قديم 04-03-2012, 10:51 PM
المشاركة 351
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مقابلة مع الروائي الموريتاني موسى ولد ابنو

الإثنين, 18 نيسان/أبريل 2011 04:37
يعد الكاتب الموريتاني موسى ولد ابنو من ابرز كتاب الرواية المغاربية المعاصرة،حيث يتميز عالمه الروائي بالكثير من الغرائبية والعمق ،كما يتميز بانفتاحه على فضاءات متعددة في عوالم السرد،وهو ما يصعب معه تصنيف أعماله الروائية ،نظرا لغياب سمات واضحة لها،لكونها تجمع سمات متعددة ومختلفة،مما يعني انه يكتب بشكل تجريبي يكاد يكون فريدا في الرواية المغاربية المعاصرة والموريتانية بشكل محدد ،فرواياته توظف الخيال العلمي والدراسات المستقبلية ، وأدب الرحلة، و الفلسفية،و الأمثولة "الأوليجاركية"، مما يتعذر معه نسبتها إلى أي شكل من تلك الأشكال الروائية، لكن أعماله الإبداعية رغم ذلك تفصح عن مشروع فكري كبير ونظرة ثاقبة للمستقبل ،لكأن الصفة التوحيدية الشائعة تصدق عليه وهي"فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة"أما لغته فتمتاز بالكثير من التكثيف واستخدام الإيحاءات الدالة،وقوة المخيلة الشعرية والبناء السردي.

والكاتب موسى ولد ابنو يمتاز بالعصامية في الحديث حول تجربته الروائية ورغم ذلك استطعنا أن نجري معه حوارا شاملا حول بعض الإشكالات التي تطرحها الرواية في عالم اليوم ،وتلك منها التي يعالجها في رواياته "مدينة الرياح،الحب المستحيل وحج الفجار"


مدينة الرياح.. رواية كارهة للبشر
الإبداع في المشرق العربي، والنقد مغربي.. خطأ شائع، فالإبداع والنقد موجودان في كليهما، لكن التواصل شبه غائب، ومعرفة كل منهما بالآخر غير تامة، وفي هذا المقال نحاول أن نلقي الضوء على رواية مهمة على الرغم من أنها ليست حديثة الصدور، من أدب شبه مجهول في معظم أرجاء الوطن العربي هو الأدب الموريتاني، لعلها تكون بداية لنهتم أكثر بأن نعرف إبداع بعضنا البعض.
رواية "مدينة الرياح" للكاتب الموريتاني موسى ولد أبنو، (ط.أولى سنة 1996م- دار الآداب ببيروت).


رحلة الإنسان
الرواية رحلة في الزمان والمكان معا، رحلة شخص وقع في أسر العبودية طفلا، فكره الظلم الإنساني، ثم كره الجنس البشرى نفسه، وقد استطاع الكاتب أن يبني روايته ببراعة لتعبر بنائيا عن فكرته الأساسية، فقسم الرواية إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي "برج السوداء"، و"برج البيضاء"، و"برج التبانة"، وهذا التقسيم مواز لرحلة بطل الرواية في الزمان، فالقسم الأول يعبر عن العصور المظلمة؛ عصور استعباد الإنسان الصريح لأخيه الإنسان، والقسم الثاني عن عصر النهضة الأوروبية حيث استطاع الإنسان الأبيض تطوير إمكاناته ليسيطر على بقية الجنس البشري، والقسم الأخير يشير إلى مستقبل البشرية حيث يتنبأ الكاتب بأن تصبح الأرض مجرد سلة قمامة نووية كبيرة لبقية كواكب المجموعة الشمسية.
كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة يتكون من مقدمة وخمسة فصول، وهي عبارة عن رحلة في المكان، ينتقل خلالها البطل من مكان لآخر في نفس العصر، وقد لعب الكاتب على اتجاهين مختلفين في تناول التاريخ، أحدهما يرى أن التاريخ يعيد نفسه، فنجد الشخصية الرئيسية في الرواية "فارا" ينتقل من عصر لعصر ليجد أنه لا شيء تغير في طبيعة البشر وظلمهم لبعضهم البعض، كما يستخدم الكاتب أسلوب الحلقة الروائية ليبدأ الرواية من نقطة وينتهي بها عند نفس النقطة، كما يبدأ انتقال البطل من عصر لعصر بنفس الطريقة، بل يعيد استخدام نفس الوصف في هذه الحالة والذي يستغرق حوالي صفحتين يكررهما الكاتب لتأكيد فكرته عن إعادة التاريخ نفسه وبالتالي عدم وجود الأمل في شيء أفضل، لكنه في الوقت نفسه يكتشف مع بطله أن الإنسان يطور وسائل الشر بشكل لا يمكن أن يخطر ببال، وهو هنا يستند إلى الفكرة القائلة إن التاريخ يسير في خط مستقيم إلى الأمام، وهذا السير إلى الأمام لا يعني بالضرورة إلى الأفضل، بل غالبا –وهنا يرى الكاتب أنه دائما- العكس.


برج السوداء
يعثر بعض الباحثين على جثة مدفونة على عمق سبعة أمتار في قمة جبل، يخضعون جمجمة الجثة لبعض الاختبارات والتحاليل، ويوصلونها بالحاسب الآلي، لنبدأ قراءة أفكار ومشاعر هذه الجثة التي عاشت في الفترة من 1034-2055م!!
تستولي قافلة تجار الملح على الغلام "فارا" مقابل لوح من الملح يأخذه أبوه، وترحل القافلة حيث يقدم الكاتب وصفا أنثروبولوجيا للرحلة بما فيها من سادة وعبيد وجمال، وما يواجهونه من عقبات بيئية أو مشاكل صحية، وكيف يداوون مرضاهم بالأعشاب والتعاويذ، وكيف يحملون البضائع على ظهور الجمال، وكيف يتحركون في منخفضات الصحراء ومرتفعاتها وقد ربطوا العبيد من أعناقهم، ثم صفوا الجمال وبينها العبيد كسلسلة متصلة، ثم يصلون إلى مدينة أودافوست حيث يُعرض "فارا" في سوق العبيد، ويشتريه رجل اسمه "ازباعره" فيساعده "فارا" في تأسيس مدرسة بالمسجد لمذهب الإباضية، وفي المدرسة يتعلم "فارا" اللغة العربية، ويحفظ القرآن وتفسيره، ويعي المناظرات الكلامية والفلسفية.
يكتشف أهل أودافوست أن آبار المدينة جفت، يصلون صلاة الاستسقاء، وفي نهاية الصلاة يفاجئون برجل دميم يخطب فيهم منددا بهم لاسترقاقهم المسلمين رغم ادعائهم الإسلام، وتعاليهم، وتكالبهم على الدنيا.. يتعرف "فارا" على أمة جميلة "فاله"، ويشاركان في التحضير لثورة العبيد التي تفشل لوشاية بعضهم ببعض، ويلقيه سيده في بئر الكنيف ليعاقبه، يأتيه الرجل الدميم "إذا كنت ترفض القدر، فاهرب من البشر، والجأ إلى الصحراء، وانتظر أمر ربك". فيهرب إلى منطقة "تنين الرمال" التي يعتبرونها موطنا للجن وأن النجاة من تيهها نادر الحدوث.
في هذا القسم من الرواية نستمع إلى صرخات "فارا" المطالبة بالمساواة معلنا كراهيته المطلقة للبشر واحتقاره لهم "هذه الرمال النقية، السابحة في الضوء، كان يمكن أن تكون ذات جمال مطلق، لو لم تكن ملوثة بهذا البشر".
برج البيضاء

الروائي المورتاني موسى ولد أبنو
ينفرد "فارا" بنفسه في الصحراء، يصلي ويتعبد، وينفد ماؤه وطعامه حتى يشرف على الهلاك، تهبط سحابة تحييه بمائها، ويرى "الخضير".. يطلب "فارا" من الخضير أن يعيده إلى العدم ليكفر عن ذنب وجوده، يخبره الخضير أن هذا مستحيل، لكنه يمنحه فرصة السفر إلى المستقبل، له أن يختار محطة مستقبلية ليعيش فيها، وإذا لم تعجبه فسيختار أخرى، لكن الثانية ستكون الأخيرة وسيموت فيها.
تعثر قافلة الباحث الأثري الأوروبي "فوستباستر" وعشيقته السوداء "فاله" على "فارا" الذي يلاحظ أحوال القافلة باندهاش، لكنه لا يستطيع الإجابة عن أسئلة الباحث الأثري؛ من هو ومن أين وإلى أين؟؟ أكثر من تسعة قرون تفصل بين الزمن الذي تدور فيه أحداث "برج السوداء" وأحداث "برج البيضاء".
"فوستباستر" يبحث عن أطلال مدينة أودافوست التي اختفت تماما، في الحلم يتذكر "فارا" أودافوست ويتحدث عنها بالتفصيل، لكنه في اليقظة لا يتذكر شيئا، تصل قافلة الباحث الأثري إلى مدينة تجفجه فتجد آثار معركة بين المستعمرين والأهالي، وقد قام قائد الحصن بتعليق وجهاء المدينة ليعترفوا بمكان الثوار الذين يسميهم إرهابيين والذين قتلوا القائد السابق للحصن.. يشعر "فارا" أنه يدور في دائرة جهنمية، وأن الزمن الذي انتقل إليه ليس بأفضل من الزمن الذي هرب منه. فيهرب مرة أخرى إلى خلوة ينتظر فيها أمر ربه.


برج التبانة
ينتقل "فارا" إلى سنة 2045م، ليجد نفسه أمام مركز لتخزين النفايات السامة، وقد أصبحت البلاد ملكا لأبنائها، وحاكمها "تنفل" أحد أحفاد "فارا" و"فاله"، والذي حول البلاد إلى مقلب زبالة نووية، مقابل المكاسب التي يحصل عليها هو وحاشيته، والعاصمة هي مدينة الرياح، المآل الأخير للشر البشرى الذي أصبحت معه "الكرة الأرضية مصنفة الآن من قبل النظام العالمي مستودعا للقمامات على مستوى المجموعة الشمسية". يعمل "فارا" إجباريا في مركز النفايات السامة، ثم يهرب من المركز.
وفي مدينة "أطويل" يتعرف إلى "فاله" المغرمة بالطبيعة، والتي هربت من مدينة الرياح المجللة بالغبار المشبع بالإشعاعات النووية.. "فاله" لديها ابن منعوها من اصطحابه لأنه لم ينه دراسته الإجبارية، وعندما حاولت اختطافه مرتين وضعوها في السجن، وهي مستعدة لدفع حياتها ثمنا لإنقاذه من مدينة الرياح.
يشارك "فارا" "فاله" في عملية مقاومة لاصطياد سائقي شاحنات النفايات النووية، فيتم القبض عليهما، بعد أشهر من سجنه يعلم "فارا" أن "فاله" عادت إلى مدينة الرياح، وأنها ستتزوج الحاكم لتأمين مستقبل ابنها، ويتم الحكم على "فارا" بالإعدام في نفس المكان الذي بدأ فيه خلوته الأولى، وقد تيقن من أن نبوءة الخضير آتية لا محالة "لو واصلت السير في المستقبل، فإنك ستجد الأرض وقد أصبحت كومة رماد، والشمس وقد انطفأت".


الظلم مستمر.. والثورة أيضا
على الرغم من مقت الكاتب للظلم الإنساني، ووصفه للعبودية الصريحة، ثم الاستعمار الأجنبي، ثم استعباد الحكام المحليين لبلادهم، فإنه اضطر أن يصف الوجه الآخر من الصورة، وهو التمرد والثورة، وحتى إن لم تكتمل تلك الثورة وتؤتي ثمارها، فالعبيد حاولوا التحرر، والثوار حاول القضاء على المستعمر، وأنصار البيئة يحاولون مقاومة زرع مراكز النفايات النووية في بلادهم، فالظلم مستمر وقوي وجبار، لكن الثورة مستمرة أيضا مهما تكن وسائلها ضعيفة وأنصارها قلة، وهذا ما يمنح شعاعا من الأمل في ليل اليأس الطويل من البشرية التي لا يرجو الكاتب منها خيرا.


الضمائر واللغة
في الصفحات 7و8 والسطور الثلاثة الأخيرة من الرواية نجد صوت الراوي العليم الذي يتحدث عن كيفية العثور على الجثة، وتوصيل الجمجمة بالحاسب الآلي، ثم كيف أصبحت كل حياة "فارا" شريطا محفوظا في المكتبة العمومية بمعهد أركيولوجيا الفكر البشرى.
لكن الراوي الأساسي في الرواية هو "فارا" الذي يتحدث بضمير الأنا، وهو سارد غير عادي، لأنه سارد عليم، فهو يسرد وقائع حياته وأفكاره ومشاعره وتنقلاته عبر المكان والزمان، لكنه في الوقت نفسه ميت، والحاسوب هو الذي يقرأ كل ذلك من خلال ذاكرة جمجمته، وهذا السارد أعطى الكاتب فرصة جيدة للتغلغل في أفكار "فارا" ومشاعره، ليصفها، ويحدد منابعها، وأسبابها، ويحللها، رابطا إياها بصيرورة تاريخ الجنس البشري، الذي لم يكن أكثر من تطور أساليب الشر.
وفي الرواية سارد آخر هو "فوستباستر" الذي استخدمه الكاتب ليكتب رواية قصيرة داخل الرواية الأساسية التي يحكيها "فارا"، ليلقي الضوء على حياة "فاله" التي شاركت "فارا" جميع سفراته عبر الزمان بنفس الاسم وإن كانت بأشكال مختلفة. وهنا يستخدم السارد ضمير المخاطب.
كما استطاع الكاتب أن يلون استخداماته للغة السرد حسب مقتضيات الحال، فجاءت اللغة وصفية مباشرة عندما يقدم مشهدا واقعيا، أو يصف وقائع تهم الباحث الأنثروبولوجى والاجتماعي، وكانت لغته أقرب إلى التصوف عندما يستبطن مشاعر "فارا" في خلوته التي ينتظر فيها أمر ربه، وهي لغة ذات نَفَس فلسفي واضح عندما يعلن "فارا" رأيه في الجنس البشرى وملاحظاته عنه.


ملاحظات سردية
على الرغم من الوعي الشديد الذي كتب به المؤلف روايته فإنها لم تسلم من بعض الملاحظات التي أعتبرها غير هينة؛ فصوت الكاتب يظهر في بعض مواطن الرواية معطيا معلومات أو وصفا لا نتخيل أن الشخصية التي تتحدث تعرفها، أو تناسب ثقافتها، فهي بالأحرى نابعة من ثقافة الكاتب نفسه، كأن يشبه "فارا" نفسه بآليس في بلاد العجائب.
وعندما يقدم الكاتب "تالوثان" رئيس القافلة المتجهة إلى أودافوست في صفحتي 20 و21 تظن أنه يقدم شخصين وليس شخصا واحدا، في ارتباك سردي واضح.
الأهم من ذلك أن الكاتب يأتي بحكاية فرعية عن تالوثان لا تضيف شيئا للرواية بل تعوق سيرها (ص28 إلى ص32) ويقع الكاتب في خطأ سردي كبير؛ لأن الرواية التي نقرؤها عبر الحاسوب من ذاكرة جمجمة "فارا" لا يمكن أن يوجد فيها خط سردي لما يدور في ذهن "تالوثان".

نص المقابلة

ماهي الأسئلة الكبرى التي تطرحها الرواية في عالم اليوم؟


قبل أن أجيب على جوهر السؤال المطروح أريد في البداية الإشارة إلى مسالة مهمة ،وهي ما يقال دائما من أن الرواية جنس دخيل على الأدب العربي وعلى الثقافة العربية بشكل عام ويقال كذلك إن الكتاب الروائيون العرب بدءو كتابة هذا الجنس الأدبي محاكين في ذلك كتاب الرواية في الأدب الغربي وأنا بالنسبة لي لا أصدق هذا الطرح ولا هذا الادعاء ،وللحديث عن تجربتي الشخصية في الكتابة يمكنني أن أقول لك بأنني لم اختر الشكل الروائي الذي اكتب به كما أنني لم اكتب فن الرواية كخيار،بمعنى أنني لم انطلق من تخطيط مسبق ،ولك أقرر ذات يوم بأنني سأتحول من دارس ومدرس للفلسفة كي أصبح كاتبا روائيا ،فانا كما هو معروف متخصص في الفلسفة وخريج جامعة السربون بفرنسا،بعد ذلك تخرجت من المعهد العالي للصحافة بباريس واشتغلت في العديد من الوظائف قبل العودة إلى موريتانيا حيث عملت في مجلة "جون أفريك"ذائعة الصيت واشتغلت بعد ذلك في الأمم المتحدة وكنت اسكن بالولايات المتحدة الأمريكية وإبان تلك الفترة لم يكن لدي ابسط اهتمام بالأدب الروائي ولم أكن قد قرأت أي رواية ،لكنه في سنة 1989طلب مني زميلي وصديقي المرحوم جكانا أن أسس معه قسما للفلسفة بجامعة نواكشوط الفتية واستجابة لطلبه قبلت الدعوة وعدت إلى العاصمة نواكشوط حيث كنت اقطن في بيت متواضع بحي شعبي بمقاطعة السبخة الحالية وفي هذه الفترة بالذات كتبت رواية الحب المستحيل وربما يعتبر من المفارقة أنني كتبت في هذا الحي الشعبي حيث لا توجد محفزات كبيرة على الإبداع مقارنة بما كان متاحا لي وأنا أقطن بمدينة نيويورك فبعد العودة إلى نواكشوط إذن وجدتني اكتب رواية الحب المستحيل حيث نشرت نصها الأصلي باللغة الفرنسية سنة 1990لكن تعريبها لم يتم إلا في سنة 1994

هل تريد أن تقول بان الرواية ليست إجابة عن سؤال محدد مرتبط بمعطيات وظروف معينة؟


هذا ما حصل معي حينما كتبت روايتي الأولى حيث أن ظروف العمل في أكبر وأهم مدينة بأكبر دول العالم وأكثرها تأثيرا في العالم ،وتعدد القضايا الكبرى المطروحة ،كل ذلك لم يجعلني أكتب رواية الحب المستحيل ،لقد تم ذلك فقط في حي السبخة الشعبي،وببيت متواضع جدا، وأنا اعتبر هذه الرواية تأليفا جديدا في الزمان والمكان ،وأتذكر إنني عندما أنهيت كتابة رواية الحب المستحيل سلمتها لأحد الأصدقاء وكان آنذاك رئيس قسم الأدب الفرنسي بجامعة نواكشوط، فلما اطلع عليه أخبرني بان هذا النص يدخل في صميم الرواية الأدبية وهو الذي شجعني على نشرها ثم لجأت إلى تعريبها في ما بعد،من جهة أخرى أشير إلى أن الكاتب قد يرسم تصورا عاما للموضوع، لكنه حين يستغرق في كتابة النص يصبح هذا الأخير هو المتحكم في النهاية، بمعنى انه لا يمكن تصور ما سيقوله النص ،فمصيره يتحقق بعد كتابته وهي نفس التجربة التي خضتها في الكتابة، لكنني بعد الانتهاء من الاشتغال بالنص أعيد قراءته كقارئ وليس ككاتب.


أنت تفضل أن تقول بان رواية الحب المستحيل قد عرفت طريقها إلى القارئ العربي عن طريق التعريب ولا تقول الترجمة؟


هو في الحقيقة تعريب وليس ترجمة،فالتعريب هو إعادة كتابة العمل من جديد مع الحفاظ على روحه، فالشخوص لازالت هي نفسها وكذلك الأحداث والعقدة ،فالتعريب هو إعادة بناء للمنجز الإبداعي وتقديمه بصيغة جديدة تتواءم مع السياق التاريخي والبعد الثقافي للغة المنقول إليها النص الأدبي.


من هو الكاتب الروائي بالنسبة لك ،هل هو مبشر بقضية معينة، هل هو مصلح اجتماعي أو سياسي؟وبعبارة أخرى هل الكاتب موسى ولد ابنو يكتب الرواية من منظور فلسفي ،هل يريد التعبير عن أفكاره الفلسفية بالاتكاء على تقنية السرد؟


سبق وان سالت نفسي نفس السؤال لكنه بالصيغة التالية: لماذا اكتب الرواية؟لكنني توصلت إلى الإجابات التالية أولا أنا اكتب الرواية كفيلسوف لكن بشكل مختلف عن طريقة الفلاسفة القدماء ،ثانيا أنا اكتب الرواية لأنني وجدت أنها تدخل في صميم الوجدان العربي الإسلامي ،فالرواية ليست نمطا جديدا من الكتابة ولدينا العديد من الأمثلة على ذلك في حضارتنا العربية الإسلامية، كالرواية الفلسفية عند ابن سيناء ،ورواية حي ابن يقظان لابن طفيل ،والرواية جزء من المقومات الثقافية للحضارة العربية الإسلامية ،وهي من ناحية أخرى ليست ديوان الشرق ولا ديوان الغرب كما يقال بل ،إنها ديوان الإنسانية جمعاء ،من هنا يمكن أن أقول لك إنني بكتابتي للرواية لم أكن أصدر عن تقليد للغرب ولا أي كاتب مشرقي آخر، لكنني كنت استلهم التراث الديني الإسلامي الذي هو مرجعيتي الأولى وخصوصا النصوص القرآنية المقدسة وبالتحديد سورة الكهف"يقول جل من قائل (فاقصص عليهم القصص لعلهم يتفكرون)وقد لجأت إلى استنطاق التراث الديني وتوظيف القصص القرآني في رواية مدينة الرياح خاصة الجزء الأخير من سورة الكهف ،كما إن إشكالية معنى التاريخ كانت حاضرة بقوة في هذه الرواية إضافة إلى سؤال الوجود ،كنت أتساءل مثلا هل الإنسان يصير من سيئ إلى أسوأ،هل يصير من سيئ إلى أحسن ،هل الإنسان يصير تبعا لما يعمل في التاريخ ؟،ثم إن حكاية للازمن الموجودة في قصة أهل الكهف الواردة في القرءان هي التي جعلتني أنتج شخصية "كارا" في رواية مدينة الرياح،وأريد أن أصل إلى أن القرءان بأسلوبه القصصي أسعفني في حل معضلات تقنية كتابة الرواية ولست متأثرا بأي كاتب آخر،أما في ما يتعلق بالإجابة على الشق الأول من السؤال فأحيلك إلى رواية الحب المستحيل التي اعتبرها نقد لما آل إليه عالم التقنية ،ففي هذا النص نقد للعالم الذي غاب منه العقل وأصبح كل شيء محكوما بالتقنية الحديثة التي لا تستمع لمنطق العقل ،وقد لجأت في ذلك أيضا إلى استلهام البعد الإسلامي في القضية ،ففي الآية الأخيرة من سورة الأحزاب "إن الإنسان خلق ظلوما جهولا..."وربما نظرا لشمولية الطرح في هذه الرواية اعتبرتها رواية إنسانية، على الرغم من أن فكرتها الأولى كانت تدور حول كتابة نص موريتاني بحت ،حيث أنني تصورت شيئا ثلاثي الشكل على نمط الكؤوس الثلاثة للشاي أو الجوانب الثلاث لآلة "التيدينيت" "الكحلة،البيضة،لكنيدية".


إلى أين تتجه الرواية اليوم في ظل تقنيات الاتصال؟هل ستختفي أم سينحسر دورها مثلا؟


أنا اعتقد أن وسائل الاتصال وتطورها المتسارع من شانه أن يدعم النص التقليدي ويعطيه دفعا إلى الأمام، كما أن نفس الوسائل من ناحية أخرى تمثل تحديا كبيرا لهذا النص، لكونها أصبحت تفرز أنماطا جديدة من الكتابة الروائية تسمى" الكتابة التفاعلية" وهي الكتابة التي أصبحت تعطي الفرصة للقارئ كي يشارك في الصيغة النهائية للنص ،حيث لم يعد الكاتب هو المتحكم الوحيد في الصياغة النهاية للعمل المنجز، كأن يكتب فصلا أو فصلين ويضعهما في متناول القارئ عبر الانترنت ويضيف هذا الأخير فكرته على النص وهكذا حتى تكتمل الصورة النهاية التي تستجيب لذوق الكاتب والقارئ في نفس الوقت.


لكن هذا النمط من الكتابة يعرض النص للضعف من حيث قوة السبك وعمق الفكرة مادام متاحا لقارئ عادي أن يشترك في انجازه؟


لا اعتقد ذلك ،لان هذا النمط من العلاقات بين الكاتب والقارئ كان موجودا،وان كان التواصل بينهما هو الذي كان مفقودا،فالقارئ مثلا كان يقرأ النص رغم أن فكرة معينة أو أسلوبا معينا قد لا يعجبه ،لكنه لا يمتلك فرصة في التعبير عن ذلك.


لقد مضت حوالي ثلاث سنوات على صدور روايتكم الأخيرة حج الفجار والتي هي الجزء الأول من رواية ثلاثية، هل لنا أن نتساءل عن مصير الجزأين الأخيرين ؟


إن نية نشر الجزأين الأخيرين لا زالت موجودة،لكن الظروف العامة المحيطة بالكتابة تمتاز بالصعوبة خصوصا وأننا في موريتانيا نعيش أجواء سياسية تلقي بظلالها على كل شيء بما في ذلك الأدب الذي يحتاج أجواء هادئة إلى حد ما،لكن ما يمكنني أن اعد به هو أن الجزأين الثاني والثالث من حج الفجار قد يتم نشرهما باللغة الفرنسية قبل تعريبهما ،وأنا الآن بصدد كتابة الجزء الأخير باللغة الفرنسية تحت عنوان"mec paeenneمكة الوثنية" علما أن الجزء الأول الذي تم نشره تحت عنوان :حج الفجار"كان قد عرب عن النص الأصلي الذي كتب بالفرنسية تحت عنوان"l appel de l amie نداء الخليل"

ولماذا الكتابة باللغة الفرنسية،هل لأنكم أكثر تمكنا منها مقارنة باللغة العربية؟


أنا الجأ إلى الكتابة باللغة الفرنسية كهروب من اللغة الأم وكي أتمكن كذلك من النظر إلى اللغة العربية بموضوعية ثم إن الكتابة باللغة الفرنسية تساعدني أكثر على التحرر من القيود.


راج في الآونة الأخيرة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالتحديد مصطلح الإرهاب وهو مصطلح إن لم يكن بالجديد لكن الصيغة التي أصبح يطرح بها مختلفة عن ما كانت تتناول به في السابق ،أين الرواية إذن من هذه الظاهرة وكيف تقيمون علاقة الرواية بالإرهاب؟


أعتقد أن رواية الحب المستحيل هي أول رواية عربية تتحدث عن الإرهاب وترفضه رغم أنها نشرت قبل انتشار ظاهرة الإرهاب التي يتحدث عنها العالم اليوم ،ففي هذه الرواية يدور نقاش بين بعض شخوصها عن ظاهرة الإرهاب ،فاحدهم يخاطب الإرهابي قائلا"إن حياة بشر واحد أفضل من كل القضايا " .


كيف تنظر إلى علاقة الكاتب الروائي بالناقد، هل أن الروائي الناجح مدين لشخص الناقد أم أن وجود مبدعين جيدين هو الذي يساهم في وجود ناقد جيد؟


وجهة نظر الناقد حول النص المنجز أساسية جدا، فالنقد الجيد ينتج مبدعين جيدين كما أن الناقد الحقيقي مبدع لنص جديد.


ما هي قراءتك للساحة الأدبية الموريتانية اليوم؟


أنا أرى أن الأدب الموريتاني يمتاز بخصوصيتين على مستوى الأدب العربي وذلك من خلال قضيتين، الأولى هي ازدواجية الكتابة باللغة العربية والفرنسية،فنحن لدينا مبدعون يكتبون باللغتين، أما الناحية الثانية هي أن الأدب الموريتاني أصبحت تنموا فيه مدرسة للخيال العلمي وهذا شيء جديد، أما أهم الروايات التي تنحوا هذا المنحى وتكتب باللغة العربية فأذكر منها على سبيل المثال محمذن بابا ولد اشفغ والمختار السالم احمد سالم أما الذين يكتبون باللغة الفرنسية فاذكر روايتين متميزتين جدا لكاتب موريتاني مقيم بتونس ثم روايتي الحب المستحيل ومدينة الرياح.


اجري الحوار: جمال محمد عمر

قديم 04-03-2012, 11:08 PM
المشاركة 352
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
موسى ولد ابنو الروائي الموريتاني من بلد المليون شاعر

قلائل ربما أولئك الذين يعني لهم شيئاً اسم موسى ولد ابنو، أولاً لقلة من يقرأ وثانياً لأن الاسم نفسه ينتمي إلى بلد واقع خارج الضوء هو موريتانيا التي لا يذكر اسمها إلا متصلا بمشكلة التخلف والفقر أو مشكلة الصحراء الغربية، لكن أحدا لا يعرف على سبيل المثال أن الموريتانيين في معظمهم ينظمون الشعر ويتذوقونه ويحفظونه عن ظهر قلب. وإذا كان رقم المليون محبباً إلى العرب بحيث يتحدثون عن الجزائر بوصفها بلد المليون شهيد وعن العراق بوصفها بلد المليون نخلة، فإن موريتانيا مثلما يؤكد الكثيرون هي بلد المليون شاعر بالتمام والكمال!.

الخروج عن القريض ‏
غير أن موسى ولد ابنو يطل من مكان آخر هو الرواية. وهو لا يكتفي بالخروج على القافلة اللامتناهية للقريض الموريتاني بل يخرج أيضا عن المفهوم التقليدي للرواية ضاربا بخياله الخصب شبكة العلاقات المألوفة بين الواقع وتعبيراته ومطلا على عالم تأويلي يحل فيه الرمز محل الحقيقة وتتداخل فوقه الأشياء وظلالها، الأماكن وكائناتها المصارعة، في روايته الأولى المكتوبة بلغته الأم «مدينة الرياح» فاجأ موسى ولد ابنو قراءة بذلك الخلط العجيب بين التواريخ والأزمنة والوقائع حيث استطاع أن يحول الرواية إلى فانتازيا متواصلة من الرؤى والتهيؤات.وإذا كان الكاتب المقيم في فرنسا قد أفاد إلى حد بعيد من تقنيات الرواية الغربية والأمريكية اللاتينية فإنه يبدو من جهة مأخوذاً بالينابيع السحرية لـ «ألف ليلة وليلة» ويبدو من جهة أخرى شديد الحرص على أن تكون الصحراء بسكونها وأصواتها،بعمقها واندلاع نيرانها الخصبة، الخلفية الأبرز لعوالمه الروائية.

الشأن الآخر الذي يلفت في كتابة ولد ابنو هو ثقافته الواسعة التي تفيد من الرياضيات والفلك والتاريخ وعلم الأجنة والأجناس وغيرها من العلوم والمعارف التي يحسن توظيفها داخل نصه المشوق من دون أن يرهق القارئ باستعراضات مجانية. ‏
في روايته الثانية والتي أود الحديث عنها «الحب المستحيل» يقدم ولد ابنو مرثية للجنس البشري، منطلقا من الكشوفات العلمية المذهلة التي بدأت توكل التكاثر والإنجاب إلى التخصيب الاصطناعي والأنابيب والتقنيات الحديثة لا إلى الشغف والحب ونيران الأجساد. هكذا تحولت حركات تحرير المرأة وفق الرواية، حركات دفاع عن التخصيب الأنثوي فيما حول الرجال بدورهم جميع المستشفيات ودور الحضانة مراكز لإنجاب الذكور وحدهم، كرد طبيعي على هجوم الإناث. ‏
الرومانسية البالية ‏
باتت الكرة الأرضية إذا مهددة بحرب أهلية جنسية يمكن لأحد طرفيها الفوز إذا تمكن من القضاء على الجنس الآخر وإبادته تماما. وهو ما دفع بالجنسين إلى عقد هدنة طويلة الأمد تقضي بالفصل الكامل بين الجنسين وجعل الإنجاب في عهدة بنوك التخصيب دون سواها. ‏
العلاقات الجنسية أصبحت مقننة إلى أبعد الحدود ولم تعد تتم إلا ضمن مراكز الخدمة المختلطة التي تحول الأجساد «حصالات» اللذة المحض. أما الحب فقد منع تماما واعتبر من الكبائر التي لا يجوز التساهل معها كونها تعيد البشرية إلى زمن الرومانسية البالية والد لع الأخرق غير المبرر. لهذا كان الخاضعون للخدمة المختلطة يتعرضون للفحص الدوري عن طريق أجهزة قياس المشاعر حيث كان الحاملون لبذرة العشق يفردون إفراد «البعير المعبد»، على حد تعبير طرفة بن العبد، ويوضعون في مراكز تأهيل تتم فيها معاقبهم بقسوة عن طريق انتزاع جرثومة العاطفة الشريرة من دواخلهم وتحويلهم إلى ربوتات جنسية خالصة. ‏
في هذا الجو الغريب والبالغ الإثارة يقع آدم ومانكي في الحب حتى إذا اكتشف أمرهما بوساطة الأجهزة أرسل كل منهما على حدة إلى مراكز التأهيل التي جعلت من جسديهما مسرحاً لكل أنواع التعذيب وقتل العاطفة. غير أن ذلك كله لم يجد ما دفع السلطات المعنية إلى فصل أحدهما عن الآخر في شكل نهائي لا عودة منه. وفي لحظة اليأس النهائية يشير أحد المسؤولين عن إعادة التأهيل،إلى آدم أن الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامه ليبقى إلى جانب مانكي هو أن يغادر جنسه ويتحول إلى امرأة، عبر عملية جراحية مضمونة النتائج. لم يرفض آدم الفكرة على هولها وغرابتها فقد كان في سبيل الحب مستعدا للتحول لأي شيء. امرأة.. كرسيا.. غيمة أو غبارا. ‏
مرثية للجنس البشري ‏
هكذا تتحول الرواية إلى مرثية للجنس البشري بقدر ما تبدو كدعوة لخلاصه وإنقاذه. مع أن الرواية تحتفي بمنجزات العلم الحديث وتتصالح مع جوهره إلا أنها في المقابل صرخة مدوية في وجه تشييء البشر وتجويفهم ومكننتهم الكاملة. ‏
كأن ولد ابنو يريد أن يقول إن الصحراء ليست خارج الإنسان بل داخله وإن هدف كل أدب حقيقي هو مقاومة الجفاف والتصحر وإعادة المياه إلى مجاري العالم عبر الانتصار للحب وأهله.الحب وهو خارج الأجناس والأنواع والمفاهيم المتوارثة والأعراف، ألم يكن الكائن واحداً في البداية وقبل أن تخرج المرأة من ضلع الرجل كما يقال؟ وها هوآدم الجديد يعود إلى ضلع المرأة التي خرجت منه ويتماهيان معا فوق سطح الفردوس الجديد الذي ستتمخض عنه جهنم الثانية.

قديم 04-03-2012, 11:15 PM
المشاركة 353
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
موسى ولد ابنو
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة



موسى ولد ابنو( 1956, بوتليميت). كاتب وسياسي موريتاني تبوأ عدت مناصب مهمة حيث عمل لفترة مستشارا للرئيس السابق معاوية ولد طايع من أهم مؤلفاته:
  1. مدينة الرياح
  2. حج الفجار
  3. الحب المستحيل (كتاب)
  4. ألا ليت الفتى حجراً

قديم 04-04-2012, 12:20 PM
المشاركة 354
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
موسى ولد ابنو

محزن ما هو مكتوب عن هذا الكاتب الذي يبدو عبقريا في انجازاته. واذا كان في الرواية شيء من السيرة الذاتية فيكون هذا الكاتب قد اختبر في طفولته احداث مأساوية ، وعلى الرغم من غيابه في فرنسا ثم في نيويورك بدأ يكتب فقط عندما عاد للسكن في موريتانيا في حي شعبي متواضع وهو ما ايقظ في نفسه احداث الطفولة التي كانت قد تركت جبال من الالم.

على كل حال وحتى يتوفر لنا مزيد من المعلومات سنعتبره مجهول الطفولة.

مجهول الطفولة.

قديم 04-04-2012, 12:22 PM
المشاركة 355
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
50- أيام الإنسان السبعة عبد الحكيم قاسم مصر

أيام الإنسان السبعة

byعبد الحكيم قاسم, Abdel-Hakim Kassem
صدر عن دار الشروق طبعة جديدة من رائعة عبد الحكيم قاسم " أيام الإنسان السبعة " والتي تدور في القرية المصرية في جانزب لم يكتبه أحد من قبل هو حياة الدراويش، هؤلاء الفلاحون الفقراء الذين يقضون نهارهم في الحقول، وحين يأتي المساء يئوبون إلى "الحضرة" حيث الذكر والإنشاد بعد الصلاة. وحيث الحلم باليوم الذي يذهبون فيه إلى مولد السيد أحمد البدوي في طنطا. أيام الإنسا...more</SPAN>صدر عن دار الشروق طبعة جديدة من رائعة عبد الحكيم قاسم " أيام الإنسان السبعة " والتي تدور في القرية المصرية في جانب لم يكتبه أحد من قبل هو حياة الدراويش، هؤلاء الفلاحون الفقراء الذين يقضون نهارهم في الحقول، وحين يأتي المساء يئوبون إلى "الحضرة" حيث الذكر والإنشاد بعد الصلاة. وحيث الحلم باليوم الذي يذهبون فيه إلى مولد السيد أحمد البدوي في طنطا. أيام الإنسان السبعة إشارة إلى طريقة في الإدراك أهملنا تأملها لزمن طويل
==

ايام الانسان السبعة – عبد الحكيم قاسم

ايام الانسان السبعة – عبد الحكيم قاسم / ربما لو كنت قرأت هذة الرواية من فترةمعينة لظننت انها مجرد رواية ليس اكثر من ذلك و لا علاقة لها باي واقع و انما هيمحض خيال كاتب بل اعتقد انني كنت لأكراهها ظن مني ببعض المبالغات في بعض احداثها - لولا ان رأيت جزء مما ذكر بنفسي في احد المرات بمحض الصدفة
الرواية تتحدث عن "كما يطلقعليهم في احدي سطورها" الموالديه - اي محبي و زوار موالد الاولياء الصالحين و عليوجه التحديد السيد البدوي او كما عرفت من الراوية مولد السلطان كما يطلقون علية .. تري احداث الرواية بعين ابن كبيرهم الذي يبداء معنا صغير السن هذا الولد الذي يحبابيه جدا و يحب اصدقائة الدراويش و لكنة مع ذلك ناقم عليهم و علي تصرفاتهم و احياناعلي كونهم فلاحين اصلا و علي ماهية و غرض الذهاب لهذة الموالد – الامر الذي يعلنهفي احدي لحظات غضبة و يصفهم بالبهائم و بعباد الاصنام فيصب ابيه عليه اللعنات والكفر
لا اريد ان اخوض في احداث ولكن اعجبني جدا استخدامة للتعبيرات بشكل جميل و ايضا الاسلوب الذي يصف من خلالهالاشياء و الاحداث فمثلا في فصل الليلة الكبيرة و هي يوم المولد يصف الدراويش فياماكن تجمعهم و اكلهم علي حد تعبير الكاتب " طراز اصيل من القذاره" اعجبني جدا هذاالتوصيف و هذا التعبير لا ادري لماذا ؟ لعل السبب انني رأيت مشهد مماثل لذلك فيالواقع
في موضع اخر ايضا يصف حالةالغوغائية التي تعم المكان ما بين اصوات الموقد و الكلوبات و تصايحهم و ضحكهم "يضحكون في سرور حتي في صياحهم الغاضب انما هم يضحكون في هذا الزحام الغريب يروحونو يجيئون بسهولة"
اما عن الفصل الاخير من هذةالرواية فقد اتعبني كثيرا فهو جاء متفاعل مع عامل الزمن و مرور الايام جاء مليءبلحظات انكسار و التعب جاء ملىء بالرحيل و الموت جاء كثير التشويش و التخبط .. عمتسطوره الحزن بوجه عام

الرواية في مجملها جيدة جداتحميل الكثير من المعاني و التعبيرات الجميلة و تستحق القراءة

==
نبذة الناشر:
من رائعة عبد الحكيم قاسم "أيام الإنسان السبعة" والتي تدور في القرية المصرية في جانب لم يكتبه أحد من قبل هو حياة الدرويش، هؤلاء الفلاحون الفقراء الذين يقضون نهارهم في الحقول، وحين يأتي المساء يئوبون إلى "الحضرة" حيث الذكر والإنشاد بعد الصلاة. وحيث الحلم باليوم الذي يذهبون فيه إلى مولد السيد أحمد البدوي في طنطا. أيام الإنسان السبعة إشارة إلى طريقة في الإدراك أهملنا تأملها لزمن طويل.


المفارقة فى رواية أيام الإنسان السبعة


لعبد الحكيم قاسم


عتبة النص:


"حلم حياتي


كل أملي


مراكبي مشتاقة للمرافئ البعيدة"


هذه الكلمات افتتح بها عبد الحكيم قاسم عالم "أيام الإنسان السبعة" أظن أنها عتبة نصية ليس فقط لعالم الرواية بل تعد عتبة نصية لعالم الروائي نفسه
أ- كلمة: حياتي:
نلاحظ أن السيرة الذاتية للكاتب هي محور أو موضوع نصوصه وإذا كانت قد تقنعت تلك السيرة في الرواية موضوع البحث مثل تسمية البطل عبد العزيز بدلا من عبد الحكيم وتغيير أسماء الشخصيات وغيرها من الحيل الفنية فقد نزعت بعض الأقنعة في رواية مثل "محاولة للخروج" ونزعت معظمهها في رواية " قدر الغرف المقبضة"
لكن لا جدال أن تجارب الكاتب الحياتية كانت هي المدار حتى في مجموعات : الأشواق والأسى – ديوان الملحقات
فنجد القصص القصيرة تلتقط لحظات أو مشاهد جزئية تدخل ضمن الصورة الأكبر التي ظهرت في الروايات وأبزر ذلك: من مجموعة ديوان الملحقات قصة : واحد من أهل الله
وهي تنتني بلا شك لعالم " أيام الإنسان .." كما تنمتي قصص: قريتي-عشق-ليلة شتوية من "الأشواق والأسى" وإن كانت القصة الأولي "واحد من أهل الله" أبرز مثال لأن نفس الشخصية تظهر في "أيام الإنسان السبعة " بنفس الرسم والملامح واختلفت فقط تفاصيل الحدث
وبعيدا عن الاستطراد في التدليل على فكرة سيطرة السيرة الذاتية على أغلب أعمال الكاتب نتابع
ب- مراكبي تهفو للمرافئ البعيدة:
هذه اللغة الشاعرية التي يعبر بها الناثر عن أزمته تدخل بنا مباشرة للمفارقة الكبرى في نص"أيام الإنسان السبعة"
ما أسميته المفارقة الكبرى أقصد به :
تلك المسافة بين الفرد بأحلامه وتطلعاته


وبين العالم بممكناته ومستحيلاته
تلك المسافة نتجت عن وعي مفرط بالذات
ولذلك تم بناء النص اعتمادا على مفارقة :
النظرة الأولي للأشياء قبل إدراكها
النظرة الأخرى بعد إدراكها وتفسيرها
تلك النظرة الأخرى التي تضفي أحيانا أبعادا أكبر على أفعال بسيطة
ولنبدأ في التطبيق بدلا من الكلام النظرى
[COLOR=#333333]1- مفارقة المكان : [/COLOR
نجد أن المفارقة تقع بين مكانين أساسين بل وحيدين هما كل العالم :
القرية في مقابل المدينة ( طنطا)
المكان الأول القرية: تفاصيله التي طرحها الكاتب ربما بإسهاب اتخذ شكل إنثربولوجي
خاصة في فصل الخبيز وإبراز ذلك الطقس بكل تفاصيله وبثراء غير عاجي في عملية العجين واختماره وتجهيز الفرن وأمهر البنات أو النساء في ذلك اليوم ..
هذا المكان "القرية" له شخوصه المحددين بالاسم والملامح والإيقاع الهادئ الرتيب أحيانا مثل فصل : الحضرة
ب- طنطا:
المكان الثاني النقيض أو الضد حيث الصخب والضوضاء والإبهار والزحام وشخوص غير محددين أو معروفين بالاسم دون إبراز ملامحهم الداخلية لأن البطل تعرف على سلوكهم في مواقف محددة عكس شخوص القرية وبالطبع الإيقاع سريع جدا وأبرزها فصل الليلة الكبيرة
والذكاء كان في أن الكاتب جعل النقلة الزمنية في فصل الليلة الكبيرة من عبد العزيز الصبي للشاب
فسحر جو وأحداث الموالد ونظرة الانبهار للعالم الغني بتفاصيل لا يراها البطل إلا مرة كل عام أفضل توقيت لتلك النقلة
2- مفارقة الزمن:
الزمن الأول: زمن الصبا
واليقين والاستمتاع بالأشياء حتى وإن استعصى بعضها على الفهم وزمن المغامرات الصغيرة والحب البريء
مثل تجربة صباح ومحاولة ممارسة الجنس الفاشلة في فصل الخبيز وحب البطل عبد العزيز لسميرة
الزمن الثاني : زمن الشباب
ودخول جمرة المعرفة والشك فيما كانت بديهيات مثل: قدرة الأولياء وزيارتهم
واكتشاف صغر وضآلة العالم القديم "القرية" بمفرداته وأيضا برجاله حيث يكتشف حجك سخرية أهل طنطا من رموز قريته وأولهم الأب
هذا الاكتشاف أشبه بالصدمة
(زوارك يا سيد كل نطع وأخوه)
هذه رؤية شباب طنطا لزوار السلطان ويعلق عبد العزيز(هو يحب المدينة فلماذا تكره آله)
ووضع الزمن الأول فى مواجهة الزمن الثاني
هو لب المفارقة القائمة عليها الرواية
3- مفارقة الشخصية:
الرواية تتعرض بشكل أساسي على مفارقة داخلية تقوم داخل نفس عبد العزيز حيث يدور صراع إيجابي حيث يدور السؤال والتفكير ومحاولة الفعل لتغيير الواقع ..
لم يحدث التغيير بعنف فالشخصية بطبيعتها ليست متمردة تأخذ تصرفا ثوريا خارجيا لكن طبيعة الشخصية أن تمردها وثورتها تعتمل داخلها دائما وهو ما يجعل المسألة أعقد والأزمة أشد..
فالمواجهة الوحيدة مع الأهل أحدثت لهم صدمة عندما اكتشفوا أنه تغير ورغم اعتذاره أو بالتحديد صمته وعدم تكرار المحاولة لكن ذلك لم يمنع الفجوة والجفاء بين عبد العزيز وأهله
4- صانع المفارقة:
(طول عمر عبد العزيز وهو يحب .....)
هذا السطر الأول من الرواية يطرح أن الكاتب اختار ضمير الغائب حيث يحكي عن الشخصية الرئيسية ..
ونجد هيمنة للراوي السارد
والموقع الأحادي للحكم على أحداث وشخصيات الرواية ..
والعلاقة بين الكاتب والشخصية علاقة "تضامن" ونشرح ذلك
من اللحظة الأولي يتبنى الكاتب رؤية الشخصية الرئيسية
وإلى نهاية الرواية لا نجد زاوية أخرى لشخصية أخرى لا للتأييد أو للنفي..
والحكم على كل شيء حتى على الذات وبالتحديد على الذات يتم دائما من خلال عبد العزيز...
لكن لماذا لم يتم الكتابة بضمير المتكلم؟
أظن أن فكرة الانتقال من السيرة الذاتية للرواية هي السبب حيث جاء ذكاء عبد الحكيم قاسم فى الاستفادة من امكانات الرواية كجنس أدبي..
حيث ينزع ذاته ويطرحها كموضوع للبحث ..
ولضمان الموضوعية " دراميا" كتبها كمن يحكي عن آخر
المهم:
أن صانع المفارقة اتسم بالقدرة على التقاط التفاصيل وأبرزها-فصل الخبيز-
واتسم بالموضوعية والتجرد
وخاصة بعد زيادة الوعي
ولنلاحظ نبرة المقارنة بين طنطا والقرية
وبين بنات طنطا وسميرة
واتسم أيضا بالتعاطف مع الضحية عبد العزيز
هنا هو ضحية في هذا العالم
حيث ضاع من عبد العزيز يقين الصبا
وأصبح كل حلمه أن تصل مراكبه للمرافئ البعيدة
أشرف نصر

قديم 04-04-2012, 10:52 PM
المشاركة 356
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عبد الحكيم قاسم
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة



يعتبر عبد الحكيم قاسم (١٩٣4-١٩٩٠) إحدى العلامات البارزة في الأدب المصري في الثلاثين عاما الأخيرة. ولد بقرية البندرة قرب طنطا. انتقل في منتصف الخمسينات إلى القاهرة وبدأ الكتابة الأدبية في منتصف الستينات حينما سجن لمدة أربع سنوات لانتمائه لتنظيم يساري. عاش في المنفى ببرلين من عام ١٩74 إلى عام ١٩٨5 لاختلافه مع النظام ثم رجع إلى القاهرة حيث توفي عام ١٩٩٠. له خمس روايات، وأربع روايات قصيرة، وخمس مجموعات قصصية ومسرحية.

==
عبد الحكيم قاسم


يعتبر القاص والروائي المصري عبدالحكيم قاسم (حكم.. كما يسميه اصدقاؤه ) من العلامات البارزة في الكتابة القصصية والروائية العربية، وينتمي لموجة الحساسية الجديدة بتوصيف ادوار الخراط والتي كان جيل الستينات الكبير بكل رموزه الفكرية و زخمه وحيويته وثوريته وعراكه الثقافي والايديولوجي والسياسي اهم افرازات ومميزات هذه الحقبة التاريخية ، و لانكاد نذكر هذا الجيل دون ذكر اسماء عبد الحكيم قاسم و صنع الله ابراهيم وابراهيم اصلان ومحمود الورداني وابراهيم عبد المجيد وعبد القادر القط وجمال الغيطاني وعبده جبير ومجيد طوبيا ومحمد مستجاب ويحيى الطاهر عبد الله واحمد هاشم الشريف وبهاء طاهر ومحمد البساطي وصبري موسى ويوسف القعيد وغيرهم من من يمثلون بحق نواة هذا الجيل الكبير بما للكلمة من معنى، و الذي حمل هم وطن مزقه الفقر والتخلف وشتته القمع ورسم بحق ملامح مجتمع في مفترق الطرق ودافع عن مكاسبه بما اوتي من صلابة راي وصدق مواقف


ولد المبدع عبد الحكيم قاسم بقرية البندرة قرب طنطا سنة 1934 انتقل في منتصف الخمسينات إلى القاهرة وبدأ الكتابة الأدبية في منتصف الستينات حينما سجن لمدة أربع سنوات لانتمائه ل تنظيم يساري . عاش في المنفى ببرلين من عام 1974 إلى عام 1985 لاختلافه مع النظام ثم رجع إلى القاهرة حيث توفي عام 1990.


يقول عنه صديقه محمد شعير
( كان الروائي المصري الراحل عبدالحكيم قاسم قد سافر في بداية السبعينيات إلى ألمانيا بهدف المشاركة في إحدى الندوات عن الأدب العربي، وبدلا من أن يظل أسبوعا، كما كان مقررا، امتدت رحلته أكثر من خمسة عشر عاما. عندما وصل إلى هناك قرر البقاء للدراسة، وأعد بالفعل أطروحة حول "جيل الستينيات في الأدب المصري" ولكنه لم يناقشها، وعمل أيضاً في المساء حارسا ليليا لأحد القصور. احساس قاسم بالفراغ والوحدة جعله يمضي وقته بالكتابة، هناك كتب كل أعماله الروائية والقصصية باستثناء "أيام الإنسان السبعة"، و"محاولة للخروج"... )

قديم 04-04-2012, 11:15 PM
المشاركة 357
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الروائي المصري الراحل عبد الحكيم قاسم




عبد الحكيم قاسم من أبرز الكتاب المصريين في المرحلة الناصرية. قضى في السجن عدة سنوات بسبب افكاره ومواقفه وارائه السياسية والفكرية،وداهمه الشلل وهو يعد اطروحته في الأدب .
سافر عبد الحكيم في بداية السبعينات الى المانيا الديمقراطية وعاش فيها عشر سنوات ،ألف خلالها عدد من المجموعات القصصية. وفي الثمانينات عاد الى وطنه الأم وامضى أيامه في القاهرة ،فكان يشارك في النشاطات الثقافية ويكتب زاوية اسبوعية في صحيفة "الشعب".
كان عبد الحكيم انساناً اشتراكياً ومناضلاً في سبيل الحرية والدفاع عن الحقوق الديمقراطية.ومن اخصب أيامه تلك التي قضاها في أقبية السجون .. وعن ذلك كتب يقول:"تعلمت وأنا داخل السجن حقيقتي كانسان لأنني تأملتها طويلاً حتى انه لم يتح لي فرصة أن أتأملها بهذا التوسع والعمق إلا من خلال السجن،ولولا السجن لما كنت توصلت الى الرؤية الخاصة التي امتلكها. فالسجن ثقافة أخرى،وربما بدونه ما كنت أصبحت عبد الحكيم قاسم الأديب،ففيه كتبت أعمالي الأولى من رواية ومجموعة قصصية ".
وكانت الرواية الأولى التي كتبها عبد الحكيم قد أثارت انتباه النقاد والقراء في مصر والعالم العربي ،وأحدثت في حينه ضجة ونقاشاً ساخناً في الحياة الأدبية والثقافية بسبب موضوعها وأسلوبها وصياغتها. وهذه الرواية تناولت تفاصيل الحياة اليومية للانسان البسيط العادي في الريف المصري.
ومن أبرز ابداعات الراحل عبد الحكيم قاسم التي اغتنت بها المكتبة العربية :"محاولة للخروج"و"أيام الانسان السبعة"و"دفترالاحوال"و"المهدي"و"قدر الغرف المقبضة".
وفي التسعينات من القرن الماضي رحل عبد الحكيم عن عمر ناهز الخامسة والخمسين.
عبد الحكيم قاسم مبدع وقصاص مميز وروائي حقيقي وواقعي لم يعش في الأبراج العاجية ،وبقي في الظل بعيداً عن الأضواء والنجومية،وقد عكست رواياته وقصصه الواقع الحياتي للطبقات الشعبية المسحوقة المتعطشة والظامئة للحياة والفرح والسعادة، وتشدنا لغته الجميلة وكلماته المهذبة.

قديم 04-04-2012, 11:31 PM
المشاركة 358
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عبد الحكيم قاســم
[ قصة لم تكتمل ]
بقلم
محمد عبد الله الهادي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
( وكنت أخاله دوماً كخفير غير نظامي للقرية ، خفير : سلاح قلمه وقلمه سلاحه ، تدب قدماه ـ ليل .. نهار ـ أرض الحارات والباحات والدور والمصاطب والغيطان والأسواق والموالد ، فيكتب بعشق نادر ـ يقرب لحد الهوس ـ عن الناس والأرض . إنه " عبد الحكيم قاسم " ، الذي بدا لي أحياناً كقروي ساذج ، حسن الظن بالقادرين علي الفعل ، فيسطر لهم العرائض والشكاوى ، لكن قريته ، محبوبته ، كانت تنتهك منه بعنف وبلا هوادة ، وتتخلى عن عهد البراءة والصبا الأول ، وفي تلك الفترة التي سرقته منها المدن ، كانت قريته تتعرى وتلطخ وجهها بالأصباغ ، لكنه ظلَّ مخلصاً لها ، قادراً علي فعل الكتابة ، وعندما داهمه المرض اللعين لم يتوقف ، وإن فقدت كلماته فرحة الاكتشاف الأول ولذته المستحيلة ، كان تائهاً ما بين ميادين المدن وشوارعها الوحشية ويتعمد الفرار ، لأنه كان يراها علي البعد قرية مستباحة ..
فوداعاً " عبد الحكيم " ، لقد انتهى رصيدك من أيام الدنيا ، ما بين يناير 1935 م ونوفمبر 1990 م وبدأت أيامك الأولى في الآخرة ، فاحك لنا ـ بحق الله ـ طرفاً من طرف الآخرة .. وهانحن نسمع بآذان مصغية )
كنت قد كتبت هذه الكلمات في رثائه تحت عنوان " العاشق الذي رحل "(1) بعد رحيله المفاجئ صبيحة الثلاثاء 13 نوفمبر 1990 م في محاولة لقهر الحزن ، ذلك الحزن الذي خيم علي نفس كل من قرأ إبداع " قاسم " وعرف قدره .

ولد " عبد الحكيم قاسم " في أول يناير 1935 م في قرية البندرة مركز السنطة بمحافظة الغربية ، لكنه كان يعتقد أنه وُلد قبل هذا التاريخ بحوالي عام ، وأنه لم يسجل في دفتر المواليد في حينه علي عادة أهل القرى ، وفي كلية الحقوق التي حصل منها علي الليسانس عام 1946 م كتب أول قصة له بعنوان " العصا الصغيرة " عام 1957 م واشترك بها في مسابقة نادي القصة ولكنها رفضت ، لكن مشروعه الإبداعي الحقيقي بدأ برواية " أيام الإنسان السبعة " مروراً فيما بعد بأعماله الآتية : محاولة للخروج ـ قدر الغرف المقبضة ـ سطور من دفتر الأحوال ـ الأخت لأب ـ المهدي ـ الأشواق والأسى ـ طرف من خبر الآخرة ـ الظنون والرؤى ـ الهجرة إلي غير المألوف ـ ديوان الملحقات . ومسرحيته الوحيدة " ليل وفانوس ورجال " ، بالإضافة لأعماله التي مازالت مخطوطة أو نُشر بعض فصولها مثل رواية " عن كفر سيدي سليم " و " غريبان في الإسكندرية " وكتاب " مقهى وأحاديث " وبعض القصص القصيرة وغيرها ، وشاء القدر برحيله المفاجئ ألاَّ يكتمل هذا المشروع ، فبدت حياته التي امتزجت في قصصه كحكاية سطر بدايتها ولم يقدر لها أن تمضي في طريقها للنهاية .
* * *
يقول " عبد الحكيم قاسم " في إهدائه لقصته " المهدي " :
" ابنتي إيزيس .. ابني أمير .. أرجو أن تعيشا مصراً أحسن من تلك التي عاشها أبوكما وأن تذكراني " .
وإذا تأملنا الحياة القصيرة التي عاشها " قاسم " سنجدها مفعمة بإبداع عظيم له تميزه الخاص ، لقد ظل قارئ " عبد الحكيم " مع كل عمل جديد ينشر له ينتابه شعور بأنه لم يقل كل ما عنده ، وأن جعبة هذا المبدع ما زالت تخبئ الكثير ، تحالف المرض الذي داهمه في أخريات حياته مع ظروف حياتية لم تكن ميسرة في كثير من الأحيان .. تحالفا ضده ، ووقفا حائلاً دون رغبته في البوح بكل ما لديه .

عندما عاد من ألمانيا بعد عشر سنوات قضاها هناك ، سأله الأديب " فؤاد حجازي " عن طموحاته في المستقبل فقال : " أن أبني داراً في بلدنا المندرة .. داراً قدامها مصطبة وجميزة وزير .. وأن يكون في داري شاي وسكر لضيوفي .. وشباك بحري أجلس قبالته وأكتب " (2) ، وأظنه كان صادقاً كل الصدق في رغبته هذه ، رغبة الفلاح القراري في العودة لجذوره وأصوله ، لقد تشتت جهده ما بين أطروحته عن جيل الستينيات ، وما يتطلبه هذا العمل الأكاديمي من جهد وبحث وما بين قدرته علي الإبداع والتفرغ له ، وظل السؤال المحير : لماذا يتفرغ مبدع مثله ، وطوال هذه المدة لدراسة هذا الأمر؟! ، دراسة يمكن أن يتكفل بها آخرون ، وهنا في مصر ، وربما بصورة أفضل .. هل هي " محاولة للخروج " ـ وهانحن نستعير عنوان روايته ـ تلك المحاولة التي فعلها آخرون من قبل ؟ ، هؤلاء الكتَّاب الذين تاقت نفوسهم للهجرة صوب الشمال حيث حضارة الغرب بكل ما تعني ؟ .
كتابات عبد الحكيم قاسم تدور حول محور القرية : قريته " البندرة " التي كتبها بخصوصية شديدة في المذاق والطعم والنكهة إذا جاز لنا هذا التعبير ، ومن خلال إبداع عام لجيل الستينيات المتميز ، الذي تخصص بعض أفراد كتيبته في تناول القرية المصرية ، كتب قريته بتنوع وثراء ، وظل له ـ بينهم ـ صوته الخاص كماركة مسجلة تقترن باسمه ، صوت ملم بدقائق أمور القرية وأطوارها وحيواتها المختلفة ، وربما تأتى له ذلك لكونه يكتب بحب نادر عمن عرفهم من أهله وناسه . وكان عبد الحكيم أيضاً ـ في كل أعماله ـ مولعاً باللغة التي كان ينحت منها جملاً رصينة وجميلة في آن ، كلمات ينتقيها من المعجم تبدو عامية ولكنها فصيحة . ولكنه كان حريصاً في الوقت نفسه ألاَّ يسمح لجماليات اللغة التي عشقها أن تسطو منه علي المضمون فتهمشه أو ترهله أو تنفيه أو تبعده عن موقعه الذي يريده له وهو موقع القص ، ولم يلجأ للغموض أو الرمز ، ولم تغره محاولات التجديد التي من شأنها أن تفصم عُرى التزاوج الشرعي ما بين الشكل والمضمون .
كان المرض قد نال منه كما ذكرنا ، وعندما أفاق قليلاً من وطأته واستطاع العودة لقلمه ، كتب عدَّة قصص متفرقة ، نشر بعضها في مجلة الهلال ، قصص قصيرة ربما لا تزيد الواحدة منها عن صفحة أو صفحتين ، بدا من خلالها وكأنه يحاول باستماتة الإمساك بأشياء تفر منه رغم أنفه ، وكأنما كان يبكي أسى علي أشيائه الحميمة التي تنتزع منه بلا هوادة ، وقد جُمعت هذه القصص فيما بعد في مجموعته " ديوان الملحقات " .

كانت القرية التقليدية القديمة ، قرية الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات تتغير ، لم تعد أليفة كما كانت ، صدمة التغيير التي اصطدم بها كل الكتَّاب ذوي الأصول الريفية ومنهم عبد الحكيم ، حتى أن واحداً منهم هو صديقه " سعيد الكفراوي" قال ذات مرَّة : " إن القرية التي نكتب عنها لم تعد موجودة .. إننا فاشلون " .
* * *
لم يأخذ" عبد الحكيم قاسم " حقه من التكريم في حياته ، وأعتقد أن الأدب لم يجلب له سوى المتاعب ، ولم يوفر له حياة لائقة كان يستحقها هو وأبناء جيله ، يقول ساخراً في لقاء معه : " أنا حتى الآن كل ما حصلت عليه من أجر الكتابة لا يساوي ثمن جوز جزمة ومديون في ألمانيا " ، كان يكتب في أخريات أيامه زاوية أسبوعية بعنوان " قراءات ومشاهدات " في صحيفة الشعب لسان حال حزب العمل ، وكتب فيما يكتب عن أبناء جيله ، جيل الستينيات ،كتب موضوعات أثارت البعض وألبت عليه مشاعر الآخرين ، لكنني أعتقد أنه لم يكن يرمي إلي ما يقوله صراحة ، بقدر ما كان يلقي بأحجاره في البحيرة الراكدة في البحيرة الراكدة علها تنشر دوامات من الجدل والنقاش، يقول : " أمَّا عن جيل الستينيات فقد كنت متحمساً جداً لهذا الجيل ، وكتبت عنهم بحماس شديد ، لكني بدأت في الفترة الأخيرة أسخط علي هذا الجيل وأريد أن أهاجمهم ، وأنني أرى بعد قراءة مدققة كثيراً من الفشل الرهيب في أعمالهم وأود أن أكشف هذا الفشل للناس "(3) ، وقال في مرَّة أخرى : " أدباء الستينيات خزنوا الأدب في بلاليص الجبن القديم ووضعوه علي سطح قهوة ريش وحولوه لشيء قميء جـدا ً"(4) ، وقال أيضاً : " أتساءل لمن يكتب هؤلاء ؟ ، إنهم يشربون البيرة طوال الليل وينامون طوال النهار ، إنهم منعزلون عن الحياة والمجتمع ، عليهم أن يبتعدوا عن القاهرة وأن يعيشوا في العـزب والكفور ، وأن يتفرجوا علي الناس وأن يعايشوهم "(5) . وعلي جانب آخر ربما أوحتْ له أطروحته التي كان يعدها في ألمانيا ببعض الآراء عن أدباء الستينيات وإنتاجهم وموقفهم من السلطة ، كان قد تقدم بها لمعهد الدراسات الإسلامية في برلين الغربية ، وعن تفسيره لموقف أدباء الستينيات من السلطة يقول : " لا أقصد طبعاً الموقف الفعلي المادي ولكن الموقف حينما يتحول الأدب إلي محتوى للأفكار السياسية التي لا يمكن أن تقال بأسلوب آخر ، ويظهر هذا الموقف من خلال الأدب علي أكثر من مستوى ، مثلاً حينما كانت لغة الثورة في هذا الوقت دعائية ورنَّانة كان أدباء الستينيات يكتبون ويستعملون لغة رصينة بعيدة عن المبالغة ، وفي الوقت التي كانت الثورة تتحدث عن الانتصارات كان الكتَّاب يتناولون الأشياء بشكل واقعي مجرد وبسيط ، أيضاً أدباء الستينيات لم يتحدثوا عن الجوع لأنه لم يكن هناك جوع حقيقي ، الثورة قدمت شخصية المتفائل ، حتى المعارضة لها لك تكن صارخة ومجلجلة ، ولكنها تأخذ صورة الجدل مع شخصية الأب ، شخصية عبد الناصر ، ولذلك نجد شخصية الأب هي المفتاح في أدب الستينيات وعند أدبائها "(6) . ولم يتمكن عبد الحكيم كما ذكرنا من إتمام رسالته ، وعاد إلي مصر بمبرر غير مقنع :
" لقد قطعت شوطاً طويلاً في هذه الرسالة ، وكنت موشكاً علي الانتهاء منها ، لكني فوجئت بابنتي تقول : إمَّا أن أذهب الآن إلي مصر وإمَّا لن أكون مصرية بعد اليوم فقد بدأت أحب ألمانيا "(7) .
* * *
كان قد بدأ يطرق أبواب النشر ، فنشر قصته الأولى " الصندوق" في الآداب البيروتية عام 1964 م ، لكن روايته الأولى " أيام الإنسان السبعة " (8) والتي نُشرت عام 1968 م كانت عملاً مميزاً وفريداً في أدبنا العربي ، قال عنها صلاح عبد الصبور عندما قرأها : " أحسن كتاب قرأته في الخمس سنوات الماضية " ، وقال عنها " عبد المحسن طه بدر " : " إنها رواية تقدم لنا في جملتها رؤية متكاملة للقرية المصرية ، رؤية يلتحم فيها الذات والموضوع " . هذا ويعتقد عبد الحكيم قاسم أن شهرة هذه الرواية ترجع إلي حظها في أنها أولى رواياته التي نُشرت ، وأنه لو نُشرت له أية رواية أخرى مثل " محاولة للخروج " أو " قدر الغرف المقبضة " لكان قد تحقق لها نفس الشيء ، لقد كتبتها بحب شديد لشخوصها من الريف ، وقد عبرت بصدق عن هموم الفلاَّح ، ولقد ظلَّت شهرتها مع هذا تؤرقه ككاتب ، فهو يقول في موضع آخر : " أنا كتبت غيرها وأكتب غيرها وسأكتب غيرها ، فأنا في سباق مع أيام الإنسان السبعة حتى أكتب رواية تهزمها " . تنسج الرواية قصة الزيارة السنوية التي تقوم بها قريته لضريح سيدي أحمد البدوي في طنطا ، وتتناول عالم هذه القرية بكل دقائقه وتفاصيله وأسراره من خلال رؤية عميقة ، ورغم احتفال الرواية بهذه التفاصيل التي تبدو تقريرية تدنو من أرض الواقع ، إلاَّ أنها واقعية ذات نسيج خاص يتطلبه العمل الفني الذي كُتب بطريقة غنائية أقرب إلي الوجد ، يحوم حول الواقع ويعود إليه بقدر ما يتطلب العمل ، يقول عبد الحكيم : " كتبت رواية أيام الإنسان السبعة في السجن .. ثم كتبتها بعد ذلك ثلاث مرَّات حتى خرجت بالشكل الذي نُشرت به في عام 1968م "(9)
* * *
أمَّا روايته " محاولة للخروج " (10) يشير غلافها في محاولة للتعريف بها أنها محاولة للخروج من الوطن تنتهي بمزيد من الدخول فيه . الرواية هي محاولة للتعرف علي الآخر القادم من الغرب : الفتاة السويسرية " إلزبث " التي قدمت لزيارة مصر مع فوج سياحي ، وتنشأ العلاقة ، تلك العلاقة التي عزف علي وترها من قبل آخرون : الطهطاوي وطه حسين وتوفيق الحكيم وإدريس وحقي والطيب صالح وغيرهم ، وفي مواجهة الآخر يعري عبد الحكيم قاسم مظاهر القبح والدمامة والرثاثة والفقر في الوطن ، يتحدث ـ مثلاً ـ عن صف الغرف علي السطح تحت الشمس حيث يقيم بطل القصة ، يتحدث عن البيوت الفقيرة : " كم هي فقيرة وقذرة هذه البيوت ، هؤلاء الناس الذين يحدقون أعين متسعة تقتحم خصوصية الآخرين : سائق التاكسي وصبي المراكبي وموظف البرج ، إنه لا يتوقف كثيراً أمام مشاهد الحضارة المصرية القديمة ، وما تمثله من عظمة تستدعي وجود الآخر وانبهاره ، هو يتناولها بلغة حيادية وصفية كأنما الحاضر لديه منقطع الصلة بالماضي ، وهاهي حيواته وتجاربه وذكرياته وقريته وأسرته والأب والأصدقاء من الدراويش وناس المدينة ، هاهو يستدعيهم في خطوط تتوازى أو تتقاطع وتقفز كل حين أثناء تجواله وصحبته لـ " إلزبث " .
هل الرواية تجدد العزف علي وتر التلاقي بين حضارتين : حضارة آنية وفتية ومسيطرة وقادرة في مواجهة أخرى تسترجع صورها من التاريخ ؟ ، الأمر لا يبدو هكذا برمته ، تسأله " إلزبث " : " لماذا تبقى في هذا البلد ؟ " ، ويجيبها : " إنها بلدي يا إلزبث " .
وتظل النظرة الروائية للآخر في العمل محيرة ، فلا الفقر قرين التعاسة في معظم الأحوال ، هاهو يصحب " إلزبث " إلي قريته ومجتمعه الذي ينشد البساطة الأثرة ، يرى سعادته في تلك الأشياء البسيطة : الترع والمساقي والخضرة وبيوت الطين وأكوام القش وقعدات السهر وشاي العصاري وارتياد المساجد ومجامعة الزوجات ومجاملات الأهل .
تلك الحياة الثرية بالتفاصيل المحببة والمرهقة لنفس الراوي في آن ، لا يعادلها لديه أية صورة من حياة أخرى مترفة بالمدينة بالنسبة لفلاَّح قراري ، ربما هو التطلع والتشوف لآفاق أفضل لبني جلدته .
* * *
" مازالت كلمات أبيه تعاوده بين آن وآن :
هذه الدار ريحها ثقيل .. " .
هكذا يقول " عبد العزيز " في رواية " قدر الغرف المقبضة " (11) في بداية روايته عن الغرف التي تلازمه كالقدر مع نمو وتوالي سنوات عمره ، تقبض علي روحه وتكبل جسده وهو مازال طفلاً في القرية ، ثم وهو ينتقل للمدن الصغيرة أو الكبيرة : ميت غمر وطنطا والإسكندرية والقاهرة وبرلين ، عشرات الأماكن الملآنة بالتفاصيل التي تبرز القبح والتشوه والروائح الكريهة ، تتشوه حياة الناس وتعـذب أبدانهم في سعيها الطبيعي لإشباع حاجاتها الفسيولوجية ، تتشوه النفوس فلا تظل سوية ، وتفرز ذواتهم أسوأ ما فيها من عدوانية وشذوذ وابتزاز وحقـد .
إنها الغرف المقبضة في البيت والمدرسة والجامعة والمسجد والزنزانة ، الغرف التي تمد مخالبها علي ساكنيها وتجعل حلم الفكاك من قدرها أمراً بعيد المنال ، وتظل الغرف الأخرى المريحة والنظيفة علي الجانب الآخر قليلة ، متفردة ، غريبة ، تنظر إليه باستعلاء مزدري ، هكذا يكتب عبد الحليم عنها بلغة بسيطة تناسب المعنى المقصود ، كأنه يرسم الصورة بأقل الكلمات وأكثرها وضوحاً ، لتتحدث الصورة عن نفسها بلا " رتوش " ، وتبدو في كثير من المواضع لغة محايدة وجافة تنصب علي الغرف وقدرها الكابوسي ، لتتوارى كثير من الأحداث التي تثير فضولنا وتساؤلنا : لماذا انخرط عبد العزيز في عمل ثوري قاده إلي الزنزانة ؟، من هم الذين تكتم ولم يفصح عنهم ممن كانوا معه ؟ ، وما هي ماهية العلاقة بينه وبين متغيرات المجتمع المصاحب للمد الثوري لثورة يوليو 1952 م ؟ ، لماذا هذه الديمومة في سكنى الغرف المقبضة ؟ ، هل كتب عبد الحكيم جزءاً من سيرته الذاتية مستخدماً الحيلة الروائية ، فحتم ذلك عليه عدم البوح بما يجب أن يفصح عنه إيثاراً لطبيعته الشرقية ، متجاهلاً ما وصل إليه الغربيون من صدق في سرد ذواتهم وتعرية نفوسهم بلا خجل ، كما تساءل أحد النقاد ؟ .. ربما .
* * *
في رواية " الأخت لأب " نفس العالم الأثير بالنسبة لقاسم : القرية ، لكننا هذه المرَّة مع مع هذا الطفل الوحيد " شوكت " في محاولاته الدءوبة للدخول لعالم أسرته لأبيه حاملاً علي كتفيه وطأة غرابة الاسم وبياض البشرة ونعومة الشعر وعائلة أمه التي ترتدي ملابس أخرى وتتحدث بلغة أخرى في مواجهة مسميات القرية وسحن ناسها الملوحة بالشمس ، وأهلها وهم يفلحون الأرض ولا يملكون من حطام الدنيا إلاَّ عافية البدن ، يبغضون أمه الغريبة عنهم ، تتعثر محاولاته في هزال بدنه ، والأب الغائب في معظم الأحوال . يتوقف حائراً أمام مظاهر النفور البادية من أخوته لأبيه والأعمام وزوجاتهم ، يحاول ويقترب من أخته لأبيه " مبروكة " ، ينتظر عودتها من الحقل ليلعب معها محاولاً الدخول لعالمها ، تدفعه في لعبة " العريس والعروسة " مع " عفت " الجميلة للاندماج في دوره والوصول لنهاية اللعبة ، يحزن ، ويتنامى الحزن في نقاط كثيرة من الرواية بأحداث متتالية علي القلب الطفلي .
أمَّا في " سطور من دفتر الأحوال " نجد أحوال القرية دوما علي مر الأجيال والعصور : فلاَّحين مقهورين ، معذبين ، مغروسين في طين الأرض ، أمَّا السادة فهم دوما السادة ، يأتون في حللهم النظيفة من العواصم والبنادر ، نقرأ ما بين السطور عن بيوت الطين والمساجد والمحاكم ونقاط الشرطة ، نقرأ ما بين السطور أيضاً عن قوة النفوس في مواجهة البطش والقسوة .
* * *
في رواية " المهدي " (12) يغوص عبد الحكيم بقلمه في عالم الجماعات الدينية ، ذلك العالم الشائك ، نحن معه بين مجموعة من شباب الإخوان المسلمين في القرية ، جماعة تدعو لصحيح الدين وتحاول تمثله في حياتها ومعاملاتها و اجتماعاتها وعباداتها ، بالخطابة والوعظ والمؤتمرات ولجان المساعدة وفرق الجوَّالة .. الخ .
لكنها بانكفائها علي ذاتها تتعثر حين تمد يد العون للمعلم " عوض" القبطي صانع الشماسي ، الذي جاء إلي القرية مأزوماً بمشاكله ، ثم تدعوه لهداية الإسلام ، ويستسلم صاحب الحاجة للأيدي التي تنتزعه من جذوره وتفصله عن جماعته التي التصق بها طوال عمره ، تتحطم نفسه ولا يستطيع المضي قدماً معهم ، ويسقط من بين أيديهم فاقداً وعيه ، بينما مظاهر الاحتفال بهدايته في ذروتها ، التهليل والتكبير ومكبرات الصوت الزاعقة التي طغت علي صوت الوطن الذي يحمل فوق أرضه وتحت سمائه كل أبنائه مهما اختلفتْ عقائدهم ، هل كانت تجربة قاسم كمسلم يعيش في مجتمع مسيحي بألمانيا دافعة له لكتابة " المهدي" ؟ ، هل تجنى قاسم علي الأخوان المسلمين في هذه الرواية ، خاصة أن مجتمعنا لا يعاني من مشكلة طائفية ؟ ، لا يوجد اضطهاد ديني أي مستوى حتى في أكثر الأوقات تصاعداً لحدة الإرهاب المستتر بعباءة الدين ، والذي وجَّه رصاصاته لصدور المسلمين والمسيحيين علي حد سواء ، يرد قاسم علي هذه التساؤلات في حديثه لمجلة الرافعي(13) بأنه قريب جداً من الفكر الإسلامي ، ولا يوجد فيرأسه فكرة غير إسلامية ، ويقول أيضاً : " أنا لست شيوعياً تائباً كما يرى البعض ، فأنا لم أكن أبداً ماركسياً أو شيوعياً بالمعنى الحرفي للكلمة ، كل ما هناك أن في الماركسية بعض الأفكار التقدمية من حق الناس أن يأخذوا بها حتى ولو لم يكونوا ماركسيين " ، ويقول أيضاً : " تلك هي حيرة الإنسان المخلص حين يكون في وسط عقائدي يزحمه بعقائديته " .
* * *
" الظنون والرؤى " (14) مجموعته القصصية الأولى التي تضم قصص : القضية ، تحت السقوف الساخنة ، عن البنات ، شجرة الحب ، الموت والحياة ـ حكايات حول حادث صغير ، البيع والشراء .
هي قريته التي مازال يكتب عنها ، يقول " إدوار الخراط " : " الظنون والرؤى هي القرية المصرية ، أفراحها وطقوسها ، أوجاعها وغضباتها ، ترديها ومجدها ، واقعها وحلمها " .
في قصة شجرة الحب ثمة مقاطع أو أقاصيص متصلة ومنفصلة في آن : الأم ـ الولد ـ شجرة الحب ـ عن الرجال ـ معلم الصبيان ـ يوم غير مجيد ـ ثمالات أحاديث .
يرسم قاسم صورة رائعة لبائعة البلح ، وهذا الولد الغريب ، والأولاد الذين رسموا علي جباههم شجرات الحب ، تنادي علي بضاعتها : " يا بن الطويلة يا بلح .. يا هز نخلتنا .. خسارة عليك في التراب يا نايح " . أيضاً عندما يختتم عبد الحكيم قصته وهو يناجي الصباح : " ما أشوق كل المخلوقات للصبح ، للنور تزدهي فيه أوراق النوار وأجنحة الفراش " .
* * *
تضم مجموعة " الأشواق والأسى " (15) ثمان قصص ، يبدأها قاسم بقصة " قريتي " : " اسمها البندرة ، قد تجدون الاسم ثقيلاً ، لكنه ـ لو تعلمون ـ كل متاعي حينما عرفت السفر إلي المدينة " . في قصة " الصندوق " : " صندوق مبروكة الذي يحتوي حاجاتها وأحلى ذكرياتها في أيام زواجها القليلة ، فالغالي قد رحل وتركها في دار أخيها ، يمضي العمر بها كليل الشتاء ، لا تجد سلواها سوى في الصعود وقت القيلولة للسطح حيث الصندوق ، تفتحه وتتلمس الأشياء وتروق نفسها قليلاً ، لكن ، حتى هذه المسرَّة الصغيرة لا يتركها لها أطفال أخيها وأمهم : " العيال وحاجاتهم للكساء " . أمَّا في قصص " ليلة شتوية " و " السفر " و " الخوف القديم " و " غسق" و " الصفارة " و الخوف " نمضي مع أناس قريته ، فمأساة " صديقة " ، في ليلة شتوية ، تلوكها الألسن علي أسطح الأفران الدافئة في ليالي الشتاء ، لقد أخذت بثأر محمد المسفوك دمه أمام عينيها ، هل هي قاتلة حقَّاً ؟ ، تمضي أيامها وحيدة وهي ترعى أغنامها وتستقبل نتاجها الوليد في عز الليل ، تضمه لصدرها المكدود المجدوب " : " تثغـو الشاة الأم ثغاءً فيه فرح " . وفي قصة " السفر " تمضي المرأة ساعية نحو الضريح : " جئتك حافية ورأسي عريانة " ، هي رحلة القرية للمدينة ، تلك المدينة الصاخبة بالمساومات والصياح والشتائم وزفرات المخدوعين ، مدينة قبيحة : " لولاك ما جينا يابو فرَّاج " .
* * *
" طرف من خبر الآخرة " (16) ، إنها الرواية الخامسة والتي تتناول علاقة الإنسان بالآخرة : الموت والقبر والملكان والحساب والنشور ، وتعرج الرواية علي تفاصيل الموت والغسل والتكفين ، عن ناكر ونكير ، قصة الحفيد وقصة الميت خطان يتلاقيان ويتباعدان ، يقول الناقد محمود عبد الوهاب : " رواية لا يعنيها تدهور وانحطاط التركيب العضوي لجسد الإنسان ، ولا يعنيها تقصي الطقوس المواكبة لذلك الموت البيولوجي طوال رحلة خروج الفرد من دنيا الأحياء ، إن ما يعنيها هو الكشف عن حركة دولاب الحياة والموت طوال سني العمر ، وعن مسافة الاقتراب أو الابتعاد عن دائرة التوافق والتناغم والانسجام مع قوانين الوجود " .
* * *
في " الهجرة إلي غير المألوف " (17) كتب قاسم علي غلافها : " ديوان قصص " ، وتضم : " الصوت ـ عطية أبو العينين داود ـ طبلة السحور ـ رجوع الشيخ ـ المهدي ..
إذا ما توقفنا قليلاً أمام قصته الفريدة " طبلة السحور " حيث تتشابه البداية والنهاية : " والرجل يمضي في ليل الحارات كتلة من الظل في شفيف العتامة .. " ، وما بين البداية والنهاية دوَّامات وتيارات من الذكريات والمشاعر ، وأناس عرفهم وأحبهم الراوي ، منهم " الشابوري " صديق الطفولة الذي يعيده للماضي الجميل ، حيث طقوس شهر رمضان القرى ، والقلب الطفلي الذي يتلقى الصدى ، " الشابوري " يحمل طبلة السحور ويدور ، والراوي يهمس متسائلاً كل حين : " ما هي طبلة السحور ؟ ، طبلة السحور ما هي ؟ " ، وهانحن نمضي خلف الشابوري في ليل الحارات ببحث عن لصدى ويقظة الروح .
* * *
وفي قصص " ديوان الملحقات " (18) ندرك أن الملحقات هنا إنما يعني بها قاسم ، أو ربما أراد أن يوحي لنا ، أن هذه القصص التي تضمها المجموعة هي ملحقات لأعماله السابقة ، وهي قصص كتبها تقريباً بعد محنة المرض ، كما أنها في معظمها تميل للقصر . ففي قصة " صاحبة النزل " نجد المرأة التي تسقط تحت وطأة الوحدة بين براثن الطالب الذي يسكن عندها ، كيف خدعها وهرب ؟ : " ثم نطحت الباب برأسها وسقطت والدم ينبجـس من جبينـها " .
* * *
مسرحية " ليل وفانوس ورجال " (19) هي مسرحيته الوحيدة ولا يبتعد عن عالم القرية ، المضيفة عليها أثار عز قديم ، والأب والابن والجد والضيف والصديقان والزوجة والحبيبة شخوص تلتقي في عالمين : عالم الأب والجد والابن في تواصله وامتداده ، متسلحاً بالحكمة والمعرفة والمثل العليا ، وعالم الضيف والصديقان وابن الأخ في التصاقه بالواقع المعاش ، بالأرض والرهن والمزاد ، الأب يبدو فوق أريكته تحت ضوء الفانوس ككائن أسطوري يعلو بمثله وقيمه وحكمته فوق البشر، غير آبه أو هيَّاب حتى بعد أن تجمعت حوله كل نذر الشر ، فالضيف يقرقع بسكينه في مخلاته ، وابن الأخ يحذره من القاتل بعد أن انصرف عنه الصديقان ، الخنجر يتجه للصدر المعزول المتقوقع في علوه ، يمضي الأب في صحبة الجد في صورة كأنها حلم ، بينما يعتلي الابن ذات الأريكة ، وتحت ضوء الفانوس ، في ديمومة مفارقة لدنيا الناس .
* * *
ويرحل عبد الحكيم قاسم كما يرحل كل الناس ، فقد كانت حياته قصته ، وقصته هي حياته ، وعندما توقفت حياته وانقصف عوده ، فإن قصته لم تكتمل ..
يقول شاعر العامية المصري مخاطباً إيَّاه :
تاخد قلمك من صدرك
أنا بكتب أهه ,, ألف باء ألف باء
وأنا الشمس في صدري بتتفتت
ولعت سيجارة وأخدت شهيقي
يضغط ع الشمس يجمعها
ونصبت الكلمة فوق صدري
وتبعتك " .

قديم 04-05-2012, 10:29 PM
المشاركة 359
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عبد الحكيم قاسم

للاسف لا تتوفر تفاصيل عن طفولته وطبعت حياته بـ الفقر والسجن والمنفى والمرض.
"كان يبكي أسى علي أشيائه الحميمة التي تنتزع منه بلا هوادة".

مأزوم.

قديم 04-05-2012, 10:51 PM
المشاركة 360
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
41-مالك الحزين إبراهيم أصلان مصر...مأزوم.
42-باب الشمس إلياس خوري لبنان....مأزوم
43-الحي اللاتيني سهيل ادريس لبنان....مأزوم.
44- عودة الروح توفيق الحكيم مصر.... يتيم اجتماعي.
45- الرهينة زيد مطيع دماج اليمن...... يتيم اجتماعي
46- لعبة النسيان محمد برادة المغرب.....يتيم
47- الريح الشتوية مبارك الربيع المغرب.... مجهول الطفولة
48- دار الباشا حسن نصر تونس........مأزوم
49- مدينة الرياح موسي ولد ابنو موريتانيا.... مجهول الطفولة.
50- أيام الإنسان السبعة عبد الحكيم قاسم مصر....مأزوم.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 101 ( الأعضاء 0 والزوار 101)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 05:02 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.