قديم 10-19-2019, 02:14 AM
المشاركة 31
تركي خلف
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: O موسوعة القصص القصيرة o
الرَحِيـْــل

جيمس بلدوين
ترجمة : خليل الشيخة

لَمْ يخالج فلورنس الشك بأن أمها أكبر النساء سناً في العالم، فقد كانت تروي لها ولأخيها جبرايل كثيراً عندما كانا طفلين عن عمرها المديد الذي لا يحصى بالسنوات، والذي تمتد جذوره إلى زمن العبودية الغابر. ولدت في مزرعة إحدى الولايات وترعرعت فيها، وعملت في الزراعة لكونها تتميز ببنية قوية. ومع مرور الأيام تزوجت وأنجبت أطفالاً انتزع معظمهم منها، أحدهم اختطفه المرض، وبيع اثنان في المزاد العلني، والأخير لم تقدر له السموات أن تحتضنه برعايتها وتربيتها، فقد نشأ في بيت السيد وتربى فيه. وعندما كانت في ريعان شبابها – في الثلاثين على الأغلب – اختطفت يد القدر زوجها فوهبها السيد لزوج آخر، في تلك الفترة اقتحمت جيوش من الشمال تلك المنطقة لينـزعوا نيـر العبودية عن رقاب العبيد الذين صلوا كثيراً من أجل الحرية، وها قد لبي النداء أخيراً، واستجابت السماء لدعواتهم.
* * *
انقضت سنوات عمرها على وتيرة واحدة، تستيقظ في الصباح
الباكر قبل أن تنشر الشمس جدائلها، فتندفع لتعمل في الحقول ما بين انحناء ووقوف، مادامت الشمس تحرق كبد السماء. وعندما يختفي ذلك القرص الذهبي خلف بوابات السماء، ويعلن المشرف بصفارته وبصوته الذي يتردد صداه عبر الحقول نهاية يوم شاق، تتجه عائدة إلى بيتها. وفي أيام الشتاء الثلجية عندما يتحول بيت السيد الكبير إلى شعلة من الأضواء وتذبح الخنازير والطيور، يرسل لها الطباخ (بات شيبا) بعضاً من تلك اللحوم وفوقها قطع من الحلوى، وما تستطيع أن تلتقطه يداه من بقايا مائدة السادة البيض.

وبالرغم من ذلك لم تكن أيامها تخلو من بعض اللحظات التي تبعث السرور في النفس، كلحظة تدخينها لغليونها كل مساء. ورؤيتها لزوجها في نهاية كل يوم منهك.. وإرضاعها لأطفالها وتعليمها إياهم الخطوات في السير، ولكن تلك اللحظات السعيدة لم تكن كفيلة بأن تطرد ذلك الإحساس الأليم الذي كان يتملكها ساعة الفراق، والموت وضرب السياط. لم تنس يوماً أن الخلاص الموعود آتٍ، فليس عليها إلاّ أن تتحلى بالصبر والثقة بالإله العادل. أدركت تمام الإدراك أن بيت الرياء والعجرفة الذي يسكنه الناس البيض لا بد أن ينهار يوماً. هذه هي شريعة السماء المعهودة، فالذين يتبخترون في الأرض تيهاً وضلالاً لا يملكون من الخير شيئاً لأنفسهم أو لذريتهم، فهم أشبه بأناس يسيرون على شفا وادٍ عميق مغمضي العيون، يقف الله لهم بالمرصاد ليبيد عجرفتهم ويسحقهم في بحر عميق، كما حدث ذات مرة مع قوم اليهود الخاسئين. يا لهم من بؤساء فنفوسهم الجوفاء ستتحطم يوماً لا ينفعهم غرورهم وعزهم الواهي، ولن يجدوا ما يدفع عنهم عاقبة الحساب الدنيوي. علاوة على ذلك، فقد أخبرت أولادها بأن الله عادل وحكيم لا يعاقب أناساً إلاّ بعد تحذيرهم لعدة مرات، حيث يمنحهم الله وقتاً لإعادة النظر في أعمالهم، وفي النهاية فإن كل شيء بيده. وسينبلج فجر ذلك اليوم الذي لن يكون هناك فيه مجال لعمل الخير أو الشر، فقط ستبقى زوبعة الموت تترصد أولئك الذين ألقوا الإله في غياهب النسيان.

طوال سنوات عمرها لم تخب تنبؤاتها، ولكن ما من أحد كان يعير انتباهاً لذلك، واليوم تحققت إحدى تنبؤاتها، حيث تسمع أصواتاً في الكوخ وأمام بوابة بيت السيد؛ تعلن أن العبيد قد هبوا للثورة، فأحرقوا في ولاية أخرى بيوت أسيادهم وحقولهم، كما أنهم رجموا أطفالهم بالحجارة حتى أردوهم قتلى، وقتل أحد العبيد سيده غير أنه لقي حتفه جراء فعلته هذه، وقد همس أحدهم، وكان واقفاً بجانبها في الحقل :

– لا أستطيع البقاء هنا أكثر من ذلك، علي الرحيل في الصباح إلى الشمال.

ملأت أخبار العبيد الرهيبة قلوب الناس قسوة ضد أسيادهم؛ الذين اعتقدوا أن السوط سيخمد النيران المشتعلة في قلوب العبيد، أو ربما ستكون الخناجر أو المشانق أو حتى البيع بالمزاد العلني في ساحة المدينة، سيكون كل ذلك رادعاً لنقمتهم الجامحة. خطر في ذهنهم أخيراً أن المعاملة اللطيفة من شأنها أن تحد من اندفاعهم، فما كان من السيد والسيدة إلاّ أن تخليا عن كبريائهما الزائف وقصدا الكوخ زائرين مبتسمين حاملين الهدايا معهما، تساءلت كثيراً عن ماهية الحياة السعيدة فيما إذا عاش البيض والسود حياة مشتركة، ولكن السعادة لا تدوم، فعندما تكتب المقادير في السماء فليس بوسع الأرض محوها، وها قد تحقق القدر الإلهي اليوم قبل أن تستيقظ الأم من سباتها، فمعظم الحكايات التي كانت ترويها الأم لم تكن تعني لفلورانس إلاّ شيئاً واحداً فقط، وهي أنها حكايات من امرأة عجوز سوداء تسردها على أبنائها لتطرد من أذهانهم شبح الجوع والبرد. لكن حكاية اليوم من نوع آخر تماماً، فهي حكاية لا يمكن أن يطويها النسيان، فقد بزغ فجر يوم طالما انتظرته وحلمت به، يوم شهد هروب الجبناء، ولعلعة الرصاص في الأجواء.

وما أن فتحت الأم عينيها حتى خيل إليها كأنه يوم الحساب العظيم، وبينما هي قابعة في مكانها مذهولة متسائلة عن سر هذا اليوم الغريب، دخل بات شيبا إلى الكوخ وقد اندفع وراءه عدد من الأولاد المضطربين وعمال الحقول وعبيد القصر، وصرخوا جميعاً بصوت واحد: انهضي.. انهضي يا أخت راشيل وشاهدي الخلاص الإلهي، لقد برّ الله بوعده لنا، وأصبحنا أحراراً.

أمسكها بات شيبا والدموع تنساب على خديها، لبست ثيابها واتجهت نحو الباب لتشهد اليوم العظيم الذي وهبه الله لهم. في ذلك اليوم رأت بيت الكبرياء يخر ذليلاً، وقد ألقيت من نوافذه ملابس الحرير الخضراء والمخملية، كما رأت العديد من الفرسان يسحقون الحديقة بأقدامهم ويشرعون البوابة الكبيرة على مصراعيها، كان في داخل ذلك القصر الكبير السيد والسيدة وأنسباؤهما وولدها؛ الذي انتزع منها وبقي في القصر حيث لم يسمح لها بالدخول إليه، والآن ليس هناك من سبب يمنعها من عبور البوابة الكبيرة. حزمت أشياءها في قطعة من القماش ووضعتها على رأسها وخرجت باتجاه البوابة الكبيرة وقد اتخذت قراراً بعدم العودة ثانية إلى هذه الولاية.
عندما أصبحت ابنتها فلورانس في ريعان شبابها أصبح حلمها المنشود هو الرحيل عن هذا الكوخ.

وفي عام 1900 عندما كانت فلورانس في سن السادسة والعشرين خرجت من الكوخ مقررة الرحيل، ولكن فكرت بأن تؤجل هذا الأمر إلى أن تختطف يد القدر والدتها التي تعاني من سكرات الموت على فراشها، أحست فجأة أن انتظارها لن يطول فالزمن المرتقب في طريقه إليها. كانت فلورانس تعمل خادمة عند إحدى العائلات البيض الكبيرة في المدينة، وفي اليوم الذي قرر فيه سيدها أن يتخذها خليلة له صممت على إنهاء خدمتها عند هؤلاء الناس ذوي النفوس الدنيئة، فغادرت البيت مخلفة وراءها مرارة قاسية، وبجزء من أتعابها الذي ادخرته عن طريق المعاناة والتضحية لعدة سنوات ابتاعت بطاقة سفر بالقطار إلى نيويورك، وعند حصولها على البطاقة انتابها شعور من الغيظ ذو معنى خاص، فأمسكت بالبطاقة وكأنها تعويذة بين يديها وفكرت:

” بإمكاني إعادتها أو بيعها، فالحصول عليها لا يعني أنني قررت الرحيل ” وكانت تدرك في قرارة نفسها تماماً أن لا أحد بإمكانه منعها من تنفيذ قرارها، ربما سيتأخر سفرها لبعض الوقت نظراً لعدم حصولها على إذن بالرحيل، ورأفة بوالدتها التي تلتقط أنفاسها الأخيرة على فراش الموت، ومن نافذة الكوخ رأت فلورانس الغيوم الرمادية وقد حجبت ضوء الشمس الوهاج، ومازالت الأرض مفروشة ببساط ضبابي، وتنبهت من شرودها على صوت والدتها المستلقية على السرير؛ وهي توبخ جبرايل الذي أتى إلى البيت في ساعة متأخرة من الليل يترنح من الخمرة غير مدرك لما حوله، وحتى الآن وهو في حالة لا تسمح له بالذهاب إلى العمل. كان جبرايل مضطرباً شاحباً يشعر بمرارة ذنبه، فهو يزيد حالة أمه سوءاً بتصرفاته الهوجاء، وقف أمام المرأة منحني الرأس يزرزر قميصه، أحست فلورنس أنه ليس بإمكانه أن يتلفظ بكلمة واحدة، قالت الأم:

ولدي الحبيب! لا تدعني أرحل عن هذه الدنيا قبل أن تعدني بأنك ستصبح إنساناً صالحاً.. هل تسمعني يا بني؟

نظرت فلورنس إليه بازدراء فرأت الدموع قد ملأت عينيه، فقالت في نفسها: ” عليه أن يعدها بأن يكون إنساناً صالحاً، فلقد وعد بذلك منذ اليوم الذي عّمِد فيه. أحضرت فلورنس حقائبها إلى وسط الغرفة، تلك الغرفة الكريهة وقالت:

– والدتي.. أنا راحلة.. راحلة هذا الصباح. رددت تلك العبارة وهي غاضبة من نفسها لعدم التصريح بها في الليلة الماضية؛ لترتاح من رؤية دموعها وسماع نقاشها العقيم؛ ربما لم تكن تملك الشجاعة الكافية ولكن اليوم ليس هناك وقت تضيعه، فالساعة البيضاء الكبيرة المثبتة على جدار المحطة؛ راسخة في ذهنها، تحثها على الإسراع قبل فوات الأوان، سألتها والدتها بنبرة حادة :

– إلى أين أنت ذاهبة ؟

كانت تعلم أن والدتها على معرفة تامة بقرار رحيلها الذي سيتم تنفيذه ذات يوم، فالرحيل لم يكن وليد تلك اللحظة بل هو حلم قديم ينتظر لحظة الشروق، وها قد بزغت شمس اليوم المنتظر، نظرت الأم إلى حقائب فلورنس نظرة روع وحذر، فالخطر الوهمي أصبح واقعاً حقيقياً، وعبثاً حاولت أن تجد طريقة تثني بها ابنتها عن السفر، ولكن كل محاولة كانت تزيد فلورنس إصراراً. أحس جبرايل بنغمة أمه الحزينة، ولم يكن يعلم شيئاً عن رحيل أخته، لكنه شعر بالغبطة لحدوث أمر صرف انتباه والدته عنه، أخفض عينيه ورأى حقيبة فلورنس السفرية، فردد سؤال والدته بلهجة غاضبة:

– إلى أين تنوين الذهاب أيتها الفتاة؟ فأجابته :

– أنا ذاهبة إلى نيويورك وقد حجزت تذكرة.

حدقت والدتها فيها دون أن تنطق بكلمة واحدة، أما جبرايل فقد سألها بنبرة مخيفة :

– ومتى قررت الرحيل ؟

لم تنظر إليه ولم ترد على سؤاله، واستمرت في النظر إلى والدتها ثم قالت :

– لقد حصلت على تذكرتي وأنا راحلة في قطار الصباح.

– تمهلي يا ابنتي، هل أنت مدركة تماماً ما تنوين القيام به ؟

لمحت فلورنس في عيني والدتها نظرة شفقة ساخرة، مما شجعها على القول :

– أنا امرأة واعية وأدرك تماماً ما أفعل.

عندئذ صرخ جبرايل قائلاً:

– كيف ذلك وقد قررتِ أن ترحلي في الصباح، وتتركي والدتك على هذه الحالة.

التفتت فلورانس للمرة الأولى إلى جبرايل موجهة الحديث إليه :

– اصمت أنت، لقد اعتنت بك أيضاً، أليس كذلك ؟

أرخى جبرايل عينيه فأدركت فلورنس مدى المرارة العالقة في نفسه، وعمق المشكلة التي سيقع فيها. فهو لا يحتمل فكرة بقائه وحيداً بجانب أمه المريضة، وليس بوسعه القيام بشيء وهو على هذا الحال السيئ، وبرحيل فلورنس سيبتلع الزمن آخر ما تبقى من أولاد أمه ما عداه، إذ سيتحتم عليه عندئذ أن يعوضها عن الآلام التي تكابدها، وينقذها من شبح المعاناة وذلك بزرع الطمأنينة في نفسها خلال أيامها الأخيرة. وهذا لن يحدث إلا بابتعاده عن الخطيئة، وبرحيل فلورنس لن يكون هناك مجال للهو والعبث، وعليه أن يصبح رجلاً صالحاً قادراً على إثبات وجوده واتخاذ موقف في حياته.

ابتسمت فلورانس بسخرية وهي تراقب توتره واضطرابه، ثم نظرت إلى والدتها قائلة :

– لقد قامت بتربيتك والاعتناء بك فهي لا تحتاجني.

سألتها والدتها :

– إذن أنت ذاهبة إلى الشمال، ومتى تنوين العودة ؟

فردت فلورنس :

– لا أعتقد أنني سأعود ثانية إلى هذه البلدة.

توجه جبرايل بأنظاره إلى والدته وصرخ بحنق :

– لقد ذرفت من الدموع ما يكفي، ما بك تبكين وكأنك تجلدين بالسوط !

فنظرت إليه فلورنس للمرة الثانية وقالت :

– أليس بوسعك أن تبتلع أنفاسك وتصمت.

فتساءلت الأم :

هل تعنين من تصرفك هذا أنك تنوين التصريح بأن الشيطان قد جعل قلبك قاسياً؛ إلى درجة تودين فيها مغادرة والدتك وهي على فراش الموت، ولا يهمك رؤيتها في هذه الحياة مرة أخرى، ليس بإمكانك إقناعي بأنك شريرة إلى هذا الحد.

أحست فلورنس أن جبرايل يتفحص معالم وجهها ليتبين ردة فعلها على هذا السؤال، السؤال الذي كانت تخشى سماعه برغم إصرارها على الرحيل، أشاحت بنظرها عنهما إلى تلك النافذة المتصدعة، وسرح تفكيرها إلى ما وراء ذلك الضباب المرتفع في المكان الذي لا تستطيع عيناها رؤيته حيث تنتظرها حياة جديدة، فكرت فلورانس ” إن المرأة الراقدة على السرير عجوز مسنة قضت سنوات حياتها هباءً منثوراً، وسيضمها القبر عما قريب، أما أنا فلن أدع حياتي رهينة بين أيدي الموت “.

التفتت إلى والدتها وأعلنت :

– أنا راحلة يا أماه.. لابد من الرحيل.

اتكأت الأم على السرير ونظرت عالياً إلى الضوء وبدأت تبكي، اندفع جبرايل إلى جانب فلورانس وأمسك بيدها، نظرت إلى وجهه فرأت دموعاً في عينيه، قال لها :

– ليس بإمكانك الذهاب.. لا تستطيعين الرحيل ووالدتك على هذه الحالة، فهي تحتاج للعناية، ماذا بوسعها أن تفعل هنا وهي وحيدة معي ؟

دفعته عنها واقتربت من سرير والدتها قائلة :

– أمي..كفي عن هذا فلست الإنسانة المباركة التي تستحق دموعك، أليس ما سيحدث لي في الشمال ممكن أن يحدث هنا، الله موجود في كل مكان فلا مبرر إذن للقلق.

أدركت فلورنس أن الكلمات التي تنطق بها لا تعير لها الأم انتباهاً، بل تثير الاستخفاف في نفسها، يا لهذه الأم المسكينة! لقد منحت ابنتها حافزاً للحياة فهل أخطأت في ذلك؟ من المؤكد أنها لا تبكي على مستقبل ابنتها، وإنما على ماضٍ ولى ورحل، وعلى آلام لم يشاركها بها أحد. أحست فلورنس بحزن أمها فألم بها خوف مريع سرعان ما تحول إلى غضب؛ ترجمته بلهجة حاقدة إلى كلمات وجهتها لأخيها :

– سيعتني بك جبرايل، لن يتخلى عنك.. أليس كذلك ؟

وقف جبرايل قريباً من سرير أمه مرتبكاً حزيناً وقال :

– ولكن.. أنا

فقاطعته فلورنس :

– عليّ الذهاب الآن.

سارت إلى وسط الغرفة وتناولت حقيبتها، همس جبرايل في أذنها :

– ألا ينتابك أي إحساس بالذنب حيال أمك ؟

صرخت الأم، فاقترب الولدان من سريرها وحدقا في وجهها وهي تقول :

– يا إلهي شيئاً من رحمتك لابنتي الخاطئة، ساعدها وانتشلها من بحيرة الشر التي تكاد تغرق نفسها بها.. يا الهي أرجوك..

توقف صوتها وانقطع وبدأت الدموع تسيل على خديها ثم تابعت:

– لقد فعلت أقصى ما بوسعي لتربية أولادي، فارحمهم وارحم أحفادي.

قال جبرايل متأثراً بدموع أمه :

– أرجوك لا تذهبي يا فلورانس..لا يمكن أن تكوني جادة في رحيلك وتتركي والدتك على هذه الحال التعيسة.

امتلأت عيناها بالدموع، وعبثاً حاولت أن تجد بضع كلمات تتفوه بها عدا كلمة واحدة قالتها وهي تبكي:

– دعني..

حملت حقيبتها ثم فتحت باب الكوخ الذي تسلل منه هواء الصباح المنعش وقالت :

– وداعاً.. بلغ سلامي إلى والدتي.

خرجت تسير عبر الممر ووصلت إلى الساحة المغطاة بالثلج، كان جبرايل يراقبها مذهولاً وصوت بكاء والدته يتردد إلى مسامعه. عندما وصلت فلورانس إلى البوابة وهمت بفتحها، انطلق جبرايل مسرعاً إليها محاولا إيقافها :

– إلى أين أنت راحلة أيتها الفتاة.. ما الذي تنوين القيام به.. هل تعتقدين أن حظك الجيد سيجعلك تلتقين بالرجال في الشمال الذين سيقدمون لك الجواهر واللآلئ.

فتحت البوابة بعنف غير مكترثة به وتابعت طريقها، ووقف مشدوها ينظر إليها حتى حجبها الضباب.
—————————————————————————–
– جيمس بلدوين : هو كاتب أمريكي أسود ، ولد عام 1924 ومارس كتابة الوان أدبية مختلفة من المقالة والشعر والمسرحية والقصة. عرفت كتاباته بقوة الاسلوب ونقائه وكما تميز بأمانته وصدقه الأدبي. أهم كتاباته هي (مذكرات أبن البلد) والتي كانت مفتاحا لشهرته في الستينات من القرن العشرين. حيث كرس فيه خبرته ككاتب قصة.
تمثل قصة الرحيل وضع العائلة السواداء في الولايات المتحدة في مطلع القرن الماضي والفرقة التي اصابتها نتيجة اضطهاد البيض والعنصرية. فهي ترسم لنا لوحة انسانية مفعمة بالصور الادبية الخلابة
.

الابتسامة هي قوس قزح الدموع

قديم 11-09-2019, 06:13 AM
المشاركة 32
العنود العلي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: O موسوعة القصص القصيرة o
قصة من الأدب الإنجليزي
Put the glass down now
ترجمة القصة

يحكي أن في يوم من الايام دخل البروفيسور الي القاعة وهو يمسك في يده كأس به القليل من الماء، ثم وقف في وسط القاعة وتوجه بحديثه الي تلاميذه قائلاً : هل يمكن أن يخبرني أحدهم كم جراماً تزن هذه ؟ ارتفعت اصوات الطلاب بالاجابة وتعدد الاجابات : 30 جم ، بل 40 جم ، اعتقد انها 80 جم ، 100 جم ، بعد ان سكت الجميع قال البروفيسور في هدوء : انا لا اعرف بالضبط كم حتي ازنها بنفسي، ولكن سؤالي الذي اريد توجيهه إليكم جميعاً : ماذا يمكن أن يحدث إن رفعتها هكذا لبضع دقائق ؟! قال هذه العبارة وهو يرفع يديه بالكأس عالياً .

لم يرد عليه احد من الطلاب، فأكمل البروفيسور حديثه قائلاً : ماذا إن ابقيتها علي هذه الحال لمدة ساعة كاملة ! فرد أحد الطلاب مسرعاً : سوف تؤلمك ذراعك بالتأكيد، فقال البروفيسور : ممتاز، وماذا إن ابقيتها هكذا طوال اليوم ؟ فرد شخص آخر اكثر جرأة : سوف تبدأ يدك في التنميل ثم تعاني من شد عضلي ثم تمزق، وقد تصاب بالشلل في النهاية واكيد سيتم نقلك الي المستشفي .

ضحك جميع من في القاعة، ثم قال البروفيسور : عظيم، ولكن خلال هذا كله، هل تعتقدوا أن وزن الكأس سوف يتغير ؟ فأجاب الجميع : بالطبع لا ، فسألهم : إذا ما هو سبب ألم الذراع والشد العضلي ؟ فقال احد الطلاب : بسبب طول المدة، وما عليك سوف ان تنزل يدك وتترك الكأس، هتف البروفيسور في حماس : بالضبط يا اخواني، هكذا هي مشاكل الحياة، إن فكرت فيها لدقائق تجدها أنها لا تساوي شيئاً، ولكن إن فكرت فيها لوقت أطول سوف تبدأ تؤلمك، وإن استمريت في التفكير فيها دائماً ثم يزداد المها حتي تصبح غير قادراً علي فعل اي شئ .

وحيدة كالقمر
قديم 11-09-2019, 06:26 AM
المشاركة 33
العنود العلي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: O موسوعة القصص القصيرة o
كلمة شرف
بقلم ل. بانتيليف
ترجمها من الروسية:
أ‌. د. حامد طاهر


يؤسفني جدًا أنني لا أستطيع أن أذكر لكم اسم هذا الصبي الصغير , وأين يعيش , ومن هي أمه , ومن هو أبوه , لأنني في الظلام لم أتمكن من رؤية وجهه . فقط أذكر ان أنفه كان به بعض النمش , وأن بنطلونه كان قصيرًا , لم يثبت بحزام , وإنما بحمالة تنقلب من فوق الكتف , وتزرر في مكان ما على البطن .

على نحو ما , توجهت في الصيف إلى حديقة - لا أعرف كيف يسمونها - على جزيرة " فاسيليفسكي " بالقرب من كنسية بيضاء . وكان معي كتاب ممتع , رحت أقرأ فيه , ولم ألاحظ كيف حل المساء .وعندما ضعفت عيناي من الزغللة , أصبحت القراءة من الصعوبة بمكان فأغلقت الكتاب , ونهضت متجهًا للخروج . .

كانت الحديقة قد بدات تخلو من الناس , وفي ممراتها , راحت المصابيح تشع من آن لآخر . ومن خلف الاشجار رن جرس الحارس . ولأنني خشيت أن تغلق الحديقة , مشيت مسرعًا جدًا . وفجأة توقفت . فقد وصل إلى سمعي من خلف بعض الشجيرات أن أحدًا يبكي . .

انعطفت إلى جانب الطريق , حيث لاح على البعد بيت صغير بلونه الأبيض وسط الظلام : بيت حراسة أو كُشك كذلك الذي يوجد في كل حدائق المدن . وكان بقربه حائط , وقف بجانبه فتى صغير ,لا يزيد عمره عن سبع أو ثماني سنوات, وهو مطاطأ الرأس , وينتحب بشدة , دون سلوى من أحد!

اتجهت إليه وناديته:
- أيها الصغير . . ماذا بك ؟
- لا شيء .
- كيف لا شيء . . من ضربك ؟
- لا أحد .
- ما الذي إذن يبكيك ؟

كان من الصعب أن يتكلم , وكذلك أن يمسك بكل دموعه . وكان ينشج ويفوق ( من الفواق: الزغطة ), وينشق بأنفه !قلت له:
- هيا نمضي . . أنظر ، فقد صار الوقت متأخرًا ، والحديقة تغلق . .
وأردت أن أجذبه من يده , لكن الصبي سحب يده بدون حرج قائلًا:

- لا أستطيع
- ما الذي لا تستطيعه ؟
- لا أستطيع السير
- كيف ؟ لماذا ؟ ماذا بك ؟
- لا شيء
- هل أنت مريض ؟
ــ لا . . صحيح بصحة جيدة .
- إذن لماذا لا تستطيع السير ؟
- أنا حارس
- أي حارس ! أي حارس !
- ماذا أنت ؟ ألا تفهم ! نحن نلعب . .
- آه . . مع من تلعب . .
سكت الصبي , وبلع ريقه , وقال:
- لا أعرف .
وهنا بدا لي أن الصبي ربما يكون مريضًا , وأن في رأسه خبالًا . قلت له:
- اصغ إلي . . ماذا تلعب ؟ وكيف كان ذلك ؟ تلعب . . ولا تعرف من أنت ؟

- نعم , لا أعرف . فقد كنت أجلس على دكة في الحديقة وأقبل مجموعة كبيرة من الأولاد , وقالوا لى : " هل تريد أن تلعب معنا لعبة الحرب ؟ " فقلت: " أريد " . ورحنا نلعب . قالوا لي : " أنت عرَيف "وكان هناك ولد كبير أرسلني إلى هنا , وقال: إن لدينا مستودع بارود في هذا الكشك وستكون أنت حارسه . فابق هنا , ولا تنصرف حتى لا أبدلك بشخص آخر قلت له: "حسنًا " . قال:
" أعطني كلمة شرف على أنك لن تذهب " .
- هيه . .
- قلت له: " كلمة شرف: لن أذهب "
- وماذا بعد ؟
- ها أنا ما زلت واقفًا . . واقفًا , وهم لا يأتون !
حينئذ ابتسمت وسالته :
- حسنًا . . وهم وضعوك هنا منذ وقت طويل ؟
- كان النهار لا يزال . .
- ولكن أين هم ؟
- أعتقد أنهم مضوا . .
- كيف مضوا ؟
- نسوا . .
- ولماذا تجلس إذن ؟
- لقد أعطيت كلمة شرف . .
أردت أن أبتسم مرة اخرى , لكنني تنبهت فجأة إلى ان الضحك في هذا الموقف لا يليق , وأن الصبي على حق تمامًا . فما دام قد أعطى كلمة شرف , عليه أن يبقى مهما حدث ولو على حياته ! ويستوي بعد ذلك أن يكون الأمر لعبة , أو غير لعبة .

قلت له:
- إذا كان هذا قد حدث ، فماذا تصنع الآن ؟
قال الصبي , وقد بدأ يبكي:
- لا أدري
أردت أن أقدم له أية مساعدة ممكنة , لكن . . ماذا أستطيع أن أفعل ؟ هل أذهب للبحث عن أولئك الأطفال السخفاء , الذين وضعوه في الحراسة آخذين منه كلمة شرف , وأسرعوا هم إلى منازلهم ؟ لكن أين أجد هؤلاء العفاريت ؟ ! لا شك في أنهم قد تناولوا عشاءهم , وذهبوا إلى الفراش ،

ورأوا عشرات الأحلام . أما الصبي , فيجلس هنا الساعات الطويلة , في الظلام , وهو جائع حقًا ! وسألته :
- هل تريد أن تأكل ؟
- نعم . . أريد .
قلت بعد تفكير:
- حسنًا , أسرع أنت للمنزل لكي تتعشى , وسأبقى أنا بدلًا منك هنا .

وقال الصبي:
- نعم . . لكن هل هذا ممكن ؟
- ولماذا لا يمكن ؟
- إنك لست شخصًا عسكريًا
هرشت قفاي , وقلت:
- صح . . لن تذهب . . حتى أنا لا أستطيع أن أكون مناوبا مكانك . الذي يمكنه أن يقوم بهذا العمل شخص عسكري . . قائد !
وفجأة قفزت إلى ذهني فكرة طيبة , واعتقدت أنني إذا حررت الصبي من كلمة الشرف , فإنني أحرره من الحراسة أيضًا , هكذا ينبغي أن يكون العمل . لكن من الضروري الذهاب للبحث عن شخص عسكري.لم أقل شيئًا للصبي . أبلغته فقط "انتظر لحظة " وأسرعت بنفسي إلى مكان الخروج .

لم تكن بوابة الحديقة قد أغلقت بعد , أما الحارس فقد ذهب إلى أقصى الحديقة , لكي يتصل من هناك بمركز حراسته. وقفت بالقرب من البوابة , ولم يمر بالقرب مني أي شخص عسكري: أي ملازم , أو حتى جندي من الجيش . وكما يبدو لم يكن في الشارع أي شخص يرتدي الملابس العسكرية . وفجأة ظهرت في الجانب الآخر من الشارع مجموعة من المعاطف السوداء .فرحت , وظننت أصحابها بحارة عسكريين , لكنني عندما عبرت الشارع مسرعًا لم أجدهم بحارة , وإنما طلاب صغار في مدرسة صناعية . ومر رجل سكة حديد طويل القامة يرتدي معطفًا جميلًا جدًا , مزينًا بعلامة خضراء . لكن هل كان من الممكن لمثل هذا الرجل أن يقف ويستمع لي أردت أن أعود للحديقة , وجهي مثل قفاي . لكني فجاة , لمحت عند الناصية على محطة الترام " كاب " أحد القادة بإطار أحمر . ويبدو أنني لم أفرح قط في حياتي مثل فرحي في تلك اللحظة . واندفعت نحوه بكل قوتي . لكنني مع الأسف لم الحق به , لأنه كان أسرع مني في الصعود إلى " الترام ". وقفت على المحطة, إلى أن أقبل ضابط شاب , برتبة رائد , وكان يشق طريقه وسط الجمهور المتجمع حول باب العربة . وأسرعت إليه , ممسكًا بذراعه , وصحت:
- رفيقي الرائد . . دقيقة واحدة . . انتظر . . رفيقي الرائد !
التفت إلي ناظرًا باستغراب , وقال:

- ماذا حدث ؟
- هل تريد ان تعرف ماذا حدث ؟ هنا , في حديقة , بالقرب من " كشك " حجري , يجلس طفل صغير منذ ساعات . . إنه لا يستطيع الخروج . فقد أعطى كلمة شرف . . إنه صغير جدًا . . إنه يبكي . .
قطب القائد عينيه , ورنا إليَ بدهشة أكبر . ربما ظن هو أيضًا أنني مريض , وأن في رأسي خبالًا . . لكنه قال:

- إنني هنا في عمل ؟

لكن " الترام " كان قد فاته , فنظر إليً بغيظ , وانتهزت الفرصة فشرحت له القصة بوضوح أكثر , وعندما فهمها لم يعد يفكر , وعلى الفور قال :
- فلنذهب . . لنذهب بالطبع . . لماذا لم تقل هذا لي مباشرة ؟ !
وعندما توجهنا إلى الحديقة , كان الحارس قد أغلق البوابة تمامًا . وطلبت منه الانتظار عدة دقائق , وقلت له : إن في الحديقة صبيًا باقيًا , واندفعنا - الرائد وأنا - إلى داخل الحديقة .

وفي الظلام , اكتشفنا بصعوبة البيت الصغير الأبيض , كان الصبي واقفًا في مكانه بالضبط , حيث تركته . ومرة أخرى كان يبكي بهدوء شديد . ناديته , ففرح جدًا , إلى حد أنه صرخ من الفرح . أما أنا فقلت:
- ها هو ذا . . قد أحضرت قائدًا .
اعتدل الصبي في وقفته , ولكي يرى القائد بصورة أفضل , مد جسمه الصغير لأعلى عدة سنتيمترات . . وقال القائد:

- أيها الرفيق الحارس . . أي رتبة تحملها ؟

- أنا عريف .

- رفيقي العريف . . آمرك بترك مركز حراستك , الذي عهد به إليك .
سكت الصبي , وحك أنفه , ثم قال:
- وما هي رتبتك انت . فأنا لا أرى تمامًا عدد النجوم التي على كتفك ؟
- أنا رائد .
عندئذ رفع الصبي يده مؤديًا التحية العسكرية , قائلًا:
- حاضر - رفيقي الرائد - بالأمر أترك نقطة الحراسة .
قال هذا بصوت مسموع , وبمهارة بالغة إلى حد أننا لم نتمالك أنفسنا وانفجرنا في الضحك . وابتسم الصبي بسرور وارتياح .

عدنا إلى باب الحديقة المغلق , وانتظرنا عدة لحظات , قبل أن يفتح الحارس لنا القفل المغلق .
ومد الرائد يده محييًا:

- ممتاز يا رفيقي العريف . منك يخرج المحارب الحقيقي . . إلى اللقاء !
وتمتم الصبي ببعض كلمات , قائلًا:
" إلى اللقاء "
وتركنا الرائد , مسرعًا إلى المحطة , نحو " ترامه " الذي كان قادمًا . أما أنا , فقد شددت على يد الصغير , وسألته:

- هل يمكنني أن أوصلك ؟
- لا . . فإنا أسكن قريبًا من هنا . . إنني لا أخاف .

ونظرت إلى أنفه الصغير ذي النمش , واعتقدت حقًا أنه لا يخاف من شيء . ان الصبي الذي لديه مثل تلك الإرادة القوية , وهذه الكلمة المتينة لا يخشى الظلام , ولا يخاف من المجرمين , ولا يرتجف من أكثر الاشياء رعبًا !

وعندما يكبر , لا ادرى ماذا سيكون عندما يكبر ؟ على أي وضع كان , فإن المضمون بالفعل أنه سيكون شخصًا حقيقيًا .
هكذا فكرت وأنا أسير وحدي مسرورًا من تعرفى على هذا الصبي الذي أشد على يديه بقوة . . مرة أخرى
!

وحيدة كالقمر
قديم 11-10-2019, 04:29 AM
المشاركة 34
العنود العلي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: O موسوعة القصص القصيرة o
قصة وجه على الحائط:
من الأدب العالمي


كان هناك ثلاث رجال يجلسون ويتسامرون في إحدى المقاهي وحكى كل منهم أعرب موقف تعرض له وكان أحد الثلاثة ساكتا منصتا لا يتحدث، فقالوا له اخبرنا انت عن قصة أو موقف غريب حدث لك، فأجاب الرجل سأخبركم عن شئ غريب لم أجد له تفسير إلى الآن، انتقلت للهيش في شقة بشارع “ووزن وول” وكان نظام الصرف والسباكة سيئ جدا في عمارتي السكنية، وبسبب الرطوبه والصرف السيئ ظهرت بعض الصور والأسكال على حائط غرفتي، ولكن كان هناك شكل غريب كل يوم يزداد وضوحا، لقد كان وجه إنسان وبلغ من الوضوح لدرجة أنه أشبه الصورة الفوتوغرافيه في تفاصيلها.

جائني احساس كبير بأن هناك شخص ما يشيه هذا الرجل وقررت أن أبحث في وجوه الناس عن رجل يشبه هذا الوجه الموجود على الحائط، وبحثت مرارا وتكرارا دون جدوى، إلى أن وجدت رجلا يستقل سيارة في إحدى المرات وكان يشبه الوجه الذي على الحائط إن لم يكن هو، دون تردد تبعت الرجل إلى أن استقل العبارة المتجهه إلى باريس ودخل هو وزوجته وابنته إحدى الغرف الموجودة في العبارة، وانتظرته حتى يصعد لسطح العبارة وعندما فعل ذهبت إليه وطلبت منهه الكرت الشخصي الخاص به لأني في حاجه ضرورية إليه، تعجب الرجل من فعلتي لكنه أخر لي كرتا من جيبه وأعطاه لي وانصرف.

هنا كانت الصدمة عندما نظرت إلى الكرت وجدت أن اسم الشخص هو ” السيد ووزن وول” و “”ووزن وول”” هو اسم الشارع الذي اسكن فيه و كلمة “وول” تعني حائط، عدة إلى منزلى منهة وخلدت إلى النوم لأستيقظ على صدمة كبيرة حيث أن الوجه الذي على الحائط بهت لدرجة أني لا أكاد أميز ملامحه، خرجت مغتما واشتريت الصحف الصباحية لأفاجئ بأن الرجل الذي يدعي “ووزن وول” هو رجل أعمال شهير وأنه تعرض لحادث سير وموجود الآن في المشفى، عدة إلى منزلي بعد العمل لأفاجئ بأن الصورة قد اختفت تماما من على الحائط، فخرجت لأقرأ الصحف لأفاجئ بان الرجل قد مات في المشفي هذا المساء.

تعجب الجميع من هذه القصة وأخبروه بأنها أغرب قصة سمعوا بها فقال لهم الشاب هناك ثلاثة أشياء غريبة في هذه القصةـ أوللا اسم الرجل هو نفس اسم الشارع الذي اسكن فيه “ووزن وول”، ثانيا اختفت الصورة الموجودة على الحائط بموت الرجل، ثم نهض مغادرا فأوقفه أصدقائه قائلين وما هى الثالية فقال لهم أنى ألفت هذه القصة في نصف ساعة حين كنت أستمع لقصصكم.

وحيدة كالقمر
قديم 11-16-2019, 06:15 PM
المشاركة 35
العنود العلي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: O موسوعة القصص القصيرة o

زوجة التاجر
للكاتب الإيطالي كارلو كاسولا
ترجمة: صابر محمود


أنت تعرف زوجتي، تلك السيدة الطيبة التي لا تضايق أحدا. إنها أشبه بالقطة، تسير دائما خلفي دون أن تقول شيئا. كنت عندما أشرع في القيام بأحد أسفاري، ووسط الارتباك الذي ينتابنا دومًا في مثل هذه الأحوال، وبينما أبحث عن شيء هنا وأخر هناك، وأقلب جيدًا في رأسي إذا ما كنت قد نسيت شيئا، كنت أجدها أمامي مثل القطة تجلس علي ساقيها الخلفيتين، تنظر إليَّ، وبعينين دامعتين تريد أن تقول: "أعطني ولو نظرة!، انظر كم أعاني بسبب رحيلك!" آه! كان شعورها بالمعانة واضحا، كنت أداعبها قائلا: "اهدئي! تماسكي! إنه أمر عادي"، ثم أعود من جديد منشغلا بأمر رحيلي.
والشيء نفسه – أقصد العكس – كان يحدث عند عودتي. وبينما أنا مشغول ساعتها أيضا في تفقد بضائعي ومحاسبة الحمالين أو معاقبة الخدم الكسالى، كنت أجدها أمامي فجأة بعينين باسمتين وكأنها تقول (دون أن تتحدث): "هاأنذا! كم أنا سعيدة لرؤيتك من جديد يا بيترو يا حبيبي!"

هكذا كانت الحياة جميلة ساعتها يا سيمون، كانت زوجتي مرحة مثل جرو صغير. لم أكن أعيرها اهتماما كبيرا؛ لأننا نحن التجار – كما تعلم – لقد خلقنا هكذا، لا يشغل بالنا سوي أعمالنا. لكني في النهاية كنت أفطن إليها و إلي كم كانت مغرمة بزوجها بيترو. كان عليك أن تراها حين كنت أعود، كانت تشع سعادة من كل جوارحها.

أما الآن وقد مر بنا الزمن، وحتى لا أطيل عليك صديقي العزيز، فإني عدت ذلك اليوم من رحلة عملي المعتادة؛ ومن يدري لماذا شردت للحظة؟! فقد تجولت في المنزل ولم أرها، فصحت حينها عاليًا: "روزوتشا!" فأتت علي الفور طائعة. نظرت إليها جيدًا وقلت: " أنت مريضة يا روزوتشا!" أشارت بالنفي، فقلت لها: " ولكنك مريضة بالفعل. انظري كم أنت متعبة... إنك شاحبة وعيناك غائرتان".

هزت رأسها وهي تعض شفتيها، وعندئذ أدركت كل شيء فتعجبت في داخلي: " يا إلهي! يا لي من أحمق! إن هذا لا علاقة له بمرض. إن زوجتي الوديعة قد ذبلت، نعم لم تعد ذات العشرين عامًا. إنها حزينة والكل يعلم هذا، فهي لم تعد بعد شابة. قلت لها: "روزتشا! ألا تذكرين حينما كنت أعود من سفري منذ زمن، كم كنت سعيدة، كنت تظلين أمامي باسمة تنتظرين أن انظر إليك، كنت مثل جرو صغير مرح. افعليها ثانية يا روزوتشا! لماذا لا تعودي إلي فعلها؟ لماذا هذه المرة لا؟ ألا ترين أني عدت؟ وأننا سنقضي سويا الشتاء كله؟

وفي هذه اللحظة جرت لتختبأ في الغرفة المجاورة. أما أنا فلم أتبعها حتى لا أحطم فؤادي برؤيتها تبكي. يا له من شعور بالأسى يا صديقي الطيب قد أدخلته عليّ ذكري الشباب ووجهها الباسم وموقفها المرح! كم أود أن اجعلها تعود كما كانت، تعود شابة، لا من أجلي ولكن من أجلها هي. إن قطتي عجوز مريضة. آه يا سيمون! يا للأسى! يا للأسى! كم يود كل منا أن يغير حياة الأشخاص الذين يحبهم! وإنه ليتجرع الألم حين يراهم يشيخون ثم يختفون. يا له من كنز للطيبة نخفيه في أعماق قلوبنا – مهما قيل عكس ذلك – ولا نستطيع أن نخرجه بأي وسيلة! كم للحياة من جوانب محزنة!

وحيدة كالقمر
قديم 11-16-2019, 06:32 PM
المشاركة 36
العنود العلي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: O موسوعة القصص القصيرة o

أحقا مات؟
قصة قصيرة للأديب الإيطالي:
Lugi Pirandello /لويجي بيرنديللو *
ترجمها عن الإنجليزية: خلف سرحان القرشي


أضطر الركاب المغادرون روما، في القطار الليلي السريع، للتوقف حتى يبزغ الفجر، في محطة صغيرة في (فابريا نو)، ليواصلوا رحلتهم في قطار محلي صغير، ذي طراز قديم ليقلهم إلى (سيلومونا).
بحلول الفجر، في واحدة من عربات الدرجة الثانية، هواءها فاسد، تعج بالدخان، كان خمسة أشخاص قد أمضوا ليلتهم هناك. انضمت إليهم امرأة ضخمة، مستغرقة في حزن عميق، بدت وكأنها كتلة بلا ملامح ، ومن ورائها زوجها يلهث ويئن، رجل ضئيل الجسم، ذو وجه نحيف، له عينان صغيرتان ومشعتان، بدا خجولا ومضطربا.

ما إن أخذ مقعده، وشكر بلطف الراكب الذي ساعد زوجته، وأفسح لها مكانا، التفت إلى زوجته محاولا إصلاح وضع شالها، وبأدب جم سألها:
- هل أنت على ما يرام عزيزتي؟
لم تجبه، سحبت شالها ثانية نحو عينيها وكأنها تريد إخفاء وجهها.
تمتم الرجل بابتسامة حزينة: - تعب كلها الحياة.

شعر بأهمية توضيح الأمر لبقية المسافرين، فزوجته تستحق الشفقة لأن الحرب أخذت منها ولدها الوحيد. شاب يافع في العشرين من عمره، كرسا له حياتهما تماما، حتى أنهما غادرا منزلهما في (سيلومونا) ليلحقا به في روما إبان دراسته هناك. بعد ذلك سمحا له بالتطوع للحرب، بعد أن أكد لهما بأنه لن يرسل للجبهة على الأقل في الأشهر الستة الأولى من انضمامه، لكنهما وعلى غير توقع، تسلما منه برقية، مفادها أنه يتوجب عليه الذهاب إلى الجبهة في غضون ثلاثة أيام، ويطلب منهما أن يأتيا لوداعه.
كانت المرأة تتململ تحت شالها الكبير، وأحيانا تدمدم مثل حيوان بري، واثقة من شعورها بأن إيضاحات زوجها تلك لن تحظى بأي تعاطف، من قبل هؤلاء الأشخاص الذين هم في الأغلب في نفس محنتها.
قال أحدهم بعد أن استمع لزوجها باهتمام شديد :
- عليك أن تشكر الله، لأن ابنك لن يذهب للجبهة إلا الآن، سيدي. إن ابني قد ذهب إلى هناك منذ أول يوم اندلعت فيه الحرب، عاد إلينا مرتين جريحا، وعاد أدراجه ثانية إلى الجبهة!!!

أضاف أخر:
- وماذا بوسعي أن أقول، لي ولدان في الجبهة الآن ولأخي ثلاثة.
تجرأ الزوج، وقال:
- قد تكون على حق. بالنسبة لنا الوضع مختلف، إنه ابننا الوحيد.
- وما الفرق؟ قد تفسد ابنك الوحيد بالاهتمام المفرط به، لكن يستحيل أن تحبه أكثر لو كان لديك غيره. الحب الأبوي ليس خبزا يمكن تقسيمه إلى قطع توزع بالتساوي بين الأبناء. إن الأب يعطي لكل واحد من أبنائه كل حبه، من غير تفضيل، بغض النظر عما إذا كانوا واحدا أو عشرة. إنني عندما أعاني من أجل أبنائي الاثنين، فأنا لا أعاني نصف المعاناة لكل منهما،بل أعاني الضعف....

تنهد الزوج المحرج وقال:
-حقا، لكن لنفرض – ونتمنى أن لا يحدث هذا لك – أن أبا له ولدان في الجبهة وفقد أحدهما، سيبقى له ولد آخر يعينه ويواسيه، لكن من ليس له إلا ولد وحيد فـــ ..........

- نعم، يتبقى لديه أخر ليعينه ويواسيه،.... لكن ذلك الذي يبقى، يتوجب على والده أن يعاني من أجله أيضا أما في حالة الأب ذي الولد الواحد، فلو مات ذلك الولد، فبوسع الأب أن يموت أيضا، ويضع نهاية لمحنته. فيا ترى أي الحالتين أسوأ ؟ ألا تتفق معي أن حالتي أسوء من حالتك؟

قاطعهما مسافر ثالث، رجل بدين ذو وجه مشوب بحمرة، وعينين محمرتين، كان يلهث ويكاد يتفجر من عينيه المتورمتين' عنف داخلي، لا يستطع جسده الواهن احتواءه، قائلا:
- هراء.
كرر الكلمة، محاولا تغطية فمه بيده، كما لو كان يريد إخفاء موضع سنيه الأماميتين المفقودتين، وأردف: -
- هل ننجب أبناءنا من أجل مصلحتنا؟
حملق فيه بقية المسافرين بضجر، وأجابه ذلك المسافر - الذي لديه ابن في الجبهة منذ أول يوم نشبت فيه الحرب- قائلا:
- أنت على حق، أطفالنا ليسوا لنا، إنهم للوطن.
وهنا ردٌ عليه الرجل البدين بقوة:

- هراء، وهل نفكر في الوطن عندما ننجبهم، أبناؤنا ولدوا لأنهم ..... حسنا .... لأنهم لا بد وأن يولدوا، وعندما يأتون إلى الحياة، فإنهم يأخذون حياتنا معهم... تلك هي الحقيقة. نحن لهم، لكنهم ليسوا لنا، وعندما يبلغون العشرين، فإنهم يكونون تماما، ما كنا عليه في تلك السن، نحن أيضا كان لكل منا أب وأم، ولكن كانت هناك أشياء أخرى كثيرة: ألأصدقاء، السجائر، الأوهام، العلاقات الجديدة....والوطن. من يا ترى منا عندما كنا في العشرين، كان يسمع لأبيه وأمه عندما يقولان له (لا). الآن وفي سننا هذه، حب الوطن ما زال كبيرا، بالطبع، ولكن أكبر منه، حبنا لأطفالنا، هل يوجد منا من يمانع أن يكون مكان ابنه في الجبهة لو استطاع إلى ذلك سبيلا؟
ساد صمت مطبق، بيد أن كل شخص أومأ برأسه موافقا.

واستطرد الرجل البدين:
- لماذا إذن لا نأخذ بعين الاعتبار مشاعر أطفالنا، عندما يبلغون العشرين؟ أليس من الطبيعي في هذه السن أنهم يعدون حبهم للوطن أعظم من حبهم لنا؟ إنني أتحدث عن الأولاد الصالحين. أليس من الطبيعي أن تكون المسألة على النحو التالي: أبناؤنا ينظرون إلينا على أننا أولاد كبار لم يعد بوسعنا الحراك وعليه لا بد أن نبقى في منازلنا، فطالما أن الوطن حاجة فطرية، مثله مثل الخبز فيجب على كل منا أن يأكل منه كي لا يموت جوعا، فلا بد أن يكون هناك من يدافعون عنه. لقد هبٌ أبناؤنا لذلك عندما بلغوا العشرين، لذا فهم لا يريدون منا دموعا، وإذا ماتوا فسوف يموتون سعداء مبتهجين، إنني أتحدث عن الأولاد الصالحين، وماذا يمكننا أن نرجو أكثر من ذلك لشاب مات سعيدا من غير أن يطوله الجانب القبيح من الحياة،السأم، التفاهة، خيبات الأمل. نعم ما الذي نرجوه له أكثر من ذلك؟ يجب أن يكف كل شخص عن البكاء، ويضحك بملء فيه، كما أفعل أنا، أو على الأقل يشكر الله كما أفعل أنا أيضا لأن ابني قبل أن يموت بعث إلي رسالة يقول فيها بأنه سيموت راضيا لأنه أنهى حياته بأفضل طريقة كان يرغبها، ولهذا السبب، وكما ترون فأنا لم أرتد أي لباس حداد من أجله.

أزاح معطفه الخفيف ليريهم أنه لا يرتدي تحته سترة حداد، كانت شفته المزرقة ترتجف فوق موضع سنيه المفقودتين. عيناه الشاخصتان مغرورقتان، أنهى حديثه بإطلاق ضحكة مدوية بدت كأنها تنهيدة.
ووافقه الآخرون بقولهم :
- حقا..، حقا.

جلست المرأة العجوز تستمع وهي متكومة في زاوية تحت شالها، تستمع، إنها منذ ثلاثة أشهر تحاول أن تجد في كلمات زوجها وأصدقائها شيئا ما فيه مواساة وعزاء عن حزنها العميق، شيئا ما يريها كيف يكون بوسع امرأة أن تذعن لفكرة إرسال ولدها ليس حتى إلى الموت ولكن إلى أي مكان فيه خطر محتمل على حياته. ومع ذلك لم تجد ولو كلمة واحدة من بين كل ما قيل تشفي علتها. وتعاظم حزنها لعدم رؤيتها أحدا كما ظنت يشاركها مشاعرها.

غير أن الوضع تغير الآن، فكلمات هذا الراكب، حيرتها وصدمتها، جعلتها تكتشف فجأة بأن الآخرين ليسوا هم الذين على خطأ، ولم يفهموها، بل هي نفسها التي لم تستطع أن ترقى بنفسها إلى مستوى هؤلاء الآباء والأمهات، الذين لديهم الرغبة ليكيفوا أنفسهم، من غير بكاء، ليس فقط على مغادرة أبنائهم بل حتى على موتهم.

أطلت برأسها، وسحبت نفسها، تحاول الاستماع باهتمام شديد إلى كل التفاصيل التي سيسردها الرجل البدين لمرافقيه عن الطريقة التي سقط بها ابنه بطلا من أجل مليكه ووطنه، سعيدا من غير ندم، بدا لها لحظتها وكأن قدمها زلت بها في عالم لم تحلم به قط، كانت مسرورة جدا لسماعها بقية الركاب، يهنئون ذلك الأب الشجاع الذي استطاع برباطة جأش الحديث عن سقوط ابنه ميتا في سبيل الوطن.

فجأة، كأنها لم تسمع شيئا من كل ما قيل، وكأنما أوقظت من منام، التفتت نحو الرجل البدين سائلة إياه:
- هل حقا مات ابنك؟
حملق فيها الجميع،التفت إليها الرجل العجوز بدوره مثبتا على وجهها نظرة عينيه الكبيرتين المتورمتين الشاخصتين، لوهلة حاول أن يجيبها، لكن الكلمات خذلته، نظر إليها محدقا، وكأنه فقط عند ذلك السؤال الغبي، اكتشف فجأة أن ابنه قد مات فعلا، وذهب إلى الأبد، نعم إلى الأبد، انكمش وجهه، وصار مشوها بشكل مفزع، في عجلة خطف منديلا من جيبه ووسط حيرة الجميع، انخرط في بكاء مرير

وحيدة كالقمر
قديم 11-28-2019, 05:27 AM
المشاركة 37
العنود العلي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: O موسوعة القصص القصيرة o

فاطمة

( حكاية من الفلوكلور الألباني )
ترجمها إلى الفرنسية روجر أرنالديز
ومن الفرنسية: أ. د. حامد طاهر

يحكى أنه كانت هناك ثلاث أخوات . صغراهن اسمها فاطمة . وكانت أجملهن . وفي ذات يوم , خرجت الأختان الكبريان , وسألتا الشمس ؟

" أيتها الشمس . . من هي أجملنا ؟ "
فقالت الشمس: فاطمة .
عندئذ راحتا تغرقان أنفسهما بالحلي والأساور , ثم في اليوم التالي , عادتا تسألان الشمس . ومرة أخرى , أعلنت الشمس رأيها لصالح فاطمة .


فكرت الأختان فيما ينبغي عمله , وقالتا فيما بينهما:
- غدًا , نتظاهر بأننا سوف نذهب إلى الغابة المجاورة ونغادر المنزل قبل فاطمة , ثم نقول لها: "حيث تكون جرتانا معلقتين , سوف تجديننا "
وهكذا بدا لهما حسن صنعهما . وفي اليوم التالي , قالتا لفاطمة:

- اكنسي المنزل . أما نحن فسنذهب لنجمع الحطب من الغابة . ويمكنك أن تجدينا حيث جرتانا معلقتان .
خرجت الأختان . وعندما انتهت فاطمة من الكنس كانت على الطريق . وفي الغابة , راحت تبحث هناك وهناك حيث يمكن أن تضع أختاها الجرتين . لكنها لم تجد شيئًا . لأن أختيها مرقتا من طريق آخر , عائدتين إلى المنزل .


لفت فاطملة الغابةألف مرة لكي تعثر على أختيها , فلم تجد لهما أثرًا . وعندما سقط المساء , تسلقت أغصان شجرة عالية , ولمحت على البعد ضوءًا يتلألأ . اتجهت ناحيته وأخيرًا حمدت الله أن وصلت إلى منزل , فدخلته .
كان هذا المنزل مأوى لأربعين لصًا . وكان هؤلاء اللصوص يسرقون أثناء الليل , وفي النهار يعودون . وكالعادة , رجعوا إلى المنزل في ذلك اليوم . وعلى طلقات بنادقهم انفتح الباب , فدخلوا , وجلسوا .

وعندما حان وقت الطعام . صفت الأطباق على مائدة رائعة . وقدمت ألوان الطعام الشهي . لكنهم لاحظوا وهم يأكلون أن هذا الطعام ليس من عمل طباخهم ( وهذا حق . . لأن الطباخ عندما رأي فاطمة , أحبها , وكلفها بإعداد الطعام ) وهنا سال اللصوص الطباخ:
- هل عندك أحد بالداخل ؟
وفي البداية لم يشأ الاعتراف , لكنه ما لبث أن قال لهم الحقيقة كلها . وهنا أراد كل منهم أن يتزوج فاطمة . . لكن خوفًا من أن يتصارع بعضهم مع بعض , تركوها لطباخهم , ثم خرجوا كلهم .

أما فاطمة , فقد أحبها اللصوص الأربعون كأنها أختهم تمامًا . وأحضروا لها ألف شيء طيب .
وعندما علمت الأختان بأن فاطمة على قيد الحياة , وأنها تزوجت في مكان ما , حزنتا حزنًا شديدًا , وقررتا أن تقتلاها بأية وسيلة .

وذات يوم , أرسلتا إليها عقدا من ذهب ( وكان مسمومًا , ومن طبيعته أن يقتلها عندما تضعه حول عنقها ) !
دخلت خادمة الأختين , وحيت فاطمة , متمنية لها صحة جيدة , كما أمرتها سيدتاها أن تفعل . ثم اعطتها العقد . وما أن تناولته فاطمة حتى وضعته في عنقها . وعلى الفور سقطت ميتة .

عاد اللصوص . وأطلقوا رصاص بنادقهم لكي ينفتح الباب . وعندما لم يسمعوا إجابة , قرروا اقتحام المنزل بالقوة , ودخلوا . . وعلى الفور , وجدوا فاطمة ملقاة في وسط الحجرة , فراحوا يحركون جسدها من هنا , ومن هنا , وأخيرًا نزعوا من عنقها العقد . وفي نفس واحد , بعثت من جديد . . ثم اخذت تقص عليهم من أي شيء ماتت , فنصحوها بألا تقبل فيما بعد شيئًا من أختيها .

لكن في اليوم التالي , عندما علمت الأختان بأن فاطمة ما زالت على قيد الحياة , أرسلتا إليها خادمتهما بمنخل ملئ بقطع من الذهب , مع بعض الاشواق والأماني التي نجحت مرة أخرى في خداع فاطمة , التي تناولت المنخل , وما كادت تفرغه في حجرها حتى سقطت ميتة .

عاد اللصوص من مغامرتهم الليلية , يصحبهم زوج فاطمة . ومن جديد وجدوها ميتة , فقاموا بتفتيشها , وأبعدوا القطع الذهبية المختبئة في حدرها . ثم اكدوا عليها . هذه المرة أكثر مما سبق , ألا تمس شيئًا مما يأتي من أختيها فيما بعد . .

واأسفا !! من جديد خدعت فاطمة . لأن أختيها علمتا بعد يومين أنها لم تمت , فأرسلتا إليها خاتمًا , أخذته فاطمة . وما كادت تضعه في إصبعها حتى فارقت الحياة
عاد اللصوص من مغامرتهم الليلية . ومرة أخرى وجدوها ميتة . وفتشوها من هنا , ومن هنا . .لكن لم ترد على أذهانهم فكرة البحث في يدها . .

عندئذ بكوها . . ثم وضعوها في نعش , وغطوها , وأودعوا النعش في سنديانة , ينساب من تحتها جدول ماء . .
وذات يوم , جاء سائس الملك ليسقي حصانه من الجدول .
وما كاد الحصان يقترب حتى ارتد دون أن يلمس الماء , لأنه راي فيه ظل النعش . .

عاد السائس إلى الملك , وحكي له ما شاهد . فانتقل الملك بنفسه . وفي الموضع الذي ارتعد فيه الحصان , ألقى الملك ببصره في ماء الجدول فبدا له خيال النعش . . فامر بإنزاله , ورأي أنه يضم جسد فتاة , غاية في الحسن , فنقلها إلى قصره , حيث وضعها في أحد أجنحته .

مر الوقت . . وبدا جسد فاطمة ينحل . وأعضاؤها تضمر . وبعد عدة أيام , سقط الخاتم من إصبعها , وفي نفس اللحظة بعثت حية من جديد . .
وكانت سعادة الملك غامرة , فقرر أن يتزوجها . وعاشت طويلًا , وكانت دائمًا سعيدة
.

وحيدة كالقمر
قديم 11-28-2019, 05:38 AM
المشاركة 38
العنود العلي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: O موسوعة القصص القصيرة o
الرَحِيـْــل
جيمس بلدوين
ترجمة : خليل الشيخة


لَمْ يخالج فلورنس الشك بأن أمها أكبر النساء سناً في العالم، فقد كانت تروي لها ولأخيها جبرايل كثيراً عندما كانا طفلين عن عمرها المديد الذي لا يحصى بالسنوات، والذي تمتد جذوره إلى زمن العبودية الغابر. ولدت في مزرعة إحدى الولايات وترعرعت فيها، وعملت في الزراعة لكونها تتميز ببنية قوية. ومع مرور الأيام تزوجت وأنجبت أطفالاً انتزع معظمهم منها، أحدهم اختطفه المرض، وبيع اثنان في المزاد العلني، والأخير لم تقدر له السموات أن تحتضنه برعايتها وتربيتها، فقد نشأ في بيت السيد وتربى فيه. وعندما كانت في ريعان شبابها – في الثلاثين على الأغلب – اختطفت يد القدر زوجها فوهبها السيد لزوج آخر، في تلك الفترة اقتحمت جيوش من الشمال تلك المنطقة لينـزعوا نيـر العبودية عن رقاب العبيد الذين صلوا كثيراً من أجل الحرية، وها قد لبي النداء أخيراً، واستجابت السماء لدعواتهم.

انقضت سنوات عمرها على وتيرة واحدة، تستيقظ في الصباح
الباكر قبل أن تنشر الشمس جدائلها، فتندفع لتعمل في الحقول ما بين انحناء ووقوف، مادامت الشمس تحرق كبد السماء. وعندما يختفي ذلك القرص الذهبي خلف بوابات السماء، ويعلن المشرف بصفارته وبصوته الذي يتردد صداه عبر الحقول نهاية يوم شاق، تتجه عائدة إلى بيتها. وفي أيام الشتاء الثلجية عندما يتحول بيت السيد الكبير إلى شعلة من الأضواء وتذبح الخنازير والطيور، يرسل لها الطباخ (بات شيبا) بعضاً من تلك اللحوم وفوقها قطع من الحلوى، وما تستطيع أن تلتقطه يداه من بقايا مائدة السادة البيض.

وبالرغم من ذلك لم تكن أيامها تخلو من بعض اللحظات التي تبعث السرور في النفس، كلحظة تدخينها لغليونها كل مساء. ورؤيتها لزوجها في نهاية كل يوم منهك.. وإرضاعها لأطفالها وتعليمها إياهم الخطوات في السير، ولكن تلك اللحظات السعيدة لم تكن كفيلة بأن تطرد ذلك الإحساس الأليم الذي كان يتملكها ساعة الفراق، والموت وضرب السياط. لم تنس يوماً أن الخلاص الموعود آتٍ، فليس عليها إلاّ أن تتحلى بالصبر والثقة بالإله العادل. أدركت تمام الإدراك أن بيت الرياء والعجرفة الذي يسكنه الناس البيض لا بد أن ينهار يوماً. هذه هي شريعة السماء المعهودة، فالذين يتبخترون في الأرض تيهاً وضلالاً لا يملكون من الخير شيئاً لأنفسهم أو لذريتهم، فهم أشبه بأناس يسيرون على شفا وادٍ عميق مغمضي العيون، يقف الله لهم بالمرصاد ليبيد عجرفتهم ويسحقهم في بحر عميق، كما حدث ذات مرة مع قوم اليهود الخاسئين. يا لهم من بؤساء فنفوسهم الجوفاء ستتحطم يوماً لا ينفعهم غرورهم وعزهم الواهي، ولن يجدوا ما يدفع عنهم عاقبة الحساب الدنيوي. علاوة على ذلك، فقد أخبرت أولادها بأن الله عادل وحكيم لا يعاقب أناساً إلاّ بعد تحذيرهم لعدة مرات، حيث يمنحهم الله وقتاً لإعادة النظر في أعمالهم، وفي النهاية فإن كل شيء بيده. وسينبلج فجر ذلك اليوم الذي لن يكون هناك فيه مجال لعمل الخير أو الشر، فقط ستبقى زوبعة الموت تترصد أولئك الذين ألقوا الإله في غياهب النسيان.

طوال سنوات عمرها لم تخب تنبؤاتها، ولكن ما من أحد كان يعير انتباهاً لذلك، واليوم تحققت إحدى تنبؤاتها، حيث تسمع أصواتاً في الكوخ وأمام بوابة بيت السيد؛ تعلن أن العبيد قد هبوا للثورة، فأحرقوا في ولاية أخرى بيوت أسيادهم وحقولهم، كما أنهم رجموا أطفالهم بالحجارة حتى أردوهم قتلى، وقتل أحد العبيد سيده غير أنه لقي حتفه جراء فعلته هذه، وقد همس أحدهم، وكان واقفاً بجانبها في الحقل :

– لا أستطيع البقاء هنا أكثر من ذلك، علي الرحيل في الصباح إلى الشمال.

ملأت أخبار العبيد الرهيبة قلوب الناس قسوة ضد أسيادهم؛ الذين اعتقدوا أن السوط سيخمد النيران المشتعلة في قلوب العبيد، أو ربما ستكون الخناجر أو المشانق أو حتى البيع بالمزاد العلني في ساحة المدينة، سيكون كل ذلك رادعاً لنقمتهم الجامحة. خطر في ذهنهم أخيراً أن المعاملة اللطيفة من شأنها أن تحد من اندفاعهم، فما كان من السيد والسيدة إلاّ أن تخليا عن كبريائهما الزائف وقصدا الكوخ زائرين مبتسمين حاملين الهدايا معهما، تساءلت كثيراً عن ماهية الحياة السعيدة فيما إذا عاش البيض والسود حياة مشتركة، ولكن السعادة لا تدوم، فعندما تكتب المقادير في السماء فليس بوسع الأرض محوها، وها قد تحقق القدر الإلهي اليوم قبل أن تستيقظ الأم من سباتها، فمعظم الحكايات التي كانت ترويها الأم لم تكن تعني لفلورانس إلاّ شيئاً واحداً فقط، وهي أنها حكايات من امرأة عجوز سوداء تسردها على أبنائها لتطرد من أذهانهم شبح الجوع والبرد. لكن حكاية اليوم من نوع آخر تماماً، فهي حكاية لا يمكن أن يطويها النسيان، فقد بزغ فجر يوم طالما انتظرته وحلمت به، يوم شهد هروب الجبناء، ولعلعة الرصاص في الأجواء.

وما أن فتحت الأم عينيها حتى خيل إليها كأنه يوم الحساب العظيم، وبينما هي قابعة في مكانها مذهولة متسائلة عن سر هذا اليوم الغريب، دخل بات شيبا إلى الكوخ وقد اندفع وراءه عدد من الأولاد المضطربين وعمال الحقول وعبيد القصر، وصرخوا جميعاً بصوت واحد: انهضي.. انهضي يا أخت راشيل وشاهدي الخلاص الإلهي، لقد برّ الله بوعده لنا، وأصبحنا أحراراً.

أمسكها بات شيبا والدموع تنساب على خديها، لبست ثيابها واتجهت نحو الباب لتشهد اليوم العظيم الذي وهبه الله لهم. في ذلك اليوم رأت بيت الكبرياء يخر ذليلاً، وقد ألقيت من نوافذه ملابس الحرير الخضراء والمخملية، كما رأت العديد من الفرسان يسحقون الحديقة بأقدامهم ويشرعون البوابة الكبيرة على مصراعيها، كان في داخل ذلك القصر الكبير السيد والسيدة وأنسباؤهما وولدها؛ الذي انتزع منها وبقي في القصر حيث لم يسمح لها بالدخول إليه، والآن ليس هناك من سبب يمنعها من عبور البوابة الكبيرة. حزمت أشياءها في قطعة من القماش ووضعتها على رأسها وخرجت باتجاه البوابة الكبيرة وقد اتخذت قراراً بعدم العودة ثانية إلى هذه الولاية.
عندما أصبحت ابنتها فلورانس في ريعان شبابها أصبح حلمها المنشود هو الرحيل عن هذا الكوخ.

وفي عام 1900 عندما كانت فلورانس في سن السادسة والعشرين خرجت من الكوخ مقررة الرحيل، ولكن فكرت بأن تؤجل هذا الأمر إلى أن تختطف يد القدر والدتها التي تعاني من سكرات الموت على فراشها، أحست فجأة أن انتظارها لن يطول فالزمن المرتقب في طريقه إليها. كانت فلورانس تعمل خادمة عند إحدى العائلات البيض الكبيرة في المدينة، وفي اليوم الذي قرر فيه سيدها أن يتخذها خليلة له صممت على إنهاء خدمتها عند هؤلاء الناس ذوي النفوس الدنيئة، فغادرت البيت مخلفة وراءها مرارة قاسية، وبجزء من أتعابها الذي ادخرته عن طريق المعاناة والتضحية لعدة سنوات ابتاعت بطاقة سفر بالقطار إلى نيويورك، وعند حصولها على البطاقة انتابها شعور من الغيظ ذو معنى خاص، فأمسكت بالبطاقة وكأنها تعويذة بين يديها وفكرت:

” بإمكاني إعادتها أو بيعها، فالحصول عليها لا يعني أنني قررت الرحيل ” وكانت تدرك في قرارة نفسها تماماً أن لا أحد بإمكانه منعها من تنفيذ قرارها، ربما سيتأخر سفرها لبعض الوقت نظراً لعدم حصولها على إذن بالرحيل، ورأفة بوالدتها التي تلتقط أنفاسها الأخيرة على فراش الموت، ومن نافذة الكوخ رأت فلورانس الغيوم الرمادية وقد حجبت ضوء الشمس الوهاج، ومازالت الأرض مفروشة ببساط ضبابي، وتنبهت من شرودها على صوت والدتها المستلقية على السرير؛ وهي توبخ جبرايل الذي أتى إلى البيت في ساعة متأخرة من الليل يترنح من الخمرة غير مدرك لما حوله، وحتى الآن وهو في حالة لا تسمح له بالذهاب إلى العمل. كان جبرايل مضطرباً شاحباً يشعر بمرارة ذنبه، فهو يزيد حالة أمه سوءاً بتصرفاته الهوجاء، وقف أمام المرأة منحني الرأس يزرزر قميصه، أحست فلورنس أنه ليس بإمكانه أن يتلفظ بكلمة واحدة، قالت الأم:
ولدي الحبيب! لا تدعني أرحل عن هذه الدنيا قبل أن تعدني بأنك ستصبح إنساناً صالحاً.. هل تسمعني يا بني؟

نظرت فلورنس إليه بازدراء فرأت الدموع قد ملأت عينيه، فقالت في نفسها: ” عليه أن يعدها بأن يكون إنساناً صالحاً، فلقد وعد بذلك منذ اليوم الذي عّمِد فيه. أحضرت فلورنس حقائبها إلى وسط الغرفة، تلك الغرفة الكريهة وقالت:

– والدتي.. أنا راحلة.. راحلة هذا الصباح. رددت تلك العبارة وهي غاضبة من نفسها لعدم التصريح بها في الليلة الماضية؛ لترتاح من رؤية دموعها وسماع نقاشها العقيم؛ ربما لم تكن تملك الشجاعة الكافية ولكن اليوم ليس هناك وقت تضيعه، فالساعة البيضاء الكبيرة المثبتة على جدار المحطة؛ راسخة في ذهنها، تحثها على الإسراع قبل فوات الأوان، سألتها والدتها بنبرة حادة :

– إلى أين أنت ذاهبة ؟

كانت تعلم أن والدتها على معرفة تامة بقرار رحيلها الذي سيتم تنفيذه ذات يوم، فالرحيل لم يكن وليد تلك اللحظة بل هو حلم قديم ينتظر لحظة الشروق، وها قد بزغت شمس اليوم المنتظر، نظرت الأم إلى حقائب فلورنس نظرة روع وحذر، فالخطر الوهمي أصبح واقعاً حقيقياً، وعبثاً حاولت أن تجد طريقة تثني بها ابنتها عن السفر، ولكن كل محاولة كانت تزيد فلورنس إصراراً. أحس جبرايل بنغمة أمه الحزينة، ولم يكن يعلم شيئاً عن رحيل أخته، لكنه شعر بالغبطة لحدوث أمر صرف انتباه والدته عنه، أخفض عينيه ورأى حقيبة فلورنس السفرية، فردد سؤال والدته بلهجة غاضبة:

– إلى أين تنوين الذهاب أيتها الفتاة؟ فأجابته :
– أنا ذاهبة إلى نيويورك وقد حجزت تذكرة.

حدقت والدتها فيها دون أن تنطق بكلمة واحدة، أما جبرايل فقد سألها بنبرة مخيفة :
– ومتى قررت الرحيل ؟
لم تنظر إليه ولم ترد على سؤاله، واستمرت في النظر إلى والدتها ثم قالت :

– لقد حصلت على تذكرتي وأنا راحلة في قطار الصباح.
– تمهلي يا ابنتي، هل أنت مدركة تماماً ما تنوين القيام به ؟
لمحت فلورنس في عيني والدتها نظرة شفقة ساخرة، مما شجعها على القول :
– أنا امرأة واعية وأدرك تماماً ما أفعل.

عندئذ صرخ جبرايل قائلاً:
– كيف ذلك وقد قررتِ أن ترحلي في الصباح، وتتركي والدتك على هذه الحالة.
التفتت فلورانس للمرة الأولى إلى جبرايل موجهة الحديث إليه :
– اصمت أنت، لقد اعتنت بك أيضاً، أليس كذلك ؟

أرخى جبرايل عينيه فأدركت فلورنس مدى المرارة العالقة في نفسه، وعمق المشكلة التي سيقع فيها. فهو لا يحتمل فكرة بقائه وحيداً بجانب أمه المريضة، وليس بوسعه القيام بشيء وهو على هذا الحال السيئ، وبرحيل فلورنس سيبتلع الزمن آخر ما تبقى من أولاد أمه ما عداه، إذ سيتحتم عليه عندئذ أن يعوضها عن الآلام التي تكابدها، وينقذها من شبح المعاناة وذلك بزرع الطمأنينة في نفسها خلال أيامها الأخيرة. وهذا لن يحدث إلا بابتعاده عن الخطيئة، وبرحيل فلورنس لن يكون هناك مجال للهو والعبث، وعليه أن يصبح رجلاً صالحاً قادراً على إثبات وجوده واتخاذ موقف في حياته.

ابتسمت فلورانس بسخرية وهي تراقب توتره واضطرابه، ثم نظرت إلى والدتها قائلة :
– لقد قامت بتربيتك والاعتناء بك فهي لا تحتاجني.

سألتها والدتها :
– إذن أنت ذاهبة إلى الشمال، ومتى تنوين العودة ؟

فردت فلورنس :
– لا أعتقد أنني سأعود ثانية إلى هذه البلدة.
توجه جبرايل بأنظاره إلى والدته وصرخ بحنق :
– لقد ذرفت من الدموع ما يكفي، ما بك تبكين وكأنك تجلدين بالسوط !

فنظرت إليه فلورنس للمرة الثانية وقالت :
– أليس بوسعك أن تبتلع أنفاسك وتصمت.
فتساءلت الأم :
هل تعنين من تصرفك هذا أنك تنوين التصريح بأن الشيطان قد جعل قلبك قاسياً؛ إلى درجة تودين فيها مغادرة والدتك وهي على فراش الموت، ولا يهمك رؤيتها في هذه الحياة مرة أخرى، ليس بإمكانك إقناعي بأنك شريرة إلى هذا الحد.

أحست فلورنس أن جبرايل يتفحص معالم وجهها ليتبين ردة فعلها على هذا السؤال، السؤال الذي كانت تخشى سماعه برغم إصرارها على الرحيل، أشاحت بنظرها عنهما إلى تلك النافذة المتصدعة، وسرح تفكيرها إلى ما وراء ذلك الضباب المرتفع في المكان الذي لا تستطيع عيناها رؤيته حيث تنتظرها حياة جديدة، فكرت فلورانس ” إن المرأة الراقدة على السرير عجوز مسنة قضت سنوات حياتها هباءً منثوراً، وسيضمها القبر عما قريب، أما أنا فلن أدع حياتي رهينة بين أيدي الموت “.
التفتت إلى والدتها وأعلنت :

– أنا راحلة يا أماه.. لابد من الرحيل.
اتكأت الأم على السرير ونظرت عالياً إلى الضوء وبدأت تبكي، اندفع جبرايل إلى جانب فلورانس وأمسك بيدها، نظرت إلى وجهه فرأت دموعاً في عينيه، قال لها :
– ليس بإمكانك الذهاب.. لا تستطيعين الرحيل ووالدتك على هذه الحالة، فهي تحتاج للعناية، ماذا بوسعها أن تفعل هنا وهي وحيدة معي ؟

دفعته عنها واقتربت من سرير والدتها قائلة :
– أمي..كفي عن هذا فلست الإنسانة المباركة التي تستحق دموعك، أليس ما سيحدث لي في الشمال ممكن أن يحدث هنا، الله موجود في كل مكان فلا مبرر إذن للقلق.
أدركت فلورنس أن الكلمات التي تنطق بها لا تعير لها الأم انتباهاً، بل تثير الاستخفاف في نفسها، يا لهذه الأم المسكينة! لقد منحت ابنتها حافزاً للحياة فهل أخطأت في ذلك؟ من المؤكد أنها لا تبكي على مستقبل ابنتها، وإنما على ماضٍ ولى ورحل، وعلى آلام لم يشاركها بها أحد. أحست فلورنس بحزن أمها فألم بها خوف مريع سرعان ما تحول إلى غضب؛ ترجمته بلهجة حاقدة إلى كلمات وجهتها لأخيها :

– سيعتني بك جبرايل، لن يتخلى عنك.. أليس كذلك ؟
وقف جبرايل قريباً من سرير أمه مرتبكاً حزيناً وقال :
– ولكن.. أنا
فقاطعته فلورنس :
– عليّ الذهاب الآن.
سارت إلى وسط الغرفة وتناولت حقيبتها، همس جبرايل في أذنها :

– ألا ينتابك أي إحساس بالذنب حيال أمك ؟
صرخت الأم، فاقترب الولدان من سريرها وحدقا في وجهها وهي تقول :
– يا إلهي شيئاً من رحمتك لابنتي الخاطئة، ساعدها وانتشلها من بحيرة الشر التي تكاد تغرق نفسها بها.. يا الهي أرجوك..

توقف صوتها وانقطع وبدأت الدموع تسيل على خديها ثم تابعت:
– لقد فعلت أقصى ما بوسعي لتربية أولادي، فارحمهم وارحم أحفادي.
قال جبرايل متأثراً بدموع أمه :

– أرجوك لا تذهبي يا فلورانس..لا يمكن أن تكوني جادة في رحيلك وتتركي والدتك على هذه الحال التعيسة.
امتلأت عيناها بالدموع، وعبثاً حاولت أن تجد بضع كلمات تتفوه بها عدا كلمة واحدة قالتها وهي تبكي:

– دعني..
حملت حقيبتها ثم فتحت باب الكوخ الذي تسلل منه هواء الصباح المنعش وقالت :
– وداعاً.. بلغ سلامي إلى والدتي.

خرجت تسير عبر الممر ووصلت إلى الساحة المغطاة بالثلج، كان جبرايل يراقبها مذهولاً وصوت بكاء والدته يتردد إلى مسامعه. عندما وصلت فلورانس إلى البوابة وهمت بفتحها، انطلق جبرايل مسرعاً إليها محاولا إيقافها :

– إلى أين أنت راحلة أيتها الفتاة.. ما الذي تنوين القيام به.. هل تعتقدين أن حظك الجيد سيجعلك تلتقين بالرجال في الشمال الذين سيقدمون لك الجواهر واللآلئ.

فتحت البوابة بعنف غير مكترثة به وتابعت طريقها، ووقف مشدوها ينظر إليها حتى حجبها الضباب.

وحيدة كالقمر
قديم 12-01-2019, 07:03 PM
المشاركة 39
حنين الخالدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: O موسوعة القصص القصيرة o
مبدعه دائماً في إختياراتك ونزفك الراقي والعذب

أستاذتي الغالية والطيبة والرائعة العنود العلي

هنا قرأت حديث الروح وبوح الوجدان تجلت

بأنقى صورة وأروع إحساس ,,, شكرا لكي أستاذتي

قديم 12-09-2019, 04:48 AM
المشاركة 40
العنود العلي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: O موسوعة القصص القصيرة o

المراكبي وطفله الصغير
قصة من الأدب الصيني

في يوم شتاء بارد هطلت فيه الثلوج، خرج مراكبي مع ابنه الصغير لقضاء شأن من شؤون الحياة. بعدما جدف الملاح مدة بعزم وقوة، أحس بحرارة شديدة تجتاح كامل بدنه فنزع من على كتفيه معطفه ولم يبق على بدنه من الملابس إلا على قميص خفيف.
ثم صاح في الطفل:
- الحرارة شديدة يا ولدي، انزع عنك معطفك بسرعة.
ونزع من على جسم الصغير المعطف ولم يترك له سوى قميص.
وعاد إلى المجداف فعاد العرق الغزير يروي كامل بدنه فنزع عنه القميص وبقي عاري الجسد.
- ها نحن نموت جراء هذه الحرارة الشديدة.
والتفت ناحية الصبي، فنزع عنه القميص تاركاً إياه عريان الجسد.
بينما كان بخار كثيف يطير فوق جسم المراكبي
الذي عاد إلى التجديف، كان الطفل الصغير يموت من البرد.

وحيدة كالقمر

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: O موسوعة القصص القصيرة o
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ثلاث مجالس منزوعة الرحمة حسام الدين بهي الدين ريشو منبر الحوارات الثقافية العامة 11 09-30-2020 12:40 AM
موسوعة غينيس للأرقام القياسية أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 0 03-31-2016 08:42 PM
نضال........ ( مجموعة من القصص القصيرة جداً) عمرو مصطفى منبر القصص والروايات والمسرح . 2 11-25-2015 12:37 PM
مجموعة من القصص القصيرة ( جابرييل جارسيا ماركيز ) أحمد صالح منبر الآداب العالمية. 9 08-14-2010 09:53 PM

الساعة الآن 05:37 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.