احصائيات

الردود
12

المشاهدات
5780
 
انمار رحمة الله
من آل منابر ثقافية

انمار رحمة الله is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
68

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Jul 2009

الاقامة

رقم العضوية
7382
10-31-2015, 10:25 PM
المشاركة 1
10-31-2015, 10:25 PM
المشاركة 1
افتراضي الرّسام
[justify]
كانت السماءُ متخمة بالغيوم، وحركة أغصانِ الأشجار تشي بحلول عاصفة وشيكة. النوافذ محكمة الغلق والأبواب كفَّتْ عن الثرثرة. في تلك الساعة ،وقف (الرسام) عند باب (قرية الجمال) والفضول يعانق روحه. ألقى حقيبته ورفع يديه ووجهه نحو السماء ليعيش لحظة راقت له، مع نثيث المطر الذي تحول إلى زخات محتدمة. (أخيراً وصلت...!) هتف الرسام ضاحكا مستبشراً بالقرية التي ذاع صيتها ،وعلا شأنها لجمال أهلها وزينتهم. حتى قيل أن النبي (يوسف) تضاءل صيتُ جماله وحسنه مقارنةً بجمالهم. ثم أن أشياء لفتت انتباهه، أميْزها تلك المقبرة الكبيرة على جانب الطريق عند مدخل القرية ، ودروب السوق الفارغة من الناس والدكاكين المقفلة ،كأن السكّان انتقلوا إلى المقبرة تلك دفعة واحدة. انطلق حاملاً حقيبته صوب عنوان يبتغيه ،من المتفق أن يمكث فيه فترة رسمه لِلوحات، يصوّر فيها جمال أهل القرية وبهاءهم.(ما أروعها من مغامرة...!) تمتم وهو يتخيّل عدد اللوحات التي سيرسمها ،وكيف ستُعرض ويشتريها المثمّنون قيمتَها ورونقها، حيث سكنت فيها وجوه بشر تناظر الملائكة.
في اليوم التالي وبعد أن خفت زئيرُ العاصفة، قفز الرسام من فراشه مرتباً حاجياته وأدواته وعدّة إبداعه ورزقه .ألقى في جوفه لقمتين وهبَّ خارج الغرفة الصغيرة في منزل كبير لإيواء النزلاء والمسافرين. صاحبة المنزل امرأة عجوز، لكنها رائعة الجمال. اشتهى أن تكون أول لوحة له فلكز رغبته موبخاً، مؤجلاً الفكرة إلى وقت آخر بعد استكشاف القرية بالكامل. فمن المحتمل أن يعثر على وجوه أكثر جمالاً .نظرت المرأة صاحبة المنزل إلى وجه الرسام طويلاً قبل أن تستلم مفاتيح الغرفة منه ،مما جعل الرسام يبتسم متسائلاً( نعم سيدتي ..؟هل هناك خطب ما؟!).أشارت إلى وجهه قائلة (أنك قبيح ...مخيف!!).ضحك الرسام ضحكة جاهزة فيها من التصنع الكثير ،وأخفى في قلبه حسرة كبيرة ،فوجهه لم يكن بالفعل جميلاً ،بل كان ذا سمرة داكنة ، وعينين كعيني غوريلا، ومنخرين واسعين ،وشعر مجعد وجبهة مليئة بالبثور.
خرج من المنزل متمهلاً ،حافظاً لتفاصيل الطرقات والبنايات وخريطة الذهاب والإياب ،تعصف في أذنه جملة العجوز صاحبة المنزل ( إنك قبيح...). طرد الحزن من قلبه ،وشتت كل شيء سيشغله عن مهمته الرئيسة .هام على وجهه سائحاً بين الوجوه الجميلة الباهرة دقّق النظر في وجه رجل يتبضّع استماله بقوة لكن وجهاً آخر لامرأة تبيع الأرغفة على الأرض شدّه أكثر. التفت صوب اليمين، رجلان يمشيان أذهلاه بجمالهما ،وارجع البصر صوب الشمال حيث وقفت سيدة يسْلُبُ جمالُها العقل.يمين،شمال،يمين،شمال.عيناه تعبتا من المطالعة،والقرية أهلُها حملوا من البهاء والبَهَار ما لو قُسِمَ على أهل الدنيا لكفاهم. تحيَّر الرسام كثيراً وهو يجول كمُذنَّب يجهل موعد ومكان الارتطام.(أيهم أرسم...؟ وأيهم اترك...؟ ) سأل نفسه في حيرة شديدة ، وفي الوقت الذي كان يفكر فيه ،كان أهل القرية يمرون عليه مرتابين ،خائفين،مذعورين من شكله المُستهجن لديهم . مرت أيام والرسام قابع في غرفته كلَّ ليلة متحير في الاختيار. يخرج كل صباح ويرجع إلى منزله خاوي اليدين، تنتظره لوحاتٌ نظيفةٌ لم تكحلها ريشته ،ولم تقبلّها ألوانه. إيمانه بطول مكوثه في القرية،جعله يتأقلم مع سُبل العيش هناك،خصوصاً حرصه على مصروفه اليومي،وكتم غيظه على تصرفات أهل القرية.ففي كل مرة يعود بها إلى المنزل،يكتشف أن بائعاً قد غشه في المعيار والجودة ،ثم يتحول إلى بائع آخر ،فيكتشف الشيء ذاته.حتى تبين له أن أهل القرية جميعهم عاشوا ويعيشون على المخاتلة في معاييرهم.(وجوههم ملائكية وموازينهم مريبة) جملة تحلّق في فضاء عقل الرسام في كلِّ ساعة، حين عاشر القوم،وأجبرته الرغبةُ على مسايرتهم بما يشتهون،تسليماً منه حتى إنهاء مهمته التي جاء من أجلها.كان يشكو دائماً للمرأة العجوز الغش في القرية ،ويسألها فتجيب (هذا ما تعودنا عليه ...أنه شيء طبيعي).
ثم تمر الأيام تباعاً والرسام عاطل عن العمل، إذ قاطعه أهل القرية ،ورفضوا أن يكونوا مادة فنية له.كانوا يخاطبونه في كل مرة يريد رسم احدهم (كيف تريد رسم وجوهنا الساحرة وأنت مسخ دميم؟ هل تقيّمنا ريشتك أيها القبيح؟!).. فقرر أن يرجع إلى غرفته ليعيد حساباته من جديد. وأن يخرج ساتراً وجهه بلثام في المرة المقبلة ،مخاطباً نفسه (هذا أفضل...حتى لا تُقذف القشعريرة والاشمئزاز في قلوب أهل القرية، فيجفلون مني).
يمرُّ الليل ثقيلاً ، كسحاب تدفعه رياح كسولة. الوقت يلضم نفسه بنفسه ليكون مشنقة ملتفة حول عنق الرسام.. لفت انتباهه قدوم البرق لاهثاً يتبعه الرعد ، فكانت فرصة جميلة للترويح عن نفسه ، فهو عاشق المطر وصديقه القديم.نزل إلى الشارع الذي بدا مهجوراً.أضواء خافتة وشارع كئيب ومطر ينقر،ينقر،يحتدم،يهطل دفعات دفعات.الرسام رفع يديه ورأسه صوب السماء وسار بلا وجهة محددة ،تعزف في أذنه موسيقى المطر.شبابيك القرية المضيئة احتشدت خلفها الرؤوس،تطالع رقصة الرسام في المطر، فتدوَّرت أفواهُهم ،وتوسعت أحداقهم متعجبين،يطالعون للمرة الأولى جسماً يتمايل نشوان، بهذا الهطول اللاثم جبين الأرض.توقف المطر ،فانتبه الرسام إلى نفسه وقد تبلل بالكامل،عاد مهرولاً إلى منزله ،ففاجأته العجوز صاحبة المنزل مستغربة من خروجه في هذه الساعة وهذا الموقف.دلف إلى المنزل مبتسماً ينكثُ رأسه من البلل ،فسألته العجوز في ريبة:(ألا تخاف من المطر..؟)، أجابها مبتهجاً :( الأطفال يعشقون المطر ).لم تقل له شيئاً ،رجعت إلى غرفتها لكن الرسام أوقفها مستفسراً هذه المرة: (سيدتي أرجوك لدي سؤال!).صدعت لطلبه وهزّت رأسها مستفسرة عن سؤاله حين قال:(لم أر في القرية أطفالاً منذ حضوري وإلى هذه اللحظة؟).تنهّدت ثم أشارت بسبابتها صوب مدخل القرية متسائلة: (هل رأيت القبور التي تملأ المكان هناك؟).أشار برأسه عارفاً مكان القبور وشكلها وكثرتها ،فأجابته :(إنها قبور أطفالنا،نحن لم نرب طفلاً منذ سنوات ،كلُّ طفل نُرزق به يخرج من بطن أمه ميتاً ،ثم يُدفن في المقبرة.لم يعد الناس هنا يفكرون في الأطفال سيدي) أدارت العجوز ظهرها ودخلت غرفتها،تاركة الرسام فاغراً فاه ،وقد جفّت ملابسه على بدنه المقشعر.
في صباح اليوم التالي ،خرج الرّسام متلثماً ،خافياً وجهه ،محاولاً اقتناص فرصة ثمينة لإقناع أحدهم ورسمه .تفجر صوت مرعب في سمعه آمراً:(قف).أوقف الرسام خطواته والتفت خلفه ليرى موكب شيخ القرية وعرّافها الأوحد. أنزل حقيبته وطالع من فتحة لثامه الموكب الذي اعتلى عرشه العرّاف وحاشيته وجنده.خاطبه شيخ القرية بحنق:(من أنت؟ولماذا تضع اللثام في قريتنا؟.ألا تعلم أنني حرّمت اللثام على سكّان القرية!).لقد كان وجه العرّاف أجمل وجه في القرية ، يسلب الأرواح ويبهر العقول لألقه ونوره وروعته،حيث صُدِمَ الرسام به وتعجب لائماً نفسه،متمنياً أن يفوز بوجهه لوحةً سحرية لا مثيل لها . أمر العرّافُ الرسامَ بخلع لثامه فأبى مرعوباً. لكن حرّاس الموكب أرغموه وطرحوه أرضاً خالعين نقابه ،فبان للجمع الغفير من الناس قبح شكله . فزع العرّاف وحاشيته من المنظر وأمر بتكتيفه في الحال ،لم يتحرك الرسام بل استسلم كما تستسلم الشاة لسكين ذابحها.هتف العرّاف في الناس:(قريتنا الجميلة وأهلها لا يرضون بهذا الجرم العظيم،حين وطأ أرضنا رجل قبيح كهذا،وجب علينا تطهير قريتنا منه ولا يطهر جريرته إلّا أن يُنفى مطروداً).خاطب الرسامُ العرافَ راجياً متوسلاً: (دعني أكمل مهمتي أرجوك...وسأخرج من قريتكم ولن تروني ثانية).هزَّ العرّاف رأسه رافضاً وأمر الحرس بمرافقته ولم اشياءه والمغادرة وشيكاً. عاد الرسام إلى المنزل وجمع الوانه ولوحاته ، ثم خرج يجرُّ أحزانه وأوهامه ولوحاته البيض النظيفة. على مهله يمشي يلحظ بحزن الجماهير الواقفة.أحزنته النهاية حين خرج مدحوراً خاسراً وقد كان يرجو الفوز والجائزة.وأحزنه أن الوجوه الباهرة الجميلة قد صار بينهن وجهه القبيح نشازاً وعاهة. وصل بالقرب من موكب شيخ القرية ،الذي صرخ بحزم صارم ( أخرج من هنا أيها القبيح..لا أريد رؤيتك مجدداً في قريتي).
في تلك اللحظة ابتسم الرسام وشعر بالارتياح، رافعاً يديه ورأسه نحو السماء.لم يفهم الجمع سرَّ تلك الحركة..! لكن الشيء الذي تلاها نثيث ثم قطرات ثم مطر...مطر...المطر يهطل بشدة ورعود تزمجر مالئة الفضاء بهزيمها .الجمع الغفير اضطرب وعلا صياحه و اشتدّ نفوره ،ركض الجميع فزعين ،فتلاطمت الرؤوس بالرؤوس،وتشابكت الأذرع ،وتخبطت الأفعال،وعلى رأسهم (العرّاف) الذي وقع على الأرض وصار يزحف حتى أحتمى بسقيفة خشبية قريبة.كل هذا والرسام رافع يديه ورأسه مبتسماً ،حتى لفتت انتباهه ألوان وأصباغ سالت على الأرض.(هل هي أصباغي ..؟ليست بهذه الكثرة..!) تساءل وهو يطالع كمية الأصباغ في الأرض ،ثم طالع مرة أخرى وجوه الناس ،فدُهِش حين رأى وجوههم تسيل أصباغاً ملونة ،غسلها المطر وأزالها عن مواضعها التي تعودتها ،فظهرت له وجوههم ممسوخة قبيحة،دميمة مُستهجنة ،لا بريق فيها ولا جمال ، ووجه عرّافهم كان أشد الوجوه قبحاً ورعباً..حين انتهت العاصفة وغُسِلت الوجوه ،صرخ العراف بالناس :( أين القبيح..؟...أين القبيح؟)،ففتشوا عن الرسام طويلاً لكنهم لم يميزوه.
[/justify]


قديم 10-31-2015, 11:22 PM
المشاركة 2
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
هي لوحة مدهشة تلك التي رسمتها أناملك

الأستاذ أنمار رحمة الله عودتك مثقلة بالجمال

تقديري أيها الراقي

قديم 11-01-2015, 08:22 AM
المشاركة 3
انمار رحمة الله
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
هي لوحة مدهشة تلك التي رسمتها أناملك

الأستاذ أنمار رحمة الله عودتك مثقلة بالجمال

تقديري أيها الراقي

صباح الورد والجمال أستاذ ...
تسلم ياصديقي وشكراً لك
واسعد الله صباحاتك

قديم 11-01-2015, 12:54 PM
المشاركة 4
مها الألمعي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
مرحبًا

ما أعذب اللغة هنا جاءت سلسة متناغمة
تخبر عن قدرتك الأدبية
أستاذ أنمار رحمة الله أنت من الذين أود شكرهم لأنهم يكتبون
ويسمحون بأن نكون قراء جمال.

قديم 11-01-2015, 01:41 PM
المشاركة 5
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اسلوب مدهش ورائع وبليغ وشديد الوقع والتأثير وينبض بالحركة والحياة. هذه القصة رمزية لكنها تنتمي في لغتها واسلوبها وصورها وادهاشها الى نمط الخيال السحري. كما ان هذا نفس سردي استثنائي وكأنها قصة من قصص الف ليلة وليلة.
احسنت يا استاذ انمار اصفق لك على هذه اللغة السردية المتفردة.

قديم 11-01-2015, 07:45 PM
المشاركة 6
انمار رحمة الله
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
مرحبًا

ما أعذب اللغة هنا جاءت سلسة متناغمة
تخبر عن قدرتك الأدبية
أستاذ أنمار رحمة الله أنت من الذين أود شكرهم لأنهم يكتبون
ويسمحون بأن نكون قراء جمال.

ممنون لك وعلى الرأس مرورك وقراءتك وحضورك اللطيف
بالخدمة

قديم 11-01-2015, 07:47 PM
المشاركة 7
انمار رحمة الله
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
اسلوب مدهش ورائع وبليغ وشديد الوقع والتأثير وينبض بالحركة والحياة. هذه القصة رمزية لكنها تنتمي في لغتها واسلوبها وصورها وادهاشها الى نمط الخيال السحري. كما ان هذا نفس سردي استثنائي وكأنها قصة من قصص الف ليلة وليلة.
احسنت يا استاذ انمار اصفق لك على هذا اللغة السردية المتفردة.


أستاذ أيوب....
تغرقني بلطفك وتظلل عليَّ بسحاب طيبتك
قراءتك قراءة الحاذق النحرير وهي تفرحني دائماً
سلمت لي وممنون لك

قديم 11-16-2015, 10:37 AM
المشاركة 8
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قصة مشفرة لكن ساحرة.. من كاتب متمكن..

قديم 11-24-2015, 01:08 PM
المشاركة 9
انمار رحمة الله
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
قصة مشفرة لكن ساحرة.. من كاتب متمكن..
[quote]

صديقي عمرو مصطفى...
تسلم لي أغاتي وتاج راسي....
[/quot
e]

قديم 01-05-2016, 04:53 PM
المشاركة 10
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
( قصة مشفرة لكن ساحرة ..من كاتب متمكن )
لعل هذا التعليق هو أصدق أو أدق تعبير عن القصة التي قرأتها لتوي
دعني أشير الى جملة في قصتك الرائعة هي بيت القصيد
(وجوههم ملائكية وموازينهم مريبة) !!!
تكاد هذه الجملة تكون وصفاً لحياتنا المقنعة بألف لون
لا أدري ما سأقول .. في قصة من أروع ما قرأت !!
بورك قلمك وقصتك المتكاملة بأبعادها الثلاثة .. ( اللغة والتعبير والفكرة )
شكراً لأنك أمتعتني


تحية ... ناريمان الشريف


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:26 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.