++ صاحب ابنتي ++
الجزء الأول
* اليوم الأسود *
هو يوم محفور بالذاكرة بكامل تفاصيله . . لا يغيب عنها ساعة من ليل أو نهار . .
سعاد . . الأم التي جاوزت الأربعين . . المطلقة منذ ما يزيد على ست سنوات . . دارت بها الأيام ولعب بها القدر
هاهي قابعة في غرفة صغيرة عند جيران لها . . والوقت ليل . . والكل نيام . . وهي تجتر ذاكرتها . . ولا تنام أكثر من ساعتين كل فجر . . وصورة اليوم الأسود متمثلة أمامها لا ترى غيرها . .
لقد مضى الآن أكثر من ثلاثين يوماً . . والحادثة كأنها قد حصلت في الأمس . .
أخذت خادمتها . . وذهبت إلى شقة مي . . ابنتها البكر المتزوجة منذ عامين . . وفي هذا الوقت . . تكون الابنة وزوجها كل في عمله . . وقد تعودت الأم أن تستخدم المفتاح الذي في حوزتها . . فتقوم بتفقد الشقة وترتيب ما يلزم . .
في ذلك اليوم . . دخلت البيت كعادتها . . واتجهت إلى المطبخ . . وضعت ما تحمله من أغراض . . وبدأت الخادمة عملها . . أما سعاد فاتجهت إلى باقي الشقة تتفقدها . . واستغربت أن باب غرفة النوم كان مغلقاً على غير العادة . . وبشكل روتيني . . ذهبت لتفتحه . .
كان سرير النوم مواجهاً للداخل إلى الغرفة . . ألجمتها المفاجأة . . ابنتها مي . . كانت عارية تماماً بين أحضان رجل غريب . .
لمدة لاتزيد على جزء من ثانية . . التقت عيناها بعيني ابنتها . . وشاهدت المنظر كله . . لم تدر ما تفعل . . فقط أسرعت إلى المطبخ . . أخذت خادمتها . . رمت المفتاح من يدها . . وخرجت من الشقة جرياً . . لا تلوي على شيء . .
لم تفهم الخادمة ما جرى . . وصلتا مشياً إلى البيت ..
*اذهبي أنت . . أنا لن أدخل الآن . .
تحجر الدمع في عينيها . . الموقف أكبر منها . . بدأت بشعور اللاشيء . . لا حزن . . لا غضب . . لا اندهاش . . كلا . . بل كانت صدمة كاملة . .
لو استطاعت ألا تتنفس لفعلت . .
ولكن ليس لذلك من سبيل . .
هامت سعاد في الطرقات على غير هدى . . حتى هدها التعب . . وكان تفكيرها يجري سريعاً . . ويتبدل في كل لحظة . .ولا يستقر على حال . . ولكنها وجدت شيئاً واحداً من الضرورة أن تقوم به . .
اتصلت بطليقها . . وكانت لا تكلمه ولا تكلم زوجته منذ أعوام . . ردت زوجته . .
*أعطني وليد . . !
* --------
*سعاد . . ! خير . . !
*اسمع . . سأضطر أن أغيب عن البيت . . ستكون أنت
مسؤولاً بالكامل عن الأولاد . . خذ المفتاح الاحتياطي من
الخادمة . . اذهب الآن . . إنهم في البيت . . إياك أن
تتأخر أو تقصر معهم في شيء . .
*حسناً . . حسناً . . كما تشائين . .
الجزء الثاني
* عذاب وانتظار *
أقفلت سعاد السماعة وتوجهت إلى حديقة قريبة تنشد قسطاً من الراحة . .
كانت لمن يراها . . كأنها قد خرجت لتوها من حريق أو من قبر . . لا دموع . . اللون مخطوف وقد تحول إلى ازرقاق و سواد . . وقد جحظ محجر العين . . والجفن قد ثقل وارتمى . .
لمن يراها . . فهي إمرأة تحتاج إلى علاج سريع في مستشفى . . آذنت الشمس للمغيب . . ولم يكن بمقدور سعاد أن تفكر لحظة واحدة . . أن تظهر أمام أولادها أو أهلها أو جيرانها . . فما فعلته ابنتها كان شيئاً لا يغتفر . . وحملت نفسها المسؤولية كاملة . . وفي نفس الوقت . . فهي لن تستطيع أن تعاود النظر في وجه ابنتها بعدما كشفت خيانتها . .
تجاوز الوقت ساعة الغروب . . وسعاد قابعة على مقعد خشبي في الحديقة . . تتنفس بصعوبة . . لا أحد يدري بمكانها . . الأب مر على البيت . . وعمل ما يلزم . . اطمأن على الأولاد . . اتصل بمي ابنته . . أخبرها بما حصل . . سألها عن أية معلومات لديها تخرجهم من الفضول الذي أحاط بهم . .
*لا أعرف . . لا أعلم . . هذا شيء غريب . . غير متوقع . . لماذا ذهبت . . وأين اختفت . .
وشارك زوج الابنة في البحث والاستقصاء . . اتصل بكل من خطر على باله من أهل أوأصدقاء . . ولم يخطر ببال أي منهم أن تكون سعاد المسكينة في الحديقة المجاورة . . قابعة فيها لا تنتظر أحداً ولا تتوقع شيئاً . .
كان الناس الذين يحبون أن يختصروا المسافة بين سوق الحي ومنطقة السكن . . يمرون من خلال الحديقة . . وكانت سعاد لا ترى أمامها ولا تسمع شيئاً . . ولا تكلم إلا نفسها . . . ومر أبو جمال . . جارهم في البناية المجاورة . . وأكمل طريقه . . ولكن شيئاً ماألهمه كي يعود . .
*يا أم مي . . الوقت ليل وأنت وحيدة . . هل أحضر لك شيئاً . . !
*- - - - .
*أنت لا تبدين بخير . . ولن أتركك وحدك . . ما رأيك أن تأتين معي إلى البيت . . تركت زوجتي تحضر العشاء .
*- - - - .
*أستحلفك بالله . . نحن جيران منذ سنوات طويلة . . ولا يمكنني تركك وحيدة . .
وقامت سعاد . . ومشت مع أبي جمال إلى بيته . . دون أن تنبس ببنت شفة . . واستغربت زوجته الوضع . . ولكنها وبغمزة من زوجها . . لم تسأل . . بل رحبت بسعاد ترحيباً يليق بها . .
*أم مي أنت على الرحب والسعة . . ما رأيك أن تغيري ملابسك . . سأجهز لك غرفة البنات . .
دخلت سعاد الغرفة المتواضعة . . غيرت ملابسها . . ودخلت الحمام . . ورغم الماء المنهمر . . كانت لا تزال تحت تأثير الصدمة . . نظرة متحجرة في المآقي . . لا عواطف . . ولا مشاعر . .
*يتبع*