احصائيات

الردود
12

المشاهدات
7605
 
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي


رقية صالح is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
2,577

+التقييم
0.50

تاريخ التسجيل
Mar 2010

الاقامة

رقم العضوية
8808
10-23-2010, 08:28 PM
المشاركة 1
10-23-2010, 08:28 PM
المشاركة 1
افتراضي يــوم طــارت ابنتـي!!!!


صرخات صوتها الحادة ما عادت تصل إلى مسمعي! تفقدتها.. ألقيت نظرة على تجمعات الأطفال في فناء الدار لم تكن معهم.. بحثت بهدوء وسرعة بين الغرف المتاح لي دخولها لم أجدها.. تسارعت نبضات قلبي والهدوء توقد واندفع في أطرافي ضجيجاً صاخباً: أين سارة؟ من رآها؟ استنفرت صاحبة البيت والزائرات تبعثرن في الغرف والملحقات والسطح للبحث عنها ولا أثر! أركض بين الجدران وأجأر كلبوة، وخطوط دمعي اللاهث تجأر معي.. "خلي بالك من سارة لا تنسيها في زحمة الضيفات وكثرة القيل والقال أعرفك!" .. شدد عليّ بتنبيهاته وهو يوصلني إلى هنا وكأن قلبه تنبأ بحدوث شيء ما! تسمّر الأطفال في أماكنهم حين رأوا هلعي لم أخجل من الصراخ أمامهم بهستيرية: أين سارة؟ من رأى ابنتي سارة؟

تسابقت الأمّهات لاستنطاق أولادهن ارتعدت فرائص أكبرهم فرك يديه ببعضهما: أنا لم أرها. ازدرد ذ و القميص الأصفر ريقه ورفع حاجبيه: أنا رأيتها، أمسكت بتلابيبه اتسعت عيناني بمساحة رأسه: أين؟ رفع بنطاله الأخضر فوق خصره النحيل: كانت تلعب قرب الباب ثم فتحته وناديتها فلم ترد عليّ وخرجت. دفنت وجهي بين كفي: يا إلهي ليس في البيت رجال، كلنا نساء وأطفال فقط من سيبحث لي عنها خارج البيت؟ لوح ذو الوجه المستدير بسبابته السمراء القصيرة محذراً: وأنا أيضاً ناديتها، قلت لها لا تخرجي من البيت حتى لا يصيبك ما أصاب الأرنب الصغير الذي خرج من بيته واصطاده الصياد أمي قالت لي هذا أليس كذلك يا أمي؟ وضعت أمه يدها على فمه وطلبت منه السكوت. دوار يصيبني وحلقي صحراء جافة لم تعرف طعم الارتواء يوماً..

أعطوني عباءتي لأبحث عنها في الشوارع تدخلت ذات الثوب المشجر: خرجت سارة لتلعب بالرمل الذي أمام البيت، هي قالت لي أنها تحب اللعب بالرمل لكن أمها تمنعها حتى لا تتسخ ثيابها. " منذ متى كانت سارة –ابنة السنين- تعرف الكلام". آه يا ليتني ما نهيتها يوماً عن فعل شيء ما ليتني ما منعتها منذ قليل من أكل قطع الكاكاو التي تعشقها. وقف الأبيض ذي الشعر الكثّ المجعّد على أطراف أصابعه منفعلاً: حين كانت سارة تلعب بالرمل وقفت سيارة حمراء فيها سائق له شوارب كأبي، وناداها السائق وأعطاها قطعة كاكاو وأخذها معه في السيارة.. "يا ويلتي خطفت ابنتي!" زمجرت ذات الغرّة الكستنائية المتدلية على العينين: قلت لها لا تأخذي من الغريب شيئاً أمي قالت لي: لا تأكلي من أحد شيئاً ولا تذهبي مع الغرباء أبداً.. نهرها السمين الواقف أمامها بغضب: كاذبة لا يا خالة سارة لم تذهب في السيارة الحمراء بل جاءت طائرة بيضاء وركبت فيها ثم طارت، راحت إلى البحر. "أراني كرة لحمية تتقاذفها أرجل صغيرة ملونة". بأسى قال الأقرع الصغير وهو يحكّ أرنبة أنفه: الصحيح: أنّ سارة طلعت إلى الشارع وجاءت سيارة –شبح- مسرعة ودعستها ونزل منها الدم. "ابنتي ماتت؟ دعستها سيارة!"

حبوت إلى الباب حبواً ما عادت قدماي تحملانني وفي صدري فحيح أم ثكلى! وكحكيم، نطق ذو الثوب الأبيض، بعد صمت مطبق تضيق وتتسع حسب مخارج كلماته: لكن سارة قصيرة، ولا تستطيع يدها أن تمسك بهذه لتفتحها –وأشار إلى مقبض الباب- تحنطت في مكاني. دلو من الماء المثلج اندلق فوق رأسي سكنتني رعشات متوالية ودمي تيار متناوب، نقطة مغلية وأخرى متجمدة "قصيرة لا تصل لمقبض الباب لم تخرج إنها في البيت ال!" اشتعلت الحياة في أوصالي تركبت أعضائي فوق بعضها البعض كالبرق طرت من بينهم وقفت وسط المطبخ بحثت جيداً وبهدوء تمطت، من تحت مفرش الطاولة المتدلي حتى الأرض بارتخاء، قدمان صغيرتان حافيتان أعقبتهما ساقان رفيعتان ثم جذع ناحل بذراعين سمراوين ثم عينان لامعتان وسط وجه بني معجون بنصف علبة الكاكاو المزروعة، بكثافة، تحت الطاولة!



(هيام حسون علي المفلح)- مهندسة زراعية حاصلة على بكالوريوس في العلوم الزراعية.
تعمل حالياً كاتبة وصحفية متفرغة في جريدة الرياض السعودية. حصلت على جوائز أدبية في مجال القصة.





هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)
قديم 10-23-2010, 09:45 PM
المشاركة 2
الدكتور طاهر سماق
طبيب وشاعر سـوري
  • غير موجود
افتراضي
حبسنا أنفاسنا حتى اللحظة الأخيرة

كانت القاصة رغم براعتها تهتم لبعض الصفات التي لا يمكن أن تُدرِكها أمٌ لوَّعتها صدمة الفقد المفاجئ

ولكن رغم ذلك .. دللت على امتلاكِها ناصية العربية باقتدار وتميُّز

نقلٌ رائع وموفق سيدتي

كوني بخير

قديم 11-11-2010, 11:02 PM
المشاركة 3
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
حبسنا أنفاسنا حتى اللحظة الأخيرة

كانت القاصة رغم براعتها تهتم لبعض الصفات التي لا يمكن أن تُدرِكها أمٌ لوَّعتها صدمة الفقد المفاجئ

ولكن رغم ذلك .. دللت على امتلاكِها ناصية العربية باقتدار وتميُّز

نقلٌ رائع وموفق سيدتي

كوني بخير


هو اللامبالاة الذي ينتاب بعض الأمهات أحياناً تجاه أولادهم

يدركونها فقط عندما يغيبون عن مرأى أعينهم ولو للحظات




د. طاهر سماق

يسعدني حضورك وأشكر مرورك

سرني أنها راقت لك

تحيتي وتقديري


هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)
قديم 11-11-2010, 11:05 PM
المشاركة 4
فاطمة جلال
مراقبة سابقة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
رقيه صالح...

أهلا بك غاليتي...

طال الغياب...


سلمت يداك..

كوني بخير

تَعَـالَ ...
نَعْـجِن مِـن الحِـرَفِ رَغِيفًـا عَـلَى مَوَائِـدِ الـكَلَامِ ...
وَنَـكْتُب رَسَائِـلَ الحَـنِينِ إِلَى اليَـاسمِينِ ....

تعـالَ...
فمن تشتاق الـروحُ اليـهم ؛ قـــد أوغلـوا فـي الغيـاب !

فاطمة جلال

.....
قديم 11-11-2010, 11:12 PM
المشاركة 5
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي

(هيام حسون علي المفلح)
لا ينبغي أبدأً أن أغفل عن هذا الاسم بعد اليوم
قصة لا مثيل لها ...
فما أن بدأت بأول سطر حتى صرت أعدو عدواً لأصل للنهاية
معبرة ورائعة


أحسنت الاختيار يا رقية ..
جزيل الشكر




تحية ... ناريمان

قديم 11-13-2010, 01:01 AM
المشاركة 6
ابتسام محمد الحسن
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
أضم صوتي للأخ طاهر السماق

أرى أن بعض الملاحظات أدق من أن تنتبه لها أم في حالة ذعر

دقة الوصف لم تخدم النص كثيراً

إضافة إلى ملاحظة صغيرة بخصوص عبارة : " وأجأر كلبوة، وخطوط دمعي اللاهث تجأر معي " أظنها كانت تقصد أزأر ... من الزئير


بكل الأحوال شكراً لك عزيزتي رقية على النقل

قصة فيها درس للأطفال، هو أهم من كل الملاحظات

تحيتي

قديم 11-14-2010, 10:39 PM
المشاركة 7
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
رقيه صالح...

أهلا بك غاليتي...

طال الغياب...


سلمت يداك..

كوني بخير


سلام الله عليك الأميرة الساهرة

كل عام وأنت بألف خير

عذراً لغيابي لأسباب خارجة عن إرادتي

دمتِ لي وشكراً لاهتمامك

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)
قديم 11-14-2010, 10:41 PM
المشاركة 8
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

(هيام حسون علي المفلح)
لا ينبغي أبدأً أن أغفل عن هذا الاسم بعد اليوم
قصة لا مثيل لها ...
فما أن بدأت بأول سطر حتى صرت أعدو عدواً لأصل للنهاية
معبرة ورائعة


أحسنت الاختيار يا رقية ..
جزيل الشكر




تحية ... ناريمان


الصديقة النسمة الناعمة ناريمان

لا أعتقد أنه سيغفل على قلمك وفكرك

أيّ كان من أسماء الكتاب والروائيين

ما شاء الله وكان بما خصّه الله عليكِ

من النعم والفكر المتوقد

مرورك دائماً جميل ويسعدني

كل عام وأنت بألف خير

باقة شكر وامتنان لا ينتهي

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)
قديم 11-14-2010, 10:43 PM
المشاركة 9
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أضم صوتي للأخ طاهر السماق

أرى أن بعض الملاحظات أدق من أن تنتبه لها أم في حالة ذعر

دقة الوصف لم تخدم النص كثيراً

إضافة إلى ملاحظة صغيرة بخصوص عبارة : " وأجأر كلبوة، وخطوط دمعي اللاهث تجأر معي " أظنها كانت تقصد أزأر ... من الزئير


بكل الأحوال شكراً لك عزيزتي رقية على النقل

قصة فيها درس للأطفال، هو أهم من كل الملاحظات

تحيتي



المشرفة ابتسام الحسن


مرورك ولأول مرة في متصفحي

بهي وحضورك أبهى

سررتُ بمرورك الجميل

وسعيدة أنها أعجبتك

انتابني شعور أنها تستحقُ ما عانته تلك الأم

كل عام وأنت بألف خير

تقبلي تحيتي وتقديري

دمتَ بخير

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)
قديم 11-15-2010, 08:16 PM
المشاركة 10
خالد الزهراني
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


صرخات صوتها الحادة ما عادت تصل إلى مسمعي! تفقدتها.. ألقيت نظرة على تجمعات الأطفال في فناء الدار لم تكن معهم.. بحثت بهدوء وسرعة بين الغرف المتاح لي دخولها لم أجدها.. تسارعت نبضات قلبي والهدوء توقد واندفع في أطرافي ضجيجاً صاخباً: أين سارة؟ من رآها؟ استنفرت صاحبة البيت والزائرات تبعثرن في الغرف والملحقات والسطح للبحث عنها ولا أثر! أركض بين الجدران وأجأر كلبوة، وخطوط دمعي اللاهث تجأر معي.. "خلي بالك من سارة لا تنسيها في زحمة الضيفات وكثرة القيل والقال أعرفك!" .. شدد عليّ بتنبيهاته وهو يوصلني إلى هنا وكأن قلبه تنبأ بحدوث شيء ما! تسمّر الأطفال في أماكنهم حين رأوا هلعي لم أخجل من الصراخ أمامهم بهستيرية: أين سارة؟ من رأى ابنتي سارة؟

تسابقت الأمّهات لاستنطاق أولادهن ارتعدت فرائص أكبرهم فرك يديه ببعضهما: أنا لم أرها. ازدرد ذ و القميص الأصفر ريقه ورفع حاجبيه: أنا رأيتها، أمسكت بتلابيبه اتسعت عيناني بمساحة رأسه: أين؟ رفع بنطاله الأخضر فوق خصره النحيل: كانت تلعب قرب الباب ثم فتحته وناديتها فلم ترد عليّ وخرجت. دفنت وجهي بين كفي: يا إلهي ليس في البيت رجال، كلنا نساء وأطفال فقط من سيبحث لي عنها خارج البيت؟ لوح ذو الوجه المستدير بسبابته السمراء القصيرة محذراً: وأنا أيضاً ناديتها، قلت لها لا تخرجي من البيت حتى لا يصيبك ما أصاب الأرنب الصغير الذي خرج من بيته واصطاده الصياد أمي قالت لي هذا أليس كذلك يا أمي؟ وضعت أمه يدها على فمه وطلبت منه السكوت. دوار يصيبني وحلقي صحراء جافة لم تعرف طعم الارتواء يوماً..

أعطوني عباءتي لأبحث عنها في الشوارع تدخلت ذات الثوب المشجر: خرجت سارة لتلعب بالرمل الذي أمام البيت، هي قالت لي أنها تحب اللعب بالرمل لكن أمها تمنعها حتى لا تتسخ ثيابها. " منذ متى كانت سارة –ابنة السنين- تعرف الكلام". آه يا ليتني ما نهيتها يوماً عن فعل شيء ما ليتني ما منعتها منذ قليل من أكل قطع الكاكاو التي تعشقها. وقف الأبيض ذي الشعر الكثّ المجعّد على أطراف أصابعه منفعلاً: حين كانت سارة تلعب بالرمل وقفت سيارة حمراء فيها سائق له شوارب كأبي، وناداها السائق وأعطاها قطعة كاكاو وأخذها معه في السيارة.. "يا ويلتي خطفت ابنتي!" زمجرت ذات الغرّة الكستنائية المتدلية على العينين: قلت لها لا تأخذي من الغريب شيئاً أمي قالت لي: لا تأكلي من أحد شيئاً ولا تذهبي مع الغرباء أبداً.. نهرها السمين الواقف أمامها بغضب: كاذبة لا يا خالة سارة لم تذهب في السيارة الحمراء بل جاءت طائرة بيضاء وركبت فيها ثم طارت، راحت إلى البحر. "أراني كرة لحمية تتقاذفها أرجل صغيرة ملونة". بأسى قال الأقرع الصغير وهو يحكّ أرنبة أنفه: الصحيح: أنّ سارة طلعت إلى الشارع وجاءت سيارة –شبح- مسرعة ودعستها ونزل منها الدم. "ابنتي ماتت؟ دعستها سيارة!"

حبوت إلى الباب حبواً ما عادت قدماي تحملانني وفي صدري فحيح أم ثكلى! وكحكيم، نطق ذو الثوب الأبيض، بعد صمت مطبق تضيق وتتسع حسب مخارج كلماته: لكن سارة قصيرة، ولا تستطيع يدها أن تمسك بهذه لتفتحها –وأشار إلى مقبض الباب- تحنطت في مكاني. دلو من الماء المثلج اندلق فوق رأسي سكنتني رعشات متوالية ودمي تيار متناوب، نقطة مغلية وأخرى متجمدة "قصيرة لا تصل لمقبض الباب لم تخرج إنها في البيت ال!" اشتعلت الحياة في أوصالي تركبت أعضائي فوق بعضها البعض كالبرق طرت من بينهم وقفت وسط المطبخ بحثت جيداً وبهدوء تمطت، من تحت مفرش الطاولة المتدلي حتى الأرض بارتخاء، قدمان صغيرتان حافيتان أعقبتهما ساقان رفيعتان ثم جذع ناحل بذراعين سمراوين ثم عينان لامعتان وسط وجه بني معجون بنصف علبة الكاكاو المزروعة، بكثافة، تحت الطاولة!



(هيام حسون علي المفلح)- مهندسة زراعية حاصلة على بكالوريوس في العلوم الزراعية.
تعمل حالياً كاتبة وصحفية متفرغة في جريدة الرياض السعودية. حصلت على جوائز أدبية في مجال القصة.



الأستاذة الرائعة رقية صالح
قصة مؤثرة وجميلة التعبير
حقيقة مبدعة الكاتبة
أشكرك على اختيارك الجميل
تقبلي احترامي
خالد الزهراني

و إذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقـم عليهـم مأتما و عويلا
 

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:41 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.