قصيدة *همدت المدينة* كاملة
*هَمَدَتِ الْمَدِينَة*
( 1 )
هَمَدَتِ الْمَدِينَة
نَامَتِ السَّـــــعَادَةُ
وانْبَجَسَتْ مِنَ الْأَرْكَانِ
عُيُونٌ حَزِينَة
لَيْسَ لَهَا أَهْلٌ .. ولَا أَمَــــــــــــــلُ
ليسَ لَهَا سَكَنٌ .. ولا سُبلُ
ليسَ لَهَا إِلَّا الصَّدِيدْ
يَحْرُقُ فيها جُوعَ أفْواهٍ وقُلُوبْ
يتَرَقْرَقُ فيها دَمْعُ الرِّجَالْ
وآهَاتٌ تُحَطِّمُ بقُوَّتِها الجِبَالْ
ومَشـَاهِدُ تُدْمِي العُيُونْ
تَقْضِي على مَا تَبَقَّى في الإنْسَانِ
من كَرامَةٍ وبَوْح ٍ
و زِيـنَــــة
( 2 )
أَلَا أيَّتُهَا الأمُّ السَكِينَة
أَيْـنَ أبْنَـــــاؤُكِ ..!
هَجَرُوا البيُوتَ و أوْكارَ الطُفُولَـــةْ
صِرْتِ لَهُـــــمْ عِبْئـــَـــــــــــاً
وصِرْتِ فِيهِمْ عَيْبــَاً
يُجـَــاوِزُ حُـدُودَ قُلُوبِهِمُ السَـقيمَةْ
عَاشُوا الحَضَارَةَ كَمَا رَأَوْهَا
أَقْفَلُـــــــوا عَلَيْـكِ ذَاكِــرَتَهُــــــــــمْ
واسْتَنْسَخُوا لِصُدُورهـِمْ
قـُلـوبَـــاً بـَدِيـلـَـــةْ
( 3 )
دَعُونَا نَهْنأُ في حَياتِنا جَهَارَا
دَعُونَا نَنْسَى الفَقْرَ والأَهْـلَ و الدِّيـَــارَا
ونَصِيرُ إلى عِلْيَةِ القَوْمِ
لِنَمْتَلـِكَ ســُــــلْطَةً ونَمْتَلِئَ فُجْراً وافْتِخَارَا
هَذِي الحَيَاةُ لَنْ تَسِيرَ برَكْبِهَا
إلَّا لَوْ مَلَكْتَ زهْوَتَهَا.. وكُنْتَ مُقْتَدِرَاً جَبَّارَا
( 4 )
والأمُّ تَصْرُخُ
في بحْرِ خَوْفٍ تُنَادِي
يا نـَبْـضَ قَـلْبِـي .. لَسْتُ عَلَى نَفْسِي أَنُوحْ
بلْ عَلَيْكُمْ أخَافْ
بِعْتُمْ آخِرَتَكُمْ بدُنْيَا الفَنَاءْ
أمَا تَخَافُونَ العَذَابْ !.
العُـمْـرُ يَمْضِــي .. لَا تَشْـــــــــــــتَرُوا اليَبَابْ
عُودُوا إلى حـُضْنِي .. وكُونُوا بِجَانِبي
يَوْمَ الحِسَـــابْ
( 5 )
وأنْتَ أيُّهَا الهَرِمُ الكَسِيحْ
عَلَى الرَّصِيفِ وَحْدَكَ
تَحْيَا في زِقَـاقْ
و أَوْلَادُكَ يرْتَعُونَ حَوْلَكَ
في نَفْسِ المَدِينَة
ربَّيْتَهُمْ في المَاضِي صِغَارَا
و رَاعيْتَهُـمْ دَوْمَــــاً كِبَــارَا
وحِينَ انْسَــلَخْتَ مِـنْ حَيَــــاتـِهِـمْ
أصَابَهمْ مِنْكَ حُزْنٌ عَظِيمْ
لوْ انْكَشَــــفَ هُرُوبـُكَ . . وعِصْيَانُكْ
فإنَّهُمْ سيُحرَجُونْ . . .
صَـارُوا مِنْكَ يَسْـتَحُونْ
زَوْجَاتُهُمْ مِنْكَ يَسْتَحُونْ
لَا يُريدُونَ لِأَحْفَادِكَ أنْ يَقرَبُوكْ
تَرَكُـوكَ تُعَـــــــاني الفَقْرَ وَحْــــدَكْ
تَرَكُوكَ تُعَـــــــــــاني العِلَّــــــةَ وَحْدَكْ
تَرَكُوكَ تَنْتَظِرُ المَوْتَ وَحْدَكْ
أُفٍّ عَلَيْكْ ..
لِمَاذَا مَازِلْتَ حَيَّاً !!
أَمَا يَكْفِيكَ طُولُ حَيَاةْ . . .
مُتْ وكَفَى . . .
خَمْسُ سَنَواتٍ مِنَ العَجْزِ ! !
هَـــذَا فَــوْقَ الْاِحْتِمَـــــالْ
مَتَى سَنَحْيَا سَـــــــعَادَتَنَا
مَتَى سَــنَنْسَى مَاضِينَا
عَلَيْـكَ أنْ تُغَادِرْ . . .
لَـنْ نَمْكُـثَ بَعْـدُ في الْحَوَارِي القَدِيمَة . .
هَيــَّـــا . .
قُمْ وغَادِرْ . . أَسْرعْ وغَادِرْ . .
وهُمْ مَازَالـُوا سُــعَدَاءَ . . يَضْحَكُونَ و يَسْمَرُونَ
في نَفْسِ المَدِينَة
( 6 )
آآآآآآهْ . . . آآهِ يَـارَبّْ . .
كمْ هِيَ صَعْبَةٌ الْحَيَاةُ مَعَ النُكْرَانْ . .
كَمْ هِيَ مَقِيتَـةٌ الْحَيَاةُ مَعَ العُـقُـوقْ . .
أعِدُكُمْ . . . واللهُ شَاهِدِي
سَتَجِدُونَ في الدُّنْيَا مَا تَكْرَهُونْ
أعِدُكمْ . . . واللهُ شَاهِدِي
سَـتُخَلَّدُونَ يَوْمَ الحِسابِ
فِيمَــــا تَكْـرَهُــونْ
أعِدُكُمْ . . . سَيَفْعَلُ أوْلَادُكُمْ بِكُمْ
كَمَـــا بِآبَائِـكُمُ الْيَوْمَ تَصْنَعُونْ . .
إنَّ الْحَيَاةَ دَيْنْ . .
و يَأْتِي بَعْـدُ زَمَـنُ الوَفَـاءْ . .
( 7 )
وأنْتَ أيُّهَا الطِّفْلُ البَئِيسْ
سَرِيرُكَ الرَّصِيفُ ولِحَـــافُكَ الْغُيُومْ
مَاذَا كَــانَ ذَنْبُكَ
حِيْنَ اجْتَمَعُوا حَوْلَكَ
ثُمَّ حَكَمُوا عَلَيْــكَ أَنْ سَــــــمَّرُوكَ في قَاعِ الْمَدِينَـة
يَظُنُّونَ أنْ قَـدْ أَتَيْـتَ إلى الْحَيَاةِ بمَشِـيئَتِكْ
وأنَّكَ صَاحَبْتَ الفَقْرَ بِإرَادَتِكْ
وحَاوَطَتْكَ الحَــــاجَةُ بِجُهْدِكْ
دَعْهُـمْ يَعْـلَمُـونْ . .
أنْ لَا فَرْقَ هُنَاكْ بَيْنَ الجَالِسِ في الأَزِقَّةِ
وبَيْنَ الْجَالِسِ عَلَى بِسَاطٍ مِنْ حَرِيرْ
وهُـوَ لَا يَعْـلَمُ شَـــيْئاً عَـنْ لَـوْنِ التُّرَابْ . .
يَحْـيَا بِالكِـبَــــرِ .. ويَمُوتُ بِالْفَـخْـرْ
يَظُنُّ أنَّ الناسَ مِثْلَـهُ كُلُّهُـمْ سَـــوَاسِـــيَة . .
اِبْتَعِـدْ عَنـَّا . . . سَـتُدَنِّسُـنَا . .
قَائِمٌ عَلَى الرَّصِيفْ ! !
مَا ذَنْبُنَا ...
ضَعِيْفٌ مُشَــرَّدْ ! !
مَاذَنْبُنَا ...
وَكَيْفَ نُشَارِكُ مُشَرَّدَاً جَاهِلاً بِمَحَبَّتِنَا وَأَمْوالِنَا
جَمَعْنَــاهَا بِالنَّصَبِ والتَعَبْ
وَالظُّلْمِ وَغـَضِّ البَصَـرْ
اِذْهَـبْ إلى الَّلامَـدَى . . وَابْتَعِدْ عَنْ قُصُورِنَا . .
لَيْـسَ لَكَ فِيهَا مَكَانْ . .
اِذْهَـبْ ! ! لا نُرِيدُكَ أَنْ تَعُـودْ . . .
فَإِنْ أَنْتَ طَلَبْتَ طَعَامَــــاً .. سَــــــمَّوْكَ سَارِقاً
ولَوْ فَكَّرْتَ أَنْ تَعِيشْ .. سَـــــــــــــــــــمَّوْكَ طَمَّاعَاً
ولَوْ حَاوَلْتَ واعْتَرَضْتْ .. أَعْلَنُوكَ إِرْهَابِيَّــاً
يُرِيدُونَ في الْحَيَاةِ أَنْ يَدْفِنــُـــوكْ
وأَنْتَ مَازِلْتَ صَغِيراً وغَضَّاً . .
. . كَيْفَ يَدْفِنُوكْ . . ! !
وبِأَيِّ ذَنْبٍ يُبْعِدُوكْ . . ! !
يَطْمَحُونَ لِحَيـَاةٍ بِالْفَضِيلَةِ تَحْتَفِي . .
لَهُمْ . . لَهُمْ
مَلآنـةٌ بالنُبْلِ والصَّدَاقَةِ ..فَقَطْ لَهُمْ
لا يُرِيدُونَ صِياحَاً أو نِيَاحَاً
يُقلِـقُ بَالَهُـمْ . .
( 8 )
وتَقُولُونَ أنَّ هَذَا الطِّفْلَ
قَدْ مُلِىءَ إِجْرَاما
واللهِ . . .
أَنْتُمْ هُــــمُ المُجْرِمُونْ
وأَنْتُمْ هُمُ المتَّهَمُونْ
عَـلِّمُـوهُ الحـُبَّ
يَمْنَحكُـمُ المَحَبَّــة
عَلِّمُــوهُ العَـدْلَ
يَمْنَحُكُمُ الصَّدَاقَة
اِمْنعُوا عَنْهُ مَسْرَى الشَّيَاطِينْ ..
كَيْفَمَـا تَزْرَعُونَ
يَخْرُجْ زَرْعُـكُـمْ
الظُّلْمُ لَا يَسْتَجْلِبُ الطَّهَارَة
كَمَا الشَّــــــوْكُ
لَا يُعْطِي العِنَبْ
( 9 )
آآآآآآهْ . . .
آآهِ يَـارَبّْ . . .
لِمَ لَا نَكُونُ مُتَشَــــــــــــابِهِينْ
ولِمَ لَا نَكُونُ مُتَضَـامِنِينْ
في الرَّحْمَةِ ...
في العَدَالَـةِ ...
في الحَيَــاةْ ...
حِينَ ظَهَرْتُمْ في الشَّوَارِعِ الْخَلْفِيَّة
ابْتَعَدُوا عَنْكُمْ . .
لَمْ يَأْخُذُوا يَوْمَاً بِأَيْدِيْكُمْ
نَحْوَ الصَّلاحْ . . .
أَلَمْ يَخْشَوْا حِينَ زَرَعُوا الْحِقْدَ
أَنْ تُصِيبَهُمُ الْكَرَاهِيَة . . .
... نُرِيدُ أَنْ نَحْيَـا وَنَعِيشْ
نُرِيدُ أَنْ نَتَعَلَّمَ وَ نَأْكُلْ
نُرِيدُ لَنَا أَهْــــــلَاً
نُرِيدُ لَنَا مِنْ بَيْنِكُـمْ
أخَـــــاً وأخْـتـــاً
لَا نُرِيدُ أَنْ نَكُـــونَ صَنْعَةَ الْفَسَــــــادْ
نُرِيدُ أَنْ نَكُونَ أطْهَـــارَا
خـُذُوا بِأَيْـدِيـنَــــا . . اِمْسَحُوا دُمُوعَنَـا . .
وَامْنَحُونَـــا الْأَمَانْ . . .
لَا تَتْرُكُـــونَـــا لِلْإِرْهَابِ وَلَا لِلْإِجْرَامْ
لَا تَسْــمَحُوا لِلْصَّقِيعِ يُفَتِّتُ عِظَامَنَــــــا
وَلَا تَقْبَلُـوا لِلْجَهْلِ يَنْخُرُ في عُقُولِنَـا
نَحْنُ مِنْكُـمْ وَلَكُــمْ
شُـــــدُّوا عَلَى أَيْدِينَـا
وَلَا تَدَعُونَــا نَضِيعُ في قَاعِ الْمَدِينَة
( 10 )
وَبَعْدُ . . .
هَمَدَتِ الْمَدِينَــــــــــــــــــــــةُ
وَامْتَدَّ نَسْــغُ الْحَيَــاةْ
اِمْتَدَّ في أَرْجَاءِ الْحَوَارِي
وَفِي أَرْكَـــــــــــــــــــــــــــــانِ الْحُقُولْ
مـرَّ عَلَى الْبَيَــــادِرْ
شَاهَدَ الزُّنُودَ السُّمْرَ
تَنْشَطُ في الْمَعَامِلْ
وَشَــــــــــــــــــــــاهَدَ الرِّجَـــالَ
يَعْمَلُونَ في الْمَحَــــــاجِرْ
اِخْضَوْضَرَ العُشْبُ
وَأَيْنَعَـتِ الْخَمَــــــــائِـلْ
.. ثُمَّ مَرَّ عَلَى الْقُصُورْ
فَتَحَـوَّلَ إِلَى نَــــــارْ
حَـرَّقَتْ بِطَرِيقِهَـا
كــُلَّ فَـــــــــاجِـرْ
أَرْسَلَتْهُمْ إِلَى الْمَزَابِلْ
هَـذَا عِهْرٌ يُقتَـلَعْ
هَذَا شَـــــــــــــرٌّ كَبِيرْ
جَمَعَ حَوْلَهُ كَبَائِرْ
ثـُمَّ عَــــادَ النَّسْــغُ
إِلَى طَبِيعَتِهِ خَيِـِّراً
وَمَـرَّ عَلَى الْجِبَــالْ
جَمَعَهَا مَعَ الْحَوارِي ..
جَمَعَهَا مَعَ الْبَيَــادِرِ وَالْحُـقُـولْ
تَبَرْعَـمَتِ السَّــــعَادَةُ
وَعَمَّتْ جَمِيعَ الْعُيُونْ
ذَلِـَك الطِّفْـــلُ يَلْعَــبْ
وَتِلْكَ الْبِـنْـتُ تَجْـرِي
وَهَـذَا وَلَـدٌ يَـأْكـُــــلْ
وَالْكَهْـــلُ يُحَيِّي وَيَفْرَحْ
شَـــــــــــــجَـرَةَ الْوَطَـنْ
أَوْرِفي يَــــا حَبِيَبتِي
بِكُــلِّ الْبَهَـــــــاءْ
أَوْرِفي ظِلَالـَــكِ
تَغْفُو تَحْتَهَـــــــــــــــــــا القُلُوبْ
وَاجْمَعِي تَحْتَ الْغُصُونْ
كُـلَّ أَطيَـــافِ الْمَـدِينَــــة ...
صَوْتُ عَدْلٍ مِنْ هُنَـــالِـكَ فَـــاحْ
اِنْـبَـثَــقَ الْحُــبُّ
يَعْـدُو مَعَـهُ الأمَـــلْ
هَـلَّتْ فُـصُولُ الْخَيْرِ
قُومُـــوا هَيَّا لِلْعَمَــلْ
مَـا أَجْـمَـلَ الْأَمَــــــــــــانْ
أحمد فؤاد صوفي – اللاذقية – ســــــوريا
التعديل الأخير تم بواسطة أحمد فؤاد صوفي ; 07-11-2023 الساعة 05:04 PM
سبب آخر: حجم الخط