احصائيات

الردود
5

المشاهدات
4445
 
نبيل عودة
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


نبيل عودة is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
244

+التقييم
0.05

تاريخ التسجيل
Aug 2011

الاقامة

رقم العضوية
10276
08-03-2011, 07:08 AM
المشاركة 1
08-03-2011, 07:08 AM
المشاركة 1
افتراضي حتى يجف من الماء...
حتى يجف من الماء...

قصة نبيل عودة
كثرت الأقاويل حول ابنة حارتنا جانيت، لوهلة تبدو فتاة جميلة الوجه، سمارها الداكن يعطيها جاذبية خاصة، وشعرها الأسود الطويل المجدل بجدولين يضفي عليها مسحة جمالية تشد الأبصار.
ولكنها فتاة لا تحب عمل البيت، وتجلس وحيدة معظم ساعات النهار.
كنا صغارا نتفاجأ من وحدتها ومن عبوسها الدائم في وجوهنا. أهلنا نبهونا أن لا نتعرض لها، لأن الله يحب كل أبنائه مهما كانوا مختلفين .
لم نفهم مسألة حب الله لأبنائه رغم اختلافهم ، فنحن لم نطرح تساؤلات عن هذا الموضوع. ولم نفهم بالتالي تخوف أهلنا من مضايقتنا لابنة حارتنا جانيت.
في الحقيقة كنا نسخر منها، ونحاول إثارة غضبها لتلحقنا بفردة حذائها وهي تنط مثل الجندب. هذا الأمر كان يملؤنا ضحكا.
في جيل المراهقة صرنا ننظر إلى جانيت نظرات فيها شهوة غريبة لم نعرفها سابقا. كانت حين تحرك ساقيها لتغيير زاوية جلوسها ينكشف بعض فخذها فوق الركبة ، فنهلل بسعادة ونبدأ بإشارات لإثارتها وجعلها دائمة الحركة فوق كرسيها.
كانت تمضي الأيام على شقاوتنا وسؤال واحد يقلقنا ، لماذا لا تشارك جانيت بنات الحارة في ألعابهن؟ إنها فتاة جميلة، بل أجمل من الكثير من بنات الحارة، عاقلة جدا وصموتة جدا إلا حين ننجح بإخراجها من صمتها وهدوئها.
قالوا لنا أنها مصابة بلطف الله. لم نفهم لطف الله إلا بأنه أضفى عليها حسنة نفتقدها.في فجر أحد الأيام انفجر غضبها على أهلها.. علت شتائمها وطار الزبد من شفتيها، وبصعوبة أمسكوا بها،وهي تقاوم بشراسة بكل قوتها، لم نكن نعرفها بهذه الشراسة والعدوانية.
ومن يومها غابت جانيت عن حارتنا وغابت عن كرسيها في زاوية بلكون بيتها وبدأنا ننسى جانيت ، وحين نسال عنها يقال إنها في مصحة عقلية، وبعضنا قال إنها في العصفورية، وتعلمنا أن العصفورية هي مصحة عقلية لمن يصابون بلطف الله وأن لطف الله يعني الجنون، وليس حسنة تضاف للشخص الذي يختاره الله للطفه.
هل حقا كانت جانيت مجنونة، أم أنها جنت فجاة في فجر ذلك اليوم؟ نحن نعرف المجانين مشردين في الشوارع ، ثيابهم رثة ووسخة،ويكلمون أنفسهم ، ونلحقهم لنضحك على كلماتهم وحركاتهم، ولكن جانيت كانت فتاة مرتبة الثياب ، شعرها دائما بجدولية يتدلى على ظهرها طويلا جميلا تتمناه كل فتاة. رغم شقاوتنا ومحاولاتنا لاستفزازها كانت قليلا ما تغضب وتلحقنا بشتائمها. وإذا فعلت تعود بعد دقائق إلى مقعدها هادئة وكأن شيئا لم يحدث ، مما يجعلنا حقا نلوم أنفسنا على ما سببناه لها، ونتعهد أن لا نكرر فعلتنا، وكثيرا ما وصلت شكاوي والدتها لأهلنا، فتعرضنا للعقاب الشديد بسبب تطاولنا على جانيت.
الشيء الغريب في قصة جانيت إنها كانت تحب السباحة وتجيدها، وفي أيام الصيف ترافقها والدتها إلى بركة السباحة ، حيث تسبح ولا تخرج من الماء إلا بعد رجاء والدتها الطويل . ترى هل هي مجنونة حقا، أم بها مرض آخر ؟ لا تبدو مثل مجانين البلد . بل منعزلة وهادئة، فهل هذا يعتبر جنونا؟ أم مرضا يعالج بسهولة.
صرنا شبابا ومعظمنا تزوج وصار أبا لأولاد ، وصارت جانيت نسيا منسيا من الماضي، توفيت والدتها وظل والدها العاجز حيا لفترة أطول قليلا، ولكن أختها العانس ظلت في البيت، لم تكن جميلة،بل بشعة الوجه بشكل لا يريح النظر لوجهها، وكثيرا ما قالت والدتي لو أن الله عدل لأعطى وجه جانيت وشعرها الجميل لأختها ليرزقها الله بعريس، وأعطى جانيت الهبلة وجه أختها. وكنت أسمع وقتها تعبير "الهبلة" لأول مرة.
في فجر أحد الأيام سمعنا حركة سيارات قرب منزل جانيت، وشاهدنا أختها تخرج راكضة لتعانق امرأة تنزل من إحدى السيارات ، ولولا شعرها المجدل الطويل لما عرفنا أنها جانيت. جمالها لم يتغير. تعانقت الأختان، كانت الحارة تبصبص من الشبابيك والبلاكين على هذا اللقاء الذي لم يتوقعه أحد.
ترى هل عادت جانيت إلى وعيها وعقلها؟
هذا الأسئلة ترددت كثيرا في الأيام الأخيرة. لم تعد جانيت تجلس على كرسيها في البلكون. كانت تتحرك داخل البيت، أحيانا نراها تكنس أو تمسح الأرض، وأحيانا تنشر بعض الغسيل. ترى هل اكتمل علاجها؟ هل أعفاها الله من لطفه ؟!
وبدأت تتجمع الحكايات عن جانيت، قالوا أن تحريرها جاء بعد أثبتت أنها امرأة عاقلة ومسؤولة.
وكيف جرى ذلك؟
يقال إن أحد المرضى في نفس العصفورية، سقط في بركة مياه عميقة، بعد أن تسلق الحاجز، الذي يفصل ساحة المستشفى عن البركة ، وقام ضجيج قوي من الممرضات المرعوبات ، فما كان من جانيت إلا أن ركضت وقفزت فوق الحاجز ، وغاصت وراءه إلى قعر البركة وسحبته إلى سطح البركة وأنقذته من الموت غرقا.. وعليه قرر الأطباء أنها فتاة عاقلة تستطيع أن تعيش وسط الناس بدون مشاكل.
وبما اننا أقرب الجيران فقد دعونا جانيت وأختها للعشاء في إحدى الأمسيات.
وبصراحة تصرفت جانيت بشكل طبيعي ، وشكرتنا على الوجبة الشهية، وعندما عرضنا عليها فنجان قهوة اعتذرت بقولها انها لا تشرب الا الشاي فاعدت لها والدتي فنجان شاي.
كانت صموتة، وترد على التساؤلات بكلمات مقتضبة. وحدثتنا أختها بفخر كبير عن جانيت كيف أنقذت شابا من الغرق،الأمر الذي حدا بأطباء المستشفى أن يحرروها إلى بيتها. وها هي حقا هادئة تتجاوب مع الناس، لا يبدو عليها أمر غريب ، أو غير عادي عن أي شخص لم يصيبه الله بلطفه.
سالتها ونحن نجلس في الصالون بعد العشاء:
- وهل ما زلت تحبين السباحة يا جانيت؟
- السباحه أجمل ما في الحياة.
ولم تخافي من الغرق عندما قفزت لإنقاذ زميلك المريض؟
هزت رأسها مبتسمة :
- ولماذا أخاف ، أنا سباحة ماهرة؟
- وهو هل تحسنت حالته ؟
- للأسف لا .
قالتها بحزن شديد.
- هل مات متأثرا من غرقه؟
- مات معلقا من رقبته في الحمام؟
- هل انتحر؟
- لا لم ينتحر.
- ولماذا شنق نفسه في الحمام؟

- لم ينتحر. أنا علقته ليجف من الماء
...

nabiloudeh@gmail.com


قديم 08-03-2011, 03:43 PM
المشاركة 2
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وضع النص يده على مفاصل مهمة عن كيفية تعامل المحيط مع ذوي الاحتياجات الخاصة باعتبارهم يعانون نقصا ما و زيادة ما والذي استقر هذا في لاوعي المجتمع بشكل مبهم قبل ان يؤكده العلم بأدواته
و استطاع القاص أن يشير باقتدار إلى ازدواجية المجتمع و تسميته الأشياء بغير مسمياتها فالجنون أو الاعاقة العقلية تسمى "لطفا" كما سمت العرب من لدغته الأفعى ب" السليم" و الأعمى ب " البصير".
و كان السرد جيدا بالمجمل بحيث أدى الغرض منه
في المقطع الذي يسبق القفلة قدم لنا مفاجأة لم نكن نتوقعها و لم تكن متوافقة منطقيا مع المسرود لكن حرفية قصية فاجأتنا بإقفال نقضها و أعاد القارىء إلى البداية لتعزيز الانطباع العام الذي توقع منذ البداية أن يخرج به من العمل
هنا سؤال مهم قد يطرح نفسه : لماذا يتابع القارىء هذا العمل القصي مع أنه منذ البداية يدرك الانطباع الذي سيسجله بعد القراءة؟
باعتقادي أن الفن القصصي كونه أقرب الفنون إلى النفس البشرية يحمل غواية ما تدفع القارىء ليبحث عن ذاته بين السطور و ربما توجد في داخل كل منا نقمة على ازدواجية المجتمع و تناقضاته و نحاول أن نبحث في ثناياه عن إدانة أو ربما حل
أ. نبيل عودة
سعيدة أن أقرأ لك
مرحبا بك في منابر ثقافية

قديم 08-03-2011, 05:25 PM
المشاركة 3
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
جريمة ٌ يرتكبها المجتمع في حق ّ ( ذوي الاحتياجات الخاصة ) بـ عدم استيعاب حالاتهم

التي يـُـعانون منها . فقد حـُـكم على جانيت بالجنون أو المـُـسمّى قديمـًا ( لطف الله )

دون دراية كافية ..

أعجبني السرد كثيرًا ..

وخاتمتها كذك ..

مرحبـًا بك َ ~ أ. نبيل

تشرّفنا بـ توجدك بيننا

ونأمل أن تـُـشاركنا المزيد ..

ولكَ التقدير ~

~ ويبقى الأمل ...
قديم 08-03-2011, 07:57 PM
المشاركة 4
نبيل عودة
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
رمضان كريم لجميع الزملاء مع أملنا وحلمنا ان يكون هذا الشهر المبارك ، مباركا على جميع الشعوب العربية المنتفضة.


القصة تعالج حالة نلقاها في حياتنا باشكال مختلفة. حاولت ان اعطيها بعدا اخلاقيا، ربما لا علاج أكيد، وهذا ما ذهبت اليه، ولكن من حق كل انسان أن يعامل كبشر مهما اختلفت حالته . وللنهاية أهمية في اثارة التفكير .. بان للإنسان المختلف حالات عادية وحالات شاذة، وواجبنا ان نتعامل بما يساعد على اندماج المصاب بالحياة بشكل يضمن اندماجه بالمجتمع بحدود ادراكه ، وهذا لن يتحقق الا بتضافر الجهود.

قديم 08-08-2011, 05:43 PM
المشاركة 5
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأديب الكريم نبيل عودة المحترم

قصة تحمل عبر كثيرة . . وفي نفس الوقت فهي تحوي سرداً مناسباً يشد القارىء لاستكمال القراءة برغبة ومتعة. . تصوير مجتمع (الحارة) كان جيداً . .

عزيزي . .
تقبل تحيتي واحترامي . .

** أحمد فؤاد صوفي **

قديم 08-08-2011, 06:16 PM
المشاركة 6
نبيل عودة
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأستاذ أحمد فؤاد صوفي
شكرا على زيارتك لجانيت ومواساتها...
ولسائر القراء ... رجاء لا تضايقوها حتى لا تعلقكم لتجفوامن الكلام !!
تحياتي
نبيل عودة


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: حتى يجف من الماء...
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بحة الماء نبيل أحمد زيدان منبر الشعر العمودي 4 04-09-2019 01:08 AM
لحن الماء نبيل أحمد زيدان منبر الشعر العمودي 22 06-05-2017 10:37 PM
خربشات على الماء يزن السقار منبر البوح الهادئ 1 10-06-2013 06:22 PM
رنين الماء نبيل أحمد زيدان منبر الشعر العمودي 4 07-19-2012 08:15 AM

الساعة الآن 01:47 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.