احصائيات

الردود
2

المشاهدات
3045
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
06-17-2013, 04:03 PM
المشاركة 1
06-17-2013, 04:03 PM
المشاركة 1
افتراضي خبير ..و لكن...
خبر الحياة فتجلت أمامه واضحة ، لوحة ظاهرة مكشوفة بكل تدرجات ألوانها و تموجات ظلالها ، حضر فيها الفن بواقعيته المحاكية لمظاهر مألوفة و تجريديته الغارقة في متاهات الروح ، يستمتع بتناغم الألوان الزاهية و زخارفها ، و يغوص في أعماقها مستشفا منطوقها ودلالتها الرمزية ، لم تكن ظلمة الليل فيها لتحجب عن عينيه الثاقبتين حركية مائجة رغم رمادية أفقها ، سبر من خلالها أغوار مبدعها ، وأحس في قرارة نفسه المكسورة أنه مبدع جدير بالتقدير و الاحترام و أنه يكبره و يكبر كل من سولت له نفسه اقتحام عالم الإبداع .
هو متمتع بدرجة عالية من التعالي على الأفراح وكذا الأحزان ، خبرته وتجاربه جعلته متوازنا لا تكاد المسرات على اختلاف أصنافها سواء تلك التي تعبق بنسمات فائحة تدغدغ الأنوف ، أو تلك الفاقعة ألوانها المبهجة للناظرين ، وكذا التي تحمل نغمة عندليب تستسلم له الآذان متأرجحة بين خفوت وصدح . طعم الحياة عنده وإن كان يظاهي المن والسلوى المعسلان برحيق الفواكه الجافة و المنسمان بشعيرات الزعفران و نكهة العنبر ، لا هو و لا رقة الحرير ونعومته ، و ملمس الأنثى وحرارتها قادرة على جعل توازنه ينعطف كل الميل جهة ملذات الحياة وتسكنه رغبة الانبطاح عند أقدامها ، عفة عقمت أرحام ميلادها و انقرض معدنها ، صديقنا لم يقاطع اللذة فحسب بل حايد الألم ، فخبرته وسعت كل الكوابيس ، عتمة الليل لم تمنع يوما رجله عن المسير و لم يركن يوما إلى الخوف المذل و الرضوخ للهواجس والإيمان بالأشباح ، قرع الرعود و صخب البحار و عويل الأرامل و ضجيج الصبيان كلها لم تؤذ يوما مسامعه و لم تمنعه من الاستماع و إصراره على السمع والسماع . لا يزكم أنفه كريه الروائح وإن استوطن مطرح القاذورات ومخزن الجثت ، لا يغالبه القيء إن تجرع مرا أو امتص حامضا أو تناول طعاما مشبعا ملوحة ، ألمه لا يستجيب لوخز شوك ولا لسعة عقرب و لذغة حية ، يظل صامدا صمود الشيخ الهرم أمام نظرات الموت ، فلا تحدث عنده شوقا و لا فزعا ، لا حبا ولا بغضا ، لا جاذبية ولا نفورا ، ظل ميزانه عادلا بين كفتيه ، إن مالت احداهما سعت الأخرى لانقاذها و نجدتها .
منذ حل بهذه القرية وتخلصه من الوجوه المألوفة وأصدقاء الدرب والأقارب والجيران ، حمولة كانت تضغط عليه وتثقله بتصنع مجاملة زائدة تضطره لتقمص قلق لآوجاعهم ، و حبور لاحتفالاتهم ، لعبة لا يحب الاستمرار في أدائها بل عزم عزما مؤكدا على عيش معادلته الجديدة ، هي ثمرة جهد جهيد وصل إليها بعد أعوام من المعاناة و التقلبات العظيمة جعلته يتأرجح بين الألم والأمل مما ولد لديه رغبة في الكمون ، رغبة في عدم التأثر والسير بالمهادنة والمساكنة . في هذه القرية التي تطل عليها الجبال من كل جانب ، و يخترقها واد ذي زرع و شجر وزهر ، زقزقة العصافير تغنيه عن الليالي الماجنة ، خيالاته تغنيه عن كتب كانت تغذي فضوله المعرفي مذياعه ينقل إليه ما جد واستجد هناك في العوالم البعيدة ، شمعة بدل مصباح ، كوخ مكان شقة ، زغاريد النساء في الحقول ومواويلهن أحب إلى نفسه من كل تلك الآلات الصاخبة ، صفير الرعاة في الجبل أجمل من لغات يتفاضل بها الناس هناك حيث الصراع .
أحس في نفسه رغبة إلى حضور ما دعي إليه ، يريد مزيدا من الاستكشاف ، ما سر احتفاظ هذه الترعة الغناء بنشوة الطبيعة ؟ لماذا تهذبت أرواح ساكنيها ؟ لماذا سكنت نوازع الشر في نفوسهم ؟ كيف توطنت الطمأنينة في قلوبهم ؟ لماذا أينع فيهم الحلم الجميل ؟ شهور وهو بينهم و لم يجرؤ أحد منهم على اقتحام حياته ، فلا الفتيات العبقات الأخاذات المتزينات الغاديات والرائحات في الممرات والمرتفعات غالبتهن شهوتهن و فضولهن ، لا الشباب الصلب الناضح بالحيوية الفائر الأرعن المتهيب من الغرباء اسجاب لاندفاعه و أنكر عليه خلوته .
اليوم مدعو إلى الحضور ، شاب أصلع ذو نظرة متقدة وحس حركي سريع يلقي له رسالة بعد أن فاتحه بسلام فاتر غدا يوم الحشر. " أيها الغريب ، إن كنت سائحا فغادر ، إن كنت تنوي البقاء فغدا موعدنا في المحشر ، مرحبا بك مواطنا بيننا لك ما لنا وعليك ما علينا ، إن كان في نفسك ما يجعلك ساميا مميزا فغادر . وقد أعذر من أنذر ." طرق رأسه طرقا خفيفا فأحس غصة و ريبة تجتاحه ، رسالة طرد هي أم إشراك واندماج في عالم القرية الهادئ الراكد ، سأل نفسه ، أهو حقا يحب هذا العالم الماثل أمامه ؟ هل يعرف من خباياه شيئا ؟ ما زالت حواسه مشتعلة عن آخرها إذ طرقت شابة بابه ، كانت ملثمة لم تسلم عليه ، لم تبح بكلمة بل قدمت رسالة و غادرت " من حضر الجمع فهو منا ولا يحق له المغادرة إلا إلى القبر ."
استبد به الاختيار ، وضع في مفترق طرق ، الواحدة تعيده إلى ماضيه الاليم ، الثانية تروح به إلى عالم مجهول ، تذكر أن الاختيار واحدة من نقاط ضعفه ، فكثيرا ما دفع فواتير اختياراته السابقة بلا حدود ، منها التي جعلته مفلسا وأخرى وضعته في كف عفريت وغيرها أفقدته حكمته و جرته إلى حضن الوسوسة ، لكنه اليوم مقتنع تمام الاقتناع وقد غير الكثير من معادلاته أن الاختيار سهل كشرب الماء ، كيف يغادر هذا العالم الفوقي ، هذه المدينة الفاضلة ، هذه الجنة التي فيها مأكله ومشربه وملبسه و في عيونها يغتسل و يتطهر و بطيب أزهارها يتعطر ، هذا المذياع الذي يحمل إليه بعض الأخبار يجب محقه و هجره فهو من يبذر في نفسه بقية باقية من عقلية عالم الصراع .
ضربات على الطبول ، نفخ في المزامير ، نغمات ناي تصل إلى أذنيه ، الأهالي يحملون مشاعل على طول النظر ، الزعيم يجلس على عرشه ، بقربه قاض بوجه منير هو من سيسلمه بطاقة الإقامة ، نظر إلى رجليه وجدهما حافيتين ، نظر إلى القوم كلهم حفاة ، لا شعوره يعمل بشكل جيد فهو يجاري القوم، كيف لا و قد أمضى بينهم ما يكفي لتعرف عاداتهم وتقاليدهم ، يقترب بمعية الحاجب ينحني إكبارا للحاكم ، يقبل يديه يكمل سجدته الثالثة عند قدميه لباركه ببعض تعويذات ورشات ماء الورد ، الجمع يهتف باسم الزعيم ويرحب بالعضو الجديد الذي وشحه القاضي بقلادة مرقمة ، خرجت فتاة ملتمة لم تسعفه الأنوار لمشاهدة هيئتها ، لم ير غير نجمة خماسية في يدها ، أعلن القاضي زواجهما لتنطلق الأفراح .
تمر الأيام فيغالبه السأم و تتنفس رئتاه نفس الهواء ، وترى عيناه المناظر عينها ، فأحس رتابة قاسية ، تذكر الدستور الذي لا يقبل بالاستقالة و لا يقبل بالتجديد ، الرضوخ الكامل ، كل خطيئة تعني الموت ، لا شيء غير الموت ، حتى عالم الصراع استغنى عن الإعدام ، فكر أن يقود مظاهرة لتعديله ، لكن القانون لا يسمح ، ما هذا ؟ عقلية الصراع تعود إليه .
رآها بلباس المدينة ، بشرتها ليست كما القرويات ، عبير المدنية ينقر حواسه ، هم بها فصدته ، عاكسها فصرخت عويلا فأحس مصيبة تغمره و أيادي تشيعه إلى الحاكم تقدمه ، زوجته تترافع ضده ، و للموت تسلمه لأول مرة رأى وجهها القاسي يغادر لثامه ، شعرها الأشعث بين صعود وهبوط في حركات مجنونة تزيد من وقعها دقات الطبول ، الحبل يلف رقبته و رجلاه تسبحان في الفضاء ، يصيح صيحة مخنوقة لا للدستور لا للدستور ..
بعد أيام من الحجز الانفرادي عاد إليه بعض رشد ، في الغرفة يشاهد لوحات على الجدران ، يمعن النظر في صورة امرأة ملثمة ، يرى شابا أصلع ، يشاهد جمعا غفيرا يحمل مشاعل ، خرج إلى الحديقة عيناه تزعجهما أشعة الشمس ، شاب أصلع يتمتم يقدم له ورقة كتب عليها : لماذا تغيبت ؟ يبتسم عائدا إلى غرفته يسلم عليه الطبيب قائلا: "بدأت تتعافى .." يرد عليه في شك : " أتمنى ذلك ...." تدخل الممرضة وهي تحمل له الدواء ، ذكرته بفتاة المدينة فقال : كم أنت خبيثة يا نفسي ..


قديم 06-21-2013, 12:37 PM
المشاركة 2
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قصة تلخصت معالمها في هذه الجملة :
الرضوخ الكامل ، كل خطيئة تعني الموت ، لا شيء غير الموت ، حتى عالم الصراع استغنى عن الإعدام ، فكر أن يقود مظاهرة لتعديله ، لكن القانون لا يسمح .

وكل سطر فيه حكاية ..

هذا مشابها تماما لعملي البحثي الأول .

مبدع كعادتك ياسر ..

نجمات خمس

مودتي .




أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 06-27-2013, 01:37 AM
المشاركة 3
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قصة تلخصت معالمها في هذه الجملة :
الرضوخ الكامل ، كل خطيئة تعني الموت ، لا شيء غير الموت ، حتى عالم الصراع استغنى عن الإعدام ، فكر أن يقود مظاهرة لتعديله ، لكن القانون لا يسمح .

وكل سطر فيه حكاية ..

هذا مشابها تماما لعملي البحثي الأول .

مبدع كعادتك ياسر ..

نجمات خمس

مودتي .



شكرا لك الأستاذة صفاء على هذا الدعم المتواصل




مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: خبير ..و لكن...
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
جبير بن مطعم أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 2 11-16-2022 04:30 AM
جبير بن مطعم رضي الله عنه أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 0 07-11-2015 02:08 AM

الساعة الآن 03:24 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.