قديم 03-23-2012, 12:43 AM
المشاركة 321
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
45- الرهينة زيد مطيع دماج اليمن

الرهينة
"جاءت الرهينة لتنقل الرواية اليمنية من المحلية الضيقة إلى العالمية الواسعة، وقد اعتبرت ضمن أفضل مائة رواية كتبت في القرن العشرين وطبع منها حوالي ثلاثة ملايين نسخة وترجمت إلى خمس لغات هي الإنجليزية والفرنسية والألمانية واليابانية والصينية، وتعتبر روايته الرهينة تعبيرا واقعيا لأوجاع اليمنيين في فترة من أحلك فترات الجبروت الإمامي والتسلط الملكي البائد.
استطاع زيد دماج التعبير وبصدق عن هموم ومعاناة شعب بأكمله من خلال " رهينته" التي ستظل مصدرا ومرجعا للباحثين والدارسين جمعت بين القصة الإجتماعية والمأساة وبين استعراض غير مباشر للتاريخ اليمني"...


تعريف بالمؤلف:

زيــد مطيــع دمـــاج<Oنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة></Oنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة>

يكتب زيد مطيع دماج كما يرى أو كما يتذكر وينقل أحاسيسه ومشاعره بحرفية من يضع في الكلمة كل شيء , فهي الجسد وهي المكان وهي الضائقة وهي الفرج وهي أخيرا الملجأ المطمئن الذي يأوي إليه ليحميه من كل أشكال المخاوف التي تحدق به في عالم غير مقتنع به يحاول مرعوبا مسحورا أن يكشف أسراره ويفك طلاسمه بروح طفل حذر جريء , عيناه تبرقان كشفرة خنجر يماني . <Oنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة></Oنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة>
إن دماج روائي النبرة الخافتة والصورة المتكاملة الأبعاد بكل نتوآتها وظلالها والتي لا يمكن لنا , مع ذلك تسميتها بالفوتوغرافية , لأنها تنأى بكل مضامينها وطقوسها عن هذه الصفة الجادة خاصة وإنها منجزة في ذاكرة اللغة قبل مخيلة الكاتب , الذي وهو ينقلها لنا , لا يجرؤ على أن يخدش صفو إصغائه لها وعذوبة انسياقه وراءها لا بوعي أيديولوجي ولا بتقنية مركبة ومعقدة ولا حتى بتداعيات حلمية أو سواها .
هكذا يقودنا دماج إلى قصور الخرافة العربية حيث النساء والجواري والغلمان والحرس المفتون بالأسرار والملوك المؤطرين بالحجاب والحواشي والشعراء المداحين في قصر الإمام اليمني كاشفا خباياه , متسللا إلى دهاليزه وتحت أردية نسائه الملونة بالشهوة والخوف .
الرهينة واقع حكاية لا حكاية واقع يمكن أن يتحقق أو هو قد تحقق , عاشه المؤلف أو كاد . أهميتها أنها تخرج من خزائن الذاكرة العربية السحيقة وهي بنت سنواتنا ومعاصرتنا هنا في جنوب الجزيرة العربية في بلد عربي هو اليمن . هذا اليمن الذي يدخل الألف الثالث الميلادي وعلى كتفه جلباب الجبل المطرز ببهاء العمارة العربية الأصيلة والموشى بالمدرجات الزراعية الألفية التي تغسل أقدامها في بحيرة سبأ وسدها الأسطوري تحرس قيلولته أشجار القات في انتظار عودة الأمطار الموسمية والأبناء المهاجرين في كل أنحاء المعمورة . بين ملامح المعاش / المتخيل اليمني وبين إيماءات واختلاجات الموروث العربي الإسلامي ترتسم مثل شريحة عمودية لحالة عربية تتجاوز حدود اللغة والأدب والاجتماع لتعكس بمراياها الداخلية سؤال الزمن العربي الإسلامي بين الماضي والحاضر , هذا الأخير الذي صار يدير ظهره كليا عن المستقبل ليستقبل صورة ماضيه وحدها لا منازع , مفتونا بها تاركا شعوبا ومصاير في وحل المعاش وانهيار العالم حواليه . إنها تطرح السؤال بشكل جديد وكأنها لا تريد جوابا . تلك عفوية دماج في هز جدران الحاضرة العربية واليمنية بالذات . <Oنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة></Oنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة>
ولكن , تبقى يمنية بسلاسلها وملامحها وجدرانها وشبقها وسطوتها وبندقيتها وإمامها وقمرها " الحالي " المفتون بسهولها وسفوحها .


سيـــرة حيـــاة<Oنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة></Oنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة>

- ولد زيد مطيع دماج عام 1943 في لواء آب في اليمن وبدأ تعليمه لدى الكتاب " المعلمة " حيث حفظ القرآن الكريم .
- درس الحقوق في جامعة القاهرة والصحافة في جامعة صنعاء .
- انتخب عضوا في أول برلمان يمني عام 1970 ومن ثم رئيسا للجنة الثقافة فيه .
- عين محافظا للواء المحويت وانتقل إلى العمل الدبلوماسي حيث يعمل حاليا دبلوماسيا في سفارة اليمن في لندن .
صدرت له المؤلفات التالية :
1 - طاهش الحوبان (قصص) 1973
2 - العقرب (قصص) 1982
3 - الرهينة (رواية)1984
4 - الجسد (قصص)
5 - أحزان البنت مياسة

==

أسلوبية الرواية في الرهينة - طه حسين الحضرمي
2009-08-23 04:04:45


الأمة برس -
مقــدمة
أثارت رواية الرهينة للروائي اليمني زيد مطيع دمّاج (1943-2000م) جدلاً كبيراً سواءً في الأوساط اليمنية أم على مستوى الوطن العربي، فقد اُحتفِيَ بها محلياً وعربياً وعالمياً، نقلت هذه الروايةُ، الروايةَ اليمنيةَ من المحلية الضيقة إلى العالمية الواسعة ، كما عُدَّتْ ضمن أفضل مائة رواية كتبت في القرن العشرين وطُبع منها حوالي ثلاثة ملايين نسخة، وتُرجمت إلى سبع لغات هي(الانكليزية)و(الفرنسية) و(الألمانية)و(اليابانية) و(الصينية) و(الهندية) و(الصربية)، وتُعدُّ هذه الرواية تمثيلاً واقعيا لأوجاع اليمنيين في فترة من أحلك فترات تاريخهم في ظل التسلط الإمامي البائد، فقمينٌ بنا نحن - اليمنيين- أن نحتفيَ بها تحليلاً ودراسةً؛ لهذا ارتأى الباحث أن يتخذ أطروحات النقد السردي الحديث مركبا نقديا لاستكناه النسيج الداخلي لهذه الرواية؛ لأن النقد الروائي لم يعد يتكئ كثيرا على مضمون الخطاب السردي واتجاهاته المذهبية، بل تخطى كل ذلك بالولوج إلى مكونات النص وأنسجته الداخلية المتداخلة، ممتطيا لذلك مراكب عدة، منها علوم اللغة ودلالاتها، ومباحث الأسلوب بأدواته الإجرائية، كما أفاد من معطيات الفنون البصرية الحركية ولاسيما السينما في ضبط مصطلحاته وقياس مسافاته وتحديد التقنيات الموظفة فيه، وقد كان للشكلانيين الروس إسهام جليل في الاهتمام بقضايا الشكل والبناء في السرد، فمضى النقاد السرديون يمتحون من هذا الإسهام زمنا طويلا، لتتشكل من ذلك كله- بعدئذ - آراء واجتهادات أصبحت رافدا من روافد تقنيات السرد الحديثة،التي بلغت ذروتها على يد جريماس وتودوروف وجينيت وبارت وغيرهم، وبهذا تداخل الإبداع والتنظير له، فتبادلا التأثير في بعضهما البعض.
حاول الباحث الإفادة من هذه التقنيات ، ولاسيما من مجمل أطروحات عالم اللغويات الروسي بوريس أوسبنسكي المبثوثة في كتابه(شعرية التأليف)، والإفادة من كتاب (أسلوبية الرواية) لحميد لحمداني؛ في إطار نظرية ميخائيل باختين المبثوثة في كتاباته النقدية عن فن الرواية ولاسيما كتابه القيم (الكلمة في الرواية)؛ وذلك للولوج إلى عالم رواية (الرهينة) المفعم بالغرائبية ، لاستكناه تجليات الأسلوب الروائيّ في أحشائها.
بين يدي أسلوبية الرواية
يثير مصطلح (أسلوبية الرواية) عدة تساؤلات، ماذا نعني بالأسلوب هاهنا ؟ و هل له صلة بالبلاغة التقليدية -عربية كانت أم غربية- ؟ وهل له صلة بالأسلوبية الحديثة وريثة البلاغة التقليدية ؟ وهل للرواية أسلوب مثل الشعر ؟ وكيف يتشكّل هذا الأسلوب في الرواية ؟ وهكذا تتابع الأسئلة ؟ ولسنا في مقام تفنيد هذا المصطلح، فلذلك مقام آخر تتقاصر دونه جهودنا، وإنما نحن في مقام تطبيق منهجية تمتح من هذا المصطلح على رواية (الرهينة) نبحر من خلالها في خضم تشكّل الأسلوبية فيها، بيد أنه يجدر بنا –قبل هذا الإبحار- أن نستنطق شيئا من أسس هذه الأسلوبية، حتى تستبين السبيل أمامنا.
هناك مصطلحات كثيرة تعاورتها أقلام بعض دارسي الرواية العربية بشأن جلاء جمالياتها، من مثل شعرية السرد وبلاغة السرد وإنشائية الرواية وغيرها، بيد أنها مصطلحات تخضع في الغالب لذائقة هؤلاء الدارسين النقدية، دون تسويغ تنظيري لاختيارها، وإن كانت في معظمها تدور في إطار بلاغة الرواية بمفهومها العام، ولكن « بلاغة الرواية إذا أريد لها أن تصبح علما قادراً على استيعاب تقنية الرواية ومقوماتها الجمالية، عليها أن تتحول إلى استيعاب ما يمكن تسميته بأسلوبية الرواية» ، غير أننا ينبغي أن نتوخى الحذر عند استخدام مصطلح (الأسلوبية)؛ لأنه جرت العادة في النظر إلى مفهومه بوصفه منهجا يعالج قضايا الشكل والصياغة الصورية ، في حين أن فن الرواية يقتضى نظرة أكثر شمولية من القضايا الشكلية البحتة؛ لهذا ينبغي على دارسي أسلوبية الرواية أن يضعوها « في إطار التلفظ وفي طليعتها نوعية الوعي الذي يتحكم في صياغة العمل الروائيّ شكلا ومضمونا» .

فما هي إذن مقومات أسلوبية الرواية ؟ علمنا فيما سبق أن التعدد الأسلوبي في الفن الروائيّ – سواء أكانت الرواية مونولوجية أم حوارية- يقتضي قيام أسلوبية مخالفة لأسلوبية الشعر؛ لهذا كان لهذه الأسلوبية طبيعة مغايرة، ومن هنا كان لأطروحات ميخائيل باختين في شعرية الرواية وفنيتها أهميتها البارزة، التي أنتجت مصطلحات مثل، تعددية اللغة وتعددية الأصوات والحوارية، فكان اهتمامه منصباً على علاقة الذات المبدعة بإبداعها، وعلاقة الصوت الفردي بالأصوات الأسلوبية للشخصيات المختلفة، من خلال أسلبتها وإدماجها في نظام عام يأتلفها ، فمن هنا تخفت نغمة بافون الشهيرة القائلة بأن (الأسلوب هو الرجل)؛ لأن هذه المقولة لا يمكن تطبيقها إلا على أنواع أدبية محددة، الرواية بمنأى عنها؛ لهذا كانت أغلب التطبيقات الأسلوبية التي تناولت فن الرواية في العالم العربي تنطلق من « مبدأ إخضاع الرواية للقوانين الأسلوبية للشعر، في الاهتمام بالصورة واختيار أجود الأساليب وأسماها مع الحرص على المطابقة التامة بين الكاتب وأسلوبه » ، في حين أن طبيعة النوع الأدبي للرواية تقتضي تعاملا خاصاً تنطلق من التعددية الأسلوبية التي تمثل الخاصية الجوهرية للجنس الروائيّ، سواء أكانت الرواية ذات صوت رئيس مهيمن على بقية الأصوات (مونولوجية) أم كانت تعتمد على أصوات متعددة كلها رئيسة (حوارية)، فمن هنا كان باختين يشير دائما إلى هذه الخاصية الجوهرية، فهو يرى أن الرواية ترفض مطلقية اللغة الواحدة أو الوحيدة ، فمن هنا كانت الرواية في مجموعها « ظاهرة متعددة في أساليبها، متنوعة في أنماطها الكلامية، متباينة في أصواتها، يقع الباحث فيها على عدة وحدات أسلوبية غير متجانسة توجد أحيانا في مستويات لغوية مختلفة وتخضع لقوانين أسلوبية مختلفة» ، ثم يشير باختين إلى أبرز الأنماط التأليفية الأسلوبية التي تكتنف العمل الروائي في الغالب على النحو الآتي:
1- السرد المباشر للمؤلف بكل أشكاله وصوره المتنوعة.
2- سرد المؤلف عن قصد بصوت آخر غير صوته الخاص، مثلما هو الحال في المونولوجات المؤسلبة المتمثلة في الـskaz .
3- كلام الشخصيات المتفرد أسلوبيا والمتميز الذي يعكس نمط تفكيرها ووجهة نظرها، فـ«هذه الوحدات الأسلوبية غير المتجانسة تأتلف فيما بينها، حين تدخل في الرواية، في نظام فني محكم وتخضع لوحدة أسلوبية عليا هي وحدة الكل، وهذه الوحدة العليا لا يمكن مطابقتها مع أيّ من الوحدات التابعة لها أو معادلتها بها» ؛ لهذا لا معنى لدراسة الوحدة الأسلوبية بمعزل عن موقعها الخاص ، وهكذا نجد أن الرواية هي حصيلة أنماط أسلوبية متعددة، ولا يعني هذا الأمر أن الروائي يكتب بأساليب متعددة « ولكنه على الأصح يوظف هذه الأساليب، ويتقمصها، ويمكن أن يُدخل أسلوبه الخاص إلى الرواية في السرد، غير أنه سيكون واحدا من الأساليب الموجودة في الرواية » ؛ لهذا كان اهتمام باختين بالأمر الجوهري في هذه المسألة وهي« من أيّ زاوية حوارية وضعت هذه الأساليب جنبا إلى جنب أو الواحد في وجه الآخر داخل العمل الأدبي» ؛ لهذا سيحاول الباحث تلمس هذه الحوارية في رواية (الرهينة) قدر الإمكان ومدى تنظيمها للأساليب المتنوعة في أحشائها من خلال العناصر الأسلوبية الآتية:
أولا: بنية عنوان(الرهينة):

باقي الدراسة

http://www.thenationpress.net/news.p...1&newsid=10346

قديم 03-23-2012, 01:04 AM
المشاركة 322
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الرهينة

الرهينة هي اسم رواية يمنية اختيرت ضمن أحسن مائة رواية عربية في القرن العشرين.

كاتب هذه الرواية هو الكاتب اليمني الراحل زيد مطيع دماج(1943-2000) والتي صادفت ذكرى وفاته في 20 من شهر مارس الماضي.
رواية الرهينة:
ان الرهينة رواية عربية جريئة بكل المقاييس هتك بها زيد قصور الأئمة وكشف ما يحدث في داخلها من ممارسات لاأخلاقية تتعارض مع الصورة المعلنة عن تقواهم وورعهم،وأبطال الرواية هم من الأطفال أبناء المشايخ (المرتهنين)في قصر الأمام ويلقبون بدويدار-كاد زيد أن يكون واحدا منهم- مهمتهم الخدمة في بادئ الأمر ثم سرعان مايتحولون الى متعة يتلهى بها الجميع الرجال والنساءالاتي يمنع دخول الدويدار عليهن عند بلوغه الحلم وتفضح الرهينةبأنها تكشف عمّا يحدث خلف الأبواب المغلقة في غرفهن وحفلاتهن.
ولم يكتفي دماج بفضح ما وقع على الخدم (أبناء الشيوخ والقبائل)من قهر وتعذيب واستغلال جنسي، بل قام بفضح العلاقات المخزية القائمة بين رموز النظام وأتباعه،وبين نساء القصر وحراسه.


وقد طبع من هذه الرواية حوالي ثلاثة ملايين نسخة وترجمت الى خمس لغات الانجليزية والفرنسية والألمانية واليابانية والصينية، ونشرت 1998ضمن مشروع اليونسكو(كتاب في جريدة) وهذا الرابط لقراءة الرواية

==
مقالات نقدية عن دماج:
http://www.dammaj.net/files/critics_page.htm


موقع عن الدماج :
http://www.dammaj.net/


==





الرهينة
تعد الرهينة أشهر رواية في اليمن وواحدة من أهم 100 رواية عربية خلال القرن العشرين، حسب استطلاعات اتحاد الأدباء والكتاب المصريين عام 2000م.




وهي العمل الروائي الوحيدالمنشور حتى الآن للأديب زيد مطيع دماج. صدرت الطبعة الأولى من الرواية عن دار الآداب في بيروت عام 1984م ومنذ ذلك الوقت لم تتوقف الرواية عن حصد الكثير من الاهتمام سواء من جمهور القراء أو من النقاد المختصين. فقد تم إعادة طباعتها أكثر من خمس مرات وتم ترجمتها إلى عدة لغات منها الفرنسية والانجليزية والألمانية والروسية والصربية والهندية. كما تم اختيارها ضمن بواكير الأعمال الإبداعية المنشورة في مشروع اليونسكو ((كتاب في جريدة)) - العدد الرابع.
الرهينة مكتوبة بلغة بسيطة جذابة ومختصرة كانت ولازالت محل اهتمام النقاد وكتاب الرواية العربية. وحول الرهينة كتبت الكثير من الدراسات والمقالات الأدبية والأطروحات الأكاديمية في اليمن و خارجه. والرهينة هي التي أعطت الأديب زيد مطيع دماج شهرته العربية والعالمية مما حدى ببعض النقاد إلى القول أن الرهينة بقدر ما أنصفت لدماج موهبته الروائية بقدر ما أثرت سلباً على ظهور نتاجه القصصي الذي لا يقل تميزاً عن الرهينة.






نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

الرهينة صدرت في عدة طبعات عربية:
الطبعة الأولى- دار الآداب (بيروت) 1984م
الطبعة الثانية - دار الشؤون الثقافية (بغداد) 1988م
الطبعة الثالثة - دار رياض الريس (بيروت) 1997م
الطبعة الرابعة - مشروع مهرجان القراءة للجميع (القاهرة) 1999م
الطبعة الخامسة - اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين (صنعاء) 2010م



لقراءة الرهينة:
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة




نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

==

مقطع من الرهينة:

وقد تهدل يمامة أو يزقزق عصفور ليذكرني بأنكِ الملجأ والملاذ البارد الحنون. إيه.. شريفتي الحبيبة ذات الصوت المبحوح! منذ فترة لم يطرق أذني ذلك الرنين الصادر منكِ...! كم هو رائع...! في بلادي التي حكيت لكِ عنها العجاب، استضعفوني، واعتدوا عليَّ، ومسخوني رهينة، ودويداراً في بلاطك، لكأن صوتك الرنان ينزلق في رفق، يحول الصدى إلى موسيقى ذات إيقاع حالم و"حالي"!

أقرأ:

لهذه الأسباب تكون الرهينة أهم الرويات. (مقابلة مع همدان دماج، صحيفة النداء، 25 مايو 2010م)





-===



لماذا وحده زيد نقرأ له فنستمتع بما نقرأ؟ ولماذا هو الوحيد يمتلك القدرة على ترميم شروخ الذاكرة وإثارة شجون القلب "عبد الكريم الرازحي

زيد مطيع دماج هو ابن المناضل السياسي المعروف مطيع دماج ، من مواليد قرية " المحمر " بمنطقة "السياني" محافظة إب .
عندما كان طفلا في الشهر السادس من عمره اضطرت أمه لتهريبه واخفائه من الإمام في مكان داخل المنزل يسمى " السفل " وهو مكان خاص للأحطاب والأغنام خوفا عليه من الإمام الذي كان يترقب أي مولود للشيخ مطيع دماج لأخذه رهينة مثله مثل باقي أبناء المشائخ الذين كانوا يؤخذون رهائن لضمان ولائهم وطاعتهم له والسيطرة على مناطقهم .. وظلت أمه تتنقل به من مكان إلى مكان عدة سنوات مخفية مولده واكتفى الإمام بأخذ (أحمد قاسم دماج) رهينة عن "آل دماج" وهو ابن السابعة من عمره وكان ذلك في العام 43م .
تعلم على يد والده ثم انتقل للدراسة في مدينة تعز بمدرسة الأحمدية ثم سافر إلى القاهرة ودرس في مدينة طنطا وبني سويف في العام 58م وقد بدأ في دراسة الحقوق ثم تحول إلى الإعلام ..
بدأ زيد مطيع دماج كتابة القصة منذ وقت مبكر وهو طالب في الثانوية العامة في مصر وأثار بكتاباته كثيرا من الجدل وأيقض الضمائر بروايته التي تعتبر شاهدا حيا على واحدة من الصفحات المظلمة في تاريخ الشعب اليمني ، فقد بدأ بكتابة قصة "طاهش الحوبان" ثم "الجسر" و(أحزان البنت مياسة) و(العقرب) ثم جاءت (الرهينة) لتنقل الرواية اليمنية من المحلية الضيقة إلى العالمية الواسعة وقد أعتبرت ضمن أفضل مائة رواية كتبت في القرن العشرين وطبع منها حوالى ثلاثة ملايين نسخة وترجمت إلى خمس لغات هي (الانكليزية)و(الفرنسية)و(الالمانية)و(اليابانية)و(ا لصينية) ، وتعتبر روايته (الرهينة) تعبيرا واقعيا لأوجاع اليمنيين في فترة من أحلك فترات الجبروت الإمامي والتسلط الملكي البائد .
استطاع زيد دماج التعبير وبصدق عن هموم ومعاناة شعب بأكمله من خلال "رهينته" التي ستظل مصدرا ومرجعا للباحثين والدارسين جمعت بين القصة الإجتماعية والمأساة وبين استعراض غير مباشر للتاريخ اليمني ..ورغم المرض الذي عصف بحياة المبدع (دماج) إلا أنه منذ إصابته قبل 15 عاما بسرطان الدم لم يسلم نفسه له بل ظل في تواصل مستمر مع الإبداع الأدبي متأثرا ومؤثرا بمواقف انسانية قريبة عنه أو بعيدة لم يترك القلم والكتاب لحظة واحدة إلا إذا أضطره المرض.





صدر له العديد من الروايات والقصص القصيرة منها :

طاهش الحوبان (مجموعة قصص)
الجسر (مجموعة قصص)
أحزان البنت مياسة





العقرب (مجموعة قصص)


الرهينة (رواية)


ترجمت روايته الرهينة إلى خمس لغات وطبع منها ثلاثة ملايين نسخة

من أعماله التي لم تنشر بعد (إغتيال شجرة) و (جسر إلى الليل) و (ملك الخبت) و (من سعيد اليمن) .
عن صحيفة 26 سبتمبر


=-\==
الفضاء الروائي في الرهينة "

http://www.alnoor.se/article.asp?id=11748


==
سر الرهينة:
إن عوامل شهرة الكتّاب متعددة. يعود بعضها إلى كتابتهم نفسها فناً ومحتوى، ويعود بعضها إلى عوامل خارجية. ويمكن للعوامل الخارجية أن تزيد من تسليط الأضواء على كاتب دون آخر، غير أنه من النادر النادر أن يصل كاتب إلى الشهرة إذا كانت كتابته عادية مفتقرة إلى الموهبة. وفيما يخص زيد، لا يهمنا البحث عن الأسباب الخارجية التي لن تلبث أن تنحسر رويداً رويداً، لا سيما بعد أن يتلاشى الانفعال الذي يخلفه الغياب. أما الأسباب المتعلقة بأعماله نفسها، فهي برأيي ستضمن له الحضور المستمر في تاريخ الأدب اليمني، والعربي أيضاً. لقد حمل زيد ضمير الأمة في صراعها مع العبودية والتخلف، وفي سعيها إلى الحرية والتقدم، وهذا يعني أنه سيمس أحاسيسنا ووعينا باستمرار، لأن المعركة مستمرة وإن تغيرت تسميات الأعداء. ولما كانت المعركة واحدة من المحيط إلى الخليج، فإن الرهينة لا تمثل للقارئ العربي حالاً فرداً معزولاً مكاناً وزماناً، بل واقعاً اجتماعياً وسياسياً متفشياً في أرجاء الوطن العربي. وإن نهاية الرهينة بانتقال الرهينة من مرحلة الأسير إلى مرحلة الآبق تمثل الأمل في نهاية وردية للواقع الكابوسي. وظني أن المكانة التي حظي بها زيد لن يزحزحها التقدم المنتظر في الرواية اليمنية، ذلك أن له فضل الريادة، ولأنه كتب بحرارة فائضة جعلت بعض مسلمات النقد الأدبي قليلة الفاعلية في عملية تقييمه. إن الأعمال الأخرى القائمة أو المقبلة، مهما بلغت من التحليل والنضج الفني، لن تستطيع أن تنسينا مواقف إنسانية تنحفر في الوجدان كدفن الدويدار الحالي وسط جو من الحزن العابر الذي انتاب الشريفات المحترمات.
تحية للرهينة،

قديم 03-23-2012, 01:07 AM
المشاركة 323
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
زيد مطيع دماج
السيرة الذاتية
(2000 - 1943)


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة ولد زيد مطيع دمّاج عام 1943 م في عزلة النقيلين، ناحية السياني، لواء إب - اليمن.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةفي 14 مايو 1944م فر والده الشيخ المناضل مطيع بن عبدالله دمّاج من سجن "الشبكة" في تعز إلى عدن وبدأ يكتب مقالاته الشهيرة في صحيفة "فتاة الجزيرة" ضد نظام حكم الإمام يحيى وبنيه وأسس مع رفاقه فيما بعد "حزب الأحرار".نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةتلقى تعليمه الأولي في المعلامة "الكتّاب" مع أقرانه في القرية فحفظ القرآن الكريم وبعد ذلك تولى والده عملية تعليمه وتثقيفه من مكتبته الخاصة التي عاد بها من عدن فقرأ كتب الأدب والتاريخ والسياسة وكان من أهمها "روايات الإسلام" لجرجي زيدان.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةألحقه والده بالمدرسة الأحمدية في تعز وحصل فيها على الشهادة الابتدائية سنة 1957م.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةاستطاع والده بواسطة صديق له إرساله إلى مصر عام 1958م فحصل على الشهادة الإعدادية من مدينة "بني سويف" بصعيد مصر عام 1960م والشهادة الثانوية من مدرسة "المقاصد" بطنطا عام 1963م.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةالتحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة سنة 1964م لكنه تركها بعد سنتين والتحق بكلية الآداب، قسم صحافة، بعد أن برز توجهه الأدبي.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةبدأ يكتب المقالات السياسية وبواكير أعماله القصصية في مجلة "اليمن الجديدة".
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةفي عام 1968م استدعاه والده إلى أرض الوطن، فغادر مصر إلى اليمن للمشاركة في العمل الوطني وبقائه مع والده الذي كان رافضاً التنازل عن أهداف الثورة اليمنية والصلح مع الملكيين. ولم يكمل دراسته لظروف والده الصحية واعتكافه للعمل السياسي.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةتم انتخابه عضواً في مجلس الشورى أول برلمان منتخب في البلاد سنة 1970م عن ناحية السياني وكان رئيساً للجنة الاقتراحات والعرائض وتقصي المظالم.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةفي 14 يناير 1972م رحل والده إلى مثواه الأخير، وكان لذلك أثر كبير في حياته الشخصية والأدبية والسياسية.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةفي يناير 1976م عين محافظاً للواء المحويت وعضواً في مجلس الشعب لفترتين متتاليتين منذ عام 1979م.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةعين وزيراً مفوضاً وقائماً بالأعمال في دولة الكويتعام 1980م.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةفي عام 1982م أنتخب عضواً في اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام ومقرراً للجنة السياسية فيه.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةعضو إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، عضو إتحاد الأدباء والكتاب العرب، عضوإتحاد كتاب آسيا وأفريقيا، سكرتير عام مجلس السلم والتضامن اليمني، عضو مجلس السلم العالمي.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةعين مستشاراً لوزير الخارجية ثم وزيراً مفوضاً في بريطانيا عام 1997م.
صدر له:
1.طاهش الحوبان – مجموعة قصصية صدرت عام 1973م
( الطبعة الثانية 1979م)، (الطبعة الثالثة 1980م).
2.العقربمجموعة قصصية صدرت عام 1982م.
3.الرهينة – رواية (صدرت عام 1984م عن دار الآداب في بيروت)،
(ط2-1988م عن دار الشؤون الثقافية – بغداد
(ط3-1997م عن دار رياض الريس – بيروت)،
(ط4-1999م- مهرجان القراءة للجميع – القاهرة)،
(ط5-2010م- اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين - صنعاء)،
-ترجمت إلى الفرنسية عام 1991م عن دار EDIFRA
-ترجمت إلى الإنجليزية عام 1994م عن دار INTERLINK BOOK
-ترجمت إلى الألمانية عام 1999م
- ترجمت إلى لروسية واليابانية والأسبانية (1988م-2003م).
- ترجمت إلى الهندية عام 2006م
- ترجمت إلى الصربية عام 2007م
-اختيرت ضمن مشروع اليونسكو "كتاب في جريدة" عام 1998م.
-في أوائل 2000م اختيرت من قبل إتحاد الكتاب المصريين واحدة من أفضل مائة رواية عربية في القرن العشرين.

4.الجسرمجموعة قصصية صدرت عام 1986م.
5.أحزان البنت مياسةمجموعة قصصية صدرت عام 1990م.
6.الانبهار والدهشةكتاب سردي من الذاكرة صدر عام 2000م.
7.المدفع الأصفرمجموعة قصصية صدرت عام 2001م.
8.المدرسة الأحمدية – رواية (تحت الطبع).
إلى جانب عدد كبير من المقالات السياسية والإجتماعية التي نشرت في الصحف والمجلات المحلية والعربية وتدرس معظم أعماله الإبداعية في المدارس والجامعات.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةفي 20 مارس 2000م وافته المنية في المستشفى الجامعي MIDDLESEX في لندن عن عمر ناهز السبعة والخمسين عاماً قضاها دفاعاً عن قضايا الإنسان والوطن ومستقبله بعد أن أثرى الساحة اليمنية والعربية بأعمال إبداعية أوصلته إلى العالمية.

قديم 03-23-2012, 10:25 PM
المشاركة 324
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
زيد مطيع دماج وازدواجية الرمز

جونتر أورت


زيد مطيع دماج من أشهر الكتاب اليمنيين وإن لم تشتهر القصة اليمنية المعاصرة كثيرًا على العموم. من أهم أعماله رواية الرهينة التي ترجمت إلى لغتين، والتي تعالج في أحداثها زمن الإمامة اليمنية قبل ثورة 1962، كما أن تركيز الكاتب على فترة ما قبل الثورة اليمنية واضح في كثير من قصصه، حيث أنه يُعتبر "كاتبًا يمنيًا أصيلاً" بسبب اهتمامه الكبير بظلم الإمامة اليمنية وأيضًا لتصويره الأماكن اليمنية القديمة والتقليدية مثل "السمسرة" و"المقهاية" والأسواق الشعبية في العديد من قصصه.
اليمن عند زيد مطيع دماج إذن "كوليس أدبي" متكرر يتحرك أمامه أبطاله القصصيون. وإذا دخلنا في التفاصيل فنرى أن قصص دماج التالية تندرج تحت هذا الصنف، وهي متناثرة في مجموعات طاهش الحوبان، والعقرب، والجسر: "العسكري ذبح الدجاجة"، "بياع من برط"، "ثورة بغلة"، "المجنون"، "الفتى مبخوت"، "بائعة الذرة"، "امرأة"، و"البدة". ولا نتطرق هنا إلى رواية الرهينة، بل سنركز على قصص دماج القصيرة. وفي هذه القصص تظهر موضوعات ظلم الإمامة والإشكاليات الاجتماعية (قصص ناقدة) وقصص رمزية تدور في صنعاء القديمة.
مثال على محتوى بعض هذه القصص:
العسكري ذبح الدجاجة: كان الإمام يرسل جنوده بين الحين والآخر إلى الفلاحين لتحصيل المال، خاصة في المناطق الجنوبية (الشافعية)، وعُرف العساكر بقساوتهم وغطرستهم، وفي هذه القصة يأتي عسكري إلى فلاح فقير ويبتزه ويأكل ويشرب عنده رغم أنفه، كل ذلك بسبب تهمة ملفقة وتافهة هي أن دجاجته نقرت ابن جاره. تكتفي هذه القصة المبكرة بتصوير ظلم السلطات، ولا يحصل تغيير للوضع في القصة، أي لا يحاول أحد الأبطال أن يثور على الوضع القائم.
في إحدى القصص الأخرى يظهر الأمام نفسه، وهو يخادع جزارًا في صنعاء، فيدعي أن ثوره إنسان ممسوخ، ويأخذه منه بهذه الحجة. بل يخادع الشعب كله بزعمه أن "البدة" (الساحرة) مسخت هذا الإنسان، وأنه يجب محاربتها، وهكذا يشغل الناس عن مشاكلهم الحقيقية.
أما قصة بياع من برط فهي تدور حول ابن شيخ قبيلة يحاول أن يتحرر من تقاليد القبائل الضيقة وأن يصبح تاجرًا في المدينة. لكنه لا ينجح في تحرره ذلك، إذ أنه يقع ضحية لثأر إحدى القبائل الأخرى التي قُتل أحد أفرادها، دون أن يكون للبطل علم أو يد بذلك. قانون القبيلة إذن ظل هو الغالب وحال دون التغيير، وإن كان تغييرًا بسيطًا وشخصيًّا لا غير.
وربما كانت قصص صنعاء القديمة (لا سيما "بائعة الذرة" و"امرأة") هي الأكثر غموضًا في عمل دماج، حيث لا نجد هنا حدثًا أو خبرًا واضحًا، إنما يحلق الراوي الذي يتحدث بصيغة الـ(أنا) بأفكاره وعواطفه بعيدًا عن الأماكن التي يصفها. موضوع كل من القصتين هو امرأة يراقبها الراوي من بعيد، يحبها أو يتعلق بها بصورة ما. لكن القصتين غير واقعيتين، والمرأة في "امرأة" تشبه طيفًا أكثر من أن تشبه امرأة حقيقية. والأرجح أن بائعة الذرة ترمز إلى اليمن، فتتحول أخلاقها تدريجيًّا، وتجمع أدوات حديثة حولها، الأمر الذي يسمح بتفسير دورها كرمز لليمن. ولكن لا ينطبق ذلك على "امرأة"، حيث للبطلة هناك جاذبية جنسية تجاه الراوي، وهي نشيطة جنسياً حسب ملاحظاته. ولا تشكل المرأة هنا برأينا إلا خيالات الكاتب، ويصعب العثور على مغزى كبير للأحداث التي تتشعب أحينًا وتهمد أحيانًا أخرى.

قديم 03-23-2012, 10:28 PM
المشاركة 325
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
زيد مطيع دماج: مورخ المشاعر البشرية وعذابها
إبراهيم الجرادي
عندما تقرأ زيد مطيع دماج، قاصاً وروائياً، تستولي عليك الآلية السردية التي تلغي، فوراً، حالة الوهم عند القارئ باستبعاد فكرة الافتراض السردي، فالسرد لديه يحدث شعوراً ضاغطاً بالزمان والمكان، من حيث هما محمولان دراميان لدلالتين دراميتين، وهو في أغلب إنتاجه، يستجر القارئ للاندماج في الزمن المضاد من خلال شخصيات لا تحتمل التأويل، فهو لا يضحي بالخصائص التي تضحي تحدد هوية أبطاله الإنسانية والطبقية.. من حيث هي حيوات مقموعة، مضطهدة، هامشية، تتعرض لظلم مزدوج، ومصائر تصل بها إلى منطقة الغرابة، وتظل تحمل مرموزيتها بنفسها. ألا تحمل [الرهينة] حقيقتين واضحتين في آن واحد: واقعيتها الصارمة، التي تحمل دلالاتها الواقعية من خلال أحداثها المُدركة والمعيشية والمعروفة، ورمزيتها التي تشير لشعب كامل في فترة معتمة من تاريخه؟ ألا نستطيع أن نجعل من [طاهش الحوبان] صفةً، رمزاً، مدلولاً، علامة لجماعته البشرية، وصورة لواقع حالها؟
إن من مزايا أسلوب زيد مطيع دماج تحقيقه شوط الإحساس بالمكان والزمان ومعادلهما الاجتماعي، فهو لا يهيئ بديلاً للواقع، ولا يعطي لأبطاله أدواراً غير أدوارهم الحقيقية، وبذلك يخلق نوعاً من التوازن الضدي لعالمين متضادين مدفوعاً برغبة حقيقية في أن يجعل الاضطهاد أشد وقعاً بجعله علنياً، ولهذا رأى بعضهم في [الرهينة]، وثيقة كشف لا تتستر على القائم، نصاً يعري ويفضح ويفصل في المستور، الذي تتحاشاه قيم المهادنة العربية ودماثة مبدعيها الكاذبة! إن زيد مطيع دماج في سلوكه السردي، يغلب المعيار الخارجي، الموضوعي، التوصيفي، على المعيار الداخلي [السايكلوجي]، - على حد توصيف مندلاو – لأن الأول كاف لشحن طاقة الحدث وتعمير بنيان القص، بما هو أشد تأثيراً، لأنه بالنتيجة النهائية، تحصيل حاصل للضغوط القائمة، المتصارعة، التي تجعلنا نتقبل سلوكيات شخوص السرد من خلال معرفة أفعالها، ودوافعها، وحركتها، وتعرضها المستمر لصور من الاستغلال الروحي والجسدي، تكسب القارئ الفطن وعياً خاصاً متفرداً وتحريضياً، لأن المعيش لا المفترض، هو الدافع، الأساس، في تحديد الزمن الاجتماعي: سلوك الشخصيات، انفعالاتها، رغباتها المقموعة. وهو في تعاقبه يخلق إحساساً عادلاً بتعاطفه مع المصائر البشرية المعذبة.
زيد مطيع دماج يكتب الماضي لا بصفته زمناً عابراً تتداعى وحداته بمقياس الوقت، بقدر ما يستعيده حاضراً ومستقبلاً، كشهادة غير تجريدية أبداً، تحمل توصيفاً لواقع حال فظيع، يستدعي أسباباً مشروعة، لتوثيقه توثيقاً جمالياً، يأخذ ما للتاريخ من دور، حيناً، وما لعلم الاجتماع والسياسة أحياناً أخرى، وفي كل ذلك، يظل نصاً إبداعياً محكوماً بقيم السرد وامتيازاته.
زيد مطيع دماج مؤرخ المشاعر البشرية، مؤرخ المكان في ظلامة أيامه المستشرية بالعذاب الإنساني، والظلم، وفقدان شروط الوجود والسعي لفتح نوافذ البيت المهجور لهواء الحرية والإبداع والأمل.
إن المُبْدَع المرتبط بمصير جماعته البشرية، وثائق جمالية في أرشيف القيم التي لا تموت، وإذا تسنى له مسلكية إنسانية عالية، كما تشير إلى نفسها حياة زيد مطيع دماج، تصبح وثيقة شعب، وشهادة جمالية له وعليه.

قديم 03-23-2012, 10:35 PM
المشاركة 326
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
زيد مطيع دماج

هناك كم هائل من الاوصاف لهذا الكاتب الفذ مثلا "مؤرخ المشاعر البشرية، مؤرخ المكان في ظلامة أيامه المستشرية بالعذاب الإنساني، والظلم، وفقدان شروط الوجود والسعي لفتح نوافذ البيت المهجور لهواء الحرية والإبداع والأمل.".

لكن التعمق في دراسة حياتة تشير الى انه عانى الكثير ويمكن القول دون تردد انها عاش يتما اجتماعيا.
- تم اخفاؤه بعد ولادته كي لا يأخذه السلطان رهينة كما اخذ اخاه الاكبر منه.
- سجن والده ثم هرب من السجن وقت مولده وبقي هو مع امه المشرده لحمايته من جور السلطان.
- سافر وهو طفل للدراسة في مصر زلا بد ان ذلك كان صعبا عليه.

يتيم اجتماعي

قديم 03-23-2012, 10:40 PM
المشاركة 327
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
46- لعبة النسيان محمد برادة المغرب

لعبة النسيان هي رواية لمحمد برادة، صدرت سنة 1987 عن دار الأمان تعتبر من بين أهم أعمال برادة. صنفت في المركز 46 في قائمة أفضل مئة رواية عربية.
موضوعها فقدان إنسان عزيز وغال، وهي الأم، التي تحتل فيه مكانة كبيرة. الرواية تركز على لحظتين مركزيتين في حياة الهادي، الشخصية المحورية في الرواية: الأولى لحظة موت الأمّ: لالّة الغالية، تلك المرأة التي لا تعوّض ولا توصف، والثانية لحظة موت امرأة أخرى هي أول موضوع للحب والشهوة والرغبة المشتعلة: لالة ربيعة. ومناخها النفسي يخيّم عليه التوجّع والتفجّع والضيق والكآبة.

ويمارس الراوي لعبة النسيان، نسيان الآلام والأوجاع، ويدعو إلى استحضار الذكريات والشروع في تشخيص متخيّل للشيء العزيز المفقود والمفتقد.

«لماذا تريد أن تفتح بابا لن يأتيك منه إلا الوجع وصداع الرأس. مع أنك تريد الكتابة عن لعبة النسيان وطرائق تحاشي ما يؤلم النفس"»
نقد

منذ صدورها في طبعتها الأولى سنة 1987، كانت مثار جدل واسع على صفحات الجرائد والمجلات الثقافية ونشرت حولها دراسات جامعية ونقدية كثيرة. وساهم في ذلك اختيارها من طرف وزارة التربية الوطنية المغربية منذ 1995 إلى 2005، لتكون ضمن المؤلفات المقررة على تلاميذ الثانوي.

==

لعبة النسيان لمحمد برادة بين الزمن الضائع والتجريب البوليفوني




- عتـــــــــــبة الجــــــــــــــنـــس:

إن لعبة النسيان هي أول رواية لمحمد برادة، صدرت لأول مرة سنة 1987م عن دار الآمان بالرباط. وقد جنسها الكاتب بعنوان فرعي تعييني"نص روائي". ويعني هذا أن المؤلف رواية مادامت تشخص الذات والموضوع والرواية نفسها. وتتشابك في النص أحداث تخييلية وواقعية متنوعة، وتتناغم تيمات عديدة على إيقاعات درامية حدادية دائرية التركيب إلى جانب تفاعل عدة شخوص رئيسية وثانوية عبر حركية التاريخ وصيرورة الزمن وتناوب الأجيال مابين الاستعمار والاستقلال وما بعد الاستقلال.
وهذه الأحداث المتوجة غير منفصلة عن فضاءاتها الزمكانية التي تنفعل بالشخوص وتفعل فيها ما يمكن أن تفعل تحت ضغوط الجبرية وحتمية الواقع: تأثرا و تأثيرا. ولكن يبقى هذا النص الروائي سيرة ذاتية أو أطبيوغرافيا مادام يرتكز كثيرا على تشخيص الذات ( التذويت)، واستدعاء تاريخها عبر الصيرورة التاريخية، واسترجاع تاريخ الذوات الأخرى المتفاعلة معها؛ وذلك بسبر الموضوع الذي يؤثر فيها.
وخطاب الأطوبيوغرافيا حديث العهد، فقد نظر له الناقد الفرنسي فيليب لوجون. إذ يعرف النص الأوطوبيوغرافي بأنه:" محكي نثري استرجاعي ينصب على الوجود الشخصي لفرد ما، وذلك حينما يتم التركيز أساسا على الحياة الفردية وبالخصوص على تاريخ الشخصية". وهذا التعريف ينطبق إلى حد كبير على نص محمد برادة؛ لأن لعبة النسيان أولا نص سردي نثري ينبني على استرجاع ماضي الشخصية أو الذوات الفردية (الهادي)، في امتدادها الزمني وتعايشها مع الذوات الأخرى سلبا أو إيجابا في مواجهة الموضوع من أجل فهم الحياة الفردية وتاريخها وتفسيرها بما هو خارجي شعوري أو لا شعوري، مع حضور المؤلف المقنع بقناع السارد أو الشخصية ( السارد المشخصن)، كما هو الشأن في الرواية إذ يحضر في صورة ( الهادي) لوجود عدة تماثلات ذهنية ووجدانية واجتماعية بين محمد برادة والهادي ( انتقال الهادي ما بين فاس والرباط والقاهرة وباريس، الدراسة الجامعية، الصحافة، الكتابة السردية كاحتراف....).

- دلالات الروايـــــــــــــــــــــــــة:

تحضر عدة تيمات في هذه الرواية مثل: الحياة والموت والجنس وصراع الذات مع الموضوع والوطن والمكان والطفولة والوطن والنضال والحرية...
ويعتبر الموت أبرز حدث رئيسي في هذه الرواية، فعنه تتفرع الأحداث الدرامية الأخرى وعبره تترابط الإيقاعات والقصص السردية.
ويمكن اعتبار لعبة النسيان رواية استرجاع الزمن الضائع من خلال الشخوص ودورة الحياة والموت عبر الأمكنة والفضاءات المنغلقة والمنفتحة والداخلية والخارجية. وتحضر الأم باعتبارها شخصية رابطة مبئرة ومبأرة، عليها تتجمع الشخوص لتنسج خيوطها السردية لخلق حياتها وموتها. كما أنها تجمع هذه الشخوص لتخلق فيها الحياة والدفء والاستمرارية عبر الصيرورة التاريخية. وهذه الرواية كذلك رواية أجيال ثلاثة مختلفة الطباع والقسمات والرؤى تتحول مع المكان والزمان في تكيفها وصراعها مع الواقع المتميز بين الحماية والاستقلال:

الأجــــــــيال الــــــــــــــثلاثة:

الجيل الثالث الجيل الثاني الجيل الأول
جيل مابعد الاستقلال جيل مابين الاستعمار و الاستقلال جيل الحماية
عزيز- فتاح- نادية سي إبراهيم-لالة نجية- الهدي- الطايع لالة الغالية- سي الطيب- الشريف
وتتضمن رواية لعبة النسيان لمحمد برادة سبعة فصول على النحو التالي:

-1- في البدء كانت الكلمة:
يدور هذا الفصل حول حضور الأم في الدار الكبيرة بفاس وانتقالها إلى الرباط لمساعدة ابنتها التي تزوجها سي إبراهيم في تربية أولادها وتدبير شؤون المنزل وما أحدث وفاتها من أثر على الأبناء والأهل والأقارب و الجيران.

-2- سيد الطيب:
يستنطق هذا الفصل شخصية سيدالطيب العاقر وتناقضاته العديدة، ويحاول تفسيرها بعلل الموضوع ومنسيات الذات. ويرصد الحكي هذه الشخصية في طيبو بتها ودماثة أخلاقها وبعدها الديني والروحي إلى جانب انغماسها في اللذات والشهوات والميل إلى اللهو ولعب الكارطة وتبذير الأموال من أجل التلذذ بمفاتن الجسد.

-3- ما قبل تاريخنا:
يذكر هذا الفصل طفولة الهادي والطايع ومراهقتهما مابين فاس والرباط.


-4- ثم يكبر العالم في أعيننا:

تفكر الرواية في نفسها من خلال فضح اللعبة السردية والحوار مع المتلقي عبر تأسيس ميثاق سردي يشارك فيه المؤلف وراوي الرواة والمتقبل. وتكمن مهمة راوي الرواة في قول الحقيقة والبوح بها وتعرية لاشعور الشخصيات خاصة المشاهد الجنسية الطفولية ( الهادي)، أو الذكورية( واقعة السيد " الضب" الذي اغتصب فتاة المدرسة، وهي ما تزال صغيرة)، كما يتعرض الفصل للزوجين: سي إبراهيم ولالة نجية في تكيفهما مع الواقع وامتدادهما في الحاضر، واستعراض بعض النشرات الإعلامية والإذاعية والصحفية التي أدلى بها راوي الرواة لتشخيص التحولات الطارئة على مغرب الاستقلال وبعد الاستقلال.

-5- قلت وكم يهواك من عاشق:

ينصب هذا الفصل على عدة مشاهد شبقية وجنسية تبين الفلسفة العبثية لشخصية الهادي. هذه الشخصية التي لا تؤمن بالدين وتضعه دائما قاب قوسين، وتعيش حاضرها من خلال اللذة ومغازلة الحياة والثورة على الواقع والتمرد على الكائن.ويستعرض الفصل دفً الأجساد في باريس ( البيضاوية) والقاهرة ومدريد.

-6- زمن آخر:

يعود الهادي إلى فاس لاسترجاع الذكريات والبحث عن الأم في رحيلها ووجودها الحلمي وتأمل المكان وعبقه التاريخي والحضاري. كما يستعرض الفصل الجيل الجديد جيل عزيزوفتاح ونادية عبر حفل زواج عزيز بن سي إبراهيم ولالة نجية، حيث تتغير القيم المثلى وتتحول إلى قيم كمية ومادية، وتبرز كذلك ثورة الشباب على واقع مغرب ما بعد الاستقلال على كافة المستويات. ويشير الفصل إلى صراع راوي الرواة مع المؤلف حول قضايا سياسية واجتماعية لا يريد المؤلف إثباتها لما لها من تأثير سلبي على الراوي وعلى المؤلف نفسه مثل: المناقشة حول سرقة أموال الشعب وتبذير الملايير في الحفلات الخاصة والعامة، وظهور جماعة الملياردية أو التعريض ببعض كبار موظفي الدولة وتصدير فتيات المغرب إلى الخليج أو الخارج لبيع الجسد والحصول على العملة الصعبة والتخفيف من البطالة، ورصد ظاهرة المخدرات وضياع الشباب...
و إذا كان راوي الرواة يتمسك بالسلبي، فإن المؤلف ينصحه بذكر ما هو إيجابي؛ لأن الإيجابيات أكثر من السلبيات. ولكن هذا الحوار بلغ مأزقه عندما لم ينته إلى اتفاق بينهما.

-7- من يذكر منكم أمي:

يحاول الهادي استعادة ذكرى أمه واسترجاع وفاتها من جديد عبر التأملات ليخلق حضورها ويفلسف وجودها، وليتصالح الهادي في الأخير مع الكل، ومع أخيه الطايع الذي قاطعه أمدا طويلا عندما حضر مع أخته ( لالة نجية) وزوجها ( سي إبراهيم) لمواساة الطايع ومشاركته حزنه حول مآل فتاح بسبب نضاله الوطني والحزبي. وكانت " الأم" طيفا حاضرا لجمع الشمل مرة أخرى.


قديم 03-23-2012, 10:46 PM
المشاركة 328
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع ،،


وعليه، فلعبة النسيان تتكون من سبعة فصول تتجاذبها ثنائية الإضاءة والتعتيم. وتتخذ الرواية طابعا واقعيا وذاتيا ووطنيا وفلسفيا. ويمكن إجمال دلالات هذا العمل الإبداعي في المضامين الموالية حسب الفصول السالفة الذكر:
يرسم الكاتب في الفصل الأول( في البدء كانت الأم) صورة مثالية للأم، هي لالة الغالية سيدة الدار الكبيرة بفاس القديمة. وسميت بهذا الاسم؛ لأنها غالية لدى كل الناس ولدى الجيران ونساء الدار بالخصوص لمركزها وأهميتها الاجتماعية ودماثة أخلاقها وطيبوبتها. وهي أم الجميع بلا استثناء. هي أرملة غادرها زوجها قبل الخمسين، تزوجته لالة الغالية وهي صغيرة السن. وكان بعلها يتاجر في الكتان والملف، وربحه وفير؛ بيد أنه ينفق معظمه في الثياب والأكل والتعطر بأحسن العطور، ويكثر من الأفراح والولائم. وكان الزوج من أصل أندلسي استوطنت عائلته فاس منذ القديم. أما أب الغالية فهو فلاح بدوي معروف بالورع والتقوى. ولالة الغالية أم لولدين: الهادي والطايع وبنت أكبرهما سنا( نجية). رفضت الأم الزواج مرة أخرى لتربي أولادها وتعلمهم. ولم يترك لها الزوج سوى قبض كراء البيت والدكان الذي كان أخوها الطيب يأخذ منه ما هو في حاجة إليه دون أن تحتج عليه أو تنتقده في ذلك.
كان وجه لالة الغالية مدورا صبوحا، وبسمته ذكية، وجه ممتلىء بالحياء. إذ تحترم لالة الغالية العادات والتقاليد والشرائع، تكثر من الزيارات وصلات الرحم، طيبة ومؤمنة تزور الأهل والجيران والأقارب والأولياء الصالحين وتتبرك بالأضرحة وتتوسل بالشرفاء، كما أنها تحب كثيرا أولادها وأخاها سي الطيب وأمها العجوز. وهي كثيرة الإحسان والكرم والسخاء، ودودة مع الأهل والآخرين وبشوشة ومواسية وناصحة ومحترمة؛ ولا ننسى كذلك أنها مثال للصبر والتجلد ومواجهة الأمور والمصائب، تحملت مسؤولية الأسرة منذ أن ترملت واعتنت بالتدبير المنزلي، وعلمت ولديها: الطايع والهادي، بينما تكلفت ابنتها نجية بالطبخ والكنس والخياطة.
وكانت الأم كذلك مواسية لجيران الدار الكبيرة حيث أصبحت فيها هي الكل في الكل، وسيدة الدار تعطف على الجميع وتحن عليهم وتنصح النساء وتدعوهن للفطور وقضاء الوقت في الحديث، ولاسيما أمر انتقالها إلى الرباط لتزويج ابنتها نجية ومساعدتها في تربية أولادها وإنجاز الأمور المنزلية بعد اختيارها زوجة من قبل الشاب السوسي بفضل وساطة الشريف الصديق الوفي لزوج لالة الغالية وصديقا مخلصا كذلك للسوسي في الرباط.
وقد شكلت الأم ذكرى عظيمة بالنسبة لابنها الهادي بعد وفاتها إذ لم يعد يطيق الحياة بعد فقدانها؛ لأنها رحم الدفء والأمومة والطفولة والحياة السعيدة. وبعد موتها أصبح يحس الهادي بالاكتئاب والوحدة والضياع والاغتراب الذاتي والمكاني. وصارت مشاهد الأم وذكرياتها تلازم الهادي أينما حل وارتحل، يحس بحضورها وحنينها الخفي ووجودها في حياته. إنها ذلك الطائر النادر والواحة الظليلة. وكانت الأم كذلك نبراسا وضاء ينير حياة نساء الدار الكبيرة، ويدخل عليهن الفرحة والسعادة وحيوية العيش ودفء الطيبوبة. بيد أن وفاة الأم أثر على كل أفراد الدار الكبيرة ومزق القلوب وأثار الأشجان بعد دفنها في التراب لتحضر لديهم في شكل ذكريات ومشاهد واستيهامات وأطياف.
ويتعرض الفصل الثاني لشخصية " سي الطيب "، وهو أخ لالة الغالية، كان يقطن معها الدار الكبيرة، تزوج مرتين: الأولى توفيت وكانت طيبة مع الهادي. ويعد ذلك تزوج من " فاختة" التي جعل الهادي حياتها تعاسة وشقاء، ولم ترتح منه إلا حينما سافر مع أمه إلى الرباط. وسمي سيدالطيب بهذا الاسم لطيبوبته ودماثة أخلاقه. فهو ذو قامة مديدة وجسد ممتلىء ورجل فحل يلبس جلبابا شفافا في الصيف وجلبابين صوفيين خلال الشتاء. وهو عاقر لذلك تبنى ابن أخته لالة الغالية( الهادي) وأحبه كثيرا. وكان سي الطيب مسؤولا عن لالة الغالية. وهو الذي يقبض الكراء ويراعي الأولاد. ومهمته هي الحياكة والإتقان في العمل. وسهراته مابين المساجد وحلقات ترتيل الأمداح النبوية ورياض الجنان للنزهة والاستمتاع والمقاهي للعب الورق والتلذذ بالحياة وعطر الأشياء والأجساد. وقد اشتغل مع ابن الأخت الكبيرة لالة عايشة في تهريب القماش والكتان من الدار البيضاء بعد أن كسدت سوق الحياكة في فترة الحرب. وبعد ذلك صار بائعا للثياب في حانوت ملأها له ابن أخته بحي فاس الجديدة؛ إلا أن سي الطيب أدى به الإفلاس إلى أن يضحي بالربح ورأس المال بسبب مغامراته النسائية خاصة مع المرأة اليهودية المكتنزة التي أنفق عليها كل ما يملكه وجعلته يميل على اللذة وشرب كؤوس المتعة وسهرات الملحون والأندلسي.
ويلاحظ على سلوكيات سي الطيب التناقض؛ إذ يجمع بين عبادة الله وتقواه واللهو والمجون. فإلى جانب الجذبة الصوفية والمروءة ودماثة الأخلاق ومعاملة الجيران الحسنة واتصافه بالكرم والسخاء وحبه الشديد للوطن وميله إلى الفكاهة والنادرة. وكان في المقابل ماجنا ومغامرا يقبل على الحياة مختلسا منها لحظات الزهو بعيدا عن زوجته التي حولت حياته وحيات الهادي إلى جحيم. وبعد أن أخذ يحبو فوق الخمسين عاد إلى البيت وغدا أكثر استقرارا ورجع إلى مهنته الأولى، وجعل يداوم على المسجد وحلقات الذكر والأمداح.ويستدعي في نفس الوقت أصدقاءه للعب الكارطة. ولا يكون في أوج السعادة حتى تحضر أخته لالة الغالية وابنها الهادي لزيارته من الرباط. كل زيارة تكون احتفالا يغمر جميع سكان الدار. وتعترف كل نساء هذه الدار بطيبوبة الرجل ووداعته وملاطفته ومشاكسته لهن، والتوادد مع أولادهن وأزواجهن، ويتعاطف مع الجميع ،ويساعد الكل، ويقاسم جيرانه فرجة التلفزة، ويقدم لهم النصائح والتوجيهات السديدة.
أما الهادي فمكانة الطيب في نفسه كبيرة جدا، إذ أحبه حبا شديدا ولم يحس بهذا الحب إلا بعد وفاة خاله، فكانت وفاته فاجعة مأساوية. وأصبحت صورة " سي الطيب" لا تفارق الهادي، وتحضر مرتبطة دائما بالطفولة والأحلام عبر لحظات التذكر والاسترجاع. فثلاثون سنة مازالت صورة سي الطيب تغرس بطيبويتها في ذاكرة الهادي أروع المشاهد وأعظم المواقف الإنسانية.
وفي الفصل الثالث( ما قبل تاريخنا) يستعيد الهادي ما قبل تاريخه أي ما ورثه منذ طفولته من أحداث وذكريات شكلت تطور حياته الفردية عبر عمليات الاسترجاع والتذكر واستعادة لحظات المدرسة واللعب والمغامرات والمظاهرات. وعلى الرغم من كون الهادي في العقد الثالث من عمره، فهو مازال يتذكر طفولته في فاس أولا، والرباط ثانيا، لايمكن أن يتخلص منها لما تركته من رواسب في لاشعوره وذاكرته الحية؛ لأنها مثل الدم في الشرايين والحضور المستمر في إيقاع الغياب الأمومي.
منذ سنيه الأولى عرف الهادي بالدلال والشيطنة والمشاكسة خاصة عندما تبناه سي الطيب وزوجته الطيبة الأولى لكونهما عاقرين، فاحتضناه وعاملاه بحنان ودفء ودفء العطف ولبيا له كل ما يرغب فيه، وأصبح ولد الدار الكبيرة الأول، فلا يمكن لأحد أن يغضبه أو يزعجه حتى أمه لالة الغالية.
ويتسم الهادي بالوسامة وشعره المدلل ( الفريزي) على عكس أخيه الطايع الذي لم يحظ في أول الأمر بتلك التسريحة الشعرية الإفرنجية الجديدة، وأصبح الهادي مثار إعجاب بنات الدار يحاولن تقبيله واللعب معه. وكم كانت للهادي من مغامرات صبيانية مع بنات الحي ( مثل بنت أحد الفقهاء المتزمتين، وبنات الدار الكبيرة، والبنت الملثمة التي أخذت منه جلابية" لملف" ومغامرات شيطانية في " المسيد" والمدرسة والحومة. وكان يقضي معظم وقته في لعب الكرة أو الصراع مع أبناء الحي والعراك معهم بالأيدي أو الحجارة. وعندما رحل الهادي إلى الرباط حمل ولعه بالعراك والتحدي. لكن سي إبراهيم فرض عليه وعلى أخيه الطايع تربية صارمة تتمثل في العمل والاجتهاد والعبادة. وكان الهادي يقضي أوقاته في المراجعة والقراءة. إذ اطلع على أعمال جورجي زيدان والمنفلوطي والفونس دوديه. ولا ننسى أن نذكر اهتمامه بالشؤون الحزبية وحضور دروس الدين في الجامع الكبير وإعجابه بالفقيه العلامة المدني بالحسني أثناء إلقائه لدروس الحديث وتمكنه من الإلقاء وإفادة الناس. وشارك الهادي مع أخيه الطايع في المظاهرات والإضرابات الوطنية بعد نفي جلالة الملك محمد الخامس إلى مدغشقر وكورسيكا بحماس وطني لا نظير له.
وبعد مرور سنوات الطفولة والمراهقة مازال يتذكر وفاة أمه الثانية زوجة سي الطيب عندما كانت جسدا أبيض يغسل ليوارى في التراب. وكثيرا ما كان إيقاع الجسد أو بياضه الناصع يذكره بالموت ومغسل المرأة الطيبة التي دللته كثيرا كأنه أمه الحقيقية وليست لالة الغالية، ولاسيما أن هذا التذكر ينتابه أثناء قضاء لحظات المتعة الجسدية مع المراة الأجنبية التي لقيها بالمكتبة، وكان حديثها حول العالم الثالث والذي أدى إلى التجاذب الجسدي. وكان هذا الجسد الأبيض يوحي للهادي- الضائع بين الخمرة وشهوة الخطيئة- بالموت وطفولته بفاس بين أحضان سي الطيب وحنان فاس، وسكانها المنشرحين الذين يقضون أوقاتهم في العمل ولعب الكارطة والغناء والمرح والنزهة في الحدائق العمومية. إنها طفولة مدينة الرحم والأمومة والعطاء والسخاء. وهكذا، فمن خلال الجسد والذاكرة تستعاد الطفولة والتاريخ والمراهقة، ويتداخل الحاضر مع الماضي وينجذب الشعور إلى اللاشعور، ويتقاطع العبث مع الوجود الطفو لي والأمومي من خلال ثنائية الموت والحياة.
ويحيل عنوان الفصل الرابع ( ثم يكبر العالم في أعيننا) على التغير الذي طرأ على شخوص الرواية ولاسيما الهادي الذي انتقل من فاس الطفولة، المدينة الرحم أو الواحدة الموحدة إلى الرباط حيث سيكتشف عالما آخر مليئا بالمتناقضات، عالم الأشخاص والأشياء قوامه الاختلاف والتنوع والتعقيد، وبعد ذلك يبدأ الفصل بتمرد السارد أو راوي الرواة على الكاتب، إذ أراد أن يتدخل في السرد ليقوم بمهمة التنسيق والتوجيه والتحكم في دفة السرد وإضاءة الأحداث أو إخفاءها وتعتيمها وتصحيح الأخطاء التي قد يرتكبها الكاتب أو تشويه الصورة التي يريد تزيينها، أي أن راوي الرواة سيتدخل ليفضح اللعبة السردية بكشف ألغاز البناء الروائي والتعددية الأسلوبية ويبرز الجوانب الشعورية واللاشعوريةالتي تنطوي عليها الشخصيات الروائية من خلال الربط الخاص بالعام. وبذلك يفرض راوي الرواة شروطه على الكاتب لمواصلة الحكي عبر التدخل في المسار الحكائي لتقويم الشخصية وفهم أبعادها الذاتية وظروفها الموضوعية.
ومن المواضيع التي تم تسليط الضوء عليها من قبل راوي الرواة " الإغراءات الجنسية" التي كان محورها الهادي الوسيم أثناء طفولته، حيث كان الولدان يلاطفونه خاصة الفتى البقال السوسي بالقرب من الدار الكبيرة، وقصة " الضب" الذي فض بكارة تلميذة عند انصرافها من المدرسة بوحشية وفضاضة. وأصبحت صورة الفتاة العارية راسخة في ذاكرة الهادي تغيب وقتا وتحضر عندما يشاهد الأفلام الإيروسية كالفيلم الياباني بباريس الذي ذكره من خلال مشاهده الشبقية بالضب بعد عشرين سنة.
ومن شخصيات هذا الفصل "سي إبراهيم" الذي يناهز عمره الستين. وهو من مواليد " آيت باها"، لم يدخل المدرسة قط، ولكنه يداوم على الصلاة وارتياد المساجد. قضى سي إبراهيم حياته راعيا في سوس. وبعد سنوات الجفاف والقحط قرر السفر إلى الرباط وذلك بفضل الشريف الذي أقنع أباه ليتركه يرحل بحثا عن العمل والرزق. وقد نزل إبراهيم بالرباط وأقام عند ولد عمه. وأصبح ماسحا للأحذية، وبعد ذلك خادما في مقهى" بار هنريس" قرب محطة القطار. وبعد مدة تعارف سي إبراهيم على الشريف الذي زوجه لالة نجية، المرأة الطيبة الصبورة. وسي إبراهيم رجل مخلص لا يتدخل فيما لا يعنيه وساذج وطيب السريرة. بيد أنه شديد الصرامة في تربية أولاده وتعامله مع أولاد لالة الغالية( الطايع والهادي)، يكثر من النصائح والمواعظ ويتشدد مع النفس قبل الغير. وسي إبراهيم كذلك مثال للتقوى والعمل والجد. وقد اشترى منزلا وبدأ في استثمار مدخراته. وأنجب أحد عشر ولدا وبنتا. وبعد ثلاثين سنة من الدأب والكفاح، انتهى بحياة مستورة وشريفة. يتأقلم فيها مع الواقع على الرغم من المتناقضات وتنوعها المعقد.
هذا وإن سي إبراهيم يثير فضول الهادي والطايع خاصة عندما يقص عليهما سيرته وبطولاته وحكاياته، حيث يجنح كثيرا إلى التخريف والتخييل والتهويل بسبب استرجاعه لأفلام شاهدها أو أحلام منامية أو أحلام اليقظة ليثأر من المعتدي؛ ولكنه واقعي يحس بالعجز والضعف والجبن( مثال: ضربه للأمريكاني بالمطرقة أثناء وجوده بالبار). وهكذا أصبح سي إبراهيم عند أولاده رمزا للصرامة والغموض والدأب والبساطة في الحياة والاقتصاد في المعيشة.
أما عن لالة نجية فهي زوجة سي إبراهيم ابنة لالة الغالية، زوجها الشريف صديق أبيها الوفي من سي إبراهيم وسنها لم يجاوز الخامسة عشرة. ومن خصالها الحياء والخجل والرزانة والتعقل والصبر وطاعة الزوج والسهر على خدمة الأسرة بكل مافيها. وسي إبراهيم يعتني بها ويحرص على تعليم أولادها ومساعدة الطايع والهادي أخوي نجية. وكانت زوجة سي إبراهيم تشبه أمها في الطيبوبة ودماثة الأخلاق والصبر والرحمة والحنان وتدبير شؤون المنزل والإكثار من النسل والعمل على تربيتهم بمساعدة أمها التي لم تأت من فاس إلا لذلك.
ولالة نجية مثال للطف مع نساء الجيران خاصة لالة كنزة وأولادها. ولما انتقلت إلى منزلها الجديد حافظت على ذلك الوصال الحميمي وصلة الرحم وتبادل الزيارات. وكان الهادي يميل كثيرا إلى أخته نجية، إذ ينظر إليها على أنها أم ثانية تحمل قسمات الأم الحقيقية، بله الألفة التي تجمعها منذ الطفولة وحبه العميق لها حبا شعوريا غامضا ودفينا مبعثه طيبوبة الأخت ودماثة أخلاقها وحسن نيتها في الآخرين. وكم كان الهادي منبهرا بصورة أخته العظيمة وفلسفتها في الحياة القائمة على الرضى والقناعة والتضحية و التفاني في خدمة زوجها وأولادها وحب الآخرين.
أما الطايع فلا تختلف طفولته عن طفولة الهادي لاشتراكهما في اللعب والمدرسة والمغامرات والمظاهرات. فإذا كان الهادي مجدا في دراسته، والدليل على ذلك حصوله على شواهد جامعية عليا، فإن الطايع قضى عشرين سنة في النضال الحزبي والنقابي والكفاح الوطني ودافع كثيرا عن شعارات جماهيرية وشعبية. بيد أن هذه السنين التي كرسها الطايع للفعل داخل الميدان لم تعد عليه بالنفع ولا بالانتصار. فقد خان رؤساء الأحزاب والنقابات وأطرها الفاعلة القضية وغازلوا السلطة وضاع المناضلون الصغار. فيالها من نتائج مفجعة!ويالها من حسرة تنخر ذاكرة الطايع الذي ثار على نضاله وأوهامه واقتنع أخيرا بلا جدوى العمل السياسي واختار مهنة التدريس، وتزوج من معلمة كانت تشاركه همومه وآماله وطموحاته المستقبلية. وتخلى عن الماضي والذاكرة الوطنية بمفهومها السلبي، وبدأ في تجربة أخرى بمثابة خلاص حقيقي له من أزماته الذاتية والموضوعية يتمثل في قراءة الإسلام وعبادة الله وأداء الصلاة وانتظار الموت والاهتمام بشؤون المنزل والأولاد.
وكم كان الطايع مختلفا مع الهادي أخيه الصغير الذي أنفق عليه الكثير من أجل أن يتابع دراسته الجامعية على عكس الطايع لم يستكملها. إذ اكتفى بالشهادة الابتدائية لينخرط في العمل ليساعد أمه. وما يتذكر من طفولته حبه لخديجةابنة الجيران، بنت خالته كنزة كما يناديها حيث كانت له معها لحظات رومانسية انتهت بزواجها بفقيه تحت ضغط والدها.
هذا وقد ضحى الطايع بكل شيء من أجل الوطن والصالح العام. وكم كانت خلافاته حادة مع الهادي الأناني والعابث الذي لا يبالي بالدين ولا بفلسفة الزواج، يتكيف مع الواقع بعيدا عن الفعل والنضال. ويرى الهادي أن احتجاجات أخيه الطايع نتاج للفشل والأوهام التي عاش من أجاها دون أن يعرف حقيقة الأمور ويختبر الواقع عن قرب ليكشف زيف الادعاءات ونفاق الشعارات السياسية. وما الدين سوى ملجإ يهرب إليه الطايع لينسى كل شيء ويقطع صلته مع الماضي الدفين.
وتبين تطورات الظروف وتوالي العقود على مدى ثورة الهادي والطايع وتمردهما على الواقع المرير الذي انحرفت فيه القيم والمقاييس وتخلخلت العلاقات الإنسانية، بينما حاول سي إبراهيم ولالة نجية أن يمتصا هذا الواقع وأن يتكيفا معه" كأنهما اسفنجتان، فلا يبدوان على خلاف معه-على حد تعبير الكاتب – ظلا في أحشائه دوما، لكن كأنما عاشا مسورين داخل هذه الدنيا، تحرسها عناية خفية من أن تصيبهما شظايا الألم" .
وينتهي هذا الفصل برصد المتناقضات التي كان يعيشها مغرب السبعينيات على جميع المستويات حيث يحيل على القبضة الحديدية للسلطات الحاكمة والظلم وانعدام العدالة الاجتماعية وعبثية الحياة وترداد الشعارات السياسية الجوفاء وطغيان السلطة ونماء جبروتها على حساب حقوق الشعب وتلذذه بالفقر المدقع وأمله الخائب في صراخه السيزيفي الضائع.
ويستعرض الهادي في الفصل الخامس ( قلت وكم يهواك من عاشق) مراهقاته الشبقية واشتعال لغة الجسد والشهوة من خلال تحريك الذاكرة واستدعاء المشاهد الجنسية والحياة الأبيقورية التي انغمس فيها إلى أخمص قدميه. ثلاثة فضاءات تشكل مسيرة كينونته الوجودية، وهي تتمحور حول العطش الجسدي وإشباعه عبر الارتواء الجنسي وارتشاف خمر النسيان واللذة. وهذه الفضاءات هي: القاهرة ومدريد وباريس. وهي تشكل الخارج أو الفضاءات المفتوحة التي كان فيها الهادي يعاني من الاغتراب الذاتي والمكاني لمواصلة دراساته الجامعية والاسترواح النفسي كذلك.
إنها مشاهد جنسية مرتبطة بفضاءات معينة. وهي فضاءات عاصمية ( القاهرة – مدريد- باريس) إدارية وسياسية. ففي القاهرة ضاجع الهادي امرأة اعتقد أنها ليست جميلة؛ ولكنه وجدها مرعبة في بشاعتها مادامت تضاجع مراهقا ورجلا وسيما. وكان هذا المشهد الجنسي عاديا وطويلا؛ بيد أنه لم يتطور، لذلك تخلص منه الهادي ليبحث عن خياله من جديد في شوارع القاهرة الغاصة.
وفي مدريد يتكرر المشهد الجنسي حيث يتعرف الكاتب على فتاة أو امرأة من باريس، وجهها الأبيض واللثغة المحببة، عندما تتحدث بالعربية تذكر الهادي بالطفولة ومدينة فاس مدينة البدء. وكانت عشيقته سخية، إ ذ جعل الكاتب من بيت إحدى الراهبات مرتعا للصراع الشبقي والارتواء اللحظي وتداخل الجسدين وتشابكهما للتعبير عن العطشين الدفينين بلغة الجنس و الخمرة.
وفي باريس تعرف الكاتب على امرأة مغربية من الدار البيضاء. وهي طالبة جامعية فقدت أمها أثناء مغرب التحولات، ولم تستطع أن تعيش مع زوجة أبيها فاختارت العزلة والقراءة، وجعلها الهادي مطية أفكاره وفلسفاته الوجودية والماركسية والفرويدية، وميدانا للشبقية والتنفيس والتعويض واسترواحا نفسيا خاصة أثناء تواجده طالبا بباريس، وقضى معها حياته البوهيمية العبثية في الاستمتاع والارتواء. وكانت بينهما مراسلات تشخص حبهما والرغبة الدفينة في الإشباع واللذة وتذكر لحظات الانجذاب والتآلف والعناق والانطفاء.وتعبر كل هذه المشاهد عن مدى إحساس الهادي بالوحدة والغربة الذاتية والمكانية أثناء مغادرة الوطن بعد انفصاله عن مركز الطفولة وذاكرة الأمومة. إنه يعيش لحظات الضياع بعيدا عن لحظات الفعل والمسؤولية كالتي عاشها الطايع أخوها. إن الهادي لا يؤمن بهذا الفعل المؤدلج. إنه يبحث عن العلم واقتناص الهوى والفرص لتحقيق ذاته للانغراس في تربة الحياة مادامت تنتهي بالموت. لذا على الإنسان أن يعيش لحظات الحاضر ليحس بوجوده وكينونته.
ويحيل الفصل ما قبل الأخير( زمن آخر) على عودة الهادي إلى فاس عبر الاستذكار والاسترجاع واستدعاء الذاكرة لينقل لنا فضاء المدينة بأبعادها الحضارية والجغرافية والإثنوغرافية. كأن هذا الرسم المنقول صورة إشهارية أو لقطة سياحية. إنه يرسم تقاسيم المدينة ومظاهر العتاقة والأصالة فيها وما طرأ عليها من تمدين وتحديث وتحولات مست القيم والأخلاق والسلوكيات والناس بل الحيوانات كذلك. إذا انتقلت فاس من طابعها الفطري " البريء" الصافي إلى طابع التحديث المادي الاستهلاكي، كما تغيرت المرأة وأصبحت عصرية أكثر، كما تحول الشباب وتهافتوا على الموضات الجديدة المستوردة. فكل شيء تغير في فاس. إنه المكان في تفاعل جدلي مع تغير الزمان. ويستحضر الهادي وطنية فاس وصمودها في وجه الاستعمار وقراءة اللطيف في المساجد والكفاح الوطني ومظاهرات العمال من أجل الاستقلال، ويقارن كل هذا بفاس الحاضر، فاس الشعارات السياسية والأحزاب والبرلمان، بين فاس الصدق والأصالة، وفاس الزيف والكذب، وبين فاس القيم الوطنية والعراقة الحضارية والدينية وفاس التحولات والاستهتار بالقيم والنفاق الاجتماعي والسياسي.ومن الأمثلة على هذه التحولات على فاس الحاضر زواج ابن سي إبراهيم ولالة نجية " عزيز" من سعيدة. فبعد تخرج عزيز من كلية الحقوق، شعبة الاقتصاد، اشتغل في مكتب التسويق والتصدير وبذل جهدا كبيرا في شغله لإرضاء رؤسائه رغبة في الترقي وتحسين أوضاعه المادية. ولم يجد بدا من أن يتزوج من سعيدة الصيدلية من وسط متبرجز، أبوها مدير بنك تجاري لتحقيق التوازن الاقتصادي وتوفير مستقبل مادي زاهر على الرغم من كونها متوسطة الجمال وكبيرة السن. وتم العرس في فاس بدل الدار البيضاء للتقرب من الأهل والجيران والأحباب، وتخلل هذا الحفل مشاهد موسيقية أندلسية ورقصات النساء والرجال معا، واختلاط الذكور مع الإناث.
ومن المواضيع التي انصب حولها الحديث من قبل المدعوين: تزوير الانتخابات والوضعية السياسية المتردية، واستيراد الحبوب بسبب الجفاف، والبطالة وانعدام آفاق المستقبل أمام الجيل الجديد بعد حصولهم على الشواهد العليا، وانعدام التواصل بين الأجيال بصفة عامة، والسمسرة في الصفقات المخصصة للاستثمار الغربي والشرقي في المغرب، والتباين الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء كما يظهر ذلك من خلال افتخار زوجة المحامي بثوبها الجديد ( أنت عمري) الذي يساوي مليونا من الفرنك، وقد جلبه لها من دمشق أثناء دفاعه عن سمسرة استثمارية.
وكان الجدال حادا في الغرفة التي تجمع فيها الجيل الجديد مع الجيل الماضي، حيث فتاح وإدريس ونادية وعبد السلام وطلبة الآداب والحقوق والهندسة والطب. ودار حديثهم حول الواقع المغربي وآفاقه المستقبلية. فإذا كان الجيل الأول قد ارتبط بالماضي والوطن وعاش كالبشر الآخرين، فإن الجيل الجديد يرفض هذا الوطن بسبب الفراغ الذي ينخره، والبطالة التي تأزمه، كما أن مستقبله غامض. لذلك فلا خط يصل بين هذين الجيلين؛ لأن الجيل الأول بماضيه ولا مستقبل ينتظره، والجيل الجديد بلا ماض؛ ولكن بمستقبل. وكانت مقاربات الشباب للمشكل تنطلق إما من رؤية يسارية وإما من رؤية إسلامية كما هو الشأن لدى عبد السلام.
ولم تنته هذه الجدالات السياسية الحادة إلا بحضور العروس إلى الفيلا واستكمال الترتيبات الأخيرة كالأكل والشرب وتصوير العروسين بالفيديو والتجول بهما عبر أزقة المدينة احتراما لتقاليد الزفاف الفاسي.
وينتهي هذا الفصل بحوار حاد بين راوي الرواة والمؤلف، إذ كاد أن يستقل السارد الجريء ليترك المؤلف وحيدا حائرا لا يلوي على شيء، ولا يعرف من أين سيبدأ حكيه وأين سينهيه، ويكون – بالتالي- السؤول الوحيد عن سرده وحكيه. وسبب هذا الصراع هو رغبة راوي الرواة في إخبار القارىء بخلافه مع المؤلف حول عدة قضايا ظاهرة وخفية، ومنها قضية تشطير الزمن إلى زمنين، زمن سي إبراهيم ولالة نجية والطايع والهادي، وزمن فتاح وإدريس ونادية وعبد السلام. بيد أن راوي الرواة يرى أنه زمن واحد يعاش بأوعية مختلفة، وأن الجيل الأول مازال ممتدا في الجيل الثاني، أي أن الماضي مازال حاضرا في الآني، فمن الصعب الفصل بين الماضي والحاضر. فكل واحد يكمل الآخر. ومن الصعب كذلك أن نحدد زمن شخوص الفصول السابقة بفترة معينة ومعظمهم ما يزال في النص حيا يتكلم" وهل يكفي سخطهم على الحاضر لنعلن انفصالهم عن هذا الزمان وناسه، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار معايشتهم لأبنائهم وبناتهم وأقاربهم، لا مجال للتردد، في نظري، إذا أردنا أن نصور الزمن الآخر من أن نفترض الامتداد والتداخل، ومن أن نجعل مظاهر الانقطاع أقل مما قد توحي به الأحداث " الخطيرة" والإحصائيات، وتبدل القيم".
ويقترح راوي الرواة على المؤلف بديلا سرديا هو متابعة تغيرات الشخوص من خلال أقوالهم وتصرفاتهم وأفكارهم بدل تقسيم الزمن إلى زمنين؛ لأن الزمن ديمومة سرمدية واحدة تعاش بقوانين وثوابت خاصة، فما الشخوص سوى كائنات تعاني من وطأة الزمن.
وامتد الخلاف أيضا إلى رغبة المؤلف في قراءة ما بين السطور لهذا الزمن الجديد مثل ( ثراء الملياردية)، والتبذير الكبير في الحفلات العامة والخاصة، والتعرض بكبار موظفي الدولة بسبب الرشوة والاختلاس ،وتصدير الفتيات إلى الخليج وبعض دول أوربا لجلب العملة الصعبة أو ترويجا في الداخل بشرط حصولها على الإجازة والتخصص في الدلك والرقص لإرضاء الزبناء للتخفيف من البطالة، وانحراف الشباب وعيشهم على إيقاع المخدرات. ويطالب راوي الرواة المؤلف بذكر الإيجابيات إلى جانب السلبيات. وما أكثر الإيجابيات في بلاد يقهر فيه الإنسان صباحا ومساء ونهارا وليلا. ويلعن ويسب بلا كرامة ولاشرف. وقد انتهى هذا الخلاف الحاد إلى التراضي بأن يتولى راوي الرواة الفصل المعنون " زمن آخر" بالسرد والرواية.
وفي الفصل الأخير( من يذكر منكم أمي) يحاول الهادي أن يسترجع ذكرى أمه من خلال لعبة الاستدعاء والتذكر والنسيان. تلك الأم التي أنهكها مرض القلب بسبب تحملها لهموم كل الناس. لهذا حاول الهادي أن يتناسى طفولته "الأمومة" من خلال تلذذه بالغربة، ومضاعفة ساعات الشغل والاجتماعات والسهر مع الأصدقاء، والبحث عن اللذة المباحة والمشاهد والصور الدفينة في المخيلة. وكثيرا ما ينهي هذا الحضور الأمومي بتقبيل يد الأم أو وجهها إعلانا لطاعته لها وحبه لها. إن فقدان الأم بالنسبة للهادي ضياع وأيما ضياع. إنه اغتراب وجودي. فالإنسان بلا أم كأنه بلا هوية ولا ماض وبدون حاضر كذلك. الأم هي كل شيء بالنسبة للهادي.
وهذه الأم هي التي كانت وراء تصالح الهادي مع الطايع أثناء اعتقال ابنه فتاح الذي اتهم بالتخريب، وذلك عندما استحضرت لالة نجية صورة أمها لالة الغالية تحثها على اتحاد الإخوة و تصافي القلوب وجمع الشمل، إذ طلبت من سي إبراهيم أن يصحب معها الهادي لزيارة الطايع لمشاركة أحزانه والوقوف معه في هذه الشدة. وفعلا، تم اللقاء الأخوي وعادت المياه إلى مجاريها؛ ليستسلم الهادي لمشاعر الأمومة ومساعدة الأهل والجيران والأقارب نيابة عن أمه لالة الغالية.



قديم 03-23-2012, 10:47 PM
المشاركة 329
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع،،،

-4 – الشــــــــخـــــصـــــــــيات:

تحوي لعبة النسيان عدة شخصيات بعضها رئيسي مثل: لالة الغالية ولالة نجية وسي إبراهيم وسي الطيب والهادي والطايع وعزيز والبعض الآخر ثانوي مثل فتاح ونادية وإدريس والجيران والشريف...
وتتمحور هذه الشخصيات كاها حول شخصية الأم لالة الغالية باعتبارها الرحم والمصدر الأمومي الأصل الذي تفرعت عنه باقي الفروع الأخرى.
ويمكن اختزال هذه الشخصيات في السمات والصفات والوظائف التالية:

الوظائف القيم الأخلاقية الوظائف الاجتماعية الأوصاف الخارجية دلالات اسم العلم الشخصيات
تحمل مسؤولية الأسرة- التدبير المنزلي- مساعدة ومساواة جيران الدار الكبيرة- زيارة الأهل والأقارب والأولياء الصالحين- الانتقال إلى الرباط لتزويج ابنتها ومساعدتها في تربية أولادها والتدبير المنزلي وإعالة أولادها- الوفاة. طيبة- مؤمنة- تصل الرحم- تحب أولادها وأخاها وأمه محسنة- ودودة مع الأهل والجيران والناس- بشوشة مواسية وناصحة ومحترمة لطيفة- ظريفة ومربية صالحة. أرملة مكافحة. وجه مدور صبوح- بسمتها ذكية- وجه ممتلىء- ملثمة تلبس الجلابيب. سميت بهذا الاسم لأنها غالية على الجيران ونساء الدار الكبيرة لمركزها وأهميتها الاجتماعية ودماثة أخلاقهاوطيبوبتها. فهي أم الجميع بلا استثناء. لالة الغالية
مسؤول عن لالة الغالية- إتقان الحياكة- زواجه بفاختة بعد وفاة زوجته الأولى- تبني الهادي- العمل في الدراز سهراته في المساجد وحلقات ترتيل الأمداح – تهريب القماش والكتان- التجارة- الإفلاس- التوبة- الوفاة. محبوب – متناقض في سلوكه- دماثة متناهية – الجمع بين العبادة و والمجون- المروءة- السخاء والكرم. يشتغل في صناعة الحياكة والخياطة ويتاجر في الكتان. قامة مديدة- جسد ممتلىء-فحل- يلبس جلبابا شفافا في الصيف وجلبابين صوفيين خلال الشتاء- عاقر سمي بهذا الاسم لطيبوبته ودماثة أخلاقه سي الطيب
رعي الأغنام بآيت باها- الانتقال إلى الرباط بعد الجفاف- الاشتغال ماسحا للأحذية ونادلا- الزواج بلالة نجية- إنجاب الأولاد- تحمل مسؤولية الإنفاق والتربية الصالحة- شراء منزل بفضل عرق جبينه- حياة مستورة وسعيدة. متدين- ساذج- قانع حامد-متزمت- كثير النصائح- جدي- كريم في اقتصاد – حاج- مستقيم- غامض ودؤوب. كان ماسحا للأحذية ثم صار نادلا في بار هنريس. كان شابا جميلا- ممشوق القامة- عيناه عسليتان- شعر فاحم –ابتسامته لطيفة- يكثر من لبس القمصان البيضاء بدون رقبة- يلبس البابيون الأسود- يركب الدراجة. اسمه يحيل على الطابع الديني سي إبراهيم
الزواج بسي إبراهيم –الانتقال من فاس إلى الرباط- التدبير المنزلي- تربية الأولاد-الاجتماع مع نساء الجيران- الانتقال إلى البيت الجديد- مساعدة إخوتها ومواساتهم- الحرص على صلة الرحم- الفرح بأولادها ولاسيما ابنها عزيز. صبورة خجولة- سابقة لسنها- عاقلة- كريمة- لها خصال أمها- ودودة- طائعة وراضية. امرأة متزوجة من سي إبراهيم، و ربة البيت ومسؤولة عن تدبير المنزل وتربية الأولاد. الخجل والحياء-تضررت صحتها بكثرة الولادة- مبتسمة- وجه بشوش مدور- سمت الوقار يطبعه الحزن- أمية- يهدد المرض عينها اليمنى بعد أن كبرت في السن. اسم يدل على النجاة من العقاب وعلى الإيمان والتضرع والتبتل. لالة نجية
الدراسة في المدارس الحرة- المراهقة والشيطنة – مساعدة الأم أثناء العطل- الإقامة عند سي إبراهيم- إعالة أخيه وأمه- مساعدة الهادي على التعلم- النضال الوطني- الالتحاق بمدرسة حرة معلما – الزواج- إنجاب فتاح- بعد إهماله لأولاده في فترة النضال صار إسلاميا يهتم بأولاده ومنزله. وطني مناضل- حركي دؤوب وعملي- رجل غيور صالح- معلم الابتدائي وسيم- أكبر سنا من الهادي- يتيم- ابن لالة الغالية. دلالة على طاعته لوالدته ولمبادئه التي يؤمن بها الطايع
الدراسة في المدارس الحرة- المراهقة- عيشه مع خاله سي الطيب- الانتقال إلى الرباط- دراساته بالقاهرة وباريس- الصحافة- الانتقال بين الرباط وفاس. مدلل في صغره- مجتهد- متأن- مفتون بالجسد والحب ولذة الحياة- لا يؤمن بالزواج وحياة الاستقرار- ثائر عبثي- أناني- يضع الدين قاب قوسين. صحفي وصاحب شهادة عليا. وسيم- يتيم- غزال- رقيق- أصغر سنا من الطايع- دلالة على مدى هدوئه وكثرة تأملاته وتصرفه بهدوء أثناء حديثه. الهادي

إذا، هناك شخصيات نامية ومتطورة ودينامكية في الرواية مثل: الهادي والطايع وفتاح وسي الطيب، وشخصيات ثابتة ستاتيكية مثل: لالة الغالية ولالة نجية وعزيز وسي إبراهيم. ويلاحظ كذلك أن هناك علاقات تواصلية مختلفة مثل:علاقة العداء وعدم التفاهم بين الهادي والطايع، وبين الهادي وفاختة، وعلاقة حب البنوة أو الأبوة( حب الأولاد للغالية)، أو القرابة( سي الطيب- الأحفاد وحبهم للهادي...)، أو المصاهرة( سي إبراهيم...)، وعلاقة جنس وحب شبقي( الهادي مع القاهرية والمدريدية والبيضاوية في باريس...، وسي الطيب ومغامراته مع المرأة اليهودية التي أودت به إلى الإفلاس...).وهذه الشخصيات من أجيال مختلفة، فهناك جيل الاستعمار( لالة الغالية- سي الطيب- الشريف...)، وجيل الاستقلال( الهادي والطايع ولالة نجية وسي إبراهيم...)، وجيل ما بعد الاستقلال ( فتاح- نادية – سعيدة- إدريس...). وهذه الأجيال مختلفة في مواقفها، فهناك جيل راض على واقعه( الأم- سي الطيب...)، وجيل متوتر ومتردد يتكيف مع الواقع على الرغم من رفضه له، وجيل ثائر وناقم على الواقع خاصة واقع ما بعد الاستقلال بسبب بطالة الخريجين، وتغير القيم واختلاف المنظورات وعدم الإيمان بالوطن الذي لم يحقق للشباب الطموحات والآمال التي يتعلقون بها.
ولعبة النسيان من خلال هذا الوصف الفيزيولوجي والاجتماعي والأخلاقي تبين أن هذا النص الروائي هو نص الشخصيات في تشابكها العائلي واختلافها في المواقف وصراعها مع الموضوع، وامتدادها إلى الماضي عبر الأصول ( لالة الغالية)، والفروع( الهادي- الطايع- سي إبراهيم)، ماداموا حواشي تتشرب من معين الدفء العائلي العريق عبر جدلية الفضاء ( فاس- الرباط- المغرب –الخارج)، والزمن( الاستعمار- الاستقلال- ما بعد الاستقلال).
ويتم نقل هذه الشخصيات وتصويرها وتفسير منظوماتها الذاتية والموضوعية من خلال الامتداد والاسترجاع والتذكر واستدعاء الماضي واستشراف المستقبل واستنطاق الحاضر بوعي جدلي ( فتاح- الأحفاد الجامعيون).
ويمكن أن نصنف شخصيات الرواية إلى شخصيات إشكالية، وشخصيات متصالحة، وشخصيات مندمجة. إن الشخصيات الأولى تحمل قيما أصيلة وتحاول غرسها في مجتمع منحط؛ ولكنها تفشل في زرعها وينتهي بها المآل إلى اليأس والثورة والتمرد كما هو حال الطايع والهادي وفتاح. أما الشخصيات المتصالحة فهي التي تتكيف مع الواقع وتنصهر في بوتقته كيفما كانت الأحوال، يتحكم فيها الوضع والزمن وتحلل الأمور بسذاجة وسطحية، وهي شخصيات سلبية وإشكالية كذلك مادامت تقبل المصالحة والتطبيع مع الواقع السلبي، ومن خير من يمثل هذا الصنف من الشخصيات سي إبراهيم وعزيز. أما الشخصيات المندمجة فهي " تلك التي تبتهج بالحياة، وتعيشها بامتلاء دونما إحساس بشرخ في كينونتها"، وندرج ضمن هذا المحور الأم وسيد الطيب.
ويمكن اقتراح تصنيف آخر للشخصيات من خلال البعد السوسيولوجي. فهناك:
1- شخصيات الوعي الممكن( الطايع- الهادي- فتاح)، حيث تستحضر الذوات المستقبل، وتستشرف غدا أفضل من خلال الرفض للواقع السائد والموضوع الكائن عبر التمرد واليأس والنضال النظري والعملي.
2- شخصيات الوعي الكائن، وهو وعي سائد، قد يكون زائفا ومغلوطا، ويمثل هذا الوعي: الأم، لالة نجية، سي إبراهيم، سيد الطيب، فالوعي الأول إيجابي، والثاني وعي سلبي
5- الوصـــــف فـــــي الروايـــة:

التجأ محمد برادة في لعبة النسيان إلى تقنية الوصف أثناء تعطيل الزمن والوقفات لتشخيص الفضاءات ووصفها كما فعل عندما وصف فاس البالي والدار الكبيرة إلى جانب وصف الشخصيات من خلال أبعادها الفزيولوجية ووظائفها الاجتماعية وإنجازاتها السردية وقيمها السيكولوجية. ويؤثث هذا الوصف الفضاء ويقدم الشخصيات ويعرض الإطار العام الذي يرسم البرامج السردية سواء أكانت سطحية أم عميقة. ويغلب على هذا الوصف الطابع الواقعي والنظرة الإثنوغرافية السياحية خاصة عندما يصف الكاتب فاس البالي والدار الكبيرة وحفلة زفاف عزيز على غرار وصف عبد الكريم غلاب في دفنا الماضي والمعلم علي. ويستند الكاتب في وصفه إلى التطويل المعتدل دون الإسهاب في ذكر النعوت والصفات والأوصاف التفريعية، بل يكتفي بما هو عام دون ما هو خاص وجزئي ولا يبالغ في التطويل كما عند فلوبير في ( مدام بوفاري)، أو بلزاك في رواياته الواقعية أو زولا في جيرمينال؛ بل يكتفي بلوحة وصفية لا تتعدى صفحة واحدة إلى صفحتين، لينتقل من السرد الوصفي إلى المشاهد الدرامية والخطاب المعروض أو الذاتي.
والوصف غالبا ما ينصب على الشخوص والأشياء والأمكنة والوسائل، ويحضر في الرواية كثيرا وصف الشخصيات بأبعادها الداخلية والخارجية( الأم- سي إبراهيم- سيد الطيب- لالة نجية- الهادي- الطايع...)، ووصف الفضاءات بهندساتها المكانية وقيمها الإنسانية( فاس- الرباط- فيلا العرس- المقهى الذي يشتغل فيه سي إبراهيم......- الدار الكبيرة....). ولم يقتصر الوصف هنا على التزيين وتأثيث الديكور، بل هو وصف دلالي ووظيفي وخلاق؛ لأنه يوحي بدلالات عديدة ومعان شتى.

6- الفضــــــــــاء الروائــــــــــــي:

تدور أحداث الرواية في فضائين متقابلين داخليا: فضاء فاس وهو فضاء حميمي عريق في أصالته مرتبط بلالة الغالية، إثنوغرافي بعاداته ومعماريته خاصة فاس القديمة بدروبها وسكانها وحيواناتها وحرفها مع التمدين الحداثي في فاس الجديدة. ارتبطت شخوص الرواية بفاس الأصالة التي تمثل الأم الغالية وطيبوبتها وميلادها الحقيقي وميلاد أولادها ( الطايع- الهادي- نجية). إن فاس هي الزمن الضائع والرحم الأصل والبداية والنهاية، لتتم الرحلة إلى الرباط حيث لالة نجية، إنه فضاء التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وإذا كانت معظم الشخوص المحورية ارتبطت بهذين الفضاءين الداخليين، فإن الهادي قد انفتح على فضاءات خارجية مثل: القاهرة وباريس ومدريد.
ولقد أسهب الكاتب في وصف فاس القديمة مستعرضا قسماتها الفسيفسائية ومظاهرها البانورامية وأشكالها السياحية على طريقة عبد الكريم غلاب في دفنا الماضي على عكس عز الدين التازي الذي اعتبرها مباءة وموت ونهاية وجودية وعبثية. فإذا كان الكاتب قد ركز كثيرا على وصف فاس محاولا استرجاع ذكرياتها وذكريات الأم، فإن الرباط لم يكن إلا فضاء عابرا؛ لأنه لا يؤشر سوى على الهروب والتحول الرجولي. ويزاوج الكاتب في نقله للفضاء بين الطريقة الكلاسيكية في الإسهاب الوصفي الواقعي والطريقة التي تبنتها الرواية الجديدة في العبور السريع على المكان للتركيز على الأشياء بدل الأفضية وما يمت بصلة إلى الإنسان.
وتخضر( الدار الكبيرة) بفضائها العريق في الرواية لتبين الطابع الإنساني والعائلي الذي يملأ هذه الدار بوجود لالة الغالية ولتحيل على فضاء الطيبوبة والأصالة على عكس الرباط التي تحضر بفضاءات المقاهي والشوارع الحزينة ووجوه المستعمرين وقساوة الحياة والظروف المادية الصعبة. ويغلب علىهذه الفضاءات الطابع الحزين والروح الجنائزية وشبح الموت بوفاة الأم. فإن قارىء( لعبة النسيان) الذي ليس" من الضروري أن يكون قد عاش- يقول أحمد اليابوري- أو تعرف مباشرة، على مثل تلك الدار الفاسية، يشعر بالوحشة خاصة عندما يتتبع التفصيلات المتصلة بالأبواب الثلاثة التي يفضي بعضها إلى بعض، والتي تذكرنا بنماذج من ( ألف ليلة وليلة) حيث لايتم الوصول إلى الكنز إلا بعد اختراق عدد من الأبواب والممرات والمتاهات. غير أن ما يحد من هذه الوحشة بل ويكاد يلغيها، هو حضور الأم ( الكنز)، كعلامة إنسانية مشرقة دافئة وسط عالم الأشياء والأشكال، من هنا طابعها الرمزي، بل و الأسطوري من منظور دلالة الفضاء العتيق: في هذه الدار أشياء كثيرة، لكن أهم ما فيها الأم"
ويتخلل هذه الأفضية لونان بصريان هما: الأبيض ( الوفاة/ الموت)، والسواد( الحياة بمتناقضاتها وصراعاتها السيزيفية)، إنها لعبة الألوان " التي تمثل مجال الصراع الذي يعيشه البطل بين الماضي والحاضر، بين المثل وإرغامات المعيش. وتلتقي نهاية هذه اللعبة على مستوى الألوان بنهاية اللعبة على المستوى الروائي، في محاولة اقتناص اللحظة البدئية خارج ثنائية الأسود والبض، الواقع والحلم" .
ويمكن تخطيط الفضاءات على الشكل التالي:

الفضـــــــــــــــــــــــــاءات
الفضـــــــــــاءات الخارجية الفضــــــاءات الداخلية
مدريد باريس القاهرة الدار البيضاء الرباط فاس
هذه الفــــــــضاءات مرتبطة بالهادي فضاء تهريب البضائع فضاء لالة نجية فضاء لالة الغالية
فضاءات العلم والجــــــنس
فضاء الدفء الحميمي
فضاء الغربة والـــــضياع
فضاء الوجود

في الفضاءالداخلي نجد امتدادا عائليا وتواصلا أموميا إذ تترابط فاس والرباط قرابة ومصاهرة من خلال الأم ( لالة الغالية ولالة نجية)، فالأم حاضرة في هذين الفضائين؛ لأن نجية تشبه أمها في خصالها، كأن البنت هي الأم، والعكس صحيح. بينما الفضاء الخارجي يعبر عن ضياع الهادي وغربته الداخلية والمكانية بحثا عن الجد والعلم ومفاتن الغواية.
وتتناقض الفضاءات كذلك، فهناك فضاءات دينية ( ضريح مولاي إدريس- المساجد- جامع القرويين- أماكن الجذبة الصوفية...)، وفضاءات اللهو( مقاهي لعب الكارطة)، والمجون( البار.....)، وفضاءات عريقة( زقق ودروب فاس القديمة)، وفضاءات مدنية حديثة مرتبطة بالتهريب والاستعمار والحداثة( فاس الجديدة- الرباط...)، وجدلية المدينة والبادية، وفضاء المستعمرين وفضاء المغاربة.
ويلعب المكان دورا مهما على مستوى الذاكرة والحلم واسترجاع الزمن الضائع واستعادة حضور الأم ووفاتها. ففاس هي المكان المحوري في الرواية؛ لأنها ترتبط بالمهد الأمومي.
هذا ولقد اعتمدت لعبة النسيان في قسمها الأول " المرتبط بما قبيل الاستقلال، على الاستذكار الطفولي للمكان، لذلك بقي اتساعه محدودا وأبعاده ضيقة(...) إن ما يميز الفضاءات في القسم الثاني من الرواية- قسم ما بعد الاستقلال- هو تمزقها المادي وانعزالها عن بعضها البعض، بحيث تفقد المسافات الواصلة بين الأجزاء المكانية. هذا يعطي الانطباع بتشتت أحداث الرواية وبقفزات غير محسوبة. ولكن حين يدرك القارىء أن الفضاءات هنا هي ماديا فضاءات شكلية صورية غير مقصودة لذاتها مباشرة أو ضمنيا، وحين يدرك أنها فضاءات اجتماعية ونفسية ووجدانية سواء في رموزها المادية أو علاماتها، فنكاد نلمس تلك الأبعاد الاجتماعية والنفسية والوجدانية بحواسنا دون أن نتأمل ونعمق التفكير كثيرا..." .
وتبرز في الرواية فضاءات علوية ( طبقات الدار الكبير)، وفضاءات سفلية، أو الفوق والتحت من خلال تواصل عاطفي وإنساني. كما ترصد الرواية فضاءات أخرى مثل:
1- الفضاء الطبيعي( جنانات/ الحدائق....)؛
2- الفضاء الديني: ( المساجد/ الجوامع/ الأضرحة/ الزوايا...)؛
3- الفضاء السياسي: ( الحزب/ النقابة....)؛
4- فضاء البرجزة: ( فاس الجديدة/ الدار البيضاء...)؛
5- فضاء العتبة ( السجن/المعتقلات...)؛
6- فضاء الغربة والضياع ( القاهرة/ مدريد/ باريس..)؛
7- فضاء الأصالة والقيم العريقة ( البادية/ فاس القديمة...).



قديم 03-23-2012, 10:49 PM
المشاركة 330
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع،،

7- المنــــظور الســـــــردي:

على مستوىالرؤية تنبني الرواية على تعدد السراد والأصوات والضمائر والمنظورات. فكل قصة نووية يسردها سراد مختلفون، كل سارد له رؤيته الخاصة إلى زاوية الموضوع، أي أن المؤلف أعطى للشخوص الحرية والديمقراطية في التعبير عن وجهات نظرها دون تدخل للمؤلف لترجيح موقف على آخر، بل ترك كل شخص يدلي برأيه وبمنظوره تجاه الحدث والموقف، يعبر عن نظره وإيديولوجيته بكل صراحة دون زيف أو تغيير لكلامه. لذلك وجدنا القصة تروى من خلال عدة منظورات متناقضة. ويلاحظ أن هناك عدة قصص نووية صغرى وحكايات مترابطة فيما بينها من خلال قصتي الهادي والأم باعتبارهما شخصيتين محوريتين في الرواية. وكل قصة تروى من عدة سراد أو رواة لإضفاء الموضوعية على الحكي وتوفير قدرا ما من الديمقراطية في التعبير من خلال جدلية المواقف والإيديولوجيات والمنظورات الفلسفية والواقعية، فالهادي مثلا يختلف عن الطايع، فيذكر الكاتب بكل حياد وموضوعية مبرراتهما ويترك للقارىء يحكم على الشخوص ومن له وجهة نظر أرجح من الأخرى، أي يترك للمتقبل أن يرجح آراء الشخوص من خلال رجحان الأدلة والمواقف وطبيعتها الواقعية وابتعادها عن الرومانسية والمثالية.
ونستشف من خلال الرؤية السردية التواتر التكراري، إذ يهيمن السرد المكرر بكثرة، وهو أن يروي أكثر من مرة ما حدث مرة واحدة. فأحداث الرواية تروى مرات عديدة بصيغ مختلفة أو متماثلة. ويكشف الكاتب في روايته عن اللعبة السردية من خلال صراع المؤلف مع راوي الرواة واستحضار القارىء لمناقشة الميثاق السردي. ومن ثم يمكن القول: إن الرواية لعبة النسيان تطبيق لآراء محمد برادة النقدية، خاصة أنها أي الرواية نموذج عربي للرواية البوليفونية القائمة على تعدد الأصوات والمنظورات والرؤى الإيديولوجية حيث يختار القارىء وجهة نظر الشخص الذي يميل إليه. وهكذا يتقاطع الإبداع مع النقد في الرواية والأطوبيوغرافيا مع البوليفونية الباختينية.
وينتج عن كثرة المحافل السردية" تعدد الضمائر النحوية وتنوع وجهات النظر وتضاربها وبروز طابع النسبية الذي يصبح صفة ملازمة للأفكار والمواقف؛ ثم نجد المؤلف نفسه يدخل في حوار مع السارد الرئيسي فيتحول، نتيجة لذلك، إلى شخصية روائية، إلى صوت سردي بين باقي الأصوات. ويتم ذلك الحوار في إطار الاختلاف، وحتى عندما يبرز ظاهريا نوعا من التطابق، فإنه يكون منطويا على عناصر تمت إلى السخرية بصلة".
ومن الضمائر السردية التي ينتقل عبرها الكاتب هي ضمير المتكلم وضمير المخاطب وضمير الغياب، فرديا وجماعيا. وهذا ينم عن مدى التنوع والاختلاف وتعدد الزوايا والمنظورات، وبالتالي، فالكاتب يؤمن بالحوارية والاختلاف.
ويعمد الكاتب إلى مزج الرؤية الخلفية بالرؤية المصاحبة، إذ السارد في الرؤية الأولى يشرف على السراد ويقوم بالتنسيق بينهم ويترك لهم فرصة التعبير ويعطيهم حرية الإدلاء بآرائهم وقناعاتهم ومواقفهم الإيديولوجية. وعلى الرغم من معرفته الواسعة بالشخصيات فإنه يلتزم الحياد وينزل إلى درجة الصفر ليمسك بخيوط السرد: توجيها وتوزيعا.كما يتحكم في توجيه دفة الأحداث والوقائع وترتيب الاستيهامات والأحلام. وفي كثير من الأحيان يثور هذا السارد على المؤلف ليصحح كثيرا من الأحداث المشوهة أو المزينة: إيحاء وتمويها. وكما تقوم الشخصيات – من خلال الرؤية الثانية- بسرد حكاياتها مستعملة ضمير المتكلم الفردي أو الجماعي مستبطنة الذات والموضوع معا عبر عمليات الاسترجاع والتداعي والتذكر الشعوري واللاشعوري.
وتتجلى الرؤية من الخلف عندما يتحدث السارد عن الأم في الدار الكبيرة وسيد الطيب والهادي في طفولته ومراهقته وحفل زواج عزيز، بينما تهيمن الرؤية "مع" في الفصول والقصص الأخرى. وهذا يعني أن الرؤية الداخلية/ الذاتية أكثر هيمنة من الرؤية الخلفية الكلاسيكية. ومن ثم، فالرواية ذات تبئيرين: داخلي وخارجي. وتقترب من الرواية المنولوجية عندما تستبطن الذات والموضوع من خلال المنولوج الداخلي والرؤية المصاحبة، في نفس الوقت تمتح من النسق الكلاسيكي عندما يحضر السارد العارف بكل شيء.وهذا يعني كذلك حضور السرد الداخلي والسرد الخارجي. وحضور السارد لاشخصي ( الكلاسيكي)، والسارد المشخصن أو السارد التطابقي إذ يصبح السارد شخصية رئيسية ( الهادي/ الطايع/ سي إبراهيم)، أو شخصية ثانوية( كنزة تتحدث عن لالة نجية، ونساء الدار الكبيرة يتحدثن عم الأم لالة الغالية)، أو دور شاهد على الأحداث.

8- بـــــــنـــــــــية الزمــــــــــن:

إن الزمن في لعبة النسيان دائري وهابط؛ لأن السرد قائم على استرجاع الزمن الضائع واستعادة ذكرى وفاة الأم باعتبارها الشخصية المحورية، وهذا يدل على مدى انزياح الرواية زمنيا عن النسق الزمن الكلاسيكي حيث يتحرك الزمن من الحاضر وهو صاعد نحو المستقبل. ويلاحظ أن الرواية عبارة عن قصص نووية مستقلة بمفردها ولوحات سردية منفصلة على الرغم من كونها تترابط بنيويا من خلال شجرة العائلة: قرابة ومصاهرة. وتحضر النصوص النقدية المتعلقة بالتفكير في الرواية وكيفية تشخيصها ذاتيا من خلال فضح أسرار اللعبة السردية لتبين الانفصال الموجود بين الإبداع والنقد المقتحم ليحضر القارىء قصد إبلاغه بتقنيات الرواية ومنظوراتها السردية وطريقة أسلبتها.
إن الرواية- إذا- متخلخلة من حيث البناء والتركيب والزمن، فلا نجد الخط الكرونولوجي، بل نجد أحداثا دائرية تستعاد عن طريق الفلاش باك أو التذكر عبر العودة إلى الماضي بحثا عن الأصول والجذور وتحولاتها في الحاضر وامتدادها في المستقبل من خلال الفروع والحواشي. إذا، هناك تكسير لعمودية السرد عبر الاسترجاع والبناء الدائري؛ لأن الرواية تبدأ بالموت وتنتهي به كذلك.
وعلى الرغم من تفكك الرواية على قصص صغرى وحكايات نووية تسردها الشخصيات المشخصة أو الساردة فإن الرواية مترابطة من خلال اتساقها وانسجامها الداخلي/ البنيوي لأنها تصب كلها في قصة لالة الغالية باعتبارها الأم المثالية، أو التاريخ العريق، والوطن بكل دفء وأمومة. فالأم حاضرة في هذه القصص كلها من خلال الاستدعاء والامتداد والتماثل والتطابق والتضمن. وبالتالي، فوفاتها تشكل البؤرة الدلالية الكبرى للرواية التي استحثت التيمات والشخوص الأخرى لتوليد الخطابات السردية حولها في شكل اعترافات ومذكرات وتعليقات وشهادات. وهكذا، فلعبة النسيان هي رواية الفقدان والنسيان والسلوان واستعادة الزمن الضائع.
وينحرف الزمن في الرواية إلى الماضي أكثر من انحرافه نحو استشراف المستقبل؛ لأن الرواية هي رواية التاريخ واستعادة الذات لزمنها في صيرورتها الموضوعية، ويمكن أن نختزل سرعة الزمن وبطئه في الخطاطة التوضيحية:

زمن الروايـــــــــــــة بين السرعـــــــــة والبـــــــــــــــطء
إبطاء الزمـــــــــــــــــــن تسريع الزمــــــــــــــــــن
المشاهد الدرامية الوقفات الوصفية الحذف التلخيص
المشهد فرد فترة زمنية قصيرة على مقطع طويل يتوقف الزمن كاملا عندما يسير النص دون أي حركة زمنية ( الوصف) يمر الكاتب على مدة دون ذكرها في النص ضغط فترة زمنية طويلة في مقطع نصي قصير
- مشهد المظاهرة ص: 37- 38

- مشهد سي إبراهيم مع الأمريكاني ص59
- مشهد الطايع مع ابنة الجيران خديجة ص74 1- وصف الدار الكبيرة5-6
- وصف الهادي لمدرسة المسيد
- وصف مسابقة الجمالص81-83
- وصف فاس القديمة ص:97
- وصف حفلة عزيز ص:104 " ثلاثون سنة منذ أن رحلت عنك وعن الدار الكبيرة" ص24
" تخطى العقد الثالث من عمره، ومع ذلك يبدو ممتلئا بطفولته" ص29 " تدخل الحرب عامها الثالث والزوجة الملاك تختفي، وتنذر الأحوال بالبؤس والنكد."17
" في ليالي الصيف تزهو سطوح فاس"ص30
من خلالهذا الجدول نلاحظ أن الكاتب يستفيد من تقنيات الرواية الجديدة ومن تقنيات الرواية الكلاسيكية كذلك، مع العلم أن الزمن لدى الكاتب يتسم بالتشظي والإرصاد والخلخلة في البناء على الرغم من وجود الانسجام العضوي والاتساق البنيوي.
يستند الكاتب في الرواية إلى توظيف الوقفات الوصفية لتقديم الشخصيات الرئيسية وتصوير الفضاء الذي يؤطر الأحداث ويؤثثها، وتستغرق هذه الوقفات مساحات نصية كبيرة مما يتعطل معها الزمن لتشويق القارىء وخلق الجو النفسي لمعايشة الحدث وتصور الاحتمالات الفنية الممكنة.
ويقترب محمد برادة في مقاطعه الوصفية من عبد الكريم غلاب في دفنا الماضي والمعلم علي، إذ تغلب الرؤية الإثنوغرافية والسياحية على تقديم المقاطع الوصفية، خاصة وصف فاس البالي، وحفلة عرس عزيز في فاس الجديدة.
ويتسم هذا الوصف بالطابع الواقعي؛ لكن نفس محمد برادة ليس طويلا ومسهبا مثل نفس بلزاك أو نجيب محفوظ أو عبد الكريم غلاب الذي يستغرق صفحات طويلة، بل يتسم الوصف بالإيجازوالتلميح والإيحاء والاختزال والتكثيف. وتحضر المشاهد الدرامية بكثرة خاصة مشهد " واقعة الضب"، والمشاهد الجنسية المتعلقة بالهادي والمشاهد الغرامية المتعلقة كذلك بالطايع، إنها مشاهد درامية مشحونة بالتوتر والصراع واختلاف وجهات النظر والرؤى الفلسفية العميقة والبعد المأساوي( كمشهد جنازة الأم / أو زوجة سيد الطيب....).
وإذا كان التلخيص يعمد إلى حذف ما لا قيمة له، فإن المشاهد عبارة عن مقاطع تمثيلية لها أهمية كبرى في تأزيم الرواية وشحنها بالصراع الدرامي.
ولا يعمد الكاتب إلى البطء الزمني من خلال الوقفة والمشهد المسرحي، بل يلتجىء كذلك على تسريع الزمن من خلال التلخيص عبر المرور السريع على فترات زمنية طويلة لا جدوى من ذكر أحداثها؛ لأنها لا تضيف أي جديد على بناء الرواية وتوتر إيقاعها النسقي، كما يكثر من الحذف الزمني لخلق الثغرات الظاهرة والضمنية رغبة في الدخول في الأحداث مباشرة وتسهيل الانتقال من مقطع إلى آخر أو المرور من حدث إلى حدث آخر أو من فترة زمنية إلى أخرى مستغنيا عن الأحداث التي لا قيمة لها.
أما عن التواتر فهي قضية أسلوبية عند البعض، وزمنية عند البعض الآخر كجيرار جنيت، والمقصود بالتواتر هومجموع علاقات التكرار بين النص والحكاية، ومن صور هذا التواتر في ( لعبة النسيان)، نجد:

أمثلته تعريفه أنواع التواتر
" يستيقظ ( سي الطيب) باكرا كل يوم. يرتدي جلبابا شفافا في الصيفن وجلبابين صوفيين خلال فصل الشتاء، يحرص على ضبط حركاته حتى لا يوقظ سكان الدار الكبيرة"ص15.
فالسارد في هذا المقطع يروي مرة واحدة ما يقوم به سي الطيب مرات عديدة وما يلبسه صيفا وشتاء، وكيف يتصرف داخل الدار الكبيرة. وهو أن يروي مرة واحدة ما حدث أكثر من مرة السرد المؤلف
حدث وفاة الأم روي أكثر من مرة من قبل نساء الدار الكبيرة والهادي وراوي الرواة. أن يروي أكثر من مرة ما حدث مرة واحدة السرد المكرر
" تلتفت نحوي وأنت تضحك من خلل هسهسة تكتم الصوت مغمضا عينيك، مسرورا بأن تشاكسني..." ص25.
فالسارد يروي مرة واحدة ما حدث بين الهادي وسي الطيب. وهو أن يروي مرة واحدة ما حدث مرة واحدة، وهذا النوع من التواتر هو أكثر شيوعا واستعمالا في النصوص القصصية والروائية السرد المفرد

أما عن زمن القصة فتتجاذبه ثلاث مراحل:
1/ مرحلة الحماية وخاصة مرحلة الحرب العالمية الثانية وما عقبها من تحولات سياسية واجتماعية.
2/ مرحلة الاستقلال والنضال الوطني والاجتماعي والسياسي والنقابي والحزبي.
3/ مرحلة ما بعد الاستقلال، مرحلة إحباط الشباب وبطالة الخرجين والفساد السياسي والإداري.
تمتد الرواية بأحداثها إلى الثلاثينيات من هذا القرن بداية باحتلال تافيلالت( 1933)، ونشوب الحرب العالمية الثانية وإعجاب المغاربة بألمانيا وهتلر لانتصارهم لطرد فرنسا من المغرب على جانب مطالبة المغاربة بالاستقلال بعد انتهاء الحرب مما أدى ذلك إلى الاحتجاجات والمظاهرات والاعتقالات وقتل الوطنيين واعتقالهم في السجون والمنافي، وتخلص الفدائيين من خونة البلاد والبياعة، والإشارة إلى نفي السلطان إلى مدغشقر وجزيرة كورسيكا، والتحولات التي فرضتها مرحلة الاستقلال من خيبة الأمل وصدمة الشعب فيما كان يأمل فيه بسبب التطاحنات الحزبية والنقابية وخواء جوهر الشعارات والوعود، مما تشير الرواية إلى عدة انتكاسات و اغترابات ذاتية ومكانية( الطايع / الهادي)، إلى جانب ثورة الشباب ( فتاح / نادية/ إدريس...)، الخريج من الجامعات على وطنهم وتنكرهم للعاطفة الوطنية بسبب عدم إيمانهم بما هو كائن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وظهور المصالح والرشوة وتفشيها بين الموظفين الكبار وظهور كذلك للملياردية الذين يخونون وطنهم ويستنزفون الأموال العامة ويستغلون مناصبهم من أجل غد العيش، كما تشير الرواية إلى تعامل الناس أثناء الحماية بالبون وغلاء السكر في الاستقلال وتعويضه بالتمر، وتكليف الجيش السينيغالي للقضاء على كل ثورة أو تمرد جماهيري إبان الاحتلال الفرنسي، وبؤس أحوال المجتمع أثناء الحرب العالمية الثانية التي قضت على كل أخضر ويابس.
أما عن زمن الكتابة فهو زمن الثمانينيات ( 1987) الذي يحيل على الأزمة الخانقة المعروفة في المغرب على جميع المستويات سواء أكانت اجتماعية أم اقتصادية أم سياسية أم ثقافية؛ بسبب دخول المغرب في حرب الصحراء وارتفاع أسعار البترول وتكلفة التسليح الغالية وارتفاع الديون وشروط صندوق النقد والبنك الدولي وضرورة نهج سياسة التقويم الهيكلي التي تضحي بما هو اجتماعي لما هو إنتاجي واستثماري. وهذه الظروف التي هيمن فيها اليمين على اليسار إلى جانب الانتفاضات الشكلية والفساد الإداري والسياسي وانعدام حقوق الإنسان، كل هذه العوامل كانت حاضرة في مخيلة محمد برادة وهو يكتب هذه الرواية ليرصد تاريخ الأجيال والشخوص والأمكنة من خلال استقراء داخلي وخارجي لجيل الاستعمار والاستقلال وما بعد الاستقلال، ليضع كل هذا في بوتقة إبداعية فنية يتداخل فيها الوصف النقدي والإبداع الأطبيوغرافي" وإذا كانت ( لعبة النسيان) – يقول أحمد اليابوري- تحيل بشكل واضح، وأحيانا مباشر على وقائع في حياة الكاتب عاشها وتأثر بها، تتعلق بالأشخاص والزمن والمكان، فإن طريقة استثمار هذه المكونات السير ذاتية داخل النص، هو الذي نقاها من مستوى التاريخ إلى مستوى الإبداع الروائي"
وإلى جانب هذه السمات المميزة لزمن الكتابة في النص" هناك لحظة الاستشراف والرؤيا، لحظة الحلم " باغتناء المدينة" وبفرح الجميع، فتنشد أشعار تتخطى الأسوار، والحلم بعودة الأم ( عودة أيام الطفولة- والخصوبة)، وانبعاث الموتى ورجوع المنفيين والسجناء(ص148) هو حلم أقرب إلى رؤيا المتصوفة المستشرفة للمستقبل عبر التأمل الذاتي، لبناء عالم مستقبلي مثالي هلامي لامع، وعلى الرغم من ذلك ينطوي هذا الحلم على قسط كبير من الحدس والتنبؤ الذي يسمح به الاستغراق في تأمل الواقع وتخيله وآفاقه مع احتضان لحظات الطفولة المشرقة، لا يخلو هذا الحلم أيضا، من مسحة العزاء النفسي"
أما عن زمن القراءة فيختلف من قارىء إلى آخر، ومن مكان إلى مكان آخر. وقد استحضر الكاتب القارىء الذهني المفترض الواعي، كما أن هناك قارئا خارجيا آخر قد يتدخل ليبدي آراءه ويدلي بتصوراته حول الرواية.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 85 ( الأعضاء 0 والزوار 85)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 12:34 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.