قديم 04-27-2012, 01:41 PM
المشاركة 21
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا *}}.



قوله تعالى: { {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} } يعني مثل بعثهم من نومهم، فإن الله أعثر عليهم يعني أطلع عليهم قومهم.
{ {لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} } أطلع الله عليهم قومهم { {لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} } إما أن المعنى بقيام الساعة الذي كان ينكره هؤلاء أو لأن الله تعالى يُنجي المؤمنين من الكفار، لأن هؤلاء السبعة نجوا من أمة عظيمة تقاتلهم وتنهاهم عن التوحيد.
{ {وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا} }. { {وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا} } أي قيام الساعة. { {وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا} } أي لا شك، واقعة لا محالة.
{ {إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} } متعلقة بأعثرنا، أعثرنا عليهم حتى تنازعوا أمرهم بينهم، تنازعوا فيما بينهم ماذا نفعل بهم؟ أنتركهم أم ماذا نصنع بهم؟
{ {فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً} } يعني ابنوا عليهم بنياناً حتى يكون أثراً من الآثار وحماية لهم.
{ {رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ} } يعني توقفوا في أمرهم كيف يَبقَونَ ثلاث مائة سنة وتسع سنين لا يأكلون ولا يشربون ولا يتغيرون أيضاً.
{ {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} } وهم أمراؤهم { {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} } بدل من أن نبني بنياناً نحوطهم به ونسترهم به ولا يكون لهم أثر { {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} } أي لنجعلن عليهم مسجداً نتخذه مصلى، والظاهر أنهم فعلوا لأن القائل هم الأمراء الذين لهم الغلبة.
هذا الفعل، اتخاذ المساجد على القبور، من وسائل الشرك وقد جاءت شريعتنا بمحاربته حتى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال وهو في سياق الموت: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يُحذِّر ما صنعوا»[(10)].
ثم قال عزّ وجل مبيناً اختلاف الناس في عددهم:
* * *


قديم 04-27-2012, 01:42 PM
المشاركة 22
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{سَيَقُولُونَ ثَلاَثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا }}.



سيقولون ثلاثة، أربعة، خمسة، كيف يمكن أن يكون قولان لغائب واحد؟ هذا يخرج على وجهين:
الوجه الأول: أن المعنى سيقول بعضهم ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقول البعض الآخر: خمسة سادسهم كلبهم، ويقول البعض الثالث: سبعة وثامنهم كلبهم.
والوجه الثاني: أن المعنى أنهم سيترددون؛ مرة يقولون: ثلاثة، ومرة يقولون: خمسة، ومرة يقولون: سبعة. وكلاهما محتمل ولا يتنافيان، فتَجدُهم أحياناً يقولون كذا، وأحياناً يقولون كذا؛ حسب ما يكون في أذهانهم.
قال الله تعالى: { {رَجْمًا بِالْغَيْبِ} } قاله في الذين قالوا: { {ثَلاَثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} } و{ {خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ} }، كلا القولين قال الله تعالى إنهم قالوه: { {رَجْمًا بِالْغَيْبِ} } أي راجمين بالغيب، وليس عندهم يقين.
{ {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} } ولم يقل: رجماً بالغيب، بل سكت سبحانه وتعالى، وهذا يدل على أن عددهم سبعة وثامنهم كلبهم، لأن الله عندما أبطل القولين الأولين، وسكت عن الثالث صار الثالث صواباً، نظيره قول الله تبارك وتعالى في المشركين إذا فعلوا فاحشة: {{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا}} هذا واحد، {{وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا}} هذا اثنان، قال الله تعالى: {{قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}} [الأعراف: 28] ، فأبطل قولهم: {{وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا}} وسكت عن الأول؛ فدل على أن الأول: {{وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا}} صحيح، وهنا لما قال: { {رَجْمًا بِالْغَيْبِ} } في القولين الأولين، وسكت عن الثالث دل على أنهم سبعة وثامنهم كلبهم.
{ {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} } يعني إذا حصل نزاع فقل للناس: { {رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} } وهل أعلمنا الله بعدتهم؟
الجواب: نعم؛ أعلمنا بأنهم سبعة وثامنهم كلبهم، يعني فإذا كان الله أعلم بعدتهم فالواجب أن نرجع إلى ما أعلمنا الله به، ونقول جازمين بأن عدتهم سبعة وثامنهم كلبهم.
{ {مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ} } أي ما يعلمهم قبل إعلام الله أنهم سبعة وثامنهم كلبهم إلاَّ قليل.
{ {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ} } أي في شأنهم، في زمانهم، في مكانهم، في مآلهم.
{ {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا} } أي لا يصل إلى القلب لأنه إذا وصل الجدال إلى القلب اشتد المجادل، وغضب وانتفخت أوداجه وتأثر، لكن لما لم يكن للجدال فيهم كبير فائدة قال الله تعالى: { {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا} } يعني إلاَّ مراءً على اللسان لا يصل إلى القلب، ويؤخذ من هذا أن ما لا فائدة للجدال فيه لا ينبغي للإنسان أن يتعب قلبه في الجدال به، وهذا يقع كثيراً؛ أحياناً يحتمي بعض الناس إذا جودل في شيء لا فائدة فيه، فنقول: «يا أخي لا تتعب، اجعل جدالك ظاهراً على اللسان فقط لا يصل إلى القلب فتحتمي وتغضب»، وهذا يدل على أن ما لا خير فيه فلا ينبغي التعمق فيه، وهذا كثير، وأكثر ما يوجد في علم الكلام، فإن علماء الكلام الذين خاضوا في التوحيد وفي العقيدة يأتون بأشياء لا فائدة منها، مثل قولهم: «تسلسل الحوادث في الأزل وفي المستقبل» وما شابه ذلك من الكلام الفارغ الذي لا داعيَ له، وهم يكتبون الصفحات في تحرير هذه المسألة نفياً أو إثباتاً مع أنه لا طائل تحتها، فالشيء الذي ليس فيه فائدة لا تتعب نفسك فيه، وإذا رأيت من صاحبك المجادلة فقل له: «تأمل الموضوع» وسدَّ الباب.
{ {وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} } أي ولا تستفت في أهل الكهف { {وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} } أي من الناس سواءٌ من أهل الكتاب أم من غيرهم أحداً عن حالهم وزمانهم ومكانهم، وفيه إشارة إلى أن الإنسان لا ينبغي أن يستفتي من ليس أهلاً للإفتاء، حتى وإن زعم أن عنده علماً فلا تَسْتَفْتِهِ إذا لم يكن أهلاً.
* * *

قديم 04-27-2012, 01:43 PM
المشاركة 23
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا *إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيْتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَِقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا *}}.



قوله تعالى: { {وَلاَ تَقُولَنَّ} } الخطاب هنا للرسول صلّى الله عليه وسلّم كالخطاب الذي قبله { } أي في شيء { {إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} } ذكروا[(11)] أن قريشاً أرسلت إلى اليهود في المدينة وقالوا: إن رجلاً بعث فينا يقول: إنه نبي، فقالوا: اسألوه عن ثلاثة أشياء:
1 ـ عن فتية خرجوا من مدينتهم ولجأوا إلى غار، ما شأنهم.
2 ـ وعن رجل مَلَكَ مشارق الأرض ومغاربها.
3 ـ وعن الروح، ثلاثة أشياء؛ فسألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم عن أصحاب الكهف، فقال: «أخبركم غداً»، فتوقف الوحي نحو خمسة عشر يوماً، لم ينْزل عليه الوحي، والنبي صلّى الله عليه وسلّم لا يدري عن قصص السابقين كما قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48] . ولكن الله اختبره، فأمسك الوحي خمسة عشر يوماً، كما ابتلى سليمان عليه الصلاة والسلام لما قال: «لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله»، فقال له الملك: «قل إن شاء الله». فلم يقل وطاف على تسعين امرأة يجامعهن، وما الذي حصل؟ أتت واحدة منهن بشق إنسان[(12)]، حتى يُري الله عباده أن الأمر أمره وأن الإنسان مهما بلغ في المرتبة عند الله تعالى والوجاهة؛ فإنه لا مفر له من أمر الله.
مكث الوحي خمسة عشر يوماً، ومن المعلوم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سيلحقه الغم والهم لئلاَّ يتخذ هؤلاء القوم مِن تأخرِ إخباره بذلك وسيلةً إلى تكذيبه، والحقيقة أن هذا ليس وسيلة للتكذيب، يعني قد يقولون وعدَنا محمد بأن يخبرنا غداً ولم يفعل فأين الوحي الذي يدّعي أنه ينْزِل عليه؟ ولكن نقول: إنَّ تأخر الوحي وتأخر إخبار النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك يدل على صدقه، لأنه لو كان كاذباً لصنع قصة فيما بين ليلة وضحاها، وقال: هذه قصتهم، فتأخر الوحي والنبي صلّى الله عليه وسلّم لم يخبرهم يدل على كمال صدقه عليه الصلاة والسلام.
{ } إلاَّ قولاً مقروناً بمشيئة الله، فقرْنُ ذلك بمشيئة الله يستفيد منه الإنسان فائدتين عظيمتين:
إحداهما: أن الله ييسر الأمر له حيث فوضه إليه جلَّ وعلا.
والثانية: إن لم يفعل لم يحنث.
فيستفاد من قوله: { {إِنِّي فَاعِلٌ} } أنه لو قال: سأفعل هذا على سبيل الخبر لا على سبيل الجزم بوقوع الفعل، فإن ذلك لا يلزمه أن يأتي بالمشيئة، يعني لو قال لك صاحبك: «هل تمر عليَّ غداً؟» فقلت: «نعم» ولم تقل: إن شاء الله فلا بأس لأن هذا خبر عما في نفسكَ، وما كان في نفسك فقد شاءه الله فلا داعي لتعليقه بالمشيئة، أما إن أردت أنه سيقع ولا بد فقل: إن شاء الله، وجه ذلك أن الأول خبر عمَّا في قلبك، والذي في قلبك حاضر الآن، وأما أنك ستفعل في المستقبل فهذا خبر عن شيء لم يكن ولا تدري هل يكون أو لا يكون، انتبهوا لهذا الفرق؛ إذا قال الإنسان: سأسافر غداً، فإن كان يخبر عمَّا في قلبه فلا يحتاج أن يقول: إن شاء الله، لماذا؟ لأنه خبر عن شيء واقع، أما إذا كان يريد بقوله: سأسافر، أنني سأنشئ السفر وأسافر فعلاً، فهنا لا بد أن يقول: إن شاء الله، ولهذا كانت الآية الكريمة: { {إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} } ولم تكن إني سأفعل، بل قال: { {إِنِّي فَاعِلٌ} }، فلا تقل لشيء مستقبل إني فاعله إلاَّ أن يكون مقروناً بمشيئة الله.
{ {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيْتَ} } يعني اذكر أمر ربِّك بأن تقول: «إن شاء الله» إذا نسيت أن تقولها، لأن الإنسان قد ينسى وإذا نسي فقد قال الله تعالى: {{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} [البقرة: 286] وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها»[(13)].
فالمشيئة إذا نسيها الإنسان فإنه يقولها إذا ذكرها، ولكن هل تنفعه، بمعنى أنه لو حنِث في يمينه فهل تسقط عنه الكفارة إذا كان قالها متأخراً؟ من العلماء من قال: إنها تنفعه حتى لو لم يذكر الله إلاَّ بعد يوم أو يومين أو سنة أو سنتين، لأن الله أطلق: { {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيْتَ} }، ومن العلماء من قال: لا تنفعه إلاَّ إذا ذكر في زمن قريب بحيث ينبني الاستثناء على المستثنى منه، وهذا الذي عليه جمهور العلماء، فمثلاً إذا قلت: والله لأفعلن هذا ونسيت أن تقول: إن شاء الله، ثم ذكرت بعد عشرة أيام فقلت: إن شاء الله، ثم لم تفعل بناء على أن من قال: إن شاء الله لم يحنَث، فمن العلماء من قال: ينفعه لأن الله تعالى قال: { {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيْتَ} }، ومنهم من قال: لا ينفعه لأن الكلام لم ينبنِ بعضه على بعض، إذاً ما الفائدة من أمر الله أن نذكره إذا نسينا؟ قال: الفائدة هو ارتفاع الإثم، لأن الله قال: { } فإذا نسيت، فقلها إذا ذكرت، لكن هل تنفعك فلا تحنث أم يرتفع عنك الإثم دون حكم اليمين؟ الظاهر: الثاني؛ أن يرتفع الإثم، وأما الحنْث فإنه يحنَث لو خالف لأن الاستثناء بالنسبة للحِنْث لا ينبغي إلاَّ أن يكون متصلاً، ثم الاتصال هل يقال: إن الاتصال معناه أن يكون الكلام متواصلاً بعضه مع بعض أو أن الاتصال ما دام بالمجلس؟
الجواب: فيه خلاف، بعضهم يقول: ما دام في المجلس فهو متصل، وإذا قام عن المجلس فقد انقطع، قالوا: لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا»[(14)] فجعل التفرق فاصلاً، ومنهم من قال: العبرة باتصال الكلام بعضه مع بعض، والظاهر والله أعلم أنه إذا كان في مجلسه، ولم يذكر كلاماً يقطع ما بين الكلاميْن، فإنه ينفعه الاستثناء؛ فلا يحنث.
{ {وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَِقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} } «عسى» بمعنى الرجاء إذا وقعت من المخلوق، فإن كانت من الخالق فهي للوقوع، فقول الله تبارك وتعالى: {{ إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا }} [النساء: 98 ـ 99] ، نقول: عسى هنا واقعة، وقال الله عزّ وجل: {{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ *}} [التوبة: 18] . أما من الإنسان فهي للرجاء، كقوله: { {وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي} } هذه للرجاء.
{ {أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي} } أي يدلني إلى الطريق، ولهذا قال: { {لأَِقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} } أي هداية وتوفيقاً، وقد فعل الله، فهداه في شأن أصحاب الكهف للرشد.
* * *


قديم 04-27-2012, 01:44 PM
المشاركة 24
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا *}}.


قوله تعالى: { لَبِثُواْ } يعني أصحاب الكهف { {فِي كَهْفِهِمْ} } الذي اختاروه لأنفسهم وناموا فيه.
{ {ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ} } تكتب اصطلاحاً ثلاثمائة مربوطة: ثلاث مربوطة بمائة، وتكتب مائة بالألف، لكن هذه الألف لا يُنطَق بها، وبعضهم يكتب ثلاث وحدها ومئة وحدها، وهذه قاعدة صحيحة.
وقوله: { {ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ} } { {ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ} } بالتنوين و{ {ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ} } تمييز مبين لثلاث مائة لأنه لولا كلمة سنين لكنا لا ندري هل ثلاث مائة يوم أو ثلاث مائة أسبوع أو ثلاث مائة سنة؟، فلما قال: { {ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ} } بيَّن ذلك.
{ {وَازْدَادُوا تِسْعًا} } ازدادوا على الثلاث مائة تسع سنين فكان مكثُهم ثلاث مائة وتسع سنين، قد يقول قائل: «لماذا لم يقل ثلاث مائة وتسع سنين؟».
فالجواب: هذا بمعنى هذا، لكن القرآن العظيم أبلغ كتاب، فمن أجل تناسب رؤوس الآيات قال: { {ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} }، وليس كما قال بعضهم بأن السنين الثلاثمائة بالشمسية وازدادوا تسعاً بالقمرية، فإنه لا يمكن أن نشهد على الله بأنه أراد هذا، من الذي يشهد على الله أنه أراد هذا المعنى؟ حتى لو وافق أن ثلاث مائة سنين شمسية هي ثلاث مائة وتسع سنين بالقمرية فلا يمكن أن نشهد على الله بهذا، لأن الحساب عند الله تعالى واحد، وما هي العلامات التي يكون بها الحساب عند الله؟
الجواب: هي الأهلَّة، ولهذا نقول: إن القول بأن «ثلاث مائة سنين» شمسية، «وازدادوا تسعاً» قمرية قول ضعيف.
أولاً: لا يمكن أن نشهد على الله أنه أراد هذا.
ثانياً: أن عدة الشهور والسنوات عند الله بالأهلة، قال تعالى: {{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}} [البقرة: 189] وقال تعالى: {{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}} .
* * *


قديم 04-27-2012, 01:45 PM
المشاركة 25
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا *}}.


قوله تعالى: { {قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} } قوله: { {قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} } أي قل يا محمد: { {اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} }، وهذه الجملة تمسك بها من يقول: إنَّ قوله: {{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ}} [الكهف: 25] هي من قول الذين يتحدثون عن مكث أهل الكهف بالكهف وهم اليهود الذين يَدَّعون أن التوراة تدل على هذا، وعلى هذا القول يكون قوله: {{وَلَبِثُوا}} مفعولاً لقول محذوف والتقدير: «وقالوا: لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً»، ثم قال: { {قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} } ولكن هذا القول وإن قال به بعض المفسرين فالصواب خلافه وأن قوله: {{وَلَبِثُوا}} من قول الله، ويكون قوله: { {اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} } من باب التوكيد أي: توكيد الجملة أنهم لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً، والمعنى: { {قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} } وقد أعلَمَنا أنهم لبثوا { {ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} } وما دام الله أعلم بما لبثوا فلا قول لأحد بعده.
قال الله عزّ وجل: { {قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا *} } أي له ما غاب في السموات والأرض، أو له علم غيب السموات والأرض، وكلا المعنيين حق، والسموات جمع سماء وهي سبع كما هو معروف، والأرض هي أيضاً سبع أرَضين[(15)]، فلا يعلم الغيب ـ علم غيب السموات والأرض ـ إلاَّ الله، فلهذا من ادعى علم الغيب فهو كافر، والمراد بالغيب المستقبل، أما الموجود أو الماضي فمن ادعى علمهما فليس بكافر؛ لأن هذا الشيء قد حصل وعلمه من علمه من الناس، لكن غيب المستقبل لا يكون إلاَّ لله وحده، ولهذا من أتى كاهناً يخبره عن المستقبل وصدَّقه فهو كافر بالله عزّ وجل؛ لأنه مكذب لقوله تعالى: { قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } [النمل: 65] ، أما ما كان واقعاً؛ فإنه من المعلوم أنه غيب بالنسبة لقوم وشهادة بالنسبة لآخرين.
{ {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} } هذا يسميه النحويون فعل تعَجُّب.
{ {أَبْصِرْ بِهِ} } بمعنى ما أبصره.
{ {وَأَسْمِعْ} } بمعنى ما أسمعه، وهو أعلى ما يكون من الوصف، والله تبارك وتعالى يبصر كل شيء، يبصر دبيب النملة السوداء على الصخرة السوداء في ظلمة الليل، ويبصر ما لا تدركه أعين الناس مما هو أخفى وأدق، وكذلك في السمع، يسمع كل شيء، يعلم السر وأخفى من السر ويعلم الجهر {{وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى *}} [طه: 7] . تقول عائشة رضي الله عنها في قصة المجادلة التي ظاهر منها زوجها، وجاءت تشتكي إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم وكانت عائشة في الحجرة، والحجرة صغيرة كما هو معروف، وكان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يحاور المرأة وعائشة يخفى عليها بعض الحديث، والله عزّ وجل يقول: {{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ *}} [المجادلة: 1] . تقول عائشة رضي الله عنها «الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، إني لفي الحجرة وإنه ليخفى عليَّ بعض حديثها»[(16)]، والله عزّ وجل فوق كل شيء، ومع ذلك سمع قولها ومحاورتها للرسول صلّى الله عليه وسلّم، وفيه الإيمان بأن الله تعالى ذو بصر نافذ لا يغيب عنه شيء وذو سمع ثاقب لا يخفى عليه شيء ، والإيمان بذلك يقتضي للإنسان ألا يُري ربَّه ما يكرهه ولا يُسمعه ما يكرهه؛ لأنك إن عملت أي عمل رآه وإن قلت أي قول سمعه، وهذا يوجب أن تخشى الله عزّ وجل وألا تفعل فعلاً يكرهه ولا تقول قولاً يكرهه الله عزّ وجل، لكن الإيمان ضعيف، فتجد الإنسان عندما يريد أن يقول أو أن يفعل؛ لا يخطر بباله أن الله يسمعه أو يراه إلاَّ إذا نُبِّه، والغفلة كثيرة، فيجب علينا جميعاً أن ننتبه لهذه القضية العظيمة.
{ {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} } قوله: { {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} } هل الضمير يعود على أصحاب الكهف أو على من هم في السموات والأرض؟
الجواب: الثاني هو المتعين، يعني ليس لأحد ولي من دون الله، حتى الكفار وليهم الله عزّ وجل وحتى المؤمنون وليهم الله عزّ وجل قال الله تعالى: {{ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }} [الأنعام: 61 ـ 62] . والله ولي كُلِّ أحد، وهذه هي الولاية العامة ، أليس الله تعالى يرزق الكافرين وينمي أجسامهم وييسر لهم ما في السموات والأرض، وسخر الشمس والقمر والنجوم والأمطار؟! هذه ولاية، ويتولى المؤمنين أيضاً بذلك؛ لكن هذه ولاية عامة.
أما الولاية الخاصة، فهي للمؤمنين. قال تعالى: {{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النَّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ}} [البقرة: 257] ، والولاية الخاصة تستلزم عناية خاصة، أن الله يسدد العبد فيفتح له أبواب العلم النافع والعمل الصالح، ولهذا قال: {{يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}}. يخرجهم بالعلم، فيعلمهم أولاً ويخرجهم ثانياً بالتوفيق.
إعراب الجملة هذه: { {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} } نافية، و { {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} } خبر مقدم، و { {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} } مبتدأ مؤخر دخل على هذه الكلمة حرف الجر الزائد لأنك لو حذفت { {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} } وقلت: «ما لهم من دونه وليٌّ» لاستقام الكلام، لكن جاءت { {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} } من أجل التوكيد والتنصيص على العموم، يعني: لا يمكن أن يوجد لأهل السموات والأرض ولي سوى الله.
قوله: { {وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} } هذه كقوله تعالى: {{إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ}} [الأنعام: 57] ، وقال: {{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}} [الشورى: 10] ، والحكم كوني وشرعي، فالخلق والتدبير حكم كوني، والحكم بين الناس بالأوامر والنواهي حكم شرعي، وقوله: { {وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} } يشمل النوعين. فلا أحد يشرك الله في حكمه لا الكوني ولا الشرعي، وفيه دليل على وجوب الرجوع إلى حكم الله الشرعي، وأنه ليس لنا أن نُشَرِّع في دين الله ما ليس منه، لا في العبادات ولا في المعاملات، وأما من قال: إن لنا أن نُشَرِّع في المعاملات ما يناسب الوقت، فهذا قول باطل: لأنه على قولهم لنا أن نجوز الربا ولنا أن نجوز الميسر وأن نجوز كل ما فيه الكسب ولو كان باطلا، فالشرع صالح في كل زمان ومكان ولن يُصلحَ آخر هذه الأمة إلاَّ ما أصلح أولها [(17)]، الحكم الكوني لا أحد يُشرك الله فيه ولا أحد يدعي هذا، هل يستطيع أحد أن يُنَزِّل الغيث؟! وهل يستطيع أحد أن يُمسك السموات والأرض أن تزولا؟! ولكن الحكم الشرعي هو محل اختلاف البشر ودعوى بعضهم أن لهم أن يشرعوا للناس ما يرون أنه مناسب.
* * *


قديم 04-27-2012, 01:46 PM
المشاركة 26
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قوله تعالى: { {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ} }

هذا كالنتيجة لقوله: { {وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} } يعني إذا كان لا يشرك في حكمه أحداً فاتْلُ: { {وَاتْلُ} }.
فقوله: { {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ} } يشمل التلاوة اللفظية والتلاوة العملية، أمّا التلاوة اللفظية فظاهر، تقول: «فلان تلا علي سورة الفاتحة»، والتلاوة الحكمية العملية أن تعمل بالقرآن، فإذا عملت به فقد تلوتَه أي تَبعتَه، ولهذا نقول في قوله تعالى: {{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ}} [فاطر: 29] ، يشمل التلاوة اللفظية والحكمية، والخطاب في قوله: { {وَاتْلُ} } للرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولكن اعلم أن الخطاب للرسول صلّى الله عليه وسلّم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما دلَّ الدليل على أنه خاص به، فهو خاص به.
الثاني: ما دلَّ الدليل أنه للعموم، فهو للعموم.
الثالث: ما يحتمل الأمرين، فقيل: إنه عام، وقيل: إنه خاص، وتتبعه الأمة لا بمقتضى هذا الخطاب، ولكن بمقتضى أنه أسوتها وقدوتها.
فمثال الأول الذي دلَّ الدليل على أنه خاص به، قوله تبارك وتعالى: {{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ *}} [الشرح: 1] فهذا لا شك أنه خاص به، وكذلك قوله تعالى: { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى } [الضحى: 6] ، فهو خاص به صلّى الله عليه وسلّم.
ومثال الثاني الذي دلَّ الدليل على أنه عام، قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصَوا الْعِدَّةَ}} [الطلاق: 1] ، فقوله: {{طَلَّقْتُمُ}} للجماعة؛ وهم الأمة، لكن الله سبحانه وتعالى نادى زعيمها ورسولها لأنهم تابعون له فقال: {{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ}}، إذاً الخطاب يشمل النبي صلّى الله عليه وسلّم وجميع الأمة، ومثال ما يحتمل الأمرين هذه الآية: { {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ} }، لكن قد يقول قائل: إن هذه الآية فيها قرينة قد تدل على أنه خاص به كما سنذكره إن شاء الله، ولكن الأمثلة على هذا كثيرة، والصواب أن الخطاب للأمة ولكن وُجِّه لزعيمها وأسوتها؛ لأن الخطابات إنما توجه للرؤساء والمتبوعين.
وقوله: { {مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ} } هو القرآن، وفي إضافة الرب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام دليل على أن ما أوحاه الله إلى رسوله من تمام عنايته به.
وقوله: { {وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} } يعني لا أحد يستطيع أن يبدل كلماته، لا الكونية ولا الشرعية، أما الكونية فواضح، لا أحد يستطيع أن يُبَدِّلها، فإذا قال الله تعالى: {{كُنْ}} في أمر كوني فلا يستطيع أحد أن يبدله، أما الشرعية فلا أحد يستطيع شرعاً أن يبدلها. والنفي هنا ليس نفياً للوجود، ولكن النفي هنا للإمكان الشرعي، فلا أحد يستطيع شرعاً أن يبدل كلمات الله الشرعية، فالواجب على الجميع أن يستسلموا لله، فلو قال قائل: وجدنا من يبدل كلام الله! فإن الله أشار إلى هذا في قوله في الأعراب، قال تعالى: {{يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ}} [الفتح: 15] . قلنا: هذا تبديل شرعي، والتبديل الشرعي قد يقع من البشر فيحرفون الكلام عن مواضعه، ويفسرون كلام الله بما لا يريده الله، ومن ذلك جميع المعطِّلة لصفات الله عزّ وجل، أو لبعضها ممن بدلوا كلام الله.
{ {وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} } يعني لن تجد أيها النبي من دون الله عزّ وجل ملتحداً، أي أحداً تميل إليه أو تلجأ إليه لأن الالتحاد من اللحد وهو الميل، يعني لو أرادك أحد بسوء ما وجدت أحداً يمنعك دون الله عزّ وجل، إذاً عندما يصيب الإنسان شيء يتضرر به أو يخاف منه، يلتجئ إلى من؟ إلى الله، ونظير هذه الآية قوله تعالى: {{ قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا }} [الجن: 21، 22] .
* * *


قديم 04-27-2012, 01:46 PM
المشاركة 27
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا *}}.



قوله تعالى: { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ } أي احبسها مع هؤلاء الذين يدعون الله دعاء مسألة ودعاء عبادة، اجلس إليهم وقوِّ عزائمهم.
وقوله: { بِالْغَدَاةِ } أي أول النهار.
وقوله: { {وَالْعَشِيِّ} } آخر النهار.
قوله: { {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} } مخلصين لله عزّ وجل يريدون وجهه ولا يريدون شيئاً من الدنيا، يعني أنهم يفعلون ذلك لله وحده لا لأحدٍ سواه.
وفي الآية إثبات الوجه لله تعالى ، وقد أجمع علماء أهل السنة على ثبوت الوجه لله تعالى بدلالة الكتاب والسنة على ذلك، قال الله تعالى: {{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ *}} [الرحمن: 27] . وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أعوذ بوجهك» [(18)]، وأجمع سلف الأمة وأئمتُها على ثبوت الوجه لله عزّ وجل.
ولكن هل يكون هذا الوجه مماثلاً لأوجه المخلوقين؟
الجواب: لا يمكن أن يكون وجه الله مماثلاً لأوجه المخلوقين لقوله تعالى: {{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}} [الشورى: 11] . وقوله تعالى: { رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } [مريم: 65] ، أي شبيهاً ونظيراً، وقال الله تبارك وتعالى: {{فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}} [البقرة: 22] .
وهكذا كل ما وصف الله به نَفْسَهُ فالواجب علينا أن نجريه على ظاهره، ولكن بدون تمثيل، فإن قال قائل: إذا أثبتّ لله وجهاً لزم من ذلك التمثيل، ونحمل قوله: {{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}} [الشورى: 11] ، يعني إلاَّ في ما أثبته كالوجه واليدين؟
فالجواب: أن هذا مكابرة؛ لأننا نعلم حساً وعقلاً أن كل مضاف إلى شيء فإنه يناسب ذلك الشيء، أليس للإنسان وجه، وللجَمَلِ وجه، وللحصان وجه وللفيل وجه؟ بلى، وهل هذه الأوجه متماثلة؟ لا؛ أبداً! بل تناسب ما أضيفت إليه، بل إن الوقت والزمن له وجه، كما في قوله تعالى: {{آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ}} [آل عمران: 72] ، فأثبت أن للزمن وجهاً، فهل يمكن لأحد أن يقول: إن وجه النهار مثل وجه الإنسان؟.
الجواب: لا يمكن، إذاً ما أضافه الله لنفسه من الوجه لا يمكن أن يكون مماثلاً لأوجه المخلوقين؛ لأن كل صفة تناسب الموصوف . فإن قال قائل: إنه قد جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنَّ الله تعالى خلق آدم على صورته» [(19)]، فما الجواب؟
فالجواب: من أحد وجهين:
الوجه الأول: إما أن يقال: لا يلزم من كونه على صورته أن يكون مماثلاً له، والدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخبر بأن أوَّل زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر [(20)]، ونحن نعلم أنه ليس هناك مماثلة بين هؤلاء والقمر، لكن على صورة القمر من حيث العموم إضاءةً وابتهاجاً ونوراً. الوجه الثاني: أن يقال: «على صورته» أي على الصورة التي اختارها الله عزّ وجل، فإضافة صورة الآدمي إلى الله على سبيل التشريف والتعظيم كما في قوله تعالى: {{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}} [البقرة: 114] ، ومن المعلوم أن الله ليس يصلي في المساجد، لكن أضيفت إلى الله على سبيل التشريف والتعظيم وعلى أنها إنما بنيت لطاعة الله، وكقول صالح عليه السلام لقومه: {{نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}} [الشمس: 13] ، ومن المعلوم أن هذه الناقة ليست لله كما تكون للآدمي يركبها؛ لكن أضيفت إلى الله على سبيل التشريف والتعظيم، فيكون «خلق آدم على صورته» أو «على صورة الرحمن»[(21)] ، يعني على الصورة التي اختارها من بين سائر المخلوقات، قال الله تعالى في سورة الانفطار: {{ يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ }} [الانفطار: 6، 7] ، أي الذي جعلك جعلا كهذا وهذا يشمل اعتدال القامة واعتدال الخلقة، ففهمنا الآن والحمد لله أن الله تعالى له وجه حقيقي وأنه لا يشبه أوجه المخلوقين . وقوله: { {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} } إشارة للإخلاص، فعليك أخي المسلم بالإخلاص حتى تنتفع بالعمل.
وقوله: { {وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} } يعني لا تتجاوز عيناك عن هؤلاء السادة الكرام تريد زينة الحياة الدنيا، بل اجعل نظرك إليهم دائماً وصحبتك لهم دائماً، وفي قوله: {{تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} } إشارة إلى أنَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم لو فارقهم لمصلحة دينية لم يدخل هذا في النهي.
قال تعالى: { {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} } يعني عن ذكره إيَّانا أو عن الذكر الذي أنزلناه، فعلى الأول يكون المراد الإنسان الذي يذكر الله بلسانه دون قلبه، وعلى الثاني يكون المراد الرجل الذي أغفل الله قلبه عن القرآن، فلم يرفع به رأساً ولم ير في مخالفته بأساً.
قوله تعالى: { {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} } أي ما تهواه نفسه.
{ {وَكَانَ أَمْرُهُ} } أي شأنه { {فُرُطًا} } أي منفرطاً عليه، ضائعاً، تمضي الأيام والليالي ولا ينتفع بشيء، وفي هذه الآية إشارة إلى أهمية حضور القلب عند ذكر الله، وأن الإنسان الذي يذكر الله بلسانه لا بقلبه تنْزَع البركة من أعماله وأوقاته حتى يكون أمره فُرطا عليه ، تجده يبقى الساعات الطويلة ولم يحصل شيئاً، ولكن لو كان أمره مع الله لحصلت له البركة في جميع أعماله.
* * *

قديم 04-27-2012, 01:48 PM
المشاركة 28
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا *إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً *}}.


قوله تعالى: { {وَقُلِ} } الخطاب للرسول صلّى الله عليه وسلّم. أي قلها معلنا { {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} } لا من غيره، فلا تطلبوا الحق من طريق غير طريق الله عزّ وجل، لأن الحق من عند الله.
{ {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} } والأمر في قوله: { {فَلْيَكْفُرْ} } للتهديد وليس للإباحة بل هو للتهديد كما يهدد الإنسان غيره فيقول: «إن كنت صادقاً فافعل كذا»، ويدل عليه قوله تعالى بعده: { {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} }، يعني من كفر فله النار قد أعدت، وقوله: { {الظَّالِمِينَ} } المراد به الكافرون، والدليل على هذا قوله: { {فَلْيَكْفُرْ} }، فإن قال قائل: «هل الكفر يسمى ظلماً؟».
فالجواب: نعم، كما قال الله تعالى: {{وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}} [البقرة: 254] ، ولا أحد أظلم ممن كفر بالله أو جعل معه شريكاً، وهو الذي خلقه وأمده وأعده.
قوله: { {أَحَاطَ بِهِمْ} } أي بأهل النار { {سُرَادِقُهَا} } أي ما حولها، يعني أن النار قد أحاطت بهم فلا يمكن أن يفروا عنها يميناً ولا شمالاً.
وقوله: { {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} } يعني أن أهل النار إذا عَطشوا عَطشاً شديداً وذلك بأكل الزَّقوم أو بغير ذلك أغيثوا بهذا الماء { {بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} } يكون كعَكَر الزيت يعني تَفَلَهُ الخاثر في أسفله أو ما أشبه ذلك مما هو منظر كريه، ولا تقبله النفوس كما قال تعالى: { مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } [إبراهيم: 16، 17] ، أي كالصديد يتجرعه ولا يكاد يُسيغه.
{ {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} }، إذا قَرُبَ منها شَواها وتساقطت والعياذ بالله من شدة فيح هذا الماء، وإذا وصل إلى أمعائهم قطعها كما قال جلَّ وعلا: {{وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}} [محمد: 15] ، وما أعظم الوجع والألم فيمن تقطع أمعاؤه من الداخل، لكن مع ذلك تقطع وتعاد كالجلود {{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}} [النساء: 56] ، الله أكبر، سبحان القادر على كل شيء، وبلحظة يكون هذا الشيء متتابعاً، كلما نَضَجت بُدِّلوا، وكلما تقطَّعت الأمعاء فإنها توصل بسرعة.
قوله: { {بِئْسَ الشَّرَابُ} } هذا قدح وذم لهذا الشراب، و«بئس» فعل ماضٍ لإنشاء الذم.
قوله: { {وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} } أي وقبح مرتفقها والارتفاق بها. والمرتفق ما يرتفق به الإنسان، قد يكون حسناً وقد يكون سيئاً، ففي الجنة {{وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا}} [الكهف: 31] ، وفي النار {{وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}} [الكهف: 29] .
* * *


قديم 04-27-2012, 01:49 PM
المشاركة 29
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً *}}.


هذا من أسلوب القرآن، فإن الله عزّ وجل إذا ذكر أهل النار ذكر أهل الجنة، وهذا من معنى قوله: {{مَثَانِيَ}} [الزمر: 23] أي تثنى فيه المعاني والأحوال والأوصاف ليكون الإنسان جامعاً بين الخوف والرجاء في سيره إلى ربه.
قوله تعالى: { {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} } قد سبق الكلام في معنى هذه الآية، قال تعالى: { {إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} } ولم يقل «إنَّا لا نضيع أجرهم»، ولكن قال تعالى: { {أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً}} وذلك لبيان العلة في ثواب هؤلاء وهو أنهم أحسنوا العمل، و {{هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ *}} [الرحمن: 60] ، هذا من الوجه المعنوي، ومن الوجه اللفظي أن تكون رؤوس الآية متوافقة ومتطابقة، لأنه لو قال: «إنَّا لا نضيع أجرهم» لاختلفت رؤوس الآيات.
وبماذا يكون الإحسان في العمل؟ يكون بأمرين:
1 ـ الإخلاص لله عزّ وجل 2 ـ المتابعة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا يخفى ما في الآية الكريمة من الحث على إحسان العمل.
* * *


قديم 04-27-2012, 01:49 PM
المشاركة 30
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا *}}.



قوله تعالى: { {أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} } المشار إليه الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
{ {جَنَّاتُ} } جمع جنة وهي الدار التي أعدها الله لأوليائه فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
{ {عَدْنٍ} } بمعنى الإقامة، أي جنات إقامة لا يبغون عنها حِوَلا أي تحولا عنها، ومن تمام النعيم أن كل واحد منهم لا يرى أن أحداً أنعم منه، ومن تمام الشقاء لأهل النار أن كل واحد منهم لا يرى أحداً أشد منه عذاباً، ولكن هؤلاء، أهل الجنة، لا يرون أن أحداً أنعم منهم لأنهم لو رأوْا ذلك لتنغص نعيمهم حيث يتصورون أنهم أقل.
{ {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ} }. الأنهار جمع نهر وهي أربعة أنواع ذكرها الله تعالى في سورة محمد، قال الله تعالى: {{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصْفّىً}} [محمد: 15] ، وهنا قال: { {مِنْ تَحْتِهِمُ} }، وفي آية أخرى قال: «تحتهم» وفي ثالثة {{مِنْ تَحْتِهَا}}، وفي رابعة: {{تَحْتِهَا}} والمعنى واحد، لأنهم إذا كانت الأنهار تجري تحت أشجارها وقصورها فهي تجري تحت سكانها.
قوله تعالى: { {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} }.
{ {يُحَلَّوْنَ فِيهَا} } أي الجنات.
{ {مِنْ أَسَاوِرَ} }، قال بعضهم: إن { {مِنْ} } هنا زائدة لقول الله تعالى: {{وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ}} [الإنسان: 21] ، فـ { {مِنْ} } زائدة. ولكن هذا القول ضعيف، لأن { {مِنْ} } لا تزاد في الإثبات كما قال ابن مالك رحمه الله في الألفية:
وزيد في نفي وشبهِهِ فَجَرّ***نكرة كما لباغٍ من مفر
وعلى هذا فإما أن تكون للتبعيض: أي يحلون فيها بعض أساور، أي يحلى كل واحد منهم شيئاً من هذه الأساور وحينئذٍ لا يكون إشكال، وإما أن تكون «للبيان» أي بيان ما يحلون، وهو أساور وليس قلائد أو خُروصا مثلاً، وأما قوله: { {مِنْ ذَهَبٍ} } فهي بيانية، أي لبيان الأساور أنها من ذهب، ولكن لا تحسبوا أن الذهب الذي في الجنة كالذهب الذي في الدنيا، فإنه يختلف اختلافاً عظيماً، قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»[(22)] ، ولو كان كذهب الدنيا لكان العين رأته.
قوله تعالى: { {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} }، السندس: ما رَقَّ من الديباج والإستبرق ما غلظ منه.
وقوله: { {خُضْرًا} } خصَّها باللون الأخضر لأنه أشد ما يكون راحة للعين ففيه جمال وفيه راحة للعين.
قال تعالى: { {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ} }.
قوله: { {مُتَّكِئِينَ} } حال من قوله تبارك وتعالى: { {أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} } أي حال كونهم متكئين فيها، والاتكاء يدل على راحة النفس وعلى الطمأنينة.
قوله: { {عَلَى الأَرَائِكِ} } جمع أريكة، والأريكة نوع من المرتفق الذي يرتفق فيه، وقيل: إن الأريكة سرير في الخيمة الصغيرة المغطاة بالثياب الجميلة تشبه ما يسمونه بالكوخ.
قال الله تعالى: { {وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} } هذا مدح لهذه الجنة وما فيها من نعيم، ففيها الثناء على هذه الجنة بأمرين: بأنها { {نِعْمَ الثَّوَابُ} } وأنها { {وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} }. قال الله تعالى: {{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً *}} [الفرقان: 24].
* * *



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: ll~ سورة الكهف
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
في رحاب سورة الكهف ناريمان الشريف منبر الحوارات الثقافية العامة 5 06-24-2021 05:41 PM
لماذا اختلفت التسمية: قرية ثم مدينه بخصوص الجدار والغلامين في سورة الكهف فجر الاعلون منبر الحوارات الثقافية العامة 2 08-11-2019 10:07 AM
قصة كلب أهل الكهف نشوة شوقي منبر الحوارات الثقافية العامة 0 07-28-2016 11:02 PM
فضل سورة الكهف محمد نجى منبر الحوارات الثقافية العامة 1 11-18-2014 07:50 AM
روائع الإعجاز العددي فى سورة الكهف أحمد النواوى منبر الحوارات الثقافية العامة 9 09-20-2010 09:02 PM

الساعة الآن 12:18 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.