احصائيات

الردود
10

المشاهدات
13237
 
عبدالله باسودان
أديـب وشاعـر

اوسمتي


عبدالله باسودان is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
324

+التقييم
0.07

تاريخ التسجيل
Jul 2011

الاقامة

رقم العضوية
10158
12-10-2011, 07:40 PM
المشاركة 1
12-10-2011, 07:40 PM
المشاركة 1
افتراضي ابو الوليد أحمد بن زيدون الأندلسي
أبو الوليد أحمد بن زيدون الأندلسي.

ولد في قرطبة سنة 394 هجرية، نشأ في بيت أدب، وعلم وفقه وثقافة ، درس علوم اللغة والشعر والفقه على أبيه الذي كان من أعلام الأدب والشعر والفقه . توفي والده وهو في الحادية عشرة من عمره فكفله جده . ساعده جده على مواصلة تحصيله علوم اللغة والفقه والتفسير والمنطق على صديق أبيه العباس بن ذكوان عالم قرطبة المشهور في عصره، وأتقن اللغة والنحو والأدب والشعر على أبي بكر مسلم بن أحمد ، ثم واصل دراسته في جامع قرطبة الكبير.
في تلك الفترة بدأ تداعي انهيار الخلافة الأموية في الأندلس وعلى أنقاضها قام حكم دولة بن جهور، بمساعدة أحد وزراء ابن جهور الذي كان له علاقة وثيقة بوالده فأصبح ابن زيد ون وزير الحاكم الجديد. ولقب بذي الوزارتين.
بدأ ابن زيدون يتقرب بالخليفة المستكفي أحد ملوك بني أمية والد ولأَّدة ، كان المستكفي خاملاً، أسير شهواته، مشتهراً بالشراب والبطالة، بعيداً عن كل معروف وفضيلة. وكانت ابنته ولاَّدة مشهورة بالجمال والأدب والشعر، كانت تحاور وتساجل العلماء والشعراء، وكان لها صالون أدبي كبير يرتاده الشعراء والأدباء. وكان ابن زيدون يتردد كثيراً إلى مجلس ولاَّدة، فعلقت بينهما علاقة حب، إلا أن هذه العلاقة لم تدم طويلاً حيث كثر حساده وسعى بعضهم للوشاية عليه للإيقاع بين ابن زيدون وأميره فرمي به في السجن، ونجح في الفرار من السجن واختفى في قرطبة عن الأنظار.
استشفع ابن زيدون بأبي الوليد بأبيه فشفـَّعه، حيث كان ذلك الحاكم صديقاً وفياً لأبيه وأصبح ابن زيدون تحت رعاية ابن جهور فقربه إليه وأسند إليه وزارة في الحكم. ولما علم ابن جهور بإتصالات ابن زيدون السياسية بحاكم ملقة خصم ابن جهور ارتاب منه فنفاه .
لجأ ابن زيدون إلى المعتضد بن عبـّاد حاكم أشبيلية فاستخلصه إليه وأصبح من خلصائه.
في أثناء فترة غياب ابن زيدون الطويل عن ولاَّدة، فتر حبها له وعلقت بغرام غريمه ابن عبدوس، وبعد أن قدر اللقاء بينهما كتبت إليه قائلة :

ترقب إذا جن الظلام زيارتي
فإني رايت الليل أكتم للسـرِ

وبي منك ما لو كان بالبدر ما بدا
وبالشمس لم تطلع وبالليل لم يسر

ثم ذهبا للموعد المضروب وباح كل منهما بحبه للآخر، فكان هذا آخر لقاء بينهما.
وفي الصباح كتب الأبيات التالية :

ودع الصبر محب ودعّك
ذائع من سره ما استودعك

يقرع السن على أن لم يكن
زاد في تلك الخطا إذ شيعّك

يا أخا البدر سناءً وســـــنىً
حفظ الله زمانا أطلعك

إن يطل بعدك ليلي فلكم
بت أشكو قصر الليل معك

حاول ابن زيدون التودد إليها بشتى الوسائل، بالرسائل والترجـِّي والتودد بعدد من القصائد إلا أنها جميعها باءت بالفشل.
كانت أشعاره لها من أروع ما قيل في الشعر العربي من أشعار الغزل والتودد، لاسيما قصيدته الغزلية الشهيرة " أضحى التنائى" المستوحاة من شدة حبه لها، فقد امتازت بصدق العاطفة، ودقة التصوير والتعبير، قالها وهو يتشوق إليها وهو في أشبيلية وهي في قرطبة:

أَضْحَى التَّنَائِي بَدِيْـلاً مِـنْ تَدانِيْنـا
وَنَابَ عَـنْ طِيْـبِ لُقْيَانَـا تَجَافِيْنَـا

ألا وقد حانَ صُبـح البَيْـنِ صَبَّحنـا
حِيـنٌ فقـام بنـا للحِيـن ناعِينـا

مَـن مُبلـغ المُبْلِسينـا بانتزاحِهـم
حُزنًا مـع الدهـر لا يَبلـى ويُبلينـا

إن الزمان الـذي مـا زال يُضحكنـا
أنسًـا بقربهـم قـد عـاد يُبكيـنـا

فانحلَّ مـا كـان معقـودًا بأنفسنـا
وانبتَّ مـا كـان موصـولاً بأيدينـا

لم نعتقـد بعدكـم إلا الوفـاءَ لكـم
رأيًـا ولـم نتقلـد غـيـرَه ديـنـا

كنا نرى اليـأس تُسلينـا عوارضُـه
وقـد يئسنـا فمـا لليـأس يُغرينـا

بِنتـم وبنـا فمـا ابتلـت جوانحُنـا
شوقًـا إليكـم ولا جفـت مآقيـنـا

نكـاد حيـن تُناجيكـم ضمائـرُنـا
يَقضي علينا الأسـى لـولا تأسِّينـا

حالـت لفقدكـم أيامـنـا فَـغَـدَتْ
سُودًا وكانـت بكـم بيضًـا ليالينـا

إذ جانب العيش طَلْـقٌ مـن تألُّفنـا
وموردُ اللهو صـافٍ مـن تصافينـا


وإذ هَصَرْنا غُصون الوصـل دانيـة
قطوفُهـا فجنينـا منـه مـا شِينـا

ليسقِ عهدكم عهـد السـرور فمـا
كنـتـم لأرواحـنـا إلا رياحيـنـا

لا تحسبـوا نَأْيكـم عنـا يُغيِّـرنـا
أن طالمـا غيَّـر النـأي المحبينـا

والله مـا طلبـت أهواؤنـا بــدلاً
منكم ولا انصرفـت عنكـم أمانينـا

يا ساريَ البرقِ عادِ القصرَ فاسق به
من كان صِرفَ الهوى والود يَسقينـا

واسـأل هنـاك هـل عنَّـي تذكرنـا
إلفا ، تـذكـره أمـسـى يُعنِّيـنـا

ويـا نسيـمَ الصِّبـا بلـغ تحيتنـا
من لو على البعد حيًّا كـان يُحيينـا

فهل أرى الدهـر يَقصينـا مُساعَفـةً
منـه ولـم يكـن غِبًّـا تقاضيـنـا

ربيـب ملـك كــأن الله أنـشـأه
مسكًا وقـدَّر إنشـاء الـورى طينـا

أو صاغـه ورِقًـا محضًـا وتَوَّجَـه
مِن ناصع التبـر إبداعًـا وتحسينـا

إذا تَـــأَوَّد آدتـــه رفـاهـيَـة
تُومُ العُقُـود وأَدْمَتـه البُـرى لِينـا

كانت له الشمسُ ظِئْـرًا فـي أَكِلَّتِـه
بـل مـا تَجَلَّـى لهـا إلا أحاييـنـا

كأنما أثبتـت فـي صحـن وجنتـه
زُهْـرُ الكواكـب تعويـذًا وتزييـنـا

ما ضَرَّ أن لم نكـن أكفـاءَه شرفًـا
وفـي المـودة كـافٍ مـن تَكَافينـا


يا روضةً طالمـا أجْنَـتْ لَوَاحِظَنـا
وردًا أجلاه الصبـا غَضًّـا ونَسْرينـا

ويـا حـيـاةً تَمَلَّيْـنـا بزهرتـهـا
مُنًـى ضُرُوبًـا ولــذَّاتٍ أفانِيـنـا

ويا نعيمًـا خَطَرْنـا مـن غَضَارتـه
في وَشْي نُعمى سَحَبْنا ذَيْلَـه حِيـنا

لسنـا نُسَمِّيـك إجـلالاً وتَكْـرِمَـة
وقـدرك المعتلـى عـن ذاك يُغنينـا

إذا انفردتِ وما شُورِكْتِ فـي صفـةٍ
فحسبنا الوصـف إيضاحًـا وتَبيينـا

يـا جنـةَ الخلـد أُبدلنـا بسَلْسِلهـا
والكوثر العـذب زَقُّومًـا وغِسلينـا

كأننـا لـم نَبِـت والوصـل ثالثنـا
والسعد قد غَضَّ من أجفان واشينـا

سِرَّانِ في خاطـرِ الظَّلْمـاء يَكتُمُنـا
حتى يكـاد لسـان الصبـح يُفشينـا

لا غَرْو فِي أن ذكرنا الحزن حِينَ نَهَتْ
عنه النُّهَى وتَركْنـا الصبـر ناسِينـا

إذا قرأنا الأسى يـومَ النَّـوى سُـوَرًا
مكتوبـة وأخذنـا الصبـر تَلْقِيـنـا

أمَّـا هـواكِ فلـم نعـدل بمنهـلـه
شِرْبًـا وإن كـان يروينـا فيُظمينـا

فلم نَجْفُ أفـق جمـال أنـت كوكبـه
سالين عنـه ولـم نهجـره قالينـا

ولا اختيـارًا تجنبنـاه عـن كَثَـبٍ
لكـن عدتنـا علـى كـره ٍعواديـن

نأسـى عليـك إذا حُثَّـت مُشَعْشَعـةً
فينـا الشَّمُـول وغنَّـانـا مُغَنِّيـنـا


لا أَكْؤُسُ الراحِ تُبدى مـن شمائلنـا
سِيمَا ارتيـاحٍ ولا الأوتـارُ تُلهينـا

دُومِي على العهد، ما دُمْنا، مُحَافِظـةً
فالحُرُّ مَـنْ دان إنصافًـا كمـا دِينَـا

فما اسْتَعَضْنا خليـلاً مِنـك يَحْبسنـا
ولا استفدنـا حبيبًـا عنـك يُثْنينـا

ولو صَبَا نَحْوَنا مـن عُلْـوِ مَطْلَعِـه
بدرُ الدُّجَى لم يكن حاشـاكِ يُصْبِينـا

أَوْلِي وفـاءً وإن لـم تَبْذُلِـي صِلَـةً
فالطيـفُ يُقْنِعُنـا والذِّكْـرُ يَكْفِيـنـا

وفي الجوابِ متاعٌ لـو شفعـتِ بـه
بِيْضَ الأيادي التي ما زلْـتِ تُولِينـا

عليكِ مِنـي سـلامُ اللهِ مـا بَقِيَـتْ
صَبَابـةٌ منـكِ نُخْفِيهـا فَتُخفيـنـا

في القصيدة التالية يصور فيها الطبيعة الخلابة التي يعبر فيها عن عاطفته وحرقة الفراق وذكريات الماضي الجميل:

إني ذكرتك بالزهراء مشتاقًا
والأفق طلق، ومرأى الأرض قد راقا

وللنسيم اعتلال في أصائله
كأنه رق لي فاعتل إشفاقًا

والروض عن مائه الفضي مبتسم
كما شققت عن اللبات أطواقًا

نلهو بما يستميل العين من زهر
جال الندى فيه حتى مال أعناقًا

ورد تألق في ضاحي منابته
فازداد منه الضحى في العين إشراقًا

وقوله في الحنين الى ولادة :

أحِينَ عَلِمْتَ حَظّكَ من وِدادي
"وَلَمْ تَجْهَلْ مَحَلّكَ منْ فُؤادِي
وَقادَنِي الهَوى ، فانقَدْتُ طَوْعاً،
"وَمَا مَكّنْتُ غَيرَكَ مِنْ قِيَادِي

رضيتَ ليَ السّقامَ لباسَ جسْمٍ،
"كَحَلْتُ الطَّرْفَ مِنْهُ بِالسُّهَادِ

أجِلْ عينَيْكَ في أسطارِ كتبي،
"تجدْ دمْعي مزَاجاً للمِدادِ

فدَيْتُكَ ! إنّني قدْ ذابَ قلْبي
مِنَ الشّكْوَى إلى قَلْبٍ جَمَادِ

كانت وفاة ابن زيدون سنة 463 هجرية.


قديم 12-10-2011, 08:54 PM
المشاركة 2
خالدحامدالبار
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
رااائع ولكن القصيدة ليست جميعها هناك نقص
وهناك ...وان اصلها واذ
شكري ومحبتي

قديم 12-10-2011, 09:00 PM
المشاركة 3
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اشكرك استاذ عبد الله.....

قريبا جدا ان شاء الله سوف اطلق موقع الكتروني مخصص لموسعة الايتام عسى ان نتمكن من رصد كل يتيم مبدع ولعلنا نتمكن من وضع دراسات تفصيلية عن اثر اليتم في العبقرية والابداع والقيادة الفذة من خلال ما سيوفره الموقع من بيانات احصائية .

مثلا سوف نتمكن من تحديد اذا ما كان اصحاب المدارس الصوفية ايتام ( وهو الافتراض القائم حاليا ضمن ما اطرحه عن العبقرية).


يمكننا ايضا دراسة السبب الذي يجعل شاعر مثل ابو نواس ينزع الى الخمر والنساء رغم ما قلت عنه بأن له ذاكرة فوتوغرافية وانه كان يحفظ القران والحديث؟ وهل لليتم في سن معينة اثر في ذلك؟ نجد مثلا ان نزار قباني يتيم الام كما قلت لي في مكان اخر والاخطل الصغير يتيم الام ايضا في سن الثانية فهل لموت الام في سن مبكرة اثر في ميول الانسان في وقت لاحق؟


ربما سيكون بأمكاننا تحليل مثل تلك البيانات الاحصائية التي سيوفرها الموقع لمحاولة الحصول على اجابات لم يسبق لاحد ان بحثها ...


ارجو منك ان تظل تهتم بطفولة الاديب المبكرة وتحاول ابراز اية صدمات او امراض خاصة تلك التي لها علاقة بالدماغ واية آلام وفقدان ..علنا نغني المحتوى العربي بهذ المعلومات المهمة.


للاسف في دراستي حول اسباب الافضلية في افضل 100 رواية عربية لا اكاد اعثر على تفاصيل حياة اي اديب عربي...بينما نجد في السير الذاتية للادباء الاجانب تفاصيل دقيقة جدا عن حياتهم المبكرة ايمانا منهم طبعا بأهمية الطفولة في رسم مستقبل الانسان وتشكيل شخصيته وميولة وقدراته...



شكرا،،

قديم 12-10-2011, 09:30 PM
المشاركة 4
عبدالله باسودان
أديـب وشاعـر

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي عبدالله باسودان
اقتباس
ا لقصيدة ليست جميعها هناك نقص
وهناك ...وان اصلها واذ

هذه ليست طريقة أدبية في الرد. المفروض أن توضح النقص وأيضاُ كان عليك أن توضح القصيدة أي
قصيدة تقصد ؟ حيث أن الدراسة فيها أكثر من قصيدة . .

قديم 12-10-2011, 09:43 PM
المشاركة 5
عبدالله باسودان
أديـب وشاعـر

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأستاذ الفاضل الأديب المحترم أيوب صابر

شكراً لك على مرورك الكريم.
كتبتُ رسالة عن الشاعر أبو الوليد أحمد بن زيدون الأندلسي وهو من أعلام الشعر العربي و من الأيتام نرجو الاطلاع عليها.
دمت مع أطيب المنى.

قديم 12-11-2011, 12:41 PM
المشاركة 6
أميرة الشمري
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ابن زيدون من الشعراء الذين احب ان اقرا له دائما
بوركت اخ عبدالله
مودتي

"الشمس أجمل في بلادي من سواها
والظلام
حتى الظلام هناك أجمل
فهو يحتضن العراق"

السياب
قديم 12-11-2011, 06:27 PM
المشاركة 7
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مساء الورد
اختيار جميل وواف لابن زيدون شاعر يقطر رقة و عذوبة
أشكرك أ. عبد الله باسودان لتقديمك هذه المادة الرائعة
همسة للأستاذ أيوب صابر
من الثابت أن نزار قباني لم يكن يتيما أبدا و أنه من عائلة دمشقية ثرية و عريقة
تحيتي لكم

قديم 12-11-2011, 06:50 PM
المشاركة 8
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الاخت ريم بدر الدين

هذا ما كنت اعتقده وكنت اظن ان ازمته لها علاقة بانتحار اخته التي زوجت لرجل كبير في السن الا ان الاستاذ عبد الله في احدى مداخلاته السابقة اخبرني بأنه كان يتيم وقد سألته يومها عن مصدر لتأكيد ذلك.


قديم 12-11-2011, 09:15 PM
المشاركة 9
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الاخت ريم بدر الدين

هذا ما كنت اعتقده وكنت اظن ان ازمته لها علاقة بانتحار اخته التي زوجت لرجل كبير في السن الا ان الاستاذ عبد الله في احدى مداخلاته السابقة اخبرني بأنه كان يتيم وقد سألته يومها عن مصدر لتأكيد ذلك.
مساء الورد
بداية لم تنتحر أخت الشاعر نزار قباني لأنها زوجت لرجل كبير في السن فهي لم تتزوج و ليس عندي علم عن سبب انتحارها
لكن بالنسبة لليتم فالثابت في السيرة الذاتية التي كتبتها ابنة أخيه الدكتور رنا قباني أنه عندما كان قنصلا لسورية في دولة أوروبية و أعتقد أسبانيا حضرت معه حفلة من حفلات السفارة و أسقط أحدهم قطعة خبز من طبقه فقامت السيدة قباني بالتقاط الخبز من الأرض و أعادتها للطبق وسط دهشة الكثيرين و اعتزاز نزار بوالدته الشامية الأصيلة الطباع و هذا طبعا في عمر يجاوز الثلاثين
حادثة أخرى يقول فيها نزار قباني بنفسه أن والدته باعت جزءا من حليها الذهبية لتساعد نزار في طباعة ديوانه الأول قالت لي السمراء نظرا لمعارضة والده لاتخاذه هذا المنحى في الحياة أي الأدب و هذا عكس ما أظهره المسلسل الذي أرخ ليسرة حياة نزار قباني

قديم 12-11-2011, 11:05 PM
المشاركة 10
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يقول نزار قباني: «الطفولة هي المفتاح إلى شخصيتي، وإلى أدبي، وكل محاولة لفهمي خارج دائرة الطفولة، هي محاولة فاشلة».

هذه العبارة ليست غريبة عن منهج التحليل النفسي للأدب، إذ غاية المحلّلين أن يبحثوا عن الدوافع السيكولوجية للإبداع، وهي كامنة في اللاشعور، تتفاعل منذ الولادة، ورأى بعض المحللين أن الرجل عامة وليس الفنان وحده، حصيلة طفولته.

فكل ما يتعلق بميوله ونزعاته يتشكّل في مرحلة الطفولة. ومَن أراد البحث عن بصمات الشاعر المميزة، عليه الاهتمام بطفولة هذا الشاعر، فإنها الكنز الملكي للحياة الباطنية.

من هنا كانت العودة إلى طفولة نزار لابد منها. وكل طفولة هي على نوعين: طفولة واعية، وطفولة لاواعية. فطفولة نزار الواعية هي نتاج الذكريات التي جمع شتاتها ونسقها في كتابه «قصتي مع الشعر»، فأصبحت بمتناول كل قارئ يهتم بسيرته، أما طفولته اللاواعية، فهي أكثر ما يهمنا من هذا البحث عن أثر الطفولة في حياته.

نزار والمرأة / الأم

يطالعنا في شعر نزار ارتياحه للحبيبات اللواتي يعاملنه معاملة الأم لطفلها، كأن يخاطبنه مثلا بلفظة: «يا صغيري» و«يا طفلي»، ويمددنه على زنودهن، رفيقات به مشفقات عليه، يحاولن تخفيف كآبته وتهدئة أعصابه، فيمسحن جبهته المتعبة بأناملهن الرقيقة، ويفككن له شعره المتشابك على حد تعبيره: «نم على زندي الرخيم وأشفق / يا رفيق الصبا على أعصابك / ارفع الرأس والتفت لي قليلا / يا صغيري.. أكأبْتني باكتآبك / مسحت جبهتي بأنملها الخمس / وفكتْ لي شعري المتشابك». وفي قصيدة «خمس رسائل إلى أمي» يخبر الشاعر أمه أن النساء اللواتي عرفهن في غربته لم يشبعن طموحه لأنهن لا يعرفن كيف يمشطن شعره الأشقر إذا تطاير في الهواء، وكيف يأخذن بيده إذا تعثر في الطريق... لقد طاف بلاد الهند والسند، وخبر نساء أوربا والعالم الأصفر، لكنه مازال يشعر بالوحدة والاغتراب أمام عواطف الاسمنت والخشب. فأين المرأة التي تكسوه إذا تمزّقت ثيابه؟ وأين التي تحمل «عروسه السكر» لتطعمه إذا جاع وتؤنسه إذا استوحش؟: «وطفت الهند طفت السند طفت العالم الأصفر / ولم أعثر / على امرأة تمثل شعري الأشقر / وتحمل في حقيبتها إلي عرائس السكّر».

هذه القصيدة يرسلها نزار من «مدريد» في أثناء عمله بوزارة الخارجية وقد بلغ الأربعين، أي أنه بلغ ما يسمّيه المحللون النفسيون أزمة منتصف العمر. وفي هذه المرحلة يبدأ الإنسان بالتلفت إلى الوراء يود التقاط الزمن الهارب. ويفترض أن يكون شاعرنا قد ألف الحياة بعيدًا عن بيت أمه وأبيه في الشام. وهو الذي فارقهما منذ حوالى عشرين عامًا، حتى مات خلالها أبوه، والشاعر يعمل بالسلك الدبلوماسي بلندن. فسيرة الشاعر تخبرنا أنه بعد نيله شهادة الحقوق مباشرة عيّن ملحقًا في سفارة سورية بالقاهرة. ولم يكن قد تجاوز الثانية والعشرين من عمره. ومن القاهرة انطلق إلى تركيا ولندن وفرنسا وألمانيا وبلجيكا والسويد والدانمارك والصين وإسبانيا، إلى أن استقرّ في ما بعد ببيروت. فمن المفروض بعد هذا التنقل الطويل أن يكون نزار قد اعتاد فراق أمه خاصة أنه تزوج في مطلع الشباب. وأنجب ولدين.

غير أنّ قصيدته تكشف عن حنين طفل إلى أمه، يصارحها بهزائمه العاطفية وخيبته مع النساء. وأكبر الظن أن فشل زواجه الأول، وعزوبته الطويلة قبل زواجه الثاني، وتنقله وحيدًا من بلد إلى آخر، ترتبط كلها بحكم وظيفته. كل ذلك أيقظ الطفل الكامن في أعماقه، فشعر بحاجته إلى الأم القادرة على حمايته من أذى الأخطار: «فكيف فكيف يا أمّي / غدوت أبا ولم أكبر».

ومَن يدري؟ لعله في فترات إحساسه بالهزيمة كانت تعاوده حكاية أخته الكبرى «وصال» التي انتحرت، لأنها لم تستطع أن تتزوج حبيبها». وصورة هذه الأخت، وهي تموت من أجل الحب، محفورة في لحم شاعرنا يذكرها أبدًا بوجهها الملائكي وقسماتها النورانية وابتسامتها الجميلة. هذه الأخت التي قتلها الإخلاص في الحب، ربما كانت الوجه الآخر لمثله الأعلى الذي تجسّد في المرأة الأم. ألم يقل المحللون إن الأخت هي بديل الأم بالنسبة إلى الصبي، كما أن الأخ هو بديل الأب بالنسبة إلى الفتاة؟ ومعنى ذلك أن «وصال» أخته، و«فائزة» أمه يشكلان النموذج الأنثوي الذي يحن إليه الشاعر في غربته عندما يطفو لاشعوره على سطح وعيه ويتوق إلى عاطفة صادقة تبذل كل شيء في سبيل مَن تحب. لقد كانت الأم والأخت في تفانيهما وبذلهما، يكسفان بنورهما الوهّاج أي امرأة عرفها نزار في حياته. ولذا كانت رسائله إلى أمه تذوب حنينًا إليها.

وربما كان غياب الأم سببًا في بعث ذكريات الطفولة التي أملت عليه هذه الأبيات. نزار يشترط في المرأة التي يحبّها أن تستوفي شروط الأمومة ألا وهي «الرعاية والحماية والاهتمام». إنه العصفور الذي يبحث عن بيدر يحط فوقه وينقر حبّه بأمان: «وأنا محتاج منذ عصور / لامرأة تجعلني أحزن / لامرأة أبكي فوق ذراعيها مثل العصفور». فصورة العصفور الطائر التي يراها المحلل «ميشال ماتيو Michel Mathieu»، رمزية الطفل الأوديبي في حنين عودته إلى الأم أو الأم البديل. وبما أن نزاراً في هذه القصيدة صورة الطفل الباكي على ذراعي المرأة، لابد من اعترافه بدلالتها الكامنة في نفس الفنان عامة ونفسه خاصة. فكأن تقدم الشاعر بالسن يُنعش غريزته الطفولية بدل أن يضعفها أو يخفف من حدّتها. والدليل هذا المقطع الذي جمع كل مستلزمات المرأة / الأم إزاء طفلها الصغير. فهي تشاركه في لعبه، وتدخله روضة الأطفال وهي تُرضعه لبن العصفور: «أشهد أن لا امرأة أتقنت اللعبة إلا أنت / وأدخلتني روضة الأطفال إلا أنت / أشهد أن لا امرأة تعاملت معي كطفل عمره شهران إلا أنت / وقدمت لي لبن العصفور والأزهار والألعاب إلا أنت».

بلقيس.. الأم البديل

هذه الأبيات كتبها نزار عام 1979 وهو في الخامسة والخمسين من عمره. وهي ظاهرة مألوفة في نظر المحللين، لأن الإنسان كلّما تقدّمت به السن شعر بالضعف والوهن، وأحسّ بضرورة الاعتماد على سواه. وهذه حال الطفل الذي لا حول ولا قوة له. ولكنه مع ذلك لجوج ملحاح، يعرف مقداره عند أم تلبّي حاجاته وتذعن لرغباته. فهو الذكر الأول والأخير بالنسبة إليها. ويبدو أن شاعرنا يزداد في أواخر أعماله نكوصًا Regression نحو الطفولة، خاصة بعد أن فقد ابنه «توفيق» وأصابته نوبة قلبية كادت تودي بحياته. والذين يبحثون عن أثر الأوديبية Oedipe في أعمال نزار، ربما يجدونها خلال تلك الفترة من مرض الشاعر، إذ هو يطلب من حبيبته أن تؤويه إلى صدرها، لأنه يشعر بالخوف من المجهول. ويسألها أن تضمّه بذراعيها، لأنه يخشى ظلام الغرفة. ولذا نراه يتشبّث بها كي تظل معه وتغطيه من البرد. ذلك أن وجودها قربه يطرد الخوف عنه ويبث الدفء في أوصاله. تلك هي الأم الحامية التي حدّثنا عنها «مارسل بروست Marcel Proust»، وظل طوال حياته يذكر قبلتها المسائية ووقفتها عند سريره قبل أن ينام. كان مجرد حضورها يدفع عنه الهواجس ويحيل الكون إلى سكينة وسعادة.

فأين هي المرأة التي تخفف عن نزار قلقه وتضيء بوجهها الظلمة فيطمئن؟ بل أين التي تحكي له قصصًا وخرافات وتضطجع قربه وتغني له حتى ينام؟. «احكي لي قصصًا للأطفال / اضطجعي قربي غنّيني». والحق أن نزار يقول في شعر له عام 1979 مخاطبًا حبيبته: «أشهد أن لا امرأة قد جعلت طفولتي / تمتد للخمسين إلا أنت / أشهد أن لا امرأة غيرك يا حبيبتي / على ذراعيها تربّى أول الذكور / وآخر الذكور». ونحن نعلم أن شاعرنا تزوج في سنة 1969، وأن الحياة الزوجية ربما ساعدته على استرجاع طفولته بما لقيه من «رعاية وعناية وحماية»، فكانت بديلاً للشاعر عن حضور أمه. ولعله من أجل ذلك كثرت أجواء الطفولة في شعره.

وهذا يتفق مع رأي المحللين في أن المرض يجعل من الرجل طفلاً غنجًا مطواعًا بين أيدي الممرضات العطوفات اللواتي يمثلن دور الأم. وليس أروع من هذا المشهد الطافح بعواطف الأمومة حين صوّر زوجته تنقله إلى المستشفى إثر إصابته بالذبحة القلبية عام 1973: «زوجتي بلقيس تقود السيّارة بيدها اليسرى إلى المستشفى، وبيدها اليمنى تمسح العرق البارد المتدفق من جبيني، كأني طفل سقط في بركة ماء». لذلك كان موت الأم عند الفنان عميق الأثر يخلف في نفسه جرحًا طفوليًا لا يندمل، كأن يفقد الأمان والطمأنينة ويتملكه الخوف من أشياء مبهمة. وقد يكون هذا المبهم من الأمور وراء خوف الأطفال من أن يناموا وحدهم في الظلام. يقول نزار في موت أمه عام 1967 «بموت أمي يسقط آخر قميص صوف أغطي به جسدي. آخر قميص حنان. آخر مظلة مطر. وفي الشتاء القادم ستجدونني أتجوّل في الشوارع عاريًا». فهل نستغرب بعدئذ صرخته في رثائها: «فيا أمي، يا حبيبتي يا فائزة. قولي للملائكة الذين كلّفتهم بحراستي خمسين عامًا أن لا يتركوني، لأنني أخاف أن أنام وحدي».

هذا الخوف الذي تألم به عندما فقد أمه «فائزة»، عاوده عندما فقد زوجته بلقيس تحت أنقاض السفارة العراقية في بيروت. فبلقيس لم تكن له زوجة وحسب، بل كانت أمًا حانية تقيه أعاصير الحياة. فلمّا رحلت عنه، ظل «مرتجفًا مثل أوراق الشجر». لا يختلف في ذلك عن طفليه الصغيرين: «وتركتنا - نحن الثلاثة - ضائعين كريشة تحت المطر / أتراك ما فكرت بي؟ / وأنا الذي يحتاج حبّك مثل (زينب) أو (عمر)». فخسارة بلقيس عظيمة إذًا، لا لأنها الزوجة أو الحبيبة أو الملهمة، بل لأنها قبل كلّ شيء بديل أمه في وقت أحوج ما يكون إليها. وهل نسينا أن الشاعر مريض منذ عام 1973، وأن بلقيس تُعنَى به كالممرضة المتفانية، لا تبغي جزاء ولا شكورًا؟ حسبُها أنها زوجة الشاعر الكبير الذي تطمح إليه المعجبات، وأنها أم أولاده وسيدة بيته، تشرف على صحته وهندامه ووجبات طعامه. فهي التي تُرتب أساس المنزل وتستقبل الضيوف وتربي الأطفال، ولذا فموتها حرمه موعد الشاي العراقي معها، فلم يعد هناك مَن يوزع الأقداح أو يقبّل الأولاد عند رجوعهم. لذلك عاد نزار إثر هذه المحنة إلى شعوره القديم، وارتدّ طفلاً يحتاج إلى رعاية. وقد لمحنا ذلك من خلال حديث أدلى به بعيد موت زوجته حين قال: «أهم ما في نظرة بلقيس إلي خلال اثنتي عشرة سنة، اعتبارها إياي الطفل الثالث في البيت. كانت دائمًا تقول لي أنتم أطفالي الثلاثة: زينب وعمر ونزار. ولذلك كانت تتصرّف معي عندما كنت أمرض أو أغضب أو أثور بالطريقة نفسها التي تتصرّف بها مع طفليها».

مشاعر مكبوتة

وليس معنى ذلك أن هاجس الطفولة عند نزار منشؤه وضع مرضي، بل على العكس، ربما كان منشؤه الوضع الصحي الذي نعم به، على حد قوله إن الأقدار حَبَتْه نعمة الولادة على سرير أخضر وفي بيت يشبه قارورة العطر، وفي أسرة تمتهن الحب والعشق. ولعل ذكريات طفولته الهانئة شجعته في ما بعد على استبطان الماضي واستعادته، حتى أصبحت العودة إلى هذه الطفولة، ملاذًا يقيه مرارة الحياة.

ولأن أمه كانت تفضّله على جميع أطفالها وتخصّه بكل ما يرغب من ألعاب وطعام ونزوات، لا غرابة في أن ينشأ الصبي متمتعًا بقدرة فائقة على الحركة تتجلّى في ميله إلى تحطيم الأشياء وتكسيرها، الأمر الذي أتعب أهله وأثار غضبهم لولا تدخّل عمته قائلة: «دعوه يحطّم، دعوه يحطّم، فمن رماد الأشياء المحطمة تخرج النباتات الغريبة». هذه الشهوة إلى التكسير ربما أرجعها المحللون إلى الطور الشرجي Stade Anal الذي يدفع الصبي إلى محاولات الكشف عن جوهر الأشياء، بغية السيطرة عليها. ونزار كان في تلك الفترة يبحث عن دور مناسب في عمل يلفت إليه الأنظار. ولذا مال أولاً إلى فن الرسم، ثم إلى فنّ العزف، وانتهى أخيرًا إلى فنّ الشعر.

نستطيع أن نقول إن نزارًا خضع منذ طفولته لتجاذب بين المرحلة الفميّة Stade Oral الباكرة حيث الرضا والاكتفاء بعام الأمومة، والمرحلة الشرجيّة حيث التصلّب والعدوان قصد السيطرة على الموضوع. معنى ذلك أنه عاش في مرحلة أوديبية لأنه عانى أحيانًا الفشل المتواصل مع المرأة، والدليل أن الأم هي الحاجز الفاصل بين الشاعر وحبيباته، لأنها سيطرت لاشعوريًا عليه، فغدا أسيرًا لها زاهدًا في الأخريات.

لاحظ العالم الأمريكي «بيزدين Besdine» أن «فرويد Freud قصّر في منهجه التحليلي، حين سلّط الضوء على الطفل وحده، وأهمل دور الأم في التعلّق بولدها. فعقدة أوديب بنظره لا تكفي وحدها لتعليل سلوك الطفل، لأن للأم دورًا إيجابيًا بارزًا عن طريق تأثيرها في سلوك الولد. ولذا جعل «بيزدين» عقدة أوديب لدى الطفل بإزاء عقدة «جوكاست Jocaste» لدى الأم، لأن الطرفين يسهمان في نسج الانفعالات الباطنية. ففي رأيه أن الأم التي تُعنى برضيعها عناية فائقة، تسهم إلى حد كبير في تنبيه حواسه وحركاته ومدركاته، شرط أن تتم هذه العناية في جو دافئ وسعيد. واستنتج «بيزدين» أن الأمهات اللواتي صدمتهن التجربة الزوجية، انطوين على أنفسهن ثم انكفأن إلى الولد الرضيع انكفاء شديدًا، ليعوّضن به عمّا خسرته في الحياة. هكذا يكون الطفل شغل أمه، تدفع به قسوة الوحدة ووحشة الفراغ النفسي. من هنا تلك الرغبة المنحرفة التي تتولّد في أعماق الأم نحو رضيعها، وهي شبيهة برغبة الأم «جو كاست» في مأساة «أوديب» في غمرة انهيارها.

فالأسطورة تعلّق سلوك المرأة. وهل الأسطورة غير رمز بليغ لما يجري على مسرح الحياة في كل زمان ومكان؟ ولكن هل معنى ذلك أن أم الشاعر نزار قباني متهمة بعقدة «جو كاست»؟ لا، ليس من الضروري أن تكون أمه «جوكاست» هذا الزمان، ولكنها أكبر الظن تحمل الكثير من ملامح تلك المرأة الإغريقية، الأمر الذي سوّغ القول إن نزارًا خضع لعناية أم تسرف في رعايتها وحدبها على أطفالها. فنزار نفسه يعترف أنه كان الابن المفضّل لدى والدته، وأن والدته كانت سيدة طيبة إلى حد البساطة، حتى إذا سُئلت عن شعر ولدها أجابت بكل بساطة: «ملائكة الأرض والسماء ترضى عليه». يقول نزار «طبعًا أمي ليست ناقدة شعر موضوعية ولكنها عاشقة». إن امرأة مثل هذه تملك بلا ريب شروط المُربيّة الحاضنة التي تؤمن الرعاية الجيّدة لأطفالها والراحة التامة لسيّدها. ولكن زوجها «توفيق قباني» كان من الصعب أن يظل شغوفًا بها إلى فترة طويلة. وطبيعي أن تُذعن «فائزة» لقدرها فتلتفت إلى أحد أطفالها تُفرغ فيه كل طاقتها العاطفية المكبوتة. وليس مصادفة أن يكون هذا الطفل هو الصبي الثاني في الأسرة، لأن الفترة الزمنية التي مرّت على زواج توفيق وفائزة كانت قد أصبحت مهيّأة لمثل هذا الوضع الذي بدا في تحليل طفولة نزار. لذلك كان الطفل الرضيع ملجأ أمه وشغلها في هذا الفراغ العاطفي، حتى إنه يقول واصفًا نفسه في تلك المرحلة: «لقد كبرت وظللتُ في عينيها دائمًا طفلها الضعيف القاصر. وظلت ترضعني حتى سن السابعة، وتطعمني بيدها حتى الثالثة عشرة».

الفطام وصدمة الطفل

والحقّ أن في أبيات الشاعر الأولى ما يكشف عن هذه العلاقة اللاواعية بينه وبين أمّه، وما في هذه العلاقة من غيرة الأمّ على ولدها من أية امرأة تسرقه منها. وهاهو يتهمها على لسان إحدى فتياته أنها تقف وراء منعه منها: «لا أمّه لانت ولا أمّي / وحبّه ينام في عظمي». أو يصوّر أمه تعاتبه على حبّ سواها لأنها خسرته مع واحدة أخرى: «تقول يا شقي كيف تغشَى / زاوية الجدار دون علمي / يا رحمة الله على جدار / لُذنا به طفلين ذات يوم». ومهما يكن من خطورة الاتهام بالأوديبيّة أو الجوكستية، فإن في شعر نزار أثرًا من التعلق بالأم. وليس ضروريًا أن تكون جذور التعلق جنسية خالصة، فقد تكون الحاجة النفسية إلى الحماية والعطف مصدر هذا التعلّق الكامن في اللاشعور. وكل مَن قرأ هذا الشاعر أو درس آثاره لابد أن يتوقف مليًا عند إلحاح الرجل على نهدي المرأة.

فهو لا يصف جمال امرأة من غير أن يرسم صورة موحية لنهديْها، ولا يشتاق إلى الأخرى إلا ويكون نهداها أبرز ما يشتاق إليه، حتى لقبه أحد الدّارسين بشاعر النهود غير منازع.

وتصوير النهود والإكثار من التغنّي بها قد لا يكون غريبًا بحد ذاته، لأن النهدين رمز الأنوثة والنعومة معًا. وهما رمز موفّق في التعبير الفني. فقبل نزار ما عرفنا شاعرًا يوقف قصيدة بكاملها على نهد، حتى ليطلق نزار على ديوانه الثاني كله عنوانًا أثيرًا لديه هو «طفولة نهد». ولا نظن مطلقًا أن التوقف على النهدين في غزل نزار هو من قبيل المصادفات، بل نحسبه على العكس من ذلك، أمرًا عميق الجذور في غرائزه الجنسية لأنه ذو دلالة تعود بنا إلى سنوات الطفولة الأولى، وما عرفه الطفل من متع الرضاع على صدر أمه. ولا يمكن تفسير هذا الارتباط إلا بردّه إلى المرحلة الفميّة، وهي أولى مراحل الاستمتاع الجنسي. الفم أوّل منطقة شبقيّة تظهر عقب الولادة مباشرة، وتلح في إشباع رغباتها الليبيدية. من هنا قول «كارل أبراهام Karl Abraham »: «إن بعض الحالات النفسية في سن النضج تتمثّل من حيث الشكل والمضمون وفقًا لأحداث ترقى إلى عهد الطفولة».

وربما كانت ظاهرة الرضاع هذه، مرحلة تلكّأت في حياة الشاعر، شأن كل صبي كبر وأحس أنه خسر متع الطفولة، فيعمد إلى التعويض الذهني عن طريق أحلام اليقظة مسترجعًا مذاق المتعة الغابرة. ولو قرأ الفرويديّون أبيات نزار لاتخذوها دليلاً على أن مصّ الطفل ثدي أمه، هو النموذج الأصلي لكل علاقة حب. ولا ندري إلى أي مدى تؤثر عملية الفطام الباكر أو المتأخر في حياة الرجل الجنسية. ولأن أحد الأدباء قال إن إكثار النهود في لوحات نزار قباني سببه الفطام الباكر، أجاب نزار قائلاً إن أمه ظلت ترضعه حتى سنّ السابعة. معنى ذلك أن الفطام المتأخّر لا الباكر، قد يكون وراء اكتساب عادة الرضاع أو إدمانه إدمانًا يظهر في نتاج الشاعر بعد البلوغ. والحقيقة أن مرحلة الرضاع قد تفسّر هذا التوق الشديد إلى أيام الطفولة. يوم كان الطفل ينعم بمجرى الحليب، كما يقول الشاعر: «والضوء منعكس على مجرى الحليب المعتم / وأنا أمُدُّ يدي وأسرق من حقول الأنجم».

فنزار يعمد إلى تصوير اليد الممدودة إلى النهد، شأن من يسرق نجمة. من هنا هذه اللوحة للشاعر الطفل على الصدر الذي أشبعه «ومضت تعللني بهذا الطافر المتكوّم / وتقول في سكر معربدة بأرشق مبسم / يا شاعري... لم ألق في العشرين مَن لم يُفطم». والحديث عن الفطام قد يُوحي بنزعة أوديبية لدى الشاعر لأنه مرتبط بالمرأة / الأم أكثر من ارتباطه بالمرأة الحبيبة. ومعروف أن عملية الفطام تشكّل في حياة المرء الصدمة الأولى التي تهزُّ وجدانه، لأنها تحرمه متعةً جنسيّةً ألفها منذ شاهدت عيناه النور.

واضحٌ أن للطفولة أثرًا في شعر نزار، لأنه عانى في مطلع حياته هذه الأحاسيس الواعية واللاواعية. ولذا كان شعره في بداية شبابه تعبيرًا عن مرحلة العطش والجوع، بدليل رغبته في أن يضمّ النهد والشفّة والساق، وأن يشبع غريزته في تذوّق أطايب المرأة عن طريق حواسّه الخمس، وبخاصة عن طريق الفم. وحجّته أن «اللثم للشعراء غير محرّم».

وهذا دليل المراهقة في أغلب القصائد التي أبدعها نزار قباني.


خريستو نجم

مجله العربى

http://www.akhawia.net/showthread.php?t=109811


جميلة هذه الدراسة وانا اتفق حتما مع ان الطفولة هي التي تشكل حياة الشخص لكن ربما يكون في حياة الناس اسرار لا تكشف ابدا...قد تكون ام نزار ليست امه بل هي أمرأة ابوه.

سوف اطلع على قصته مع الشعر لعله يكشف عن سر عبقريته هناك .


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: ابو الوليد أحمد بن زيدون الأندلسي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من شعراء العصر الأندلسي ( إبن هانئ الأندلسي ) ناريمان الشريف منبر ديوان العرب 47 09-07-2020 11:45 PM
الأدب الأندلسي بين التأثر والتأثير - محمد رجب البيومي د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 06-15-2014 08:35 PM
التعليق على الموطأ فى تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه - أبو الوليد الوقشي الأندلسي د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 06-08-2014 03:17 PM
العقد الفريد - أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 05-26-2014 11:32 PM
من شعراء العصر الأندلسي ( ابن زيدون ) ناريمان الشريف منبر ديوان العرب 58 10-01-2010 07:32 PM

الساعة الآن 03:42 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.