احصائيات

الردود
0

المشاهدات
3506
 
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي


ايوب صابر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
12,766

+التقييم
2.41

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7857
05-30-2014, 11:31 PM
المشاركة 1
05-30-2014, 11:31 PM
المشاركة 1
افتراضي أسماء هاشم تتحايل على الفقد والأنساق بكتابة «قصة حب» بقلم ممدوح النابي
أسماء هاشم تتحايل على الفقد والأنساق بكتابة «قصة حب»
ممدوح فرَّاج النَّابي
may 29, 2014

تتخذُ أسماء هاشم مِن عنوان مجموعتها القصصيّة «أسما تكتب قِصَّة حُبّ» الصَّادرة عن دار الحضارة، حيلتها المراوغة لإعلان التمرُّد على كافة أشكال الوصايا التي تفرضها مواضعات عُرفية وأنساق اجتماعيّة، حاصرت ذات الأنثى وأجهضت أحلامها، بل طاردتها في وحدتها وكانت بمثابة العِقَاب الأبديّ لها على أفعالٍ ربما لا تَحْدُث، ولكن هاجسها كان كامِنًا في بُقعةٍ خَلفيةٍ مِن تلك العَقليات التي تَرى في المرأةِ / جسدها عارًا وعيبًا.
وبناءً عليه كانت تأتي الجارات في أوقاتٍ غير مُناسبةٍ للتفتيش في بيت الأرملة عن رَجلٍ «ربما تخبئه في إحدى الغُرف»، أو يَدفع بالسَّاردة / الكاتبة لأن تَتخفى وَهي ذاهبةٌ إلى البوستة (البريد) لإرسال قِصتها إلى إحدى الصحف، أو حتى تَجعل بطلتها تَستدعي مِيراثًا من القَهر حَاضرًا وَمُتجسَّدًا في صُورة عمتها «عيشة» حتى لا تُكرِّرَ تجربة عِشق الغَريبِ، ومِن ثمَّ يتساوى المَصيران .لذا كان هذا الإعلان المُسبق بمثابة تحدّي لهذه الأنساق، ومحاولة خَرقها حتى ولو جاء هذا التحدّي في صِيغةٍ خياليّةٍ على نحو ما فعلت في القِصَّة المعنوَّن بها المجموعة ككلّ.
(1)
مُنذ القِصة الأولى تُعلن الذَّات عن نفسها عبر فِعْل الكتابة الذي يأتي كصفة للسَّاردة تُظْهِرُ به تمرد الذَّات أو يأتي كنوعٍ من المقاومة لتلك التقاليد التي ترى في الكتابة فِعْلاً ذكوريًا بامتياز، كما تجعل من الكتابة بديلاً عن الفشل الذي واجهها في استمرار علاقتها مع العامل في البازار الذي بَهَرها باتقانه اللُّغات وعندما تَفشل تحوِّله إلى حكايةٍ انتهتْ بالحَذر على مستوى الواقع، فَتُتِمُها عبر الكتابة كما في قصة «ولم تنتهِ بعد»، نفس الحال نراه يتكرّر في قصّة «أسما تكتب قصة حُبٍّ» فمع إلحاح صديقتها عُلا في أن تكتب، وتردُّد السّاردة «إزاي أكتب قصة حب؟»(28) إلا أنها تتمرَّد عبر خيالها فتنسج حكايةً عن لقاءٍ لم يتحقق على أرض الواقع «عن ولد أسمر كطمى النيل، عَذْب فى لحظات صفوه كماء النيل، يعشقُ النيل والنخيل، وأغنيات محمد منير. مرة يأتينى مهووسا بحبِّ الحياةِ ويَحكي عن بنتٍ تحبه، ومرة يأتيني مسكونًا بالهمِّ ملفوفًا بالهم يغيب خلف دخان سيجارته ويقول بصوت مطحون.: مُتعبٌ أَنا.» (29). أو تتخذُ الكتابة وسيلةً تستدرجُ بها الجد (شيخ العرب) وتحقُّق ما كانت تفعله سِرًّا بعدما لم يُبْد اعتراضًا على كتابتها، وإنْ كان بذكوريته أرادَ أنْ يُحوِّلَ النَّجاحَ الذي حقّقته لصالحه بالكتابة عن أمجادِه الغابرة كما في قصِّة « شيخ العرب».
(2)
عَالم القصّ لدى أسماء هاشم مُوغل في المحليّة والخصوصيّة، حيث تتخذُ من قريةِ الحاجر في الجنوب بؤرة للسَّرد، بما تحمله من أَبْعَادٍ جُغْرَافِيّةِ ونَفْسِيّة، ليشارك المكان مع إنسانه بفرض أنساقه وهو ما انعكس على شخصياتها على نحو تساؤلات الساردة «وكيف لبنت جنوبية مثلي أنْ تكتبَ قصة حبٍّ؟ بنت مثلي تربت على أرض سبخة جرحت طراوة أقدامها الصَّغيرة حين كانت تكتشف حدود الأمكنة وتحت شمس اكتشفت قسوتها بعدما أذابت جلدها وبدلته بآخر خشن كملمس جذوع النخل» (ص28). في مثل هذا الواقع المحمَّل بنسقٍ خاص، تُحَرِك شخصياتها وتواجههم بماضيهم وأفعالهم، بأفراحهم وأتراحهم، بنزقهم وأحزانهم، وكأن المؤلفة بهذا العالم المُغلق على نفسه والغير مفارق لبيوتهم الطينية وأخصاصها وأبراج الحمام بها، وترابها، تأبى أن تنخلع عنه رغم قساوته التي تبدو كصليب عذابهم اليومي دون أنين أو اعتراض، فتنسج منه أسطورته بنماذج شخصياتها كالجد «شيخ العرب» الذي فارقه عزه، ورَاحَ يجترُّ ماضيه الغابر، أو الجدّة التي فارقتْ سُلْطتها فاكتفتْ بتريبة دجاجاتها، أو بنسائه المقهورات كالعمّة عيشة والأمّ الأرملة، وكذلك بعالم العبيد الذين تخلَّصُوا مِن الخدمة في البيوت، وإنْ لم يتخلَّصُوا مِن تعالي النَّاس عليهم، أو عبر عاداته التي ترى في الغَريب شَخْصًا غير مرغوب فيه، وتطارده أينما كان وفي أيِّ صورةٍ حلَّ عليها حتى ولو كان في صورة ذكر حمام. كما تفعل الجدَّة فتطارد الحمام الغريب كُل صباح «حتى لا يختلط بحماماتها».
(3)
تهيمن تيمة الفقد على المجموعة المكوَّنة من ثماني قصص، متفاوتة في الطول والقصر، أطولها قصة «حوش العبيد»، وأقصرها «مثل أحجار ثقيلة»، كما أنَّها متنوِّعة ما بين فقد حقيقي كما هو حال الزوجة في قصة «أمي الأرملة» حيث افتقادها للزوج، وما تبعه من افتقاد معنوي للدفء والحنان، والأمان بترك الأضواء مفتوحة، وكذلك قصة «صور ابني الميت» حيث تفقتد السَّاردة ابنها الجنين، أو فقد جزء من الجسد كما هو حال الجدة التي تفقدُ عينها حزنًا وبكاءً على مآل ابنتها عيشة، إلى الفقد المعنوي حيث فقد الحبيب كما في قصة «ولم تتنه بعد»، حيث العمّة عيشة تفقد حبيبها / الغريب، انسياقًا للأعراف الثقافية التي ترفض الزواج بالغريب، وهو ما يتكرّر مع القصة المتداخلة معها، حيث السَّاردة تخشى من تِكرار مأساة العمَّة التي راحت تجتر أحزانها في خلافاتها مع زوجات الإخوة، في صورة العامل الغريب الذي يعمل في البازار، وقد يصل الفقد إلى فقد الميراث كما في قصة «سقوط السيدة رقم 1» وِفْقًا للأنساق الفاعلة التي ترى «أنّ الإناث لا يرثنّ»، بالإضافة إلى فقد المكانة كما هو حَال الأم التي تحل محلها زوجة الابن وتصبح السِّيدة رقم واحد، والجد (شيخ العرب) الذي يفقدُ مَكانته عندما كانتْ خَيمته تمتلأُ بأصحاب المظالم ولم يبقَ منها سوى «العباية والعمة والخيمة التى صارت أغلب الوقت خالية»(25).
في سياق عالم سمته الفقد يكون الخيارُ المُتاح للشخصيات هو البحثُ عن بديلٍ لها، على الأقل لتقليل وطأة الفقد كأنْ تقوم الزوجة الأرملة انصياعًا لواقعها الجديد بصباغة الملابس الملوّنة باللون الأسود، وتستغل المواسم لصناعة القُرَص التي يحبها الزوج، أو أن تختلق الحب على الورق مادام لا يتحقق في الواقع، أو تتلهى الجدّة بتربية الدَّجاج وترتكن إلى الظل كاستجابة لحتمية التغيير بعد أن فقدت سلطانها في مملكتها بعد رحيل الزوج وتصعيد الابن لزوجته مع صعوده، أو تعيد الأم التي فقدت ابنها تفاصيل الحكاية منذ أن كان في بطنها وتمنحه حياة على الورق هو مفتقدها في الواقع بموته الحقيقي. المرادف الآخر للفقد هو الهزائم التي تلاحق الرِّجال والنساء على حدٍّ سواء مع اختلاف مسببات تلك الهزائم، كالجد (منزلته) والجدة (سلطتها) والعمة عيشة (انكسارها بعدم الزواج) والغريب برفضهم زواجه من عيشه، وصولاً إلى عامل البازار الذي لم يتقدّم خطوة واحدة لخشيته من الهزيمة ذاتها. العجيب أن جميع الشخصيات امتثلوا لهزائمهم دون مقاومة خاصة النساء وكأن ثمة يقين أن لا جدوى من الثورة في ظلّ مجتمع ذكوري، فالسيدة الأولى في قصة «سقوط السيدة رقم1» ترضخ لضياع سلطتها «فلم تبكِ على أيامٍ مضتْ ومثلما تختارُ الأفيال منافي موتها اختارت هي الظلّ» مع أنها «تُدرك أنّ الطيورَ لن تأتي، وأنها حين خلعت عقدها الذهبي حزنًا على الزوج/ السيد السابق لن تلبسه مرة أخرى »(55) نفس حالة الاستسلام تتكرَّر مع العمَّة عيشه التي ضَاع عنها الزواج بسبب تفعيل قانون القيم والأنساق، بعدما شاعت علاقتها بالغريب، فانتهى بها الحال لأن توزع جهازها الذي كان محفوظًا في صناديق كبيرة وكثيرة، احتشدت بها غرفتها ليوم الزفاف الذي لم يأتِ وراحت تتخلَّص منها بإهدائها لبنات العائلة عند زواجهن.
(4)
تنتصر السَّاردة للمرأة مِن خلال المؤلف الضمني (المتوازي مع المؤلفة) والذي يحضر داخل النُّصوص في اختياراته لعناوين القصص أو حتى اختيار عنوان المجموعة كاملة، حيث حضور المرأة اللافت عبر اسمها تارة كما في القصة المعنوَّن بها اسمها «أسما تكتب قصة حب»، أو عبر صفتها كما في قصة «أمي الأرملة» وسقوط السيدة رقم (1) أو في قصة «صورة ابن الميت»، أو في حضورها داخل النُّصوص باسمها في مقابل غياب تام لاسم الرَّجُل، حتى الجدّ يأتي بصفته شيخ العرب، باستثناء اسم بركات العبد في القصة الأخيرة، وكأنَّ هذا الغياب المتعمَّد في مقابل هذا الحضور الطاغي هو بصفة عامة انتصار للمهمّش سواء كانوا عبيدًا أو حتى امرأة، وهو نفسه ما يعد تمردًا آخر على أنساق وأعراف هذه البيئة التي تجعل من المرأة ظلاً للرجل، فكأنها تضعها في الواجهة في مقابل أن يبقى هو في الظل أو الهامش.
(5)
مع أنَّ القصصَ جميعها تأخذُ الطابع الكلاسيكي في الحكي إلا أنها تعتمدُ على تقنيات حداثية في الكتابة، حيث ثمّة شيوع لحلقة القصص القصيرة داخل النّص، وأيضا ميل إلى نزوع قصصي قصير داخل القصة الواحدة، فثمة حكايات متداخلة مع بعضها ، لتتولد الدلالة من مجموع الحكايتين أو تكون حكاية مُفَسِّرة لنهاية حكاية ثانية لم تنته كما هو حال القصِّة الأولى حيث نهاية حكاية العمّة عيشة، تنبئ بالنهاية بين البطلة وحبيب البازار التي لم تنتهِ، فعلى الأقل سيحضر أفق التوقعات لنصل إلى النهاية، نفس الحال يتكرَّر في القصة المعنوَّن بها المجموعة «أسما تكتب قصة حب»، وكذلك القصة الأخيرة حيث «حوش العبيد» التي تعتمد نظام المقاطع في بنائها، فلكل وحدة عنوان مستقل وإن كان ثمة ترقيمًا يشي بامتداد الخيط السردي والحكاية بين العناصر الثلاثة التي جاءت كالآتي (1. امتداد زمن أسود، 2. أساس البيت، 3. ابنة العبدة).
يسيطر الضمير السَّارد الأنا على أغلب قصص المجموعة، باستثناء القصتين الأخيرتين (سقوط السيدة رقم (1) وحوش العبيد) حيث السَّرد يأتي بالضمير الغائب، وكأن السَّاردة تريد أن تضع مسافة سرية في حديثها عن هاتين الشخصيتين، دون ن تتورط بالتعاطف معهما. وغلبة الضمير الأنا العائد على ذات أنثى في جميع القصص: الراوية الملتبسة بأنا المؤلفة، وفي حديثها عن العمّة وعن الجدّ، وعن أسما، وكذلك عن الزوجة الأرملة، والاعتماد على هذا الضمير بمثابة إعلان آخر وتمرُّد على هذه الأنساق التي تجهض الذَّات فتجاهر بذاتها وصوتها في مقابل أفول أصوات الرجال وهزائهم في قصصها، معتمدة على لُغةٍ سَلسلة مُنسابة، ومستمّدة مِن واقعها بمفرداتها وتعبيراتها التي تحمل طزاجة التجربة وعرق الأرض وروح الأمل وخشونة الحصار وطموح التمرُّد، وفوق هذا اعتداد بالذَّات.

ممدوح فرَّاج النَّابي



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أسماء هاشم تتحايل على الفقد والأنساق بكتابة «قصة حب» بقلم ممدوح النابي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كنت جميلاً ... إلى روح الشاعر ممدوح المتولي ياسر السعيد الششتاوي منبر شعر التفعيلة 0 11-28-2020 09:31 PM
هديل الصمت ... شعر ممدوح المتولي ممدوح المتولي منبر شعر التفعيلة 0 08-23-2015 04:40 PM
يا غزة هاشم صبحي ياسين منبر الشعر العمودي 0 07-13-2014 09:53 PM
.. صباح الفقد البارد .. آلاء طيب منبر البوح الهادئ 10 04-18-2012 06:48 PM

الساعة الآن 10:42 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.