احصائيات

الردود
0

المشاهدات
2306
 
رشيد الميموني
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


رشيد الميموني is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
597

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Dec 2010

الاقامة
تطوان / شمال المغرب

رقم العضوية
9563
02-13-2011, 02:56 AM
المشاركة 1
02-13-2011, 02:56 AM
المشاركة 1
افتراضي اللعبة
اللعبة


توسدت فخذ أمها وأطلقت العنان لأفكارها تسبح ، وتصول وتجول في الماضي القريب والبعيد . شيء ما يطبق على صدرها . لا ينفعها في ذلك تنهد . تريد عبثا أن تنام ، وتتطلع إلى عيون أمها الساهمة فيزيد غمها وتتمنى لو أن الأصابع المعروقة لا تتوقف عن تخليل شعر رأسها.
هل كان يجب انتظار عاشوراء ليفيض الكأس ؟.. كم من عاشوراء مرت ؟.. ضاعت لعب وتكسرت أخرى ، واحتفظ ببقاياها على الرفوف . لماذا حصل ما حصل ؟ وهل هي غلطتها أن تقاوم التبذير ؟ ما معنى شراء دزينة من اللعب لطفل وحيد ؟.. يعلم الله أن احتجاجها لم يكن ذا خلفيات ، و ألا هدف من ورائه سوى تجنب الإسراف . لكنه تحايل تارة بحجة شغف الطفل باللعب ، وتارة باستحالة رد بعضها للبائع..
- لكنه أعطاك إياها لاختيار الأنسب منها .
- ربما.. ولكن ثمنها الزهيد جعلني أحتفظ بها كلها .
يفور الدم في عروقها ، وتذهب توا عند البائع الغارق في أكداس الدمى والعربات الزاهية ، ثم تعود أشد هيجانا وتفتح باب الحجرة على مصراعيه لتجده محاطا باللعب.. يرتبها ويتفحصها في شغف .
- هل بلغت بك الوقاحة إلى حد الكذب علي ؟
فغر فاه وحملق فيها مشدوها . حاول الكلام وهو يلملم أجزاء لعبة مركبة . لكن كلماتها انهالت عليه منكرة عليه فعلته ، وتعيره بتصرفاته الصبيانية ، ثم تذكره بفضلها عليه . كانت كلماتها خنجرا يخترق حجاب الماضي فيكشف عن أشياء و أشياء طواها الزمان و فجأة .. تدفقت على شفتيها كالسيل . وحين تسكت ، تحس بجسدها يغلي ، فتغلق الباب بعنف وتخرج غير عابئة ببوادر الثورة على قسمات وجهه.
كيف السبيل الآن لإقناع أمها بسداد رأيها ؟ وكيف تبرر لها تصرفها ؟… على أية حال ، هذه حياتها الخاصة وعليها أن تتصرف كما ينبغي لراشدة . هكذا تعلمت من زميلاتها اللواتي قطعن أشواطا بعيدة في التصدي وعدم الخضوع .. لكن أنى لها التفكير في هدوء وقد تشتت ذهنها ؟.. ثم.. ألم تأت إلى هنا طلبا للنصيحة والتماسا للمشورة ؟
- قلت له إنه طفل ، فثار... لماذا تبتسمين ؟
هزت الأم رأسها ... هكذا هي ، قليلة الكلام حتى في أحرج المواقف ... لا فائدة . انتصبت واقفة و أطلت بحذر على السرير الصغير في ركن الحجرة ، فتمتمت الكهلة :
- لا زال نائما... دعيه يرتاح .
- حسنا ... سأعود بعد قليل .
- إلى أين أنت ذاهبة ؟
- سآتي ببعض حاجياتي ... لا أطيق رؤيته اليوم .
- يا لك من طفلة ... ومتى مكنته من رؤيتك وأنت لا تفارقين ناديك ؟.. الله يهديك ."
تستسلم لخطواتها . ينعشها نسيم البحر وصيحات النوارس تودع أخر أشعة الشمس... " ما أسعد هذه الطيور بعيدا عن هذه الأرض الغارقة في الوحل .. أنا لست طفلة .".. وفجأة تلغي فكرة الذهاب إلى البيت ، لكن خطواتها تقودها إليه دون وعي منها .. ستجده هناك محاطا باللعب ، كعادته . ما العيب في ذلك ؟ ألم تحتفظ هي بدماها ؟.. لكنه يبالغ و.. يكذب.. " لو أنك صارحتني أول الأمر ، هل كنت سأرفض ؟ هو ابني كما هو ابنك ."
تفتح الباب وتتسلل إلى الداخل . لن تكلمه . و إذا لامها على تهجمها ، فلن ترد عليه .. يجب أن يستعطف و يتذلل ويتودد .. عليه أن يبقى هكذا . لن تدعه يخرج " رجليه من الشواري" ... تجلس على الأريكة وتنتظر أن يخرج .. تسعل .. تسقط إسورتها على البلاط .. تزيح الأريكة من مكانها .. أيكون نائما ؟.. تتطلع إلى داخل الحجرة... لا أحد . ربما خرج . خف توترها لكنها أحست بالوحدة والشجن . بكت في صمت وهي تجيل النظر عبر أرجاء البيت . غمرها شعور غريب بالخوف ، فلم تطق البقاء . لملمت بعض الأشياء ثم خرجت وقد سجى الليل .
أين يكون ؟.. ليس من عادته المكوث طويلا خارج البيت . فكرت في الذهاب عند أختها ، لكنها عدلت عن ذلك . فهي لا تطيق انتقاداتها لتصرفاتها و أفكارها ، مثلها مثل زوجها الذي لم تكن علاقتها به قط على ما يرام . فهو لا يكاد يفرغ من التحية و السؤال عن الآخر حتى يبدأ خطبته حول نساء الأمس ونساء اليوم ، وانحرافهن وطيشهن ، والتيه الذي اخترنه سبيلا في حياتهن . هل تذهب عند صديقه القاطن بالحي ؟ لكنه وحيد ، وزيارتها له في هذا الوقت من الليل لا تخلو من مغامرة... ليكن .. هذا شأنها .
وقفت إزاء الباب متصنتة ، آملة أن تسمع حوارا . تحس بالبرد وتطرق الباب بيد مرتعشة ، ثم تجد نفسها قبالة جسد ضخم ملتف بمنامة لم تفلح في ستر شعر صدره الكثيف . تعلو وجهه الدهشة ... فيم يفكر ؟
- عفوا.. الولد مريض و...
- ؟ ؟ ؟
- لقد تأخر .. عن العودة ..
- آه ...- قالها بنبرة ذات معنى - كان هنا منذ قليل .. لم يقل لي أين ذهب ، لكنه حتما سيعود.. فحقيبته لا تزال هنا .
خفق قلبها بعنف وتمتمت :
- حقيبته ؟... هل هو مسافر ؟
ندمت على سؤالها بينما قال الآخر شاردا :
- لا أدري .. لكنها حقيبة من نوع خاص .
زاد فضولها كما اشتد البرد يلسع جسدها :
- هل أستطيع رؤية محتواها ؟
لم يحر جوابا وكاد يرفض ، لكن نظراتها المتوسلة جعلته يفسح لها الطريق .. انتابها إحساس بالقلق وهي تجد نفسها في خلوة مع غريب ، لكن فضولها كان أقوى ، وفتحت الحقيبة لتجد أكواما من اللعب ... انهال الماضي أمام عينيها في لحظة.. كل لعبة تحكي عن فترة.. عن زمن ولى .. خيل إليها أنها تصيح فيردد المكان صداها الآت من ماض سحيق ، فتستفيق ذاكرتها و ينتفض جسدها كالملسوعة :
- الآن فهمت...
- عفوا سيدتي ؟
- قل له... إني أخذت لعبة.. لأني لم أجد الوقت الكافي لشراء غيرها .
ضمت اللعبة إلى صدرها المقرور .. تحس بدفئها .. وتحث الخطى نحو بيت أمها لتعود بالولد..." يا لي من طفلة .. ترى هل فات الأوان أم لا يزال هناك متسع من الوقت للاستمتاع باللعب.. و بالحياة ؟.. أم أن حياتنا نفسها.. لم تعد كونها هي الأخرى لعبة ؟ "



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: اللعبة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اللعبة الأبديّة.. محمد الصالح الجزائري منبر شعر التفعيلة 12 03-18-2020 01:31 AM

الساعة الآن 03:07 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.