قديم 06-14-2011, 09:20 AM
المشاركة 11
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،

قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود
محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

دعونا نغوص في أعماق هذا النص نحاول سبر أغواره وتحديد بواطن الجمال والغموض والتأثير فيه، إضافة إلى محاولة فهم الرسالة أو الفكرة الخفية إن كان في النص رسالة؟ ومن ثم المغزى إن كانت القصة قد كتبت بلغة كودية رمزية وهي اللغة التي تمتاز بها نصوص مبارك الحمود:

اقتباس "انتقام

-1-
مئتان وتسعة وسبعون كيلو هي ما تبقى على قتلها, على نشرها وهي حيةٌ بهذا المنشار الكهربائي.. هذه المسافة البعيدة التي أمامي.. المسافة التي تخضع للقوانين الفيزيائية بخنوعٍ وخضوع, الشيء الجميل والرائع فيها أنها آخذةٌ في الاقتراب".

ها نحن نجد مبارك الحمود يقسم قصته إلى فقرات يفصل بينها بأرقام من ( 1-8 ) وها هو يبدأ قصته بأرقام أيضا مما يضفي سحرا مبهرا على مطلع النص فالأرقام لغة كودية كونية وهي لغة الكون، ومن هنا يكون لها ذلك السحر على المتلقي.

والمَطلع يشتمل ضمنيا على حركة وصراع، وهما من العناصر بالغة التأثير في المتلقي، فنجد أن القاص لم يحدد طبيعة الرقم الذي أورده في بداية القصة ( مئتان وتسعة وسبعون ) فهل هو مسافة أم وزن؟ وذلك ربما يكون عن قصد ليفسح المجال للاستنباط بأن البطل المتحدث يحتاج أن يقطع تلك المسافة ( حركة ) ليصل إلى مراده والذي هو ( قتلها ) وفي القتل ما يشير إلى صراع ربما مع أطراف أخرى وربما صراع نفسي داخلي.

كما أن استخدام الأرقام هنا يجعل القصة تبدو وكأنها تصوير لحدث واقعي فالفضاء المكاني الذي يهدف البطل المتكلم في القصة للوصول إليه يقع على بعد 279 كيلوا من نقطة تواجده.

وفي استخدام كلمة ( نشرها، ومنشار ) ما يشير إلى مزيد من الحركة... ثم نجد القاص يستخدم النقائض أيضا فكلمة ( قتلها عكس كلمة حية ) ، ثم يعزز القاص حديثه ليجعله أكثر حيوية، كونه مشبع بالحركة، فنجده يعود ليشير إلى أن الأرقام هي في الواقع مسافة لا بد له أن يقطعها ليصل إلى مبتغاه، وحيث تتواجد تلك المرأة التي أراد أن يقطعها باستخدام المنشار الكهربائي...ثم يعود لاستخدام النقائض فنجده يصف المسافة بكلمة ( البعيدة لكنها آخذه في الاقتراب )، وفي ذلك تشخيص للمسافة.

ولا شك أن القاص لا يترك مجال لأي تراخي عند ذهن المتلقي، فالشد والتشويق وحتى الترويع المقصود والمزلزل واضح وعلى أشده ويبدأ من مطلع القصة...فالبطل المتكلم في طريقة ليس فقط لقتل تلك الأنثى، وإنما يسعى لتقطيعها وهي حية بمنشار كهربائي، حتى انه يستعجل الوصول إلى حيث هي، ويتمنى لو أن المسافة لم تكن خاضعة لقوانين الفيزياء كي يصل في أسرع وقت ممكن لانجاز مهمة القتل تلك.

ومع انتهاء نص الفقرة الأولى يجد المتلقي نفسه وقد اقترب أكثر نحو مشهد القتل وذلك باقتراب المسافة وهو الأمر الذي يصفه الكاتب بأنه جميل! ليصبح المتلقي قاب قوسين أو ادني من مكان الحدث وهو المكان الذي يبدو انه سيشهد عملية قتل مريعة باستخدام المنشار الكهربائي، وهو المشهد الذي يبرع القاص مبارك الحمود في رسمه من خلال تسخير عناصر عدة اهمها توظيف التفاصيل والالوان.

ومع انتهاء الفقرة يجد المتلقي في ذهنه طوفان من الأسئلة: لماذا يريد قتلها؟ وماذا فعلت لتستحق ليس فقط القتل لا بل التقطيع في منشار كهربائي؟ ثم من هي تلك المرأة؟ وما الذي يدفع البطل لارتكاب ذلك الفعل؟ وهل سيقوم على قتلها وتقطيعها فعلا؟

وفي خضم هذا المشهد المريع والبشع الذي يستحضره القاص في ذهن المتلقي دون سابق إنذار أو مقدمات، يندفع المتلقي لاستكمال قراءة النص محاولا العثور على إجابات لكل تلك الأسئلة التي يثيرها النص...ولمعرفة كيف سيتطور الحدث فعليا وقد تورط فيه؟ وهل سينفذ المتكلم في النص تهديده ووعيده؟

ونجد أن القاص قد تمكن وببراعة ورغم قلة عدد الكلمات الواردة في هذه الفقرة من رسم وتشكيل صورة ذهنية تكاد تكون وافيه عن شخصية البطل المتكلم المحورية في القصة: فهو رجل غاضب حد الجنون، في طريقة لتنفيذ عميلة قتل بشعة، يستعجل المسافة، وهو يبدو مثقف فهي يرى بأن المسافة تخضع لقوانين الفيزياء، لكنه ربما يكون مجروح الكبرياء او يعاني اضطراب عقلي؟ او ربما هو شكاك أو أن الغضب لأمر ما قد جعله يفكر بطريقة خالية من أي رحمة وربما بجنون وقد حركه هذا الغضب او الجنون ليندفع على تلك الشاكلة لارتكاب ذلك الفعل المزلزل. فنجد ان مبارك الحمود يبرع في رسم شخوصه ليس من خلال معالجة المظهر الخارجي لهم.. وانما من خلال تصوير البعد النفسي لتلك الشخوص.

يتبع ،،

قديم 06-20-2011, 11:42 PM
المشاركة 12
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،


قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود
محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

اقتباس "
-2-
اعتقدت أني لن أعرف مكانها, وأن بعدها سيجنبها القتل على يدي, اعتقدت ذلك بسذاجة غريبة.. دوسي يا أقدامي بقوة, فالفارق بيني و بينها خطوة واحدة على دواسة الوقود.. ما أجمل الانتصارالذي يطول, فالاستمتاع فيه لذيذ.. آآآه الغبية ظنت أنها من فعلتها ستنجو.. ويحها! كيف تجرأت وتسلل إليها هذا التفكير, ألا تعرفني؟؟!.. سأجعلها تدرك ذلك كله, فكما يبدو أنها طالبة بليدة لم تستوعب الدروس التي قدمتُها لها في السابق.

في هذه الفقرة والتي يبدأها القاص برقم ( 2 ) مسخرا بذلك من جديد سحر الأرقام، نجده يقدم لنا بعض من ملامح شخصية البطلة فيجعلها وكأنها اختارت أن تختفي عن ناظري البطل عن قصد، وكنتيجة لما اقترفت هي من فعل، وفي ذلك ما يعزز حالة الصراع بين ندين متناظرين في القوة والذكاء والخبث والقدرة، وفي ذلك إبراز لحالة الصراع في النص، وهو عامل في غاية التأثير لان في ذلك محاكاة للحياة التي تقوم على الصراع في كل جوانبها، فالرجل البطل في القصة يسعى لقتل وتقطيع امرأة ذكية وقادرة وماكرة، حتى ولو أن البطل ظن أن في تصرفها ذلك سذاجة كونه اقدر منها.

ونجد أن البطل يستعجل الوصول إلى مكان تواجد تلك المرأة فباستخدام كلمة ( دوسي يا أقدامي بقوة ) تشخيص للأقدام، وكأنها كائن حيّ قادرة على الفعل بذاتها، وفي ذلك تعزيز مهول للحركة التي تجعل النص اكثر حيوية، وتسريع لها، لا بل ودفع صاروخي باتجاه الهدف، وهو ما يترك أثرا مهولا على ذهن المتلقي...ثم يعود القاص لتسخير سحر الأرقام من جديد بقوله (بيني وبينها خطوة واحدة) لكنه يُسخر التناقض أيضا، فعلى الرغم أن المسافة بين البطل والبطلة (تسعة وسبعون كيلو ) لكن البطل يراها ( خطوة واحدة على دواسة الوقود) وفي نفس الوقت يرى أن المسافة طويلة، مما يتيح له أن يستمتع بفعل الانتصار الذي هو قتلها، والذي يصوره القاص بأنه أمر قد حسم في عقل البطل، لا بل قد أنجز على اعتبار ما سيكون، وما تبقى التنفيذ فقط.

وباستخدام كلمات ( آآآه الغبية ظنت أنها من فعلتها ستنجو.. ويحها! كيف تجرأت وتسلل إليها هذا التفكير, ألا تعرفني؟؟!..) تعزيز للصراع بين البطل والبطلة في القصة ومزيد من التشويق حول ما سيحدث وشد المتلقي بمتابعة الحدث. وفي كلمات ( التفكير + الإدراك + والاستيعاب ) تسخير للتناقض مع كلمة ( طالبة بليدة ) وهي الصفة الأخرى التي يقدمها القاص هنا لوصف تلك المرأة التي عقد البطل العزم على قلتها. وفي كلمات ( لم تستوعب الدروس التي قدمتها لها في السابق) تعزيز للصراع من جديد حيث يقدم القاص فعل القتل الذي سيقوم به على انه حلقة من حلقات مسلسل مرعب من التصرفات العنيفة التي ارتكبها بحق تلك المرأة.

ولا شك أن القاص ينجح في هذه الفقرة من شد المتلقي وتوريطه في الحدث بصورة أعمق، وعلى الرغم انه يقدم لنا بعض ملامح البطلة وكأنها امرأة ماكرة وذكية وقادرة وجريئة وذلك بهدف تضخيم الصراع وجعله بين ندين، مما يستدعي من البطل أن يجيش له كل قواه ويحتفل بالنصر المستحق، نجد أن القاص يقدم لنا في هذه الفقرة المزيد من الملامح التي تساهم في استكمال الصورة الذهنية لشخصية البطل...والذي يبدو هنا سادي الطبع في تعامله مع تلك المرأة، وهو يتلذذ في شعوره بالنصر الذي يراه يطول وهو في الواقع فعل القتل.

ولا شك أن القاص ينجح في جعل البطل قادر على استعطاف المتلقي ويدفعه للاصطفاف إلى جانبه، وذلك على الرغم من ساديته وبشاعة ما ينوي القيام به من فعل قتل بواسطة المنشار، ذلك لان القاص ينجح أيضا في بث الشك في نفس المتلقي حول شخصية تلك المرأة وما اقترفته من ذنب، والذي يبدو ورغم عدم التصريح به حتى هذه اللحظة من تطور الحدث انه فعل خيانة، فيدفع القاص المتلقي إلى الاصطفاف إلى جانب البطل في سعيه للانتقام كونه مبرر وكنتيجة لتعرضه للخيانة...وفي ذلك تسخير واستحضار ذكي للتراث الشعبي والذاكرة الشعبية في المجتمعات الشرقية، التي غالبا ما تبرر جرائم الشرف وتخفف العقوبة على من يقترفها حتى ولو كانت بتلك البشاعة والعنف، وحتى لو أن الجريمة ارتكبت على أساس ظني...أو ربما كنتيجة لأوهام دارت في مخيلة البطل.

يتبع،،

قديم 06-23-2011, 03:18 PM
المشاركة 13
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،

قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود
محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

اقتباس "

-3-

ها هي المسافة تنقسم نصفين, إني أتحرق شوقاً لرؤية وجهها المتفاجئ برؤيتي, المرتعب و الخائف, وشحوبه الذي يزداد شحوبا.. اهدئي يا طبيعة المسافة ولا تستعجلي, دعيني أستمتع أكثر وأكثر بلحظاتي هذه.. سأقف لأخذ وجبة صغيرة, لا أشعر بالجوع و لكنها المتعة, إني أعشق الانتقام و خصوصا إذا كان شديدا, وأتى بعد ألم.. كيف تجرأت أن تفعل ذلك!, إنه شيء لم أعهده منها, الجرأة في فعل شيء يغضبني, قد يكون حبي ودلالي المبالغ لها هوالسبب!.

يبدأ القاص الفقرة الجديدة بالرقم (3) وهي لغة كودية كونيه، ويستهل حديثه فيها بما يشير إلى فعل الحركة أيضا من خلال ذكره للمسافة التي تنقسم إلى قسمين وفي ذلك تشخيص للمسافة، وكأنها أصبحت شيء قابل للقسمة إلى نصفين، وهو لا شك تعبير جميل وبليغ يصف القاص فيه وصول البطل إلى منتصف الطريق الذي يبلغ طوله كما أعلمنا في بداية القصة 279 كيلومتر ليتوقف هناك ( عكس الحركة).

وهناك وعند تلك النقطة نجد القاص وعلى لسان بطل القصة يستنفر في المتلقي حواسه، فيكاد يشعر بلهيب الحريق الذي هو في الواقع شوق البطل لرؤية وجه تلك المرأة وقد تفاجأ برؤيته هو، وفي ذلك أيضا استنفار لحاسة البصر عند المتلقي وعند بطلي القصة حينما تتقابل عيونهما (إني أتحرق شوقاً لرؤية وجهها المتفاجئ برؤيتي)، ثم نجد القاص قد استخدم كم كبير من الكلمات الدالة لرسم وجه تلك المرأة في خيال المتلقي بحرفية كبيرة، وذلك من خلال تسخير الوصف التفصيلي وكأنه يستخدم ريشة فنان ..فوجهها مرتعب، وخائف، وشاحب، لكنه يزداد شحوبا..وفي ذلك تصعيد مقصود للحدث بهدف شد المتلقي وتشويقه وتوريطه أكثر فأكثر فيما يدور، وفي نفس الوقت تصوير وتهيئة المشهد بما يتناسب مع عملية القتل المرعبة بالمنشار الكهربائي.

ثم نجد القاص يُسَخّر التناقض والتضاد من جديد، وذلك بطلبه من طبيعة المسافة، والتي يخاطبها وكأنها شخص يدرك لما يقول، بأن تهدأ ولا تستعجل رغم حالة الاستعجال التي أبرزها القاص عند البطل في بداية القصة فيما يتعلق بالمسافة، حتى انه يكاد يتمنى لو أن بإمكانه التحكم في قوانين الفيزياء لتقريب المسافة، فها هو يطلب من المسافة أن تهدأ ولا تستعجل ولكننا مع تطور الحدث ندرك سبب طلب البطل ذلك من طبيعة المسافة؟ فهو يريد أن يستمتع بالوقت (دعيني أستمتع أكثر وأكثر بلحظاتي هذه) وفي ذلك مزيد من الرتوش التفصيلية التي تساهم في استكمال بناء شخصية البطل، وفي هذه التفاصيل ما يؤكد على إننا بصدد بطل سادي الطبع والمزاج فهو يريد من المسافة أن تطول لأنه يشعر بلذة الموقف لا بل يريد أن يستمتع أكثر وأكثر باللحظات التي هي في الواقع لحظات قتل ورعب، ثم نجده يتوقف في ظل تلك الظروف لتناول وجبه صغيرة! رغم انه لا يشعر بالجوع، وفي ذلك تسخير للتضاد، لكننا نعرف أن سر توقفه لتناول الوجبة هو المتعة أيضا، وهو مؤشر تفصيلي آخر على سادية البطل، والذي يبدو بأنه عبد لغرائزه ( الغريزة العدوانية وغريزة الجوع ) فنجده وعلى الرغم من هول الموقف وكأنه يحتفل بالقتل ويستمتع في كل لحظة من اللحظات لا بل هو يقيم احتفال ليطيل المسافة رغم إدراكه بأنها تخضع لقوانين الفيزياء، ويطيل الزمن ليشعر بمزيد من اللذة والانتصار.

ولا يتوقف القاص عند ذلك بل هو يصعد في وصف سادية البطل أيضا، كما يصعد من بناء الحدث بجعله أكثر شدا وتشويقا من خلال استخدام صيغة المبالغة (أكثر وأكثر). ونجد القاص يقول على لسان البطل (إني أعشق الانتقام و خصوصا إذا كان شديدا, وأتى بعد ألم)، وهي عبارة مباشرة ومعبرة للغاية عن سادية البطل المفرطة، فهو لا يصرح بأنه يعشق الانتقام فقط ولكنه يضيف على ذلك (إذا كان شديدا واتى بعد الم)، ولا شك أن القاص قد أجاد في رسم شخصية البطل بشكل كبير، وأتقن تحديدا تصوير ورسم الجانب النفسي من الشخصية فها نحن بصدد شخص سادي يتلذذ بالقتل ...يحمل في يده منشار كهربائي ويستعجل المسافة، لكنه يطلب منها أن تهدأ ولا تستعجل لتطول لحظات متعته واحتفاله بالانتصار. وباستخدام كلمتي تجرأت والجرأة في فعل شيء ...( كيف تجرأت أن تفعل ذلك!, إنهشيء لم أعهده منها, الجرأة في فعل شيء يغضبني) نجد تفاصيل إضافية يستخدمها القاص لاستكمال بناء شخصية البطلة بقصد منحها صفة الندية، وبهدف تضخيم حدث القتل الذي سيقوم به البطل.. ذلك لان البطل سيقوم على قتل امرأة قوية وقادرة وجريئة لابد أنها خانته مع سبق الإصرار والترصد وعن وعي وإدراك وتخطيط فاستحقت القتل، وليست امرأة مسكينة ضعيفة لا حول لها ولا قوة.

وفي العبارة الأخيرة من هذه الفقرة يعود القاص ليخبرنا بأننا بصدد بطل مثقف، فهو يورد لنا قانون آخر من قوانين الفيزياء وهو قانون السببية (قد يكون حبي ودلالي المبالغ لها هوالسبب!)، فهو يعرف أن وراء كل نتيجة سبب. ولا شك أن ذلك جاء عن دراية وقصد من قبل القاص ويهدف إلى إبراز صراع من نوع آخر، كون الصراع هذه المرة داخلي في نفس بطل القصة، ويتمثل في الصراع بين الإدراك والعلم والثقافة والوعي من ناحية والغزيرة أو ربما الطبع السادي الذي يسيطر على البطل من ناحية أخرى.

لا شك أن القاص نجح من خلال هذه الفقرة في تصعيد البناء في حبكة القصة وقد جاء هذا الحدث مساند لما قبله ومطورا له، كما انه وباستخدام كلمات ذات دلالة جعل الحدث صاعدا، وجعله أكثر تشويقا وشدا...كما نجح القاص في استكمال رسم شخصية البطل المحورية وهو ما يتقنه مبارك الحمود جدا، لكنه لم يغفل أن يضيف بعض الروتوش على الصورة الذهنية لشخصية البطلة التي تظل ثانوية لتصبح بارزة من حيث صفاتها وبما يخدم تطور الحدث وجعله مهولا مزلزلا كونه يمثل صراع بين ندين في القدرة.

يتبع،،

قديم 06-24-2011, 10:07 PM
المشاركة 14
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،

قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود
محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

اقتباس "

-4-

لم يكن شكي بها ليتحول ليقين لولا إني رأيتها بنفسي, لقد خرجت بذلك الفستان الأحمر الذي أعشقه, وعطرها الثمين الذي أهديته لها بمناسبة ولادتها لطفلتنا الثالثة يلاحقها كشبح.. خرَجَتْ في منتصف الليل بعد أن اطمأنت أنني أصبحت في مدينة أخرى, تتلفت يمينا وشمالا بخوف و حذر, وقعقعة كعبها العالي على الرصيف تدوي في أرجاء الحي الفارغ.. أوقفتْ أول سيارة أجرة في طريقها, واستقلتها بعجلة و بدونتفكير.

تابعتها حتى وقفت عند تلك المستشفى, و خرجت بعد نصف ساعة, أنا متأكد أنها قامت بذلك رغم إنكارها, والدليل على ذلك أنها هربت مني بعد مكاشفتها بذلك, ويحها كيف تعرفت عليه, بدون شك إنه طبيب ولادتها, شكرا لله أنني قمت بقتله, بيدي هاتين اللتين ترقصان طربا الآن, ولم أرسل أحدا ليقوم بذلك عني, آآآآآه ما ألذها من متعة, إنه بالتأكيد الانتصار.

كما هي عادته يبدأ القاص مبارك الحمود هذه الفقرة بالرقم الكودي (4)، ونجده في هذه الفقرة يحشد كم هائل من المحسنات اللغوية واللفظية والكودية ، والجمالية، لإيقاع ابلغ الأثر على ذهن المتلقي. فهو يُسَخّر من بداية الفقرة التضاد، وذلك من خلال استخدام كلمتي ( شكي + يقين ) ثم يستنفر الحواس باستخدام كلمة (رأيتها)، ثم الألوان باستخدام كلمة (الفستان الأحمر)، والتشخيص، من خلال جعل العطر وكأنه شبح يلاحق تلك المرأة، وهو لا شك تشبيه جميل للغاية، ويساهم في رسم صورة ذهنية صارخة في ذهن المتلقي، مشبعة بالألوان الحارة والتفاصيل الدقيقة المهمة في بناء المشهد وجو النص والشخصية، فلا يفوت القاص أن يصف العطر الذي يلاحق تلك المرأة كالشبح بأنه (ثمين) ورغم أنها كلمة واحدة لكنها توحي بالكثير، وكأن المتكلم بطل القصة يمارس عملية تضليل للمتلقي بهدف أقناعه بما يبرر فعل القتل لتلك المرأة، وما استخدامها للفستان الأحمر والعطر الثمين إلا أدله على خيانتها.

ثم يعود القاص لاستخدام التضاد بالحديث عن الولادة (ولادتها لطفلتها الثالثة) في جو مشبع برائحة القتل، ثم نجد القاص يستخدم كلمات لها دلالة كودية من ناحية ( طفلتها الثالثة ) وكلمات تضيف تصعيدا جديدا على جو النص وتطور الحدث، فتجعل الشد والتشويق صاعدا وبعيدا عن أي تراخي، فتلك المرأة خرجت (في منتصف الليل)، وفي ذلك تشويق وإثارة وتحفيز لحواس المتلقي، وغرائزه، واللعب على مخاوفه، لكن القاص لا يتوقف عن تقديم مزيد من الإثارة والتشويق، حيث يصف حركة المرأة وهي خارجة من المنزل بلغة تصويرية تفصيلية جميلة بالغة التأثير، وباستخدام كلمات ذات دلالة وصفيه مهولة وبالغة الأثر، تنجح في تجسيد مشهد وكأنه جزء من سيناريو لفلم سينمائي من أفلام الرعب، والمشهد يتمثل في ( امرأة تسير+ تخرج من منزل على وجه السرعة+ في منتصف الليل+ تتحرك بحذر+ وخوف+ تتلفت يمينا وشمالا + وكعبها العالي يصدر صوت قعقعة + وذلك الصوت يدوي على الرصيف + في إرجاء حي فارغ + توقف أول سيارة أجرة + تستقلها بعجلة وبدون تفكير)، وحتى هذه الكلمات ذات الدلالة نجدها تشتمل على التضاد في كلمات ( يمينا وشمالا ) و (اطمأنت + خوف وحذر) و (قعقعة + حي فارغ)، وهذا التضاد كما نعرف له بالغ الأثر على ذهن المتلقي.
كما أن الفقرة تحتوي على الكثير من الكلمات الدالة على الحركة (خرجت+ تتلفت+ قعقعة كعبها العالي+ بعجلة+ أوقفت)، وهو ما يساهم في جعل النص مشبع بالحيوية والحياة. ونجد أن القاص يستثير الحواس هنا أيضا، وهذه المرة حاسة السمع باستخدام كلمات (قعقعة + تدوي) ولا شك أن هذه الأصوات لها وقع هائل على أذن المتلقي كونها تقع في حي فارغ مما يضاعف من قوة القعقعة.

ثم يستمر القاص في تطوير الحدث وتضمينه عناصر الإدهاش والتشويق، وكأن سيناريو الفلم المرعب ما يزال مستمرا... فالبطل يتابع تلك المرأة بعد أن ركبت السيارة إلى أن وقفت عند المستشفى، ونجد هنا أن القاص يعود لاستخدام كلمات تدل على الحركة، وكلمات تساهم في زيادة حدة التشويق والإثارة ( مستشفى )، والتضاد ( دخول المستشفى ثم الخروج+ متأكد ومكاشفة و إنكار)، وكودات رقمية اضافية ( نصف ساعة).

ثم يستمر القاص في عملية خداعه للمتلقي في محاولة لجعله يصطف إلى جانب البطل، فهو يقدم مزيد من الأدلة لهذا الغرض ( والدليل على ذلك أنها هربت مني بعد مكاشفتها بذلك)، وفي السؤال الذي يطرحه القاص (ويحها كيف تعرفت عليه؟) ما يساهم في زيادة حدة الإثارة والتشويق، ثم استخدام للتضاد من جديد( متأكد + بدون شك، والولادة والقتل)، ثم نجد أن القاص يفجر ومن دون سابق إنذار أو تلميح قنبلة ذهنية جديدة مزلزلة، تتمثل هذه المرة في التصريح بأن البطل كان لتوه قد انتهى من قتل الطبيب الذي يظن بأنه يقيم علاقة مع زوجته، دون أن يقدم أي معلومات تفصيلية عن شخصية الطبيب، وذلك بهدف عدم تشتيت انتباه المتلقي وجعل الأضواء في كليتها تتمحور حول شخصية البطل فقط، لذلك نجد أن القاص قد عاد ليقدم للمتلقي المزيد من المعلومات عن شخصية البطل تلك، والتي تخدم في تعزيز الصورة الذهنية التي سبق ونجح في رسمها وبلورتها في ذهن المتلقي، فيقدم مزيد من الإشارات التي تؤكد سادية البطل فها هي يداه ترقصان( طربا ) لقتل الطبيب، وهي كلمة مرادفة للذة، وفي ذلك تشخيص لليدين وكأنها تقوم بفعل الرقص بذاتها، ثم يعود القاص ليصف ما يشعر به البطل على اثر قلته للطبيب بيدية (باللذة والمتعة والانتصار)، وهي كلمات تدلل على ساديته المفرطة.

وهنا نجد أن القاص قد نجح فعلا في تطوير الحبكة وجعلها أكثر تعقيدا وإدهاشا، كما احدث تطويرا على الشخصية الرئيسية، فظلت دينامكية نامية متطورة ولو من ناحية الحديث عن ساديه البطل التي برزت بشكل واضح بقتله للطبيب بتلك الطريقة البشعة وتلذذه بذلك القتل.

كما أننا نجد بأن القاص نجح في المحافظة على أسلوب غاية في الشد والإدهاش والتشويق فلا تراخي أبدا في الحبكة أو الوصف أو بناء الشخصية حتى أننا نلمس ذلك الشد في كل جانب من جوانب النص، وبما في ذلك تكرار حرف الألف في كلمة ( آآآآآه ) خمسة مرات بينما اكتفى بتكرار الحرف في الفقرة الثانية (آآآه) ثلاثة مرات فقط.


وفي ذلك ما يشير إلى أن القاص مبارك الحمود يعي تماما أهمية جعل الحدث في القصة القصيرة صاعدا، متطورا، محبوكا بحرفية، وتكثيف، ودون تراخ، أو حشو، أو تفصيل، أو تشتيت. والكتابة عنده تشبه تسلق صخرة كما يقال...وهو على ما يبدو يخطط لذلك قبل البدء في الكتابة، وهو حتما ينجح بشكل كبير في تحقيق مبتغاة في إبداع قصة فذة، مدهشة، ومكثفة، وغاية في التأثير والادهاش...أو ربما انه وحينما يبدأ في الكتابة يتولى عقلة الباطن بقواه البوزيترونية المذهلة السيطرة على العملية الإبداعية لديه، فتخرج نصوصه بهذا العمق والتعقيد الفني المدهش، والذي هو في غاية الجمال والإبداع والتأثير.

يتبع ،،

قديم 06-26-2011, 10:40 AM
المشاركة 15
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،

قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود


محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

اقتباس "

-5-


وها أنا في الطريق لانتصار آخر, كما عادتي.. قهقهاتي المصطنعة لا تتوقف, إني أقترب أكثر وأكثر منذلك.. يا ترى ماذا تفعل الآن؟, بالتأكيد إنها تقف باطمئنان أمام نافذة بيت مزرعة والدها التي ورثتها منه, تتخيل مستقبلها بدوني, ولم تدر أنها ستراه واقعا أقرب مما تتوقع.. الطريق الذي يبدو كشعرة متقصفة مسافته تقصر, ونصري يقترب.. قلبي يخفق كطبول حرب, وها هو.. ها هو البيت, يقبع بكل براءته على مقربة من الشعرة المتقصفة, وقدماي.. قدماي تتبادلان المقدمة باندفاع وحماس.


تبدأ الفقرة الخامسة برقم كودي ( 5 ) ثم بما يدل على الحركة ( ها أنا في الطريق لانتصار آخر)، ثم مزيد من الوصف والتوصيف لشخصية البطل ( قهقهاتي المصطنعة )، هنا يُدخل القاص عنصر إضافي وجديد على شخصية البطل في حرص منه على إبقاء هذه الشخصية في حالة دينامكية متطورة، وكأن في ذلك ما يشير إلى انه غير سوي، فعلى الرغم من هول الموقف نجده يقهقه قهقهات مصطنعة كما هي عادته، وهو ما يشير إلى انه شخصية مريضه، شخص واهم، يُهذي ويتصرف بتصنع فيقهقه في احلك الاوقات، وهو ما ينسجم مع طبيعة الشخصية السادية للبطل، أو انه ربما يحترف القتل الذي يتلذذ به ويعتبره انتصار يتبعه بقهقهات وتلذذ في كل مرة، وفي ذلك مزيد من التصعيد في الحدث، وفي كلمات (لا تتوقف) مزيد من الحركة والحيوية ايضا.

وبهدف مزيد من التشويق يطرح القاص سؤال استنكاري ( يا ترى ماذا تفعل الآن؟ )، ثم مؤشر آخر على أن البطل غير سوي، فباستخدام القاص لكلمة (أمامالنافذة)، وليس خلف النافذة يُظهر أن البطل يفكر بطريقة مختلفة، وربما غير سوية. وفي إشارة القاص إلى أن تلك المرأة تقف أمام مزرعة (والدها ألتي ورثتها منه) ما يثير استعطاف المتلقي، ويحرك مشاعره حول وضع تلك المرأة كونها يتيمة ايضا.

ونجد أن القاص يظل قادر على استثمار التضاد هنا أيضا فبينما يصف القهقهات بأنها لا تتوقف، نجده يصف المرأة بأنها تقف ( لا تتوقف + توقف ). وبهدف التشويق واستحضار النهاية المروعة في ذهن المتلقي، والتي يصورها القاص انتصار في ذهن البطل، يكرر القاص كلمات (اقترب أكثر وأكثر+ أقرب مما تتوقع+ ونصري يقترب+ مسافته تقصر+ مقربة). ونجد هنا استثمار للتضاد من جديد ( بالتأكيد + تتوقع ).

ثم يعود القاص لتقديم وصف تفصيلي غاية في الجمال لجوانب أخرى من المشهد الذي يتقن رسمه، فنجده يصف الطريق بشعرة متقصفة وربما يقصد في ذلك طريق زراعي ترابي متعرج، ويصف خفقان قلب البطل بصوت طبول الحرب، وفي ذلك استثمار للتضاد من جديد وتشبيه بليغ، فبينما (تقف هي باطمئنان + يتحرك هو تجاهها وقلبه يخفق كطبول الحرب)، وفي استخدام كلمة (براءته) استثمار للتضاد، فالبيت بريء بينما هي خائنة.

وفي استخدام (صوت طبول الحرب) استنفار لحاسة السمع، وفي الإشارة إلى مكان البيت الذي (يقبع ببراءة إلى جانب الشعرة المتقصفة)، وصف تفصيلي مغاير وغاية في الجمال. كما أن وصف حركة القدمين (وقدماي.. قدماي تتبادلان المقدمة باندفاع وحماس( التي شخصها الكاتب وكأنها تتحرك بذاتها، وتتدافع نحو الهدف بحماس واندفاع، ما يجعل النص أكثر حيوية، فيندفع المتلقي هو أيضا بحماس واندفاع لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور، ومعرفة النهاية التي قربها القاص في ذهن المتلقي بتكراره لكلمة (اقرب) أكثر من مرة.

وفي هذه الفقرة ما يشير إلى أن القاص مبارك الحمود يتقن رسم المشهد بنفس الطريقة التي يتقن فيها بناء الشخصية، لكن تظل قصصه في معظمها تتمحور حول شخصيات دينامكية، لها وضع نفسي معين، وهي حتما مثيرة للجدل. وهو قادر على تركيز الحبكة حول حدث رئيسي واحد متطور، وهنا وفي هذه الفقرة نجد بأنه تمكن من المحافظة على نفس الاسلوب من الشد والتشويق والادهاش.

يتبع،،

قديم 06-27-2011, 08:33 AM
المشاركة 16
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،

قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود
محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

اقتباس "

-6-

السكون يعم المكان, ورائحة القش المبتل مسترخية.. الباب أمامي.. أطرق بقوة, ولكن العنيدة لا ترد, تتظاهر بعدم وجود أحد, إني أشم رائحة عطرها تعربد حولي بإصرار, وأنا لا أخطئه, وصرختُ.. إني أدفع الباب وأهشمه, لا أرى أحدا, بالتأكيد إنها تختبئ في زاوية من زوايا البيت, تندس كالفأر.. جبانة كعادتها.. إني أحب ذلك, متعتي بدأت تزداد.. هل هيهنا تختبئ وراء ستائر الحمام؟, "هاهاي كلا", عيناي تتابعان و تترقبان, أوووه بالتأكيد إنها هنا تحت الكنبة.. أيضا لا, يا إلهي إنها تجيد الاختباء ولكن تحتقوانين أرضي التي أحكمها بإحكام.. لم يتبق سوى غرفة النوم في العلية, بالتأكيد إنهاهناك.

يستهل القاص مبارك الحمود هذه الفقرة بالرقم الكودي (6) ويتبع ذلك مباشرة بالحديث عن (سكون يعم المكان) وهو سكون له وقع شديد واثر ملموس، كونه يأتي بعد حديث القاص عن أصوات قعقعة، وقهقهات مصطنعة، ودقات قلب أشبه بطبول حرب، وفي ذلك تشخيص للسكون وكأنه غيم أو دخان. كما أننا نجد القاص يستثير حاسة الشم لدى المتلقي بحديثه عن رائحة القش المبتل (ورائحة القش المبتل مسترخية)، ونجده يشخصن الرائحة ويصفها بأنها مسترخية وكأنها ناقة أو أغصان شجرة أو ما إلى ذلك. وفي جو السكون ذلك نكاد نسمع طرق الباب الذي يقوم به البطل (اطرق بقوة)، وفي عدم الرد استثمار للتضاد، ثم يستثير القاص من جديد حاسة الشم عند المتلقي في حديثه عن (إني أشم رائحة عطرها تعربد حولي بإصرار)، وفي العبارة تشخيص لرائحة العطر فقد جعلها الكاتب هنا (تعربد بإصرار) وفي استخدام وصف تعربد وقع قوي للغاية، ففي الفقرة السابقة يصف القاص رائحة العطر وكأنها شبح يلحق بتلك المرأة، وهنا نجده يصف الرائحة وكأنها تعربد حوله، ويا له من وصف لقوة رائحة العطر، وفي ذلك تصوير للبطل وكأن انفه قد تحول إلى انف حيوان كاسح مفترس، يبحث عن فريسته من خلال تتبع أثرها وشم عطرها، وفي ذلك تصعيد في الإثارة والتشويق، وتهيئة لمشهد القتل بالمنشار الكهربائي.
وتأتي صرخة البطل ومن ثم دفعة للباب وتهشيمه وبما في ذلك من حركة وحيوية، واستثارة لحاسة السمع، لتعطي مزيدا من الإثارة، والتهيئة لمزيد من التصعيد في الحدث الصاعد المتطور، ولنجد القاص يستثير فينا حاسة البصر من جديد، بقوله على لسان البطل (لا أرى أحدا). ويأتي الوصف كله منذ لحظة (أطرق الباب إلى .......جبانة كعادتها) وكأنه مشهد آخر من مشاهد فلم الرعب الذي نحن بصدده هنا، وكأن القاص قد تحول فيه فجأة إلى مصور سينمائي يحمل كاميرا ويدور بها في المكان، وينقل لنا المشهد بتفاصيله الدقيقة، لا بل ويتعدى ذلك لينقلنا إلى جو النص باستثارة حواسنا وما يسود من روائح في المشهد. ويعود القاص ليشير إلى سادية البطل من خلال الإشارة إلى متعته وهو يبحث عن تلك المرأة ( إني أحب ذلك, متعتي بدأت تزداد)، فهو لا يريد صيدا سهلا، ولكنه يريد أن يلاحق ضحيته كما تلاحق الحيوانات المفترسة فرسيتها ليتلذذ في تعذيبها، وفي سؤاله الاستنكاري (هل هيهنا تختبئ وراء ستائر الحمام؟) مزيد من الإثارة والتشويق والشد،واستمرار للتسجيل التصويري، ومزيد من الاستثارة لحاسة البصر،( عيناي تتابعان و تترقبان)، حيث يجد المتلقي نفسه وكأنه ينظر مع البطل خلف ستارة الحمام، وينتقل معه لينظر تحت الكنبة أيضا، وفي عدم العثور عليها مزيد من التشويق والشد والإثارة، وفي الإشارة إلى أنها تجيد الاختباء مزيد من الإثارة والتشويق وكأننا في لعبة الغماية، لكن لا يفوت القاص بأن يعود للتذكير بأن بطل القصة يظل قادر على الوصول إليها مهما حاولت الهروب والاختفاء ومهما فعلت ستظل في متناول يديه كونها تظل خاضعة لــ (قوانين ارضي التي أحكمها بإحكام)، ثم ينقلنا القاص وراءه إلى غرفة النوم في العلية وقد تمكن من استثارة جهازنا العصبي بشكل حاد واستنفار كافة حواسنا وغرائزنا، كوننا أصبحنا على شفى مشاهدة عملية القتل بعد كل تلك الاستثارة والتشويق.

ونجد أن أهم ما يميز هذه الفقرة هو التصعيد الحاد في التشويق من خلال جعل البطل يبحث بعينين تتابعان وتترقبان عن تلك المرأة، وكأنه وحش ادمي مفترس، ومتحفز بكل غرائزه وحواسه، وحيوانيته الدفينة للعثور عليها، لكنها هي تختبئ وتندس كالفأر، وذلك ما يزيد من متعة بطل القصة، كون أن الصيد ليس سهلا، وفي ذلك ما يغذي ساديته، ويرفع نسبة التشويق عند المتلقي.
وفي استخدام القاص لبعض الالفاظ والكلمات وقع شديد في زيادة حدة التشويق مثل (أطرق بقوة + العنيدة+ أشم + تعربد + بإصرار+وصرختُ + إني أدفع الباب وأهشمه+ تندس كالفأر+ جبانة + متعتي + بدأت تزداد.. + تختبئ وراء ستائر الحمام؟+ "هاهاي كلا"+, عيناي تتابعان وتترقبان+, أوووه + تجيد الاختباء +تحت قوانين أرضي+ التي أحكمها بإحكام) ، وفي كلمة ( أوووه) والتي استبدل القاص فيها حرف الألف في كلمة ( آآآه) والتي وردت في فقرة سابقة بحرف الواو، ما يشير إلى زيادة مضطردة في رغبة بطل القصة في القتل، وقلة الصبر، وتغير صاعد في المزاج عند البطل، وفي ذلك ما يشير إلى تطور إضافي في شخصية البطل التي تظل ديناميكية متطورة. ولكن الغموض في مكان تواجد المرأة وبالتالي التشويق لا ينتهي مع انتهاء الفقرة هذه، فينشد المتلقي ليتابع مع البطل بحثه عنها في العلية ليعرف ما سيحدث هناك. ولا شك أن القاص ينجح في هذه الفقرة في جعل الحدث صاعدا متطورا من خلال وصف المشهد بتفاصيل دقيقة وببراعة عالية، ومن خلال إدخال عنصر الغموض في مكان وجود المرأة، ومن ثم شد المتلقي في رحلة البحث تلك، وكأنه أصبح جزء من القصة.. يشارك البطل في بحثه خلف الستائر وتحت الكنبة، وهو في حالة استنفار كاملة لما سيحدث تباعا.

يتبع،،

قديم 06-29-2011, 11:18 AM
المشاركة 17
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،

قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود
محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

اقتباس "

-7-

اصدح أيها المنشار وغني.. ها هي الدرجات.. 1, 2, 3,..., 13, هيلا هوب, لقد وصلت.. "أتسمعينني أيتها الصماء البكماء, لقد أتيت", وقفت أمام الباب, وأنا أشعر بقلبي يخفق بشدة, الفضول الشديد ذلك ما أشعر به, أريد أن أرى ردة فعلها, أوووه قد يكون حبيب آخر معها الآن وهي خجلة مني, تخجل أن أراها مع شخص آخر.. قبضت على المقبض بقوة, وأدرته إلى اليمين.. إني أفتح الباب وأنا أضحك بأعلى صوتي.. صدمة, صدمة, ذلك ما أصابني, وجعلني أشعر بضيقة تخنقني, وكأن مشنقة من الشوك تحاول جزرقبتي.

هذه الفقرة تبدأ بالرقم الكودي ( 7 )، يليه مباشرة شخصنة المنشار، فالقاص يجعله قادر على الصدح، والغناء، وكأنه بلبل أو طائر يجيد الغناء، وفي ذلك تذكير بالمهمة التي أصبح بطل القصة على وشك تنفيذها وهي القتل بالمنشار، ولذلك جاء الطلب من المنشار بأن يصدح ويغني منسجم مع طبيعة البطل السادية وكأنه على وشك الاحتفال بالقتل.

والمشهد هنا يأتي مكملا للمشهد السابق الذي أتقن القاص تصويره بكاميرا المصور الخبير الذي يهتم بالتفاصيل ذات الأثر المهول، فيشعر المتلقي وكأنه يسير في صحبة بطل القصة ويجاوره في صعوده على الدرج، إلى غرفة النوم... وان ذلك الصعود يتم تدريجيا، ودرجة، درجة، وهنا يستثمر القاص سحر الأرقام (1،2 ،3... 13)، ويتوقف عند الرقم (13) في استحضار لما يرتبط بهذا الرقم في الذاكرة الشعبية من شؤم ونفور، وذلك بهدف مزيد من التشويق والشد وتطوير جو النص. ثم يأتي الإعلان عن وصول البطل إلى تلك الغرفة، وفي ذلك إشارة إلى الحركة التي تحافظ على حيوية النص، ثم يستثير القاص في المتلقي حاسة السمع بقوله (أتسمعينني أيتها الصماء البكماء, لقد أتيت)، وفي نفس الجملة نجد استثمار للتضاد...فكيف لها أن تكون صماء وبكماء وأن يسألها إن كانت تسمع؟ لكن الهدف هو التشويق، والإثارة، والشد، وفي عبارة ( لقد أتيت) ما يشير إلى مزيد من الحركة ، وفي الوقوف (وقفت أمام الباب) استثمار للتضاد فالوقوف هو عكس الحركة، وفي وصف حالة البطل عند الباب ما يستثير مشاعر المتلقي (اشعر بقلبي يخفق بشدة )، ويحرك حاسة السمع لديه، ثم من جديد محاولة لاستثارة مشاعر المتلقي من خلال حديث القاص عن فضول البطل (الفضولالشديد ذلك ما أشعر به) وكأنه الشيء الوحيد الذي يشعر به، ثم استثارة الحواس بقوله (أريد أن أرى ردة فعلها)، ثم مزيد من التهويل باستخدام كلمة (أوووه)، وفي التشكيك بوجود حبيب آخر معها (قد يكون حبيب آخر معها الآنمزيد من الإثارة والتشويق، ثم تحريك للمشاعر من خلال حديث القاص عن خجل المرأة في كلمتين متتاليتين (وهي خجلة مني, تخجل أن أراها)، وفي كلمة (أراها )، استنفار لحواس المتلقي، وفي وصف الطريقة التي يفتح فيها بطل القصة الباب (قبضت على المقبض بقوة, وأدرته إلىاليمين)، تشويق وإثارة، وفي تصرفه (وأنا أضحك بأعلى صوتي)، ما يشير إلى سادية البطل كونه يضحك بأعلى صوته بينما هو على وشك تنفيذ عملية قتل بشعة بالمنشار الكهربائي. ثم نجد القاص يفجر من جديد قنبلة ذهنية في ذهن المتلقي، هي أشبه ما تكون بالصدمة الكهربائية التي تصيب المتلقي باستخدام القاص لعبارة ( صدمة, صدمة, ذلك ما أصابني)، وهنا تصل الإثارة إلى ذروتها، وفي العبارة (وجعلنيأشعر بضيقة تخنقني) نجد مزيد من الاستثارة لمشاعر المتلقي، بحديث القاص عن الشعور، والضيقة التي تكاد تخنق البطل، وهذه اللحظة تمثل لحظة انقلاب حادة وغير متوقعة، نظرا لطبيعة وسمات شخصية بطل القصة التي رسمها القاص في ذهن المتلقي فذلك المفترس الشرس، الذي يتلذذ بالقتل ويحتفي به، ويدق قلبه كطبول حرب فرحا وطربا، ونجده منذ لحظة يقهقه ويضحك بأعلى صوته، ويطلب من المنشار أن يصدح في تعبير عن فرحه السادي، نظرا لاقتراب لحظة الانتقام الذي يدور حوله الحدث في القصة، لكننا نجده فجأة قد أصيب بصدمة مروعة (صدمة، صدمةذلك ما أصابني)، جعلته يشعر وكأنه يختنق، ولا يكتفي القاص في وصف السبب بشعور البطل بالاختناق بقوله مثلا وكأن حبل مشنقة قد التف حول عنقه، بل نجده يصف ما جرى له بـ (وكأن مشنقة من الشوك تحاول جزرقبتي)، وفي ذلك وصف بليغ للغاية وتصوير غاية في الجمال والألم، إذ يشخصن القاص المشنقة وكأنها لوحدها تحاول جز رقبة البطل، وهو الأمر الذي يكاد يدفع المتلقي ليتحسس عنقه من شدة الألم الذي يستشعره من خلال الوصف للألم الواقع على عنق البطل بينما يذهب عقله بعيدا وهو يصوره ذلك الموقف وتلك المشنقة من الشوك، والتي تحاول جز رقبة البطل كما يصفها القاص.

ويظل الغموض والإثارة سيد الموقف... وتتدفق الأسئلة في ذهن المتلقي بغزاره عن سبب تلك الصدمة المروعة؟ التي جعلت ذلك البطل الهمام يشعر وكأن مشنقة من الشوك قد التفت حول عنقه فجأة؟ فيندفع المتلقي لمتابعة القراءة عله يكتشف الغموض والسر في ذلك الانقلاب الحاد والمزلزل في شخصية البطل والحدث؟! وقد إصابته هو بدوره صدمة كنتيجة لذلك الانقلاب الحاد في الحدث وشخصية البطل...ولا شك أن القاص نجح في إيصال المتلقي إلى ذروة الشد والتشويق من خلال تضمين نصه لمثل لحظة الانقلاب الحادة تلك، والتي تمثل احد العناصر المهمة للبناء القصصي الناجح والمؤثر.

يتبع،،

قديم 06-30-2011, 10:31 PM
المشاركة 18
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،
قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود

محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

اقتباس "

-8-

المنشار يسقط منيدي, ويبتر قدمي اليمنى.. أزحف إليها باكيا لا أشعر بألم ساقي التي ينفجر منها نهرأحمر. ممدة وجدتها على السرير الذي تيبس من دمائها.. حبيبتي ميتة, لا نبض فيها, تبدو هادئة كعروس نائمة لولا الدماء التي تغطيها.. ضممتها بقوة فسقطت ورقة بقربها, يبدو أن شيئا مكتوب عليها, كان خطا متعرجا مرتعشا.. "هذا ما جنته يداي", ذلك ما كانمكتوبا. أمسكت الورقة بين أصابعي وعصرتها, ووضعتها في جيبي وأنا أكاد أن أختنقبدموعي .. حملت المنشار وتمددت بجانبها, فاصطبغت الغرفة باللون الأحمر القاني إلىالأبد.

يبدأ القاص الفقرة الأخيرة من القصة بالرقم الكودي (8)، واقل ما يقال عن هذه الفقرة الأخيرة أنها تمثل سلسلة من القنابل الذهنية المتفجرة. فبعد أن أوصلنا القاص إلى ذروة الشد والإثارة بالصعود إلى العلية درجة، درجة، ومن ثم فتح البطل لباب الغرفة بإدارة المقبض إلى اليمين على تلك الشاكلة، لتصيب البطل صدمة جعلته يكاد يختنق بمشنقة من الشوك، وهو ما مثل انقلابا حادا في الحدث وشخصية البطل، وشكل أيضا صدمة للمتلقي الذي يتفاجأ بهذا الانقلاب الحاد، وحيث نظن والحال كذلك بأن القاص قد افرغ جعبته من كافة عناصر الشد والإثارة والإدهاش، نكتشف بأن الحدث في هذه الفقرة يتطور بصورة درامية مزلزلة، وغاية في التأثير والشد والادهاش وبشكل مغاير وغير ومتوقع.
فقد راع البطل الشرس المفترس، ما رأى في تلك الغرفة، فيسقط المنشار من يديه (المنشار يسقط منيدي)، وفي حدث السقوط حركة وحيوية، ويبتر المنشار قدم البطل اليمنى، وفي ذكر اليمنى استحضار للتراث الشعبي والديني المرتبط بالرجل اليمنى، وقد يكون من الرموز الكودية التي حرص القاص على تضمينها لتضيف بعدا جديدا لشخصية البطل، فهو يدخل البيوت برجله اليمين. وربما أراد القاص أن يلمح هنا بأن ما أوصل البطل إلى كل ذلك الشك القاتل هو في الواقع تلك التراكمات الثقافية التي شكلت وضعه النفسي، وقد تكون هذه هي الفكرة الدفينة للنص.
ولا بد أن هذا التطور الفجائي غير المتوقع في الحدث، بل والمستبعد يشكل صدمة مروعة ويزلزل المتلقي، وفي زحف البطل باكيا نحو تلك المرأة بعد أن قُطعت ساقه بالمنشار الذي كان يحمله لقتلها تطور آخر متلاحق، وفيه مزيد من الحركة، وفيه استثارة لمشاعر المتلقي، وذلك من خلال ذكر البكاء من ناحية، وذكر كلمة اشعر من ناحية أخرى (أزحف إليها باكيا لا أشعر بألم ساقي). وفي وصف نزف الدم من ساق البطل (التي ينفجر منها نهرأحمر) ما يزلزل المتلقي حيث يشبه القاص ذلك النزف بالنهر، فيستثمر القاص بذلك مزيد من الحركة، ولكن في أقصى حالاتها هذه المرة، فالحركة هنا جريان دم كما يجري النهر، كما ويسخر القاص هنا اللون الأحمر ليضيف بذلك إلى المشهد مزيدا من الرتوش المهمة، ونلاحظ هنا بان القاص يذكر ثلاثة أعضاء من جسد البطل وهي ( الأيدي من حيث يسقط المنشار, والعيون حيث يبكي، والساق التي يبترها المنشار)، وكأن القاص يمنح بذلك بطل القصة الحياة، فلا يملك المتلقي إلا أن يتزلزل لهول الموقف وفداحة المشهد وقد اصطبغ بالدم الأحمر النازف من ساق البطل الذي صار اقرب إلى الحياة منه بطل في قصة من خلال ذلك التصوير الدقيق لما حصل له.
وما يلبث القاص أن يفجر قنبلة ذهنية أخرى اشد وقعا، فها هي تلك المرأة ممدة على السرير الذي تيبس من دمائها (ممدة وجدتها على السرير الذي تيبس من دمائها)، ويا لهول المشهد! فان كان الرجل (بطل القصة) قد قطعت ساقه، فانفجر منها نهر من الدم، ها هي تلك المرأة تسبح في بحر من الدماء، ولا يتوقف الشد عند القاص هنا، فنجده يفجر قنبلة أخرى في ذهن المتلقي وذلك بالإخبار عن موت تلك المرأة، وبالتأكيد على موتها بقوله أن لا نبض فيها، فلا مجال للشك أنها ميتة، ويكرر ذكر الدماء لمزيد من الشد والتصعيد في المشهد، ونجده يستثمر التضاد والألوان بحديثه عنها نائمة وهادئة كعروس لولا الدماء التي تغطيتها. فمن ناحية نجد أنفسنا ننظر إلى امرأة نائمة هادئة كعروس تلبس فستانها الأبيض، لكن نومها يأتي في جو مرعب وهي تغرق في الدماء الحمراء.
ثم نجد بأن القاص قد ادخل تحولا جديدا على شخصية البطل التي ظلت دينامكية عبر النص, وتحولا آخر في تطور الحدث، فبعد أن تم تهيئة المتلقي لمشاهدة مشهد قتل بالمنشار، نجد بطل القصة، منكسرا، زاحفا، باكيا نحو جثة زوجته الغارقة في بحر من الدماء، ونهر من الدم يتفجر من ساقه، وينقلب مشهد القتل الذي كان المتلقي قد تهيأ لحصوله إلى مشهد يضم فيه البطل زوجته الميتة بقوة وهو يعبر عن حبه لها...وكما سقط المنشار من يده، تسقط ورقة من يدها، كتب عليها بخط متعرج ومرتعش (هذا ما جنته يداي)، في قنبلة جديدة يعلن فيها القاص بأن تلك المرأة إنما قتلت نفسها بيديها (ماتت منتحرة)، وربما في ذلك إعلان بأنها قد قررت الخلاص من جحيم ذلك الزوج السادي الشكاك.
ولكن المشهد لا ينتهي هنا، فنجد القاص يجعل بطل القصة يقوم على عصر الورقة ألتي كتبت عليها تلك العبارة، ويضعها في جيبه؟! ومن ثم ينتحر هو بدوره، وبنفس أداة القتل التي كان ينوي قتل زوجته فيها (المنشار)...ويبدو أن وضعه لتلك الورقة في جيبه، كان عملا واعيا مقصودا، فقد أراد أن يعلن ومن خلال من سيعثر على تلك الورقة في جيبه، بأنه المسئول عن كل ما جرى في تلك الغرفة...فهو يعترف بأن كل ما جرى هناك في تلك الغرفة إنما هو من ثمرة يداه (هذا ما جنته يداي)، ولذلك كان حريصا على أن يحمل المنشار قبل أن يتمدد إلى جوار الزوجة لتشير أداة القتل والورقة التي وضعها في جيبه بأنه هو القاتل... ونجد أن في ذلك تحول آخر أحدثه القاص على شخصية البطل هنا...فها هو يتخذ موقف مغاير في آخر لحظة من حياته، مفاده اعترافه بأنه قد تسبب في انتحارها...وان كانت قد قتلت نفسها، وقتل نفسه بدليل المنشار الذي كان يحمله.
ولا شك أن النهاية جاءت ملتوية ومغايرة لكل المقدمات التي ساقها القاص...فالحدث لم ينته بقتل الزوجة كما كان متوقعا, وإنما بغرفة تصطبغ باللون الأحمر القاني إلى الأبد...كنتيجة لانتحار الاثنين، ونجد أن سقوط البطل بتلك الطريقة المدوية هو الذي يترك أثرا عظيما في نفس المتلقي، خاصة بعد أن تمكن القاص من رسم صورة ذهنية له فجعله شخص مفترس، شرير، قاتل، تحركه نيران الغيرة، يتلذذ بالقتل، يستعجله أحيانا، ويريد إطالة لحظات الانتصار تارة أخرى...ليهوي في المشهد الأخير معترفا بأنه يتحمل مسؤولية ما حصل في كليته.

يتبع،،،


قديم 07-04-2011, 08:37 AM
المشاركة 19
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،

قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود
محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:


بشكل عام أقول بأن القاص مبارك الحمود قد نجح هنا في إبداع قصة قصيرة فذة، فبالإضافة إلى ما تم شرحه وإظهاره من لمسات وأبعاد فنية جميلة للغاية، جعلت النص بالغ التأثير والشد والإدهاش من خلال ذلك الحشد الهائل من التعابير والجمل والكلمات واللغة الكودية ذات الدلالة، والتي تستثير في المتلقي حواسه وأحاسيسه ودهشته ومخاوفه، ومن خلال ذلك الأسلوب القوي، والمكثف، والذي لا تراخي فيه، نجد أيضا بأن القاص قد كتب قصته ضمن الإطار العام لمقومات القصة القصيرة المتعارف عليها.
فمن ناحية نجد أن النص قصير، وان أحداث القصة محصورة في فضائين، زماني ومكاني، محدودين ومناسبين. وفي القصة وحدة زمنية واضحة، كما أنها تمتاز بوحدة الموضوع فكل العناصر وظفت لغرض واحد.
ولا شك أن القاص اقتصر على عدد مناسب من الشخوص وبما يخدم الغرض من القصة، وجعل شخصية البطل هي الشخصية المحورية، وقد أبدع القاص في جعلها شخصية ديناميكية متطورة، ذات جاذبية عظيمة للمتلقي، وقد وظف لهذا الغرض صراع درامي حاد دار في عقل البطل من ناحية وصراع آخر دار بين البطل وأعداءه المتخيلين.
كما أن النص مبني بصرامة واضحة فالإحداث صاعدة وتساند بعضها بعضا، بلا زوائد ولا إطالة، مع نجاح في توظيف التفاصيل أحيانا لرسم مشهد جميل له اثر عظيم.
ولا شك أن كل العناصر متماسكة ومترابطة، وقد ساهمت في بناء القصة وجعلت منها وحدة درامية واحدة، رغم أنها مقسمة إلى فقرات تفصل بينها أرقام.
كما مثلت النهاية انقلابا حادا غير متوقع مما ساعد على تعميق الإحساس بالنهاية، وفَرَضَ على المتلقي بديل غير منتظر.
ولا شك أن القاص قد نجح في معالجة مادة وإحداث القصة معالجة فنية جيده، مما جعل القصة ذات تأثير كبيرة على المتلقي.
هذه القصة مكتوبة بأسلوب قوي هو اقرب إلى أسلوب ادجر الن بو في قصصه المرعبه "القلب الواشي، والقط الاسود". وأنا اصفق لمبارك الحمود على هذا الانجاز المميز.

قديم 07-05-2011, 06:42 AM
المشاركة 20
مبارك الحمود
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
أستاذ أيوب..
أنا محظوظ بك وبقراءاتك الذكية..
يعجبني فيك مثابرتك, وملاحظاتك التي تدل على ناقد يقرأ بحرص, وبعقل يقظ.
من القلب شكرا لهذا الجمال.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: قراءة نقدية معمقة لقصص مبارك الحمود
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الافتراضي المأمول، والواقع المحروق قراءة نقدية في رواية (ذرعان) للروائي (محمد الحفري) محمد فتحي المقداد منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 2 11-19-2020 12:12 AM
قراءة نقدية في ديوان "حرف وأمل" للشاعرة أمل سليمان بقلم د. عبد المجيد جابر اطميزة ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 01-13-2018 06:48 PM
قراءة معمقة لبعض روائع الشاعر عبد اللطيف السباعي ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 46 01-20-2017 03:32 PM
قراءة نقدية فى قصيدة " بوح الحروف " جبار دهر جبار منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 01-02-2013 02:53 PM
قراءة نقدية لنص ( ظلال شبه عارية ) للشاعرة السورية غادة قويدر غادة قويدر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 12-09-2011 11:35 PM

الساعة الآن 10:12 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.