قديم 11-02-2020, 10:57 PM
المشاركة 21
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: على منهاج النبوة سلسلة مقالات


(18)
على منهاج النبوة
أوَمُخرِجِيَّ هُمْ؟!
كانت الارضُ غارقةً بالضلال حتى أخمص قدميها، اللهُ يخلقُ ويُعبدُ غيره، ويرزقُ ويُشكرُ سواه، أعراضٌ تُنتهك، وبناتٌ تُوْأَدُ، وأُناسٌ يُباعون في الأسواق! ثم شاء الرحيم أن يتلطَّفَ بالبشرية!
على مرمى سهم من الكعبة التي تعجُّ بالأصنام، كان هناك رجل وحيد في غار حراء يتأمل السماوات والأرض، و يَعرفُ أنَّ دينَ قريشٍ باطل، و أنّ الله أجلُّ وأعلى من أن يرضى ديناً كدينها! كان مُهيَّأً بإتقان ليستلم لواء البشرية و يُغيِّر وجه العالم، ثم حانت اللحظة، وأُوقِدتْ أول شمعة في ظُلمة الأرض "إقرأْ"!
ويا لهول الوحي، ويا لرهبة الموقف! وينزلُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى بيته مُرتجفاً يقول: دثِّروني، دثِّروني!
وعند خديجه المرأة التي لا يُوجد منها في تاريخ البشرية إلا نسخة واحدة، يتلقَّى الحبيبُ أولَ سلوى! ضمَّته إلى صدرها، وقالتْ له بقلبها على هيئة كلمات: واللهِ ما يخزيك الله ابداً، إنك لتصِلُ الرَّحم، وتصدُقُ الحديث، وتحملُ الكلَّ، وتكسبُ المعدوم وتُقري الضيفَ، وتُعين على نوائب الحق!
ثم أخذته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان رجلاً طاعناً في السِّن والحكمة، عالِماً بالتوارة و إلانجيل، حنيفاً على مِلَّةِ إبراهيم عليه السلام، وقالتْ له اسمع من ابن اخيك!
فلما حدّثه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بما كان بينه وبين جبريل، أخبره ورقة أن هذا هو الوحي الذي كان يأتي الأنبياء من قبله، وأنه سيكون النبيَّ لهذه الأمة! ثم قال له قولة الحكيم الذي يعرفُ سُنَّة الله في الناس، وصراع الحق و الباطل على مرَّ التاريخ: ليتني فيها جذعاً، ليتني أكونُ حياً إذ يُخرجكَ قومُكَ!
فيسأله النبيُّ صلى الله عليه وسلم بدهشة: أوَمُخرِجيَّ هُمْ؟!
فقال له: نعم، لم يأتِ رجلٌ بمثلِ ما جئتَ به إلا عُوديَ!
وكأنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم يومها يسأل: لمَ سيُخرجونني؟ ما الذنبُ الذي اقترفتُه، وما الجريمة التي ارتكبتُها، أيُّ مالٍ أخذتُ، وأيُّ دمٍ سفكتُ حتى يُحال بيني وبين وطني!
ثم دارت الأيام، وأخبرتنا سيرته، أنه ما عُودِيَ إلا لأنه جاء بالحقِّ، والحقُّ أثقل على الطغاة من
الجبال!
ونحن اليوم بضعة منه، وبقية رسالته، وما تكالبتْ علينا الأمم إلا للحقِّ الذي معنا، وما أثقله عليهم!
فكلَّما ضاقتْ عليكم، كلَّما رأيتم البلاد تُحاصر، والصورايخ تهدِمُ البيوت وتحصدُ الأرواح، كلما رأيتم الإعلام قذراً يريدُ أن يُطفئ شمعتكم، ويُحرِّض عليكم، ويرميكم بِتُهمِ الإرهاب والرجعية والتخلُّف تعزُّوا بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم!
تخيلوه نازلاً من غار حراء يرتجفُ من هول الوحي، مُحاصَراً في شِعب أبي طالب، مرجوماً في الطائف، ممنوعاً من دخول مكة، مُتآمراً عليه ليُقتل ويتفرق دمه بين القبائل، مُطارَداً يوم الهجرة، مَاسحاً الدم عن وجهه يوم أُحد، شاكياً سُمَّاً دسَّته له امرأة يهودية، كم تعبَ ليكون لكم دين، فعُضُّوا عليه بالنواجذ!
أدهم شرقاوي

قديم 12-16-2020, 12:41 PM
المشاركة 22
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: على منهاج النبوة سلسلة مقالات
على منهاج النُّبُوَّة ١٥٠
اسقِ يا زُبير!
كان للزبير بن العوام أرضٌ في أطرافِ المدينةِ المنورةِ فيها نخلٌ يسقيه من ساقية ماءٍ تمرُّ في أرضه، ثم في أرضِ جارٍ له من الأنصار. فشكا الأنصاريُّ الزُبير إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ الماء يتأخَّر ليصله.
فقال النبيُّ للزبير: اسقِ يا زُبير ثم أرسِلْ الماء إلى جارك.
فغضبَ الأنصاريُّ وقال: ألأنَّ الزبير ابن عمتكَ؟!
فتلوَّنَ وجهُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم قال: اسقِ يا زُبير، ثم احبسْ الماءَ حتى يرجع إلى الجَدْرِ!
الساقيةُ تمرُّ في أرضِ الزُبير أولاً، والمنطقُ والعُرفُ الزراعيُّ يقضي أن يسقيَ الزبير نخيله أولاً حتى يرتوي، ثم يُرسل الماء إلى جاره، ولكن النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم طلبَ من الزُبير أول الأمر أن يسقيَ شيئاً يسيراً، ثم يُرسل الماء إلى جاره، فإذا سقى جاره عادَ الزُبير وأكمل، فالنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أخذَ من حق ابن عمته الزُبير بخلاف العُرف ليُرضيَ الأنصاري لِعِلْمِهِ أنَّ الزُبير سيُطيعه ولو قضى له بحقه ناقصاً تأليفاً للقُلوب، ولكن المصيبة هي أن الأنصاري لم يرضَ رغم هذا، وبلغتْ به قلة الأدب أن يتَّهمَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمُحاباةِ ابن عمته، عند ذلك قضى بالحُكمِ والعُرف دون مُراعاة للمشاعر، الحقُّ أن يسقيَ الزبيرُ أرضه كلها حتى إذا ارتوتْ فاضَ الماءُ إلى أرضِ الأنصاري!
يُعلِّمُنا النبيُّ صلِّى الله عليه وسلَّم درساً عظيماً في فضِّ النزاعات، وهو "الحل الوسط" الذي يقوم على الأخلاق لا على القانون! فالقانونُ واضحٌ وهو في صف الزُبير، ولكن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم راعى أدب الجيرة، وتأليف القلوب، فأعطى الزُبير بعض حقه، وأعطى الأنصاري حقاً ليس له، لأن ظنه بالزُبير أنّه مع كسبِ القلوبِ لا مع كسبِ المواقفِ، ولكن بعض الناس على قول العجائز: رضينا بالبين والبين ما رضي فينا!
في المشاكل التي تدخلُ بها حَكَماً، لا بأس أن تأخذَ من حقِّ من تعرف دِينه وكرمه وحسن أصله، لتُعطي خصمه لتُصلح النزاع وتفُضَّ الخلاف، لأنَّ استمرار العلاقات والإلفة بالتنازل، أفضل من قطعها بالقانون، أما إذا وصلَ الأمرُ لطريقٍ مسدودٍ فليأخذ القانون مجراه!
كان في الجاهليةِ رجلٌ يقضي في الخصوماتِ بين الناس، يقصدونه من أرجاءِ جزيرة العرب، وكان له ابن وحيد ليس له غيره، وفي يومٍ من الأيام لاحظَ الابنُ بعضَ الحزنِ بادياً على وجه أبيه، فسأله عن السبب، فأخبره أنه حزين لأنه صارَ طاعناً في السِّن وأن الناس بعد موته لن تقصدَ بيته لحل النزاعات.
فقال له الابن: أنا أقضي بينهم مكانك!
فقال له الأب: إذا جاءك كريم وبخيل في خصام ماذا تفعل؟
قال: آخذ من حصة الكريم وأُعطي البخيل وأُصلحُ بينهما.
فقال له: إذا جاءك بخيلان ماذا تفعل؟
قال: أدفعُ من جيبي وأُصلح بينهما.
فقال له: إذا جاءك كريمان ماذا تفعل؟
فقال: يا أبتِ كريمان لا يحتاجان حكماً بينهما!
فرحَ الأبُ بجواب ابنه، وقال: هذا البيتُ لن يُغلقَ بموتي!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية

قديم 12-18-2020, 08:33 AM
المشاركة 23
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: على منهاج النبوة سلسلة مقالات
على منهاج النُّبُوَّة ١٤٨
وليستظِلَّ!
بينما النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يخطبُ في الناس، إذ رأى رجلاً قائماً في الشَّمس، فسألَ عنه، فقيل له: هذا أبو إسرائيل-هذه كُنيته، واسمه يُسَيْر وهو رجلٌ من الأنصار- قد نذرَ أن يقومَ في الشَّمسِ، ولا يقعُدَ، ولا يتكلمَ، ويصوم!
فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: مُرُوه فليتكلمْ، وليستظلَّ، وليقعدْ، وليتمَّ صومه!
إنَّ ممَّا ٱبتُليَ به الناسُ في زماننا كثرة النذور التي ما أنزلَ الله بها من سُلطان، تماماً كنذرِ أبي إسرائيل أن يقومَ في الشَّمس! فليس في هذا النذر لا طاعة، ولا قُربى إلى الله، ناهيكَ عن المشقةِ وتعذيبِ النفسِ، وما جاء هذا الدين إلا لإزاحةِ المشقةِ، ودفع الحَرَجِ، والتخفيفِ عن الناس، وإن شئتَ فاقرأ قوله تعالى: "يُريدُ اللهُ بكم اليُسر ولا يُريدُ بكم العُسر"!
يُقبلُ النذرُ في الطاعاتِ والقرباتِ، كأن ينذر المرءُ أن يصوَم لله إذا تحقق له أمر، أو شُفِيَ له ولد، أو يتصدَّقَ إن قضى الله همّه، وما عدا ذلك استخفاف وجهل، كالذي ينذر أن لا يحلق شعره، أو لا يستحمَّ، أو لا يأكل الطبق الفلاني، أو لا يركب سيارة، وكلها كما ترون ليس فيها من التقرُّب للهِ شيء، مُجرد نذور فارغة أشبه ما تكون بنُذورِ العربِ في الجاهلية!
المسلمُ مُطالَبٌ بالصبرِ على مشقةِ الطاعة، فالقيامُ لصلاة الفجر شاقٌّ، والصيامُ يُتعِبُ البدنَ، وهذه مشقات تأتي ضمن العبادات، وليستْ مطلوبة بذاتها، فالاستيقاظُ ليس هو المطلوب وإنما صلاة الفجر، ولكننا نستيقظ لأننا لا نستطيع أن نصليَ في الأحلام!
والجوعُ ليس هو المطلوب وإنما الصيام، ولكن الصيام يجلبُ الجوعَ، بمعنى إذا توقَّف الإنسان عن تناولِ الطعامِ من الظُهر إلى ظُهر اليوم التالي تقرُّباً لله، فليس في فعله أي تقرُّب، إنه يُعذبُ نفسه فقط، فالتقرُّب إنما يكون وِفقَ أمرِ اللهِ لا وفق رأي العبد واجتهاده!
لم تكُن المشقةُ يوماً مطلباً من اللهِ على عباده، على العكس تماماً، ففي أيام البرد إذا وُجد الماء الدافئ فليس تعبُّداً لله أن تتوضأ بالماء البارد، ولكن إذا انعدمَ الماء الدافئ فنِعمَ المشقة في الماءِ البارد!
والذي يُقرر أن يذهبَ إلى الحج على أقدامه في أيامنا هذه مع توفر وسائلِ النقلِ وقُدرته عليها، إنما يعتقِدُ أن الله يُريدُ منه أن يُتعبَ نفسه، بينما لا يُريدُ الله سُبحانه منا غير أداء العبادة على أكمل وجه بأقل تعب!
وإذا كان أمام الإنسان للذهاب إلى المسجد طريقان أحدُهما وَعِرٌ، وصعبٌ، وطويلٌ، وشاقٌ، والآخرُ قريبٌ سهلٌ مُمَهَّدٌ وجبَ عليه أن يختارَ الطريق الأسهل لأن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ما خُيِّرَ بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكُن إثماً!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: على منهاج النبوة سلسلة مقالات
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سلسلة كتب ممنوعة من النشر. محمد أبو الفضل سحبان منبر الحوارات الثقافية العامة 2 05-30-2022 02:35 PM
صلصلة الصّاد حسين الأقرع منبر الشعر العمودي 4 10-08-2020 08:07 AM
في رياض النبوة -2- عبدالله باسودان منبر الحوارات الثقافية العامة 0 03-31-2012 08:52 AM
في رياض النبوة عبدالله باسودان منبر الحوارات الثقافية العامة 0 03-28-2012 01:12 AM
في رياض النبوة عبدالله باسودان منبر الحوارات الثقافية العامة 1 07-18-2011 12:01 PM

الساعة الآن 05:25 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.