احصائيات

الردود
2

المشاهدات
1339
 
رشيد عانين
من آل منابر ثقافية

رشيد عانين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
47

+التقييم
0.03

تاريخ التسجيل
Jun 2020

الاقامة
المغرب

رقم العضوية
16150
06-24-2020, 03:31 AM
المشاركة 1
06-24-2020, 03:31 AM
المشاركة 1
افتراضي حنين ياسين
حنين ياسين
يتجه ياسين إلى فراشه مشوش الذهن، زائغ النظرات، يفتش عن الأدوات الكفيلة بتحقيق حلمه، فلا يجدها بين يديه، يأخذه تفكير دائم في حالته حتى يستحيل التفكير إلى شرود... هل يواصل البحث أم يتخلى؟ سؤال يؤرقه كلما أوى إلى مضجعه، سؤال يطارده فيحيل ليله إلى هم يجثو على قلبه، فيوجهه السهاد إلى شرفة يتنسم فيها عبير الكائنات التي لا تحيا إلا ليلا. تمتد يده إلى جفونه ليداعبها بمسحة يستشعر فيها الحنين الضائع في سكن يغيب فيه السكن.
حلمه ينكسر على ضوء القمر، ولحظات الحنق تزداد اتساعا في قلبه، وهو ينظر إلى أسرة راقية إلى أبعد الحدود، توفر له المأكل والملبس وكل ما يحتاجه من ماديات، ولكنها لا تلتف إلى رغبات أخرى، يعيش فيها فقرا مدقعا.
ينسب إلى أب يسافر طول الوقت لانشغالاته الديبلوماسية، وأم صاحبة أعمال فهي لاهية بمشاريعها الاستراتيجية داخل الوطن وخارجه، والبيت خال على عروشه إلا من خادمة تدبر أموره، وَجَدٍّ قد تهالكت صحته، وقربت نهايته، فهو راقد على الدوام في جناحه الخاص، رغم قدرته على المشي والحركة.
تطيب ليلة ياسين وهو دائم التيه داخل مكتبته، فهو عاشق للقراءة إلى حد الجنون، ربما يجد في رواياتها الخيالية دواء لدائه، أو تسلية لآلامه، أو شق طريق لأحلامه، أو نور سبيل لتحقيق أهدافه. يتذكرها وهو في الشرفة بعد أن أخذ جرعته الكافية من عبق نسيم الكائنات.
المكتبة نور يستضيئ به كلما أظلم الليل الكئيب راسما ملامح الفقر العاطفي بين الحنايا والضلوع. فاغتراب الإنسان في وطنه، في بيته، في ذاته، هي أشد وأقوى وأقسى من غربة البعد عن الوطن.
يدخل ياسين إلى مكتبته، أو بالأحرى إلى مكتبة جده، فتقع عينه على كتاب ارتمت يده إليه بطريقة لاشعورية، فما لبث أن وضعه على أنفه فشمه، ثم على صدره حتى بكت عيونه استجابة لبكاء قلبه وتوجعه من ذكريات رسمها الكتاب بحروف حارقة في عقل الفتى وقلبه.
تعود به الذاكرة إلى أعوام خلت، حينما التقيا في السنة الأولى من تلك المرحلة الزاهية، إذ كان اللعب والعبث من سماتها. يتذكر أول لقاء بينهما حينما التقت العيون وحدث الحوار؛ الحوار الذي غاب فيه الكلام، وحل مكانه حوار الإيماءات والحركات، أو ما يصطلح عليه في علم التواصل بلغة الجسد. في اللقاء الأول كانت صفحة الوجه تخبر عن كل ما يعتمل داخل الجسد، عيون يتطاير منها الشرر، وتقول أنا هنا فهل من مبارز، ووجه بقسماته الحادة تتحدث عن ملامح عبقرية وأدها الزمان في دهاليزه، وسكون خصلات شعر تتحدى رياح الخريف.
ها هما يلتقيان مرة أخرى، لكن لم يعد الأمر يقتصر على النظرات، بل استحال الحوار إلى عبارات، حوار امتد لثواني معدودة لم تكن كافية لإشباع الجوع العاطفي الذي كان ينهش قلب الفتى، فالتيم قد بلغ مداه. ويتكرر اللقاء مرة أخرى وتطول جلسة الحوار هذه المرة لتمتد لدقائق معدودة تصافحت فيها العيون بما ينزل بردا وسلاما على قلب ملتهب وتهامست فيها الألسن خجلا فذلك تعبيرها عن رقي العلاقة التي تجمعهما.
كل ذلك يتذكره وكأنه البارحة، بل أكثر من ذلك فالشبح مازال يطارده، يحاوره، يزوره بين الفينة والأخرى، ولا أحد يلتف إلى كيانه المجروح. لكن للفتى جرعات خيال من هذا الكتاب الذي بين يديه، يداوي بها جرحه ومصابه.
وما عساه يفعل وليس في هذا المسكن الفسيح من أحد يسمعه إلا من حيطان ترد أنينه صدى إذا توجع، وَجَدٍّ يسليه بحكاياته التي يدعي أنها خرافية، لكنها في حقيقة الأمر هي محطات عاشها حينما كان شابا تقذف به الأيام من مكان إلى آخر.
يخرج الفتى من المكتبة بعد أن وضع الكتاب في مكانه متجها إلى جناح جده، وكله شوق في أن يسمع حكاية الليلة؛ حكاية ذلك الشاب الذي انشطر إلى نصفين دون ذنب اقترفه، لكن مع الأسف ما إن دخل من باب الجناح حتى سمع غطيطه وشخيره، فَأَمَّلَ نفسه في أن يسمع الحكاية في اليوم الموالي إن كان في العمر بقية.


قديم 06-24-2020, 06:10 AM
المشاركة 2
هيثم المري
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: حنين ياسين
قصة بسيطة جميلة أخي رشيد لكنها تحمل جمال التفاصيل الفتية
جميل أن يفر المرء منا إلى القراءة وسط شعور بالملل والضجر
أو إلى أي هواية ترتقي بمواهبه وتصرف عنه كآبة واقعه الممل
شكرا لك سيدي على قصتك الماتعة .. تحيتي لك

قديم 06-24-2020, 05:02 PM
المشاركة 3
رشيد عانين
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: حنين ياسين
شكرا لك أستاذ هيثم المري على مرورك الطيب والجميل وعلى تشجيعك
لك مودتي وتحياتي


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: حنين ياسين
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الوصية-قصة قصيرة: إبراهيم ياسين إبراهيم ياسين منبر القصص والروايات والمسرح . 2 05-31-2023 02:45 PM
شعر مع موسيقى---إبراهيم ياسين إبراهيم ياسين منبر الشعر العمودي 7 05-06-2020 03:02 PM
وفي مخيم جنين أم طلحة بقلم عزت ابوالرُب- جنين - فلسطين عزت فائق ابوالرُب منبر القصص والروايات والمسرح . 1 06-12-2019 01:15 PM
عبد الله بن ياسين أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 0 05-05-2016 08:18 PM
ياسين نوري الوائلي منبر الشعر العمودي 3 08-15-2010 07:13 PM

الساعة الآن 07:00 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.