمد غالمي ...

أشكرك عليه كثيراً .. أستاذي الفاضِل ...

صافي الود

عند المطر ..تعلم أن ترفع رأسك ..
قديم 09-06-2012, 07:57 PM
المشاركة 3
ريما ريماوي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
جزاك الله خيرا عل المقال المفيد...

تحيتي واحترامي وتقديري.

أنين ناي
يبث الحنين لأصله
غصن مورّق صغير.
قديم 09-25-2012, 11:00 PM
المشاركة 4
محمد غالمي
كاتب وقاص مغربي
  • غير موجود
افتراضي
و هُنا يتبين للكاتِب هل وَصلت رؤياه كما أرادها أم لا ....

مقال جميل و سلس أ. محمد غالمي ...

أشكرك عليه كثيراً .. أستاذي الفاضِل ...

صافي الود
تشكرين الأخت جليلة على الرأي الصواب..
كل التقدير لشخصك المحترم.

قديم 09-25-2012, 11:02 PM
المشاركة 5
محمد غالمي
كاتب وقاص مغربي
  • غير موجود
افتراضي
جزاك الله خيرا عل المقال المفيد...

تحيتي واحترامي وتقديري.
الأخت ريما.. سرني تفاعلك وما أبديت من الرأي السديد..
تحياتي.

قديم 09-25-2012, 11:42 PM
المشاركة 6
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
لكن السؤال المهم هنا:
- هل يكون لدينا رواية او قصة في غياب الصراع؟
- الا يشكل الصراع العصنر الاهم في جعل القصة او الرواية تحاكي الحياة فتكون عظيمة التأثير؟
- ثم ما العناصر التي تخلق الادهاش والتأثير؟ هل هي اللغة ام طريقة الحبك؟

قديم 10-11-2012, 11:39 PM
المشاركة 7
محمد غالمي
كاتب وقاص مغربي
  • غير موجود
افتراضي
اللغة الأدبية الراقية الناهضة على الانزياح.. اللغة الشفافة المشكلة لأجمل الصور الأدبية.. عنصر المفاجأة الذي يبعثر حسابات المبثوث فيهم.. كل ذلك خليق بعرض سردي شيق لا يخلو طبعا من صراع..
كل التقدير لما أبديت من الرأي الصائب الأخ الكريم أيوب صابر..
محمد غالمي

قديم 01-26-2013, 12:40 PM
المشاركة 8
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تجربة الروائي التوسني حسين الواد مع الرواية:

عن الجزيرة نت.

===
حسين الواد: الرواية تمردت علي
حسين الواد: نشر أعمالي الروائية انتـُزع مني انتزاعا (الجزيرة)

حاوره: كمال الرياحي
عرفت الجامعات التونسية والعربية حسين الواد باحثا وأكاديميا في أمهات التجارب الشعرية والنثرية العربية وصاحب مؤلفات كثيرة في ذلك المجال، حتى خرج علينا بروايته "روائح المدينة" عام 2010 التي فازت بجائزة "الكومار الذهبي" الأدبية في تونس، ثم برواية "سعادته.. السيد الوزير" عام 2011 التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية.

تسلط السرد على صاحب "المتنبي والتجربة الجمالية عند العرب" ليخرجه عنوة من مجاله الأثير -وهو النقد الأدبي والدراسات والبحوث الأكاديمية- إلى عالم الرواية، ولينتزع نشر روايتيه منه انتزاعا كما يقول.

ويرى الأكاديمي والروائي التونسي
- أن الإبداع السردي يتطلب الكثير من الدقة والانضباط الذاتي، في حين أن الكثير من الكتابات الإبداعية تعاني من الهذر والثرثرة المجانية.

الجزيرة نت التقت حسين الواد وحاورته بشأن تجربته الأكاديمية والروائية وترشيحة للقائمة القصيرة البوكر العربية.

بعد "الكومار الذهبي" للرواية التونسية، يأتي التتويج العربي بالوصول إلى القائمة القصيرة البوكر، بـ"سعادته.. السيد الوزير". لكنك بدوت كعادتك غير مهتم كثيرا على خلاف بقية الروائيين العرب. وكنت غير مهتم بنشر الروايتين أصلا. هل هذا صحيح؟ وهل اللامبالاة هي الطريق نحو التتويج؟

- كنتُ خارج تونس عندما بلغني أن "روائح المدينة" فازت بالكومار الذهبي. كنت غير عارف بأنها كانت مرشحة أصلا. أما البوكر فقد أخبرني الناشر بأنه يرشّح "سعادته.. السيد الوزير".

هذا بطبيعة الحال لا يعني قلة الاهتمام أو الاكتراث، إنما تختلف الكتابة العلمية عن الكتابة الفنية.
في الأولى مثلا، كنتُ أحرص على أن يتضمّن كلّ كتاب أنشره إضافة. الإضافة هي المقياس والبحث الذي لا أصل فيه إلى إضافة لا أنشره. في الكتابة الفنيّة أقيس المنجز على المتوقّع. ثم إني كثيرا ما أشعر بأن النصّ لا يصل إلى المستوى المنتظـَر.

أما نشر الروايتين، فقد انتزعت الأولى مني انتزاعا. كنتُ ممتّعا بقراءتها على كمبيوتري. يستغرقني النظر فيها. وعندما صدرتْ لا أكتمك أني شعرت بشيء من الأسف. قد تمرّدت تلك الرواية علي فعلا. وكلما هممتُ قبل نشرها أن أحوّر فيها بعض الفقرات أو بعض التعبيرات امتنع ذلك عليّ.

أما الرواية الثانية، فقد دفعتُ بها للنشر امتنانا للثورة فقد أسدت لي شخصيا جميلا. وأعلمك أني لم أنظر لا في الرواية الأولى ولا الثانية بعد نشرهما.

لماذا كنت تؤخّر دائما نشر إبداعك، هل كنت تخشى على صورة الأكاديمي رجل العلم والكائن الانضباطي من صورة المبدع المنفلت؟ أم كنت تخشى بطش النظام الذي كانت روايتك "سعادته.. السيد الوزير" أهجية له؟
- صحيح أننا (الناشر ومدير السلسلة) فكرنا طويلا في ردود فعل السلطة على الرواية الأولى. لهذا السّبب تمّ عرضها على بعض القرّاء الثقات استئناسا برأيهم في هذا الجانب، ولكنّها تسرّبت حتى أصبحت تتداول بالتصوير.

ومع ذلك،
- فإنّ الكتابة الإبداعية تتطلّب هي أيضا كثيرا من الدقة والهندسة الفكرية، خاصة في ما يتعلّق باقتصاديات النص الفنّي. ألا ترى أن تسعة أعشار الكتابات الإبداعية عندنا بها كثير من الهذر والثرثرة المجانية.

من ناحية أخرى، لا بد أنك تعرف أن عددا وافرا من كبار الأكاديميين قد كتبوا في الإبداع؟ منهم من اعترف بصعوبة الكتابة الفنية،
- فالرواية جنس حرّ، والحرية لا تعني الانفلات، بل هي الانضباط الذاتي في أقصاه.

يبدو حسين الواد حسب ما تشي به أبحاثه الأكاديمية منشغلا أكثر بالشعر. لكنك تفشل أفق انتظار المشهد الإبداعي العربي بكتابة الرواية. متى بدأ اهتمامك بالسرد؟ وهل قراءتك لأبي العلاء المعري كانت منطلقا؟
- اهتمامي بالشعر العربي القديم خاصة جاء بعد الكتابة عن السرد القديم. غير أني لم أنقطع عن تدريس السردين القديم والحديث. واهتمامي بالشعر كان عندما اكتشفتُ -وهو ما فاجأني- أنّ للقدامى معه تجربة نقدية عجيبة بتفردها. حاولتُ الكشفَ عن ذلك في جميع ما نشرته من دراسات. هذه التجربة لم تنل بعد حظها من الاكتشاف والسّبل إليها غير ممهّدة، وفي النظر إليها دون عدسات ملوّنة صعوبات كبيرة ومشاق.
السرد تسلّط عليّ تسلّطا. ربما كان ذلك من باب الضيق بضحالة الكثير الذي اطلعتُ عليه، وربما كان من باب ضراوة الغضب للثقافة التي أنتمي إليها. أحيانا أجدني أكتب من باب الحب المسرف لواقع مسرف في الإيذاء لكثرة ما فيه من رداءة وبذاءة ووقاحة وقبح.

أعلن الراوي في "روائح المدينة" أن للنص بقية، هل "سعادته.. السيد الوزير" جزء من هذا العمل أم بقية الروائح في أدراج أخرى؟
- بقية الروائح موجودة. لا أعرف ما الذي يجعلني أؤجل صدورها. ثمة شيء لا أدري ما هو يمسكني. كان التشهير بجميع ما يؤذي ويفسد ويتهدد الوجود على جميع الأصعدة وفضحه والتنديد به يدخل في باب المقاومة له حتى تتحرّك السّواكن.
الآن تغيّرت المعطيات، عندنا -على وجه الخصوص- أصبح التشهير يدخل في باب التعبئة كي لا تعود تلك العهود المقيتة. الفرق واضح بين الحالين، يبقى الوصول به إلى الوضوح الفنّي. أما رواية "سعادته..." فلا صلة لها بـ"روائح المدينة". كتبتها ضاحكا من كثرة الغباء.

يتغير أسلوبك بين الرواية الأولى والثانية كليّا، فاللغة براغماتية مخففة من البلاغة في "سعادته" بينما في "الروائح" تبدو اللغة -وكذلك الأسلوب- متينة عريقة بليغة وشعرية. أي الأسلوبين أقرب إليك؟ وهل النص الأدبي هو الذي يستدعي أسلوبه ولغته أم إن الروائي يريد أن ينحت لنفسه أسلوبا؟
- اللغة في "روائح المدينة" قد أسهمت في خلقها. وهي لغة فاجأتني وما زالت تفاجئني بقوّتها وسحرها.
- أما في "سعادته" فللغة شأن آخر به إخبارية مخاتلة. إذا صادف أن ظهرت لي كتب أخرى من التي ما زلت لا أراها أهلا للظهور فسترى أن لغتها مختلفة. اللغة أيضا تستعمل الكاتب. هي كائن غريب يتجاوزنا.

"السوداوية" التي قرأناها في روايتك الأولى نجدها بأسلوب آخر في الرواية الثانية. وهذا مفهوم في قراءة الواقع التونسي قبل الثورة، واليوم كيف تقرأ واقع ومستقبل تونس كمبدع؟ وماهي تخوفاتك وتصوراتك لما يحدث وما سيحدث؟
- واقعنا المبكي حقيقة ومجازا أسمح لنفسي ولجميع المعنيين به والمعانين له أن ينقدوه وبالقسوة التي يستحقها، ولكنه يسوؤني كثيرا أن ينقده غيرنا إزراءً بنا واستهانة، وربما أيضا شماتة، فلا نجد ما نردّ به. وقد سررتُ كثيرا بإقدام بعض الشعوب العربية على الإمساك بمصائرها. لكن السّرور لم يدم.
الشعوب العربية اليوم في مفترق الطرق. أزمتها الحضارية المزمنة أصبحت مسألة وجود. أتمنى أن تفلح هذه الشعوب في بناء عالم قابل لأن يعيش فيه الناس حياة كريمة ثرية بالتنوّع في كون قابل للاستمرار.

الصراع حول الخالة بين الوزيرين في روايتك، صراع حول الأم يبدو أصل الصراعات الآن بين التونسيين، بين الثائرين والسياسيين حول تونس. يرى عبد الله القصيمي أن لا خير في الثائر العربي لأنه يثور على أبيه ليأتي بأسوأ منه. كيف ترى حقيقة ما سمي "الربيع العربي" اليوم؟

- القراءة النفسانية -رغم جاذبيتها- لا تقنعني، أو المنجز بها في الدراسات العربية أراه تافها وسخيفا. أما الثورات العربية، فما هي؟ كم لدينا في تاريخنا من ثورة؟ عندما يصبح لدينا رصيد من الثورات عندها يمكن أن نطلق الأحكام.

أخطر الناس على الثورات هم الذين يعتبرون أنفسهم مثقفين. بين ما يحملونه من تصوّرات وبين الواقع مسافات. الواقع قد سبقهم بأشواط وأشواط. لذلك تراهم يستنجدون بالأموات من كل صنف ولون، يحكّمونهم في كيف يعيشون. إنهم قتلة أحلام.

كنت أحد مؤسسي حركة الطليعة الأدبية في تونس في السبعينيات، واليوم تظهر كأحد أهم المبدعين في المشهد التونسي، وما بين هاتين الفترتين انشغلت بالبحث. اليوم وبعد تقاعدك هل ستتفرغ للإبداع؟ ومتى تطلق الرواية الجديدة؟ أم إن هذا النجاح المباغت سيقودك إلى التريث أكثر؟

- قصة الطليعة في تونس طويلة وثرية جدا. ملخّصها أنها انطلقتْ في السبعينيات مشاغبة ومشاكسة ورافضة متمردة وحبلى بكثير من الآمال، لكن عندما قاومها مَن قاومها -بمن في ذلك بعض الداعين إليها- سرعان ما أصبحت مقلمة الأظافر، أو مجرد واجهة فخمة لدكان ملآن بجميع أنواع الخردوات العديمة القيمة.

كان (والتحفظ على القياس هنا واجب) لنا مع التاريخ موعد فتخلفنا عنه فأشاح عنّا بوجهه وانصرف. خوفي أن موعدا ثانيا -وهو هذا الذي نعيشه اليوم- نُخْلِفه مرة أخرى، فعندها لن نجد حتى الوقت للتأسف عليه ندما أو البكاء.

كقارئ، أحب أن يحترمني الكتّاب، وألاّ يستهينوا بي أو يجوروا على وقتي بالتضييع، فالوقت ثمين جدا. وككاتب، أحاول أن أحترم القراء.
- فالكتاب -وهذا الكلام للتوحيدي أو الجاحظ- هو الذي "إذا نظرت فيه أطال إمتاعك"، والمتعة التي يشار إليها أنواع.

وبالنسبة إلى التقاعد، أرجو لكلّ فرد ألاّ يجد نفسه يردّد مع المعرّي قوله "ضاع فعلي في النوايا، كجبال في ظلام".

قديم 02-07-2013, 07:51 PM
المشاركة 9
محمد غالمي
كاتب وقاص مغربي
  • غير موجود
افتراضي
تجربة الروائي التوسني حسين الواد مع الرواية:


عن الجزيرة نت.

===
حسين الواد: الرواية تمردت علي
حسين الواد: نشر أعمالي الروائية انتـُزع مني انتزاعا (الجزيرة)

حاوره: كمال الرياحي
عرفت الجامعات التونسية والعربية حسين الواد باحثا وأكاديميا في أمهات التجارب الشعرية والنثرية العربية وصاحب مؤلفات كثيرة في ذلك المجال، حتى خرج علينا بروايته "روائح المدينة" عام 2010 التي فازت بجائزة "الكومار الذهبي" الأدبية في تونس، ثم برواية "سعادته.. السيد الوزير" عام 2011 التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية.

تسلط السرد على صاحب "المتنبي والتجربة الجمالية عند العرب" ليخرجه عنوة من مجاله الأثير -وهو النقد الأدبي والدراسات والبحوث الأكاديمية- إلى عالم الرواية، ولينتزع نشر روايتيه منه انتزاعا كما يقول.

ويرى الأكاديمي والروائي التونسي
- أن الإبداع السردي يتطلب الكثير من الدقة والانضباط الذاتي، في حين أن الكثير من الكتابات الإبداعية تعاني من الهذر والثرثرة المجانية.

الجزيرة نت التقت حسين الواد وحاورته بشأن تجربته الأكاديمية والروائية وترشيحة للقائمة القصيرة البوكر العربية.

بعد "الكومار الذهبي" للرواية التونسية، يأتي التتويج العربي بالوصول إلى القائمة القصيرة البوكر، بـ"سعادته.. السيد الوزير". لكنك بدوت كعادتك غير مهتم كثيرا على خلاف بقية الروائيين العرب. وكنت غير مهتم بنشر الروايتين أصلا. هل هذا صحيح؟ وهل اللامبالاة هي الطريق نحو التتويج؟

- كنتُ خارج تونس عندما بلغني أن "روائح المدينة" فازت بالكومار الذهبي. كنت غير عارف بأنها كانت مرشحة أصلا. أما البوكر فقد أخبرني الناشر بأنه يرشّح "سعادته.. السيد الوزير".

هذا بطبيعة الحال لا يعني قلة الاهتمام أو الاكتراث، إنما تختلف الكتابة العلمية عن الكتابة الفنية.
في الأولى مثلا، كنتُ أحرص على أن يتضمّن كلّ كتاب أنشره إضافة. الإضافة هي المقياس والبحث الذي لا أصل فيه إلى إضافة لا أنشره. في الكتابة الفنيّة أقيس المنجز على المتوقّع. ثم إني كثيرا ما أشعر بأن النصّ لا يصل إلى المستوى المنتظـَر.

أما نشر الروايتين، فقد انتزعت الأولى مني انتزاعا. كنتُ ممتّعا بقراءتها على كمبيوتري. يستغرقني النظر فيها. وعندما صدرتْ لا أكتمك أني شعرت بشيء من الأسف. قد تمرّدت تلك الرواية علي فعلا. وكلما هممتُ قبل نشرها أن أحوّر فيها بعض الفقرات أو بعض التعبيرات امتنع ذلك عليّ.

أما الرواية الثانية، فقد دفعتُ بها للنشر امتنانا للثورة فقد أسدت لي شخصيا جميلا. وأعلمك أني لم أنظر لا في الرواية الأولى ولا الثانية بعد نشرهما.

لماذا كنت تؤخّر دائما نشر إبداعك، هل كنت تخشى على صورة الأكاديمي رجل العلم والكائن الانضباطي من صورة المبدع المنفلت؟ أم كنت تخشى بطش النظام الذي كانت روايتك "سعادته.. السيد الوزير" أهجية له؟
- صحيح أننا (الناشر ومدير السلسلة) فكرنا طويلا في ردود فعل السلطة على الرواية الأولى. لهذا السّبب تمّ عرضها على بعض القرّاء الثقات استئناسا برأيهم في هذا الجانب، ولكنّها تسرّبت حتى أصبحت تتداول بالتصوير.

ومع ذلك،
- فإنّ الكتابة الإبداعية تتطلّب هي أيضا كثيرا من الدقة والهندسة الفكرية، خاصة في ما يتعلّق باقتصاديات النص الفنّي. ألا ترى أن تسعة أعشار الكتابات الإبداعية عندنا بها كثير من الهذر والثرثرة المجانية.

من ناحية أخرى، لا بد أنك تعرف أن عددا وافرا من كبار الأكاديميين قد كتبوا في الإبداع؟ منهم من اعترف بصعوبة الكتابة الفنية،
- فالرواية جنس حرّ، والحرية لا تعني الانفلات، بل هي الانضباط الذاتي في أقصاه.

يبدو حسين الواد حسب ما تشي به أبحاثه الأكاديمية منشغلا أكثر بالشعر. لكنك تفشل أفق انتظار المشهد الإبداعي العربي بكتابة الرواية. متى بدأ اهتمامك بالسرد؟ وهل قراءتك لأبي العلاء المعري كانت منطلقا؟
- اهتمامي بالشعر العربي القديم خاصة جاء بعد الكتابة عن السرد القديم. غير أني لم أنقطع عن تدريس السردين القديم والحديث. واهتمامي بالشعر كان عندما اكتشفتُ -وهو ما فاجأني- أنّ للقدامى معه تجربة نقدية عجيبة بتفردها. حاولتُ الكشفَ عن ذلك في جميع ما نشرته من دراسات. هذه التجربة لم تنل بعد حظها من الاكتشاف والسّبل إليها غير ممهّدة، وفي النظر إليها دون عدسات ملوّنة صعوبات كبيرة ومشاق.
السرد تسلّط عليّ تسلّطا. ربما كان ذلك من باب الضيق بضحالة الكثير الذي اطلعتُ عليه، وربما كان من باب ضراوة الغضب للثقافة التي أنتمي إليها. أحيانا أجدني أكتب من باب الحب المسرف لواقع مسرف في الإيذاء لكثرة ما فيه من رداءة وبذاءة ووقاحة وقبح.

أعلن الراوي في "روائح المدينة" أن للنص بقية، هل "سعادته.. السيد الوزير" جزء من هذا العمل أم بقية الروائح في أدراج أخرى؟
- بقية الروائح موجودة. لا أعرف ما الذي يجعلني أؤجل صدورها. ثمة شيء لا أدري ما هو يمسكني. كان التشهير بجميع ما يؤذي ويفسد ويتهدد الوجود على جميع الأصعدة وفضحه والتنديد به يدخل في باب المقاومة له حتى تتحرّك السّواكن.
الآن تغيّرت المعطيات، عندنا -على وجه الخصوص- أصبح التشهير يدخل في باب التعبئة كي لا تعود تلك العهود المقيتة. الفرق واضح بين الحالين، يبقى الوصول به إلى الوضوح الفنّي. أما رواية "سعادته..." فلا صلة لها بـ"روائح المدينة". كتبتها ضاحكا من كثرة الغباء.

يتغير أسلوبك بين الرواية الأولى والثانية كليّا، فاللغة براغماتية مخففة من البلاغة في "سعادته" بينما في "الروائح" تبدو اللغة -وكذلك الأسلوب- متينة عريقة بليغة وشعرية. أي الأسلوبين أقرب إليك؟ وهل النص الأدبي هو الذي يستدعي أسلوبه ولغته أم إن الروائي يريد أن ينحت لنفسه أسلوبا؟
- اللغة في "روائح المدينة" قد أسهمت في خلقها. وهي لغة فاجأتني وما زالت تفاجئني بقوّتها وسحرها.
- أما في "سعادته" فللغة شأن آخر به إخبارية مخاتلة. إذا صادف أن ظهرت لي كتب أخرى من التي ما زلت لا أراها أهلا للظهور فسترى أن لغتها مختلفة. اللغة أيضا تستعمل الكاتب. هي كائن غريب يتجاوزنا.

"السوداوية" التي قرأناها في روايتك الأولى نجدها بأسلوب آخر في الرواية الثانية. وهذا مفهوم في قراءة الواقع التونسي قبل الثورة، واليوم كيف تقرأ واقع ومستقبل تونس كمبدع؟ وماهي تخوفاتك وتصوراتك لما يحدث وما سيحدث؟
- واقعنا المبكي حقيقة ومجازا أسمح لنفسي ولجميع المعنيين به والمعانين له أن ينقدوه وبالقسوة التي يستحقها، ولكنه يسوؤني كثيرا أن ينقده غيرنا إزراءً بنا واستهانة، وربما أيضا شماتة، فلا نجد ما نردّ به. وقد سررتُ كثيرا بإقدام بعض الشعوب العربية على الإمساك بمصائرها. لكن السّرور لم يدم.
الشعوب العربية اليوم في مفترق الطرق. أزمتها الحضارية المزمنة أصبحت مسألة وجود. أتمنى أن تفلح هذه الشعوب في بناء عالم قابل لأن يعيش فيه الناس حياة كريمة ثرية بالتنوّع في كون قابل للاستمرار.

الصراع حول الخالة بين الوزيرين في روايتك، صراع حول الأم يبدو أصل الصراعات الآن بين التونسيين، بين الثائرين والسياسيين حول تونس. يرى عبد الله القصيمي أن لا خير في الثائر العربي لأنه يثور على أبيه ليأتي بأسوأ منه. كيف ترى حقيقة ما سمي "الربيع العربي" اليوم؟

- القراءة النفسانية -رغم جاذبيتها- لا تقنعني، أو المنجز بها في الدراسات العربية أراه تافها وسخيفا. أما الثورات العربية، فما هي؟ كم لدينا في تاريخنا من ثورة؟ عندما يصبح لدينا رصيد من الثورات عندها يمكن أن نطلق الأحكام.

أخطر الناس على الثورات هم الذين يعتبرون أنفسهم مثقفين. بين ما يحملونه من تصوّرات وبين الواقع مسافات. الواقع قد سبقهم بأشواط وأشواط. لذلك تراهم يستنجدون بالأموات من كل صنف ولون، يحكّمونهم في كيف يعيشون. إنهم قتلة أحلام.

كنت أحد مؤسسي حركة الطليعة الأدبية في تونس في السبعينيات، واليوم تظهر كأحد أهم المبدعين في المشهد التونسي، وما بين هاتين الفترتين انشغلت بالبحث. اليوم وبعد تقاعدك هل ستتفرغ للإبداع؟ ومتى تطلق الرواية الجديدة؟ أم إن هذا النجاح المباغت سيقودك إلى التريث أكثر؟

- قصة الطليعة في تونس طويلة وثرية جدا. ملخّصها أنها انطلقتْ في السبعينيات مشاغبة ومشاكسة ورافضة متمردة وحبلى بكثير من الآمال، لكن عندما قاومها مَن قاومها -بمن في ذلك بعض الداعين إليها- سرعان ما أصبحت مقلمة الأظافر، أو مجرد واجهة فخمة لدكان ملآن بجميع أنواع الخردوات العديمة القيمة.

كان (والتحفظ على القياس هنا واجب) لنا مع التاريخ موعد فتخلفنا عنه فأشاح عنّا بوجهه وانصرف. خوفي أن موعدا ثانيا -وهو هذا الذي نعيشه اليوم- نُخْلِفه مرة أخرى، فعندها لن نجد حتى الوقت للتأسف عليه ندما أو البكاء.

كقارئ، أحب أن يحترمني الكتّاب، وألاّ يستهينوا بي أو يجوروا على وقتي بالتضييع، فالوقت ثمين جدا. وككاتب، أحاول أن أحترم القراء.
- فالكتاب -وهذا الكلام للتوحيدي أو الجاحظ- هو الذي "إذا نظرت فيه أطال إمتاعك"، والمتعة التي يشار إليها أنواع.

وبالنسبة إلى التقاعد، أرجو لكلّ فرد ألاّ يجد نفسه يردّد مع المعرّي قوله "ضاع فعلي في النوايا، كجبال في ظلام".
تشكر أخي أيوب على ما أضأت به المتصفح من معلومات نيرة تعكس تجربة الروائي التونسي حسين الواد.. ولي عودة للحوار وإبداء الرأي فيه لاحقا ..
تحياتي

قديم 02-28-2013, 01:31 PM
المشاركة 10
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الرواية والمعرفة
محمد برزوق
عن الجزيرةنت



2013-02-27

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
لم يعد الشعر يطغى، كمّا وكيفا، على المشهد الأدبي والثقافي في العالم العربي كما كان عليه في السابق. إننا نعيش زمنا روائيا بامتياز.
ربما ما يمر به الإنسان العربي من انتكاسات متكررة، وما يعرفه من أزمات عميقة، إن على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الأخلاقي أو الثقافي...كفيل بأن يجعل الرواية الأداة الملائمة لسبر أغوارهذا الواقع العربي المتأزم والمأساوي. يرجع السبب الرئيسي ، في تقديرنا، إلى أن الرواية فن لا يخضع لقوانين معينة، أي يظل دائما بناءا مفتوحا على الأجناس والخطابات الأخرى، يتسع فضاؤه لقضايا متعددة ولتيمات معقدة، شكله محرر من أي انحصار في التقاليد وليس مشدودا إلى قوالب دقيقة.

الرواية، باختصار، تمنح للروائي حرية كبيرة قد لا يجدها في الأجناس الأدبية الأخرى (الشعر، المسرح، الدراسات، السيرة الذاتية...)، الشيء الذي يسمح له بتنويع أشكاله الروائية دون قيد أو شرط. ولهذا، فمنذ ظهور أول رواية عربية (زينب لهيكل، 1914)، استطاع هذا الجنس أن يفرض وجوده ويجعل من نفسه فنا أدبيا أكثر مقروئية. فالرواية تخاطب عقل الإنسان وشعوره، تحاور مكنوناته الدفينة، تولد لديه إحساسا بأن الكاتب يتكلم بلسان حاله، يعكس أفكاره وأحلامه، يعلم انكساراته وأزماته، يعرف طموحاته وانتظارا ته. بهذا المعنى، تصبح الرواية أداة للمعرفة، من خلالها يتعرف القارئ على نفسه وعلى غيره. يقول عبد الرحمان منيف في كتابه الكاتب والمنفى: 'الرواية كما أفهمها، وكما أكتبها، أداة جميلة للمعرفة والمتعة. إنها تجعلنا أكثر إدراكا وأكثر إحساسا بكل ما حولنا، وقد تقول لنا، في السياق، أشياء عديدة يجدر بنا معرفتها أو تذكرها'(ص43).

هذا التصور الروائي يتقاسمه عدد كبير من الأدباء والمؤرخين والفلاسفة والسياسيين الخ. فترو تسكي مثلا، في معرض حديثه عن الأدب، يِؤكد أنه تعرف جيدا على تاريخ فرنسا، بشكل دقيق ومستفيض، من خلال قراءته لروايات بالزاك(Balzac) الموسومة ب'الكوميدية الإنسانية'، أكثر من قراءته لكتب التاريخ. هذا القول يؤكد بوضوح على أن الأدب يمتلك قوة تجعل منه فضاء شاسعا للمعرفة. فمن خلال قراءة رواية روبنسون كريزوي، يمكن للقارئ الاطلاع على معارف كانت سائدة في أوروبا خلال القرن الثامن عشر، من قبيل الجغرافيا والتاريخ وعلم النباتات والتقنية والأنتربولوجيا في شكلها البدائي. بهذا المعنى، يصبح الأدب بناء موسوعيا يعكس معارف وعلوم حقبة ما من التاريخ، لشعب ما من الشعوب، في أرض ما من جغرافية الكون...و في هذا الإطار، لا يمكن لمن له اطلاع واسع على تاريخ الأدب العالمي أن يتجاهل ذلك الحلم الذي ما فتئ يراود فلوبير (Flaubert) لسنوات طويلة والمتمثل في كتابة رواية شاملة، كُلّيَة، هي بمثابة موسوعة كاملة تحتوي على كل مدارك وعلوم الإنسانية. وقد جسدت روايته غير الكاملةBouvard et P'cuchet هذا الحلم...ويبقى السؤال المطروح دائما: إلى أي حد استطاع فلوبير النجاح في رهانه هذا؟ يظهر لنا جليا كيف تشكل الوعي لدى الروائي بأن الرواية لا يمكنها التنصل من المعرفة أو التخلص من شراكها. الرواية والمعرفة يقيمان إذن علائق جد معقدة، يدخلان في كثير من الأحيان في حوار جدلي يتقاطع فيه الواقعي بالمتخيل والعلم بالسرد والجد باللهو والثقيل بالخفيف (حسب المعنى الذي أعطاه كوندرا (Kundera) لهذين المفهومين في روايته كائن لا تحتمل خفته). فتاريخ الرواية هو في جوهره تاريخ المعارف والعلوم والمدارك الإنسانية على مر الأزمنة. من خلال روايات قديمة أو حديثة، يمكن للقارئ أن يتعرف عن قرب على أشياء شاهدتها مرحلة من الماضي البعيد أو القريب: معمار المدن، لباس الناس، آليات الاتصال، طرق التطبيب، صناعة الأشياء، طقوس التعبد، أنواع الطبخ، عادات الشعوب، أساليب الحياة.. رغم بعدها التخيلي، تتحول الرواية إلى مصدر لمعلومات وفيرة ومعارف متعددة يستغلها المؤرخون والأنتربولوجيون وعلماء النفس والسوسيولوجيون، كل حسب تخصصه. وفي هذا الإطار، لا يمكننا سوى التذكير بالدراسة المهمة التي كتبها فرويد، في سنة 1928، حول الرواية الأخيرة لدوستويفسكي الإخوة كرامازوف والتي عنوانها دوستويفسكي وقتل الأب، من أجل تعزيز نظريته حول عقدة أوديب التي يرى فيها المفتاح لاكتشاف سيكولوجية الكاتب الروسي وعلاقاته المضطربة

مع الأب والمجتمع...
.بهذا المعنى، لا تكون الرواية مرآة لعصرها فقط، بل تصبح كذلك 'وثيقة' بالمعنى الأركيولوجي الذي أعطاه ميشيل فوكو لهذا المفهوم، 'وثيقة' ذات أهمية بالغة، تشهد على تاريخ طويل وعريض عرفته البشرية في بقاع الأرض. فهي تحمل في طياتها تفاصيل دقيقة، وتحتوي على معلومات كاملة عن الإنسان والأشياء، وتعبر عن رؤية المجتمع للأحداث والوقائع. في الرواية تحضر أسماء لشخوص معروفة ومجهولة، تُدَوّنُ تواريخ أحداث رئيسية وثانوية، تُسَجّلُ بدقة أبسط مناحي الحياة في شقها الهامشي والمنسي...فكل مهتم بمرحلة تاريخية ما مثلا، يمكنه الرجوع إلى روايات بعينها ليعيد قراءة الماضي، بعيدا عن النظرة الرسمية التبسيطية. فنجيب محفوظ، في ثلاثيته الشهيرة، استطاع أن يقربنا من نبض الشارع خلال ثورة 1919، فرصد بشكل دقيق رأي العوام من الناس، عَكَسَ رؤيتهم للأحداث، نَقَلَ تعليقاتهم لما يحصل، ودَوَّنَ تفسيرهم الساذج للمتغيرات الظرفية. في نفس الإطار، تَمَكّن فلوبير بدوره، في روايته الكبيرة تربية الأحاسيس (L'ducation sentimentale)، من تسليط الضوء على الدينامية الشعبية للشارع الفرنسي خلال ثورة 1848. هكذا، استطاع القارئ أن يلامس أفكار الطلاب الجمهوريين حول الملكية، يقف عن قرب على ردود فعل الأرستقراطيين والمحافظين، يفهم تأثير هذه الثورة على الناس العاديين وعلى أحاسيسهم... نفس الشيء يمكن قوله حول روايات غوركي (Gorki)و زولا(Zola) وديكنس(Dickens) وملفيل(Melville) وميشيما(Mishima) الخ.

في الحقيقة، الروائي، وهو يستلهم مادته السردية من التاريخ، ويستقيها من الوقائع الحقيقية، ويستوحيها من شخوص عرفهم وعاشرهم، لا ينوي نهائيا كتابة مَتْنٍ تاريخي صرف. للتاريخ، كعلم قائم بذاته، قواعده العلمية وآلياته الدقيقة ورؤاه المحددة، وأصحابه المتخصصون في ذلك. لا يطمح الروائي أن يصبح مؤرخا. عندما يستعمل الروائي المادة التاريخية (الذاكرة، الوثائق، الشهادات، اليوميات، المذكرات، السير، التأريخ...) فهو يريد مساءلة هذا التاريخ من زاوية مختلفة. إنه لا يكتب التاريخ، بل يعيد كتابته برؤية نقدية، يؤول الأحداث التي شهدها الماضي بعيدا عن النسخة الرسمية، يقول فيه قولا مغايرا عن أقوال المؤرخين، يطل عليه من طاقة أخرى ليعيد اكتشافه من جديد. إعادة إنتاج خطاب قوامه السرد والتخييل والحرية في اختيار الشخوص والأفضية والأزمنة يجعل من الروائي قارئا جيدا ومتميزا للتاريخ والماضي والذاكرة، بعيدا عن النظرة الرسمية المتداولة والكتابة الأكاديمية الجامدة. في مدن الملح وأرض السواد، يعيد عبد الرحمان منيف كتابة تاريخ بلدين عربيين (الحجاز والعراق) من خلال متخيل غني وتقنيات سردية حداثية تزيح اللثام عن المسكوت والمَنْسي والمُهَمَّش في التاريخ الرسمي المزيف. منيف يعيد كتابة تاريخ هذين البلدين من خلال عيون البسطاء من الناس والمهمشين والفقراء والمقهورين، عبر رسائل القناصل الأجانب (القنصل الإنجليزي 'ريتش' في مدن الملح هي شخصية حقيقية. لقد كان متشبعا بالأفكار الاستعمارية العنصرية، يسعى إلى تثبيت أقدام الإنجليز فوق الأرض العربية، للتمتع بخيراتها ولاستغلال خيراتها ولنهب مواردها، وذلك تحت ذريعة إخراج البدو العرب من البربرية إلى الحضارة، وهكذا يتوارى الاستعمار تحت خطابات إنسانوية زائفة وكاذبة.)، على ضوء عادات البدو، عبر اكتشاف البترول (بالنسبة لمنيف، اكتشاف البترول في الخليج العربي كان نقمة خطيرة على الإنسان العربي، تحولت على إثره المنطقة إلى كعكة تتقاسمها فيما بينها الدول الغربية الاستعمارية. هكذا تم إعادة تقسيم المنطقة حسب عدد الآبار النفطية، وتحويل الصحراء إلى كانتونات، هي عبارة عن مشاريع نفطية لا أقل ولا أكثر. يكتب عبد الرحمان منيف في كتابه بين الثقافة والسياسة: 'تحول النفط، تدريجيا، إلى أداة للتخريب والتناحر، وعلى سبب في استعباد الشعوب وإخضاعها وإلحاقها، وربما أيضا قطع الطريق على إمكانيات تطورها في المستقبل' ص26)، من زاوية التمدن الذي غير وجه الصحراء وأعطاها شكلا مغايرا. بذلك، يكون عبد الرحمان منيف قد أزال الغلالة الشفيفة التي تحجب الحقائق الدفينة والراكدة في القاع، ليخرجها إلى الوجود ويقدمها للقارئ في رواياته في قالب جديد. استطاع عبد الرحمان منيف، عبر مكونين لا انفصال بينهما - الصحراء كمكون ثقافي وتاريخي للإنسان العربي والبترول كأبرز عامل أضفى على الصحراء البكر سمات جديدة أن يعيد قراءة التاريخ العربي، ويكتشف مواطن الضعف، ويقدم للقارئ رؤيته للأحداث، ويجعل من رواياته تاريخا لمن لا تاريخ لهم في الكتابات الرسمية الفجة والكاذبة.
قد يعتقد البعض أن الرجوع إلى الماضي واستعمال التاريخ كمادة روائية هو من باب الانغماس المقصود في العجائبي، والغرق الكلي في الغرائبي. هذه النظرة تبقى في جوهرها قزميه، لا ترى ما وراء القشور وتعتقد أن الرجوع إلى الذاكرة والأزمنة القديمة بمثابة الهروب من الحاضر والدخول في عوالم النوستالجية. الروائي، وهو يستعيد مرحلة من التاريخ، يريد قراءة الحاضر على ضوء الماضي، واستشراف المستقبل. إنه يريد تأويل الراهن الحديث ومعرفة الآتي البعيد من خلال القديم. الرواية التاريخية لا تنغمس في تربة بالية وباردة، فتتقطع بها بالتالي السبل عن الحاضر. من هذا المنظور، عندما تستغل الرواية المادة التاريخية وتعيد كتابتها، تتحول إلى أداة مهمة للمعرفة، يُقْرَأَ عبرها الإنسان وتُفْهَمُ الأشياء بطريقة إبداعية. وهكذا تتملك القارئ الرغبة في إعادة قراءة التاريخ الرسمي من أجل نقده وكسر الجمود الذي يعتريه.
*باحث ومترجم من المغرب


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الرواية القصة وما بينهما من التباين..
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الفرقُ بين إذْ وإذا وشيوع الخلط بينهما ثريا نبوي منبر الدراسات النحوية والصرفية واللغوية 4 12-12-2022 04:32 AM
نقاش حول كتابة الرواية .. صبا حبوش منبر القصص والروايات والمسرح . 97 01-18-2021 12:18 AM
مدخل إلى دهاليز الرواية حسام الدين بهي الدين ريشو منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 12 11-18-2019 12:38 PM
في الاية ان مثل عيسى عند الله كمثل ادم ما وجه الاختلاف بينهما عليهما السلام فجر الاعلون منبر الحوارات الثقافية العامة 0 08-10-2019 02:43 PM
الرواية !! حسام الدين بهي الدين ريشو منبر القصص والروايات والمسرح . 2 02-09-2014 01:52 PM

الساعة الآن 09:09 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.