راح نحكي قصة ضيعة
لا القصة صحيحة
ولا الضيعة موجودة
بهذه التميمة الفيروزية بدأ الأخوان رحباني مسرحيتهما بياع الخواتم ليتيحا لنفسهما التجول و المعارضة و إبداء الرأي بكل حرية
ثم يختتمان بنفس التميمة
و متل ما قلنا لكم
هيدي كانت قصة ضيعة
لا القصة صحيحة
ولا الضيعة موجودة
بياع الخواتم عمل سياسي بامتياز لكنه اتخذ أسلوب الرعويات ربما لكي يتيح لنا من خلال الحكاية المحببة إلى النفس العربية قراءة إسقاطات سياسية بالغة العمق
القرية مغفلة الاسم و هذه ليست عادة الرحابنة في العادة فهما دوما يضعان اسما للقرية مثل ميس الريم مثلا
قرية قائمة في جبل أو سهل ليس مهما ، تسير حياتها بشكل رتيب
تفتقر إلى الكثير من الخدمات لأهلها ابتداء برصف الطرقات و تأمين المياه العذبة للشرب و انتهاء بالصناعات المختلفة حتى أن الحلي و الألبسة تأتيها من قرى أخرى
لكنها قرية آمنة ينعم أهلها بالحب و الوئام ..ربما يطالب أهلها بإصلاحات و تحديثات فيقوم المختار الذي هو رأس السلطة الزمنية و الروحية للقرية باختراع قصة مثيرة عن التقائه بقاطع طريق و قاتل في الأحراش و انتصاره عليه
كل يوم يروي لأهل قريته حكاية في السهرة عنها و يلهيهم بهذا الخطر الخارج المحدق بهم عن ما يطالبون به من أمور داخلية
يستكينون لحكايته و يحيطونه بهالات التوقير و التعظيم و حتى الأصوات المعارضة يسكتونها بطريقة أشرس من دفاع المختار عن نفسه
الفيروزة كانت هنا " ريمة" ابنة أخت المختار لكنها ضميره الناطق
تنبهه إلى خطورة الكذبة و هو لا يفتىء يخبرها بمزاياها و يحسنها لها لكنها لا تتفق معه
الحدث الرئيسي لهذه القرية و الذي تنام كل العام انتظارا له ليس الحصاد أو أي شيء آخر إنه موسم الخطبة
حيث يتواعد الشبان و الصبايا على اللقاء في ليلة معلومة لكل القرية في الغابة القريبة لينتقي كل منهم نصفه الآخر
هنا مزج الرحابنة الميثولوجيا بالفنتازيا ليكون العمل المسرحي مثيرا للمشاهد فالاسقاط السياسي لا يكفي
بالطرف الآخر يستغل بعض المعارضين الذين منحوا قدرا من التمرد على الكذبة هذه الكذبه و يبدآان في استغلالها بالنهب و السطو و التخريب و يبرران عملهما بـ:
ليش في ورد بهالضيعة
ليش في حب و في غناني
و يطال شغبهما أو تمردهما صانع الكذبة المختار نفسه
إلى أن يأتي بائع جوال يبطل مفعول الكذبة فهو مناقض للشخص الذي اخترعه المختار و يحمل ذات الاسم الذي أطلقه المختار على قاطع الطريق المفترض" راجح"
و بما أن المختار برر كذبته بأنها حكاية فقد عرف كيف يصوغ نهايتها
" يا جماعة اشكرو الله
اللي اجاكم راجح المنيح
وراجح المعتم اخدته الريح"
و قدم ضميره الناطق " ريمة " فداء لنفسه
" يا خالي اخترعنا الكذبة
و جاية تا تاخدني الكذبة
ما بيصير الا ما اقبل
حتى تبقى الكذبة كذبة"
و عادت القرية إلى سابق عهدها إلى أن يأتي من يوقظها من نومها مرة أخرى

لم تنس المسرحية أبدا أن تشير إلى الفساد الاداري عندما يريد معلم سبع هندسة الطرقات
" يستفيد من الطرقات فقط
بيت عمي و بيت عمتي
بيت خالي و بيت خالتي
و بيت الحلوة اللي حظها كبير و بدها تصير زوجتي"
إعلان عن محسوبيات و استغلال نفوذ بشكل واضح .مسرحية اشتغل عليها الرحابنة بفنية عالية من خلال الغنائية الطاغية عليها بحيث حملت الموسيقى الكثير من المعاني الكامنة
أيضا كان الحضور الجميل للفنان فيلمون وهبه بخفة دمه و حرفية أداءه للدور
بقي أن أذكر أن المسرحية أعيد تقديمها كفيلم من إخراج الراحل يوسف شاهين مع بعض الإضافات اللازمة لاكتمال العمل الفني السينمائي