احصائيات

الردود
4

المشاهدات
3806
 
فارس كمال محمد
من آل منابر ثقافية

فارس كمال محمد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
65

+التقييم
0.02

تاريخ التسجيل
Apr 2014

الاقامة

رقم العضوية
12850
10-09-2014, 03:01 PM
المشاركة 1
10-09-2014, 03:01 PM
المشاركة 1
افتراضي المقالة بين الاستنساخ والابداع
مع كل الشكر والاحترام الى إدارة ومنتسبي المنتدى والى الأستاذ أيوب صابر الذي لمست فيه روحه التعاونية المحبة لكل الناس وحرصه الشديد على استخراج ما في عقولنا من امكانات وتحريك ما فيها من قدرات

اولا


[center]بين النقل والابداع
فارس كمال محمد



كلنا مبدع

من منا من لا يرى انه انسان مبدع و فنان متميز وفيلسوف له في كل امر وجهة نظر .... ؟
أرى ان الإجابة بالنفي مجانبة للصواب .. وان رد احد بان سقراط قد اعلن ذلك منذ اكثر من الف سنة وبين للناس انه جاهل وكل الذي يعرفه هو انه لا يعرف شيئا ، فذاك ادعاء لم يكن مؤمنا به في حقيقة الامر، بل هو أسلوب ابتدعه للتواصل مع مواطنيه وتعليمهم ، وليظهر لهم التناقض في تفكيرهم واقوالهم ، ودفعهم الى تبني اراء أخرى لم يكونوا مؤمنين بها ، اما عن نفسه فقد كان على علم بانه يعلم .

وكذا الذي يبديه اعلام الفكر الاخرون من جهل وحيرة امام الغاز الوجود وافاقه الرحبة ، فهو ضرب من الخُلق السامي وتواضع يليق بهم ان يبدوه ، وهو حال كل من أثقل العلم رأسه حتى مال وانحنى كما تنحي السنبلة عندما تمتلئ ، وهم في حقيقة الامر على معرفة بالمستوى الذي بلغوه والعلم الذي استوعبوه وعرفوا ان التقدم في المعارف والارتقاء بالعلوم يزيد الفهم ويوسع المدارك ، لكنه في ذات الوقت يكشف عن ابعاد لم تكن ظاهرة على شاشات الاحساس والشعور ، ويفتح أبواب التساؤل عن ظواهر كانت مختبئة خلف الاستار ، واحاجٍ لم تخطر لهم على بال ، وان بين العقل والحقيقة المطلقة هوّة كبيرة ، لها من العمق والاتساع ما يدفعهم الى الاعتقاد بحقيقة ان كلما زادت معارف الانسان وكبر عقله وتوقد ذكاؤه ، ازداد صغرا وضآلة امام حقائق الكون واسراره .
وما قيل عن العلماء نقوله عن الاخرين .. عن عامة الناس ، مثقفيهم وجهّالهم .. الكل يرى انه صاحب فكر متميز وعقل واسع ورؤية نافذة .. ولا زلت اذكر زميلي الذي اعلن لنا انه لو اُختير رئيس دولة لقاد البلد نحو دروب التقدم والسعادة والرفاه ، ونحن اعلم الناس بما يعانيه من تدن في كل مستويات المعرفة والفكر السياسي .. من المؤكد انه قد تابع احداث بلدان العالم السياسية ومعاناة الشعوب اليومية وتبادل فيما بينه وبين الاخرين اطراف احاديث السياسة وقيادة الناس وإدارة مرافق الدولة فكان لكل واحد منهم وجهة نظر.. اما هوفقد اعجبه رأيه ورأى انه فلتة من فلتات عقله وابداع ليس بمقدور الاخرين الاتيان بمثله ، وربما ورفرفت ثيابه خيلاء وانبسطت اساريره اعجاباً وارتفع صدره ثقة وغمرته مشاعر الاعتداد بالنفس دون ان يدري انه جاهل وليس لديه رصيد يصرف ولا أدوات تستعمل ولا نفوذ واسع يستند اليه ..
لقد ادرك سقراط – ان لم يكن خطأ - الحقيقة هذه وعرف احاسيس الناس ومشاعرهم وبين أن ما من مهنة الا ولها سر تنفرد به وعلى من أراد ممارستها التدرب والتعلم والوقوف عليه ، الا السياسة فهي المجال الذي يرى كل الناس ، على اختلافهم ، انهم مؤهلون لخوض غماره ، وانهم اصحاب نظر ورأي سديد يؤهلهم لاِحراز النجاحات فيه ..
ولا زال الامر باقٍ على صحته ، فان كان صحيحا أيام سقراط فهو صحيح في أيامنا هذه أيضا حتى وان استجدت في الفكر السياسي علوم لاحقة وخبرات متنوعة وقوانين ومعاهدات وتاريخ سياسي للأمم والحروب .. فهي تدور بشكلها العام حول محور حياة الشعوب وإدارة شئون البلدان ومعرفة الصالح والاصلح لهم .
وليس الذي قيل صحيح في مجال السياسة وقيادة الدول وحسب .. بل هو ظاهر وبين في أمور الفكر عامة .. والجاهل ( ان لم نقل المثقف في شكل عام ) يعيش إحساساً غامراَ يفرح قلبه وسروراً بما لديه من نظر ثاقب ومعرفة واسعة ورؤية واضحة .. وقد مرت بي أيام كنت اطالع فيها المواضيع المحببة الي وقد كتبت بأقلام كتاب مبدعين ، امتازوا بسعة العلم والقدرة على اثارة الدهشة والتساؤل والامعان في التفكير لدى الاخرين ، شعرت معها بالذي ناب الجهال وظننت ان لي مدى نظر بعيد ، واني أرى اكثر مما يراه الغير، وادرك الأمور على مستوى عال من درجات الفهم والتبصر.. ولولا الشخص المزهوّ الذي عرض لي حينذاك ، ذاك الذي طلب مني سؤاله عن أي شيء ابغي معرفته ليقدم لي ما يشبع رغبة الفهم وينير ظلمة العقل ، فكان اول سؤالي عن ( كارل ماركس ) وفلسفته .. وصعق الذي ادعى العلم فدارى جهله بعبارة كانت حاضرة على السنة من انضووا تحت خيمة الفكر الجمعي الذي تبناه المجتمع ..
ورأيت نفسي واقفاً في مكان جاهلنا هذا ، وماذا لو سألني من لديه أسئلة عما ليس لي به علم او معرفة .. وادركت حقيقة ان ما تجمع لدي من معارف (( وهي قليلة جدا في حقيقة الامر )) لم تكن الا جوانب ضيقة من الفكر الذي قدمه اعلام الفكر الذين قرات لهم .. فيا لحرج من ادعى العلم وهو جاهل بل يا لعاره ، ويا لخيبة من زج بنفسه في مشهد يكشف نشازه ويظهر عواره ويُضحك الاخرين عليه .
ولو ادرك من ظن أن ليس في الدنيا شيء لا يعرف حقيقته ، انه صاحب نظر قصير وادراك محدود ، وان الخطأ انما يكمن في اعتقاده بان حدود العالم تنتهي بحدود عقله .. ولو كان حاله كحال الفيلسوف اليوناني القديم الذي تمنى بلوغ الحدود التي تنتهي اليها السماء ، ليمد عصاه خارجا فيعرف الذي يوجد هناك ... لأدرك ان بعد الحدود آماد بعيدة وحقائق كثيرة لم تعرف واسراراً لم تتكشف بعد .


كونفوشيوس عرف نفسه

من الذين عرفوا انفسهم فاعربوا عن رغبتهم بتولي منصب عالٍ في الحكم ، ذاك الذي وصفه احد المارين عليه في بلدته ( دون ان يعرفه ) فقال انه رأى رجلا قبيحا ، ذا وجه كئيب كوجه كلب ضال - كان قبيحا - له شفاه كشفاه الثور، وفم واسع كسعة البحر ، انه (( كونفوشيوس )) ذاك الرجل العظيم والمربي الكبير الذي اخفى روحه السامية وعقله الكبير وحكمته البالغة خلف قناع الجسد .. وكانّه يلقننا درساً بان لا يوهمنا المظهر يوما فنوقر السافل الدنيء الجبان ، ونهين ابيَّ النفس ، كريم الأصل عالي الاخلاق ...
لقد اعلن على الملأ يوماً ، ان لو أولاه الامراء منصبا لقدم للناس والبلد من الأعمال الجليلة ما يرقى بهم الى مستوى متقدم وبلغ بهم الكمال في فترة لن تتجاوز النيّف من السنين .. وقد تحقق له الحلم ، وأُسند اليه منصب كبير قضاة احدى المدن ، فاصدق وعده واثبت للعالم جدارته حتى شاع في وقته الشرف والامانة بين الناس وبلغ الحال ان لو سقط من احدهم شيء بقي في مكانه حتى يعاد اليه .. وأصبح الوفاء والإخلاص شيمة الرجال .
وترك للصين تراثا ، وفكرا، ومدرسة للأخلاق ، تتناقلها الاسلاف جيلا بعد جيل، ولم ينضب ماء النبع بل فاض وساح وتشعب في مساربه حتى غطى عموم الصين اجمع ، واضحت الكنفوشية الدين الرسمي للدولة ، وبقيت أفكاره على تاثيرها الفي عام من بعده .
ورغم كل هذه الهمة العالية والنفس الابيّة المتشوّفة الى ذرى المجد ، فقد كان متواضعا في عظمته ، ولم يدّع ان الذي جاء به أمر مستحدث وفكر مبتدع واخلاق صيغت من جديد ، بل هو النقل عن الاولين والاباطرة المعظمين ..
كان ينصح تلاميذه بالوضوح في الطرح والتفكير ، والصراحة في الإجابة عما يوجه اليهم من سؤال ، فان كان يعلم فليتمسك بقوله انه عالم ، اما ان جهل فليقر بذلك دون خجل .
وصف نفسه بانه ناقل وليس بمنشئ ، وكل الذي عمله لا يعدو نقل ما تعلمه من الغير اليهم ..
والسؤال الذي يعنينا من كل هذا .. الم يكن كونفوشيوس مبدعا في الفكر الذي تركه من بعده .. ؟
وهل الصحيح انه لم يقم الا بجمع كل التراث الخلقي للأسلاف وان الكتاب الذي جُمعت فيه أقواله ونصائحه ، لم يخرج عن الدعوة الى الالتزام بقوانين الاخلاق التي سادت والالتزام بقيمها .. ؟
لو كان الذي صاغه نقلا عن ما هو سائد قبله ، لخرج عمله صورة مطابقة للمنقول ، ولسادت الافكار القديمة بأسماء حامليها .. وليس من مبرر لأن تعيش المدرسة المسماة باسمه ( المدرسة الكونفوشية ) آلاف السنين ، وتندثر أسماء أصحابها الاولين ..
ان ما تميز به هذا الرجل هو حبه الشديد للتفرد ولا فرق عنده أن يتبوّأ مكانة اجتماعية بين الناس فيعرفونه او يظل نكرةً بينهم دون ان يلتفتوا اليه ، بل الأهم هو ان يكون جديرا باحترام الناس له ، وخليقا بان يعرف بينهم .
فما أروع هذا الخُلق وما احوجنا اليه ، ونرى ان في شيوعه بيننا إشاعة للمحبة والتسامح ، ولكُبح جماحُ العدوانية بيننا ولصار التنافس شريفا عندنا ، ولصار الكل اصيلا في سلوكه وتفكيره ، متفردا بشخصيته .
وكان حريصا على ان يعلم تلاميذه الّا يهاجموا غيرهم من المفكرين ويهدروا اوقاتهم بنقض أفكارهم .. ولعمري ان هذا ما يفتقده البعض من أصحاب القلم ، من الادباء والمفكرين الاعلام ، ومن كتاب المقالات في منتديات الانترنيت ، وان كنا نرى ان في شيوعه بين – بعض - الاعلام ، حدة في الطبع وتعصبا في التفكير واعتزازا بما عندهم من الفكر، منهم على سبيل المثال ( العقاد ) و ( د . عبد الرحمن بدوي ) .. اما - بعض وليس اكثر - كتاب المقالات في المنتديات ، فلأحاسيس العجز عن الملاحقة والتنافس نصيب كبير يأتي بعده دافع الانتقاص من مخالفي مبادئهم وانتماءاتهم .( وهم ليسوا من منتدياتنا بكل تأكيد) وكان يحرص كل الحرص على ان يُعمل الطالب لديه عقله ويتجاوب مع أمور الفكر ومستجداته بذهن متفتح وعقل متفرد وشخصية لها كيان مستقل .. وتلك من مقومات الابداع وصفات المبتكرين .

الارتكاز على الماضي والانعطاف نحو المستقبل

عندما مر الحديث على ذكر (( كونفوشيوس )) لم يكن المعني به احياء ذكرى هذا الفيلسوف الحكيم والمربي العظيم والدعوة الى الاهتداء بتعاليمه وتثبيت القيم الروحية التي شاعت في مدرسته ، فلدينا من القيم الروحية والأخلاق السامية والنظرة المتكاملة ما يغنينا عن الحاجة الى نصيحتة ، والمعني إذن هو اثارة السؤال عن الخيط الذي يربط كلاً من اطراف النقل والانشاء ، والاتباع والابداع ، والماضي والمستقبل ، والذكرى والاستشراف ..وان الفكر الذي تركه كونفوشيوس للصين لم يكن نقلاً لأخلاق الذين سبقوه وتاريخهم وحسب ، فلو كان الامر على هذه الصورة لم يخلّد اسم كونفوشيوس حتى عُبد، واصبحت تعليماته مدرسة يتناقل افكارها الصينيون ويعلمونها أولادهم طوال الفي عام حتى حلّ النظام الشيوعي الحديث ، فالأجدر هو ان تُخلد أسماء أصحابها الأصليين فتطفوا ظاهرة على السطح وترددها الألسن .
لقد كان كتاب التاريخ الذي كتبه بيديه وتركه لاتباعه من بعده ، خليطا من احداث حقيقية عاشتها الصين في اعظم مراحلها وخطب واقاصيص وضعها من نفسه .. فكان عمله ابداعاً تفرد به لا صورة مستنسخة ، وقصصاً تاريخية وشّاها بزخرفه وفنّه في أسلوب الخطاب والعرض ، وعملاً فنيا يحمل بصمته . انه مبدع في ادارته وانشاء مدرسته وكتابة مؤلفه .
والمعني بعد هذا ان الابداع ، عمل تجتمع فيه ابعاد عديدة ، الخبرة والتجربة ، الإشكال والحل ، المأساة والامل ، ظواهر العالم و ديناميات العقل و ... و ... و ...ولو اجلنا النظر في العمليات الفكرية ( الواعية ) وآلياتها عند الانسان بشكل عام لادركنا ان ما قيل عن التأثيرات المتشابكة ( المؤثرة ) في صميم العملية الإبداعية هي نفسها حاضرة في ديمومة الوعي وانتقاله عبر ابعاد الماضي والحاضر والمستقبل .. ولو اجتزأنا الصورة التي تمر أمام اعيننا في هذه اللحظة من فلم سينمائي نشاهده واخضعناها الى التحليل ، لن نجد ابعاداً أخرى خارجة عنها ، لا ذكرى للحظة الماضية ولا إحساس أو توقع لما سيحدث لاحقا .. اما عند الانسان فالأمر مختلف تماما .. اذ ان الوعي في كل لحظات مروره ، يتّكئ على ماضٍ مرّ به ويتطلع الى مستقبل آتيه لاحقا ، انه في حالة دائمة من الارتكاز على الماضي والانعطاف نحو المستقبل ، بحسب تعبير ( برجسون ) .
ففي لحظة الوعي الحاضرة عند كل انسان ، يجتمع الماضي بالمستقبل ، والاشكالات المستعصية بالحلول اللازمة لحلها ، والآلام التي عاناها بالآمال التي يرتجيها .. انها البِنية التي تشكل عقل الانسان وتحدد نهج تفكيره ، وتنتظم وفقها افكاره ..
ويتساوى في هذا كل واعٍ مفكر ، العادي والمتميز والفنان والعالم والمتبع والمبدع و المتخلف والعبقري ..
وما قيل عن لحظات الوعي ، يقال عن تلك الاوقات التي يُنشئ فيها المبدع موضوعه المتميز ، فهو في كل الأحوال ابن بيئة يعيش فيها ، وارض يمشي عليها ، وأمة او جماعة ينتمى اليهم ويعيش بينهم .. وله طفولة قضاها ، وتربية استوعب مراميها ، واخلاق تشرّبها كما تتشرب الأرض ماء المطر ، تداخلت وتشابكت في أعماق نفسه وتركيبة ضميره ..
كان ( فيكتور هيجو) من المؤيدين لفكرة ان للعملية الإبداعية فترة تمهيد واعداد وتأمل ، وان للذكاء والذاكرة دور فاعل ومؤثر لا يتسنى لمخيلة المبدع ان تعمل بدونهما ، وان الالهام عنده كالطائر الذي يخرج من البيضة ، لم ينطلق الا بعد ان مرت عليه فترة رعاية واحتضان ورقاد .. وكأن هيجو يرد بهذا على من يرى ان في الابداع ضرباً من السحر والالهام الهابط من فوق او انفصالاً عن عالم الاهتمامات والانشغال بأمور حيواتنا اليومية .
وما ذهب اليه (هيجو) لم يكن بِدعا ، فهذا ( ادجار الان بو ) يصر على ان العملية الإبداعية موجهة في كل مراحلها وان الوعي والتوجيه في صياغة العمل انما يجريان وفق اهداف وغايات محددة ، كأن يلهب في نفوس قارئيه مشاعر الفرح او الحزن وان يضع لأشعاره قافية يحددها بنفسه ، ووقتاً يستغرقه العرض او الالقاء او القراءة اللازمة للعمل ..
وما يعنينا ان وعينا حينما يكون حاضرا في لحظات تفكيرنا المبدع فانه يدفع بأحداث ماضينا وتجاربنا التي مرت ، ومستقبلنا وأمانينا المرتجات لان تتشابك وتتفاعل فيما بينها وفق مسارات ما نملكه من مرونة في التفكير وحدة في الذكاء وقدرة على الاستنباط ، ليخرج العمل بعدها في صورة من الجدة والتفرد وكأنه إِلهام قد هبط علينا من السماء ونحن في غيبوبة وذهول . وان الالهام – ونعني به الابداع ، فالإلهام مرحلة من مراحله - لا يعني خلقا من العدم ، ولا هو شرارة تنقدح على حين فجأة في الرأس دون سبب .
( ويؤكد أصحاب النزعة الاجتماعية على ان للعوامل الوراثية والاجتماعية والتربوية والنفسية اثر بيّن في تكوين شخصية الفنان - المبدع - وفي تشكل ما ينتجه من عمل . ويؤكدون على ان مفهوم الأصالة الخالصة وهم وقع فيه أولئك الذين نظروا الى الفنان باعتباره كائناً غير ارضي ، هبط علينا من السماء ويتلقى الوحي من لدن موجود علوي .. وكلما وقعنا على تفصيلات حياة الفنان واهتدينا الى المصادر التي اخذ منها ، بدت نسبيته وصار عمله تأليفا بين أفكار قديمة وتعديلات على ما تلقاه من طرز فنية ... )
وليس ادل على ما مر بنا من تلك المراحل التي حددها دارسو الابداع ، فجعلوا للعمل المبدع مرحلة تهيؤ واعداد وتجميع للعناصر ذات العلاقة ، تأتي بعدها فترة ( اختمار ) يعاني فيها الفنان اشد لحظات القلق والتوتر لما يقوم به من جهد فكري – بوعي او بدون وعي - في تحديد الحالة وتحليل عناصرها والتعرف على خصائص كل منها ، ومن بعدُ ، الخروج باطار نهائي للفكرة .. ثم يأتي الالهام هابطاً وكأنه ومضة برق خاطفة ، انارت صفحة السماء واحالت الظلام الى نور يبهج القلب ويبعث السرور في النفس .
وماذا اذن عن الالهام الآتي الينا على هيئة حلم ونحن نائمون ، ساهون عن الواقع وشاردون ، وفي غفلة عما نعانيه من مخاوف أو قلق .. ؟ لقد حدثنا ( كوليردج) عن قصيدته الشهيرة ( كوبلاخان) وبين انه قد كتبها تحت تاثير حلم رآه .. وقال ( جوته) انه قد كتب روايته ( آلام فرتر ) وهو منصت الى هواجس آتيه اليه من أعماق نفسه .. بل قيل ان ( لامرتين ) كان يؤكد للآخرين ، انه لا يعمل تفكيره بالمواضيع التي تستهويه وانما أفكاره هي التي تفكر ، وماذا عن الاعمال الموسيقية العظيمة التي قدمها موزارت وهو في بدايات عمره ولم يتجاوز الرابعة عشر عاما بعد ..
اليس في الابداع شيء آخر هو غير الذي تحدثنا عنه ، غير الخبرة والتجارب و الماضي و المستقبل . قيل ان اول من استفاض في دراسة موضوعنا هذا هو افلاطون فقد خرج بنتيجة مفادها ان الابداع ( الفني) ضرب من الالهام او الجنون الإلهي ،
((وعلى هذا جاء الذين بعده ، من المتأثرين بمدرسته ، وراوا فيه الهاماً و سحرا واعجازا وقدرة غير عادية اختص بها اشخاص يتميزون بالاحساس المرهف والحدس اللماح والبصيرة الحادة والادراك النفاذ)) ..
لقد راى أصحاب هذا الرأي ان في الابداع شيئاً من الانفصال وقوة خارجة ( عليا فائقة للطبيعة ) ليست من مكونات العقل عند ذوي الالهام والابداع ، وان المُلهم فيه لا يعدو ان يصير(( واسطة وأداة ، فهو حينئذ لسان حال القوة الفائقة هذه )) . وبلغ بهم الحال ان يُعلوا من النزعة الذاهبة الى الإعراض عن المنبهات الاتية من المحيط وما يستتبعها من الضغوط المؤثرة على صفاء الذهن وانشراح النفس ، والاستغراق في التركيز على الداخل ، والاصغاء الى خطرات النفس الاتية من الأعماق ، بل الاصغاء الى همسات الوحي الآتي من ربات الشعروالالهام .. حتى ذهب الحال ببعضهم الى تناول العقاقير المهلوسة والمخدرات ، لعلّهم يحظون بلحظات من النشوة والوجد وجيشان الالفاظ والمعاني والخواطر المتواردة على عجل



( المقالة من وحي المنشوروابداعات كتابنا الافذاذ اعيدت بتصرف في الصياغة لما لها من الأثر الإيجابي في صقل الموهبة وزيادة المعرفة ولا اكثر من ذلك وفي الجعبة قصاصات اخرى عن المقالة ستتبع لاحقا باذن الله )


قديم 10-09-2014, 05:48 PM
المشاركة 2
خالد البلوشي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي


في تصوري .. أن كل صاحب تجربة أدبية .. يرى في بنات أفكاره الجمال .. لأنه أكثر من تعمق بأفكاره و غاص بها إلى ان ترجمها لنا بمقدراته اللغوية و التعبيرية ..

و ليس في ذلك عيب حتى و إن ضعفت قوام مادته المقدمة من شعر و و فكر و أدب أو أيا كانت الصنعة المقدمة ..

و من المهم حقا أن يتم احتواء موهبة و ميول كل شخص نأمل منه التميز إن تم تصقيله ..

الأستاذ الجميل فارس محمد كمال ..

طرحك يتشعب في العديد من الجوانب المهمة و اعذرني إن تطرقت لجانب دون آخر .. و كل عام و انت بخير أستاذي الكريم



الأَفكارُ مُعْفَاةٌ مِنَ الضّرِيبَة.

" كامدن "

*
twitter : @k4rak

قديم 10-10-2014, 03:23 PM
المشاركة 3
فارس كمال محمد
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
اسعدتنا بمرورك واهتمامك استاذنا خالد البلوشي المحترم وساعاود قراءة ملاحظاتكم فهي مهمة جدا عندي
وكل عام وانتم بالف خير

قديم 10-10-2014, 05:42 PM
المشاركة 4
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مرحباً استاذ فارس
الصحيح اني معجب جداً بسعة اطلاعك وعمق معرفتك وقدرتك الاستثنائية في التعبير عما يجول في خاطرك .

سالوا سقراط مرة لماذا أسموك احكم الحكماء ؟ فقال "لأنني اعرف اني اعرف واعرف انني لا اعرف" .

اذا من الحكمة ان يعرف الانسان ما يعرف وان يستثمر تلك المعرفة ويفتخر بها ، ومن الحكمة أيضاً ان يعرف الانسان نقاط ضعفه وقلة معرفته في مجالات اخرى وان لا يخجل من ذلك وان لا يتسبب ذلك في إعاقته عن التعبير عن معارفه وان كان ما يكتبه مجرد محاولات لا ترقى الى مستويات ما تولده عقول اصحاب الخبره والتجربة لان في التجريب إنماء للمعارف وإغناء لادوات التعبير.

اثني على ما ورد في مداخلة الاستاذ خالد بخصوص الموضوع وننتظر كيف سيتطور الطرح والي ماذا سيخلص ؟
لكنني ضد هذه العبارة التي وردت في مقالتك " فيا لحرج من ادعى العلم وهو جاهل بل يا لعاره ، ويا لخيبة من زج بنفسه في مشهد يكشف نشازه ويظهر عواره ويُضحك الاخرين عليه ." . فعندما يكتب الانسان عليه ان يتبنى الأفكار التي يكتبها بكل حماس وولاء وثقة وان لا يترك مجال للشك leave no ground for doubt لان المتلقي يمكنه ان يستشعر ذلك الشك ويفقد الكاتب بألتالي قدرته على التأثير وكانه لم يكتب ولم يات بشيء جديد .

لك مني اجمل تحية واعذني على حذف العبارات التي تئد الطرح الجميل الذي اتيت به فانت كاتب بارع ولا يجوز لك ان تجهض قدرتك على التأثير كنتيجة لرغبتك في ان تكون متواضعا ، فالكلام الذي ورد في المقال لا ينطبق عليك ولكن على مدعي العلم والمعرفة وهناك فرق كبير ، ولو اني مع كل من يحاول ولو كان في بداياته كارثيا لان تكرار المحاوله والتفاعل مع المتلقين والنقاد هو الذي يصقل التجربة ويغنيها .



*

قديم 10-11-2014, 07:26 PM
المشاركة 5
فارس كمال محمد
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
سعيد انا جدا بمروركم الكريم استاذنا ايوب صابر المحترم ، وما جاء في ملاحظاتكم واطراءكم قد الهب في نفسي العزم على مواصلة ما سرت فيه ، وفجر في عقلي القدرات وسأرعاها حتى تكتمل وتهبط لتمضي مسرعة نحو منصة اكتمال الذات والابداع ..
واذا آلمكم ما لاحظتموه من نبرة التواضع في ما اطرحه ، فانا شاكر لكم حرصكم الشديد على ان يرفع كل واحد منا راسه ويطرح بكل ثقته فكرته ويناقش بكل ثبات اراء غيره ، وتاكد استاذنا الكريم ان التاكيد على صفة التواضع الظاهرة كانت رد فعل على ما لمسته عند عدد من كتاب المقالات المنشورة على صفحات الانترنيت - ليس في منتدانا اي واحد منهم - حينما ينسخ ( بتصرف ) ما تسطره ايدي المبدعين ويقوم بعرضها دون الاشارة الى فضل من كان له الفضل ، والى اني مؤمن بالقول الذاهب - طاليس ان لم اكن مخطئا - الى ان لا جديد تحت الشمس وان كل فكرة ياتي بها شخص اوفيلسوف سبق وان قال بها احد غيره ، وهذا عين ما ذهب اليه (توماس هنري) في كتابه (اعلام الفلاسفة كيف نفهمهم ) وسبق ان قال بمثل هذه الفكرة ولو بصورة تهكم ( ميشيل مونتاني ) منتقدا بها صنفا من الفلاسفة فقال بما معناه : ان ما من فكرة سخيفة الا وقد قالها فيلسوف قبل ذلك .. ومن ثمت فاني جاهل في حقيقة الامر واحس بكل عمق ، ضآلة عقلي وقلة علمي امام كل اعلام الفكر الذين اقرأ لهم ، ولو ان الوقت يسمح بالاستطراد لذكرت كيف ان لكل واحد منهم من قدرات عقلية وسعة اطلاع وذاكرة قد بلغت حدا خارقا حتى قطع الاخرون انها صفات منسوبة وملفقة ان لم يكن اصحابها وهميين اصلا .
شكرا لكم استاذنا الكريم وارجو ان يوفقني الله لقول الكثير .. وتاكد ان لكلماتكم وقعا موثرا على نفسي واسأل الله ان يوفقكم على اتمام رسالتكم في قول الذي امنتم به ، وفي تفجير ينابيع الابداع في عقول المتابعين


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: المقالة بين الاستنساخ والابداع
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
المقالة كأحد الفنون الأدبية... غادة قويدر منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 12 08-17-2020 08:02 AM
بحثي حول فن المقامة .. صبا حبوش منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 10 07-19-2017 05:20 AM
الاستنساخ كارثة القرن الواحد والعشرين الدكتور سيد نافع منبر الحوارات الثقافية العامة 1 12-28-2011 09:36 PM
اقتران بين الفراغ والابداع تيمه الشمري منبر الفنون. 10 03-31-2011 04:10 AM
جان جينيه - عبقري بحياة حافلة بين الشذوذ والابداع ايوب صابر منبر الآداب العالمية. 10 01-24-2011 03:57 PM

الساعة الآن 01:49 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.