احصائيات

الردود
12

المشاهدات
2341
 
رشيد عانين
من آل منابر ثقافية

رشيد عانين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
47

+التقييم
0.03

تاريخ التسجيل
Jun 2020

الاقامة
المغرب

رقم العضوية
16150
08-05-2020, 04:18 PM
المشاركة 1
08-05-2020, 04:18 PM
المشاركة 1
افتراضي حلم فتاة
حلم فتاة
في الصيف الذي وقعت فيه كارثة الربيع، سافرت إلى مدينة الحضارة، كعادتي في كل عطلة صيفية إذ تشتد درجة الحرارة، وهناك التقيتها، فأحسست أن وراءها قصة تداريها، أغريتها بأن تتحدث، فأنا كاتم سرها وحارس زمانها ومبعوث قدرها فأنى لها أن تخاف مني.
فتدحرج منها الكلام، واندفعت قائلة: أما تراني حزينة فلماذا تريد أن تردني إلى تاريخ على جبيني مضى، إلى موت على حياتي قضى، إلى شعر قيل وانتهى؟ إني أقلب الماضي، وأفتح أبواب الخيال وأنا أنظر إلى ربيعي الذي احترق بين يدي، تراودني به الليالي بين الفينة والأخرى، ويستيقظ الحلم على أعتاب السنين وحشا كاسرا هادرا لكن دون جدوى.
تعود ذاكرتي المتعفنة تنبش بين سقطات الماضي لتؤرخ لحياة الموت في ذاكرتي، ولتطرح علي أسئلة وجودية، من قبيل من أنا؟ وهل أنا هي أنا؟ وهل أنا هي تلك الفتاة اليانعة التي خسّرتني إياها السنين؟ فعلا لا أحد يعرف الإجابة إلا ذلك الأنا المقموع في داخلي، أحاول في كل مرة أن أحل عقاله لكن كيف السبيل إلى ذلك وحراسه لا ينامون؟
تبدأ رحلتي مع الطفولة وأول استعداد وجداني غريزي لتلقي عالم الحياة، اللهو والشغب والجنون والحلم، فلا مجال للكدر إلا في أذهان الكبار، تكبر الأيام ويكبر في داخلي الحلم والجنون، فرغم الفقر والعوز والحياة البائسة إلا أن هذه الأشياء هي التي وسعت مساحة الحلم والجنون في ذاكرتي، كنت فرحة بقدري غير مبالية بأقدار الآخرين، حتى أدركت أني ميتة فمات في داخلي الحلم والجنون.
مات في حياتي الحلم الذي كان يجتاح كياني، الحلم الذي كان يمثل شعلة النور في قلبي، مات وانطفأ دونما سابق إنذار. تحركت أطرافي وقتها تتلمس كيان الأنوثة المادية التي كانت تأخذ طريقها إلى البروز في احتشام شديد كشدة تضييق الخناق على ذلك الأنا الذي مازال قيد الاعتقال رغم توالي السنين، تحركت أطرافي وتحركت معها هواجسي ترسم الخوف الأزلي الذي استقر في ذاكرة اللاشعور، الجرح والقهر يجتمعان في كيان واحد، والحلم والجنون ينتحران في يوم واحد، طقوس الموت نفسها تتجدد ذكراها كلما هبت نسائم الذكرى عفوا كلما هبت حرائق الذكرى. أي حلم وأي جنون بقي مع انتهاء كل محاولات الإقلاع من وحل الرذيلة، الرذيلة الجميلة في نظر الآخرين.
عشت طفولة منسية فوق قمم الجبال الشامخة، هذا ما يبدو للناظرين بعين الرومانسية، لكنها في حقيقتها كانت حفرا تدفن فيها كرامة الإنسان، في كل دقيقة كانت تقع عيناي، وأنا الفتاة الصغيرة التي لا تعي شيئا، على سوءات الظلم والتعسف ينبعان من عين السلطة الحارسة على أقدار الناس وأقواتهم وكأني بها الكنيسة في القرون الوسطى. حقيقة كان عقلي لا يدرك ذلك، لكنني بفطرتي النقية كان إحساسي ينتفض ضد الذي يجري في قريتنا الصغيرة، كنت كلما رأيت "ممثل السلطة" يصيح على أبي بأعلى صوته، يقشعر جلدي وتنتابني نوبة من الحنق وأحس بذل يعتريني وأنا أرى انحناءة أبي على يده لتقبيلها.
كنت أحس مع كل ذل انكسارا يوافقه في الأفق حلم ثورة تقتلع الظلم من جذوره، كنت أحلم بأن أصير قاضية فاصلة أو محامية مدافعة أو طبيبة شافية أو أستاذة مكافحة أو شاعرة حالمة أو كاتبة عالمة ترفع لواء العلم والعالمات فوق تلك الربوة التي يقبع فوقها منزلنا الوحيد البائس بؤس أيامنا وليالينا لكن سارت أيامي عكس ما حلمت به، صدرت إلى مدينة الحضارة، هناك ترابط الوزارة، وهناك تختبئ القذارة، هناك يسكن الوجع الأبدي، هناك يصنع عالم الافتراس الآدمي، هناك وما أدراك ما هناك، هناك نهش لحمي، وانتهك عرضي، واغتصبت براءتي.
أشاحت بوجهها كي تداري دموعها، ثم ابتسمت ابتسامة غاضبة تظهر مدى القهر النفسي الذي تعيشه في مدينة الحضارة، في هذه اللحظة تلعثم اللسان وعجز عن الكلام وانهارت باكية شاكية راجية القدر أن يعيدها إلى الزمن الأول، زمن الطفولة والبراءة.
أتمنى من كل قلبي أن يكون الذي أعيشه الآن مجرد حلم لأني أريد أن أعود إلى طفولتي إلى مدرستي، كانت المدرسة لا تبعد كثيرا عن منزلنا الفقير كنت أدب كل يوم إلى المدرسة وعين ممثل السلطة تحرسني وترمقني بنظرات كنت أجزم أن عواقبها لن تكون بخير، مرت الأيام وكبرت الأحلام وكبر معها جسدي حينها قرر ممثل السلطة في خلسة من وعي أهلي أن يبيعني برضاهم وتحت إغراء المال، فهجرت من مقاعد الدراسة والحسرة تملأ كياني ، وأرسلوني خادمة إلى أسرة غنية تسكن في مدينة القذارة عفوا في مدينة الحضارة.
وها أنا ذا كما ترى أجلد كل يوم تحت سمع وبصر العالم المتقدم، قالتها والدموع تبلل خدها الذي اهترأ من كثرة البكاء، نعم غادرت العائلة الغنية التي ذلتني وعذبتني وسلبتني عزتي ودمرت كياني، نعم غادرت وامتهنت كما ترى مهنة ..... فسكتت وناب عنها الصمت وراح هذا الصمت يهاجمني بالله ماذا تريد منها حتى أوقعتها في الكلام المحظور؟ وأبانت لك عما كتمته في صدرها سنين طويلة تكتوي بنيرانه. فما كان جوابي إلا صمتا مطبقا يداري خيبتي، وينفي رغبتي في إذلالها وتحقيرها.


قديم 08-05-2020, 10:28 PM
المشاركة 2
حاتم الحمَد
مؤسس ومدير شبكة ومنتديات منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: حلم فتاة
قصة جميلة وسبك رائع ومعنى عميق أخي العزيز رشيد أراك سردته في هذه القصة المتماسكة

ننتظرك هطولك هنا دوما .

قديم 08-07-2020, 12:00 AM
المشاركة 3
رشيد عانين
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: حلم فتاة
أشكرك جزيل الشكر على مرورك الطيب الكريم الراقي أستاذي حاتم الحمد
لك خالص تحياتي سيدي الكريم

قديم 08-14-2020, 03:10 PM
المشاركة 4
عبدالعزيز صلاح الظاهري
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: حلم فتاة
"فما كان جوابي إلا صمتا مطبقا يداري خيبتي، وينفي رغبتي في إذلالها وتحقيرها"
كم هي جميلة هذه الجملة ومعبرة
انها تخبرنا عن قاص متمكن ومميز

قديم 08-14-2020, 10:24 PM
المشاركة 5
رشيد عانين
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: حلم فتاة
أشكرك أستاذي الكريم عبد العزيز صلاح الظاهري على مرورك الجميل الذي شرفني فلك خالص مودتي وتحياتي

قديم 08-18-2020, 08:30 PM
المشاركة 6
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: حلم فتاة
لغة شاعرية وبوح جميل ابتعد عن السرد واقترب من الخاطرة،

بوركت أستاذ رشيد
تقديري🌷



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 08-19-2020, 08:27 PM
المشاركة 7
مالك عدي الشمري
فولتير
  • غير موجود
افتراضي رد: حلم فتاة
رائعة قصتك سيدي الرائع

وردة لكِ
قديم 08-19-2020, 10:02 PM
المشاركة 8
رشيد عانين
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: حلم فتاة
شكرا لك أستاذة صفاء الأحمد على مرورك الراقي وعلى تعليقك الجميل
تحياتي سيدتي

قديم 08-19-2020, 10:06 PM
المشاركة 9
رشيد عانين
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: حلم فتاة
شكرا لك أستاذ مالك عدي الشمري على مرورك الجميل والرائع
لك تحياتي ومودتي أيها الأستاذ الرائع

قديم 09-01-2020, 12:03 AM
المشاركة 10
ممدوح الرفاعي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: حلم فتاة
لغة جميلة وأسلوب أجمل استمر فالطريق أمامك أيها القاص الجميل


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: حلم فتاة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فتاة الحافلة منى الحريزي منبر القصص والروايات والمسرح . 12 12-25-2020 02:13 AM
فتاة تحت المطر عماد السلمي منبر القصص والروايات والمسرح . 11 10-01-2019 10:40 AM
*_احاديث فتاة _* ساره محمد منبر البوح الهادئ 1 05-01-2011 07:08 AM
إلى فتاة من غزة رشيد الميموني منبر البوح الهادئ 21 01-31-2011 12:24 PM
فتاة حالمة جميل عبدالغني منبر البوح الهادئ 15 11-23-2010 11:33 AM

الساعة الآن 03:59 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.