قديم 02-29-2016, 05:41 AM
المشاركة 41
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
كتاب مجلة الكرمل /2 الصادر عن إتحاد الكتاب و الصحافيين الفلسطينيين

فقهاء الظلام :
رواية سليم بركات ( هذا الفذّ الذي أعطى الشعر نكهة جديدة, والرواية بعدا جديدا. هذا العملاق الذي تحالف مع دولة عظمى, دولة اللغة, لينهي هزائم الكتابة .. الشاعرة افراح الكبيسي ) عن عائلة كردية "نموذجية"
تنتهي إلى مصير الجنون بسبب العزلة والحصار وصعوبة التواصل الإنساني مع الذات ومع الأهل والجوار والذات

عنها :

في "فقهاء الظلام"، (1985)، العمل الأوّل الذي يندرج في مصطلح الرواية حسب تصنيف بركات لأعماله، يتحوّل الميدان الطبيعي والبشري لمنطقة "الجزيرة" إلى منبسط درامي حاشد، يجثم على عناصره ذلك الإحساس العميق بوطأة التاريخ: تاريخ البلاد، تاريخ الأسرة المتسلسلة التي حلّت محلّ العشيرة والقوم، تاريخ الخرافة الشعبية التي استباحت الماضي حتى انقلب أساسها الأسطوري إلى منفذ تخييلي لمغالبة ذلك الماضي. الملاّ "بيناف" ينخرط في موقف عبثي يضمّ الطرافة والعجب إلى المحنة والمأزق: وليده "بيكاس" يتخطى الحاجز الزمني للعمر البشري، فهو يبلغ الثلاثين بعد سبع ساعات من ولادته، ويبلغ الأربعين عصراً، والخمسين مساءً! وهو ينطق فور ولادته، ويخاطب والديه هكذا: "إنها محنة ستنسيانها حين تنقضي، أما أنا فلن أجد الوقت لأنساها". ويخرج الملاّ عن طوره ويكاد يجدّف – هو الشخصية الوقورة الدينية
والدنيوية – حين يصرخ: "لا أريد أن لأفهم شيئاً فيما بعد ولا أريده الآن. لست معنياً بفهم هذه المحنة، فليفهمها ربّك"! وتشهد ساحة الدار، مثل البيئة بأسرها، طغيان أسطورة "بيكاس" وامتدادها المتسارع إلى جغرافية وتاريخ هذه المجموعة البشرية، فتنصهر الخرافة بالطرفة، والوثيقة بالعجيب، والوقائع بالفانتازيا، والرؤى الشعبية بالحلم الصوفي، وعادات الحياة بالكابوس.

صبحي حديدي _ عن مجلة أوراق كردية

* * *


رواية مدهشة

* * *


رابط التحميل :

قديم 02-29-2016, 10:00 AM
المشاركة 42
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الرواية العربية والمحكي الفانتاستيكي

في ندوة بالبيضاء نظمها مختبر السرديات بكلية ابن امسيك وأهديت للأديب سليم بركات

احتضنت كلية الآداب ابن امسيك بالبيضاء، يوم الجمعة الماضي، ندوة فكرية في موضوع "المحكي الفانتاستيكي في الرواية العربية: مقاربات في النوع" نظمها مختبر السرديات التابع للكلية تكريما للشاعر والروائي العربي سليم بركات.
وشارك في الندوة التي ترأس أشغالها الناقد نور الدين صدوق، مجموعة من الأساتذة والباحثين منهم الدكاترة عبد الرحمان غانمي ومحمد بوعزة وعبد اللطيف الزكري ومحمد المسعودي وبوشعيب الساوري والمصري إبراهيم محمد عامر (قرأ مداخلته نيابة عنه ذ. المعاشي الشريشي)، وشعيب حليفي. وفي بداية اللقاء سعى الناقد نور الدين صدوق إلى تقديم الإطار النظري للقاء وحاول فيه التطرق إلى حضور "الفانتاستيك" في الرواية العربية أو الأدب الغربي، وأن "الفانتاستيك" أضحى جنسا قائما بذاته، وهو عبارة عن كتابة تجريبية مغايرة تتوسل عناصر الحكاية والأسطورة والرمز بهدف خلق أفق مختلف متمرد عن المألوف من المعاني والصور الأدبية. وأشار صدوق في مداخلته إلى تجربة الأديب السوري سليم بركات التي شكلت، حسب صدوق، انعطافا وتحولا على مستوى الكتابة الإبداعية، وشكلت نوعا جديدا من الكتابة السردية المخلخلة لأسلوب الكتابة التقليدية المألوفة والمتداولة، من خلال مجموعة من أعماله الروائية مثل "فقهاء الظلام" و"أرواح هندسية" و"الريش" و"معسكرات الأبد" وغيرها. وكانت أولى المداخلات للدكتور عبد الرحمان غانمي بعنوان "تجليات البعد العجائبي في رواية عبور البشروش" لسليم بركات، مركزا على ملمح التخييل الذي تحكم في جميع مستويات الرواية من حيث الفضاءات والشخوص واللغة والزمان، معتبرا أنها رواية "لا تحكي عن العالم وإنما تتحدث معه وتحاوره وتناوشه، كما تهادنه وترواغه، وتدمر التصورات الذاتية حول العالم والعلائق والأشياء". أما د. محمد بوعزة فتناول في مداخلته موضوع "ما فوق الغرائبية في رواية فقهاء الظلام"، وهي لسليم بركات، وقسم مداخلته إلى قسمين الأول تناول فيه مفهوم العالم الروائي عند سليم بركات، من خلال التركيز على إستراتيجية الكتابة، وعلى مفهوم وتطور الكتابة، وتصور سليم بركات للكتابة الروائية، بينما تناول في القسم الثاني بعض مظاهر ما فوق الغرائبية في رواية "فقهاء الظلام". وقدم المداخلة الثالثة للدكتور عبد اللطيف الزكري (قرئت بالنيابة عنه) في موضوع "شعرية الفانتاستيك في رواية "كأنها نائمة" لإلياس خوري، التي اعتبرها بمثابة نقطة انطلاق لإبراز المفارقة الصادمة المتمثلة في الواقعية العربية المعاصرة، والتي لا تتحقق بعمق وجاذبية إلا بعد أن تتجاوز عتبة اللاواقعية. بينما تطرق د. بوشعيب المسعودي في مداخلته إلى "اشتغال الفانتاستيك وتجليات المسكوت عنه في رواية ليالي ألف ليلة لنجيب محفوظ تكشف آليات اشتغال الفانتاستيك في هذه الرواية المتميزة في متن محفوظ، إذ يجسد النص رؤيته للمجتمع استنادا إلى المتخيل، وذلك قصد الوقوف عند أوجه الاختلال ليس فقط* في الواقع الاجتماعي المصري، وإنما في منطق الوجود ذاته، وفي الحياة بصفة عامة، مبينا أنه انطلاقا من هذه الآليات الفنية، تمكن الكاتب من فضح المسكوت عنه في المجتمع، وطبيعة السلطة وعلاقتها بتدبير اليومي وتسيير شؤون الناس. معتبرا توظيف محفوظ للموروث السردي العجائبي خاصة ألف ليلة وليلة أفقا جديدا، باعتبار أن هذا الموروث أداة ورؤية اتسمتا بالجدة والقدرة على تجلية تقاطع الواقع باللاواقع، إذ كان هذا التوظيف حداثيا بامتياز، ومتقدما على فترته التاريخية، إذ استطاعت الرواية أن تستشرف التحولات التي تعرفها مصر حتى اللحظة الراهنة.
من جهته، تطرق د. بوشعيب الساوري إلى "قلق الفانتاستيك "، مقدما جردا تاريخيا لمفهوم الفانتاستيك عند الغرب، ومؤكدا أن تمثل العالم الذي يقيمه الفانتاستيك غير منفصل عن الأزمات، والمآزق السياسية، والاجتماعية، والعلمية، والفلسفية، والأدبية، التي حدثت بشكل فجائي في نهاية القرن 18. بسبب أزمة القيم العميقة التي دفعت الإنسان إلى خلق قيمه الخاصة.

عزيز المجدوب

قديم 03-02-2016, 07:35 AM
المشاركة 43
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
اي لغة هذه التي يكتب فيها هذا السحري ؟ ومن اين جاء بهذه العبارات وكانها كودات من لغة اخرى تحتاج لكثير من الجهد لفهم معانيها ؟


الغزلية الكبرى
سليم بركات
march 1, 2016
عن القدس العربي

خصّ الشاعر السوري «القدس العربي» بهذه المقاطع الاستهلالية من قصيدة طويلة بهذا العنوان، تصدر قريباً.
بقلوبٍ
أو
مِنْ
دونها يختلِسْنَ من اللهِ حظوظَ الهوى.
عاشقاتٌ هُنَّ،
بقلوبٍ
أو
مِنْ
دونها.
لا تشروحَ الشروحُ جُنَّت أنْ إلاَّ سْتوفى من أو بقلوبٍ، الهوى حظوظ من المُخْتَلَس هذا، الشأن في
الأرجحيْنِ؛ أرجحِ على يُعتَمَد سَبْكٌ ممكنٌ؛ ذا كل ممكنٌ.دونها. بالمعاني للنزوح الطُّرقِ الأديانِ في تعديلٌ
إلى شفيرِ لزومها. هُنَّ يتدبَّرنَ هذا تدبيرَ السُّحُبِ مجازفاتِها. وأنا؟ مالي؟ بقَلبٍ،
أو
من
دونه أختلِسُ من الله حظَّ العاشق بلا
تدبيرٍ يُعتَمَدُ إتقاناً، كي أرتجلَ الصعودَ مثلهن في قُبلةٍ إلى متاجِرِ الأبد وأسواقهِ.
بقلبٍ،
أو
مِنْ
دونهِ الآثارُ كلُّها تُحْتَوَشُ ـ الآثارُ القلوبُ طريحةً في مَعَاصِرها، والآثارُ الزَّفراتُ من أحمالِ المواعيد.
راهنتُ كما راهَنَّ. لا يخفى ذلكَ مُذِ المعجزاتُ هِيَ هِيَ كالمُراوَداتِ الصخبِ بقلوبٍ في الرهانِ على
مِلْحهنَّ. لكنْ ما الرهانُ إن كُنَّ جَمَعنَ الجيادَ كلَّها في أَرَقِ العاشقاتِ؟ بقلبٍ،
أو
مِنْ
دونه تُسْتدانُ زفرةُ العاشقِ. بقلبٍ،
أو
من
دونه، أحبهنَّ يتفهَّمن أعذارَ الحدائقِ،
ما أثناهنَّ، من قَبْلُ، نقدُ النباتِ مجازفةَ الزُّرقةِ بأحكامِ الأخضرِ،
وأعذارَ نوافيرها.
ولا توضيحَ توسَّلْنَه من انقسامِ الجبل على إرث السهلِ،
ومن مقاضاةِ السُّحبِ للرعدِ على نقْضهِ هدنةَ البرقِ،
ولا تلمَّسْنَ باعثاً على شَكاةِ النهر من حجارة المجرى تدقيقَها في أدبِ الماء.
يتفهَّمن إفراطَ المنخفضات في حيائها،
ورعونةَ المُحتجِب في حجابهِ،
ورصانةَ وصفِ المعقولِ بريئاً يتولاَّه العَدَمُ عن لسانِ التَّابلِ الأول في مأكولِ الإنسان.
أُحبهنَّ أَبْطَلْنَ نازعَ القَسَمِ بالحقائقِ،
لأنهنَّ تفهَّمنَ القُدسيَّ في الأعْذارِ،
والقدسيَّ في بُطلانِ الأعذار.
أُحبهنَّ تركنَ كلَّ شيءٍ على حالهِ في الوجود الصغير.
لم يبدِّلنَ إناءً،
أو خزْنةً،
لم يبدِّلن موضع التُّحفِ في أبهاءِ الوجود الصغير.
أريكةً، أو سريراً.
أبْقَيْنَ على عيوبِ الذهبِ،
وفوضى الملح منتثراً فوق موائد العرَّافين.
وتفاديْنَ أن يوقفنَ شِجارَ المغيبِ على أبوابهنَّ. أحبهنَّ:
والأكياسَ مثقوبةً على ظهور الأرواح.
تركْنَ الأحذيةَ مثقوبةً،
والكمالَ مثقوباً،
كلُّ شيءٍ على حاله،
مُذْ ألْزَمْنَ الشكَّ قناعَ الحَذَر في دخولهنَّ الوجودَ الصغيرَ من ممرِّ الطهاةِ إلى المطابخ.
لا يباليْنَ:
تركنَ جواربَهنَّ مثقوبةً،
وأقدارَهنَّ مثقوبةً،
وطباعَهنَّ مثقوبةً،
وأمانيَّهُنَّ مثقوبةً،
وعزائمَهن مثقوبةً،
ودِلاءَ حظوظهنَّ مثقوبةً.
لا يأبهْنَ:
كلُّ
شيءٍ
على
حالهِ
في
مديحي إلاَّ هُنَّ:
لقد بدَّلْنَ الوجودَ بفائضٍ من ثناءِ الذهول. (*)
سليم بركات

قديم 03-11-2016, 04:32 PM
المشاركة 44
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
إلى يتامى الأسد في لبنان – سليم بركات

article**•**publiÉ sur souria houria le 2 juin 2011
حين خرج ملك ملوك أفريقيا القذافي على مَلأِ الظاهر بخياله الركيك عن حبوب الهُلاسة، وبزوغ إمارات السلفية في مشرق ليبيا، كانت عيوننا، نحن السوريين، على القلم ذاته يستنسخ تاريخاً ركيكاً من خطط الجَبْهِ في دار النظام السوري. لطالما حدَّث السوريُّ السوريَّ، بعد «*البَرَكة*»، الهادئة، الأقل دموية في النُّقلة بالحرية من معتقلها، في تونس ومصر، إلى بُشرى المُعْلَن، أن سوريا لن تحظى «*برفاهة*»، في ممكنات «*الحدوث الإلهي*»، إلاَّ على صورة خيال ملك ملوك أفريقيا يتسلمها عنه استنساخاً الملكُ الأسد.
كان واضحاً، لابرؤى من إشراق الظلام على زرقاء اليمامة، بل في الموثَّق بالأخبار الصور من خطط القذافي، أن اللوح الدمويَّ يُستكمَل بامتداداته الأكثر صخباً في الرسم، من جنوب بحر الروم ـ أرض أفريقيا إلى شرق بحر الروم أرض الشام. تلقَّف الأسدُ خيالَ صديقه بليغاً في النَّسْخ الركيك: «*إمارات الإرهاب السلفي*»، مضاف إليها، بإعجاز البراعة البعثية، «*مسلحون مجهولون*».
لامَيْلَ في هذه الخُطاطة إلى تفنيد منطقٍ نقداً، أو دحض مزعمٍ، أو نفي حجة بقطعها، بل وصفٌ لفداحة الدمويِّ لم يعد يُستَدْرَك بِمِسَدٍّ في الأخلاق، أو بمِسَدٍّ من توريات السياسة. الأمور تجري وفق خصائص الطاحنِ طَحْناً. فنحن، لِحَاظاً إلى سياق التمرُّديْنِ التونسي، والمصري النافذيْنِ، والتمردين الليبي واليمني المسترسليْنِ، لم نجد أحزاباً تهرع، من أرض العرب، غلى وهْب ولاء عقلها، ودعاوتها، دعماً لنظام ضد شعب. عروش من عروش الممالك، وأخواتها الجمهوريات، المُدقِّقة في هلع الأحوال، انبرت دفاعاً عن «*بقاء الأصلح*» استبداداً موروثاً، أو مورَّثاً، لاغير. فما الذي غيَّر أحوالَ الحق في النظر إلى مظالم المقهورين في سوريا تنبري أحزابٌ إلى الحرب انتصاراً للزعيم الوارث؟. لن أقف عند «*نفاق*» المُمانَعات وقد أُشبِع تسفيهاً قائماً بحاصله عن جدارة التحصيل، ودعمِ المقاومات بمنظار على الشرفة البعيدة تحديقاً إلى خرائب لبنان وغزة. شيءٌ أكثر تمزيقاً أخذَ بخناق المشهد: الحرب الطائفية مندلعةً واقعاً، لاتوريةً.
لن أُشبع غرورَ كلماتِ تُبَّع الحاكم السوري ـ واهب المناصب للخدم، بما يقرِّب فهمَ خَرس العقل للماجرِيات السورية، بالتخويف «*الطائفي*» من الحرية. هي بدعة النظام تلفيقاً تلقَّفها عنه نُظَّار شؤون المِلَل في بعض لبنان دفاعاً عن «*حصانة*» السيد المنقذ ببقائه حاكماً ـ هو البلد، أو لابلد. لقد عنيتُ بالحرب الطائفية ماسيثير فصاحةَ المستكبرين استنكاراً، وسأضع الأمرَ في سياقه العاري: ثمت حرب طائفية في سوريا، ليس بين الملل والنِّحل السورية، بل معلنة من «*حزب الشيعية الطائفية*»، اللبنانية، ضد السوريين، انتصاراً لعائلة الأسد.
مامن وقوف واضح، وصريح، معلن حتى العظم، كوقوف «*حزب الشيعية الطائفية*» في الحرب ضد السوريين، لساناً ودعاوةً. لن التفت إلى الوراء قليلاً استحضر، في سياق التوصيف لأحوال المنازلات اللبنانية صَنَّفت ـ**بقدْرٍ شديد الوضوح ـ الفلسطينيَّ كرافدٍ سُنِّيٍّ في توازنات المِلَل. حرب الأسد الأب، التي لم تكلَّ**مطاردةً لشبح «*السنِّيَّة*» في شخص عرفات، توسطها شارون بإخراج عرفات من لبنان. لكن ذلك لم يكن كافياً فتولى حلْفُ الأسد، عن يد «*حركة أمل*»، قيادة «*تطهير*» بقية «*السُّنِّية*» الفلسطينية في المخيمات. وقد قُتِل في صراع الأسد ضد «*الشبح*» من الفلسطينيين ذبحاً في مخيماتهم، وشِقاقا في تنظيماتهم، واغتيالاً، مالم يقتل شارون منهم. «*حركة أمل*» خاضت حربَ عائلة الأسد كشيعية طائفية، في السياسة، ضد الفلسطيني كـ «*سُنيٍّ*» في ممكنات السياسة تصوُّراً. وها «*حزب الله*» يستكمل، بضراوة المنازلة الأخيرة، حربَ «*الشيعية الطائفية*» ـ توأمِ السلفيةِ الجهادِ حَسَباً ونَسَباً، ضد السوري، كتصورٍ من ممكنات المذهب إلى جانب الأسد الإبن، بيقينه ـ يقين «*حزب الله*» جملةً، من السلاح حتى آلات دعاوته الإلهية الدَّفْع في الترويج لبدعة «*الإمارات السلفية*»، فملأ بها سوريا مَلأً يفيض عن جغرافيا سوريا، لكأن كل بيت سوري محتَملٌ هدفاً، أو يجب أخذه على احتمال بزوغ إمارة سلفية فيه، مبيحاً ببدعته منطق القتل.
حين بلغ اليأس بالأسد من كابوس المحكمة الأممية في اغتيال الحريري مبلغَه لايستطيع ردَّها قتْلاً بعد قتل، وترويعاً بعد ترويع، وإقفالاً لمؤسسات قيامة الدولة في لبنان، استجار بالخيال ذاته، الذي لم يكن بَعْدُ أمينَ الخزائن في رَفْد الحاكم العربي بفُتيا «*القتل القانوني*»، المحفوظ له دوليًّا كحقِّ منازعة «*الإرهاب*». التهويل بالجزَّار «*السلفي*» ليس مراده التفافَ الداخل على الحاكم حرْصاً، بل تكسُبٌّ لرضى الغرب عن «*أدائه*» العاقل في «*القتل القانوني*» لرُهاب السلفية ـ الجهاد. فإمَّا حظي بالرضى الغربي تكفَّل باستجلاب «*الرضى الشعبي*» تنكيلاً أخرس بين جدران موصدة على أيِّ عينٍ. أخرج الأسد من عرين مخابراته تنظيمَ «*فتح الإسلام*»، مخفوراً بحراسة القويِّ الضامن، إلى أعماق لبنان، رغبةً في تلفيق منطق جديد للواقع اللبناني أمام عيني الغرب: أخرجتموني فجاءكم «*السلفيُّ الجزار*». حدث ماحدث في نهر البارد. خرج أمير «*فتح الإسلام*» متنكراً هارباً، ملتجئاً من جديد إلى ركنه في خزائن المخابرات السورية انتظاراً لمهمة أخرى. همسٌ كثير يعلو من أفواه السوريين اليوم: «*نعرف من هم الملثمون ـ المسالِحُ المجهولون*»: «*فتح الإسلام*». الحرس الثوري الإيراني. كتائب «*حزب الله*» القمصانُ السوداء. «*القيادة العامة*» ـ المسدس المأجور، المثخن باغتيالات في لبنان، رافدةُ مرتزقة القذافي. إعلام «*حزب الشيعية الطائفية*»، وآلات عقل الدعاوة في خنادقه، أنبتا في كل ركن من سوريا «*إمارة سلفية*»، أي:**شُرِّعت أرضُ سوريا مشاعاً للتنكيلِ المَطْهَر. إنه تسويغ للحرب الطائفية مُعْلَنةً بسلاح القلب، وسلاح اليد، عن «*حزب الشيعية الطائفية*»، من إيران إلى لبنان، ضد السوريين انتصاراً لعائلة النَّسب الأقرب ـ الأسد. نقلت «*الشيعية الطائفية*» حربَها «*المؤجلة*» في لبنان، استكملها «*حزب الله*» إنضاجاً بالشروط الكبرى لحتمية حرب أهلية، إلى سوريا في النَسق الواجب الوجود «*لجهاديَّة*» أثَّثها الحزب بتمام مقاعدها، وطنافس أخلاقها. خوضُ «*الشيعية الطائفية*» الحربَ في العمق السوري ليس نتاج الحلم ببَسْط شرعة «*الممانعة*» التَّفِهة الرثة على الجغرافيا. الأسد الأب، وارث الدولة اغتصاباً، استدار من وراء الجسم العربي إلى نظام إيران، لابدافع من نفع الأمة، بل بالحذر القويِّ من «*سُنِّيَّة*» البعث ـ التوأم القاتل في العراق، تحصيناً لإرث العائلة. وقد استحدث الإبن باللفظ العربي متجانساً مع اللسان الفارسي لنظام «*حزب الشيعية الطائفية*»، في إيران، تزويقاً من ألاعيب الكشتبان اسمُه «*الممانعة*»، روَّج له بحروب في أرض الآخرين، و*»مقاومة*» على حدود أرض الآخرين، على بُعْدٍ ـ قدْر المستطاع ـ عن عرش العائلة الجمهورية، متفرِّجاً من شرفته على حرب لبنان وحرب غزة.
يريد الأسد الأمريكيين شركاء في قيادة جلوسه على منضدة الإسرائيلي، ويرسل المبعوثين سراً للقاء الإسرائيلي، ويصرِّح مدلَّلو العائلة جهراً بأن النظام في سوريا ضمانة لأمن الإسرائيلي ـ كل ذلك لايُربك «*حزب الشيعية الطائفية*» في منطق السياسة، ولايحرجه التوضيح السافر من النظام أن الصواريخ، التي أزمع إبرام عقد الشِّرى مع المنافق الروسي، هي لحماية القصر الجمهوري، وليست تهديداً للإسرائيلي. والسلاح، في سوريا، هو هكذا قطعاً: مامن صاروخ، أو طائرة، اعترضا الغارات المتتالية من إسرائيل على عمق البلد. لاخلاف حقيقياً في ظاهر التنافر بين إسلام طهران ومعتقد «*البعث*» الوهمي إذاً. التصالح الأقوى، الرابط، هو ولاءُ الحقِّ لشراكةِ الخَيارِ الباطنْ، الجامع لإرث الخيالين ـ**خيال الأسد وخيال خامنائي.
حرب «*الشيعية الطائفية*» ضد شعب سوريا واقعة في صخب هائل، بلا مداورة فيها، أو تمويه. فهذا الحزب، والتُّبَّع العُصافة الصغار من مروِّجي مبتكرات الزينةِ ـ المُمانعةِ القومية، المقاوِمة، سيستشيط كفراً لو أنْسَأْنا التاريخَ بافتراضٍ يقلب سافله عاليه، قوامُه (حاشَ) أن الخسارة انتصرت في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن؛ أيْ اجهضت النُّظمُ تمردَ شعوبها، فقرأ أحفادُ المخذولين في تونس تاريخَ الراهن، في كتب مدارسهم، على النحو التالي: حاولت شراذم من اللصوص، المخدوعين، نهب المتاجر، والمخازن، فقطعت الدولةُ شرِّها. وقرأ أحفادُ المخذولين، في مصر، التاريخَ على النحو التالي: أيادٍ خارجية امتدت لزعزعة بَرَكة النظام ونعمته فقُطعت. وقرأ أحفادُ الليبيين، المخذولين في انتفاضتهم، تاريخَ البلد على النحو التالي: حاول لُقطاء من مبتلعي حبوب «*الهلوسة*»، ودعاة الإمارة السلفية، تقويض فكرة الفردوس الخضراء في ليبيا، فمُحِقوا. وقرأ أحفاد اليمنيين المخذولين في ثورتهم، التاريخَ اليمني على النحو التالي: خرج قطَّاع طرق، وعصابات، إلى الشوارع للعبث ببهاء السعادة اليمنية، فأُذيقوا الويلَ.
كان «*حزب الشيعية الطائفية*»، وتُبَّع الجمهورية الوراثية (الراسخون إيماناً، بعد تلقين خيالهم ثلاثين سنة على الرقص على بوابة مدخل «*المصنع*» بين سوريا ولبنان طلباً لوظيفة، أو منصب، لم يعودوا يستطيعون التنفُّس إلاَّ من رئة المخبر السوري) سيستشيطون كفراً من تلفيق التاريخ الراهن على هذا النحو المفرط في احتقار البصر الشاهد. لكن لامانع لديهم من أن يأخذ التاريخُ تلفيقَهُ، الذي لم يتجرَّأ على أخذه من المشهد في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، والبحرين، على مبدإِ الإيمان، والتسليم، كاملاً في توصيف مايجري لشعب سوريا. فالأمرُ لايعدو، بزعم الكفر المسوِّغ يقينَهم، أن يكون حرباً بين الحاكم الواجب الوجود بنقاء عدله وبين إرهاب سلفي.
«*حزب الشيعية الطائفية*»، الذي لايتوانى مريدو مبدئه، إخلالاً بتوازن لبنان قَهْراً، عن تهديد معارضيه بوضعهم في صناديق السيارات سَوْقاً بهم إلى «*المصنع*» ـ بوابة المسلخ للمارقين، وضعَ الشعب السوري قيْدَ رمية الشرع جَبْهاً «*للفتنة*»، خائضاً بجهاد آلته الدعاوةِ، وآلته السلاح، وآلته اليقين، حربَ دبابات العائلة «*المتَّحدة المصير مذهباً*» في سوريا. دباباتٌ دفع الشعب ثمنها عقوداً من السنين، لالتحرير أرض مغتصبة، بل لحماية قصر العائلة ـ الشعب في كل ركن من سوريا. «*حزب الطائفية الشيعية*» لن يسأل أحداً في الجولان المهجور جدوى الإفتداء بطلقة. سيتناسى «*التأسيسَ*» المدهش لفِرق «*السلفية*» تعبر حدود سوريا إلى العراق، مُبتَكَرةً في مشاغل «*الحِدادة*» استجداءً لمحاورة الأمريكي في كسْبٍ. سيغُضُّ طرْفَ منطقة عن المنطق حين يتهَّم الحزبُ إسرائيلَ باغتيالاتٍ في لبنان، فإن استدار مزاجُ الحاكم السوري إلى رضىً كفَّ الإسرائيلي عن «*سخائه*»، وإن اعتكر مزاج الحاكم السوري سارع الإسرائيلي إلى بذْلِ سخاء من القتل غيلةً. إسرائيليٌّ أجيرٌ. ولِمَ لا؟. المدلَّل المالي في العائلة أفصح عن المقايضة كاملةً.
حرب «*الشيعية الطائفية*»، الوحشية، تجوب سوريا على دبابات من دعاوته البالغة مبلغ التكليف الشرعي في القتل. إنه يضع، وهو اللبناني، كالحاكم في سوريا، المقايضةَ الذهبية على طاولة الذبح: الهدوء مقابل إصلاحٍ خُدعةٍ**مبتذلة. تكليف شرعي بالقتل استساخاً من تكليف مخابرات الأسد بالإصلاح «*الشرعي*» نكبةً في الأرواح ونهباً في الأرواح. *» حزب الشيعية الطائفية*» يأخذ تظلُّم شعبٍ على مأخذ التهمة في ولائه لسوريا، وعلى مبدإِ سُبَّته المعتادة، التي جعلتنا كافرين ببداهات «*المقدس*» في معتقد التحرير ـ الإستعباد، رمياً بالولاء لإسرائيل، فيما يعرف الجالسون أمام تلفازاتهم من هم الأكثر حذراً من تمرد الشعب السوري: الإسرائيلي، والأميركي، تحديداً. فلماذا فُتيا «*الشيعية الطائفية*»، اللبنانية، بتكليف قناصة عائلة الأسد درءَ «*المدِّ الجهنمي*» عن فردوس البعث؟. تكليف شرعي للحق يصدر عن إعلام البعث ـ العائلة مادام كل إعلام آخر، عربي أو أعجمي، عيناً من عيون الشيطان. لقد أجرى حزب «*الطائفية الشيعية*» يقينَ دعاوته مجرى العصمة في تخصيص ذاته بتكليف المعاني شرعاً حُكْراً على خيال وجوده: «*عميد الأسرى*» حريةٌ عن يده. جولات «*العميد*» سياحةً (باحترام كبير لمناضَلَته)، من بيت صاحب الضاحية الجنوبية من بيروت، إلى دار «*شعب*» الأسد، تكليفٌ شرعي بنزع أيِّ توصيف عن المحنة الزمنية لأسرى سجون العائلة. أسرى مسجونون، ومفقودون، في سوريا، منذ نصف قرن، أو أربعين سنة، أو اثنتين وثلاثين سنة (منهم شقيقان لي)، أو ربع قرن، هم عمداء الأسرى في أقاليم التاريخ الراهن. في مستطاع الأسير العربي أن يُنْشِئ علامةَ النصر من يده في وجه الإسرائيلي داخلاً إلى المعتقل، أو أن يهتف بانتصار شعبه خارجاً من المحكمة أمام آلات التصوير. أمر لايشبه خروج السوري معتقلاً من فراشه إلى المسلخ. لاأصابع تخرج معه. لاصوت يخرج معه. شهداء شوارع المظالم السوريون يصنَّفون، بالتكليف الشرعي توصيفاً من دعاوة «*حزب الشيعية الطائفية*»، في لبنان، كمأجورين، أو كجيوب للمال الغربي، أو كمستدرِجين للنيتو. لا.
لاشهيد يعلو على شهيد تحرير سوريا الآن. ووحدها حرية سوريا ستحرِّر لبنان أيضاً.
لن ينسى السوري، الذي لم يعرف إلاَّ ستة عشر عاماً من استقلال بلده عن فرنسا، قبل دخوله احتلالاً آخر منذ خمسين عاماً حتى اليوم، دعاوةَ «*حزب الشيعية الطائفية*» في لبنان تعظيماً إلهيًّا للعبودية في سوريا.
لن يغفر السوري تكليفَ «*الشيعية الطائفية*» دباباتِ الأسد «*تكليفاً شرعياً*» بذبح سوريا من وريد مذهبٍ إلى وريد مذهب، ومن وريد عِرْق إلى وريد عِرق، ومن وريد قرية إلى وريد مدينة.
سينحت السوريون نُصْباً رَخْفةً، من مباهج الرمز، لـ «*حزب الشيعية الطائفية*»، ويتامى الأسد في لبنان، على مفرقِ طرقٍ يمرُّ به حجيجُ الشهداء إلى كعبة درعا بِجِمارٍ للرَّجم في جيوبهم.
*

قديم 03-11-2016, 05:11 PM
المشاركة 45
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
سليم بركات: في روايته معسكرات الأبد
1 يناير,1996 منوعات 9 زيارة


inShare
مقالات مشابهة
فوزية شويش السالم فـي «سلالم النهار»
2 نوفمبر,2014

سميح القاسم لا يحب الموت.. لكن لا يخافه
2 نوفمبر,2014

صادق هدايت وإرث النازية الثقيل
1 يوليو,2014

تشكيل جيل الستينات في الفن العراقي الحديث: جيل الريادة الثانية
1 يوليو,2014

إدواردو أنطونيو بارّا «الــبــئــــــــر»
1 يوليو,2014

الأدب.. من أجل ماذا؟
1 يوليو,2014

نستصلح الأوقات فينا
1 يوليو,2014

«الحنين العاري» لدى عبد المنعم رمضان
1 يوليو,2014

مســرح الغروتيســــك فــــي المســــرح
1 يوليو,2014

سائق القطار
1 يوليو,2014

ما يزال الشاعر والكاتب سليم بركات يشرع في كتابته في الأجواء والعوالم الكردية وتبدأ روا يته "معسكرات الأبد" بمشهد لصراع عنيف بين ديكين "رش " و"بلك " ومن خلال سرد الكاتب لحيثيات ووقائع هذا الصراع يحدد لنا في الوقت نفسه ، القطعة الجغرافية التي ستدور عليها أحداث الرواية فيما بعد: وفي دورانهما المتحفز، كانا يتركان أثارا خشنة في الطين الخريفي على الهضبة المشرفة على الجسر الذي يصل السهل الكبير بالبلدة المتناثرة شمالا، في آخر حقول القمح المشطورة بالطريق الأسفلتي، المتعرج كخاطرة لن تستكمل. ص 7.

يرصد الكاتب في روايته هذه ، كما في روايتية السابقتين " دفقها، الظلام " و "الريش " حياة عائلة كردية ، في سدينته "المتناثرة شمالا": قامشلي ، حيث يؤرخ من خلالها لحياة شعب منسي في الشرق (الشعب الكردي). يؤرخ لوجوده "الأثنوجيوغرافي " في تلك الأرض المباحة لما يهيئه لها الآخرون دائما.

عائلة " موسى سوزان "، أو بالأحرى بناته الخمس : " هدلة ، بسنة ، جملو، زيري، ستيرو" وحفيدته "هبة " (ابنة هدلة وأحمد كالو)، ست نساء يعشن في منزلين بعد مقتل والدهن ووالد تهن "خاتون نانو" ومعهما زوج هالة ووالد هبة "أحمد كالو".بأيد مجهولة في مكان قريب من الثكنة العسكرية الفرنسية. (تقع أحداث الرواية في أوا خر أيام الوجود الفرنسي في المنطقة ). من الصعوبة – كما أعتقد – حصر أحداث الرواية هذه بملخص قصير، كما تعودنا أن نفعل حين الكتابة عن رواية ما، وهذه أحدى المزايد التي تميز كتابات سليم بركات – لاسيما في روا يته هذه ورو ايته "أرواح هندسية " – من قبل – فالأحداث والاستطرادات تتراكم من خلال استلها مات وتوليدات ، توجدها سصائر "واقعية – فانتازية !" لكائناته الروائية أعانت هذه الكائنات بشرا أم حيوانات ، أم نباتات أم طيورا، أم أمكنة وكل كائناته الروائية هذه حائرة ، وقلقة ، تقدم على الشي ء، ثم تنفر منه لشي ء آخر! وبذلك فان أية محاولة تصنيفية يقوم بها الدارس لعمل سليم بر لحات هذا، هو ضرب من الخيال !. فهو في

كتاباته محارب عنيف ، عدته لفة هائلة في ثراء مفرداتها، وجمله اللغوية هي بمثابة فيالق عسكرية تتوزع على كل أطراف الرواية ،وهو يوجهها، ويقودها بخيوط دقيقة وقوية ، يستمدها من تاريخه الشخصي، ضمن نطاق الحياة الكردية ، وطقوسها المباحة لأقدار و" مهازل " تاريخية.

ولكن الكاتب لا يستغل ، قطعا، تفوقه "الاستراتيجي" اللغوي هذا لاستيهام القاريء ،وجره لعوالم لا معنى لها على الصعيدين الفني الحسي والمعرفي ، كما يفعل بعض كتاب (الرواية الشعرية ).

حيث تستهويهم "اللعبة"، فينسون أشخاص الرواية وأقدارهم ، ومشاغلهم ويستمرون في عملية التسول اللغوي الى حد الوصول الى الثرثرة اللغوية ، أيا كانت درجة ومستوى البناء اللغوي لديهم ، لكن سليم بركات يربط أرجل شخوصه باللغة ، ومهما بعدت به المسافات اللغوية فانه يظل يقدم الينا حالة وصورة الشخص الذي يرسمه في ذهننا،ودون انقطاع.

وعلى الرغم من أن الكاتب يقسم روايته الى فصول عديدة : (الموازين والسلالم ، المياه وحرائقها ، كمائن الفراغ ، أحلاف الغيم ، القيامة ). فانه لا يبدد من آلية تسلسل الأحداث ، بل إن هذه العناوين بحد ذاتها هي إضافات أخرى لحالة الانطواء والعزلة في نفوس أشخاصه ، أولا.

وثانيا : تأكيد للفة استبطانية تدعونا للدخول في عالم روا يته (السحري) إلا انه عالم موجود لكنه معزول ، وبعيد عن متناول أيدي الباحثين وعلماء الأجناس والجغرافيات ، وربما هذا ما يستدعي من الكاتب ان (يغال ) في تقديمه لكل هذه التفاصيل ، والدقائق في الحياة اليومية لأشخاصه ، لاسيما النساء،فلهن دائما، الحضور الأكثر ، والأخصب في كتاباته.

والآن ليس لي إلا أن أوجد خطوطا رئيسية ، تسير عليها الأحداث في " معسكرات الأبد"

1- أحداث ترسمها بنات موسى سوزان ، وحفيدته هبة.

2- أحداث تحركها شخصيات موسى سوزان ، وزوجته

خاتون نانو، وصهرهما أحمد كالو، ومن ثم حين يعودون أشباحا بعد مقتلهم.!

3- أحداث يقوم بها ضيوف طارئون ، " مكين وأختاه : نفير وكليمة "، ومعهم "حمال الأمتعة والأقفال يدعونه بـ،" الكلب ".!

4- أحداث تتعلق بأعمال الحامية الفرنسية فوق الهضبة وفي المنطقة بشكل عام.

5- أحداث يشترك بها الديكان "رش " و "بلك " وثلاث إوزات ،وكلبان "توسي وهرشه ".

6- أحداث متفرقة تتعلق بانتفاضات (انتفاضة الشيخ سعيد آغا الأقوري) وبدو.. وغجر.. وهداهيد والسائق نعمان حاج مجد لو، وحارس النهر جاجان بوزر، وطيور و..

ومن خلال هذا الترسيم ، أو الفرز (القسري) يمكن لنا الآن أن نتحدث عن البنية ، أو الهيكلية التي تقوم عليها الأحداث الروائية في "معسكرات الأبد":

بعد أن يزوج موسى سوزان ابنته هالة _ "أحمد كالو" ينضم هذا الأخير الى العائلة ، تاركا والديه وأخرته ، وما أن يعلن سعيد آغا الأقوري عن انتفاضته المزمعة ضد الوجود الفرنسي حتى يقرر موسى وصهره أحمد الالتحاق بها، فيذهبان الى بلدة "عامودا:" للانضمام الى رجال الأقوري ؛ لكنما الانتفاضة تنكسر ويتشتت شمل المنتفضين ، بين قتيل وجريح وفار، كيف لا، وهم يحار بون بالي، وبعض الأسلحة البدائية ، على ظهور الخيل والبغال ، جيشا قويا يستخدم الطائرات ، والمدافع وفي آخر معركة بين الطرفين ، يفر الأقوري باتجاه الحدود نحو كردستان الشمالية

*(في تركيا). ليختفي من الأحداث ، بعد مصير مجهول ويعود بعد فترة شبحا، يشارك الأشباح الأخرى في تحريك أقدار الآخرين على " قيد الحياة ".

أما موسى موزان وصهره أحمد كالو فينجوان من الموت ، ويعودان الى "البلدة المتناثرة "، كي يقوما بعمل آخر، وهو فتح ساقية أو مجرى مائي من النهر الصغير المار بالقرب من الهضبة محاولين إيصال هذا المجرى الى بيت غامض ، تخفيه أشجار الترتب ، حيث ينبعث من أساسات هذا البيت دوي هائل كصوت الطاحون ، وحين يسأل أحمد كالو عن هدفهما من هذا العمل اليومي الشاق ، يرد عليه موسى سوزان قائلا: لابد من مياه يا أحمد، لابدعن مياه ليبقى مختبئا هناك ، مشيرا بيده الى المنزل غربي الجسر. ص 103.

وهذا المختبيء هو "المخلوق الناري" كما يسميه الكاتب ، وكما يصفه موسى لصهره ،ولذلك فعليهم أن يوصلوا المجرى بأساسات هذا البيت ليتبرأ جسم المخلوق هذا: ويظل المخلوق الناري مختبئا في ذلك البيت المهجور، وكأنه القدر الأخير لشعب كامل ، يخفي آخر أثر منه كي لا يلفيه المتسلطون وقد قرروا أن يلفوا ويمحوا كل ما يدل على معالم وهوية هذا الشعب. ص 104.

أما بنات موسى موزان وحفيد ته هبة ، فيحركن الأحداث عبر خيوط خفية وهمهمات (نسائية ) لا سيما حين يرقدن في أسرتهن استعدادا للنوم ، إذ يستعدن تفاصيل اليوم والعالم من حولهن وينسجنها بخيالاتهن المريرة ويثرثرن عن أشياء يتداخل فيها الواقعي بالخيالي والأسطوري باليومي، وهبة هي الأحر حضورا في مسرح الأحداث ، صبية فضولية بالمعنى الشمولي والأكبر، تبحث عن أي شيء وفي ، كل شيء وهي لم تر طائرة من قبل ، ولا السينما، ولا السفن ، إلا ما سمعته من خالتها "ستيرو" وهي تصف لها صورة لسفينة "نوح " التي رست على جبل "جودي" هذا الجبل الذي يقع في الطرف الآخر من الحدود القريبة من منزلهن (في كردستان تركيا ) وهبة هي الرسول الأكثر سرعة في نقل أخبار المستأجرين لمنزلهن الغربي، لأمها وخالاتها، بل أنها ترافق أبدها وجدها أثناء عملهما اليومي، في حفر الساقية تلك ، كما وانها تحاول مع المستأجرين ، فيما بعد الوصول الى ذلك البيت – حيث المخلوق الناري – وقد صار هذا الأمر يعنيها، دون أن تعرف لماذا وكيف ؟ وكان جدها موسى موزان يشرح لها الكثير عن ذلك البيت ، والمخلوق الناري؟ وتدفعها رغبة غامضة ؟ ذات مرة أن تقوم بعمل ما ضد هؤلاء الجنود الفرنسيين ، بعد مقتل والدها وجديها: وقد حاذت هبة آخر مركبة تشكل مؤخر القافلة ،وهي لم تكن غير " جيب" عسكرية : تقل جنديين ؟. وهما يلويان عنقيهما صوب هبة الراكضة ، التي لم تفارق عيناها وجهيهما.. وبغتة توقفت الفتاة عن الركض.. لتستل حجرا مل ء قبضتها وتتابع بعد ذلك ركضها صوب الجيب من جديد… فيما لاح للفتاة ،للمرة الأولى ، شبح بندقية مركونة الى فخذ الرجل.. فخففت من هرولتها، ثم أرخت يدها المرفوعة بالحجر وتوقفت في منتصف الطريق الأسفلتي تشيع القافلة ببريق في عينيها لم يكن غضبا، بل هو لهفة الى المضي في لعبة تؤجل مرحها.. وقد أرخت هبة بعد ذلك قبضتها عن الحجر دون أن تسقطه. ص 68- 69.

والنساء الخمس ، إذن ، يؤجرن المنزل الغربي لضيوف طارئين ،دخلوا البيت أثناء غيابهن وحين عدن من التقاط الحشائش قرب النهر – الذي يحرسه جاجان بوزر، من قدر خفي – تفاجأن بوجود هؤلاء في منزلهن ! (مكين وأختاه نفير وكليمة ، و مخلوق حمال الأقفال والأمتعة ، وكانوا يدعونه "الكلب ")!! وبعد مداولات ونقاشات يحسمن الأمر ويؤجرن المنزل لهؤلاء الذين يحملون معهم الكثير من الخرائط والرقائق والمعادن والأقفال ، وكأنهم " بعثة للآثار" ويبدو انهم قد أتوا من كردستان الشمالية (في تركيا)، وفي الليلة الأولى ، يدفع الفضول ببنات موسى لاكتشاف سر هؤلاء الضيوف ، فيرسلن هبة تحمل لهم طعام العشاء، ومن ثم تستطلع أخبارهم ، وحين تدخل غرفتهم تجد أن كل شي ء قد تبدل ، وكان مكين يجلس قبالة "الكلب" ينظر كل منهما في الآخر وبينهما قطع الحديد والأقفال في حين كانت كليمة متكئة بمرفقها على وسادة وأمامها رقعة جلدية مستطيلة عليها رسوم وخرائط عليها إشارات وخطوط ومربعات ، تقول كليمة لهبة التي جلست تتفرس معها في الرقعة الجلدية : هذا جلد مرسوم عليه بيتكم.. وفي الأسفل.. هذا هو الجسر، تعرفين الجسر؟ واستطردت وهذا هو النهر ،"تعرفين الجسر؟"، فتمتمت هبة مؤكدة : تنزله إوزاتنا كل يوم ،وهذه هي الهضبة أضافت كليمة.. ثم نقلت بصرها مسافة صغيرة : "هذا…" وتضيف هذا موقع الجن !

– أتعنين الجن حقا؟

-"الجن !" رددت كليم العبارة ضاحكة وهي تبدي استغرابا كأنما لم تتفوه باسم تلك المخلوقات قبل برهة ثم غمزت هبة بإحدى عينيها: "الجن ؟" لابد انها تسكن هذا المكان " وطأطأت فاختفى وجهها في الظل الذي انسدل كقناع عليه : الا

تسمعين الصخب ؟. ص 34.

وبعد أن تشير لها كليمة على الخريطة وتشرح لها الأماكن موضعا إثرا موضع بدأت الأسئلة المؤجلة عن ذلك البيت ، الخفي بين شجرات التوت:

– لابد أن أحدا زار هذا البيت.

فردت هبة دون مقاومة : "أبي كان يزوره مع جدي".

– أبوك وجدك ، قالت كليمة دون أن يكون في نبرتها أي تساؤل ،فكرت هبة : " أبي وجدي من زمن بعيد".

وحين تعود هبة من عندهم ، تبدأ أمها وخالاتها بالأسئلة عن المستأجرين ، إلا أن هبة تتردد في الإجابات الكافية لفضولهن ؟ وعندما يكتفين بما عرفنه من أخبار الضيوف ، يقررن النوم إلا أن هبة لم تستطع النوم : بل ألقت فكرها الى مكين الذي بدا لها – حين نظرت اليه لمحا، في جلسته قبال "الكلب " – قريب الملامح الى شخص ما، لم تتأكد ذاكر تها أنها رأته بل توجسته. وقد عمدت "هبة " الى مقارنة غير مفصلة بين "مكين " وأبيها "أحمد كالو" فتشتت حكمها.. بينما قربت هبة رأسها أيضا من وسادة أمها لئلا تسمع همسها خالاتها:

– أكانت لأبي غمازتان ؟

غمغمت "هدلة " حروفا غير مفهومة… كانت أبعد، قليلا، في فكرها، من أن يصلها سؤال هبة الصغير. وهو سؤال لم يصل – بالطبع – مسامع الكلبين "توسي " و "هرشة " المتكومين داخل فجوة في سور الخرنوب ، ولو وصل مسامعهما لما حرك فيهما ساكنا ص 52.

وسليم بركات له الشأن الأكبر مع هذه الجهة ، في كتاباته فالجغرافيا هي من الشواغل الهامة في هذه الكتابات ، وللمكان سلطته الأقوى على الدوام ، المكان بكل حيراته ، من طيور ونبات وحيوان وإنسان. وله فلسفته الخاصة في تناول المكان : "إنها النعمة أن يردك المكان " وصمت برهة يتأمل وجه صهره المشتت في ظل نقابه : "نحن لا نرى هذا الذي نواه " قال ذلك مقتربا من صهره الشاب المغلوب على أمر أسئلته الخفية : "المكان هو الذي يرانا، يا أحمد" وكأنما استدرك الجملة التي كانت مدخلا ال محاور تهما ، فتمتم على نحو من يقنع شخصا، بكلام فيه يقين أخير: "حين يتغير المكان.. حين.." وتطلع من حوله مستجليا دائرة كبيرة من ذلك المدى الترابي:"نغادر هذه الهضبة ، حين تتغير هذه الهضبة." ص 130- 131.

وفي مكان سابق يقول على لسان موسى: "حين نعرف شخصا ما، نعرف المكان أيضا"، ص 81 والكتابة عن المكان لا تأتي كتحصيل حاصل ؟ بل نجد المكان يؤثر بالحدث الروائي ووحدة السرد مع العلاقة القوية بشخوص الرواية من جهة ، ومن جهة ثانية _"المكان وكائناته "، ثمة صلات عاطفية مكتومة أو معلنة يفصح عنها الكاتب بوضوح ، فهناك عواك دائم بين الديكين "رش " و "بلك " وكأنهما الصدى الخافت أو الصورة الغامضة لبشر البلدة المتناثرة جميعهم وثمة كلبان "توسي"، و" هرشة " وإوزات ثلاث وهداهيد ودجاج وغربان تمر مسرعة من فوق الهضبة وهي تحدق بعينيها الى أقد ار الأرض ، ويفتتح – كما قلت –

روا يته بعراك الديكين هذا العراك الذي هو على الأغلب نذير حادث أو حوادث تقع ، لكائنات حية ، أو لا مرئية ، حيث تشارك هي الأخرى في الأحداث (الأشباح العائدة ): والأرجح انهما – كديكين لا ينطقان – لن يفسرا ذعرهما قط لأحد، إلا أن عيني شبح "خاتون نانو" كان في مستطاعهما رصد القلق العارم للطيرين ، الذي هو مؤشر كل مرة على حدوث ما يحدث بين فترة وأخرى منذ الأزل أسفل الهضبة. ص 219.

والكتابة التاريخية هذه لا تأتي – كما قلت – ضمن سياق تاريخي محض ، أو وصف لمشاهد من حياة آفلة ، أو على شاكلة وصف سياحي! بل هي بحث عميق في ماهية ووجود هذه الهوية البشرية التي ينتمي اليها، فشخوص رواياته مكسورة ، ومقبلة دوما على مصائر تراجيدية ، وهناك على الدوام إحباط نهائي لكل البطولات الخرافية التي تقدم عليها هذه الشخصيات ،ولعل هذا يعود الى ذاكرة الكاتب الطفولية ، فالبقعة الجغرافية التي عاش فيها الكاتب طفلا، هي بقعة مريرة ، عنيفة ومتوحشة. أطفال يضعون نبات الخرشنة في أنوفهم لتسيل دماؤهم ويتباهون بالذي تسيل دماؤه أكثر! هكذا أراد لهم الكبار ، أن يقوموا بما عجزوا عنه ، من قبل.

وهذه العودة الدائمة الى الطفولة لدى الكاتب ، هي بمثابة اقتصاص وثأر من ذاك التاريخ كله فماذا كانت تفعل تلك المداحل والآلات على الهضبة في "معسكرات الأبد" ؟ لم يجرؤ أحد على إجابة كان يعرفها الكثيرون ، ولا العمال كانوا ليسألون عن غاية ما يقومون به : إنهم بتحديد بسيط لم يسألوا عن غاية عملهم ، إذ حسبهم – كما قيل لهم – ان يمعنوا في جعل السهل المترامي مستويا كظهر جندب ، قبل رصفه بحجارة تفرغها الشاحنات أكواما ينهالون عليها بالمطارق حتى تتشظى رقيقة ثم تأتي المداحل فتسويها بالأرض. ص 136.

والجانب الآخرالذي أود التطرق له فهو الجانب الشعري في الرواية ،، وأقول "الجانب الشعري" والواقع ان الرواية عند سليم بركات هي رواية شعرية ، أكيدة ، وهو ذو حساسية عالية في قضايا الوعي الجمالي اللغوي وكثيرا ما يقودنا – وعيه هذا – الى قراءة صفحات عدة في الرواية كقراءة شعرية فحسب ، لولا أنه يعيدنا سريعا الى الحدث الروائي، أو الزمن الذي تلفيه هذه الكتابة الشعرية ، وبذلك فالزمن في الرواية هو على الأغلب منداح وتدويري ويتم التعامل مع الزمن من خلال علاقته بكل شخصية على حدة ، ففي الزمن الذي كانت "هبة " تهرول وراء الجيب العسكري، كان في الزمن نفسه ،تقوم الأشباح العائدة من موتها بمشاغلها والكاتب يشير الى هذه المسائل الزمنية خلال سرده للأحداث ، وهذه الاشارة من جانب الكاتب تأتي مقابل الزمن الملفي أثناء الكتابة "الشعرية " والتي هي إحدى ضرورات الحبكة الروائية المحكمة لديه ، ومن هنا يمكن القول : إن هناك مستويات عديدة في اللفة الشعرية التي يسوغها الكاتب ويكتب بها روايته ،إذ أن المستوى الأول والأهم

_ يه كما أرى هو ذلك النزوع أو الميل الشديد والعنيف نحو لتكثيف اللغوي،حيث ينزاح "المباشر" أو "الوضوح" و"الانشاء لمدومي" الذي يقع فيه غيره من كتاب هذا النوع من الرواية. لمحظة التخيل للحظة هي التي تدفعه لهذه اللفة الشعرية ، او لمجازية ، ولا بأس من أن تكون الرواية هي الاخري تحمل على صفحاتها ذلك الأفق المفتوح على نصوص مفتوحة على مدى مخيلة لقاريء ، ولم لا يكتب "الرواية بعدة الشعر،والشعر بعدة الرواية ": ليس غاية الكاتب في النهاية الاختلاف : والذي يميز اللغة الشعرية دي سليم هي أنها بمثابة الفعل المساعد لتفجير المعنى، حتى وإن ئانت هذه اللغة لا تستخدم ز غير المكان الذي حدده "الاسلاف" أكثر اللغة مجاز، وليست حقيقة ، كما يرى ابن جني.

ولهذا أيضا قد يصعب على الكثيرين اكتشاف ما يسمى _(المحلية ) في هذه الأعمال ، رغم إنها تكاد تضج وتتفجر :لتصدقها الشديد، بذاك العالم ، الواقعي والوحشي والمجهول _لنسبة للآخرين ، بل واقعية سليم و(محليته لم هما منبع لغرائبية لديه ، إذ يجهل القاريء المكان الذي يكتب عنه ومنه لكاتب ، فمن يعتقد أن "جاجان بوزر" الذي لا عمل لديه إلا تراسة ماء النهر، ليلا ونهارا، أو مطاردة الغيوم ، هي شخصية ن أبناء أفكار الكاتب ، فهذه سشكلته في فهم (الواقعية لمريرة ،أو حتى الواقعية الاشتراكية ) وليست مشكلة الكاتب.!!

والحقيقة أن هذه الشخصيات (الأسطورية لم ربما كان غلبها على قيد الحياة ، ما تزال في تلك البلدة "المتناثرة شمالا" – قامشلي – وهذا الواقع (السحري ) يبتدعه الكاتب ، ليبهر به لقراء، وهو لم يصنعه بكل تأكيد، بقدر ما هو من صنع " دول " "أنظمة " أرادت له أن يكون هكذا، فكان. وسليم بركات يدخل هذا (السحر المرير) بلفة هي من حقه أن يتخذها (سلاحا) يقتص من كل الأحداث والغرائبيات التي عاشها هناك. ومثلما فتتح الكاتب روايته بعراك الديكين " رش " و "بلك " فهو ينهي لرواية بهما وكأنهما الشاهدان الوحيدان ،يتعاركان على حقيقة مخفية ، ومخيفة ، هي حقيقة ذاك " الشمال " الذي يتجه اليه مليم بركات كلما فرش أمامه سجادة الكتابة ،ليكتب.

يتحدث في آخر سطوره عن الديكين : "كانا دون صوت في عراكهما هذا، على غير عادتهما التي درجا فيها على الصياح الاستعرامي الكثير،…ما ريشهما فلم يكن ريشا ذلك اليوم بل هالات من شحوب الغيم تمس جسديهما وتنفصل ، تتمزق وتلتحم ، وهما يتدحرجان دائريا على الطريق الاسفلتي المنحدر شمالا صوب الجسر الصغير الذي لا عمر له. وحين جاوزا الجسر انحدرا غربا، من الحافة العالية للطريق ، ليغيبا بين شجرات التوت. ص 270".

وبعد،قد يجد القاريء نفسا ينزلق هو الآخر "شمالا" ويتجه صوب شجرات التوت ، التي تخفي ذلك البيت الغامض ، حيث لمخلوق الناري، وهناك ، حين نصل الي سؤال يمكن لنا أن نلقيه على شبح أكيد، متبق من آثار ذلك المخلوق الذي رحل الى جهة..المياه ؟!

*
طه خليل (كاتب سوري)

قديم 03-11-2016, 09:07 PM
المشاركة 46
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
المفاتيح: تحليلٌ لبعض روايات سليم بركات
د. عباس توفيق

في: 09 نيسان/أبريل 2013
****** تشغل القضية الكردية جانبًا من الأعمال النثرية للأديب السوري سليم بركات، وربما كانت الكتابات المُعَنونةبـ: سيرة الصبا؛ فقهاء الظلام؛ الريش؛ وهي الأعمال التي وقعت بين يديّ؛ أبرز ما يعكس معاناة الكرد ووعيهم لقضيتهم، وقد اصطنع بركات لغة شعرية شفافة استنطق بها الشجر والحجر والطير، وأدار معها حوارًا أسهم ببراعته الفائقة في رسم إنسانية تلك الموجودات رسمًا متقنًا. غير أني سأرجئ الحديث عن البنية التركيبية اللغوية لأعود إليها في دراسة مستقلة إن شاء الله، وأريد هنا أن أركز على الجانب الفكري الذي يتعلق بهذه القضية والذي تُسهم الأسماء المختارة للشخصيات بعناية في كشف الستار عنه.

ولعلنا لا نرى في "سيرة الصبا" خصوصية كردية باستثناء البيئة التي تدور فيها الأحداث، إنها سيرة صبا بكل ما يرافقها من لعب وصخب وعبث كانت تقوم به فتية يربط بينهم مكان اسمه "الشمال"، ويمتلك هذا الاسم دلالته المعروفة على التجمع الكردي المتركز في هذه الجهة من كل من سوريا والعراق، وقد جاءت الأنماطالسلوكية التي عبر عنها بركات متناسبة مع عقول الصبية المراهقين سواء كانت أنماطًا سلوكية صادرة عنهم أو أنها صدرت عن "الكبار" ولكنها صوِّرتْ بعيون هؤلاء "الصغار"، وتمثل هذه الأنماط في مجملها مشاكسة ولهوًا وكان بركات بوصفه الراوي لما جرى؛ أحد أقطابها، وما كان لينفصل عن أقرانه فيما كانوا يفعلونه وله من بينهم جولاته الخاصة به][1 إلا أن هذه المشاركة الآنية العابثة لم تصرفه في تلك المرحلة المبكرة من حياته عن الإنشغال بهمٍّ أكبر، لا يبدو أنه كان يشغل أقرانه، هو همُّ كرديَّته: "سلو الذي هو أنا، سلو، سليمو، "بافي غزو" ابن الملا بركات هو أنا، الرجل الصغير الهارب، المدقِّق المتفحِّص في الحسابات الكبرى للشمال، هو أنا "][2، و "شمال أنت يا شمال، تركنا لك أن تتباهى بنا على مضض. كانت الجهات الأخرى قد اختارت شعوبها، فلم ير – كلانا – بدًّا من عقد قران المصادفة على المصادفة، رضينا بك فارضَ، ألا ترانا تُنَيّمنا الحكومات وتوقظنا الديكة؟" ][3.

*وقد نما وعي هذا "الرجل الصغير" المتفحص للحسابات الكبرى للشمال بالقضية الأساسية نموًا واضحًا في روايته الموسومة بـ "فقهاء الظلام"، وتجري أحداث هذه الرواية في قرية صغيرة تمثل نموذجًا لأرض كردية واسعة، ويشرع بركات في سرد الأحداث شروعًا طبيعيًا ومألوفًا لأناسٍ تتجاذبهم سلوكيات مخصصة ومصالح معينة: "حاول الملا بيناف؛ ابن كوجري؛ أن يبدو وقورًا كعادته، ابتسم من دون افترار لشفتيه عن أسنانه الكبيرة القوية، عمد بعض الرجال المحيطين بمجلسه إلى تملّقه بكلمات إطنابٍ ممطوطة فلم يلتفت، إليهم، بل نهض في هدوء، فَرَدَ سجادة وصلى ركعتين في إطالة ظاهرة..."][4 غير أن هذه البداية المألوفة تحمل ملامح اللامألوف واللاتحديد اللذان يكادان يطغيان على الرواية كلها فيما بعد ويكوّنان سِمَتها البارزة، وتكمن هذه الملامح في أمرين: أولهما: هو الوصف الذي يبدو دقيقًا وتفصيليًا للقرية التي تجري أحداث الرواية فيها وبقاؤها على الرغم من ذلك قرية مفتقرة إلى خصوصية متميزة، "وهذا الطريق هو وحده الذي يصل، على كل حال، مدن الشمال الصغيرة بعضها ببعض، ضيق قليلًا لكنه يفي بما عليه، وتتناثر من حوله، بعد اجتياز الحي الغربي بالطبع، بعض البيوت وحقول منبسطة من الجهتين بيضاء في فرائها الثلجي، على مدّ البصر لكن يتخلل الجهة الشمالية منه دغل يتصل بالهضبة التي تستقر عليها القرية"][5 أو: "البيوت متصلة على طول الزقاق من الجهتين، كما هي حال بيوت الحي الغربي بعامة، بحيث يستطيع شخص أو حيوان أن يعبر المسافة كلها متنقلًا من سطح إلى سطح،وكانت ثمةفواصللا يؤبه لها، ويمكن مجاوزتها بقفزة صبي"][6 وهكذا، وكأن بركات يريد الإيحاء بأن المكان الذي يحتوي الأحداث مكان ولا مكان في آن واحد طالما ظلت كردستان رقعة لا تمتلك كينونتها الذاتية وكيانها الخاص، وقد أدى هذا الإحساس بانعدام الكيان إلى الإحساس بانعدام الذات، وهو الأمر الثاني الممثل لملامح اللامألوف في هذه الرواية.

لقد ركز سليم بركات الشعور بانعدام الذات في الاسم الذي اختاره لأهم شخصيات روايته وهو "الملا بيناف بن كوجري". فمن صُلْب بيناف، الذي يعني في العربية مَن لا اسم له، ابن كوجري، الذي يعني مَن لا استقرار له أو المتنقِّل، ومن أم أسمها: برينا، أي الجرح، ولد بيكاس( بيكه س) الذي يعني الوحيد أو مَن لا أهل له وهو الذي بُنيت الرواية عليه، فهذه أسماء مصاغة بحيث تسهم دلالاتها في تضبيب شخوص أصحابها، ويلتقي بذلك اللامألوفان: المكان والإنسان لكي يغيرا رتابة الوضع ونمطيته.

ويمثل بيكاس العنصر الذي يقلب الأمور رأسًا على عقب ويصيبها بهزة عنيفة منذ اللحظة الأولى لولادته، فقد كان مولودًا عجيبًا وخارقًا، ولد ونما وتزوج واختفى في خلال يوم واحد، وقد كان غريبًا في قدرته على الإدراك وتفتُّح بصيرته وإحاطته التامة بمجريات الأحداث، بل إن هذه الإحاطة كانت من نصيبه العقلي منذ أن كان نطفة، وقد كان بركات بارعًا في أن يداول الفكرة بين هذه النطفة "الحيوان"][7 في تداعياتها وكشفها عن معرفتها العميقة بتاريخها وموجبات بقائها وكمالها والحقيقة الإنسانية العامة وبين باذر هذه النطفة، الملا بيناف، ذي الوجود غير المحدد، وهذه النطفة هي التي صارت بيكاس العجيب الذي أنجب بدوره وليدًا حمل اسمه فكان بيكاس الثاني وشاكله في الغرابة، فقد ولد هو الآخر ونما واختفى في يوم واحد، وقد صار هذا الاختفاء عنصرًا أصيلًا في هذه السلسلة ولم يقتصر على بيكاس الأول وابنه (أو شبيهه) بل شمل الملا بيناف أيضًا، والد بيكاس الأول، الذي لم يعد له الحضور "المادي" الذي كان له منذ أن دفن مخدة على أنها جثة ابنه بيكاس][8 تهرُّبًا من الوضع الغريب الذي رافق مولده.

ولئن أوحى المحيطون ببيكاس إلى الآخرين أنه مات وأنهم قاموا بالشعائر اللازمة لتصديق هذا الزعم فإن بيكاس نفسه وأهل بيته كانوا يعرفون أن الحقيقة غير ذلك وأن "الحق" مخفيٌّ أو مختفٍ، وكان هذا الحق يتمثل ببيكاس بالنسبة إلى الأسرة التي جهدت في إخفاء أمره، ويتمثل بالنسبة إلى بيكاس في الدفتر الأزرق الذي ورثه أبوه الملا بيناف وحوى حسابات قديمة. وقد كرّس بيكاس وجوده لإنجاز مهمته الجوهرية وهي أخذ هذا الدفتر وإعادة ما فيه - أي الحق التاريخي- إلى نصابه، وصارت حياته وتنفيذ هذه المهمة أمرين متلازمين لديه.

بيد أن بيكاس لم يشأ لتحقيق غايته هذه أن يسلك مسلكًا عنيفًا، ورأى أن من الحكمة أن يلج في الأمور بالحسنى وأن يتراءى بين آونة وأخرى لمن يتلمّس فيه تفهّمًا وإدراكًا لسرّ وجوده وإمكانيةً لتقبّل ما كان يدور في عقله، وإيجاد الأرضية المشتركة في التفهم خطوة أساسية فيما وطّن نفسه عليه، فقد كان، طبقًا لإحاطته التامة بما جرى، على بيّنةٍ من أن بني قومه وقفوا بحزم في وجه الاحتلال الفرنسي لسوريا، "أما الأكراد فكانوا متزمتين دينيًا، ويرون في الفرنسي كافرًا نجسًا، يأكل لحم الخنزير ويسفّه دينهم، فاستعصوا في التعامل معهم" ][9، ثم إنهم تملكوا السلاح: "كانت وطأة البنادق وطأة صلبة على أكراد الشمال، فتوزعوا على قرى بعيدة، قبل أن يجدوا منفذًا إلى استيراد البنادق التركية، عبر المهربين، فيحصّنوا الشمال كله" ][10، وعلى هذا فإن الكرد تمتعوا بالإرادة الصلبة وامتلكوا السلاح إلا أنهم كانوا بحاجة إلى الفكر الذي يعزز إرادتهم ويسدد سلاحهم تسديدًا قويمًا، ولا يكون هذا الفكر مبلورًا وفعّالًا بغير التاريخ (الدفتر الأزرق) الذي حوى حسابات الحقوق، ولهذا حين ناقش بيكاس أباه – يوم دفنت المخدة على أنها هو – بشأن الأرقام الواردة في الدفتر ولم يقنع بإجابات أبيه قال: "لا يا أبي، المسألة أن المسافة ضاقت ما بين القريتين، فابتسم الأب: لم أسمع أن أحدًا بنى بيتًا واحدًا في أيٍّ من القريتين، فكيف تضيق المسافة؟ *تقترب القريتان إحداهما من الأخرى ردّ بيكاس، وأضاف: سأباعد بينهما لتعود المسافة إلى حالها الأولى، يلزم الأمر أن أعيد كتابة نصف هذا الدفترمن جديد، بافتراض ما كان ينبغي أن تكون الأرقام عليه، سأستعيره لا أكثر، عليَّ إعادة ترتيب تلك المسافة مسترشدًا بالأرقام المدونة هنا، سأجعلها تتسع لنا دون استنادٍ إلى تقدير خاطئ لِمَا جرى فيها"11][،

وسواء كانت دلالة بيكاس شخصًا أو رمزًا لطليعة أو حزبًا فإنها تمتزج عادة بالقلب الذي يحتويه الصدر والذي يمثل منبع الشعور والإحساس لدى الشعوب جميعا ومنها الشعوب الشرقية.
وقد عانى الكرد من الشعور بعدم الاستقرار ومرارة الحاجة إلى الكيان المحدد الثابت الذي يشيع الاطمئنان، وهذا القلق "الوجداني" يظل ماثلًا طالما كان الكيان مغيّبًا، ومن ثم فإن المرء يكون في ارتحالٍ معنويٍّ أو ماديٍّ مستمر، و"كوجري"- أي المتنقِّل أو المرتحل أو الذي لا وطن له – عميقٌ ومتجذِّرٌ في نفوس الناس ومستقر في صدورهم، وهم الذين كثَّفهم سليم بركات في شخص الملا بيناف – أي مَن لا اسم له كما ذكرنا – الذي أورثه ولدَه بيكاس ونقله بدوره عبر زواجه بـ "سينَم" إلى ولده بيكاس الثاني. و "سينَم" – أي صدري – مثلٌ للصدر الذي استوعب الفكرة واحتواها وتبنّاها وكفل لها الديمومة، ولم يكن صدر أبلهٍ على الرغم من أن بركات كان يلحق بـ "سينم" صفة البلهاء دائمًا بل كان صدر الواعي المدرك العارف بما جرى وبما ينبغي أن يكون مسار الأمر عليه، غير أن سليم بركات أراد بوصفه ذاك أن يعكس نعت الآخرين للمغامرين الأوائل وظنونهم السيئة فيهم، وأما مَن كان يتفاعل أو يتعاطف معهم فإنه كان يرى في حامل الفكرة رجلًا حقيقيًّاً، ولهذا فإن "سينم" كانت تنعت بيكاس بأنه ديكٌ، وهي الصفة ذاتها التي استعملها بركات في سيرة الصبا حين قال: "تُنيمنا الحكومات وتوقظنا الدِّيَكة" ][12، وتتجاوز هذه التسمية دلالتها المألوفة في المجتمع الكردي على الفحولة إلى مَن هو متفرِّدٌ بين بني قومه، مَن يعرف سرَّ وجوده ويدرك هدفه و" يبذر" ما يراه حقًّا ويسعى إلى إيجاد جيلٍ يشاكله ويؤمن بما يؤمن هو به. ومن هنا وُلِد لهذا الديك "بيكاس" ولَدٌ حمل اسمه وطبيعته وغرابته وهدفه هو "بيكاس الثاني"!

وبرفقة هذه الفئة الداعية إلى إعادة الحق المحفوظ تاريخيًّا في (الدفتر الأزرق)، الذي ورثه الملا بيناف عن أبيه وجدِّه وانتقل إلى ابنه بيكاس، يفيض الإحساس بالأمن والسلام، ولربما أراد سليم بركات الإيحاء بهذا المعنى حين صوّر الزرازير هاربةً من كرزو، أخي بيكاس الأول، المولع باصطيادها، ومتجمِّعةً تحت عباءة بيكاس لشعورها معه بالأمان ومنطلقةً زهوًا لشعورها معه بالحرية. ][13

ولربما تأتّى هذا الشعور من حقيقة أن الحالة التي يصورها بركات حالة ذهنية خالصة، بمعنى أن بيكاس لم يكن في حقيقة أمره مولودًا مرَّ بالأطوار الغريبة ولم يكن له وجود فعلي ملموس، غير أن الكاتب وظّفه لكي يعبر من خلاله عما كان يدور في الذاكرة الجماعية بشأن الأماني العامة وعلى نحوٍ تراكمي زمنًا بعد زمن.

ولقد يروق للمرء أن يجد في إشارةٍ ما عارضةٍ تعزيزًا لهذا الظن، أي أن يكون بيكاس ممثلاً للذاكرة وحسب، وتكمن هذه الإشارة في عدم عودة الأب، الملا بيناف، إلى داره إثر اللقاء الذي تم بينه وبين ابنه بيكاس ساعة دفن المخدة وفي انشغال أسرته بأمره وبأمر "المهزلة" – كما يسميها الكاتب – التي تعرضت لها، وكان مما استبطنه من مناجاة الأم لنفسها:" هيـه، سينسون، إنها حكاية من مخيّلتهم، لا من رحِمها هي – رحِم برينا ابنة عفدي ساري" ][14، وليس المراد بالمخيّلة ههنا فيما أحسب إلا الذاكرة التي اغتنتْ بتراكماتها الزمنية والتي يُلتَفتُ إليها بذكر اسم برينا – أي الجرح – مقرونًا باسم أبيها، بل إن بيكاس صرّح حين لم يكن إلا حيوانًا منويًّا أنه الذاكرة: "ذيله الرقيق يرتطم، في انزلاقه، بجثث كثيرة لم تزل ساخنة بعد، "حمير" يهمس، محتنقًا من سرعته: يسمونني الحيوان وأنا ذاكرتهم كلها" ][15.

ولعلي أزعم أن هذه الذاكرة؛ وإن كانت جماعية، إلا أنها ذاكرة الملا بيناف نفسه، وإن كونها ذاكرة إنسان لا اسمَ له يكفي للتدليل على جماعيتها، وقد ألبسَ بركات هذه الذاكرة هيئة الإنسان وتعاملَ معها على أنها كيان منفصل له وجوده الخاص، وهي الأنسنة ذاتها التي اتبعها في تعامله مع الموجودات الأخرى كالأرض والحجر والطير والشجر. وما دام بيكاس عبارة عن ذاكرة أبيه الملا بيناف فإن من الطبيعي أن يصير الاثنان متماثلين، بل متطابقين، في ملامحهما المرسومة، فحينما التقى الملا بيناف بابنه بيكاس؛ أو لنقل بذاكرته، تفرَّس فيه مليّاً ورأى أن وجه ابنه إنما هو وجهه هو، "لقد تغير الوجه كثيرًا عليه، لكنه( يرى) فيه شيئًا ما لا ينساه؛ أهو السخرية البادية من أطراف العينين؟ أم الحاجبان المتصلان بانحدارٍ فوق قاعدة الأنف؟ أم هو الأنف المحدب كالذي يحمله الملا في وجهه؟ كلها معًا، إنه وجه الأب نفسه برغم القناع اللوني" ][16

وينحسر العجب في هذه الحال من كيفية وصول الدفتر الأزرق إلى بيكاس وهو الذي كان في حوزة الأب وبصحبته حتى الصباح" ][17 طالما ظننّا أن الاثنين شخص واحد، وأن لحظة الالتقاء بينهما ما هي إلا لحظة مكاشفة الإنسان لنفسه وما يصاحب هذه المكاشفة من صراعٍ مع الذات قدّمه بركات على أنه اختلاف الرؤية بين رجلين، وقد آلت هذه اللحظة وما رافقها إلى موقف مزدوج؛ التظاهر بالتخلي عن الذاكرة (دفن المخدة) في العلن، وانتصار الذاكرة في السر وبقاؤها ممثلةً ببيكاس العنصر المهيمن المكشوف على صفحات الرواية واختفاء الملا بيناف من الواجهة منذ أن قال لبيكاس: "سنفعلها معًا، أنا آتٍ معك" ][18.

إن رواية "فقهاء الظلام" تعكس مرحلةَ تأمّلِ الحالة التي كان الكرد عليها والتي كانت بحاجة إلى إعدادٍ فكريٍّ لتغييرها، ويتضح هذا الأمر من خلال: مناقشاتِ بيكاس مع أفراد أسرته إثْر ولادته والتقائه بهم بين آونة وأخرى بعد اختفائه، وبناءِ الموقف (الزواج)، ومنحِ الموقف رسوخًا وديمومةً وشيوعًا (الإنجاب)، وقد كرّس سليم بركات، فيما أرجِّح، روايته الموسومة بـ" الريش" لبيان الهدف من بناء الموقف، ولقد استلهم لتأطير مرماه هذا الحكاية الأسطورية الكردية "مَمْ وزين"، وهي حكاية غرامية نقل منها بركات غرام "مم" بـ "زين" إلى غرامه بالأرض، وعزز هذا الوله باختيار اسم دالٍّ للأب هو آزاد، أي الحر، لتصير دلالة التسمية العاشق الحر! ولكن هذه التسمية تقوم على تناقضٍ ما، يدركه سليم بركات ويقصده، وهو أن هذا الذي يؤسس روايته عليه عاشق فعلًا لأرضه ولكنه ليس حرًا، ثم إن مَمْ آزاد يشبه الملا بيناف إلى حدٍّ ما فيما يتعلق بعمومية الاسم وعدم امتلاكه لخصوصية فردية معينة، فـ "مم" الذي يستثير معنى العاشق بين الكرد يمكن أن يطلق على كل مَن يجد في قلبه لذْعةً تجاه "شيءٍ" ما، كأن يكون عاشقًا لامرأةٍ أو مالٍ أو وطنٍ أو ابن، ومن ثم يلتقي الاسمان: الملا بيناف، في رواية فقهاء الظلام، ومَمْ، في رواية الريش، في إمكان إطلاقهما أو انطباقهما، على كل إنسان في المجتمع الكردي. وإن افتقار مَمْ وأمثاله إلى الحرية أمر مبثوث في ثنايا الرواية، من ذلك مثلًا:

"وماذا كانت التهمة الموجهة إلى رجلٍ حاول تطويق الغضب الكردي بعدما أفلتَ الزمام من أتاتورك؟كنتَ تحضر جلسات المجلس، في أنقرة، بالزي الكردي" *][19.*

و"تمنح وزارة الداخلية حق تعديل أماكن سكنى الشعوب بحسب ارتباطها بالثقافة التركية، والأكراد لم يكونوا مرتبطين بتلك الثقافة، لذلك كان على موتاهم أن ينتقلوا، من قبورهم، في ولاية بَدْلِيْسْ حائرين". ][20

و"فاللغة الكردية ممنوعة، و(رَمُّو كْرِيْفْ) ملقىً في سجن الحَسَكَة لأنه اقتنى كتبًاً بالكردية في الصرف وفي التفسير، فوشى به جاره..." *][21

ولقد كان مَمْ عل بيّنة من التقييد الذي ينوء به، وكانت تتجاذبه نوازع مختلفة وكان أشدّها إثارةً له هو تساؤله عن سرّ وجوده في ذلك البيت الواسع 22][ الذي يرمز إلى الأرض التي يعيش عليها، ولقد استنزفت منه هذه المعاناة ستة أعوامٍ صوّرها سليم بركات على أنها كانت رحلة إلى جزيرة قبرص، ولكنها كانت رحلة داخل النفس أتاحت لـ"مَمْ" أن يتبصّر الوقائع على نحوٍ جليّ. فقد كان إبّان هذه الرحلة في دوّامة المعرفة واللامعرفة، ولئن أدرك وجوده الفيزيائي فإنه لم يمتلك الدليل على وجوده المعنوي، ولذلك قال في فكاهة للرجل ذي المعطف: " ليس لي اسمٌ، فأجابني: ليَكُنْ اسمك – إذاً – مَمْ بن آزاد" [23، ولم يكن عبثًا أن يكون كلُّ ما نعرفه عن محدّثه لا يزيد على أنه رجل ذو معطف، وأن يوكل به أربعة أشخاص مبهَمون ليوصلوه إلى مبهَمٍ آخر هو "الرجل الكبير" وأن يظلَّ في بحثٍ لا مُجدٍ عنه، وكلما تراءى له أنه بلغ أو سيبلغ ما يريد، أي الالتقاء بالرجل الكبير، انقطعت به السبل وعاد إلى منطلقه الأول، وفي خضمِّ هذا اللف الذي طوّقه أحسَّ أن حواراته مع الآخرين ليس إلا حماقة، و"لذلك اتخذ قرارًا بالانصراف من المكان، برغم ما يشغلني من أسئلة وحَيْرة في الآن ذاته كأنني أحاول الخروج من مصيدة"][24.

وبدا لـ "مَمْ"، وهو لمّا يدرك المغزى من وجوده بعدُ، أن عجزه عن إيجاد الأجوبة الشافية لتساؤلاته يضغط على ذاكرته، ولهذا صار يفكر في الانتحار وفي المكان الذي سيدفن نفسه فيه، ووقع اختياره على مكان له دلالته: رقعة رملية تلي حديقة بيته الخلفية، إنه إذ لم يستطع أن يمتلك هذه الأرض فلا بأس إذن أن تمتلكه هي وتضمَّه إليها! غير أن هذه الرقعة التي اختارها خيّبتْ رجاءه وغدتْ كالصوان لا تستجيب لرغبته على الرغم من وسائل اللِّيْن والقوة التي اصطنعها معها لتحقيق رغبته،وجاء رفض الأرض لما كان يريده من إدراكها لحقيقة دافعه إلى دفن نفسه فيها وهو دافع التهرّب مما يجب عليه أن يفعله، ولهذا فإنها أشعرتْه أنها تأبى أن تحتضن منهزمًا! " أنحني على الأرض تلك، دون حيلةٍ، هامسًا بين أسناني التي تآكلت مبكرًا: بالله عليكِ امنحيني قبرًا، فتردّ الأرض الصلدة: وما حاجتك إلى قبر؟ فيزداد غضبي، كيف لكِ أن تعرفي حاجاتي، فتردّ: بالقدْر الذي تعرف أنتَ حاجاتي، فاستخفُّ: أنتِ تنتظرين، وأنا سأخبرك بحاجاتك فيما بعد، فتردّ سائلةً: وما الذي أنتظره؟ فأقول: مَوتي، فتردُّ: لا، أنتظر بحثكَ عن قبر، فأجيب: وها أنا أبحثُ عن قبرٍ، ألا ترين؟ فتردّ: بل تبحث عن شهوتك... القبر هو الذي يبحث عنك، ويلتقيك في المفترق الصغير الذي تتجرد فيه من شهوة بحثكَ عن قبر" ][25. ولقد كان لهذا الحوار تأثيره ودوره الكبيران في أن "يعثر" مَمْ على نفسه وعلى سرّ وجوده فأقدم على خطوته الحاسمة.

وتتمثل هذه الخطوة في استجابته للسحر المنبعث من عويل بنات آوى ونزوله من سطح البيت الذي يقطنه ليتّجه إلى حيث تجمعاتها في الحقول الشمالية لمدينة القامشلي، وقد تحوّر هيكل مَمْ منذ لحظة خروجه فصار يدبّ خفيفًا ورهيفًا على أربع، ومكّنتْه صيرورته ابنَ آوى، ][26، من أن يقترب من الأرض اقترابًا أشد، إذ هيّأت هذه الحالة لحواسه الأساسية (العين والأذن والأنف) فضلًا عن يديه وقدميه أن تتحسّس هموم الأرض وعذوبتها على نحوٍ جليّ وناصع، وأصبح ثمّة أدقَّ بصرًا وأعمقَ إدراكًا بحقائق الأشياء، وقد تراءىله وهو في هذه الحالة أنه اكتشف حقيقة الظلام الذي عليه أن يبدّده، كما تفعل بنات آوى وهي تمارس لعبها وحياتها ونشاطها في الليل، وإن هذا الظلام صار قرين وجوده الآن، "كل شيء خفيف من حول مَمْ، رئتان قويتان، والليل قوي، وهو بطبعه الذي بات خالياً من أية معرفة إلا معرفة حواسه يحدد لنفسه – في حذر – مداخل إلى الظلام الذي لا يعرف غيره الآن، كأنما لم يشهد النهار، قط ، من قبل"][27.

على أن هذا التحول من هيئة آدمي إلى هيئة ابن آوى كان يعكس رغبة مَمْ في التخلص من الخطة التي رسمها أبوه، حمدي آزاد، له، ولهذا كان يردد في تداعياته، التي اختلطت أزمنتها في خلال هذا الفصل الخاص بتحوّره، "لماذا أنا وليس دينو؟" ][28، وبدافع من الرغبة ذاتها تحوّل مرة أخرى إلى طير: "يقينًا، وأنا في هيئة طير، لم أكن لأثير رِيْبتهما (أعني أبي وأميره) وهما جالسان على حجرين رمليين قرب شجرة توت

][29، ولكن لم تتحقق رغبة مَمْ وانتصرت إرادة أبيه فألفى نفسه في دوّامة البحث عن "الرجل الكبير" طوال ست سنوات في جزيرة قبرص، وقد أعدّه أبوه لهذه المهمة، أو لمهمة ذات شأن، حين كان يريد منه أن يقطع الزمن ويتجاوز سنَّه وقدرتَه، "و(مَمْ) متعوِّدٌ انكسارَه هذا، كلما حثّه أبوه على الإسراع من خلفه، في سوق المدينة أو في الحقول" ][30، ولم يكن حمدي آزاد ليصحب ابنه إلا لكي يجعل منه قلِقاً" ][31، والقلَق هو الأساس الذي لا ينجح مَمْ بدونه في تحقيق المهمة التي رسمها له أبوه.

وإذ كانت هذه المهمة غير صادرة عن إرادة مَمْ فلربما اعتقدَ أن لأخيه دينو يدًا في توجيه فكر أبيه إلى هذه الوِجْهة، فقد انطوى على الظن بأن أباه كان يستحيي من دينو وأن حوارًا خفيًّا كان يدور بينهما أو بالأحرى أن تواطؤًا خفيًّا كان يربطهما، يقول مَمْ: "أستطيع الزعم لنفسي أن كل الذي كان يقوله أبي – في المساءات التي تشتعل لفافات جلّاسه فيها بانتظام، داخل البيت أو في ساحة الدار- إنما كان لدينو شأنٌ فيه" 32][، ومع ذلك فإنه مضى في تنفيذ الأمر الموكل به، أي الالتقاء بالرجل الكبير، وصبر مدة طويلة دون أن يستطيع أن يلتقي به تحقيقاً لرغبة أبيه.

وعلى حين يُفْهمنا سليم بركات على لسان مَمْ أن بطله قام برحلته، دون جدوى بالطبع، فإنه يسرد الحكاية على لسان بطله الآخر، دينو، على نحو مغاير، ويبين لنا أن مَمْ مات قبل سفره، ويمكن أن نفهم هذا المعنى من مثل قوله: "كان على تحريات صغيرة من هذا القبيل أن تُستنفد، برغم معرفة دينو وأبيه معًا أن مَمْ –الذي لم تختف قطعة واحدة من ملابسه، مثلًا – لم يكن في حاجة إلى تدبير هروبٍ من العائلة، أو من نفسه" ][33.

ولكي تستقيم أو تتساوق روايتا مم و دينو للأحداث لا بد من النظر إلى مَمْ على أنه عزمَ أمره، إثْر حواره مع الأرض وما تبع ذلك الحوار من صحوة على الإلتحاق بالمقاتلين الكرد الذين كنّى عنهم سليم بركات بـ "بنات آوى"، وهي تسمية لها دلالتها، فمن صفات بنات آوى أن تُظهر حيطة وحذرًا حتى تنقضّ على فريستها، وتلتقي هذه الصفة مع "قُطّاع الطرق" التي كان مناوئو الكرد يشيعونها عن مقاتليهم! وإن الذي حدث هو أن مَمْ اُقتُنِصَ بالفِخاخ التي كان السوريون والأتراك يضعونها لمنع التسلل، وقد أُصيب حمدي آزاد بموت ابنه بنكسةٍ في آماله، وهي آمال مم أيضاً، فقد كان الأب يهيئ ابنه للالتقاء بـ "الرجل الكبير" الذي يمكن تفسيره على أنه كردستان، أو أنه بهرام جور الذي طارد الغزال حتى دخل وراءه إلى الكهف الذي لم يخرج منه، في إشارةٍ إلى موته في سبيل هدفه، ولكن حمدي آزاد كان يتمنى مصيرًا غير مصير بهرام جور لابنه مَمْ، وأُصيبت أمنيته في الصميم حينما مات مَمْ قبل موعد السفر، ولهذا حاول بعض معزّيه أن يُبْقوا جذوة الأمل في نفسه حين لفتوا انتباهه إلى ابنه دينو ليكون بديلًا عن مَمْ في تحقيق حلمه، بل إن دينو نفسه صار يتمنى لو أنه هُيِّئَ بدلاً من مَمْ للذهاب إلى كردستان: "إنني أتمنى الآن، بعد أيام قليلة من دفن مَمْ لو أن أبي هيّأني، بدلاً من توأمي، للذهاب إلى كردستان، وإذ ألمحَ (قادر حمّو) إلى شيءٍ من هذا أمام أبي، البارحة، في محاولةٍ لمواساته: عندك دينو يا سيد حمدي، عندك رجل – فتأمّلني أبي من فوق لحيته الصهباء الطليقة – عاجلتُ زائرنا سائلًا أن يريني صورة سمكو آغاد، ظل أبي هادئاً البارحة" ][34.

ولم يكن حمدي بحاجة إلى مثل هذا التنبيه، ذلك أن الاستسلام لليأس عنده – كما افترض – يعني الانتهاء، ولئن خبا أمله الأول مَمْ ، فإن أملًا آخر هو دينو كان أمامه، وقد بدا له أن الأمل يمثل صفقة بوصفها يقينًا مجرَّدًا، أما مَن يقوم على هذه الصفقة فإنهم أفرادٌ يرتبطون وقتًا معينًا بالحياة وينتهون، فالصفقة – الأمل– دائمة، والأفراد – الزمن– زائلون، ولعل هذا هو ما يشير إليه بركات بقوله: "ولماذا لا يكون الوقت صفقة، على أية حال؟ إن حمدي لن يخلط الوقت والصفقة، فلقد تخلّف الوقت، باقيًا في المشرحة الكئيبة، بعد خروج جثة مَمْ، أما الصفقة كيقين مجرّد، فقد انطلقت لتحيا في امتلاء، مصفِّرةً لحمدي من مكان عالٍ في أعماقه" ][35، ولهذا استعاد دينو على نحوٍ ما الدورة التي مرَّ بها أخوه: " إلى أين أنت ذاهب يا دينو؟ إلى كردستان، ردَّ دينو، وهو يأخذ نفَسًا عميقًا كأنما يستعدُّ لمشقّاتٍ ما" ][36، وقد دار هذا الحوار بين دينو و مَمْ الذي صار يتراءى لأخيه بعد موته، وغدا عزْمُ دينو على الذهاب إلى كردستان مجسِّدًا لتجديد الأمل.

غير أن هذا التأويل سيأخذ منحىً آخر إذا نظرنا إلى مَمْ ودينو نظرة مغايرة لا نستسلم فيها للطريقة الظاهرية التي عرضهما الكاتب بها، فالموت الذي يُفترض فيه أنه يفرِّق بين الناس ويفصل الميت عن الآخرين لم يستطع أن يفرّق بين التوأمين: دينو و مَمْ، فهل كان التوأمان شخصًا واحدًا، أي أن دينو هو مَمْ وأن مَمْ هو دينو؟

أغلب الظن أن الاثنين في هذه الرواية شخص واحد، وقد بثّ سليم بركات في ثنايا روايته إشارات شتى تقود إلى هذا الظن، ولعل الاسم الذي اختاره لكلٍ من الأخوين يمثل أولى هذه الإشارات، فـ"مَمْ" في الحكاية الشعبية الشائعة في المجتمع الكردي عاشق يُضاهي عشقه وألمه الذي لقيه بسبب حبه ما كان يجده مجنون ليلى في الموروث العربي، فأصبحت التسمية به دالة على "حالة" العشق بدلًا من دلالتها على "إشارة" الاسم إلى شخص معين.

وأما دينو الذي يعني المجنون كما ذكر بركات نفسه ][37 فإنه شكْلٌ محوَّرٌ لكلمة "دِين" أو "ديوانه" الكردية التي تُطلق عادة على مَن جُنَّ بسبب العشق أو تظاهر بالجنون بغض النظر عن موضوع عشقه، وهذا يعني فيما أحسب أن سليم بركات استغل ارتباطَ الاسم بالعشق، أي مَمْ؛ مرةً؛ والصفةَ التي تلازم العاشق في حالته الوجدانية؛ أي الجنون أو دينو؛ مرةً ثانية، وحين نقرن العاشق بصفته يصير لدينا اسم واحد هو: مَمْ المجنون عشقًا، أو: العاشق المجنون، بيد أن الكاتب فصلهما عن بعضهما فصلًا ظاهريًّا، وعلى الرغم من أن مَمْ يصبح والحال هذه؛ الاسمَ الأولَ وتتبعه صفته التي هي دينو مما يقتضي القول إن ترتيب الاسم ينبغي أن يكون هكذا: مَمْ دينو، جريًا على النسق الكردي المتبع: مَمْ ديوانه، مثلًا، إلا أن سليم بركات قلب الأمر وبنى جزئيات روايته على نحوٍ صار معه دينو الشخصية العيانية الحقيقية وأصبح مَمْ صوتها الداخلي وضميرها وممثلًا لآمالها.

ومن هنا تم تكريس القسم المخصص لـ"مَمْ" من الرواية لتبيان تطلعات دينو ومعاناته وأحلامه، ولكن لا على أنها جزء من تكوين دينو مباشرة بل على أنها أفكارٌ لفتى آخر اسمه مَمْ، وما دام مَمْ يمثل حلمًا، والحلم يفتقر إلى الكينونة المادية، فإن هذا القسم خلا من وصف مَمْ جسمانيًا، وتم في القسم المتعلق بدينو من الرواية سرد تفصيلٍ لنشاطاته اليومية المعتادة من قبيل مشاركته أباه في مجالسه الليلية مع أصحابه ومصاحبته له في السوق وانضمامه إلى أفراد العائلة وقت تناول الطعام وحواراته مع أخواته ومراجعته لمكاتب السفر ومراكز الشرطة والمستشفيات... إلخ، ولهذا سرَّب سليم بركات في صفحات مختلفة من الرواية نُتفًا من الملامح الجسمانية لدينو وخاصة لون عينيه ونحافته: "وكلما قطع الشاب -أي دينو-؛ ذو العينين الخضراوين؛ خمسين مترًا؛ فيما طوَّق خصرَه النحيل بيديه مستطلعًا..." *][38

ومما يعزز الظن بأن مَمْ ودينو شخصية واحدة أننا لا نجد حوارًا مباشرًا بينهما إلا في الصفحات الأخيرة من الرواية حيث مات مَمْ، وهو حوار لا يتعدى كونه رؤيا أو خيالًا، وفيما عدا ذلك فإن تردد اسم كل واحدٍ منهما على لسان الآخر كان من طريق التداعي، أو عن طريق سرد سليم بركات لِما كان يحدث بينهما، ومن هذين الطريقين نقف على بعض التفصيلات أو الدلائل الإضافية بشأن وحدة الاثنين، من ذلك أن مَمْ كان يتمنى عندما كان في جزيرة قبرص أن يكون توأمه دينو معه على الرغم من أن وجودهما معًا يثير بينهما المشاحنات، "لكن مشاحنات مفترضة أفضل، على أية حال، من انتظارٍ على هذا النحو، ومن يدري فلربما صرنا مطيعين، يهادن أحدنا الآخر، كأن يقول لي مثلًا: لم يعد بقاؤنا مهمًا يا مَمْ فلنرجع؛ ولأنني مطيع؛ بحسب افتراضي؛ فإنما أنكبُّ على جمع كل ما تقع يداي عليه من ثياب..." *][39

وحين افترض أن يكون دينو هو المطيع قال له: "لماذا لا تتزوج يا دينو؟ وأضيف: صاحبة الحذاء العسكري" *][40، وافتراض طاعة أحدهما للآخر هو في الواقع استسرارٌ لصراع بين نزعتين في قلب واحد وتضحيةٌ بإحداهما يمثلها التخلي عن العناد الذي يتصف به التوأمان، ومن التداعيات هذه أن مَمْ كان يظن نفسه طائرًا تحت نظرات أخيه: "ولم تكن بي رغبة لأرتفع عن الأرض أكثر من شبر؛ فأنا مفتون ببقائي أسيرًا تحت نظرات أخي؛ في تحليقي بجناحين قصيرين، كأنما أنا وتوأمي دينو في مطاردة فكِهة: هو ابن آوى، ولي جناحا غرنوق ضعيف وجسم إوزة؛ لم يكن أخي يدركني؛ ولم أكن أنجو..." *][41.

وسرد الكاتب لنا طرفًا من هذه الحالة ولكن على أنه كان يراود دينو، فقد همس لنفسه في موقفٍ ما: "لن تسبقني يا مَمْ، لكنه لم يكن متأكدًا – بالطبع – من تهديده، لأنه كان يخوض السباق الغامض في مكانٍ ما من أعماقه بأطرافٍ أربعةٍ وليس بساقين آدميتين" *][42، وليست أعماقه غير مَمْ الذي صوره بركات وكأنه أصبح ابن آوى، كما مر بنا سابقًا، وإذ ظل دينو في هذه المعاناة الداخلية فإن أعماقه المتمثلة بمَمْ ظلت على حالها المضطرمة المحبوسة، وهذا هو الذي يفسر لنا قول بركات وهو ينفي أن يكون مَمْ قد أصبح ابن آوى أو أن يكون غادر موضعه: "كان امتحانًا حقيقيًّا أن لا ينزل مَمْ تلك الليالي الأربع، من فوق السطح، وهو يتشبث بالفراش، كل ليلة منها، بمخالبه، كاتمًا عويل ابن آوى في حنجرته التي عليها أن تجاري العويل البعيد لسربه في الحقول الغربية" *][43.

وقد روى دينو جانبًا من الواقعتين الآنفتين: التخلي عن العناد، وصيرورته ابن آوى مثل مَمْ، لأبيه بعد موت توأمه، وقد سردهما عليه على أنهما تراءتا له في أحلامه: " أبي؛ رأيتُ مَمْ مرتين في أحلامي، قبل أيام؛ كنا معاً في جزيرة قبرص؛ كان يقنعني أن أتزوج، ثم وقف كأنما يحتفظ لنفسه وحدها؛ ببقيةٍ من حلمه الذي يتردد فيه اسم ذات الحذاء العسكري؛ لا أتذكر تحديدًا أكان هذا الحلم هو الأول الذي رأيته، أم الحلم الذي كنت أتبعه فيه على يديَّ وقدميَّ معا، كان مَمْ مع أربعة رجال يطرقون بوابات البيوت سائلين عن شخصٍ ما؛ وأنا كنتُ أمشي على قدميَّ وساقيَّ؛ دائمًا أمشي على قدميَّ وساقيَّ؛ في أحلامي مع مَمْ يا أبي" *][44.

وهذا النص فيما يبدو لي واضح الدلالة على أن مَمْ هو ضمير دينو وأعماقه ودنياه الداخلية، ولكن سليم بركات فصلهما؛ لأغراض فنية بطبيعة الحال، وهو يعلم أنهما عبارة عن صوتين لشخص واحد، ولهذا فقد صار طبيعيًّا أن يُحِلَّ أحدَهما مكان الآخر في بعض الأمور التي مرَّت بنا، أو في كون مَمْ "موعودًا في صيف سنته الأخيرة هذه أن يعمل سائقًا على بيك آب يملكه شيرو بابان المنحوس"*][45، وأن يعزو هذا الوعد في مكان آخر إلى دينو حيث قال: "لكن دينو كان تعلَّم دون مهارة أن يقود بيك آب خاله؛ وكانت تلك القيادة كافي على أية حال، لأن يقرر شيرو بابان؛ رجل الحصادات الضخمة غير المحظوظ؛ تشغيله في موسم الحصاد كسائق"*46*][.

ولئن سلّمنا أن مَمْ هو ضمير دينو لأدركنا أن الرحلة التي قام بها ودورانه ستة أعوام بحثًا عن الرجل الكبير إنما كانت رحلة ذهنية؛ أو تفجرًا لرغبة دينو العميقة، وإن هذه الرغبة لم تجد طريقها إلى التنفيذ الفعلي إلا في الصفحات الأخيرة من الرواية، غير أن هذه الرحلة؛ وقد تم القيام بها أخيرًا؛ مختلفةٌ في الباعث عليها وفي هدفها عن الرحلة التي قام بها دينو داخليًّا ونقلها سليم بركات على أنها رحلة مَمْ، فأما الباعث فهو انهيار أعماق دينو: موت مَمْ، وأما الهدف فهو السلوّ عن مأساته والهرب من نفسه، أو هو الشعور بضرورة أن يقيم دينو ما انْهارَ وأن يرممه ثانية.

وبهذا تتسق الرحلتان: رحلة مَمْ "عقد العزم" ، ورحلة دينو "الإقدام والتنفيذ"، والرحلتان بطبيعة الحال ليستا سوى رحلة واحدة ولهما عُدّة واحدة، فقد فتح مَمْ بعد ذهابه إلى جزيرة قبرص حقيبته وأخرج منها ملابسه كلها فـ"عَلَتْ في قاعها المعتم بغتةً؛ ريشةٌ رمادية صغيرة دارت حول نفسها ثم تمايلت في انحدارها لتستقر على القاع ذي الثنايا الظاهرة في خشونة" ][47، وراح يتساءل عمن وضع هذه الريشة بين ثيابه؛ وهو التساؤل ذاته الذي عرضه دينو حين قرر السفر ليبتعد بعد موت مَمْ عن المكان الذي كان يجمع بينهما: "للمرة الثانية؛ هذا اليوم؛ أجمع ثيابي القليلة في هذه الحقيبة ذات القاع الخشن؛ وها أنا إذ أحزمها الآن قبيل الظهيرة؛ أعيد الريشة الرمادية الصغيرة التي تطايرت من قبل إلى مكانها في قاع الحقيبة المعتم؛ لا أعرف من أين سقطت تلك الريشة بين ثيابي المحزومة في الحقيبة؛ لكنها علت بغتةً أمام عينيَّ حين فتح أبي الحقيبة غاضبًا " ][48.

ومن الملاحظ أن الواقعتين متطابقتان إلى حدٍّ كبير في أجزائهما، والريشة التي تساءل الاثنان؛ أو بالأحرى أعاد دينو التساؤل عمّن وضعها في الحقيبة هي تلك التي التقطها دينو نفسه إثْر لحظةٍ من التأمل" وقد عمد من فوره إلى حقيبة ثيابه ذات القاع الخشن وألقى الريشة فيها ثم أحكم إغلاقها" ][49.

فدينو- إذن – هو الشخصية الجوهرية والمحور الذي تدور الرواية عليه، ولكن سليم بركات وجّه عنايته إلى دواخل هذه الشخصية واستبطن آمالها واستجمع تفصيلاتها ليهبها هيكلًا آدميًّا اسمه مَمْ وليجعله ثمة جزءًا من عنوان الرواية: "البراهين التي نسيها مَمْ آزاد في نزهته المضحكة إلى هناك"؛ وأنسنة الضمير؛ أو الأعماق؛ وفصله عن صاحبه هو الإجراء ذاته الذي اتبعه في "فقهاء الظلام" حين فصل بين الملا بيناف وذاكرته بيكاس.

إن مَمْ لا يمتلك وجودًا ماديًّا في رواية الريش، وإذ أورد الكاتب نسبه هكذا: مَمْ آزاد؛ فإنه رمى – استئناسًا بكون آزاد اسم علم في اللغة الكردية لا لقبًا - إلى أن مَمْ الذي هو ضمير دينو في الرواية إنما هو ضمير أبيه في الوقت عينه؛ ليكفل بهذه الطريقة الإحاطة بضمير الكرد وأعماقهم كما أحاط من خلال بيكاس بذاكرتهم.

*ولقد رجحتُ من قبل أن هذه الرواية وُضِعتْ لرسم الهدف من بناء الموقف وما يرافقه من أحلام؛ ولكن الأحلام هذه أُصيبتْ بنكسة فاجعة كنّى عنها سليم بركات بـ "موت مَمْ"، وربما كانت هذه الفاجعة في 1975م وكانت صدمتها شديدة ووجيبها طاغيًا، ولهذا قال في آخر روايته: "كانت كل المحاورات التي تجري في البيوت وفي الشوارع وداخل الشخص الواحد مسموعة ذلك المساء لمن يريد أن يُصغي إليها"][50، وأصغى إليها كثيرون منهم سليم بركات الذي وعى منها ما دار داخل الشخص الواحد (دينو) وهو ذاته ما كان يدور داخل كل شخص، وأقام عليه بنيان هذه الرواية: الريش.

التدقيق اللغوي: ريم المطيري

د. عباس توفيق

قديم 09-14-2016, 11:11 AM
المشاركة 47
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
31 يوليو 2016
سليم بركات.. غنى أم بذخ لغوي؟
مناف زيتون - صحفي وكاتب من سوريا

أعلم أن حديثي سيزعج الكثيرين، وهذه ستكون الحال دائمًا عند الحديث عن سليم بركات، ولكن أرجو أن يؤخذ نقدي على أنه صادر عن قارئ لا كاتب، وإن كان لابد من استخدام المقارنة بين ما أكتب وما يكتب لإسكاتي، أرجو أن تنتظروا حتى أبلغ الخامسة والستين لتكون المقارنة عادلة بعض الشيء.

عند القراءة الأولى لسليم بركات، أول ما ينتابك هو الانبهار من فرادة لغته العربية، ولا بد من التشديد على "العربية" في الجملة السابقة لأن المقصد هنا ليس أسلوبه بقدر ما هو الزوايا المهجورة التي يلجأ إليها من اللغة العربية، بالنسبة لي كانت هذه القراءة الأولى تنقلًا بين صفحات ديوان "الجمهرات"، ثم رواية "فقهاء الظلام"، وبعد قراءة "كهوف هايدراهوداهوس" كان الانبهار أكثر من اللغة بالمخيلة الممتازة التي تبنى داخلها أحداث الرواية، تلى ذلك ديوان "شمال القلوب أو جنوبها" الذي اقتنيته دون أن أكون قد سمعت كلمة عنه قبلًا، لكن ما يدفعني لكتابة هذه السطور هو رواية "هياج الإوز" التي يتحدث فيها بركات عن حكاية عشر*نساء كرديات لاجئاتٍ في السويد يجتمعن أسبوعيًا في منزل واحدة منهن، وتدور الأحداث الأساسية في سنة 2008 تقريبًا، مع استرجاع دائم لحكايات النساء على مدى فصول الرواية، ولنعتبر أن هذا الرأي مبني على قراءة هذه الرواية فقط.

بعد الصفحات الخمسين الأولى من الرواية، راودني لأول مرة الشعور -أو اليقين-*بأن لغته الأم هي الكردية وليست العربية، والسبب هو كون لغته بعيدة عن العربية المستخدمة بالفعل وسهلة الفهم على أي قارئ عربي، قد يجد البعض في لغته المعقدة أو فلنقل المبهمة دليلًا على فرادة أو سعة علم، ولكن برأيي المهارة في استخدام اللغة تكمن في الاكتفاء قدر المستطاع بالأدوات التي تتيحها للتعبير عن معانٍ واسعة، وإن كان هناك من يعتبر أن كل ما في القاموس موجودٌ فعلًا في اللغة، عليه أن يفسر سبب وجود مصطلح "كلمات قاموسية" الذي سيرد بعض الشيء فيما يلي.

لم أفهم سبب إصراره على استخدام مرادفات لكلماتٍ أسهل فهمًا*من التي اختارها، دون أن يكون هناك بالفعل فرقٌ كبير في المعنى، مثلاً يقول على لسان درخو "الواضح أنكِ تذوقتِ قضيبًا أسود دونتِ عليه، بفهمك الواسع، تسع عشرة قبلة، من كمرته إلى خصيتيه..."، الكمرة هي ببساطة رأس العضو الذكري، ولم أعرف معنى هذه الكلمة لولا تكرارها بشكل كبير في ديوان "شمال القلوب أو جنوبها" واضطراري لعدم تجاوزها والبحث عنها في المعجم، كان بإمكانه مثلًا أن يقول ببساطة "من رأسه" أو "من قمته"، وتقريبًا لن يختلف المعنى على الإطلاق، إلا إن شاءت المصادفة أن يفضل أحد القراء استخدام الهندسة الفراغية في تفسير الجملة واعتبار "الرأس" أو "القمة" لا تعني بالضرورة الجزء العلوي غير المكسو بالجلد من العضو الذكري.

يتكرر استخدام هذه المرادفات كثيرًا في الرواية، كما يصر على استخدام الأسماء الجامدة كنعوت، وهو أمر مشرعٌ نحويًا ويقدم حلولًا سهلة للشعراء، أصحاب القافية خصوصًا، ولكنه يربك المعنى كثيرًا، يرد هذا الاستخدام في مواقع من النص لا تحمل الشعرية اللازمة لهذا*التلاعب، مثلًا يقول "ساحةٌ رملٌ" في وصف ساحة مفروشة بالرمل ضمن وصفٍ بسيط للمكان، في حين كان يمكن أن يقال بكل بساطة "ساحة رملٍ" أو "ساحة رملية"، هذا التكرار للاستخدامات أو الكلمات النادرة لم يذكرني بأكثر من النصوص المصرية في عهد المماليك التي تستخدم مثالًا على تفخيم النصوص وتعقيدها كدلالة على انحدار اللغة العربية في ذلك العهد.

استخدام الأسماء الجامدة كنعوت أمر مشرعٌ نحويًا ويقدم حلولًا سهلة للشعراء، أصحاب القافية خصوصًا، ولكنه يربك المعنى كثيرًا

ليست الأزمة في الكلمات المستخدمة أو الأسلوب الذي يختاره الكاتب للتعبير عن الأفكار أو الأحداث، مجرد وجود الكلمة في القاموس يشرع استخدامها ولكنه لا يبررها بالضرورة، نص الرواية وصلني خاليًا من المشاعر، كما لو كنتُ أقرأ تقريرًا للشرطة وليس رواية تتناول آلام عشر نساءٍ دفعة واحدة، في الصفحات الأخيرة، في خطاب شتولا الذي تتخيله تاسو، والمكون من عشرات العبارات التي تبدأ بـ "فروج لها طباع.."، ومن ثم "فروج تتصرف كـ.."، وتنتهي بتتماتٍ مختلفة، لم أستطع تخيل بركات في هذا المقطع يكتب بنهمٍ أو بانفعالٍ مكررًا المقدمات بهوسٍ، بقدر ما تخيلته يستخدم اختصاري "نسخ" و"لصق" من لوحة المفاتيح.

قبل أيام من كتابة هذا الرأي كنتُ أنقح نصًا للنشر في موقع "بلوكة*.كوم"، ووردت في النص كلمتان لم أفهم معناهما، أحدهما تبين أن الكاتب أخطأ في تصريفها، أما الثانية فلم أجد لها أثرًا في المعجم الذي أستخدمه عادةً، وبعض المعاجم الأخرى أوردتها ولكن بمعنىً مختلفٍ عن الذي أراده الكاتب، وعند سؤاله عن مصدر الكلمة، أكد لي أنه قرأها في كتاب لسليم بركات، ويكفيه (وبرأيه يكفيني أيضًا) ذلك ليكون متأكدًا من معناها، وأنا شبه متيقنٍ من كون هذا الأمر يحصل كثيرًا عند الكتاب الشباب الذين يتسرعون بالتأثر بالأسماء الكبيرة دون التيقن من صحة -أو جمال لنكون أدق عند حديثنا عن الأدب-*أساليب أو أدوات هذه الأسماء، والأسوأ أن هذا الأثر قد ينسحب خصوصًا على من يكتبون بالعربية دون أن تكون لغتهم الأم، وما قد يحتاجونه من رجوع إلى المعاجم للتعبير عن مفرداتٍ لا يعرفون ترجمتها الدقيقة عن لغتهم الأم إلى العربية.

أعلم أن هذا الرأي سيكون صوتًا يتلقاه الجدار، كونه يصدر عن كاتبٍ لم يمضِ خمس سنوات في كوكب النشر مقابل كوكبٍ مستقل كسليم بركات، ولكن لا بد من محاولة -وهي أضعف الإيمان-*تجنيب الكتاب الذي يكونون أسلوبهم الآن من الوقوع في الإعجاب الأعمى بكاتب هائل -لا أنكر مئات ميزات كتابته الأخرى-*كسليم بركات، كي لا ينتهي الأمر بقرائها أكرادًا لا يتكلمون العربية تتلى عليهم نصوص "الجمهرات"، وما لم ننتقد سليم بركات، لن يتاح لنا الحصول على سليم بركات... آخر.

قديم 09-21-2016, 11:54 PM
المشاركة 48
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
ضيف الحلقة - سليم بركات، كاتب وشاعر سوري
تاريخ الحلقة 08/01/2001
سليم بركات

منذ ثلاثين سنة وأنا على أبواب دوائر الهجرة، للحصول على إقامة، ما تقدم سدى.
أنا تركت بيتي في مرحلة كتير مبكرة من حياتي كطفل حتى، الطفل كان بيحس نتيجة الضغوط الهائلة عليه بإحساس أن يترك عائلته وهو طفل بعد، مسألة الهجرة كانت تتراكم عنده وهو في سنوات عمره الصغيرة جداً، الطرية جداً، مسألة التخلص من العائلة مش مثل الآن بمعنى الاستقلالية، بس طيلة 18 سنة، لا، على الإطلاق، نتيجة تراكمات ضغوط، وقهر وكبت كان الطفل يتمنى أن تلتغي العائلة، أن تموت العائلة من أجل أن يستقل، أو أن يتحرر كونها هي سقف من سقوف القمع.
"كنا صغاراً يا صاحبي، صغاراً جداً مثل فراخ الأوز واقفين على طرفي الشارع كسطور الكتابة، وكان ثمة هرج كبير، هرج مهول، وكان المعلمون الذين يقفزون بين الصفوف ملوحين بعصيهم أشبه بقطط مذعورة يصرخون: انتبهوا، لوَّحوا بأيديكم حين يمر الرئيس، ومَرَّ الرئيس، مر وسطنا ملوحاً بيديه ثم اختلطت الصفوف الهندسية وراء الموكب وتحولت إلى كتل سوداء متدحرجة عنيفة في فوضاها، سقطت على الأرض مراراً، تصطدم بي الأجساد والأرجل وأنا أجاهد للخروج من البحيرة الآدمية، وحين وصلت إلى البيت كان وجهي أقرب إلى التراب منه إلى وجه طفل.. سليم بركات".
سليم بركات:

كنت دائماً بعد هجرتي من سوريا أقول هذه آخر هجرة، في لبنان بنيت علاقات، كنت قريب من الناس، بعيد عن الناس، بنيت صداقات، بنيت عداوات مثل ما أي شخص بيبني وبيهدم في مكان ما إلى أن جاء القدر الإسرائيلي وأخرجنا من هناك، أول ما وصلت إلى قبرص كان الشيء اللي بيعذبني جداً إن أنا خرجت من لبنان، كان شيء معذِّب، كان المعذب أكثر أني فقدت مكتبتي، كانت تحوي كتباً فعلاً أحبها، فعلاً أحبها، جمعتها مثل ما تجمعي طوابع نادرة، لما تركنا لبنان تركت هاي المكتبة وراءي، احتفظت فقط بكتب قليلة جداً هي عبارة عن متر مربع، هاي المسألة عذبتني جداً مثل العذاب اللي أنا فقدت فيه حقيبتي بين تونس وروما اللي كان فيها كل أرشيفي الشخصي من الصور، من المقالات، وكتاب شعري عن الحيوان ضاع برمته، بعدما تعودت على المشهد القبرصي، واتخذت الزاوية الممكن النظر منها إلى روحي هناك، وزرعت في المكان اللي عشت فيه 225 شجرة يعني كان سهل على العالم أن يقدم لي هذه المعجزة الرخيصة جداً، بلا هذا التشرد الثاني وأنا يعني 49 سنة على أبواب مجهول ثاني..، هجرة ثانية، هجرة ثالثة بالأحرى، كنت أتمنى أن تستمر إقامتي في قبرص، وكان ممكن أستمر في الإقامة في قبرص لعشرين ألف سنة ثانية لو كانت فيه معجزة تافهة ورديئة اسمها 500 دولار، عشت ست سنوات بعد ذلك في الحد الأدنى للمعيشة، مقالتين للحياة، وبعض النقود التي تجلبها زوجتي من عملها في نشرة سياسية (رسمتها)، وجدت نفسي في الطريق..، يعني أواجه طريقاً مسدوداً، اقترح علىّ البعض أن ألجأ إلى السويد كونها دولة تنظر برأفة أشد إلى واقع الكُّتاب، فقررت أن أستغل وضعي هذا وأتقدم بطلب اللجوء السياسي، هكذا استقررت، مش استقررت.. لا، هكذا وصلت إلى السويد، إذا رفض السويديون إعطائي يعني الإقامة أو اللجوء السياسي، طبعاً لا يستطيعون طردي على الإطلاق لأنه لا أحمل أي وثيقة تخولني من الخروج من هذا البلد، ولا تخول أي بلد أيضاً أن يستقبلني، يعني سأبقى معلقاً هنا في وضع ما لا أعرف، أنا مش باستكهولم ولا بقبرص، ولا ببيروت، ولا بسوريا، فكرت بمسألة المنفى على هذا النحو اللي الناس بيحكوا عنه، اعتبرت المنفى دائماً المكان اللي ما بيخليك تكون أنت، المكان اللي ما بيتيح لك أي حد أدنى من الحرية، المكان اللي بتكون فيه رقابة على كلامك المكتوب وكلامك المنطوق، رقابة على حركة جسدك، أنا ما عانيت في بيروت رقابة، حسِّيت بمنفى على الإطلاق لأنه كان فيه حد وهامش ما من الحرية عندي، هامش ما من الحرية ما ممكن أشوفه في سوريا على الإطلاق، لذلك كان ممكن اعتبر سوريا منفى، وبيروت حريتي، خرجت من بيروت وجدت حريتي في قبرص أيضاً، لا رقابة على حركة جسدي، لا رقابة على حركة كتابتي، لا رقابة على خيالي، الآن أنا في السويد بالتأكيد هو بلد يعني أكثر حرية من أي مكان آخر ما تكون فيه رقابات عليكِ، بَس بدَّك وسط هذا الحرية، وسط هذه الحرية نوع من الاطمئنان، يعني نوع من الأمان أيضاً في الإقامة، وفي الخبز.
دائماً لي علاقة تشكيلية مع تفاصيل الأمكنة، بحياتي ما شفت تفصيل منعزل عن فكرة، أصغر تفصيل له فكرة، له معنى، دائماً هي كتلة من المعاني، كتلة من..، كتلة روحية..، كتلة بتمسني وبأمسها، كتلة فيه حوار ما بيني وبينها بطريقة خفية، بس الحوار موجود، دائماً موجود، بالتأكيد لي علاقة أيضاً في هذا المكان بس فيه.. فيه خلل بالعلاقة الروحية ما بأعرف أنا كيف أوصفه، كيف أقدره لأنه مسألة غامضة، زي مشاهد بتحسي ذات يوم أنتِ كنتِ عايشة في مكان ما بحياتك ما رحتِ له، فيه شيء ما..، ما بأقدر أوصفه بعلاقتي، في سهولة علاقتي مع بيروت المعقدة جداً، أو أوصف علاقتي السهلة جداً مع بلد ريفي مثل قبرص بدأ يتحول إلى بلد معقد، جيت إلى هذا المكان لقيته معقد Completely مِسَكَّر بتعقيداته، بنفس الوقت ما عندي أي علاقة أو منفذ على روحه حتى أعرفها.. حتى أتعود شوي على روتين الروح تبعها، بس ما باعرف هو إقبالي على مكان القانون.. القانون تحديداً بيحدد فيه كثير علاقتك فيه، مش العلاقة الإنسانية، قوانين بقوانين بقوانين كتير لها قوانين، أنا ماتعودت عليها، يمكن مسألة طبيعية جداً لشخص عايش هون بعد سنة أو سنتين يتعود عليها، بس لأنه أنا عشت كل عمري هناك في الجزء البسيط من هذا العالم، اللي دائماً كنت أشوف تفاصيله البسيطة أكثر تعقيداً من هذا البلد، بس تفاصيل هذا البلد البسيطة جداً خَلَّت الكتلة كلها معقدة أكثر من أي تفصيل صغير في هذاك المكان ما بأعرف كيف بأوصفه، أنا فيه (مخارجة شوية، بعدين يخرجوه) عموماً بأراقب العالم من الشباك، كنت على الأقل في قبرص أراقب العالم من الشرفة، كان عندي عراء وحشي ممتد إلى ما لا نهاية هناك في نهايته الأتراك بس وأنا كل ما بأتطلع بأشوف نوارس، أكثر الطيور صخباً في حياتي شفتها النوارس
تقلبات الطقس هون، يعني خاصة بالصيف، شيء محيِّر، كأنكِ في غابة استوائيَّة، كأنكِ في غابات الأمازون، ها، عم تسمعي المطر؟ هلا عم تسمعي المطر؟ Ok.
هو ده المطر ورا، هذا مش هذا المطر كان ممكن يخلب عقلي وخيالي لو شفته في قبرص، كنا نستناه تسعة أشهر من الصيف الحامي المدجر على أصوات الزيزان، لا نشوف غيمة تمر بنقول: يارب بِدِّنا تنقط، بتنقط نقطتين وبتروح لمكان تاني.
هون كل الغيوم اللي بتمر بتمطر، ما فيه غيمة إلا بتمطر وبتروح، تدفع الضريبة وبتروح.
أولاً: أنا من الأشخاص اللي بيحبوا المناطق اللي بتحدث فيها ثلج، ودائماً حنيني أمكنة فيها ثلج، بس اللي حصل فترة الانتظار الطويلة خلت الثلج ما له معنى عندي، كنت بأحب الأمكنة اللي فيها غابات، بتلاقي هون في استوكهولم مدينة جميلة جداً كمشهد طبيعي، تاركين مساحات من الحدائق بين البيوت إلى درجة مختلطة الوحشة بالحضارة بالمدينة، أنا شجرة ما كانت في قبرص بتعني لي خيال غير معقول، مشهد غير معقول، كثافة الشجر هون ما عنت لي شيء، كنت أستنى بس غيمة تمر بقبرص أصير أرصد تاريخ هذه الغيمة، تمر غيوم وتنزل أمطار في هذا البلد ما أحس لها علاقة لا بتاريخ الغيمة ولا بتاريخ المطر اللي عم ينزل، فيه شيء ما ضائع الآن، لا الحق على استوكهولم ولا الحق عليّ، الحق على المصادفة اللي جمعتنا بها الطريقة المؤلمة شوية.
هذا لا يشبه الشمال اللي كنت أحكي عنه، فيه شمالين متناقضين.
***
"والشمال امتحان.
جهة الضجر الكبيرة سيدة الجهات في امتحانها.
تأخذ كل شيء لتعطيك البسالة والتهور.
وفي أضعف حال تجعلك وكيلاً على ملك لا يُرى، أو حارساً للهواء.
مصادفات متواصلة في شمال لم يكن وجوده إلَّا مصادفة.
إذ لم تكن للأرض من قبل إلاَّ ثلاث جهات".
علاقتي بالمكان هو علاقة اللي بيتيح لي فيه هذا المكان أشوفه بطريقة حر أكثر أن أكون، أقعد على ورقي أشوفه داخل ورقي الأبيض، في هذه الهاوية البيضاء أشوفه فيه، ألتفت حواليَّ ما ألاقي فيه شيء ما يترصدني أنا شخصياًّ، ما ألاقي منغص ما يحول هذا المكان إلى شوية كابوس.
بالنسبة إلى الإنسان العادي يمكن أكثر بينخلع لما يتنقل بين الأمكنة، بينما إقامة الإنسان الكاتب عموماً في ورقه الأبيض هي ثغرة بيضاء عمياء مفتوحة مثل الزمن نفسه، بالأسطر aيعيد ترتيب هذا الزمن، بالأسطر بيعيد خلخلة هذا الزمن، بيعيد صياغته، بيعيد تركيبه، بيمسكه، بيلجمه، بيوقفه، أحياناً بيلغيه.
كان ممكن أن أكتب بالكردي مثلاً لو أنا عندي يعني موهبة أكثر مثل أقراني الأكراد الثانيين، تعلموا اللغة الكرديَّة في المنفى، وتعلموها بإتقان، بس يمكن كان إحساسي إنه ما دمت أقدر أعبر بأي لغة عن نفسي، سواء بتهمني إذا كانت هي اللغة لغة الأصل أم لا، أو اللغة الوافدة، وكون اللغة العربية بالنسبة لنا ما كانت لغة وافدة، لغة موجودة دينياً، هي مش لغة فرنسية جاية على الجزائر، على الإطلاق، هي لغة الدين، هي لغة الفقه، لغة الشريعة، لم أجد..، يعني لم أكن غريباً عليها، ثم وجدتها لغة غنيَّة جداً، يمكن التعبير بها عن خصوصيتي ككردي أكثر حتى من اللغة الكرديًّة، كل ما وجدت في لغة ما فضاء شاسع للتعبير عن نفسك كإنسان بالتأكيد بتعبري عن نفسك بطريقة أجمل وأقوى، وكانت اللغة العربيَّة من الشساعة ومن السعة ومن الثراء إلى درجة أستطيع أن أعبر بها عن كرديتي، إلى الحد، لن أقول الحد الأقصى، أبالغ لكن إلى الحد الضروري للتعبير عن نفسي، حوَّلت اللغة العربيَّة معي إلى هويَّة كرديَّة.
"ذهبت في اتجاه شريك منعني عن اللغة الكرديَّة فذهبت إليه متسامحاً بلغته التي هي اقتداري على تدبير حريتي في بلاغتها، وتدبيري هويتي في نبلها الأعمق مستغلاً استغلال العاشق تواطؤها مع أعماقي على تدبير المعنى الذي يستحقه كردي في الإشارة إلى دجاجات أمه وتبغ أبيه".
وطني الحقيقي هي لغتي، ما بأقدر أشوف حدود أكتر منها، ولا علاقات أكبر منها، ولا حريَّة أكثر، أنا عايش هناك، ومستقل هناك، ومالي جمهوريتي بقواعد الإعراب العربيَّة.
"لأنكثن بوعدي إذاً.
فالشفاه التي تردد الكمال الصاخب تردد الموت.
والموفدون إلى هذا الليل ليبنوا أدراجه اللولبيَّة يبعثرون الرخام الذي حملوه.
أمَّا المشهد المقام على أنقاض حاله فهو على حاله.
والحلة على حالها.
والموت وحده الأكثر وحدة بين الأسرى.
لكن ما الذي يفعله الموت هنا؟
ما الذي يفعله الموت السكران ذو الدوار الأشد وهو يرمي بثيابه إلى الأرواح؟ ما الذي يفعله الموت المسطر بأقلامه على الفكاهة النائمة، كورقة مديدة بين شعر نائم وأنين يقظان؟
ما الذي يفعله الموت شريكي في هذه البرهة التي تتأصل بجذور كجذور التين، وبراعم من شعاع ينثر المغيب على أثداء شقيقاته؟
ما الذي يفعله الموت القادم بي إلى هذره؟
ما الذي يفعله الموت الذي أضجر الشهود بهرجه.
وخرج مع الخارجين من الباب ذاته يفضي إلى الحياة؟
ما الذي يفعله بالموت أسيري.
وأنا الحائر في تدبير زنازين مضيئة تليق بأسراي وبي؟
أتتمهل الحقيقة في اقترابها من القيد الذي أشد به رسغي إلى رسغ الريح؟
أما المشهد فليبق على فراغه.
لأنني سأستعجل في إبرام العقد ذاك.
الذي يقدم الهواء غريقاً إلى زبدي.
وسأعلم نفسي مشافهاتها الكبيرة بلسان مقطوع.
فالأمر كله برهة في يقين منكب على الرتوق كإسكافية.
سأبوح بي للأرق الذي يبوح بقدره للمياه.
ستبوح بي.. ستبوح المياه بي للسكون الجالس حافياً أمام مريديه.
وسأقسم الهبات التي رفعها الحريق إليّ
بين اليقين والفكاهة.
سأتقاسم والبرد الضاحك الشتاء أنا اللهبيَّ.
تصبحون على خير.
تصبحون على ألقٍ.
تصبحون على عدم مدرج في قائمة الطعام.
يالروحي المغلوبة على أمومتها!!
هذا ما أقوله وأنا أغادركم من الباب الخلفي المفضي إلى الحياة.
لكن أسراي يبقون هنا في انتظار أن أحرر الأزل من الحُمّى.
وأسراي ملك مشاغلهم.
يدبرون لي عذوبة المضي بالخسارة إلى ألقها.
مباهين بسفن ليست لهم
يبسطون على الأرض أشرعة من خيال الماء.
متموجة كأنما تلد الظلال نسلاً من الحبال المشدودة.
إلى كوثل الفجيعة.
هكذا إلي ألقها، هكذا الخسارة إلى ألقها.
بأسرى يتقاذفون الفجر كالوسائد.
ويتأملون الفردوس المذعورة
متشبثاً بستارة المسرح.

قديم 03-19-2017, 10:05 PM
المشاركة 49
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
ما الذي تخسره الإنكليزية وسليم بركات خارجها؟
عن القدس العربي


منذ نشر الأديب الكردي السوري سليم بركات (1951) مجموعته الشعرية الأولى «كل داخل سيهتف لأجلي، وكل خارج أيضًا» (1973) في بيروت، أحدثت لغة ذلك الفتى الكردي ـ الذي كان لا يزال في الثانية والعشرين من عمره، الدهشة الطفولية تملأ عينيه، والبراءة لم تستطع إخفاء بريق ذكائه وعلو موهبته ـ *أثراً عنيفاً في الوجه الراكد للمشهد الشعري العربي عموماً، والسوري على وجه الأخص، حتى أن أدونيس رئيس تحرير مجلة «مواقف» وقتها، قال عنه: «هذا الفتى الكردي يحمل مفاتيح اللغة العربية في جيبه».
أتى سليم وهو لا يزال في أوائل العشرينات مِن العمر، حاملاً معه لغة شِعرية شديدة الخصوصية، طاغية وآسرة وصارخة، متمرِّدة، مُهندسة ومركَّبة على نحو غير معهود حتى في بيروت التي كانت حينها، في سبعينات القرن الماضي، عاصمة الحداثة العربية.
أظهرت قصائد سليم الأولى موضوعات كردية غير مألوفة للقارئ العربي قبل الغربي. تناول فيها بغرائبية وخياله موضوعات يشتبك فيها التاريخ والجغرافيا، الحكاية والأسطورة. ثم أخذت تتأثر بكل الأمكنة التي حلّ فيها، في نيقوسيا بقبرص، وغابة سكوغوس ـ ستوكهولم بالسويد، ينثر من تراث المكان، حكاياته الشعبية وأساطيره، الإغريقية والإسكندنافية، مازجاً إياها بتلك السمات الأولى من التراث العربي والحكي الشعبي الكردي.
*
أعماله تتنفّس ككائنات حيّة

قصائده ليستْ غير مألوفة في موضوعاتها وفقط، ولكنها كذلك في بنيتها ورؤيتها للغة العربية؛ قصائد تتشكّل وتُخلق مِن جُمَل عصبية مشدودة متوترة مُتشّظية على نحو غير معتاد. وبالإيغال في دفق الشعري منذ بداياته وحتى آخر دواوينه «الأبواب كلّها»، يصبح الأمر وكأنك أمام نهر لا يتوقف عن الجريان. وبدلا من أن يحمل كل ديوان عدة قصائد، أخذ ينحو نحو المزج بين الشعر والنثر حدّ اختفاء أثر لطغيان نوع على آخر، كما في «الكراكي». وحين نصل إلى أعماله الشعرية المتأخرة سنجد الحضور القوي للقصيدة/الديوان «شمال القلوب أو غربها»، «سوريا»، «الغزلية الكبرى»، وصولاً إلى «الأبواب كلها». ثمّة دفق يأخذك في تياره القوي، العنيف، المهندس على نحو يجعلك ذاهلاً أمام كل هذا الخيال المستنبت من كل شيء، من كل كلمة، جملة، وفقرة، حتى أن طريقة استخدامه لعلامات الترقيم تؤثر بوضوح في هندسة النص.
ليست فقط قصائده هي التي تظهر على هذا النحو، بل رواياته أيضاً تتمسّك بالكثير من هذه السمات نفسها وتتجاوزها، لضرورات خلق العالم والحوارات والتنقل بين السرد والمحادثة ومعمار الرواية الذي يحتاج إلى رؤية للنص أكثر شمولاً واتساعاً من العمل الشعري الأكثر ذاتية بطبيعة انشغاله. أعمال سليم الروائية تبدو كنصوص ملحمية من حرارتها واحتكاكات مساراتها؛ وإن لم تنطبق عليها المواصفات التقليدية للملحمة. نجد أنفسنا أمام لغة تتدفق كالطوفان، لكنها في الوقت نفسه تتجنب الاستسهال والميل إلى العادي والمألوف. لغة يظهر عليها كمّ وفير مِن البلاغة والاشتغال الاستثنائي على المفردات والصياغات التي تبدو وكأن سليم ينفخ فيها مِن روحه، فيُحييها من قلب المعاجم المهجورة، ويعيد استخدامها على نحو آسر.
يفرض بركات على النقد الذي يتناول أعماله خروجاً عن المألوف. فنصوصه تقف وحدها في مكان خاص مغاير عن النصوص الحداثية العربية الأخرى. حتى أن الشاعر الفلسطيني وصديقه المقرب محمود درويش كان يسأله بحيرة: «ما مصادر لغتك؟ ما مصادر خيالك؟». كما كتب درويش قصيدته الشهيرة «ليس للكردي إلا الريح»، في «ديوان لا تعتذر عمّا فعلت»، متحدثًا فيها عن بركات؛ وكم يبدو فيها درويش مأخوذاً بكل تفاصيل عيش سليم ونصّه في الوقت نفسه.
*
اللغة العربية ـ وطنه الحقيقي

لا يبدو بركات مُقيماً في اللغة فحسب، بل يبدو وكأنه كائن لغوي. فاللغة عنده هي أرض ودم وشهوات، وهواجس. هي كل هذا الفوران الساخن الذي يجتاح ما يكتب على اختلاف أشكاله. وهكذا ظل الرجل منذ أوائل عشرينات عمره وحتى تخطيه الخامسة والستين يُسطِّر على صفحات أعماله ملحمة الوجود الأرضي، بكل ما تحمله معها من صراعات ومعارك ونباتات وأحجار وحيوانات وشهوات جموحة وأفلاك دوارة.
46 عملاً تتقسّم في واحد وعشرين مجموعة شعرية، وسيرة طفولة، وأخرى عن الصبا، وكتاب مقالات، وكتاب نصوص، و22 رواية، في تراجيديا أدبية ذات خصوصية فريدة ليست في الأدب العربي فقط، بل في الأدب العالمي المعاصر على اختلاف لغاته، في الخمسين عاماً الماضية. ومنذ كان في القامشلي، شمال سوريا، مروراً بدمشق، وبيروت، ونيقوسيا، وصولًا إلى ستوكولهم، ظلّت اللغة العربية هي وطن سليم الدائم. وطنه الذي حمله معه إلى كل الأمكنة التي أقام فيها. ظلّت هي وطنه الوحيد الذي لم يتخل عنه في كل مرة تخلّت عنه الأمكنة.

غويتيسولو: «الريش» وليمة أصيلة

أتذكر حين تُرجمت رواية «الريش» إلى الإسبانية، كتب مقدمة الترجمة الأديب الإسباني الكبير خوان غويتيسولو، الذي قال في نصّ ترحيبي عميق عن سليم بركات كتجربة أدبية، وعن رواية الريش على نحو خاص: «نثر سليم بركات، مثل نثر ليزاما ليما، هو هدية ابتكارات دائمة، وصور مستوحاة، واستعارات أخّاذة، وانعطافات غير متوقعة، وشرارات شعرية، وتحليقات مجنحة. إنه مزيج فريد من الواقع والحلم، الأسطورة والحدث المرير، لا يطيع قوانين الزمان، ولا قوانين المكان».
ويردف غويتيسولو: «يتجول سليم بركات حراً طليقاً في الجغرافيا والتاريخ، حيث المعالم خاطفة ومتبدلة: كردستان، التي راودها الحلم ألف مرّة، تتقاطع مع قبرص الإقامة؛ الطفولة مع الرشد، والواقعي مع الغرائبي. ‘مم’، الشخصية الرئيسية، يتحوّل على مدار الرواية، فهو مرة يصبح عصفوراً، ومرة أخرى ابن آوى، يُحادث البشر والحيوان. وإبداع بركات الأكثر حرّية يعبر كلّ حدود الممكن والمعقول».
ويكمل: «رواية الريش عمل فريد. ونسيجها الغنيّ والجميل لا يدين بفضل لوليام فوكنر أو لغابريال غارسيا ماركيز مثلما اعتدنا أن نقول في محاولة لفهم خصوصية أدب سليم بركات. فكثافتها الأدبية تتغذى من الأساطير، والخرافات، والاستذكارات الصوفية، واستعادة كوارث الحاضر والماضي، التي تعيد نسج التاريخ المُحزن للقرية». ويُنهي غويتيسولو حديثه: ‘الريش’ وليمة أصيلة لنا، نحن النوع الموشك على الانقراض، عشّاق قراءة وإعادة قراءة كلّ إبداع روائي عظيم».

غياب عن الإنكليزية

نتذكّر هذا الحديث، وهذا الإنتاج الأدبي المهول، مع تخطّي سليم الخامسة والستين من العمر، وهو منذ ما يزيد عن الـ 17 عاماً في عزلته بغابة سكوغوس، ضاحية ستوكهولم بالسويد. ورغم تلك العزلة، وجدت أعماله طريقها إلى الترجمة إلى السويدية، الإسبانية، القطلونية، الفرنسية، الكردية ، والتركية أيضًا.
نتذكر هذا كلّه ونشعر بإحباط لأن أحد أكثر الأدباء خصوصية وفرادة ممن هم على قيد الحياة، ليس في الأدب العربي فقط بل في الأدب العالمي، لا يتوفر له عمل كامل متاح باللغة الإنكليزية حتى هذه اللحظة، سواء من أعماله الشعرية أو الروائية. نتذكر هذا كلّه ونتذكر معه الصعوبات التي واجهها جيمس جويس، ومارسيل بروست، وماركيز، وفوكنر في ترجمة أعمالهم.
نتذكر هذا ونفكر في أن الإنكليزية، أكثر اللغات انتشاراً في العالم، لا يزال قرّاؤها لا يستطيعون الوصول إلى أدب سليم بركات؛ وكم يحمل هذا من إحباط لهؤلاء القرّاء، الذين لا ينحصرون في المهتمين بالأدب العربي وفقط، بل يمكن ان يشملوا كل قارئ مهتم بالتجارب الأدبية الاستثنائية المكتوبة في لغات غير الإنكليزية، وفي والثقافات الأخرى خارج الأنكلوفونية.
هل يجب أن ينتظر هؤلاء أن يحصل سليم بركات على نوبل، كي يبدأ وقتها ناشرو اللغة الإنكليزية في ترجمة أي من أعماله؟

ما الذي تخسره الإنكليزية وسليم بركات خارجها؟
محمود حسني

3 Comments To "ما الذي تخسره الإنكليزية وسليم بركات خارجها؟"
ان سليم بركات هذا السوري الكردي هو أفضل من كتب باللغة العربية اليوم التي هي موطنه وموطننا جميعا، هي حاضنتنا وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، لم يبق لنا سواها في هذا الزمن الرديء، ان سليم بركات المبدع وان كان ينحو نحو انفصالية كردية فهو ملتحم مع العربية كما كان امير الشعراء احمد شوقي، وعباس محمود العقاد، ومحمود تيمور، وجميعهم اكراد وسواهم ممن ساهموا في رفعة الادب العربي، ونحن نفتخر بهم جميعا فهذه اللغة المقدسة لغة الضاد هذه اللغة المحيط التي كلما غصت فيها اكتشفت عوالم كثيرة ولم يتجرأ احد ان يقول بأنه يلم بها سوى المتنبي الذي قال انام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم، وحتى سيبوية صاحب الكتاب قال اموت وفي قلبي شيء من حتى، واعتقد شخصيا ان الشخص الثاني بعد المتنبي من يحق له ان يقول ذلك هو سليم بركات

#2 Comment By منى-الجزائر On Mar 19, 2017 @ 8:32 am

امبراطور اللغة العربية بلا منازع….

#3 Comment By سعيدة On Mar 19, 2017 @ 5:22 pm

“الشخص الثاني بعد المتنبي”… !!؟؟
“امبراطور اللغة العربية بلا منازع″… !!؟؟
هذا هو التقييم الأدبي العربي النموذجي…
إما صعود إلى قمة القمم… وإما هبوط إلى أسفل السافلين…
ليس هناك حلول وسطى على الإطلاق…
كما يقال في اللهجة السورية الحلبية الشيّقة…
“لك إشُّو هاد… إي تخَّنتوها كتير يحرئ حريشكن”… !!؟؟

قديم 05-22-2017, 02:47 PM
المشاركة 50
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
"سبايا سنجار" لسليم بركات.. رواية نقمة وغضب
متعلقات
سليم بركات.. اعترافات القتلة وعبثية الجريمة والعقاب
"حمام زنوبيا".. ملحمة النشيج السوري
"كان الرئيس صديقي".. رواية الثورة السورية
"عائد إلى حلب" ودوامة العنف الطاحنة
رواية "الريش" لسليم بركات بالفرنسية

هيثم حسين
مدفوعا بالغضب مما آل إليه واقع الحال في سوريا والعراق، ومسكونا بالنقمة على السياسات التي أدت إلى تفتيت المنطقة وتشريد أهلها وتدمير حضارتها وتشويه معالمها التاريخية ينسج السوري الكردي سليم بركات (1951) أجواء روايته "سبايا سنجار" ويصور فيها جزءا من الدمار الذي حل ببلدة سنجار وأهلها الإيزيديين، خاصة من النساء اللائي تم أسرهن وسبيهن على أيدي عناصر تنظيم الدولة الإسلامية.
يكتب بركات المقيم في السويد منذ سنوات روايته (2016) بطريقة مباشرة لا تحتمل تأويلات كثيرة عن يأس التاريخ، عن مكره القاسي بالشعوب، عن الذهنية الطائفية التي تقود حاكم سوريا بدعم من الولي الفقيه الذي جمع مليشياته الطائفية من عدد من الدول لمحاربة السوريين الثائرين، والرئيس الروسي بوتين الذي يسميه "حفيد راسبوتين" والذي يحاول بناء أمجاد مأمولة على أنقاض أمجاد ماضية.
يحكي صاحب "فقهاء الظلام" على لسان راويه الرسام التشكيلي سارات الذي يسرد*يومياته عن حنينه وولعه ببلده الذي رحل منه منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، لكنه ظل مسكونا به وبقضاياه ومستجداته، خاصة بعد الثورة التي تم تحويلها لحرب شرسة ضارية يخوضها النظام وأعوانه على الشعب الثائر، ثم تدخل أطراف دولية كثيرة وتحول البلاد لساحة حرب مفتوحة.
يجري بركات تداخلا بين التشكيل والأدب من جسر الخيال ويجمع أرواح عدد ممن قتلوا بطرق مختلفة في العراق وسوريا في عالم ما بعد الموت الذي ينفتح على سجالات سياسية وفكرية وتاريخية بين أطراف كانت متناحرة ومتقاتلة تقدم افتراضاتها ورؤيتها السابقة وتحامي عنها، وتستعيد مفارقات من حياتها الماضية قبل الموت وما كانت ترزح تحته من جنون.

غلاف "سجناء جبل أيايانو الشرقي" لسليم بركات*(الجزيرة)
فخاخ الضلال
تشكل العتبة التي تتوه فيها أرواح المقتولين والضحايا ممن ضلت بهم السبل، أو وقعوا في فخاخ الضلال مرآة للواقع الأسود الذي يفر منه ضحاياه إلى غدهم الضبابي، بحيث يقعون فرائس للذعر والتوجس والقلق والجنون، يبحرون في عالم من الشكوك والظنون من دون أن يكون لهم تجسيد حي يضمن تأثيرا مفترضا.

الراوي سارات رسام كردي سوري يعيش بالسويد، يدخل في سجالات مع شخصيات تريد اقتحام لوحاته، وبالتحديد نساء إيزيديات وقعن سبايا في أيدي عناصر من تنظيم الدولة وأصبحن يشتهرن بسبايا سنجار.

تقترح عليه إحداهن تصاميم وأفكارا للوحته التي يفترض أن يسميها سبايا سنجار، لتكون حاضنة لمأساتهن ومعاناتهن وشاهدة ناقلة للفظائع التي عشنها وذقن مراراتها ومشقاتها.

يصور بركات مقابل سبايا سنجار عددا من عناصر تنظيم الدولة من دول مختلفة ممن قضوا بطرق مختلفة لا تخلو من تفظيع وتشنيع، ويحكي جزءا من حكاياتهم وأفكارهم عن الجهاد والدعوة ومستجدات العصر، وكيف أنهم يعيشون في عصور ماضية أسرى أوهام قاتلة تفتك بهم.

يخوض الراوي سارات غمار التحليل السياسي المبني على الموقف الأخلاقي مما يجري في بلده سوريا، يكون صدى صوت الروائي نفسه، ناقلا مواقفه التي كتبها في مقالات سابقة له، ويكون مباشرا في نثر لعناته على أولئك الغزاة والمحتلين الذين فتتوا بلده وشردوا أهله في أصقاع الأرض.

هجاء الحكام
بركات الذي سبق له أن عالج وقائع حروب أهلية سابقة بطريقة ملغزة كما في روايته "أرواح هندسية" التي تطرق فيها للحرب الأهلية اللبنانية يحرر أسلوبه في "سبايا سنجار" من ذاك الإلغاز الذي عرف به، وكأن الواقع بمحنه وفظائعه فرض عليه تعاطيا روائيا مختلفا، فتجده يسمي رؤساء دول ويدينهم على مواقفهم ومساهمتهم المباشرة وغير المباشرة في إيصال الأوضاع إلى ما هي عليه بسوريا.**

غلاف الترجمة الفرنسية لرواية "الريش" للسوري سليم بركات*(الجزيرة)
رثاء وطن
يقول سارات بأسى إنه وصل إلى درجة خطيرة من كراهية توجعه، كراهية خلقتها لامبالاة الآخرين بمحنة بلده، ويصرخ*"خذل السوريون في رغبة أبدوها بعد عشرات السنين من نهب الوحش الحاكم أحلامهم أن يكونوا سوريين بلا خوف، كراهيتي بلا حدود للدول، وللمذاهب، وللحاكمين، ولم أستثن من كراهيتي الكثير من أهل بلدي أيضا، هب بعضهم حرسا لحماية حصن العبودية، وانبرى بعض مبشرين للجحيم في الأرض باسم الرب".
يفضح بركات عبر راويه سارات النزعات الطائفية للنظام الإيراني الذي يتذرع بالدفاع عن المراقد الشيعية هنا وهناك، ويتخذها أنفاق عبور إلى تفتيت الدول وتقسيم شعوبها.
المشهد الختامي الذي يرسمه بركات في روايته يبدو منذرا بمزيد من الرعب والغرق والضياع، حيث شخصيات الرسام-الروائي تستدرجه إلى أعماق المياه، أعماق اللوحة التشكيلية نفسها، تقود السجالات والمماحكات إلى غوص في البحيرة، تلك التي تجمع على جوانبها شخصيات هاربة من أتون الحرب وضائعة في عالمها الهلامي، باحثة عن تمثل وتجسيد وحضور في لوحة مفترضة، تكون بدورها إطارا لمأساة مديدة لا تلوح أي نهاية لها.*
لعل بالإمكان توصيف "سبايا سنجار" بأنها رواية نقمة وغضب، رواية رثاء وطن ولعن مغتصبيه ومحتليه، شهادة الروائي على تاريخه وراهنه، إنذاره من المستقبل الذي يتبدى مرعبا بدوره، وقد خفف بركات فيها من لغته السردية الملغزة التي اشتهر بها، والتي باتت سمة من سمات فنه الروائي والشعري، وكأن واقع الحرب والسبي والمحنة والفجيعة والإجرام دفعه إلى التحلي بالمباشرة والتخفيف من الإلغاز.
المصدر : الجزيرة

التعليق الأحدثإظهار 1/1 تعليقات
Dizamمنذ 12 يوم14
مشتاق لقراءة هذه القصة الصريحة الخالية من الالغاز لان كل قصص سليم بركات مليئة بالالغاز.قرات ربما كل قصصه او ما وقعت بيدي.اسلوبه رائع جدا ولااعتقد بان هناك من يجاريه في تعابيره ونسج الجمل وترتيب الكلمات. لو لم يكن كورديا لكان له شأنا آخر في العالم العربي .انه مفخرة الامة الكوردية في وقتنا هذا.بين قامشلو ولبنان وقبرص وصقيع السويد تناثرت كلمات هذا العقل الكبير.نتمنى له عمرا طويلا وانتاجا مزيدا.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: ادب سليم بركات...الشاعر والروائي والفنان العبقري الفذ والمتفرد في نصوصه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رشيد سليم الخوري ( الشاعر القروي) عبدالله علي باسودان منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 02-04-2016 08:49 AM
ما الذي يصنع القائد العسكري الفذ؟؟!! دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 108 12-09-2015 01:17 PM
فرويد العبقري الواهم فارس كمال محمد منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 2 06-29-2014 10:02 PM
النحو العربي - إبراهيم بركات د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 05-29-2014 10:40 PM
رحبوا بالأديب والفنان التشكيلي الشاعر عمر مصلح فاطمة جلال المقهى 18 09-10-2013 12:42 AM

الساعة الآن 01:08 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.