قديم 03-02-2016, 05:45 PM
المشاركة 1431
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
اليتيم رقم 9

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم -75- ألف عام وعام من الحنين رشيد بوجدرة الجزائر

-- رشيد بوجدرة كاتب وروائي وشاعر جزائري ولد في 5 سبتمبر سنة 1941 م بمدينة عين البيضاء. اشتغل بالتعليم، وتقلد عدة مناصب منها، مستشار بوزارة الثقافة، أمين عام لرابطة حقوق الإنسان، أمين عام لاتحاد الكتاب الجزائريين.

في رواية ألف عام وعام من الحنين يلتحم الخيال بالواقع التحاما قويا الى درجة أنك لا تستطيع الفصل بينهما، بل تظهر كل محاولة للفصل بينهما مجرد عبث سيؤدي الى فراغ الرواية من محتواها.

- في هذه الرواية، يتصارع الممكن والمستحيل على حد سواء.

- الواقع في الرواية خيال والخيال واقع.

- إن بو جدرة يحلل التاريخ رابطاً الماضي بالحاضر من خلال ما جرى في التاريخ الإسلامي عبر (مملوكيته) وما يجري فيه حاليا عبر المملوكية (المتطورة في أشكال جديدة)،

- من هنا، كانت أهمية الرواية التنبؤية الداعية الى تأمل التاريخ، مرآة أية حضارة تطمح الى تجديد مجدها.

- الروائي رشيد بوجدرة طرح اسمه لأكثـر من مرة للفوز بجائزة غونكور للأدب الفرانكفوني، وحتى جائزة نوبل للآداب.

- وقد فاز بجائزة المكتبيين الجزائريين عن روايته الأخيرة ”نزل سان جورج”، ومن سخرية الأقدار أن الكاتب صاحب الشهرة العالمية الذي فرح بالجائزة اعتبرها أول تكريم له في بلده·

- ورواية ألف وعام من الحنين اختارها اتحاد الكتاب العرب ضمن قامئة أفضل مئة رواية عربية في تاريخ الأدب العربي.. رغم أن كاتبها كتبها باللغة الفرنسية!! وقد ترجمها إلى اللغة العربية الأديب ( مرزاق بقطاش).

---------------
- رشيد بوجدرة: كتبت بالفرنسية لأصبح معروفاً

- الروائي الفائز بجائزة المكتبيين الجزائريين عن روايته «نزل سان جورج» بدا نشطاً وحيوياً وفق إيقاع أعماله الروائية التي بلغت العشرين عملاً روائياً في اللغتين العربية والفرنسية، ومتابعاً لما ينشر من أعمال سردية حتى على مستوى منتديات الحوار على شبكة الانترنت.

- قدم رشيد بوجدرة الكثير من الأعمال الروائية، أبرزها: «الحلزون العنيد»، «الإنكار»، «التطليق»، «التفكك»، «تيميمون» وسواها.

- يقول الكتابة في الغرب جعلتنا نخلخل البنى الاجتماعية ونكسر التابوات. لم نر مثيلاً لنا في كتّاب المشرق العربي؛ فليس من بينهم من وظّف الجنس بطريقتنا، بالكيفية التي تتجلى في أعمالنا».

- يرد على سؤال : يقال إنكم اشتهرتم في إظهاركم عيوب العرب أمام الغربيين؟ـ نحن لم نرد ذلك، أردنا ان نظهر عيوبنا لأنفسنا، لكن الغرب استغل ذلك،

- نحن كتبنا بقصد النقد الذاتي، وقد استمتع القارئ العربي بذلك وبيعت أعمالنا في القاهرة والكويت بنسب كبيرة.

- روايتي «ألف عام وعام من الحنين» طبعت مرات عدة بخاصة هنا في الجزائر، وهذا يعني انها أعجبت القارئ العربي.

-وف يرده على سؤال : يرى بعضهم انك تأثرت بماركيز في رواية «ألف عام وعام من الحنين»؟ يقول "ليس صحيحاً، أعدائي من الجزائريين أشاعوا ذلك في وقت سابق، لكن روايتي هي قراءة مركزة للتاريخ العربي القديم.

- وفي المناسبة، «الواقعية السحرية» التي يقال ان ماركيز وكتّاب أميركا اللاتينية هم الذين أسسوها، بدأت عندنا لدى الحريري، في «المقامات» وفي «ألف ليلة وليلة». وماركيز ربما لا يعرف هذا العمل... الذي كتب قبل «الواقعية السحرية».

- بعض الجزائريين «المتفرنسين» أشاعوا مسألة تأثري بماركيز، لكن ما قدمته كان مختلفاً ونحن ككتاب مغاربة انفتحنا على التراث العربي.

- وفي مسألة التقنية، فإن تقنية الكتابة الحداثية هي تقنية «ألف ليلة وليلة». كل الكتّاب الغربيين في فرنسا وبريطانيا اعترفوا بذلك. علي اي حال من هو ماركيز قياساً الى «ألف ليلة»؟

- وللحقيقة روايتي «ألف عام وعام من الحنين» هي الأعمق، فيما «مئة عام من العزلة» لوحات ممازحة وكاريكاتورية تفتقر الى العمق.

- يقول عن لغة الكتابة : اللغة العربية هي الأفضل لكتابة الرواية بالطبع. عندما كتبت بالفرنسية لم أتجاوز نسبة محدودة من الصفحات. وفي العربية كتبت رواية بلغت ألف صفحة.

- ويقول " الكتابة باللغة العربية تتيح لي استخدام العامية، وهي توسع الفضاء أمامي، وقد درست الفلسفة والرياضيات ولدي منظور هندسي، لذا تمكنني اللغة العربية أكثر في التعبير، لكن الرواية في العالم العربي لا توزع أكثر من ألف نسخة، وفي الغرب تصل الى 27 ألف نسخة، وتلك هي المفارقة!

>وفي رد على سؤال : الرواية هل هي وثيقة تاريخية أم تجربة فنية محضة في رأيك؟ يقول " الرواية تجب قراءتها على أساس جمالي، يمكننا توظيف التاريخ ولكن ليظهر كعمل تخييلي لا كوثيقة. وبعض الأعمال الرديئة تعجز عن خلق هذا الفرق فلا تجد فيها المادة التاريخية الأمينة ولا التجربة الفنية الفعلية!

-------

تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم -75- ألف عام وعام من الحنين رشيد بوجدرة الجزائر

- تسعى هذه الدراسة إلى تسليط بعض الضوء على واحدة من أهم التجارب الروائية في المغرب العربي يمثّلها الروائي رشيد بو جدرة الذي غادر منذ الثمانينات “ فم الذئب” ليحبّر نصوصه باللغة العربية بعد أن أنجز مدونة روائية بلغة ديكارت جعلته في مصاف كبار الروائيين في الغرب وواحدا من أهم ممثلي تيار الرواية الجديدة في فرنسا إلى جانب كلود سيمون و ألان روب غريي و ناتالي ساروت ,

- غير أن نداء الهويّة جعله يغادر لغة فلوبار ليعود إلى لغته الأم و يقدّم مدوّنة جديدة بلغة الضاد أثبت بها أنّه متميّز دائما فأثرى بنصوصه المكتبة الروائية العربية بسرد مختلف ورؤى جديدة ,

- يمثّل رشيد بوجدرة حالة وجودية استثنائية بين الكتّاب العرب الذين مارسوا الكتابة بغير العربية، فقد انطلق الرجل في الكتابة بالفرنسية ليُعرف كاتبا فرونكفونيا إلى جانب محمد ديب ومالك حداد وليلى صبّار وآسيا جبّار فأصدر روايته التطليق (1969) والإنكار (1972) ثم الحلزون العنيد (1977) وألف وعام من الحنين (1979) والفائز بالكأس (1979).

- وبعد هذه المسيرة التي كرّسته كاتبا باللغة الفرنسية يرتدّ رشيد بوجدرة عن الفرنسية ويهجر متلقيه ليجترح سنة 1982 أوّل رواية باللغة العربية فكّك بها صلته الإبداعية بلغة فلوبار وفولتار ووسمها ب”التفكّك” ليبدأ رحلة إبداعية جديدة لا يعمل ماذا ينتظره على جنباتها.

- وبالفعل تعرّض بوجدرة إلى هجوم مزدوج ممّن طلّقهم، قرّاء ونقّادا فرنسيين وممن عاد إليهم قرّاء ونقّادا عربا.

- ويكفي أن نذكّر بما ورد في مجلة الوسط (العدد 85) بتاريخ 13/09/1993 على لسان حموش أبو بكر في مقاله : تجربة الكتابة باللغة الفرنسية. “رشيد بوجدرة، تحوّل إلى الكتابة باللغة العربية ونجح في الإبداع بها، غير عابئ بالضجّة السياسية التي أحاطت بقرار تخليه عن الكتابة باللغة الفرنسية.

- ويقال أن الأمر وصل بجريدة “لومند” الفرنسية إلى حدّ ردّ نسخ من روايات بوجدرة الجديدة. كانت أرسلت لها من قبل الناشر الفرنسي “دونوال” الذي قام بنشرها مترجمة عن العربية. ويبدو أن محرّر “لوموند” أرفق النسخ المترجمة برسالة إلى الناشر مفادها أنه لا جدوى من إرسال مثل هذه الروايات إلى الجريدة إذ أنها لن تكتب عن أي عمل لرشيد بوجدرة بعد تخلّيه – على حد تعبيرها – عن لغة ومنطق ديكارت “.

- لكن بوجدرة سرعان ما عبر مأزق الامتحان لتسّاقط من قلمه روايات أخر بلغة الضاد تثبت أنّ رواية “التفكّك” لم تكن بيضة الديك ولا هي نزوة إبداعية إنّما هي نقطة تحوّل كلّي في تجربة المبدع، فكانت روايات المرث (1984) وليليات امرأة آراق (1985) ومعركة الزقاق (1986) ثم جاءت مرحلة الصمت التي تزامنت مع اشتعال فتيل المحنة ليعود الرّجل إلى الكتابة ويكسر جدار الصمت في بداية التسعينات بنصّين روائيين يحملان بصمات المحنة وروائح سنوات الجمر وهما فوضى الأشياء (1990) وتيميمون (1994).

- يقول عن سؤال لماذا عاد الى العربية : يردّ الكاتب نفسه على هذا السؤال قائلا : ” عُدت للعربية بالغريزة، كنت منذ عام 1969، عندما بدأت الكتابة بالفرنسية أشعر بعقدة ذنب وحنين للعربية، وكانت علاقة عشق بالمعنى التصوّفي باللغة العربية، وكان انتقالي للعربية ناتجا عن ضغوط نفسية.

- كنت عندما أكتب بالفرنسية أعيش نوعا من العصاب بسبب عدم الكتابة بالعربية، في بعض الأحيان كنت تحت وطأة كوابيس أراني فيها فقدت النطق بالعربية أمام جمع حاشد “.

- وأقرّ بوجدرة بقصور اللغة الفرنسية على نقل أفكاره ومواضيعه المتعلّقة أساسا بالإنسان الجزائري العربي المسلم، وأبدى الكاتب ارتياحه للعودة إلى العربية التي مكّنته من الرقص على درجات سلّمها فاستخدم “اللغة الشعبية واللغة السوقية” يقول ” هناك شيء يسمّى اللغة العربية بقاموسها العظيم الزخم، كما هناك أيضا اللغة الشعبية وأقول في أحيان كثيرة اللغات الشعبية.

- فقد استعملت “الشاوية” مثلا في بعض الروايات من خلال منولوجات أو حوار [إن] إدخال اللغات الشعبية في الكتابة الغربية يعطي العمل الأدبي نوعا من الزخرفة والزخامة والقوة للنص العربي أكثر مما يعطيه للنص الفرنسي “.

- وفي حوار آخر يرى بوجدرة أنّ المستقبل للرّواية العربية المكتوبة بالعربية : “المستقبل بالفعل للرّواية الجديدة المكتوبة باللغة العربية “ وأن لا مستقبل للكتابة الروائية العربية باللغة الفرنسية.

- يمكننا أن نخلص من خلال هذه الآراء إلى أنّ عودة رشيد بوجدرة إلى اللغة العربية لها أسبابا عميقة وذاتية وأخرى موضوعيّة فهو يعيش في اغتراب لغوي، إنه يعيش خارج بيته ومسكنه أليست اللغة مسكن الكائن البشري ؟!

- وهذا ما جعله يفقد الإحساس بالأمان، مما ولّد عنده كوابيس تدور حول حادثة فقدان النطق بالعربية، وهذه الحادثة الذاتية النفسية يمكن فهمها في سياق أكبر، وهو علاقة اللغة بالهويّة. يبدو أن رشيد بوجدرة أصبح يشعر أنه مهدّد في هويّته العربية نتيجة استمرار حالة الاغتراب اللغوي، وهذا ما عجّل عودته إلى العربية ويذكّرنا هذا بعبارة مالك حدّاد الشهيرة “اللغة الفرنسية سجني ومنفاي “.

- أمّا الدافع الموضوعي للعودة فهو ارتباط مناخات الكتابة عنده بالفضاء والإنسان العربيين، واللغة الأجنبية لا يمكن أن تنقل خصوصيّة المناخ العربي وتفكير الإنسان الجزائري نقلا أمينا. كان رشيد بوجدرة يفكر بالعربية ويكتب بالفرنسية وفي تلك الرحلة بين لغة التفكير ولغة الكتابة تسقط أشياء كثيرة وأحيانا يسقط عمق الفكرة، فالأمر أشبه ما يكون برحلة النص بين لغتين من خلال الترجمة، فالترجمة ستظلّ خيانة للنص أبدا. وبعودة رشيد بوجدرة إلى العربية تطابقت لغة الفكر مع لغة الكتابة وسقطت رحلة الاغتراب.

- يتقاطع هذا السبب الموضوعي لعودة بوجدرة إلى العربية مع الأسئلة المصيرية التي طرحها محمد ديب ذات يوم على نفسه وعلى زملائه: “هل يمكن للإنسان أن يتلاءم مع ذاته وهو يبدع بلغة غيره، وأن يرتاح لذلك خاصة وهو يعرف أن لغته تمتلك قدرات حضارية وتعبيرية عالية ؟

- وأضاف “بعد أكثر من نصف قرن من الإبداع بلغة الغير، التفت إلى تجربتي فرأيت بكل حسرة أنها بلا جدوى. لقد بقيت دوما أعيش غربة المقصّ ووحشة المجهول. وأحس أنني أعسكر وحيدا في حقل أجرد للغة أخرى، تائه أترقّب وهم التجذّر في مجالات ومدن أغلقت في وجهي إلى الأبد. فبقيت كالغجري، على أبوابها، وأهلها يخافون منّي، عيونهم مفتوحة عليّ خشية أن أسرق دجاجهم !!!”.

- وإجابة عن تلك الأسئلة ترك كاتب ياسين “فم الذئب” وكتب نصوصه المسرحية بالعربية الجزائرية وعاد رشيد بوجدرة إلى لغة الضادّ في أوج شهرته.

- مثّلت عودة رشيد بوجدرة إلى اللغة العربية مكسبا كبيرا للرّواية العربية الجزائرية من ناحية ومكسبا آخر للرواية العربية عامّة، خاصة أن الرجل عاد مُدجّجا في تجربة ووعي كبيرين بالكتابة الرّوائية.

- وقد عاد رشيد بوجدرة إلى العربية عودة الفارس المنتصر لا الجندي المهزوم حيث تخلّى عن انتصاراته ومناصريه وغنائمه ليغيّر اتجاه السير في حركة لا يجرؤ عليها إلاّ الثّوار وكان بالفعل ثائرا في نصوصه على كل ما هو سائد من أساليب كتابة ومضامين متن ليؤسّس” فاجعة “الكتابة العربية.

- فشكّلت نصوصه مأزقا حقيقيا للكاتب العربي التقليدي الذي تربّى على الخمول والمهادنة والتقنّع. لقد اجترح رشيد بوجدرة مسلكا جديدا للإبداع العربي علامته الأولى الكتابة دون حدود وخارج سلطة الرقابة (الفنية، السياسية، الدينية) فتحرّر من كل ما يعيق العمل الإبداعي ليحاور في جرأة كبيرة كل المحرّمات والمقدّسات التي كرّستها الكتابة المنحنية، فأعاد للمرأة العربية لسانها المنهوب منذ شهرزاد حتى تقول ذاتها، فكرا وجسدا، وتصدّى للسلطة السياسية ففضح فسادها وكشف آلاعيبها وواجه التاريخ العربي المزيّف بحقائق الوقائع لتتعرّى أمام القارئ العربي قرونا من الوهم والحمل الكاذب.

- لقد اختارت الكتابة السردية عند رشيد بوجدرة أن تكون كتابة عقوق، وكتابة مقاومة وكتابة انحراف عن الطرق المسطورة وكتابة تمرّد على تاريخ الكتابة العربية. إنها كتابة السفلي (الجسد) لكشف العلوي (الفكر) وفضحه فانشغلت نصوصه بتعرية المستور وحرق ورقة التوت الشهيرة ليكون ساردا لا يحتمل يتمترس وراء معجمه الخاص ليعبّر عن عصره الموبوء بكل العورات.

- رشيد بوجدرة هو لا وعي الإنسان العربي، إذ انقلبت نصوصه إلى لوحات سلفادورية(نسبة إلى الرسّام السريالي سلفادور دالي) تعهر بجرأة عظيمة ومستحيلة بين أحضان الحروف العربية. لقد خلّصها الرّوائي رشيد بوجدرة من قداستها، ليحوّلها إلى لغة ماجنة معربدة، لغة أيروسية تلتذّ خيانة نفسها وتعلن في غير تردّد ارتدادها.

- إنّّ اللغة العربية, مع بوجدرة, لم يعد إعجازها متمثّلا في كونها لغة النصّ الديني/ المقدّس فقط ، إنّما تمثّل إعجازها الحقيقي في قدرتها على قول المدنّس و تصويره بنفس القدرة و الكفاءة . غير أن هذه العودة لم تدم طويلا إذ عاد بوجدرة إلى "فم الذئب" ليكتب بلغة مستعمره القديم بعد أن خابت توقعاته عن المتلقي العربي .

- فقد ظلّ بوجدرة يهاجم في كل محفل إلى أن تحوّل فم الأم الحاضنة إلى فم أشرس من فم الذئب الذي اشتكى من أنيابه كاتب ياسين . من السّرد الحداثي عند رشيد بو جدرة .

- لا يمكن أن نلمّ بكلّ الجوانب التي تجعل من رواية بو جدرة رواية غير تقليدية ,رواية تجنح إلى الحداثة, لذلك سنكتفي بعنصرين اثنين نقارب من خلالهما نماذج من تجربته -ما كتبه منها بالفرنسية و ما حبّره بالعربيّة- و هما :التكرار و ما أطلقنا عليه عبارة ؛شعريّة العين و الأذن .

- يتّفق كل من جرار جينيت وتودوروف حول مفهوم السرد المكرر , باعتباره أحد أشكال التواتر الثلاث :”السرد المفرد” و”السرد المكرر” و”السرد المجمع” فيقول تودوروف مثلا “هناك ميزة أساسية في العلاقة بين زمن الخطاب و زمن التخيل في التواتر وأمامنا هنا ثلاث إمكانيات نظرية :القص المفرد حيث يستحضر خطاب واحد حدثا واحدا بعينه,ثم القص المكرر حيث تستحضر عدة خطابات حدثا واحدا بعينه وأخيرا الخطاب المؤلف حيث يستحضر خطاب واحد جمعا من الأحداث” وهذا ذات التقسيم لأشكال القص الذي نجده عند جرار جينيت في مؤلفه صورر 3 أين أشار إلى حضور السرد المكرر عند ألان روب غريي ويلح خاصة على أهمية هذا الأ سلوب عند رواد الرواية التراسلية في القرن التاسع عشر ويمثل السرد الاعادي علامة بارزة في مؤلفات الروائي رشيد بو جدرة ويتخذ مستويات متعددة وأشكالا مختلفة ,ويمكن للقارئ أن يكتشف ذلك بسهولة سواء كان قارئا عابرا أم كان مقيما في مدونة صاحب “التفكك” إذ يحضر التكرار عند بوجدرة في العمل الروائي الواحد من خلال تردد مقاطع سردية معينة على امتداد النص كما هو الشأن في رواياته “ضربة جزاء “و “التطليق” و”الحلزون العنيد”و “معركة الزقاق”… ويكون هذا التكرار إما إعادة نسخية لمقطع سردي ,أي كما ورد أول مرة أو إعادة المعنى أو إعادة سرد الحدث بأسلوب آخر .ويتخذ التكرار ساعة شكل “التكرار المتدرج” كما يسميه محمد سار ي في مقاله “رشيد بو جدرة وهاجس الحداثة” وهو تكرار “تصاعدي” يأتي دائما بالجديد شبّهه الناقد “بقوقعة الحلزون التي تنتظم على شكل لولبي يبتدئ من نقطة مركزية ليتطور نحو الخارج”.

- ولكننا نعتقد أن أهم شكل من أشكال التكرار الذي ميّز كتابات بو جدرة هو التكرار العابر للرّوايات .وهذا أسلوب لم أعثر عليه عند غيره وإن وجد فبأنماط لا ترقى إلى ما ظهر عليه عند بوجدرة فنعثر بسهولة على مقاطع كثيرة ترتحل من نصّ الى آخر نسخا أو ببعض التغيير الطفيف .ويمكن رصد هذا الأسلوب في كل روايات بو جدرة وخاصة في رواياته “ضربة جزاء” و”الحلزون العنيد”و”ليليات امرأة آرق “حيث تتداخل هذه الروايات بشكل لافت

- ويتواصل ارتحال المقاطع السردية بين الروايتين فيعيد الروائي سرد حادثة المرأة التي اغتصبها زوجها ليلة العرس بوحشية فخاطت جهازها التناسلي وانتحرت .ويمتد سرد هذه الحادثة على ثلاث صفحات في رواية “ضربة جزاء (94 .95 .96 ) وعلى خمس صفحات في ليليات امرأة (41.40,39,38,37.) ولم نر تغييرا في سرد تلك المقاطع ما عدى تغيير الضمائر فبعد أن كان السرد منسوبا إلى رجل في رواية “ضربة جزاء” نسبه إلى امرأة في “ليليات امرأة آرق”.

- ولا يخرج التكرار عن هذه الملامح العامة بين رواية “الحلزون العنيد” و”ليليات امرأة آرق” فالليليات تكاد تستنسخ في جزء منها رواية الحلزون العنيد. وقد تركز التكرار خاصة على الجانب المعرفي الذي رشحت به الرواية الأولى حيث تستعيد سعاد في ليلياتها تلك المعلومات التي دونها الراوي في الحلزون العنيد حول الحلزون والخنزير والجرذان .واختار الروائي مقاطع محددة من الرواية الأولى ليقحمها في الرواية الجديدة وهي تلك المقاطع المتعلقة بالجنس والقدرة الجنسية فأعاد سرد ما ذكره عن القدرة الجنسية للحلزون الذي يقضي أربع ساعات في السفاد وذكر قدرة الخنزير الذي يقذف نصف لتر من المني فيقول مثلا في الحلزون العنيد :” الحلازن .تلتذ لمدة أربع ساعات.الحلزون في الميثولوجيا الكونية متصل أوثق الاتصال بالقمر وبالتجدد…(ص ص.78.77).

- ويعود إلى هذه المعلومة في ليليات سعاد التي تقول متحدثة عن عشيقها .”عاد متشنجا و عدائيا.ممتلئا حقدا وغطرسة .عيناه ممتلئتان قذارة وزهوا ونكلة .قلت في نفسي :إنها زلتي الأولى .تذكرت الحلازن في الحديقة ما قرأته عن طاقاتهم الهائلة .احتقرت هذا .أوقفته عند حده .مهلا سعاد […]بات مسمرا في مكانه مبهوتا .مبهورا .غضبضبا. وابتعدت عنه .الحلزون .الحلزون أفحل منك يا صاحبي !أربع ساعات يقضيها الحلزون في التجانس .أما أنت..”(ص60)

- لماذا هذا التكرار ؟ يقول الباحث محمد الساري “وتساءلت مع نفسي عن وظيفة هذا التكرار ولم أعثر على جواب مفيد .وسألت بو جدرة نفسه فاكتفى بالقول بأن هذه الطريقة لم يستعملها أحد قبله ,وبما أن رواياته في أغلبها هي رواية واحدة وهي أقرب إلى السيرة الذاتية فما المانع من من إدخال نصوص سبق نشرها في النصوص الجديدة “.

- ويبدو أن محمد الساري لم يقتنع بحجج بو جدرة ورأى أنه لا جدوى من إعادة تلك النصوص في مدونة الروائي . و يذهب الروائي العراقي عبد الرحمان مجيد الربيعي ,في مقالاته التي كتبها عن روايات بو جدرة , إلى نفس الرأي فيراها زوائد لا خير فيها و اعتبرها من النقاط التي أخلّت بنصوصه و” نصحه” بتشذيبها فيقول:” إن ايغال بو جدرة في التفاصيل الشاذّة لا يمكن تفسيره أو ارجاعه إلاّ إلى هذه الملاحظة و هي إرضاء فضول القارئ الأجنبي ,و كان بالإمكان تشذيب الكثير منها خاصة ذلك الذي يتكرّر بشكل ملحّ” و عاد إلى نفس الملاحظة في قراءته لرواية “معركة الزقاق” فلم ير في المقاطع السردية المكررة غير زوائد غير أننا سنعثر,حتما, على وظائف لذلك التكرار لو جوّدنا النظر في مدونة الرجل مستحضرين عبارة تودوروف”التكرارلا يكون تاما أبدا لان المقاطع المكررة محاطة بسياق مختلف واطلاعنا على الحكاية يكون كل مرة مختلفا” يسعى الروائي حين يعمد إلى تكرار مقطع سردي معين داخل الرواية الواحدة إلى تأكيد حدث معين باستعادته المتكررة حتى يرسخ في ذهن القارئ.فيكون ذلك أشبه باستعادة المشهد السينمائي في الفيلم من خلال استعادة الشخصية الدرامية للحدث .وينشط هذا الأسلوب في الأفلام ذات الطابع السيكولوجي حيث تتردد فيها مشاهد الكوابيس والأحلام وأحداث الطفولة .

- والحق أن رشيد بو جدرة ليس غريبا على الميدان السينمائي (كاتب سيناريو) كما أنه يعتمد اعتمادا كبيرا على التداعي الحر والأحلام والاستيهام والسرد الاسترجاعي في كل مؤلفاته.

- ويتوسل الروائي مرة بالتكرار لإبراز زاوية نظر مختلفة للحدث الواحد .فكل شخصية تروي الحدث من زاوية نظرها الخاص ومن موقعها الخاص كما أن دلالة الحدث تتغير مع موقع سرده في الحكاية فدلالته في بداية الرواية غير دلالته في وسطها أو فى نهايتها .ويذكرنا هذا التكرار بقضية مهمة تبنتها الرواية الجديدة وهي” نسبية الحقيقة” فلا شيء ثابت ونهائي في العمل الإبداعي , كل شيء نسبي لذلك فالمقطع السردي الواحد في ارتحاله من موقع إلى آخر لا يكون هو هو .

- ولا يمكن أن يحافظ على الدلالة نفسها والوظيفة نفسها ,فمثله مثل النهر الذي لا يمكنك أن نسبح فيه مرتين لا يكون النص المكرر نفسه وان حافظ على خصائصه اللسانية والطوبوغرافية .

- أما التكرار الثاني والذي أطلقنا عليه عبارة “التكرار العابر للروايات” فيحمل شعرية أخرى ودلالات مغايرة منها خلخلة عملية التلقي التقليدي ذات الطبيعة الوثوقية .فالقارئ المتابع لتجربة بو جدرة الروائية تهزه هذه التكرارات وتثير عنده أسئلة جمة أهمها :أين قرأ ذلك المقطع ؟ وهذا ما يدفعه في اغلب الأحيان إلى مراجعة مدونة الروائي حتى يعثر على النص المكرر .إن استعادة أحداث بعينها في أكثر من رواية لنفس الروائي تدفع بالمدونة الروائية نحو السيرة الذاتية لأنّ الحدث يتملّص من نسبته إلى الشخصية المتخيلة/الورقية ليصبح لصيقا بشخصية الكاتب.ويفتح هذا الرأي أفقا جديدا لتلقي مؤلفات بو جدرة بين السير الذاتي والتخييل الروائي.

- تشي القراءة التناصية للنصوص المكررة في روايات رشيد بو جدرة بمسألة أخرى يمكن اختزالها في عبارة “النصية الذاتية “أو” التناص الخاص” حسب عبارة جون ريكاردو حيث اتخذ هذا التناص أشكالا مختلفة في المدونة الروائية العربية ,فترتبط روايات الغيطاني بهاجس توظيف التاريخ _المملوكي خاصة_ وترتبط أعمال الطيب صالح باستثمارها للخرافي والأسطوري وروايات أمين معلوف بأدب الرحلة وروايات إبراهيم الكوني بالمناخ الطوارقي وروايات واسيني الأعرج بالتاريخ الأندلسي وبشخصية مريم التي تحولت إلى إمضاء يوقّع به الكاتب جلّ رواياته [18].

- كما تضافرت نصوص بو جدرة باستعادة المقاطع السردية وأحداث بعينها حتى تبدو كما لو كانت رواية نهرية .غير أن قيمة التكرار الحقيقية كما نراها في روايات الرجل تتمثل أساسا في كشفه علاقة الذاكرة بالكتابة .

- إذ أثبت رشيد بوجدرة أن الذاكرة الواحدة بما تحمله من أحداث محدودة وما تختزنه من ذكريات متناهية وعوالم مضبوطة يمكنها أن تكون معينا / منبعا لنصوص لا نهائية فنصبح أمام الذاكرة الواحدة والنص المتعدد.لأنّ التكرار عنده لا يعبر عن قصور في التخييل أو توعك إبداعي أو خداع للقارئ كما يرى البعض باستنساخ الروائي لمقاطع من نصوصه التي كتبها بالفرنسية في نصوصه المكتوبة بالعربية ظانا أن القارئ لم يطلع عليها بالفرنسية ,إنما مثل التكرار استراتيجية كتابة وخصوصية ارتآها الكاتب لتجربته تكشف قدرة الإبداع على إعادة تشكيل محتوى الذاكرة وعلى نسبية الحقيقة وهذا ما يمكن أن يكون تفسيرا لرد بوجدرة على سؤال الأستاذ محمد الساري الذي ذكرناه سابقا من أنّه لم يسبقه إلى تلك الطريقة أحد .

- انفتحت الرواية الجديدة على وسائط أخرى غير اللغة الأدبية فاستفادت استفادة كبيرة من كل الفنون الأخرى مستلهمة فن العمارة في تشكيلها لفضاءاتها التي تدور فيها الأحداث وقد انتبه الروائي العربي إلى هذه النقطة فكانت رواية الزيني بركات لجمال الغيطاني التي قسمها صاحبها إلى سرادقات وكذلك كتابه الخطط الذي استلهم فيه خطط المقريزي ,وفي تونس بنى صلاح الدين بو جاه روايته “السيرك” على شكل البيوت العربية القديمة المقسمة إلى سقيفة ..ووسط الدار ..والمجلس الكبير ..و المقصورة و المستراق و الخوخة …وانسرب فن الرسم إلى الرواية منذ مراحلها الأولى عبر الوصف ورسم ملامح الشخصيات ولكن توظيف الرسم تنوع مع الرواية الجديدة التي تحولت إلى لوحة من لوحات الفن التشكيلي ويكفي أن نذكر بأعمال كلود سيمون الذي يقول “اكتب كتبي كما تصنع اللوحة .

- وكل لوحة تأليف قبل كل شيء” ونمثل لرواياته ب”حديقة النباتات” التي تحول فيها النص الروائي إلى مشهد .من خلال إعادة تشكيل النص المكتوب وتوزيعه الفني على الصفحة أو تكرار حروف بعينها مما يشكل مشهدا بصريا ويلتفت المؤلف أحيانا إلى اللوحات ينقل تفاصيلها كما لو كان يحمل بين أصابعه كامرا _انظر وصفه الدقيق للوحة الغاستون أرشيف الذاكرة في “حديقة النباتات”

- كان رشيد بو جدرة أقرب الروائيين العرب إلى تيار الرواية الجديدة بل هو أحد أعلامها حتى انه كان يستدعى باعتباره ممثلا لهذا التيار في العالم العربي وأفريقيا لذلك كان أكثر الروائيين العرب توظيفا للفنون البصرية وللخطاب الإعلامي في نصوصه .

- ففي روايته “ضربة جزاء “استطاع أن يبني نصا روائيا قائما على تقنية التناوب السردي بين السرد الروائي والخطاب الصحفي المسموع عبر توظيف مادة التعليق الرياضي على مباراة كرة قدم فكان الراوي يقطع سرده لينقل إلينا ,مستعينا بالمذياع الذي يستمع إليه في سيارة التاكسي, صوت المعلق الرياضي قائلا مثلا :”نحن الآن في الدقيقة السادسة عشر من المقابلة ,والضغط الذي يمارسه تولوز قويا جدا, اللاعبون متجمعون في منطقة مرمى فريق أنجي … إنه باليه حقيقي .رجال جول بيجو” وتتكرر تدخلات المعلق الرياضي في الرواية أكثر من عشرين مقطعا يمتد أحيانا على صفحات من المتن .

- وقد أبرزه الروائي ببنط عريض حتى يميزه عن بقية السرد ووصل رشيد بو جدرة في التجريب إلى حدّ عنونة فصول الرواية بنتائج المباراة فعنوان الفصل الأول :تولوز :صفر _انجي :صفر وعنوان الفصل الثاني : تولوز هدف .انجي :صفر وعنوان الفصل الثالث :تولوز 2 .انجي :صفر وعنوان الفصل السابع :فترة الاستراحة ما بين الشوطين .

- كما وقف بو جدرة على عادة روائيي الرواية الجديدة عند بطاقة بريدية ينقل تفاصيلها وجها وقفا فيقول مثلا:”وخطر له أن يرسل إحدى تلك البطاقات إلى والدته […] انجذبت عيناه نحو بطاقة ترتسم عليها صورة تمثال صغير واقف على قاعدة .يمثل رياضيا شاهرا كأسا …[…]وبحركة آلية قرأ الكتابة المحفورة على البياض إلى الجانب السفلي الأيسر منها .قاعدة مجمرة التروسكية:

- أما اسفل البطاقة فهناك كتابة مطبوعة بأحرف أصغر بكثير[…]إلى الجهة العلوية اليمنى من ظهر هذه البطاقة البريدية .مستطيل صغير يحدد موضع الطابع البريدي . وفي وسطها ثلاثة سطور متساوية الأبعاد والبرج .ثم هناك سطرا آخر مطبوع على غرار الأسطر الأخرى ويمثل الثلثين من أطوالها السطور الأربعة مخصصة لكتابة العنوان بدون شك,أما السطر الأخير فهو لكتابة اسم البلد المرسل إليه (ص122 )

- إن نقل الراوي تفاصيل هذه البطاقة البريدية يشي بعمق الوعي البصري للروائي الذي عليه أن يكون رساما وسينمائيا ورياضيا حتى ينقل تلك الألوان والظلال والأبعاد بكل تلك الدقة .و يتكرر هذا الولع بقل اللوحات والصور عند بو جدرة في روايته” معركة الزقاق ” حيث تنهض المنمنمة التي يظهر فيها طارق بن زياد محرّكا أساسيا للسرد الروائي فيحتفل بها أيما احتفال.

- يوظف بوجدرة في رواياته الأخرى الخبر الصحفي كما هو الأمر في روايته تيميمون أين حشد مجموعة من الأخبار الصحفية التي تنقل جرائم الإرهاب بجزائر التسعينات فنقرأ مثلا :”صحافي فرنسي يغتال من طرف إرهابيين إسلاميين بالقصبة في الجزائر العاصمة”(ص77) “تسبب انفجار قنبلة وضعها الأصوليون في مطار الجزائر العاصمة في مجزرة خلفت تسعة قتلى وأكثر من مائة جريح جلهم في حالة خطرة “(ص92) “شغالة منزلية في السادسة والأربعين من عمرها وأم لتسعة أطفال تغتال رميا بالرصاص وهي عائدة إلى بيتها “(ص102) “الكاتب الكبير طاهر جاعوط يغتال برصاصتين في رأسه من طرف ثلاثة إرهابيين وهو يقود ابنته إلى المدرسة “(ص111) يبدو أن الروائي اختار أن يلتقط عناوين الأخبار من على الصفحات الأولى للجرائد أي “المانشيتات” وليس الخبر الصحفي بتفاصيله كما وظفه واسيني الأعرج في روايته “حارسة الظلال “[20] والحق أن توظيف هذه القصاصات الصحفية أصبح مطروقا في الروايات العربية المعاصرة مع واسيني الأعرج وصنع الله إبراهيم ولكن طرق التوظيف هي التي تختلف فبو جدرة حافظ على طوبوغرافية النص الصحفي في روايته “طوبوغرافية نموذجية لعدوان موصوف ” حين استعان بتقنية الكولاج ليقحم خبرين صحفيين كما وردا في الصحيفة بتوزيعهما العمودي يتحدثان عن العنصرية في فرنسا و عمليات الاغتيال التي يتعرض لها المهاجرون الجزائريون .

- إن لإقحام تلك الأخبار في النص السردي وظائف شتى منها الوظيفة الجمالية المتمثّلة في خلخلة المشهد الأفقي/ التقليدي للنص السردي فتربك تلك النصوص خطية التلقي وتخرج القارئ من رتابة القراءة المعتادة لتبعث فيه الحذر .فالقارئ التقليدي لن يتمكن من متابعة النص الحداثي الجديد الذي يتلاعب فيه الروائي بتشكيل الصفحة.فمع روايات كلود سيمون مثلا لا يمكنك أن تقلب الصفحة مرة واحدة لأن عليك العودة إليها لتقرأ مقطعا سرديا آخر يركن في أحد أطرافها لأن توزيع النص ليس توزيعا تقليديا و إنما هو توزيع يخضع لمقاييس جمالية أخرى حولته إلى لوحة لا يمكنك أن تمسحها مسحا واحدا .لقد” تشظى” النصّ داخل الصفحة وتنجّم إلى قطع .و ينهض الخبر الصحفي –إضافة إلى التوظيف الجمالي - بوظائف أخرى لها علاقة بالسرد و سير الأحداث والتلاعب بالزمن السردي وزمن التلقي.

- * إنّ التعامل مع نصوص رشيد بو جدرة الرّوائية مغامرة محفوفة بمخاطر عديدة لأنّ هذا الكاتب يقدّم جماليات جديدة في الكتابة العربية قد لا تتلاءم مع ذائقة القارئ العربي الذي ظلّ إلى وقت قريب سجين نمط كتابي معيّن .

-و الحقّ أنّ عودة بو جدرة إلى العربية حملت معها أشكالا سردية جديدة و غريبة أحيانا على بنية السّرد العربي التقليدي, كما حملت متون رواياته أسئلة جديدة , ربّما استأثرت باهتمام سدنة الرواية العربية فأهملوا في المقابل شعريّة الكتابة و جماليتها لينكبّوا على ما رأوه خرقا لنواميس القصّ العربي و أخلاقياته .

-و اكتفى البعض الآخر بملاحقة الأخطاء اللّغوية التي وقع فيها الروائي- و هي كثيرة حقّا- ليحكم على نصوصه بالنجاح أو بالإخفاق , و لكنّ ,يبدو أنّ النّقد العربي المعاصر بدأ يعود إلى نصوص الرّجل ليحاورها بعيدا عن الآراء المسبقة ,وبعيدا عن القراءة الإيديولوجية ليكتشف جماليات ذلك السّرد العربي المختلف الذي يحفر في أعماق الذات العربية بحرّية غير مسبوقة

--
تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم -75- ألف عام وعام من الحنين رشيد بوجدرة الجزائر

- أصر الروائي رشيد بوجدرة في كل ما كتبه على أن يكون النص جزءا منه أولا؛ فهو ينطلق وفقا لما قاله وصرح به في كثير من المناسبات من تجارب حقيقية يحولها إلى أبعاد ترميزية قادرة على تقمص الحالة الإنسانية عموما أو الحالة الوطنية أو حالة الأمة في أبسط الدلالات.

- أما الرافد الثاني الذي يغرف النص السردي منه أدبه الروائي فهو التراث العربي الإسلامي وما تضمنه من رموز عالمية كالجاحظ وابن خلدون وابن عربي وغيرهم،

- وهكذا يغدو أدب رشيد بوجدرة مدرسة ''استغرابية'' مناقضة للمدرسة الاستشراقية التي تفهم التراث العربي الإسلامي انطلاقا من الغايات الغربية؛

- إذ أن رشيد بوجدرة يضمّن لغته الفرنسية وأدبها الغاية الوطنية والقومية والفهم القومي الأصيل للتراث العربي حين يعبر عنه باللغة الفرنسية، وبذلك يظل أدبه خارج السرب الفرنوكفوني بالرغم من الحروف الفرنسية التي يحبّر بها أدبه،

- وهو بعد ذلك يعمّق هذا البعد القومي حين يغازل الأندلس وإسبانيا واللغة الإسبانية ليزيل تلك الهيمنة الفرنكوفونية التي فرضتها اللغة الفرنسية في ظروف تاريخية معروفة.

- والعمل الفني في جوهره هو هذا إذا كان صاحبه يعنيه جانب الصدق، وإذا كان يعنيه أصالة النبع الذي يستقي منه أدبه، بل إذا كان يريد لقارئه عالما روائيا حقيقيا،

- فهذا التصور الذي ينطلق بوجدرة منه يضمن للقارئ الفرنسي ولكل قارس باللغة الفرنسية التعرف على عوالم ثقافية وقيمية وجمالية غير متوفرة في التجربة الروائية الفرنسية؛ وهنا نتساءل: ماذا يمكن أن نقدم للقارئ الفرنسي إذا أعدنا كتابة فلوبير أو زولا أو بروست أو غرييي أو لو كليزيو؟

- إن وجود بوجدرة ضمن كبار ممثلي الرواية الجديدة مع ''كلود سيمون'' و''آلان روب غرييي'' و''ناتالي ساروت''، لم ينسه البقاء ضمن الرواية المكتوبة بالفرنسية بعيدا عن الرواية الفرنسية، في موقف دقيق شديد التمييز بين مفهومين مختلفين هما: الأدب الفرنسي والأدب المكتوب بالفرنسية.

- يبدو بوجدرة في هذه النقطة في غاية الحذر؛ حذر يمكن أن نستشفه من ذلك الموقف الصريح الحاد الذي وقفه من الروائية آسيا جبار حين رأى ضمها للأكاديمية الفرنسية اعترافا بانتمائها للرؤية الفرنسية، وخدمة الفرنكوفونية،

- وهذا يعني أنه يميز بين اللغة التعبير واللغة الموقف، ويبدو أن هذه الرؤية الحذرة هي التي جعلته يعود إلى التعبير العربي والمساهمة في السرد العربي بدءا من ''التفكّك'' سنة 1982 وهو عنوان شديد الدلالة على التحول من الفرنسية إلى العربية.

- ومن التفكك إلى ''المرث'' عام ,1984 ثم المرث في (1984) وليليات امرأة آرق عام (1985) ومعركة الزقاق في (1986) وتلت هذه الإبداعات مرحلة تأمل واندهاش أمام المشهد الدامي الذي عرفته الساحة الوطنية من تمزق عام كان اقتتال الجزائريين أبرزها، فاستدعت المرحلة قول الموقف السياسي قبل الموقف الفني كسرا لجدار الصمت بداية التسعينيات فكانت ''فوضى الأشياء'' عام (1990) و''تيميمون'' عام .1994

- إن بوجدرة المسكون بالتعبير عن ذاته الباحث في لغة غيره عن إمكانية تصوير أعماقه كان من المنتظر أن يعود إلى العربية التي رآها قادرة على أن تمنحه إمكانات أوسع لتجسيد ذاته وثقافتها وحضارتها وواقعها من خلال الطاقات التعبيرية المختزنة في الفصحى وعامياتها وفي كل الألسن الجزائرية العربية والأمازيغية، وهي الطاقات التي قد لا تستطيع الفرنسية التعامل معها بسهولة، بالنظر إلى تلك العلاقة العميقة الموجودة بين العربية وبقية الألسن الجزائرية التي كثيرا ما تستقي قيمها التعبيرية من العربية ذاتها، وبذلك يكون التعبير العربي حاضنا طبيعيا لها في العمل السردي، بل لعل هذه الطاقات المختزنة في ''العربيات'' هي التي جعلت الرجل يرى أن الأدب الناطق بالعربية في الجزائر أكثر عمقا من التعبير الفرنسي، غير آبه بمسألة الكم القرائي الذي كثيرا ما يثار في هذا السياق.

- يمكن القول كذلك بأن هذه الأصالة الفنية التي حققها رشيد بوجدرة قد تكون هي التي أغرت عددا من كتاب الرواية العربية في الجزائر لتجريب كتابة الرواية باللغة الفرنسية، لكن عودة رشيد بوجدرة إلى العربية هي ضمن البحث الفني الأكثر ثراء، قبل أن تكون عودة إيديولوجية - إن سلمنا بإيديولوجية لغة التعبير- مع العلم أن معظم حالات التعبير الفرنسي لدى الجزائريين قد شهدت هذا ''الهاجس الرجوعي'' الذي نجده قويا لدى مالك حداد الذي أعلن موقفه بشكل صريح حين عد الفرنسية منفى، وفي غصرار مولود فرعون على تجسيد حياة قريته ولغة قريته بإدخال عدد من الكلمات المحلية ككلمة ''الجماعة'' التي يذكرها حرفيا بهذا الشكل، ويظهر هذا الهاجس بقوة أيضا في بوح محمد ديب الفني الذي راح يترجم من العامية ومن الثقافة العربية ويحاول التقرب من الروح العربية قدر المستطاع ، فقال مثلا:
je te coupe la parole je couperai dans ta bouche du miel
- ويبدو بوجدرة مولعا بالمضي في هذا الخط إلى أبعد الحدود حين يورد نصوصا لكبار الكتاب والعلماء العرب في رواياته، بل وحين يدخل في تفاصيل اللغة اليومية الجزائرية ليتمكن من دخول ذاته بصدق لا تمنحها له إلا اللغة العربية.

قديم 03-02-2016, 06:03 PM
المشاركة 1432
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
اليتيم رقم 10 - ليلى عسيران

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 97- عصافير الفجر ليلي عسيران لبنان

- عاشت الأديبة ليلى عسيران محنة الحرب بضميرها وإحساسها، فحلقت بخيالها وواقعها في ضمائر البشر المرهفين بنزيف الأرض وغضبها، وجالت في خواطرهم وعاشت معاناتهم، وإيمائهم بالعاصفة والثورة التي ستنفجر الحياة بعد الموت. فلقد استشهد خالد فولد أحمد، وقاتل سليمان ليُحرر والده الأخرس، نسفت البيوت فراحت النساء تزغرد، وبين قلب مريم وسهير ولد حب جديد طاهر مهّد تراب أرضه لتخطو عليه أقدام المقاتلين برقة. وظل مازن عينين نقيتين، وفؤاداً طاهراً، يحمل حزناً عجيباً لأنه استطاع أن يطلق من عبراته بسالة الشجاعة وأعجوبة الفرح، وفي رهبة الليل تصاعدت أنفاس "الختيار" تتخطى لهاث خطوات الخطر المهيمنة على "العاصفة" في كل التفاتة. ولكن الشمس كانت تشرق في سواد الليل فجراً، في نسمات اليقين والاطمئنان، العاصفة، الثورة،

-أحداث ناشدتها المؤلفة وهي أهم من الحرب تفردها عصافير الفجر قائلة: الثورة حتى النصر.

---
تابع .....

- ليلى عسيران صحافية، وروائية صدرت لها ثلاث روايات عن الفداء

- كانت اول امرأة تقيم بين الفدائيين في قواعدهم العسكرية. ونتيجة لهذه التجربة صدرت لها روايتان: "عصافير الفجر" و"خط الافعى"...

- عاشت في منطقة جسر الباشا المحاصر اثناء الحرب الاهلية (1975 – 76) وكتبت عن هذه التجربة رواية "قلعة الاسطى"...

- ترددت على قرى الشريط الحدودي في الجنوب اللبناني المحتل حيث صورت الصمود والنضال في وجه الاعتداءات الاسرائيلية الوحشية المتكررة في روايتها "جسر البحر"...

- منحت عام 1997 وسام الاستحقاق اللبناني من رتبة فارس تقديرا لاعمالها الروائية...

- من اقوالها في حديث لها مع مجلة "الاداب": "كان في حياتي صراع دائم بين الطوق الادبي وارتباطي بالحدث القومي، وان قصتي "المدينة الفارغة" تعبر عن احباط...
-
تصوروا انني وصفت بيروت المتألقة بالمرأة الجميلة التي لا عقل لها ولا ذكاء، وبعملي هذا اقترفت جريمة بحق بيروت...

-كانت كتبي ممنوعة من دخول الاردن، ومنحت تأشيرة باذن خاص لاكتب عن الحرب... كتبت عن شهداء فلسطين الاحياء...

- من الصعب أن تنسى امرأة وجوه جرحى النابالم...

- ساعات طويلة امضيتها تحت الشمس أشاهد نزيف النزوح، وهذه المشاهد محفورة في نفسي.

- وبعد أن قرأت بعض ما قالته أديبتنا، وبعد ان تشبعت بقراءة بعض رواياتها التي تفوح منها روائح القومية، والاسلوب الفلسفي والشفافية النسائية والانسانية، الى جانب مواقفها السياسية الرائعة، سعيت الى لقائها في منزلها العريق في بيروت، حيث كان لي معها هذا الحديث المتواضع، قياسا بآفاقها الادبية والفلسفية.

- وإن كنت التقي معها عند الشريط الحدودي في الجنوب اللبناني المحتل حيث الاعتداءات الاسرائيلية الوحشية المتكررة، وحيث الصمود والنضال كما صورتهما في روايتها "جسر البحر" ولكنني سأبقى بانتظار ان يرفرف علم لبنان فوق هذا الجزء العزيز المحتل، وان يسجل التاريخ العربي ما كتبته الاديبة ليلى عسيران الحافظ عن ذلك الصمود الاسطورة.

- تقول لقد دخلت عالم الصحافة من باب تجربة الحياة، وتخصّصت في التحقيق
السياسي والفلسفة في الجامعة الاميركية في بيروت، ثم كتبت عددا لابأس به من القصص القصيرة كتجارب ادبية اولية. لقد استفدت كثيرا من اجواء السياسة، التي انغمر في غمارها امين الحافظ، وذلك قطعا اخذ يضيف الى تجربتي مع الناس في كل مستوياتهم، وكذلك اخذ وقتا من تفرّغي الكامل لبيتي ومطالعاتي وتجاربي في ممارسة الادب والنشاطات

- وتقول انا أؤمن أن تحرير المرأة يبدأ من العقل والفكر والوجدان، وينتهي بالاكتفاء المادي لها. الا أن المجتمع اللبناني لم يزل لا يعطي المرأة كل حقوقها، مثله مثل العالم أجمع، إذ أني أقرأ عن العنف المستعمل ضد المرأة في اميركا وفي اوروبا. لكن في كل الاحوال لا أؤمن ولا أقرّ الا أن تكون المرأة انسانة لها كرامتها وليست منصاعة ومقهورة ومنساقة الى ظروف الحياة القاسية، سواء أكانت تلك الظروف مادية، أو نفسية.

من مقابلة اجرتها : نجاة فخري مرسي

تركت ليلى عسيران العديد من الرويات التي حكت فيها قصص قريبة للواقع من يوميات المعراك في المخيمات الفلسطينية على ضفاف نهر الأردن، إلى يوميات حرب 1967م، وصولا إلى الكتابة عن بيروت ومعاناتها وغيرها من الخيبات العربية، حتى قيل أنّ ليلى عسيران هي مؤرخة الخيبات العربية.


---




تابع...

- عندما كتبت ليلى عسيران: «مسح الغروب ألوان الدنيا من أعيننا، وانقض سواد باهر ساطع، وزف إلينا حلول الليل بهيبته وعظمته»، لم تكن تقصد لحظة غارت عيناها أمس، وانخطف الضوء من حياتها إلى الأبد، إنما كانت تصف إحدى الليالي التي قضتها في مخيم للمقاومة الفلسطينية، على ضفاف نهر الأردن، في كتابها «خط الأفعى» الذي كتبته عام ,1972 وأضافته إلى مؤلفاتها التي بلغت سقف الدزينة من الكتب.

- ليلى عسيران التي كان لها شرف المساهمة بالقلم والفعل في يوميات المقاومة الفلسطينية منذ نشأتها، وقد عبرت عن ذلك في روايتها الأخرى «عصافير الفجر»، كانت الصوت المدافع عن ثورة عبد الناصر، وكل ثورة عربية ووطنية في عالمنا العربي، وصولاً إلى المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية في جنوب لبنان، خصوصاً أنها ابنة هذا الجنوب، أحبت وجسدت معاناته في كتابها «جسر الحجر»، ولم يسعفها العمر كي تحقق رغبة بقيت دفينة فيها، وهي كتابة رواية عن «معتقل الخيام» ومعاناة الجنوبيين في سجون العدو الاسرائيلي.

- إبنة الجنوب المتعاطفة مع قضية العرب الأولى، فلسطين، عاشت عمرها مع ابن قاضي القضاة في فلسطين، أعني ابن طرابلس، الرئيس أمين الحافظ، الذي ضيّق السياسيون الخناق عليه عندما وصل إلى الحكومة، و«أبعدوه» عنها بسبب مواقفه الوطنية والقومية، وقد استمر، هو المثقف، مع زوجته التي شربت الثقافة مع حليب الطفولة، في فتح بيتهما لاستقبال سياسيين ومنفيين ومثقفين من كل الألوان، متخطين حواجز المناطق والطوائف وكل الحساسيات البغيضة.

- تلك المرأة، التي حولت بيتها إلى خلية ثقافة ونضال، لم تهدأ، فقد عملت، منذ البداية، من أجل تحرير المرأة، تبع رؤية خاصة اقتنعت بها، وهي أن تمارس المرأة نضالاً مشتركاً مع الرجل، من أجل القضايا الوطنية العامة. وهذا ما تجلى في أولى رواياتها «لن نموت غداً». ورفضت أن تستسلم لليأس، ووقفت ضد تعميم تعبير «النكسة» على هزيمة عام ,1967 ذلك أن الفعل الفلسطيني، برأيها، من خلال المقاومة، قلب اليأس تفاؤلاً.

- هذا ما أكدته في كتابها «شرائط ملونة» الصادر عام ,1994 والذي ضمنته العديد من محطات سيرتها، وجاء كأنه رواية الروايات، أو سيرة السير، أتبعته بسيرة معاناتها مع المرض، في «غيبوبة»، آخر ما خط قلمها، قبل أن ينكسر.

- وإذا كانت ليلى عسيران تنتقي فسيفساء السيرة وتشكلها بالألوان التي تريد، تسمي الأشياء بأسمائها مرة وتحاذر أسماء أخرى، أو تغض النظر عن تفصيل محرج هنا وتفصيل مسيء هناك، فلم تكن الكاتبة الراحلة بعيدة عن الجرأة في المواقف والكتابة، لا في وصف المظالم ولا في نقد السلبيات، ولا حتى في الكلام على الحب والجنس.

- هي جدية حتى اندماجها بالثورة قولاً وفعلاً، وتصدر عن هوى وجنون ومزاج جاهز للانقلاب. رومنسية حتى لتشعر أحياناً أن روايتها أغنية حنين، أو نشيد شعب، أو رسالة حب.

- لم تكن الأرض تتسع لليلى عسيران، فعاصمتها بيروت، التي خافت عليها في روايتها «المدينة الفارغة» (1966) وتوقعت أن تملأ حرب ما هذا الفراغ فيها، لم تكن تملأ عينيها، لذلك كان جمال روما يبهرها أكثر.

- كان الطموح يقتلها، إلى درجة كانت تشعر فيها أن التعبير بالكلمة، عما يجول في النفس، وفي وصف شخصيات الرواية، لم يفها بالغرض، فكانت تشعر أحياناً بأنها تقصّر عما تقدر الصورة الفوتوغرافية أو اللوحة على تصويره أو التعبير عنه.

- كانت ليلى عسيران تشعر بأن الحياة يجب أن تتسع لإبداع أكثر، وحب أوسع، وجمال لا ينتهي... لكن الضوء انطفأ في الغرفة، وفارقتها طيور المخيلة، وبقيت رواياتها تكرر سيرتها الفاتنة.

قديم 03-03-2016, 01:46 PM
المشاركة 1433
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
والان مع اليتيم رقم 11

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم 62- السقا مات يوسف السباعي مصر

- صدرت لاول مرة سنة 1952 م عن دار النشر للجامعيين.
- يعتبرها الكثير من النقاد أهم رواية كتبها يوسف السباعي
- تدور أحداثها في حارة مصرية في العشرينيات.
- تدور الفكرة الرئيسية في الرواية حول فلسفة الموت ومحاولة الشخصية الرئيسية " المعلم شوشة السقا " للهروب من ذكرى وفاة زوجته الشابة.
- المفارقة تحدث عندما ينقذ المعلم شوشة شخص ما من الضرب في أحد المطاعم ثم تتوثق علاقته به ويدعوه للإقامه معه في بيته مع حماته وابنه سيد، وهو لا يعلم ان هذا الشخص يعمل في مجال متعلق بدفن الموتى.
- ينفر المعلم شوشة من ضيفه في البداية إلا إن الضيف سرعان ما يتمكن من إقناع المعلم شوشة بمواصلة حياتة ونبذ الخوف من الموت،
- إلا أن أكبر مفارقة تحدث عندما يموت الضيف نفسه فجأة في بيت شوشة فينهار المعلم بسبب ذلك.
- بعد فترة يستعيد المعلم شوشة عافيته ويأتيه خبر سار بتعيينه شيخاً للساقيين في المنطقة،
- إلا أن البيت ينهار فوق رأس المعلم وتنتهي حياته في مشهد قوي ومؤثر.
تحويل الرواية إلى فيلم
- حاول المخرج الراحل صلاح أبوسيف تحويل الرواية إلى عمل سينمائي في السبيعينيات إلا إن جميع المنتجين رفضوا المغامرة بإنتاج فيلم يتحدث عن الموت.
- تمكن صلاح أبو سيف في النهاية من الحصول على موافقة المنتج والمخرج يوسف شاهين على إنتاج الفيلم بالاشتراك مع شركة ساتبيك التونسية سنة 1977، حيث قام بكتابة السيناريو محسن زايد بالاشتراك مع صلاح أبو سيف. وقام بالتمثيل فيه : عزت العلايلي، فريد شوقي، أمينة رزق، ناهد جبر، حسن حسين، شويكار، بلقيس وتحية كاريوكا.
- إلا إن نهاية الفيلم مختلفة عن نهاية الرواية، حيث تعمد كاتبي السيناريو أن تكون النهاية فيها قدر من التفاؤل.

====
تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم 62- السقا مات يوسف السباعي مصر
- وسط كل أعمال يوسف السباعي الرومانسية والوطنية تبقى رواية "السقا مات" بمثابة درته الفريدة ..
-ليس فقط بسبب تكوينها المتقن
- وشخصياتها الساحرة
- ولكن لأنه أضمر فيها معضلة الموت المكتوب على كل الكائنات..
- تدور أحداث الرواية في عشرينيات القرن الماضي وسط أحياء شعبية تفوح بتقاليد مصر العتيقة ..بالتحديد في حي الحسينية حيث يقع صنبور المياه الحكومي القائم في زوايا درب السماكين ..يقف أمامه صف طويل عريض من النسوة ذات الصفائح والرجال ذوي القرب ..أحدهم هو المعلم شوشه بطل هذه الرواية الذي يجمع أفضل خصائص ابن البلد بشهامته ورجولته وكريم عنصره رغم ضيق الرزق وكدح المهنة ..صلب العود رغم نحوله ..متدين لا يضيع صلاة ، رزين طويل الصمت ، يغلب عليه الحزن والتفكر ..ويولي اهتماما خاصا بشجرة تمرحنة في السراي المجاور لسبب سوف يتضح فيما بعد .
- أما ابنه سيد فهو مجرد صبي في التاسعة من عمره ..شديد الحيوية إلى حد آسر ..مفردات عالمه الطفولي الساحر هي مشاكسة الشيخ كفتة صاحب الكتاب الذي ذاق الويل من شقاوته ..وتسلق أشجار السراي المثمرة لجمع البلح الأحمر والجوافة وزعامة مجموعة من الصبية " حرشه وزكي الحدق " يلعبون الكرة الشراب والبلي الذي يحصده دائما ..أما مشاكله المستعصية فمحاولة الفرار من غسيل الوجه بالصابون الذي يؤلم عينيه رغم إصرار جدته الكفيفة التي ترعاه بعد وفاة أمه ( يعني يتيم؟!) .
- كانت سعادته لا توصف حينما قرر أبوه المعلم شوشه إخراجه من الكتاب لتلقينه مبادئ مهنة السقا ..كان فخورا برجولته الوليدة ويحاول تقليد الكبار بلهجة رجولية خشنة مثيرا عاصفة من الضحك حيثما ذهب ..وفي مسمط الحاجة زمزم بدرب عجور كان تعرفهما على الشيخ شحاته ..ذلك الكهل لطيف الملامح بشوش الوجه الذي يرتدي جلبابا من الدمور وجاكتة قديمة ..وفي قدميه حذاء بال مربوط بالدوبارة ..وفوق رأسه طربوش أسود منهار الجوانب مائل على حاجبه الأيسر في عياقة لا تتناسب مع مظهره المثير للرثاء ..وكان ذلك الرجل الذي لا يملك من مظاهر الأفندية غير الطربوش والجاكتة لا يكف عن مغازلة الحاجة زمزم بتلعيب حواجبه بطريقة آلية منتظمة هازا رأسه في شبه أسف وطرب : يا ميت ندامة على اللي حب ولا طالشي !.
- تأثير تلك المغازلة على المعلمة الضخمة الجثة كان ظاهرا بتمايلها طربا وضحكتها الناعمة نسبيا وهزة رأسها المعصوب بعلامة الرضا ..لكن ذلك لم يشفع له وقت الجد حينما حان تبين إفلاسه عند دفع الحساب..ولم ينقذه من براثن المعلمة المخيفة غير شهامة المعلم شوشه الذي دفع له حسابه لتنشأ علاقة صداقة متينة بينهما تصل إلى حد استضافته في الدار .
- وهناك نتعرف على مهنته العجيبة ..مطيباتي جنازات ..يرتدي بذلته السوداء ويلبس الفوطة الحمراء على وسطه – طباعة العرقسوس – ويمسك في يده القمقم ويمشي أمام الجنازات من باب الافتخار حتى يزف الميت لمدفنه ..بعدها ينال نصف ريال من متعهد الجنازات ..وقع ذلك كان ثقيلا على المعلم شوشه الذي بدأ يشعر بالرهبة من صديقه المخيف الذي حاول أن يشرح له فلسفته الخاصة عن الموت والحياة .
- " إن وجه الأرض متغير وكل الكائنات محدود أجلها ببداية ونهاية ..هذا المقعد ، تلك اللبلابة ، هذه القطة ..هذا الجلباب ..لكن الإنسان يتملكه الغرور فلا يريد أن يذهب في هدوء ويأبى أن يقارن نفسه بالقطة والمقعد والجلباب ..يكره الموت ويأبى قبوله ويرفض تعوده وترويض نفسه عليه ..في بداية عمله بمهنته كان بكاؤه يشتد عند رؤية الميت رغم سخرية الزملاء القدامى ..بالتدريج صار أقل تأثرا ثم لم يعد يبالى قط حتى ليسير في الجنازة وكأنه في نزهة مستغرقا في أفكاره الخاصة .
- بعدها بدأ التعود على النزول لداخل المقبرة عازما أن يهزم في نفسه مخافة الموت ..في المرة الأولى تملكته الرجفة حينما لامس لحم الميت البارد وجسده اليابس ولكن بعد لحظات هزم الخوف واقنع نفسه أنه يحمل فخذة خروف أو دجاجة مذبوحة ..أليس كلاهما جسد ميت من لحم وعظم ؟..وحتى المقبرة لم تعد تمثل له سوى مجرد قبو تحت الأرض مليء بالعظام والجيف ..في تلك اللحظة التي أعلن فيها انتصاره على رهبة الموت صار يعتبر نفسه أشجع إنسان في العالم ..لقد احتقر الموت فاحتقر – تبعا لذلك – الحياة ."
- حينما انتهى الشيخ شحاته من محاضرته الحارة على صديقه الجديد المعلم شوشه فوجئ بالدموع تنساب على وجنتي الرجل الجلد الصموت في أخاديد وجهه المغضن ..لطالما عذبه تفكيره المتواصل في الموت الذي حصد زوجته الحبيبة منذ تسع سنوات وهي تلد ابنه الوحيد سيد ..ولطالما سهر الليالي يسأل نفسه ، ويسأل السماء والنجوم أيضا : لماذا ماتت ؟..بل لماذا نولد إذا كنا سنموت حتما ؟
- من كان يصدق أنها ستموت ؟ بجسدها القوي ووجهها النضير وثغرها الباسم وعينيها الضاحكتين المتلألئتين وشجرة التمر حنة التي زرعتها بيدها الرقيقة في حديقة السراي وكانت سبب تعارفهما ..من يصدق أنها تقبع في حفرة رطبة مظلمة بباطن الأرض مسلوبة الحركة فاقدة الحياة لتصبح بعد حين هيكلا أكله البلى وعظاما نخرها السوس ؟..كان يسأل نفسه في يأس فيستعصى الجواب حتى دخل شحاته أفندي في حياته بمهنته المخيفة وفلسفته العجيبة .
- وتمر الأيام بالجميع بتفاصيلها الكثيرة التي تصنع الحياة ..وأصبح شحاته أفندي ضيفا دائما ومصدر سرور لا ينقطع للأسرة التي يغلب عليها الصمت والوجوم في غيابه..
- لقد أحبه الكل لشخصيته البشوشة وحبه الواضح للحياة ..سيد وجده صديقا كبيرا يقوم بتعليمه العزف على الناي ويصنع له الطائرات الورقية والكرة الشراب ويبتاع له - من وقت لآخر - أطايب الطعام حينما ينفحه متعهد الجنازات بمنحة سخية ..الجدة الضريرة أحبته من صميم قلبها الطيب المتسامح ..والمعلم شوشه وجد فيه صديقا مخلصا مقبلا على الحياة رغم حرجه من غزله للنساء ..وفي كل مرة يعتذر بأنه لا يملك نفسه حينما يرى صنف الحريم ..على الفور يقوم بتلعيب حواجبه ويبدأ فورا في الغزل " أموت في الملبن أبو قشطة ، هز يا وز "..وعبارات من هذا القبيل ..
- الرجل الذي يمتهن الموت كان شديد العشق للحياة ( هذا ما نقوله دائما ان الحياة تولد من رحم الموت) ..يعشق الكيف والنساء والطعام الجيد ، ويعيش اليوم بيومه دون أن يحمل هم الغد ..ويتعجب جدا من قهر المعلم شوشة لرغباته متسائلا : ما جدوى الحياة بدونها ؟.
- وبرغم إفلاسه المزمن فقد كان مستعدا لدفع خمسين قرشا كاملا ( وهو مبلغ باهظ بأسعار هذه الأيام ) من أجل سهرة حمراء مع عزيزة نوفل صاحبة الجسد الممتلئ الملتف في ملاءة تنحسر عن ثوب أحمر بدت منه ذراعان بيضاوان ناصعتا البياض وكشفت فتحة الصدر عن ملتقى الثديين المكتنزين فإذا ولت وجهها بدا ظهرها أشد تفصيلا وتفسيرا وإقناعا وإغراء واستدعاء ..
- من أجلها تفاوض مع القواد صاحب الشارب المفتول ، وذهب للعطار ليشتري جوزة الطيب وعود قرح وساوم الجزار على رطل كلاوي بتلو و(توضيبة ) من المخاصي والمواسير ، واقترض قطعة حشيش من زميله الشيخ سيد مخزن المخدرات المتنقل الذي يجلس ويتحرك ويتكلم وكأنه في غيبوبة دائمة ..و( خبط ) عدة جنازات مهلكة من مصر القديمة للمجاورين حتى هده التعب فنام قليلا ليستريح استعدادا لسهرته ..ذلك النوم الذي طال حتى أقتحم عليه المعلم شوشة غرفته فوجده ميتا .
- أجل ..مات مشيع الجنازات والساخر من الأموات دون أن يظفر بعزيزته !!!..
- كان وقع ذلك مروعا على الأسرة الصغيرة التي احبته .. في بادئ الأمر شعر المعلم شوشه بالخوف من دخول غرفة الميت ومن لمس الجثة لكنه تذكر قول صاحبه عن الأموات واحتقاره للموت واستخفافه بالجثث . وكمجاملة أخيرة قام بارتداء البذلة السوداء والفوطة الحمراء والطربوش إكراما لمشيع الجنازات في رحلته الأخيرة .. وعزم في نفسه على النزول للمقبرة محاولا أن يهزم رهبة الموت كما فعل صاحبه ..وبالفعل أمسك بالجثة رغم تلك الرجفة - التي هزته - من برودتها ولكنه همس لنفسه : لا تخش شيئا ..إنها لحمة ميت ..مثل فخذة الخروف أو الدجاجة المذبوحة . كانت معركة بينه وبين رهبة الموت ولكنه صمم على الانتصار قائلا لنفسه إنها أنقاض لم تعد لنا بها صلة ..مواد فانية متحللة لا فارق بينها وِبين أنقاض الدور وبقايا الأثاثات القديمة ، فعلام الرهبة ؟
- ولم يكد المعلم شوشة يسير أول خطواته داخل القبر حتى صدمت قدمه جمجمة ميت راحت تتدحرج على الأرض بصوت مكتوم فكانت قرعته للجمجمة هي دقة الهزيمة ..لقد أنهار الرجل تماما وجثا بالميت على الأرض ودفن رأسه بين كفيه واندفع في نحيب حاد .
- كلا ، ليست هذه العظام أنقاضا كأنقاض الدمن ..إنها آثار عزيز غاب ودلائل حبيب فقد ..فما أعز البقايا وأكرم الأنقاض !!!. وأسرع الرجال بوضع الجثة في مكانها وإخراج المعلم شوشة من المقبرة بعد أن انهارت مقاومته وتحطمت أعصابه .
- لكن الأيام منحته فرصة أخرى ..لقد جاء زميل لشحاته أفندي يعلنه بجنازة موشكة ..وحينما أخبره بموته وتجاوز الرجل صدمة النبأ طلب منه أن يحل محل شحاتة أفندي كمطيباتي جنازات ..وبسرعة وافق المعلم وارتدى البذلة السوداء والفوطة والطربوش لا لكسب مادي بل لدخول معركة ..لقد خسر الجولة الأولى وها هي تسنح له الفرصة لجولة ثانية وثالثة ورابعة .
- في البدء لم تكد عيناه تقع على النعش الملفوف في حرير أبيض حتى اندفع في نوبة بكاء عنيفة رغم نوبة الضحك التي أصابت بقية ( الزملاء ) الذين كانوا ينظرون إليه نظرة كل محترف متمكن في مهنته إلى مستجد غشيم يبدأ المهنة لأول مرة ..وحتى منطق الشيخ سيد ( مخزن المخدرات المتنقل ) بأن الميت مستريح أربع وعشرين قيراط بينما الأحياء في كد ونصب لم يقنعه ..
- وتوالت عليه جولات الصراع سريعة متتالية فقوت من مقاومته وزادت من صلابته ..في كل جولة كان يجد نفسه أهدأ أعصابا وأقل حساسية حتى أيقن أنه يسير في طريق النصر غير مبال بهمسات جيرانه الذين قالوا أنه يهوى الأحزان أو أصابته لوثة .
ومرت الأيام وأعتاد الكل ذلك فيما عدا ابنه سيد الذي تشاءم من تلك المسألة البغيضة التي يشتم منها رائحة الموت الكريه الذي أختطف صديقه الكهل شحاته أفندي فيما مضى بلا رجعة ..ولم تقنعه حجج أبيه الذي صارحه بأن هدفه الوحيد هو الاعتياد على وحشة الطريق التي سيقطعها يوما ما .. إنها مسألة ترويض لا أقل ولا أكثر ..كل جامد في الأرض أبقى من الحي فما أضعف مادة الحياة .!! . يموت الكل ويبقى الحي الواحد ..الباقي القوي.
- كل هذا لم يكن مقنعا لابن التاسعة الذي لا يتصور فقد أبيه بعد رحيل أمه ..وفي النهاية رضخ المعلم شوشة لدموع ابنه واعدا بالامتناع عن تشييع الجنازات ..ذلك الوعد الذي لم يعصمه من الموت بعد أيام قليلة حينما أصابته وعكة صحية ألزمته الفراش فتصادف انهيار المنزل عليه نتيجة لشق كبير في جدار البيت أهمل علاجه ليموت الرجل الكريم النفس تحت الأنقاض .
- كان مشهد الجنازة مؤثرا جدا ..لقد ارتدى الصبي الصغير عدة الشغل التي لطالما ارتداها أبوه ..دس ساقيه في البنطلون الطويل المهرول وأدخل ذراعيه في الجاكتة الواسعة الفضفاضة ووضع الطربوش على رأسه فهبط حتى استقر على أذنيه ليرى الناس قزما يهرول في بذلة سوداء فضفاضة وقد اندفع حاملا القمقم متخذا مكانه أمام النعش فغلبهم التأثر وتفجرت الدموع في عيون الرجال الشداد الغلاظ الذي يحملون الجثة في المحفة .
- وبدأت الجنازة سيرها والصبي على رأسها وقد بدا عليه التجلد لولا دمعتان تجريان في صمت على خديه وهو يسترجع قول أبيه منذ بضعة أيام :
" إنها مسألة ترويض لا أقل ولا أكثر ..كل جامد في الأرض أبقى من الحي فما أضعف مادة الحياة !!..يموت الكل ويبقى الحي الواحد ..الباقي القوي ".

===

قديم 03-04-2016, 06:31 PM
المشاركة 1434
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم 62- السقا مات يوسف السباعي مصر

- والده "محمد السباعي" الذي كان متعمقا في الآداب العربية شرعها ونثرها ومتعمقا في الفلسفات الأوروبية الحديثة يساعدها إتقانه اللغة الإنجليزية.

- السباعي الأب ترجم كتاب (الأبطال وعبادة البطولة) لتوماس كارلايل.

- وكتب في مجلة (البيان) للشيخ عبد الرحمن البرقوقي. كان "محمد السباعي" الكاتب والمترجم يرسل إبنه الصبي "يوسف" بأصول المقالات إلى المطابع ليتم جمعها، أو صفها، ثم يذهب الصبي يوسف ليعود بها ليتم تصحيحها وبعدها الطباعة لتصدر للناس.

- حفظ "يوسف" أشعار عمر الخيام التي ترجمها والده من الإنجليزية وفي أخريات حياته كتب قصة (الفيلسوف). ولكن الموت لم يمهله فتوفى وترك القصة لم تكتمل. وأكمل القصة "يوسف السباعي" وطبعت عام 1957 بتقديم للدكتور "طه حسين" وعاش في أجوائها "يوسف".

- القصة جرت في حي السيدة زينب، وأحداثها في العقود الأولى من القرن العشرين. وحسن أفندي مدرس اللغة الإنجليزية في مدرسة أهلية هو (الفيلسوف) وصور محمد السباعي أزمة حسن أفندي العاطفية تصويرا حيا.

- كان "يوسف" أكبر إخوته في الرابعة عشرة من عمره عندما ، إختطف الموت أباه الذي إمتلأت نفسه بحبه وفاخر أقرانه به وعاش على إسمه الذي ملأ الدنيا ، ولم يصدق أن أباه قد مات. وتخيل أن والده غائب وسوف يعود إليه ليكمل الطريق معه ، وظل عاما كاملا في حالة نفسية مضطربة يتوقع أن يعود أبوه بين لحظة وأخرى. ولهذا كان "يوسف" محبا للحياة يريد أن يعيش بسبب واحد هو ألا يقع إبنه "إسماعيل" في تجربة موت الوالد.

- ولد في 10 يونيو عام 1917م. وكان أبوه "محمد السباعي" محبا لأولاده يوسف ومحمود وأحمد. ويقول يوسف بكل الود عن أمه .. (كانت أمي تراني طفلا مهما كبرت ، تسأل دائما عن معدتي .. مليانة واللا فاضية .. كانت مهمتها أن تعلفني وكانت دموعها أقرب الأشياء إليها .. كان يوسف يرى في أبيه مثقفا وفنانا بوهيميا ..

-ولكن عانى من تنقلات السكن الكثيرة فتنقل يوسف تبعا لها إلى مدراس كثيرة .. وادي النيل، مدرسة الكمال، مدرسة محمد علي، مدرسة الخديوي إسماعيل. حتى حصل يوسف على البكالوريا القسم العلمي من مدرسة شبرا الثانوية عام 1935م.

- وكانت الحالة مستورة وعلى (قد الحال) مما يضطره إلى أن يمشي من أقاصي شبرا إلى العتبة على قدميه.

- وكان قريبا من عمه "طه السباعي" الوزير في فترة من حياته. وتزوج يوسف إبنة عمه "طه" ورزق منها بإبنته "بيسه" وإبنه إسماعيل" والطريف أن "يوسف السباعي" لم يلتحق في مرحلة (التوجيهية) بالقسم الأدبي ، وإنما إلتحق بالقسم العلمي ، وكان أقرب المدرسين إليه الأستاذ "شعث" مدرس اللغة العربية و"الأستاذ" فؤاد عبد العزيز" مدرس الرسم الذي يعاون في إخراج (مجلة شبرا الثانوية) ، وكان يلحتق بالفنون الجميلة قبل أني قدم أوراقه للإلتحاق بالكلية الحربية.

- وإلتحق بالكلية الحربية وتخرج فيها عام 1937م وعام 1940م بدأ بالتدريس لطلبة الكلية الحربية – سلاح الفرسان. وأصبح مدرسا للتاريخ العسكري بالكلية الحربية عام 1943. وأختير مديرا للمتحف الحربي عام 1949.

- وعام 1956 عين سكرتيرا عاما للمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية. وعام 1957 سكرتيرا عاما لمنظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية. عام 1960 عين عضوا بمجلس إدارة روزاليوسف. ورئيسا لمجلس إدارة دار الهلال ورئيسا للتحرير عام 1971. وأختير عام 1973 وزيرا للثقافة. وعام 1976 رئيسا لإتحاد الإذاعة التليفزيون. ورئيسا لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام ورئيسا للتحرير. وفي 18 فبراير من عام 1978م أسند رأسه على صدر مصر ومات على أثر رصاصات غادرة أطلقت عليه في قبرص.

- في مدرسة شبرا الثانوية كان يجيد الرسم وبدأ يعد مجلة يكتبها ويرسمها وتحولت المجلة إلى مجلة للمدرسة بعد أن أعجبت إدارة المدرسة بمجلة التلميذ يوسف محمد السباعي وأصبحت تصدر بإسم (مجلة مدرسة شبرا الثانوية)

-ونشر بها أول قصة يكتبها بعنوان (فوق الأنواء) عام 1934 وكان عمره 17 عاما ولإعجابه بها أعاد نشرها فيما بعد في مجموعته القصصية (أطياف) 1946م.

-وأما قصته الثانية بعنوان (تبت يدا أبي لهب وتب) نشرها له "أحمد الصاوي محمد" في المجلة التي كان يصدرها بإسم (مجلتي) عام 1935 إلى جانب أسماء الدكتور طه حسين وغيره من الأسماء الكبيرة وعام 1945 كانت تصدر في مصر كل يوم سبت (مجلة مسامرات الجيب) صاحـبها "عمـر عبد العـزيز أمين" صـاحب (دار الجيب) التي كانت تصدر أيضا روايات الجيب. ويرأس تحرير (مسامرات الجيب) "الأستاذ أبو الخير نجيب" الذي عرف بمقالاته الساخنة ، وكان يوسف السباعي ضابطا صغيرا في الجيش يكتب قصة كل أسبوع. وكانت المجلة إنتشر لوحة فنية كل أسبوع ويكتب لها يوسف السباعي قصة هذه اللوحة الرائعة التي كانت تدفعنا إلى الإحتفاظ بها. ومن الطريف أنني – وكنت وقت ذاك طالبا بالتوجيهية بأسيوط كتبت للمجلة مقالا بعنوان (مصطفى النحاس المفترى عليه) وأرسلته بالبريد وفوجئت بالمجلة تنشر المقال. ثم مضت السنوات وعملنا مع "عمر عبد العزيز أمين" عندما عملت منذ عام 1962 بالدار القومية للطباعة والنشر وكان هو مستشارا لهذه الدار. أما أبو الخير نجيب فقد قابلته في يناير عام 1948 ، وكان رئيسا لتحرير جريدة (النداء) التي أصدرها "الأستاذ يس سراج الدين" وكان مقرها أعلى عمارة في شارع قصر النيل. وبالمناسبة كنت متهما في قضية المظاهرات بالجامعة وأودعونا سجن الأجانب - بجوار الهلال الأحمر بشارع رمسيس الآن ، وكان هناك أحد المعتقلين العرب من المعتقلين وحملني رسالة على ورق البافرة لتسليمها لأبي الخير نجيب. كان ذلك ونحن نتخذ إجراءات الإفراج وذهبت إليه وأهتم بالرسالة الوافدة من السجن ونشرها وأحدثت ضجة في حينها. وعلى صفحات مسامرات الجيب قرأت ليوسف السباعي قصة (إني راحلة) في يحنها عام 1945م أيضا. وكتب فيما بعد "يوسف السباعي" أنه كان يمشي من مسكنه في روض الفرج إلى مقر مسامرات الجيب بشارع فاروق (الجيش فيما بعد) قرب العتبة على الأقدام. وأصدر (الرسالة الجدية) عن دار التحرير وعمل معه "أحمد حمروش" مديرا للتحرير وعمل معه محمد عبد الحليم عبد الله وفوزي العنتيل ، وعباس خضر ، ثم ماتت الرسالة مثملا ماتت رسالة الزيات القديمة. حصل يوسف السباعي على دبلوم معهد الصحافة – جامعة فؤاد الأول بالقاهرة ورأس مجلس إدارة مؤسسة (روزاليوسف) عام 1961. ورأس تحرير مجلة آخر ساعة عام 1967م ، ورئيسا لمجلس إدارة دار الهلال عام 1971م ، ورئيسا للمجلس الأعلى لإتحاد الإذاعة والتليفزيون. وعام 1977 أختير نقيبا للصحفيين وكان رئيسا لتحرير الأهرام ورئيسا لمجلس الإدارة رحلة طويلة من مجلة مدرسة شبرا الثانوية إلى نقيب الصحفيين.

- تخرج السباعي من الكلية الحربية في عام 1937. منذ ذلك الحين تولي العديد من المناصب منها التدريس في الكلية الحربية. تم تعيينة في عام 1952 مديرا للمتحف الحربي و تدرج في المناصب حتى وصل إلى رتبة عميد.
المناصب الأدبية والصحفية

- أطلق "توفيق الحكيم" لقب "رائد الأمن الثقافي" على يوسف السباعي وذلك بسبب الدور الذي قام به في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية ، ونادي القصة ، وجمعية الأدباء. وهذه المجالس وغيرها لها قصة كتبناها من قبل أمانة للتاريخ الأدبي وغير الأدبي.

- كان صاحب إقتراح إنشاء المجلس هو "إحسان عبد القدوس" الذي طلب من "يوسف" أن يحصل على موافقة "جمال عبد الناصر" خشية إعتراض عبد الناصر إذا تقدم إحسان بالإقتراح وذلك بسبب بعض الحساسيات بينهما.

-وبالفعل وضع "يوسف السباعي" قصة إقتراح أمام عبد الناصر الذي وافق على أن يكون "السباعي" السكرتير العام ولا مانع أن يكون إحسان عضوا في مجلس الإدارة وهذا ما حدث. صدر قرار جمهوري بإنشاء المجلس عام 1956 وأن يعين "توفيق الحكيم" عضوا متفرغا للمجلس – بمثابة الرئيس – وأن يكون يوسف السباعي سكرتيرا عاما – في يده كل الأمور. وتكرر الوضع نفسه عند إنشاء (نادي القصة) ورأس يوسف السباعي تحرير (الكتاب الذهبي) الذي تم ضمه فيما بعد إلى دار روزاليوسف. وقد سجل يوسف السباعي واقعة إنشاء نادي القصة. جاءه إحسان عبد القدوس وأبدى إقتراحا بشأن تكوين ناد للقصة والقصاصين. وعند إنشاء (جمعية الأدباء) تولى يسوف السباعي رئاستها.

- أثناء مسئولياته المختلفة الثقافية والتنفيذية والأدبية والصحفية عمل على إنشاء عدد من مجلات الأدباء العرب والرسالة الجدية وزهور والثقافة والقصة ولوتس ومختارات القصة الآسيوية الإفريقية ، ومختارات الشعر الآسيوي الإفريقي. وأصدر مجلة لكتاب آسيا وإفريقيا.

- وقد شغل يوسف السباعي منصب وزير الثقافة عام 1973،و رئيس مؤسسة الأهرام ونقيب الصحفيين. قدم 22 مجموعة قصصية واصدر 16 رواية اخرها العمر لحظة عام 1972، نال جائزة الدولة التقديرية عام 1973 وعددا كبيرا من الاوسمة. لم يكن اديبا عاديا بل كان من طراز خاص وسياسيا على درجة عالية من الحنكة والذكاء. ورأس السباعي تحرير عدد من المجلات منها (الرسالة الجديدة) و(اخر ساعة) و(المصور) وصحـــيفة (الاهرام) وعيّنه الرئيس المصري السابق أنور السادات وزيرا للثقافة وظل يشغل منصبه إلى ان اغــتيل في قبرص في فبراير عام 1978 بسبب تأييده لمبادرة السادات بعقد سلام مع اسرائيل منذ سافر إلى القدس عام 1977.

- في حين ظل نجيب محفوظ الحائز على نوبل في الآداب عام 1988 ينشر رواياته بغزارة في وجه صمت نقدي واعلامي حتى منتصف الخمسينيات كانت أعمال الكاتب المصري يوسف السباعي الأعلى توزيعا فضلا عن تحويلها مباشرة إلى أفلام يصفها نقاد بأنها أكثر أهمية من الروايات نفسها‚

- وبعد أن فرضت أعمال محفوظ نفسها على النقاد تراجع الاهتمام بروايات السباعي الذي ظل في بؤرة الاهتمام الاعلامي والسينمائي وان أخذ كثير من النقاد تجنب الاشارة إلى أعماله باعتبارها نهاية لمرحلة الرومانسية في الادب وانها تداعب احتياجات مرحلة عمرية لفئة من القراء صغار السن

- الا ان كاتبا مصريا وصف أعمال السباعي بأنها «واقعية ورمزية»

- وقال مرسي سعد الدين في مقدمة كتاب «يوسف السباعي فارس الرومانسية» ان السباعي لم يكن مجرد كاتب رومانسي بل كانت له رؤية سياسية واجتماعية في رصده لاحداث مصر‚

- وقالت لوتس عبد الكريم مؤلفة الكتاب الذي صدر مؤخرا بالقاهرة إن دور السباعي في الثقافة المصرية لا يقل عن دوره ككاتب‚ وأشارت إلى وصف الناقد المصري الراحل الدكتور محمد مندور للسباعي بأنه «لا يقبع في برج عاجي بل ينزل إلى السوق ويضرب في الازقة والدروب»

- ويعد السباعي ظاهرة في الحياة الثقافية المصرية رغم تجنب النقاد التعرض لاعماله فيما عدا مؤرخي الادب‚ ويكاد ذكره الان يقتصر على أفلام أخذت عن أعماله ومن بينها (اني راحلة) و(رد قلبي) و(بين الاطلال) و(نحن لا نزرع الشوك) و(أرض النفاق) و(السقا مات)‚ كما أنتج التليفزيون المصري مسلسلا عن حياته عنوانه (فارس الرومانسية)

- وشددت المؤلفة على أن السباعي «كتب عن فلسطين مثلما لم يكتب أي كاتب أو أديب عربي‚ وفي كل المقالات التي كتبها بعد المـبادرة التاريخية بزيارة القدس (عام 1977) كان السباعي يركز في كل مقالاته على حقوق الشعب الفلسطيني ولم تخل مقالة واحدة من مقالاته من الدفاع عن حق الذين اغتالوه غدرا» في اشارة إلى أحد الفصائل التي خططت للحادث ونفذته.

- كان يوسف مؤمناً بأن للأدب دور كبير للتمهيد للسلام في مختلف العصور ، ولم يكتب من خلال نظرية فنية أو سياسية ولو خير من بين مناصبه التي تولاها وبين الإبداع الأدبي لأختار الكتابة كما فعل طوال حياته.

- جمع بين النشاط العسكري والنشاط الأدبي.

- وكان على حد تعبير – الدكتور محمد مندور – لم يقبع في برج عاجي وإنما نزل إلى السوق. لم تكن له (شلة) ثنائية أو ثلاثية كما كان عليه الحال على أيام والده ، كانت هناك ثلاثية (محمد السباعي وعباس حافظ وحسين شفيق المصري). وهذه إستمرت لأنها لم تتعرض لصراعات فيما بينهم. وثلاثية (عبد الرحمن شكري ، وإبراهيم عبد القادر المازني ، وعباس محمود العقاد) ، وهذه تمزقت بفعل الخلافات. وثلاثية (طه حسين وأحمد ضيف وزكي مبارك) وهذه تمزقت وبقي منها طه حسين.

- ومن الصعب أن نقول أن يوسف السباعي كانت له معارك. قال "يوسف إدريس" منافسه في إنتخابات نقابة الصحفيين أن "يوسف" كان يلقاه مرحبا فاتحا ذراعيه. المعارك فرضت عليه من مخالفيه السياسيين والمذهبيين. قال "عبد الرحمن الشرقاوي" فبعد هزيمة 5 يونيو عام 1967 ، في أحد إجتماعات إتحاد الكتاب العرب وقف مندوب أحد الوفود يطلب عزل يوسف السباعي. وعلى الفور أعلن يوسف إستقالته وإنسحب إلى حجرته وجاء مندوبو الوفود جميعا في مقدمتهم ممثل الحزب الشيوعي وقال .. هذا العضو الذي طالب بعزل يوسف السباعي مفصول من الحزب ، وقد سلم وثائق الحزب للمخابرات المركزية الأمريكية. وعاد يوسف وعادت الوفود إلى الإجتماع لتطرد هذا العضو الذي أثار الزوبعة. وفي إجتماع الكتاب الآسيويين الإفريقيين في سبتمبر عام 1973. كان الإجتماع في (ألما آتا) في الإتحاد السوفيتي وحوالوا عزله فطرح الثقة بنفسه وفاز بأغلبية ساحقة. لم يكن يفرض المعارك على الآخرين. كان يسيبح في الحياة كما يسبح (سبع البحر) على حد تعبير طاهر الطناحي في عالم البحر الواسع المئ بالقصص والأساطير وعجائب الحيوان وصراع الطبيعة للإنسان.

---



تابع...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم 62- السقا مات يوسف السباعي مصر

- تعتبر رواية «السقا مات» للكاتب يوسف السباعي والتي صدرت لاول مرة عام 1952 من أهم اعماله الادبية، ومن روائع الادب المصري المعاصر لما تتميز به من عمق في التفكير، واصالة في التعبير.

- ويرى العديد من النقاد ان اهمية هذه الرواية في «واقعيتها» وانها بهذه «الواقعية» تختلف عن اغلب روايات يوسف السباعي الاخرى التي يعتبرونها «رومانسية» وفي تقديري ان «السقا مات» رواية «رومانسية» هي الاخرى، وهذا لا يقلل من قيمتها، بل يساعدنا على اكتشاف مصادر الجمال فيها على نحو أكمل وادق.

- وقد وجد أبو سيف في رواية «السقا مات» الحارة الرومانسية التي طالما قدمها من قبل في افلامه، والتي يسكنها مجموعة من الملائكة، ولكنه حاول ان يتجاوز رومانسية الرواية الى تلك الواقعية التي تميز بها، وخاصة في النهاية عندما جعل السقا يعيش ويصبح شيخ السقايين بدلا من دنجل، وهذه النهاية تعبر عن صلاح ابو سيف بقدر ما تعبر نهاية الرواية عن يوسف السباعي ولا معنى للمفاصلة بين النهايتين لان كلا منهما تتسق تماما مع فكر صاحبها.

- والواقع ان الفيلم «السقا مات» الذي يعتبر احسن فيلم مصري طويل عرض في مصر عام 1977 لا يستمد قيمته من تصوير هذه الحارة الرومانسية، ولا من محاولة مخرجه تجاوز رومانسية الرواية الى الواقعية كما يعبر عنها، وانما من كونه اكثر افلامه «شخصية» واعني بالشخصية هنا الاصالة في التعبير عن عالم الفنان الداخلي، وعلاقته بالحياة والمجتمع.

- وتبدو موهبة الكاتب في ادراكه الناضج للعلاقة بين الأدب والسينما، وهو الامر الذي يتضح من خلال الاختلافات بين الرواية والفيلم، فالرواية كلها تدور في الماضي من وجهة نظر الابن سيد، ولكن طالما ان الأب لا يموت في الفيلم، فقد جعل محسن زايد الاحداث كلها تدور في الحاضر.

- وبنفس المفهوم الدراسي الذي لا يتقيد بالواقعية، ولا يبالغ في التعبيرية صور محمود سابو الفيلم بالألوان. واستطاع ان يفرق بين الحاضر والماضي، وبين الواقع والأحلام بالاضاءة والألوان، ببساطة واتقان. فنرى الماضي في صورة ضبابية تغلب عليها الألوان المتشابهة «درجات الابيض للتعبير عن الحب ودرجات البني للتعبير عن الموت»، ونرى أحلام شحاتة الجنسية في صورة يغلب عليها درجات اللون الاحمر والالوان الحسية.

---

تابع...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم 62- السقا مات يوسف السباعي مصر

- هي رواية مختلفة ... تعجبت كثيراً أثناء قراءتها من عدم وجود عقدة واضحة ... هل كان عدم التربع على عرش المياه هو العقدة؟ أم أنه موت "شحاتة أفندي"؟

- أن سرد الرواية و السير مع الأشخاص في أفكارهم المختلفة و أزمة "الصبر" التي يتشبث بها "شوشة" هي أروع ما فعل يوسف السباعي كي تخرج عملاً مؤثراً بهذا الحد.

- يقول يوسف السباعي في مقدمة الرواي " أن هدف الكاتب , اوالفنان بصفة عامة, هو الوصول إلى أغوار النفوس و نقل مشاعره إليها .. والفنان الناجح هو موقظ الأحاسيس..محرك المشاعر.. مهما كانت وسيلته , وأيا كان أسلوبه"..ويبدوا انه نجح في فعل ذلك في هذه الرواية.

- من اكترالروايات اللى عجبتنى واثرت فيا وحبتها لدرجة انى كنت بتعمد ابقى بطيئة في قرايتها عشان افضل عايشة مع الرواية مدة اطول.

- الرواية دى في نظرى ما كانتش مجرد حدوتة بيحكيها يوسف السباعى ...لأ دة حط خلاصة الدنيا في الرواية دى بكل ما فيها ، فرحها والمها وصدماتها......وعلمنى اتعامل مع فك بترعبنى. ..علمنى اتعامل مع فكرة الموت.

- عمل تدور أحداثه في أحياء القاهرة القديمة إبان فترة العشرينات وبطلها امتهن مهنة قديمة هي مهنة (السقا) ليقدم لنا السباعى تصوير ممتع لما كانت عليه الأحوال فى تلك الفترة , ويكون (السقا) راضى بحاله وحياته (كالماء الراكد ) يعيش متجرعا ذكريات حزينة مرّت فى حياته , إلى أن يقابل (أفندى جنازات ) أو المذكر من لفظ (المعدّدة ) (اللى بيحيي الجنازات زى مطربى الأفراح ) لكن هو فى الجنازة بيتولى الحزن والبكاء بأجر . ليكون فى الظاهر مجرد تاجر موت بيتلقى مقابل لمشاعره من إظهار الحزن.

- ولكن يكمن تحت هذا المظهر إحساس من أعمق ما يكون ويظهر جليا فى الحوارات التى دارت بين شخصيتي الرواية (السقا والأفندى ) ليظهر الأفندى للسقا وجهه الحقيقى .

- العمل له رسالة قوية برع الكاتب فى تقديمها ,
- (قفلات) السباعى كانت مؤلمة :مثلا: طريقة موت (الأفندى) فى منتهى البساطة , الرجل يستعد لليلة حمراء فيموت. نقطة.

- نهاية الرواية : موجعة بحق , قد لا تتمالك دموعك عندها .

- فى ثنايا الرواية : حس دعابة وخفة ظل واضحة جدا من قِبل السباعى. وخاصة عندما يتحدث فيما يخص الطفل (سيد) وأصحابه.

- الرواية مكتوبة بحس سينمائى جداً ,

- هى رواية حيّة ,

- التفاصيل متحركة جليّة أمام ناظريك ,

- اللغة : جميلة , ورغم حواراتها العامية إلا أنها فى المجمل لغة ممتعة وظريفة.

- وصف السباعى فيها كان متطور جداً وناضج للغاية , وصفه للأماكن وشرحه للطرق وأسلوب المعيشة كان متمكن جدا .

- شخصيات العمل : تعيش معها وتتعامل معها كأنك جزء من الرواية

- فى المجمل : عمل جيد وموجع ومؤثر

- هذه الرواية حقا تثير الـتأملات .. و تدفعك الى اعادة الحسابات مع نفسك و تغير من نظرتك للحياةالدنيا الفانية ..

- رواية من أروع الروايات التي قرأتها .. و من أكثرهم تأثيرا على نفسي ..

-كم من الأفكار دارت في ذهني بعد ان انتهيت منها ..

- رغم استمتاعي بالأحداث .. الا اني كنت تائهة في الفصول الأولى عن البحث عن المغزى من القصة .. لكنني في النهاية ادركت ان الكاتب الكبير اراد أن يجعلنا نتعايش مع الأبطال و مع أسلوب حياتهم و طرق معيشتهم حتى يهيأنا لما سيحل من أحداث في الفصل الأخير فنستشعر النهاية و كأننا فردا من افراد الرواية ..

- غير يوسف السباعي .. في روايته هذه من نظرتنا للكثير من الأمور .. و غير من استشعارنا بالأية الكريمة .. بفضل روايته العظيمة ..

- هيا مش روايه هيا حقيقة .. وصف للحياة

- هذا هو الموت يا صاحبي وهؤلاء هم البشر نهاية طبيعية .. لمخلوقات غير طبيعية

- يخلص المتلقي الى استنتاج ان كل شئ في هذه الحياة لا قيمة له في حد ذاته..ان قيمته في وجهة النظر إليه .. هو من احدي الوجهات نعمة ومن الاخري نقمة.. هو من ناحية مأساه ومن الاخري فكاهة ، وعندما تهون علي الإنسان النهاية.. تهون الحياة.

- عجبني اسلوب السباعي بانه راوي مش مجرد مؤلف و حديثه شيق جداً مفيش اى نوع من الملل بالرغم من اطالة الوصف و السرد .

- بس انا حبيت طريقته ف الوصف جداً حسسني اني عايشة جو الرواية بمعنى الكلمة يعني كان وصف لازم و ضروري لانه بيوصف حقبة زمنية كتير منا معشهاش او حتى محدش عاش ف الحارة دي و الافندية و الاطفال و المعلم شوشة و الصبي " سيد" و ست " ام آمنة " و الكتّاب و طريقة اللعب و الحلويات و البيوت و الناس و الحاجة " زمزم " ... كل ده كان في قمة المتعة لانه بيوصف مصر زمان .

- طول الرواية عجبني جداً طيبة الناس زمان و شهامتهم و وقفتهم جمب بعض الاطفال و الكبار بس اتصدمت من تصرف الحاجة "زمزم " في نهاية الرواية و لكن عندي يقين ان الله سبحانه و تعالى يجازي كل انسان بعمله و ان لم يكن الكاتب اوضح الفكرة دي في الرواية .

- فكرة الصراع اللي دار في نفس الصبي "سيد" بعد اهانة الحاجة " زمزم " له ... و انقلاب الدعاء على منزله و على والده !!

- من اكتر النقط اللي عجبتني بردو اسلوب تربية المعلم "شوشة " لابنه "سيد" رائعة جداً اسلوب متحضر و طول البال معه و صداقة ابنه .

- كثيراً ما اضحكني "سيد" لحد القهقهة في بداية الرواية من فرط شقاوته و ابكاني لحد النحيب فى نهاية الرواية !

- تعجبت من شخصية " شحاتة افندي " كيف يملك تلك الافكار عن الموت و حقارة الاحياء و الحياة بما في لذاتها بينما هو يجري وراء اللذات .. حتى انتهى قتيل الهوى!!

- تفسير الموت من وجهة نظر " شحاتة افندي " متقاربة جداً مع فكرتي عن الموت و ان الخوف منه هو خوف من الحساب مش من الموت نفسه ... الموت عالم تاني كل منا هيكتشفه في معاده

- اعجبت بشخصية " المعلم شوشة " جداً في كبح جماح النفس و دعاؤه بان الله يقيه من شر الرغبات اي كانت و صراعه مع تقبل فكرة الموت و الهزيمة المتكررة في البداية حتى انتصر على تلك الرهبة من الموت

- اللغة العامية اجمل ما في الرواية

- اسلوب السباعي المبسط الذي يحوي الكثير من الافكار العميقة اضفى على الرواية جو ساحر

- الفرق بين هذة الرواية وبين أرض النفاق .. أن أرض النفاق ليست رواية بالمعنى المتداول والمستقر عليه حاليًا افتراضًا.. شخصيات محددة ، أزمنة محددة ، أحداث محددة
في حين أن أرض النفاق هي فلسفات والشخصيات بالنسبة لها لزوم ما يلزم .. لسهولة توصيل الفكرة ليس إلا .. فكانت أشبه بمقال ذاتي . أو خاطرة .. أو لا أدري ..اما السقا مات ..فمتمايزة إلى شخصيات وأحداث ومكان محدد

- بسهولة وببساطة شديدة وبأسلوب رائع جذاب يحكي يوسف السباعي حكاية السقا ، الذي مات..

- استخدام العامية في الحوار كان عظيمًا .. والتنقل من الفصحى إلى العامية كان شديد العظمة ..

- وإنني لأستغرب كيف بيوسف السباعي صاحب النشأة الارستقراطية ان يكتب شيئًا كهذا؟ ملم فيه بتفاصيل لعب البلي ، والتي تتطلب طفلاً عاش أول 10 سنوات من حياته في الشوارع والطرقات ..؟

- أنا أكن كل الإعجاب للروائيين اللي بيسبروا أعماق النفس البشرية و هنا يوسف السباعي ركز على أكثر ما يرهب الإنسان في الحياة (و بيرهبي جدا أنا شخصيا) ألا و هو الموت، الموت و ماهيته و ازاي البني آدم يتعامل معاه سواء كان بيواجه عزيز أو بيواجهه هوا شخصيا.

-و الحاجة التانية اللي ركز عليها هيا الإيمان بالقضاء و القدر و قد إيه ده صعب فعلا مع كل اللي بنشوفه من ظلم لكن هيا دي الحياة، مافيهاش حد واضح بين الأبيض و الأسود و إلا كان الامتحان يبقى سهل قوي.

- أكتر حاجة أثرت فيا هيا قصة الحب اللي في الرواية، رغم انها لم تتجاوز الفصل الواحد لكنها عبرت عن مشاعر سنين، قصة حب رجل لامرأة واحدة لم يرض عنها بدلا حتى بعد مماتها و ظل يترقب لقائها يوم بعد يوم بدون ملل.

- الرواية قد تبدو في البداية قصة كل يوم لكنها تركت أعمق التأثير بداخلي، خللتني أعيش مع كل الأبطال و حتى غير الأبطال كل لحظة من حياتهم و أحس نفس أحاسيسهم، خللتني أنبهر بكم الطيبة و الإنسانية اللي فـ مجتمع البسطاء و اللي لولاه ماكنتش شرور الدنيا تُحتمل.

- مبدئيا الحاجه الوحيده الممله ف اسلوب يوسف ادريس هو الاسهاب ف وصف الاماكن والشخصيات بزياده وبتفاصيل ممله لا يقارعه مللا فيها الا دان براون مع الاختلاف طبعا
يوسف السباعى روائى و فيلسوف وفلسفته بتبان جليه فى كل اعماله اللى قريتهاله لحد دلوقتى
الروايه نفسها بقى بتتكلم عن اكتر من خط درامى.

- اولا سيد..ودا من امتع اجزاء القصه..بيصور فيه مرحله الصِبا واللى بتتشكل فى ضوء البيئه والزمن وقتها واسلوب لعب العيال والبلى و الكوره الشراب والكُتاب ونكتهم و هزارهم ..الخ

-ثانيا السقا..الجانب المتعقل فى الروايه..المعلم شوشه..حمال الاسيه بالبلدى..اجاد يوسف السباعى رسم شخصيته والصراع النفسى اللى بيحصل بينه وبين شحاته افندى لحقا وبينه وبين نفسه على معتقداته وافكاره

-ثالثا شحاته افندى..محور القصه كلها كما سيتضح..الرجل الذى بنى على اساسه يوسف ادريس فلسفته كلها وهو من الناس اللى بيبنوا فلسفتهم وبيظهروها على لسان احد الشخصيات الفرعيه او الغير بطوليه فى الروايه

مش عايز اتوسع ف الوصف عشان محرقش الروايه لحد بس مجملا ك جو عام الروايه تحفه تحس انك عايش بينهم ف كل صوت ف كل كلمه ف كل تفصيله ف الحدث بدايه من المكان والدكاكين والكُتّاب مرورا ب الشخصيات و لغه الحوار المعبره جدا وهى على فكره معظمها عاميه ماعدا الجزء الخاص اللى بيتفلسف فيه شحاته او شوشه ف بيقلب ب انسيابيه ل فصحى رقيقه
الفكره العامه عن فلسفه الموت وجدليه عدل الخالق فى المصائر والصبر..الصبر.

قديم 03-04-2016, 09:39 PM
المشاركة 1435
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
اليتيم رقم 12


والان مع العناصر التي صنعت الروعة في روياة 104- الباب المفتوح لطيفة الزيات مصر


- رواية الباب المفتوح للكاتبة و الصحفية دكتورة لطيفة الزيات

- الرواية تدور حول ليلى فتاة من الطبقة المتوسطة تعانى تمزق بين العادات البالية و الرغبة فى حياة متفتحة حرة و تعرض الكاتبة الى ان الحب القائم على التفاهم و قوة الشخصية من جانب الرجل لا يتعارض مع تحرر المراة بل يدعمه

- الرواية شديدة القوة و التاثير و فيها جانب من الرومانسية و الرقة معا و تعتبر من افضل 100 رواية عربية

قديم 03-05-2016, 09:43 AM
المشاركة 1436
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع .... الباب المفتوح لطيفة الزيات

- The Open Door is a landmark of women's writing in Arabic.
- الباب المفتوح واحدة من اروع الروايات المكتوبة باللغة العربية
- Published in 1960, it was very bold for its time in exploring a middle-class Egyptian girl's coming of sexual and political age, in the context of the Egyptian nationalist movement preceding the 1952 revolution.
- صدرت في العام 1960 وكانت جرئية بالنسبة لوقتها حيث عالجت قصة فتاة من الطبقة الوسطى ونموها الجنسي والسياسي وذلك ضمن حركة التحرر المصرية قبل ثورة العام 1952 .
- The novel traces the pressures on young women and young men of that time and class as they seek to free themselves of family control and social expectations.
- وتناقش الرواية الشغوط التي يتعرض لها الشباب فتيات وذكور من ذلك العهد وهم يحاولون تحرير انفسهم من سيطرة العائلة والتوقعات الاجتماعية.

-Young Layla and her brother become involved in the student activism of the 1940s and early 1950s and in the popular resistance to continued imperialist rule;
- علما بأن الروائية ليلى الزيات شاركت هي واخاها في النشاط الطلابي الذي جرى خلال الربعينيات من القرن الماضي وبداية الخمسينات والمقاومة الشعبية للسيطة الامبريالية التي كانت قائمة في حينه.
-the story culminates in the 1956 Suez Crisis, when Gamal Abd al-Nasser's nationalization of the Canal led to a British, French, and Israeli invasion.
- وتعالج الرواية ازمة قناة السويس وتاميم الرئيس جمال عبد الناصر لقناة السويس والذي ادى الى الحرب الثلاية على مصر.
-Not only daring in her themes, Latifa al-Zayyat was also bold in her use of colloquial Arabic,
-كانت ليلى الزيات جرئية في ما عالجته من افكار كما انها كانت جرئية في استخدام اللغة المحلية.
- and the novel contains some of the liveliest dialogue in modern Arabic literatur
- كما تحتوي الرواية على واحدة من اجمل الحوارات التي كتبت في الادب العربي الحديث.

قديم 03-05-2016, 12:00 PM
المشاركة 1437
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
- لطيفة الزيات هي مناضلة سياسية تقدمية، وكاتبة مبدعة، وناقدة متميزة، ولدت في دمياط عام 1923، وتوفيت في سبتمبر 1996، عن عمر يناهز 73 عاما، نالت شهادة الليسانس في الأدب الإنجليزي من جامعة القاهرة 1946، ثم الدكتوراة عام 1957، عملت كأستاذة للآدب الإنجليزي والنقد في كلية البنات جامعة عين شمس، ورأست لجنة الدفاع عن الثقافة القومية عام 1978، كذلك رأست جمعية الكاتبات المصريات خلفا للأستاذة أمينة السعيد.

- من أشهر أعمالها: رواية الباب المفتوح عام 1960، والتي تحولت إلى فيلم سينمائي يحمل الاسم نفسه، قامت ببطولته: فاتن حمامة وصالح سليم وحسن يوسف وأخرجه هنري بركات، ومن إنتاجها الأدبي المتميز كتاب حملة تفتيش، أوراق شخصية، سيرة ذاتية صدر عام 1992، وصاحب البيت رواية عام 1994، والرجل الذي عرف تهمته كذلك صورة المرأة في القصص والروايات العربية، دراسة نقدية 1989.

- وكان للطيفة الزيات مواقف نضالية لا حصر لها، فقد كانت تحرك الطلبة المصريين ضد الاحتلال البريطاني وحكم الملك فاروق 1946، ودخلت الأديبة الكبيرة السجن مرتين: مرة وهي عروس في السادسة والعشرين من عمرها، والمرة الثانية وهي في الثامنة والخمسين من عمرها عام 1981، إثر حملة الاعتقالات التي ضمت الكتاب والصحفيين المعارضين لحكم السادات، فلقد قامت الدكتورة لطيفة الزيات عام 1979، بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل بتأسيس اللجنة الوطنية للدفاع عن الثقافة القومية التي شكلت جبهة رئيسية في مواجهة التطبيع مع إسرائيل، ويوم الإفراج عن السجينات السياسيات، أسرع مدير السجن إلي الدكتورة لطيفة الزيات يقبل يدها وجبهتها وهو يقول: إذا كانت هناك إمرأة عربية تستحق أن تقبل يدها وجبهتها في هذا الوطن فهي الدكتورة لطيفة الزيات، ونتمني ألا تنزلي ضيفة علينا مرة أخرى، فقاطعته قائلة: لو امتد بي العمر عشرين عاما أخرى وحدث ما يستحق أن أتصدى له لن أتردد لحظة، وحينئذ قد تجدني ضيفة عليكم مرة أخرى.

- حصلت الدكتورة لطيفة الزيات علي جائزة الدولة التقديرية العام 1996، قبل وفاتها بأشهر قليلة.

قديم 03-05-2016, 03:31 PM
المشاركة 1438
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع .....
لطيفة الزيات
بقلم: كمال الشيحاوي

- شاركت في وضع بدايات "السير ذاتية" النسوية العربية

- ليس التمرّد بالأمر الهيّن خصوصا إذا بدر عن امرأة في مجتمع عربي/إسلامي ما يزال نسق المحافظة يضغط عليه من كلّ جانب وهو بمثابة العصيان في أربعينات القرن الماضي حين كان الرّجل يحتكر كلّ شيء بما في ذلك قضية تحرير المرأة. مع ذلك تمكّنت بعض النساء من كسر هذه القاعدة، وكنّ رائدات حقّا بكلّ ما تتطلبه الرّيادة من مثابرة وإصرار وتحدّ، وبكل ما تركته فيهنّ من أفراح وآلام على الصعيدين الشخصي والعام.

- نساء انجذبن إلى أفكار جديدة، مناقضة جوهريا لبنية التفكير المهيمنة اجتماعيا، ناضلن من أجل تحويل هذه الأفكار إلى قيم وسلوكيات اجتماعية. دخلن السجن بسببها أحيانا، ودفعن ثمنا غاليا لأجل تحقيق ذلك.

- بين هؤلاء النسوة قلّة قليلة أضفن جرعة مميّزة من الجرأة حين بادرن إلى كتابة سيرهن الذّاتية وهو ما يعتبر ثورة بمقاييس ذلك الزمان. نذكر من أشهرهنّ "فدوى طوقان"، "نوال السعداوي" و"لطيفة الزّيات"…

- يلاحظ الدّارس أن فنّ السيرة الذاتية ما يزال حتّى الآن فنّا محفوفا بالمخاطر بالنسبة للكتاب العرب. يتطلّب النجاح فيه قدرا كبيرا من الموهبة و الجرأة الصادقة التي قد تهدّد حياة صاحبها إن مسّت سيرته عددا من "الطابوهات" العائلية، الأخلاقية والسياسية. يحدث ذلك مع الرّجل في مجتمع "ذكوري" فما بالك إذا كان صاحب السيرة، امرأة، تمّت تربيتها لتكون سترا لعائلتها وساترة لزوجها. بسبب هذه الوضعية اضطرّت الكاتبات العربيات اللّواتي كان لهنّ شرف الرّيادة في هذا الفنّ ومن بينهنّ "لطيفة الزّيات"(1) إلى أساليب أكثر مراوغةً وتعتيماً على "الميثاق السير الذاتي" كما حدّده "فيليب لوجون". وهو ما ميّز سيرهنّ بخصائص مختلفة وطريفة كما سيتبيّن من دراستنا لكتاب "حملة تفتيش، أوراق شخصية"(2).

- ينقسم الكتاب إلى جزأين، الأول بداية سيرة ذاتية لم تكتمل تتناول سنوات تشكل الوعي، ثم مرحلة منتصف العمر. والثاني يتكون من أوراق كتبتها الزيات وهي في سجن النساء عام 1981. تدور حول تجربة السجن بمنظور جديد تبلور في ضوء تجارب حياتها المختلفة. يستجيب الكتاب للمقاييس الأساسية التي وضعها أغلب المنظّرين لجنس السيرة الذاتية، ويربكها في نفس الوقت. فهو نصّ ينتمي إلى السيرة الذاتية، لكنه دائم الانفلات من تلك الصيغة التقليدية بكتابة السيرة. فالكاتبة لا تروي سيرتها الذاتية بالشكل التقليدي الذي يعتمد على سرد الأحداث، كبيرها وصغيرها، وفقا لترتيب وقوعها.

- إنّها تحكي عن فترات من حياتها دون أن تخضع للمسار التقليدي من الماضي إلى الحاضر أو من فترة لأخرى. فتتداخل مراحل العمر في «الأوراق» على شكل شذرات تصوّر الأنا في مواقع وأدوار مختلفة، لأن الهمّ الأوّل هو رصد تحوّلات الأنا وهي في سبيلها للتحقق. لينتهي السرد وقد انتظمت الأوراق بالفعل.

- ويمكن القول بداية أن هذا الاختيار كان بمثابة المعادل الفنّي لرؤية الكاتبة لسيرتها وشخصيتها. فهي لا تعرض سيرتها الذّاتية بعد أن تمكّنت من معرفتها بشكل نهائي، بل تدفع القارئ لمشاركتها (عبر التأويل) رحلة بحثها عن ذاتها.

- المتأمّل في عناوين أعمال "لطيفة الزيات" مثل "الباب المفتوح" روايتها الأولى الصادرة سنة 1960 و"صاحب البيت" وهي رواية أخرى أشار لها الناقد "صبري حافظ" في معرض ذكره لأعمال الكاتبة، يلحظ دون شكّ أن البيت والعناصر المرتبطة به ، تشكّل هاجسا مركزيا في تجربة لطيفة الزيات الأدبية.

- وهذا ليس مستغربا في مسار مناضلة وكاتبة سعت طوال حياتها إلى تحرير المرأة ممّا مارسه البيت التقليدي على المرأة من تدجين واستلاب وكبت بفعل ثقافة "ذكورية" متسلّطة حوّلت البيت إلى سجن. " كان البيت القديم قدري وميراثي، كان بيت سيدي بشر صنعي واختياري وربّما لأن الاثنين شكّلا جزءا من كياني وربما لأنّي انتميت إلى الاثنين بنفس المقدار ولم أتوصّل إلى ترجيح أحدهما على الآخر، ترجيحا نهائيا اختل سير حياتي"

- اختارت لطيفة زيات تذكر البيت "بيت الطفولة" على امتداد أكثر من خمسين صفحة من الكتاب (حوالي ثلث مساحته الورقية) وهي تودّع أخاها الذي صار رمز الدّيمومة و الصّلابة والثّبات في لحظة مهدّدة فيها بالرحيل/ الموت. بيت الطفولة هو مكان الألفة ومركز تكييف الخيال، وعندما نبتعد عنه نظلّ نستعيد ذكره، ونسقط على الكثير من مظاهر الحياة المادّية ذلك الإحساس بالحماية والأمن اللّذين كان يوفرهما لنا" هكذا يقول "غاستون باشلار"(3).

- تقول الكاتبة في هذا السياق: "وما زالت صور بيتنا القديم محفورة في ذاكرتي، ورائحة قدمه العطنة تملأ كياني رغم انقضاء فترة طويلة على إزالته". هنا نلاحظ كيف تقترن القدامة بالقداسة في تعبيرها عن الارتواء برائحة البيت العطنة، فكأنّنا أمام طقس ديني وهو أمر يؤكّده "مرسيا إلياد"(4) حين يقول " ثمّة أمكنة تبقى متميّزة، تبقى مختلفة عن سواها اختلافا كيفيا: موطن الولادة، منبت الحبّ الأوّل أو الشارع أو المدينة الأجنبية الأولى التي يزورها المرء في صباه. إن هذه الأمكنة تحتفظ حتّى لدى الإنسان غير المتديّن بصفة استثنائية، صفة وحيدة، إنّها هي الأمكنة المقدّسة لعالمه الخاص، كما لو أن هذا الكائن اللاّ متديّن كان قد تمتع بوحي صادر عن واقع مغاير للواقع الذي يسهم فيه بتجربته اليومية".

- ويمتد التذكّر في الكتاب إلى استعادة أريج البيت وتاريخ العائلة الأرستقراطي، ووصف أجزاء البيت من أجنحة وغرف وحدائق ومقاعد وأرائك. وتعكس دقة الوصف بلا شكّ رغبة في إعادة بناء البيت بواسطة الحكاية.

- لئن أكّدت الإشارات السابقة أنّنا في بيت أرستقراطي لإحدى العائلات المصرية الغنية، فإن أجواء طفولة الوالد التي ترويها الكاتبة كانت تعلّة للدّلالة على البنية التقليدية "البطريكية" التي تحكم البيت، وتحتفي بالذكورة. تقول "والأب لا يردع والرّجال لا يستحون يشاكسون الولد إن كفّ عن مشاكستهم، يتعجّلون فيه الذّكر".

- أمّا الإشارات التي تتصل بالمرأة فتؤكّد أن أهل البيت من النساء شبه محجوبات عن الضيوف والرّجال وكلّ ما يحدث من صخب وسهر وغير ذلك، وهنّ برعاية الولد الذكر يمضين كلّ وقتهن، أمّا البقية فنساء من الجواري الحبشيات والشغّالات فيهنّ من الحريم ومن الفاجرات، وبعضهنّ من الصبايا يأتين من آخر البلد" تذكر الكاتبة ذلك للدّلالة على أن هندسة البيت لم تكن سوى تعبير عن الثقافة الرّجالية المتحكّمة فيه. فثلث البيت كان لنسائه أمّا ثلثاه فللرّجال ولضيوفهم من الرّجال والنساء ولسهراتهم ومتعهم.

- ولم تكن حكاية الثعبان التي روتها في ثنايا السيرة، سوى للدّلالة على منع المرأة من مجاوزة غرفتها أو المساحة المخصّصة لها. تقول "ولا أعتقد أن أهلي قد بذلوا أية محاولة جادّة للتخلّص من الثعبان، وعلى كلّ فقد ولدت والثعبان ينفرد دون أدنى إزعاج بالسلم الخشبي المؤدّي إلى السطح وإني في أمان طالما لم أحاول صعود السلم واعتلاء السطح فالثعبان لا يخرج عن دائرة السلم ولا يزعج إلاّ من يزعجه ويطؤها".

- وفي السياق الرمزي الذي يحيط بالبيت وعناصره فإن الثعبان يتخذ بلا شك دلالة رمزية فهو علامة المنع من ارتكاب خطيئة تجاوز الحدّ المسموح ، ولكنّه يحمل أيضا كما جاء في القصص والأساطير رمزية الإغراء، إذ تقول الكاتبة في نفس الصفحة "وكان الأمر في طفولتي أمرا مثيرا للضيق، فقد تحتّم عليّ خوفا من الثعبان أن أتسلّل إلى السطح كلّ مرّة من نافذة جدّتي…وتطلّب هذا بالطبع أن أناور وأحاول لأتسلّل إلى السطح الذي أحببته في طفولتي أكثر ممّا أحببت الحديقة".

- لقد اقترن البيت في ذاكرة الكاتبة بالأمان وكان رمزا للثّبات والحماية ودالا على نظام قيم وعادات رجالية، تستعجل الذّكورة وتسعد بها ولا تنظر إلى المرأة إلا في دائرة ما توفّره من خدمة عائلية، أو إمتاعية بحسب مراتبها الاجتماعية ولكنها حدست بما يمارسه عليها من تدجين، فكان السطح وهو رمزيا فضاء التلاقي بين المحدود والمطلق فضاء يملؤها شعورا بالحرية والانطلاق"ولكن الغريب أني حين أفكر في البيت بمعنى البيت، تندرج كلّ هذه المساكن في ذهني كمجرّد منازل، وتتبقى حقيقة أن لا بيت لي وحقيقة أنّه لم يكن لي في حياتي سوى بيتين، البيت القديم، والبيت الذي شمّعه رجال البوليس في صحراء سيدي بشر في مارس "1949.
=========
لقد أظهرت "لطيفة الزّيات" أنّ خروجها عن النموذج النسوي التقليدي الذي يريدها البيت القديم أن تكون عليه مثل أمّها وجدّتها، كان ضروريا لتحقّق تميّزها وفرادتها كشخصية جديدة. ومع ذلك لا تخجل من التصريح بأنّها تلجأ إلى غرفتها في البيت القديم كلّما شعرت باضطراب ما من ذلك لجوءها إلى البيت القديم في هزيمة 67 "فقدت الكلمات معانيها إذاك وأنا أنسحب في ظلمة الغارة إلى الدور الأعلى حيث أسكن، ألجأ كالحيوان الجريح إلى جحري أكفّن نفسي بالغطاء على السرير" . في سياق آخر من سيرتها تقول "لم أكن أتلهف للعودة إلى البيت القديم إلا مرّات قليلة وأنا مثقلة بجراح، وأنا راغبة في التقوقع والانكماش أو الدخول في شرنقتي الصيفية كما عوّدت نفسي أن أسمي البيت القديم" . ويؤكّد غاستون باشلار هذا المعنى بالقول "إن ردود الفعل الإنسانية تجاه العش والقوقعة مثلا لها صلة ببيت الطفولة(….) وفي مؤلفه يتحدث عما يسمّيه بتعليق القراءة، أي أنّنا كقراء حين نقرأ مثلا وصفا لحجرة أو بيت نتوقف عن القراءة لنتذكر بيتنا وحجرتنا أي أن قراءة المكان في الأدب تجعلنا نعاود تذكر الطفولة".

إن تردّد الكاتبة في علاقتها بالبيت، يترجم عن تردّد أعمق بين نزوعها للقوة، لامتلاك شخصية قوية ملتزمة بقضية كبيرة، تذوب فيها ذاتها الفردية وأنوثتها وميلها في نفس الوقت إلى الضعف والرّقة والهشاشة، واكتشافها حاجتها كامرأة للاطمئنان والسعادة.

لم تتمرّد لطيفة زيات إذن على البيت في المطلق وإنما على الحياة التي تدجّن المرأة في البيت. وحلمها بالبيت القديم هو عزاء وتعويض نفسي عن المرارة التي أحسّت بها ذاتيا من خلال فشلها الزوجي، حيث طلّقت مرّتين وعزاء موضوعيا حيث عانت المعتقل وهي في الستين من عمرها. وتعبّر الكاتبة عن خيبتها من السياسيين الذي وعدوا بتحرير المرأة وتصف بنبرة متصوّفة الدّرجة التي بلغتها من الوعي بتحرّرها حين تقول وهي في سيارة الشرّطة لتودع السجن خلال الحملة التي أمر بها السادات ، " أجلس مرتخية في هدأة اللّيل في مقدّمة عربة شرطة والضابط يبحث عن السجن ليودعني وما من أحد عاد يملك أن يسجنني وحريتي تلوح لي في آخر الطريق كاملة غير منقوصة تنتظر مني أن أمدّ يدي لأحتويها ودموعي التي لا تنفرط وحريتي تلوح في آخر الطريق" . هكذا صار الوطن شبيها بها وبات تحرّرها من تحرّره مع أنه تحوّل إلى آلة قمع، فصار سجنا وزنزانة لمن حلموا بتحريره. وفي السياق المتصل بتردّد تيمة "البيت"يلاحظ الباحث العراقي "حاتم الصكر" في دراسة منشورة على موقعه، تناول فيها عددا من السير الذاتية النسوية العربية، أنّ هناك مفردات مشتركة في السير والشهادات والرسائل التي كتبتها النساء العربيات تتركز حول البيت (المنزل) كمكان، والطفولة، (كزمان) وهما يشكلان أساس الوعي بالذات، والانتباه إلى القمع والمنع والحجز أو الفصل الجنسي ويؤكّد أنّه غالباً ما شكّلت الأسرة (الأم-الأب-الزوج-الأخ..) رمزاً تظهر من خلالها تلك الأساليب القهرية التي لا يتوقف ضررها عند فرض خطاب الرجل (الذّكر) فحسب، بل في تسلّل مفردات هذا الخطاب إلى اللّغة ذاتها، ولغة المرأة الكاتبة في أحيان كثيرة. لقد كان على النساء (كاتبات وقارئات) أن يسبحن ضد التيار دائما"ً.

لقد عكس كتاب "أوراق شخصية" ملامح أخرى بارزة مما يسمّى عادة بالأدب النسوي، فهو ببنائه الدّائري واختياره لرمزية البيت علامة على ذلك محاولة لتجاوز الضياع والتيه الذي عاشته المرأة في مغامرة نضالها من أجل التحرّر. وهو في تداخل نصوصه وتمزّقه أحيانا وغياب الاستمرارية السببية والمنطقية صورة من حياة المرأة المناضلة في مجتمع مغلق ومحافظ. وهو بتحويله للبيت مركزا للعالم، ومكوّنا أساسيا للهوية والكيان وبربطه بكلّ المحمول الرمزي الأنثوي (الماء، الرحم، البئر، المطلق، الموت) يعبّر عن خصائص مميزة للسيرة النسوية دون شكّ.
الهوامش:

1 "لطيفة الزّيات"هي مناضلة سياسية تقدمية، وكاتبة وناقدة وأستاذة جامعية ولدت في دمياط عام 1923، وتوفيت في سبتمبر 1996، عن عمر يناهز 73 عاما، رأست جمعية الكاتبات المصريات خلفا للأستاذة أمينة السعيد، من أشهر أعمالها رواية "الباب المفتوح" عام 1960، والتي تحولت إلي فيلم سينمائي يحمل الاسم نفسه، أخرجه هنري بركات. ومن إنتاجها الأدبي المتميز كتاب "حملة تفتيش، أوراق شخصية"، وهو سيرة ذاتية صدر عام 1992، و"صاحب البيت" رواية عام 1994، و"الرجل الذي عرف تهمته"، كذلك"صورة المرأة في القصص والروايات العربية"، دراسة نقدية 1989 .كان لهذه السيّدة مواقف نضالية لا حصر لها، فقد كانت تحرك الطلبة المصريين ضد الاحتلال البريطاني وحكم الملك فاروق 1946، ودخلت الأديبة الكبيرة السجن مرتين: مرة وهي عروس في السادسة والعشرين من عمرها، والمرة الثانية وهي في الثامنة والخمسين من عمرها عام 1981، إثر حملة الاعتقالات التي ضمت الكتاب والصحفيين المعارضين لحكم السادات. حصلت الدكتورة لطيفة الزيات علي جائزة الدولة التقديرية العام 1996، قبل وفاتها بأشهر قليلة. تشير المصادر إلى أنّها تعلقت بالماركسية وهي طالبة بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول وعلى حدّ قولها: "كان تعلقي بالماركسية إنفعاليا عاطفيا" ، أي أنها إعتنقت الماركسية وجدانيا ومع هذا كان أول مشروع زواج لها مع "عبد الحميد عبد الغني" الذي اشتهر باسم "عبد الحميد الكاتب" ولم يكن ماركسيا تحت أي ظرف من الظروف ، بل كان يمضي جزءا كبيرا من نهاره وليله في أحد المساجد ثم دخلت تجربة ثانية أكثر ملائمة لفكرها وطبيعتها ، فارتبطت بالزواج بأحمد شكري سالم .. الدكتور في العلوم فيما بعد ، وهو أول شيوعي يحكم عليه بالسجن سبع سنوات ، وتم اعتقال أحمد ولطيفة عام 1949 تحت ذمة القضية الشيوعية. وانفصلا بالطلاق بعد الحكم علي "شكري" وخروجها من القضية ،. وتأتي قمة التناقض بين اليسار واليمين بزواجها من "الدكتور رشاد رشدي" يميني المنشأ والفكر والسلوك. ولم تتردّد الدكتورة الزيات أن تقول لمعارضي هذا الزواج: "إنه أول رجل يوقظ الأنثى في" ، وعندما اشتدوا عليها باللّوم قالت: "الجنس أسقط الإمبراطورية الرومانية". والتجارب الثلاث جزء مهم من تاريخ الزيات" وحياتها وشخصيتها. زواجها من "الدكتور رشاد رشدي" الكاتب المسرحي والأستاذ الجامعي والذي أصبح مستشارا ثقافيا للرئيس أنور السادات .. أصابها بالتمزق بين أنوثتها التي فجرها "الدكتور رشاد" ، وبين حرصها على أن تبقى ماركسية حتى ولو كانت (ماركسية مسخسة) حسب وصف "الدكتـور لويس عـوض" لها في كتابه (دليل الرجل الذكي ).
والمؤكد أن هذا الزواج جر عليها النقد الحاد القاسي من رفاقها القدامى الذين كان يؤلمهم زواج اليسار باليمين. ولقد حرصت هي على أن تحتفظ بصورتها الماركسية ولو للذكرى والتاريخ .. وبصراحتها المعروفة عنها قالت بعد طلاقها من الدكتور رشاد: ها أنا أبرأ .. أو على وشك أن أبرأ .. أخاف أن ترتد كينونتي الوليدة إلى الرحم. هل كان هو مشروع عمري الذي انقضى أم السعادة الفردية هي المشروع؟! كانت السعادة الفردية هي مشروعي الذي حفيت لتحقيقه. وجننت عندما لم يتحقق. أنا صنيعة المطلقات. وأسيرة سنوات أدور في المدار الخطأ. لا أملك القدرة على فعل أتجاوز به المدار الخطأ لسنوات تسلمني فيها إلى الشلل الهوة الرهيبة بين ما أعتقد وبين الواقع المعاش. بين الحلم والحقيقة أخاف أن ترتد كينونتي الوليدة – إلى الرحم.

2 لطيفة الزيات، "حملة تفتيش، أوراق شخصية"، دار الهلال، القاهرة، أكتوبر1992.
3 غاستون باشلار، "جماليات المكان"، ترجمة غالب هلسا، المؤسسة الجامعية، بيروت 1984.
4 مرسيا إلياد، "المقدس والعادي"، ترجمة عادل العوا، ، صحاري للصحافة والنشر، بودابست، د،ت

قديم 03-06-2016, 07:51 PM
المشاركة 1439
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع......

- إمتدت خبرتها إلى مدنعديدة بحكم عمل والدها في مجالس البلديات ، ولكنه توفي عام1935 ، وهي في الثانية عشرة من عمرها.

- تميزت بالقدرة الفائقة على مكاشفة النفس والتعبيرات عن الذات.

- تعلقت بالماركسية وهي طالبة بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول وعلى حد قولها: "كان تعلقي بالماركسية إنفعالياعاطفيا"

- إرتبطت بالزواج بأحمد شكري سالم .. الدكتور في العلوم فيما بعد ، وهو أول شيوعي يحكم عليهبالسجن سبع سنوات ، وتم إعتقال أحمد ولطيفة عام 1949 تحت ذمة القضية الشيوعية.

- إنفصلا بالطلاق بعد الحكم علي "شكري" وخروجها من القضية ، وكان محاميها مصطفى مرعي.

- وتأتي قمة التناقض بين اليسار واليمين بزواجها من "الدكتور رشاد رشدي" يميني المنشأ والفكر والسلوك. ولم تترد لطيفة الزيات أن تقول لمعارضي هذا الزواج: "إنه أول رجل يوقظ الأنثى في"

- التجارب الثلاث جزء مهم من تاريخ "لطيفة الزيات" وحياتها وشخصيتها .

-ظلت تناضل حتى رحلت في 11 سبتمبر سنة 1996 بعد أن أصابهاسرطان الرئة. وأصابتها الدنيا بحرمانها في سنواتها الأخيرة منالزوج والولد أو البنت.
- تتسم أعمال "لطيفةالزيات" القصصية والروائية بمعرفة صحيحة بالحياة ، وبالتكوين النفسي للنماذجالإنسانية وبالمتناقضات الإجتماعية التتي تتحرك في إطارها وتتفاعل معها.

- كان للطيفة الزيات مواقف نضالية لا حصرلها، فقد كانت تحرك الطلبة المصريين ضد الاحتلال البريطاني وحكم الملك فاروق 1946،ودخلت الأديبة الكبيرة السجن مرتين: مرة وهي عروس في السادسة والعشرين من عمرها،والمرة الثانية وهي في الثامنة والخمسين من عمرها عام 1981، إثر حملة الاعتقالاتالتي ضمت الكتاب والصحفيين المعارضين لحكم السادات.

- توفيت لطيفة الزيات فيالحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر 1996.

- يمكن للمتلقي أن يستنتج من خلال مطالعة أحداث حياة هذه الكاتبة الفذة وغنى هذه التجربة الحياتية وتمرد هذه المرأة ثم نضالها وتعرضها للسجن بأن هناك سر كبير وأحداث جسام أثرت على تكوينها ولا عجب ان يكون ذلك السر هو يتمها المبكر

قديم 03-07-2016, 04:26 PM
المشاركة 1440
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
اليتيم رقم 13 عبد الرحمن منيف

والان مع العناصر التيي صنعت الروعة في رواية 105 - مدن الملح ( خماسية ) عبد الرحمن منيف السعودية

- مدن الملح هي رواية عربية للروائي السعودي عبد الرحمن منيف، تعد واحدة من أشهر الروايات العربية وتتألف هذه الرواية من 5 أجزاء.

- الرواية تتكلم وتصور الحياة مع بداية اكتشاف النفط والتحولات المتسارعة التي حلت بمدن وقرى الجزيرة العربية بسبب أكتشاف النفط.

أجزاء الرواية:
1-التيه: يتناول الجزء الأول بوادر ظهور النفط في الجزيرة العربية من خلال سكانها وتظهر شخصية متعب الهذال الرافضة كتعبير عن الموقف العفوي لأصحاب الأرض مما اجبر السلطة أن تستعمل العنف. يصف هذا الجزء بالتفصيل بناء المدن الجديدة (حران كانت النموذج) والتغيرات القاسية والعاصفة على المستوى المكاني وخاصة الإنساني.

2-الأخدود: في الجزء الثاني ينتقل منيف إلى تصوير اهل السلطة والسياسة في الصحراء التي تتحول إلى حقل بترولي. نقطة البداية كانت انتقال الحكم من السلطان خربيط إلى ابنه خزعل الذي يمنح كل التسهيلات إلى الأمريكان لتحقيق مخططاتهم. الشخصية الرئيسية في هذا الجزء هو مستشار السلطان الجديد صبحي المحملجي الملقب بالحكيم وهو من أصل لبناني جاء إلى حران أولا كطبيب ثم ينتقل إلى العاصمة موران بحس مغامر ليرتقي إلى أكبر المناصب ويبسط نفوذه. في هذا الجزء تزداد وتيرة التحولات حدة وسرعة بحيث لا يستطيع أحد أن يتنبأ بما ستؤول اليه الأمور. ينتهي هذا الجزء في لحظة انقلاب فنر على اخيه حين كان خارج موران.
3-تقاسيم الليل والنهار: يعود الجزء الثالث إلى جذور العائلة الحاكمة إلى سنوات التصارع القبائلي التي تتوج خربيط كأهم حاكم في المنطقة في اللحظة التي يقتحم فيها الغرب الصحراء فيجد في تحالفه مع خربيط وسيلة لامتلاك الثروة التي كان يبحث عنها ويستغل السلطان ذلك الظرف للهيمنة على كل ما يمكن أن تطاله يده ويعود هذا الجزء إلى نشأة كل من خزعل وفنر.

4-المنبت: الجزء الرابع هو عبارة عن سيرة خزعل في المنفى حتى وفاته مع رصد للتغييرات الانقلابية التي فرضها فنر ومحاولته أن يحول مسار الصحراء من جديد متخلصا من بقايا سياسات أبيه وأخيه والنفوذ الأامريكي ويبدأ في تأسيس دولة بأجهزة موالية له ذات ملامح قاسية كالصحراء.

- 5- بادية الظلمات: بعد أن يستقر الأمر بلا منازع لفنر يعود منيف لرصد حالة الناس في ظل هذه المتغيرات حيث لا تبقى العادات هي نفسها ولا حتى الأمكنة ويتغير حتى شكل الانتماء والهوية. في هذا الجزء الأخير يصبح اسم الأرض بالدولة الهديبية ويصبح فنر شخصية أسطورية لكنه ينتهي بالاغتيال من خاصته.

- تعتبر من الروايات الممنوعة في المملكة العربية السعودية، تمثل نقلة نوعية في السرد التاريخي والتأريخ الشخصي لحقبة يجد الكثير من الجيل الجديد صورة غير كاملة يضيعها وصف ما بعد تلك المرحلة أو الحاضر بصورة وردية ولكن أيضا غير كاملة(60% من سكان السعودية حول ودون 21 سنة 2004-2007)

- مدن الملح هي وثيقة مهمة تتحدث وتؤرخ عما هب على الحياة البدوية من رياح حضارية أثرت بلا شك بحياة البداوة

-الكاتب رصد بدقة الحياة البدوية وعبر عن ما يجيش في نفوس الكثير من البدو وتحول حالهم إلى الغنى المفاجئ والاثار الناتجة عن ذلك. *


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 92 ( الأعضاء 0 والزوار 92)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 10:55 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.