احصائيات

الردود
9

المشاهدات
6229
 
د. زياد الحكيم
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


د. زياد الحكيم is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
380

+التقييم
0.07

تاريخ التسجيل
Jul 2008

الاقامة
لندن - بريطانيا - عضو اتحاد الصحفيين البريطانيين

رقم العضوية
5315
05-24-2012, 10:09 PM
المشاركة 1
05-24-2012, 10:09 PM
المشاركة 1
افتراضي جوزيف كونراد – د. زياد الحكيم



ولد جوزيف كونراد (Joseph Conrad 1857-1924) في بولندا، ولعبت قوى مختلفة في تشكيل قيمه كانسان وفنان كبير، منها الاضطرابات السياسية في بلاده وكفاح ابيه ضد الهيمنة الروسية، ومنها مشاعر السخط واليأس بسبب قمع حرية ابناء شعبه في بولندا، ومنها انه عمل في الاسطول التجاري البريطاني فاعجب بروح الفريق بين افراد طاقم الاسطول واعجب بروح الانضباط والشعور بالمسؤولية، وسحرته مواجهة الانسان البطولية مع جبروت الطبيعة.

والواقع ان كونراد لم يبدأ كتابة رواياته بشكل جدي الا عندما كان في اواخر الثلاثينات من عمره. ومن الملفت للانتباه انه اختار الكتابة باللغة الانكليزية ولم يختر اللغة البولندية او حتى الفرنسية التي كان يتقنها. ومنذ البداية تميزت شخصياته بنقاط ضعف من الناحيتين النفسية والاخلاقية الامر الذي يحول دون ان تتصرف هذه الشخصيات بصورة تتسم بالمسؤولية الاخلاقية.

شيئا فشيئا ادرك كونراد ان من المتعذر ان يكون ثمة قيم موضوعية. وتحول الى التركيز على الراوي في محاولة لفهم خبراته المعقدة. ويركز كونراد في اغلب الاحيان على الراوي اكثر مما يركز على الرواية. ويصور كيف ان وعي الراوي يتغير بشكل رئيسي بفضل خبراته الحياتية، وبفضل الاشخاص الذين يلتقي بهم في الحياة. ونجد ان الهوية الاخلاقية للراوي تتكشف عن طريق رواية القصة، وهي طريقة تذكرنا بالحوار الدرامي. وهذا هو الاسلوب الذي يلجأ اليه كونراد في روايته "قلب الظلمة" فيركز فيها على تصوير الراوي مارلو كانسان. ويرمز مارلو الى مشاعر القلق التي انتابت كونراد في فترة من حياته شعر فيها بانه منعزل وراودته الشكوك بقدرته على الخلق والابداع. ولهذا السبب نستطيع القول ان مارلو هو كونراد نفسه بالاضافة الى كونه بطل رواية "قلب الظلمة".

وكان كونراد يعتقد - شأنه في ذلك شأن توماس هاردي - بان الانسان يعيش في عالم لا يكترث لطموحاته وحاجاته. وكما يقول مارلو في "قلب الظلمة": ان الواحد منا يعيش ويحلم – وحيدا. وفي العالم الذي صوره كونراد ليس هناك مكان للقيم الموضوعية، وعلى كل انسان ان يكتشف قيمه الذاتية في الحياة بنفسه. وقال كونراد في رسالة معروفة:

"ان نور الشخص الواحد منا لا يفيد الاخرين. هذا هو رأيي في الحياة، وهو رأي يرفض جميع الصيغ الموضوعة وجميع الاراء والمعتقدات التي يقتنع بها الاخرون. وما هذه الصيغ والاراء والمعتقدات الا اوهام. وان ما يعتبره الاخرون حقائق ما هو اكاذيب بالنسبة الي."

وفي رواية "قلب الظلمة" يلتقي مارلو بكورتز الذي هاجر من الغرب الى الكونغو وراح يرتكب اعمالا وحشية طمعا في الثراء. ومثل كورتز، ذهب مارلو الى الكونغو مسلحا باوهام الامبريالية. ولكنه اكتشف شيئا فشيئا كما اكتشف كورتز قبله ان ما يدعيه الغربيون من انهم يحملون النور والخير الى افريقيا ما هو الا كذبة كبرى. ويدرك ان الانسان الغربي هو في الواقع بدائي ومتوحش مثل سكان البلاد الاصليين على الاقل. وعندما يروي مارلو القصة فهو يريد قبل كل شيء ان يبرز التحول الاخلاقي الذي حققه كورتز. ولهذا السبب فهو يفسر عبارة (ياللهول! ياللهول!) التي ينطق بها كورتز بانها محاولة من جانب كورتز لنبذ ماضيه الظالم، مع ان كورتز ربما يشير بهذه العبارة الى فشل خططه لبناء ثروة من وراء همجيته.

ويؤكد كونراد اكثر مما يفعل من سبقوه من الروائيين البريطانيين ان سلوك الانسان ينجم عن مخاوف وهواجس اكثر مما ينجم عن قرارات واعية. وهكذا فان جيم في رواية "لورد جيم" يقفز من السفينة "باتنا" للنجاة بنفسه غير مكترث لغيره ممن على ظهر السفينة بالرغم من انه كان يفاخر ببطولته ومروءته كبحار. ومثل دوستويفسكي، اراد كونراد ان يكشف عن تلك الدوافع والنزعات الغامضة التي تتسم بكثير من الفوضى والتي تكمن تحت مظهر الانسان المتحضر الذي يحرص كل واحد منا على الظهور به امام الاخرين وامام نفسه ايضا.


لندن - بريطانيا
zedhakim@yahoo.co.uk


قديم 05-25-2012, 02:06 PM
المشاركة 2
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قلب الظلمة من أصعب الروايات التي قرأتها رغم أنها صغيرة نسبة للروايات الأخرى و لكن مستوى التكثيف الذي اعتمده كونراد كان عاليا جدا
د. زياد الحكيم
أستاذي الفاضل
أشكرك دوما لتقديم لمحات عن هذه الروائع المنتقاة بعناية
تحيتي لك

قديم 07-05-2012, 06:00 PM
المشاركة 3
د. زياد الحكيم
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الاستاذة ريم بدر الدين - نعم، (قلب الظلمة) من الروايات التي تتميز بكثير من التكثيف الفني الامر الذي يجعلها من الاعمال التي تحتاج الى عناية خاصة عند قراءتها. اذكر ان الرواية اثارت ردود افعال عميقة لدى طلابي في السنة الرابعة بجامعة دمشق عند تدريسي لها نظرا الى موقف المؤلف الجريء من همجية المستعمر الغربي الذي يدعي انه يحمل النور والخير للمستعمرات الافريقية.

قديم 07-11-2012, 01:33 PM
المشاركة 4
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
عند الحديث عن عناصر التأثير في شخصية وادب جوزيف كونراد لا يمكن تجاهل حقيقة انه كان يتيم الاب والام وهذا تحديدا هو السبب الذي جعله يقدم مخرجات ابداعية عبقرية . فدماغ كل يتيم مبدع يعمل حتما بطاقة هائلة ولديه القدرة على تقديم نصوص في غاية التأثير والتكثيف والادهاش.

قديم 07-12-2012, 05:04 PM
المشاركة 5
د. زياد الحكيم
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الاخ الاستاذ ايوب صابر - لك جزيل الشكر على الاضافة المفيدة. نعم، جوزيف كونراد كان يتيما في سن الثانية عشرة من عمره. وقد يكون اليتم واحدا من العناصر التي فتحت له ابوابا في الابداع الفني. ولكن لا شك ان هناك عناصر كثيرة اخرى ساهمت في ان يكون عبقريا. والعبقرية في الابداع الفني والادبي موضوع شائك وكثير التعقيد وشغل علماء النفس والباحثين منذ زمن بعيد.

قديم 07-12-2012, 07:49 PM
المشاركة 6
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
د. زياد الحكيم

لقد اجريت عددا من الدراسات بعضها منشور هنا، واحدها على الرابط التالي وتؤكد هذه الدراسات على ان نسبة الايتام من بين الخالدون المائة مثلا جاءت 54% وهي نسبة تزيد عن عامل الصدفة بكثير.
وتبين ان نسبة الايتام من بين اصحاب افضل مائة رواية عالمية جاءت 53%.

وتؤكد هذه الدراسات بأن العبقرية هي نتيجة لمجموعة من الظروف المأساوية والتي تؤدي الى زيادة في نشاط الدماغ وعلى رأسه هذه الظروف الموت ( اليتم ).

من هنا جاءت عبقرية كونراد رغم انه لا يجوز التقليل من قيمة التجربة التي مر بها كبحار. فالبحر كان مصدر مهم للوحي عند عدد كبير من الكتاب:

على الرابط التالي ...العلاقة بين اليتم والخلود:

http://www.mnaabr.com/vb/showthread....d=1#post122968

على الرابط التالي : اليتم وسر الروعة في افضل 100 رواية عالمية ومنها طبعا رواية كونراد:

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=5829&page=38

قديم 07-14-2012, 08:35 PM
المشاركة 7
د. زياد الحكيم
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الاخ الاستاذ ايوب صابر - هذه معلومات بالغة الاهمية وهي جديرة بان تكون اساسا لرسالة جامعية من الطراز الاول. اشارتك الى ان التعليم الرسمي ليس شرطا في ابداع الكاتب:

- التعليم الرسمي ليس شرطا في الإبداع وإنتاج الأعمال الرائعة ونجد أن بعضا من أصحاب الروائع تلقوا تعليمهم في البيت وبجهد ذاتي.

يؤيدها عدد كبير من الكتاب المبدعين الذين لم يتموا تعليمهم الجامعي من امثال ارنست همنغواي وجورج برنارد شو واوغست سترندبيرغ وفيرجينيا وولف وجين اوستن وجبران خليل جبران. وعلى رأس هؤلاء وغيرهم وليام شكسبير. ولكن يجب ان نذكر هنا ان الكثيرين من المبدعين ايضا اتموا تحصيلهم الجامعي من امثال جيمس جويس وساميويل بيكت ودي اتش لورانس وتي اس اليوت وهنري جيمس وميخائيل نعيمة الخ.

شكرا جزيلا مرة اخرى على اثارة هذه النقطة.

قديم 07-14-2012, 11:10 PM
المشاركة 8
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
اشكرك د. زياد الحكيم

تقول " هذه معلومات بالغة الاهمية وهي جديرة بان تكون اساسا لرسالة جامعية من الطراز الاول".
- في الواقع لقد كان سر الطاقة الابداعية موضوع لرسالة الماجستير خاصتي والتي انجزتها ضمن برنامج ماجستير ادب مقارن في جامعة San Diego State University عام 1983 وكان عنوانها creativity and the search for fulfillment وقد افترضت وانطلاقا من تجربي الذاتية في اليتم ثم ملاحظة ان هناك تشابه شديد في حالة اليتم عندي وعند ليو توليستوي فكلانا فقد الام في سن الثانية ولم تترك لنا صورة، افترضت ان هناك علاقة وسعيت من اجل اثبات تلك العلاقة.

وقع الاختيار حينها على ثلاثة هم سلفيا بلاث ورالف اليسون وبابلو نيرودا بهدف البحث في سر الطاقة الابداعية لديهم من خلال سيرتهم الذاتية ومن خلال ادبهم وقد اقتنعت اللجنة بأنني كنت قادر على اثبات العلاقة بين الابداع وحالة اليتم عند الثلاثة رغم ان هناك عناصر اخرى مهمة في التأثير وخلق الحالة الابداعية لديهم، وهي عند الاولى كونها امرأة في مجتمع ذكوري، والثاني من اصول افريقية، والثالث من دول العالم الثالث والثلاثة ايتام طبعا.

المهم انني لم اجر حينها دراسات احصائية على عينات محددة ولكنني اعتمدت اسلوب التحليل النفسي في اثبات العلاقة ولم اتفاجأ ابدا حينما اجريت الدراسات الاحصائية في وقت لاحق ليتبين ان نسبة الايتام من العباقرة تزيد عند كل عينة بحثية عن 50% او لنقل تتعدى بكثير عامل الصدفة.

الاكتشافات الجديدة جديرة بأن تكون اساسا لرسالة دكتوراه وانا بصدد السعي لذلك.

لكنني كنت اود اولا ان اثبت بما لا يدع مجالا للشك طبيعة الطاقة التي تتشكل في دماغ اليتيم والتي تكون مسؤولة عن الانجازات العبقرية..وانا صاحب فرضية في هذا المجال تقول ان الطاقة هي طاقة البوزيترون حيث يبدو لي بأن حالة اليتم والالم الناتج عنه يؤدي الى تغير في بيئة الدماغ مما يؤدي الى حدوث انفجارات بوزيترونية يتولد عن ذلك طاقة مهولة ولا محدودة، وطاقة البوزيترون تنتج عن تصادم المادة بنقيضها من عالم اللالمادة، علما بأن آخر ما توصل اليه العلم في تشريح الدماغ ومعرفة مقدراته يستخدم هذه الالية لتحديد اماكن الخلل في الدماغ كما يقول الدكتور الجلبي حيث يقوم الاطباء بحقن الدماغ بذرة سكر فترتطم مجرد عبروها الى الدماغ بنقيضها من عالم اللامادة فيحدث توهج هائل يمكن العلماء من تحديد امكان الخلل في الدماغ .
كذلك فان العلماء اصبحوا يستخدمون جهاز اسمه positron emission prototype لمعرفة مقدرات الدماغ فالكلام عن الطاقة البوزيترونية لم يأت من الفراغ ولو انه يظل كلام افتراضي الى ان يتم اثباته.

طبعا من المهم الاشارة الى ان مصادر الطاقة الابداعية متعددة لكنها جميعا يكون لها تأثير على الدماغ وتؤثر في كيمياء الدماغ وهي مرتبطة بشكل او باخر بالحزن والالم، فيزداد نشاط الدماغ فتحدث العبقريى عند الاشد الما ويبدو من خلال ما اجريته من دراسات ان اليتم اعظم مصدر للالم.

واذا ما اُحسن استثمار هذه الطاقات يتحول صاحب هذا الدماغ الى مبدع فذ ولهذا السبب فأن التعلم ليس مهما في خلق العبقرية لكن الثقافة والمعرفة مهمه حتما.

وكلما كان حجم الالم والحزن والعزلة ...الخ اكبر، كلما كانت النتائج اكثر عبقرية.

ولم يكن غريبا والحال كذلك ان تصل نسبة الايتام من بين الخالدون المائة اكثر من 50% وكل عينة تشتمل على اعظم او افضل 100 شخص او روائي او قائد او صوفي او موسيقي او فنان او قديس الخ سنجد ان الاغلبية منهم جاؤوا من بين الايتام او المعاقيين حركيا او الايتام اجتماعيا.

وكل عبقري ليس يتيم لا بد ان يكون عاش حياة ترقى الى اليتم مثل اليتم الاجتماعي. واحيانا يكون يتم الوطن له نفس المفعول.
في حالة جوزف كونراد هو يتم الاب والام ثم يتم الوطن وعاش حياة بؤس وكان البحر مصدر عزلة والم شديد بالنسبة له فلا عجب اذا ان يكون فذ عبقري متعدد المواهب فالشعلة في ذهنه ظلت متقدة ويغذها الالم.

يسرني ان تشرف على رسالة الدكتوراه هذه فواضح انك موسوعة تمشي على الارض.

قديم 09-04-2013, 12:49 PM
المشاركة 9
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
مخرجات العقول العبقرية تعود للضوء بعد سنوات لان مخرجاتها الكودية تحتاج الى الوقت ليتمكن الناس من استيعابها. جوزف كنراد كمثال:

=================
ترجمة: عبر رواية «قلب الظلام»

هدية حسين كاتبة عراقية

جوزيف كونراد يعود إلى دائرة الضوء الأدبية

إنها حكاية كثيراً ما تتكرر، عمل ما قد لا يلتفت اليه أحد فإذا به بعد عشرات السنين يصبح واحداً من أهم الأعمال، كذلك أسماء المبدعين في شتى المجالات، تبحث عن فرصة لتسليط الضوء عليها فإذا بالضوء كله يسطع بعد رحيل بعد رحيل تلك الأسماء، ولعلّ أدجار ألن بو واحد من الأمثلة على ما نقول، إذ جاء الاعتراف به بعد أكثر من مائة عام ومن بلد غير البلد الذي ينتمي اليه.
و(قلب الظلام) رواية جوزيف كونراد هي الأخرى عاشت بعيدة عن الضوء حتى مر وقت طويل صارت بعده واحدة من أهم الأعمال الكلاسيكية في العالم، وهي رواية نشرت قبل مائة عام في كتاب واحد مع قصتين.

لماذا عاد كونراد الى الضوء بعد كل تلك السنين؟
سؤال طرحه صلاح حزين الذي ترجم وقدّم للرواية في كتاب صدر عن دار أزمنة للنشر والتوزيع في العام 2003، وأجاب عنه على الصفحتين 5 و 6 بالقول: خلال العقود القليلة الماضية عاد جوزيف كونراد إلى دائرة الضوء الأدبية بقوة كما لم يحدث إلا مع عدد قليل من الروائيين العالميين، ففي أواخر العام الماضي منحت جائزة نوبل للآداب للروائي بريطاني الجنسية ترينيدادي المولد هندي الأصل ف س نايبول، وعلى الرغم من أفكاره المثيرة للجدل فإن نايبول يعد واحداً من أكبر روائيي بريطانيا الأحياء، وتقارن أعماله على الدوام بأعمال جوزيف كونراد الذي كان مثله لاجئاً إلى بريطانيا ولكن من بولندا، وفي الواقع فإن أثر كونراد على نايبول أقوى من أن لا يلاحظ، ويمكن تلمس هذا الأثر في كتابه (عودة إيفا بيرون) حيث يفرد نايبول فصلاً للحديث عن كونراد بعنوان (ظلام كونراد) وأهم من ذلك أن نايبول -مايزال الكلام لصلاح حزين- يشترك مع كونراد في أن أعماله هو أيضاً كانت هدفاً لقراءات منظّري مدرسة (ما بعد الكولونيالية) في الأدب، وذلك بسبب تركيز أعمالهما على الجراح العميقة التي تركها الاستعمار في حيوات البلدان المستعمرة، وهذه النقطة تحديداً تمثل بؤرة اهتمام تيار ما بعد الكولونيالية في الأدب، وفي كل الأحوال فإن من غير الممكن عزل حقيقة إعادة تسليط الضوء على أدب جوزيف كونراد في السنوات الأخيرة عن ظهور ما بعد الكولونيالية التي تعد اليوم من أبرز النظريات الأدبية.
(قلب الظلام) تدور أحداثها في الكونغو في أواخر القرن التاسع عشر وتفضح ممارسات المستعمر البعيدة، حيث سجّل كونراد ما صادفه من أحداث حينما كانت الكونغو مسرحاً للنهب الإمبريالي وشاهد وحشية ما تتعرض له البلاد، ليكون ما سجله أساس روايته (قلب الظلام).
من ملتقى نهر التايمز تبدأ رحلة مجموعة من الرجال نحو قلب أفريقيا- الكونغو.. بطل الرواية يدعى مارلو، وهو الذي يقودنا إلى أكثر القصص رعباً، رعب يبدأ من السطور الأولى للرواية ويستمر معها حتى النهاية، حكايات يرويها مارلو وهو على متن المركب (نيللي) المتجه من لندن إلى حيث يعم الظلام في الكونغو.. يسير بطل كونراد حيث تقوده رغبته وحلمه الذي عاش معه في طفولته حينما أشار بإصبعه على الخريطة وقرر عندما يكبر أن يمضي إلى المكان الذي أشار إليه وهو الكونغو، وها هو يصبح رباناً لأحد الزوارق التابع لشركة من أهدافها بناء إمبراطورية وراء البحار لجني الملايين من الدولارات بطرق غير مشروعة.
من خلال حكايات مارلو يعري جوزيف كونراد أولئك المستعمرين ويكشف لنا عن أن قوتهم ماهي إلا نتيجة لضعف الآخرين.. يصف مارلو العمل على الزورق الذي أبحر عليه بالمواجهة الخطرة حيث الشاطىء الغامض الذي لا شكل له، والسفن الحربية حيث تدور المعارك، وأصوات المدافع والقنابل، واللهب والدخان، والرجال المستعبدين الذين رآهم وهو في طريقه لاستلام وظيفته، اولئك الرجال المقيدون بالسلاسل المأمورون بالعمل الشاق الذين يشبهون الأشباح من شدة نحولهم، ثم الجو الحار وضجيج العمال هناك، في تلك الأجواء عمل مارلو في مهنة لا تخلو من المتاعب، بل هي في قلب المتاعب.. وفي واحدة من تلك المصاعب يسير مارلو مع ستين رجلاً قبل أن يصل المحطة التي ستأخذه الى وظيفته، صعوداً ونزولاً لمسافة تقدّر بمائتي ميل وشبكة من الممرات التي لا تنتهي، على أرض خالية وتلال حجرية وعزلة تامة، مروراً بقرى هجرها سكانها وحيث الوحول والجثث الملقاة هنا وهناك والرجال البيض الذين وصلوا ليكسبوا أكبر قدر من المال عن طريق الاستحواز على خيرات البلد وهم يحملون هراواتهم ومستعدون للقتل من أجل أهدافهم غير النبيلة.
أما مدير الشركة فهو رجل بارد الملامح ذو نظرات كحد الفأس، عمل منذ شبابه في هذه المنطقة، مظهره لم يكن يوحي بحب أو باحترام بل بعدم ارتياح، ولم تكن لديه ملكة التنظيم كما عند كورتز المسؤول عن محطة تجارة العاج والذي يوصف بأنه رجل من الطراز الأول وقد استقبل مارلو بالقول: إن الوضع سيىء جداً.
سنعرف في سياق الحكايات التي يرويها مارلو أن حقائق الحياة تضيع في هذه البقعة من العالم، ولا تُعامل بما تستحقه إنسانيتك، المهم كم من الجهد تبذل لإرضاء مرؤوسيك الذين لا يقف جشعهم عند حد في جو تسوده النميمة والتآمر والحقد.. الى تلك البقعة وصل مارلو، لكن الزورق الذي من المفترض أن يعمل عليه كان قد غرق قبل وصوله ويحتاج الى أشهر من العمل لإصلاحه، وبين إصلاح الزورق وبدء العمل يلقي كونراد المزيد من الضوء على العلاقات السائدة، خصوصاً تلك التي تربط بين (السادة) و(العبيد) وكذلك الأجواء التآمرية من أجل الحصول على أكبر قدر من العاج الذي ينتزعونه بالقوة من الأهالي، والمنافسات غير الشريفة التي كثيراً ما تؤدي الى القتل.
تلك الحكايات المتصلة كان مارلو يقصها على مستمعيه وهم على ظهر المركب (نيللي) دون أن يكون لهم صدى في سير الأحداث، إنصات تام دونما مشاركة، كما لو أنه يحكي لنفسه، أو أنهم مفتونون بما يسمعونه الى الحد الذي يجعلهم لا يبادرون لمقاطعته، حتى الراوي الغامض الذي يحكي عن مارلو هو الآخر لا يتدخل الا حين يتوقف مارلو عن الكلام أو يوضح حركة قام بها مارلو قبل ان يتابع حكاياته، ربما مرة أو مرتين قال أحدهم جملة عابرة لم تعلق في الذهن بعد زمن طويل من سرد إحدى الحكايات الغارقة بسكون الحياة وقسوتها.
حكايات مارلو تمتد وتتشعب وتذهب إلى عمق الظلام والى الإرث الملعون والى الحياة البدائية التي تشبه حياة ما قبل التاريخ، هو وحده من يقود دفة الكلام حتى لتنسى أن هناك مستمعين على ظهر المركب.. إنها رحلة شقاء متواصل تلك التي أخذنا اليها جوزيف كونراد، رحلة عذابات في زمن البحث عن الثروات واستعباد البشر، رحلة ظلامية يخلخل اختصارها ذاك الاتساع في الرؤية التي أرادها المؤلف لقرائه، ولذلك لا يغني هذا العرض السريع عن اقتناء الرواية وقراءتها لاكتشاف قدرة الكاتب على الغوص في عمق المجهول في تلك المنطقة من العالم.
قلب الظلام رواية لم تفقد سحرها رغم عشرات السنين التي مرت على نشرها، كما لو أنها كُتبت بالأمس القريب، إنها رواية التيه إلى أقصى حدود الخطر لمستكشف مدّ يده يدعوك لمغامرة فيها من الخوف قدر ما فيها من متعة اكتشاف ذاك الزمن الغامض الممدود إلى ما لا نهاية، في بقعة مجهولة من العالم تعيش عزلة قاتلة وحرباً قذرة ضد أبناء الأرض الذين تحولوا إلى عبيد خشية القتل، وهي الرواية التي يرى فيها إدوارد سعيد نبوءة مبكرة للهيمنة الأمريكية على العالم.

قديم 10-13-2013, 01:55 AM
المشاركة 10
د. زياد الحكيم
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الاستاذ ايوب صابر -
لك الشكر الجزيل على هذه
الاضافات الرائعة التي تزيد الموضوع
وضوحا وثراء ومعنى.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: جوزيف كونراد – د. زياد الحكيم
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ما هي البنيوية؟ - د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 10 02-25-2021 06:03 PM
تي إس إليوت – د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الآداب العالمية. 2 12-28-2016 06:33 PM
ما هي الدادوية؟ د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 0 05-14-2016 06:20 PM
دي اتش لورانس – د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الآداب العالمية. 4 10-20-2012 11:50 PM

الساعة الآن 08:48 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.