احصائيات

الردود
4

المشاهدات
2164
 
سمير الاسعد
من آل منابر ثقافية

سمير الاسعد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
34

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
May 2016

الاقامة

رقم العضوية
14615
07-31-2016, 10:54 PM
المشاركة 1
07-31-2016, 10:54 PM
المشاركة 1
افتراضي زمن العقاب المؤجل
هذه قصة قد تحدث عندنا في فلسطين .... وهي هنا تستحضر الكثير من الواقع الذي كان.... وما زال

اصطفت السيارات وراء بعضها في خط طويل تجاوز المنعطف الأخير قبل حاجز الجيش الإسرائيلي ، الذي وقف جنوده متحفزين بعد أن أغلقوا الطريق بالمتاريس الحديدية أمام حركة السير في كلا الاتجاهين. وارتفعت زفرات الملل والتأفف وبدا الحنق على الوجوه ، وفي سيارة السوبارو ذات اللون السكني نقر حمود على التابلوه أمامه بإصبعه بعصبية وهو يتطلع حواليه ويتطلع في المرآة الجانبية على يساره عله يشغل نفسه بشيء استثنائي يزيل ما يعتمل في نفسه من مرارة وحنق على هذا المشهد الذي يتكرر كل يوم تقريبا عند مغادرته الى مكان عمله ، في نفس الوقت الذي كان يتطلع فيه جندي من جنود الحاجز الى نفس السيارة ويتفرس في وجه سائقها ، ثم ندت منه حركة تنم عن اهتمام مفاجئ وتحرك من مكانه . رمى حمود عقب سيجارته خارج السيارة الذي داسته فجأة قدم ثقيلة وأطفأته ، وتلاقت نظرات الرجلان . شهق محمود بقوة وهو يتطلع الى الوجه الأسمر النحيف والعينان الضيقتان الغارقتان في محجريهما . " أخيرا " .
بدا على عيني حمود الكسل وتراخت جفونه وطالعته تلك الأيام عندما كان يعمل سائق جرافة عند المقاول اليهودي " آفي" الذي يقف أمامه بلباسه العسكري الإسرائيلي الكامل. ألجمته المفاجأة التي لم يتوقعها في أسوأ كوابيسه وحاول التنبؤ فيما قد يحدث الا أن مبادرة الجندي في الحديث باللغة العربية بطلاقة أعادته الى ارض الواقع .
- شو يا حمود ، والله زمان. خرجت الكلمات من شفتيه مترددة حائرة وهو يقول
- اهلين
- والله أنك يا حمود ما بتتنسى مثل الأسى على القلوب ، من احداشر سنة كيف اعملت عملتك هيك ، أنا مستغرب.
بدأ شريط الذكريات يدور في رأسه وهو ينقل الصورة تلو الأخرى ، يمر سريعا على بعضها ويتوقف عند بعضها الآخر وما إن وصل الى عام 1988 حتى وقف جامدا أمام ذلك المشهد ، هو يقود الجرافة في منطقة "رامات أخيال"، الطقس بديع والأمن مستتب وهناك في مدينته شهداء يتضرجون بدمائهم ، سيارات عسكرية إسرائيلية تقتحم المدينة والضواحي ، استفراد بضعة جنود بشاب يضربونه ويكسرون أطرافه ، غاز مسيل للدموع ينتشر في كل مكان ، رصاص مطاطي يخترق الأجساد ويقتلع العيون، جنود يضربون ويدفعون نساء دون اعتبار لأية قيمة إنسانية ، وبدون مقدمات أدار مقود الجرافة وانطلق عائدا في طريق طويل الى بيته . استطاع أن يصل سالما دون أن يعترضه احد . فكك الجرافة وباعها قطع وترك عمله هناك . ....
كان انتقاما رغم كل شيء من اجل الوطن ودفاعا عن النفس مع أن رزقه وحياة أولاده كانت معلقة بالعمل لدى هذا اليهودي الذي يسكن في ضواحي مدينة نتانيا القريبة.
كان يعمل براتب خرافي في ذلك الوقت مقارنة بغيره وتربطه علاقة جيدة مع رب عمله الذي لم يؤخر عنه أي مبلغ من المال كان يحتاجه زيادة على راتبه الذي كان يقبضه في أي وقت يشاء . إضافة الى العلاقة الاجتماعية بينهما حيث كان حمود يأخذ زوجته وأطفاله الى بيت معلمه في نتانيا ويستقبله في منزله في مدينته . لقد كانا يتناسيان كل التناقض بينهما ويعتبران نفسيهما بعيدان كل البعد عما يجري. بدأت انتفاضة الحجارة وتفرق الجمعان
- ويبقى اليهودي يهودي عدوا رغم كل شيء . مش هيك بتفكروا انتو العرب
حك آفي انفه وهو يستطرد :
- خسرتني كثير يا حمود وخليتني ارجع سنين طويلة للورا ، دمرت مستقبلي وحولتني لعامل بعد ما كنت مقاول قد البلد .
- ليش هيك عملت يا حمود ، بس أعطيني رد معقول بجوز أنسى وبروح هم قلبي .

تصاعدت الدماء الى دماغ حمود وشعر بها تغلي وهو يقول :
- يعني جيشكم بقتلنا وبدك اسكت ؟
- شو عملك جيشنا يا حمود أفندي ؟ انت شخصيا .
ولا شي .. بس . قاطعه آفي بحدة : يا خي أنا كنت بحميك وأنت عارفني وعارف إني ما بحب القتل وضد الخدمة في الجيش ، وأنا هون غصب عني . وبعدين من وينلك كل هالوطنية ، ما انت كنت دائما تسب على حالكم وعلى كل العرب وكنت تقول إنكم متخلفين وما بتستاهلوا الخير لأنكم فاسدين وبتحبوش بعض و .... وتعال هون انت كنت تنام عندي بالأسابيع وبتحكي عبري كويس وعندك معارف وعلاقات مع يهود اكثر من العرب ... شو اللي تغير ؟ عارف يا حمود انت لازم تموت ومش رايح أخليك تروح من هون.
لم يتوقع حمود يوما أن يحشر في الزاوية كما هو الآن . الحاجز ما زال مغلق ، وآفي يحمل سلاحا وحقدا وينتظر جوابا ، وانتفاضة السكاكين مستمرة والوضع متأزم والموت يحوم في كل وقت وزمان . الكلمات التصقت في حلقه وشعر انه اخرس لا يتكلم . الانتظار الأول أمام الحاجز كان صعبا والانتظار الآن مع وجود آفي أصعب وأكثر تهورا وخطرا .
انطلق في هذه اللحظة نفير إحدى السيارات التي يبدو أن سائقها قد تجاوز حاجز الخوف والرهبة ، تبعه نفير آخر من سيارات أخرى ثم حدث ارتباك في المكان ،وفي وقت واحد تحفزت وجوه الجنود وأصابعهم على ازندة البنادق التي أشهروها وصوبوها على الصدور. وفي الجانب المقابل من الحاجز تحركت إحدى السيارات الى الأمام فجأة فأطلق جندي رصاصة في الهواء ، وكأنها كانت إشارة بدء سباق فتحركت كل السيارات في كلا الاتجاهين وحطمت الحاجز مع أصوات نفير متواصلة وتحرك الجنود مبتعدين وهم يطلقون الرصاص عاليا في جميع الاتجاهات. نظر حمود الى آفي الذي ابتعد قليلا عن السيارة مصوبا سلاحه الى رأسه وتلاقت النظرات . لم يعرف حمود لم شعر أن عيني آفي قد زاغت مع نظرة فزع ، جاءت الفرصة أمام حمود كي يتقدم بسيارته فألقى نظرة على وجه آفي الذي تغيرت نظرة عيناه وتوهجت بالشر كجمرة حمراء تملئها دماء الانتقام . تلا حمود الشهادتين وهو يحس بقلبه عند قدميه وهو ينتظر انطلاق الرصاصة من بندقية آفي لتنهي حياته ، مشت السيارة قليلا وضاقت الدنيا أمام عينيه واسودت ... انتظار الموت صعب جدا والأصعب وجود هذه الفرصة أمام غريمه لقتله بكل بساطة ودون مبرر . تقدمت السيارة قليلا وشعر حمود انه يفقد أعصابه فأطلق نفير سيارته وهو يصيح بكل قوته على السيارات التي أمامه كي تسرع ... وكم تمنى في هذه اللحظة لو انه يطير وهو يشير بيديه ويتحرك في مقعدة بعصبية ليبتعد عن مكان الموت . لم يدر كم مضى من الوقت وكيف ابتعد عن الحاجز فأوقف السيارة على الرصيف وفتح شبابيكها ليستنشق الهواء بقوة ، لقد كان يلهث والعرق يغمر وجهه ويشعر بمذاقه المالح ، لقد احتفظ بحياته ونجا . اليوم فقط أحس بلذة الحياة وبقيمتها وبلذة الفرج بعد الهم والضيق.
تساؤل عن السبب الذي منع آفي من قتله ، هل فعلا أن هذا اليهودي يختلف عن غيره . لعله سامحني كونه يساريا تقدميا او ربما لم تهن عليه العشرة . يجب أن أعيد الاتصال به في يوم من الأيام عل الأمور تعود كما كانت ويمنحني التصريح المناسب للعمل داخل إسرائيل ويمكن أن أسدد له ثمن الجرافة بأقساط مريحة . "آفي يا صديقي أنت أحسن من كل العرب" شغل السيارة وهو ينطلق بها مسرعا وهو يضحك بهستيريا ضحكا عاليا متواصلا . وورائه هناك كان آفي يلعن كل شيء وهو يحاول انتزاع قدمه التي غرزت في شوكة الحاجز الحديدي بعد أن داس عليه عندما تراجع إلى الخلف كي يجيد تصويب رصاصات بندقيته على رأس حمود.

سمير الاسعد
فلسطين


قديم 07-31-2016, 11:56 PM
المشاركة 2
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
سرد بطعم جميل

تحية للمبدع سمير الأسعد

قديم 08-01-2016, 12:00 AM
المشاركة 3
سمير الاسعد
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
شكرا استاذ ياسر ، الله يسعدك

قديم 08-01-2016, 04:35 PM
المشاركة 4
جليلة ماجد
كاتبة وأديبـة إماراتيـة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
لكل حقيقة وجهان ...
لا يعرفها فعلا إلا من عركها ..
أ. الأسعد ..
النوايا ببطن صاحبها ..
فلا نعلم من -بحق- ما يعيث في صدورهم حتى ينطقوا . ..
تحياتي لأهل فلسطين المحاربين أبدا ...
و تحية لقلمك الذي يسرد بعض آهاتهم التليدة ..

عند المطر ..تعلم أن ترفع رأسك ..
قديم 08-01-2016, 07:39 PM
المشاركة 5
سمير الاسعد
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
اشكرك من صميم قلبي الاخت الاديبة جليلة ودمت ذخرا للامارات وللعالم العربي اجمع


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: زمن العقاب المؤجل
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من آمن العقاب أساء الأدب انس فيصل طه الجعمي المقهى 1 10-31-2022 12:41 AM
اعتذار لانقطاعي المؤجل عن منابر ثقافية ماجد جابر منبر الدراسات النحوية والصرفية واللغوية 6 07-11-2014 11:46 PM
الالتفاف الابداعي حول علامة رابعة لتجنب العقاب ماذا يقول لنا ؟ ايوب صابر منبر الحوارات الثقافية العامة 3 01-08-2014 09:13 AM
رواية الجريمة و العقاب | فيودور دوستوفيسكي| زهراء الامير منبر رواق الكُتب. 2 05-02-2012 03:30 PM

الساعة الآن 08:55 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.