قديم 12-13-2015, 12:07 AM
المشاركة 231
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ما اروع مواضيعك اخي حميد
ما اجملها
إنها ...
رياض ايمانية
و بساتين للذكر واستراحة من وعثاء الطريق
و زاد المسافر
وبقية خير في رحلة العمر
لك مني كلا التحايا
جزاك الله خيرا وجعل بكل حرف من حروفك اجرا في ميزان حسناتك
************************************************** **********
بسم الله الرحمن الرحيم
أسعد الله تعالى مساءك عزيزي زياد وجزاك خيرالجزاء

كلماتك أدخلت السرور إلى قلبي ودفعتني لمواصلة السير على هذا الطريق ..طريق الحق تبارك وتعالى ...
أسأل الله سبحانه أن يوفقك لما يحبه لك ويرضاه متمنيا لك دوام التوفيق والنجاح

حميد
12 - 12 -2015

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 12-13-2015, 12:37 AM
المشاركة 232
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
التعامل مع الدنيا
إن تعامل الناس بالنسبة إلى الدنيا، على نوعين: هناك قسم توطدوا بالدنيا، ورضوا بالمتاع العاجل. وبتعبير القرآن: {اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا}..
وهناك قوم انقطعوا إلى الآخرة، وأهملوا الدنيا؛ أي لا يشتغلون للدنيا، فهم غير فعالين فيها، ويغلب عليهم الذكر اللفظي مثلا، ولا يبالون لا بمجتمعهم ولا بأسرهم. وهذه أيضا حالة مرفوضة.
إن الكلمة الفصل في هذا المجال لأمير المؤمنين (عليه السلام): (إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)..
إنه تعبير رائع جدا!. فالمؤمن يستثمر كل ما لديه من طاقات وقدرات، لتثبيت دعائم الحياة المادية.. والمؤمن من اهتماماته في الدنيا، أن يجمع مالا وفيرا، ليوقف بها أمرا ماديا، يكون له زادا في عرصات القيامة.. (إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له).. من هم أصحاب الصدقات الجارية؟.. هم أصحاب المال؛ فالمؤمن الفقير: رأس ماله الدعاء، والصبر.. أما المؤمن الغني: هو الذي بإمكانه أن يبني ما يكون له صدقة جارية، وأن يتكفل الأيتام.
فإذن، إن الدنيا مزرعة الآخرة.. في عالم الزراعة: كلما اتسعت رقعة المزرعة، كلما زاد المحصول.. وكلما زاد المحصول، زادت الزكاة الواجبة لذلك المال.. وبالتالي، فإن الدنيا إذا أصبحت في يد أمثال سليمان، تصبح نعم العون على الآخرة!..
إن الإمام (عليه السلام ) يقول: (واعمل لآخرتك، كأنك تموت غداً). إن المؤمن قد لا يخشع في صلاة الصبح، وقد لا يخشع في صلاة الظهر؛ لأنه يكون في قمة الانشغال اليومي..
أما في خصوص صلاة العشاء، فإن لها حالة خاصة. وذلك لأن الإنسان عندما يصلي صلاة العشاء، يصلي صلاة المودع، فهي آخر فريضة لهذا اليوم، وبعدها سوف ينام، والله -تعالى- يقول في كتابه الكريم: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}؛ فالموت والنوم أخوان قريبان..
من أين للإنسان الضمان أن الله يرجع له الروح بعد النوم؟. ولهذا عندما يستيقظ من النوم، يخر ساجدا لله ويقول: (الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني، وإليه النشور). فالعبارة حقيقية!..
إن بعض الحجاج -مع الأسف- يحجون حجة، هم لا يرضون بها، على أمل الحج السنة المقبلة!. من قال أنه سيوفق لذلك؟.. لذا عليه أن يحج حجة مودع، وفي ليلة القدر كذلك عليه أن يقوم بأعمال مودع..
ومعنى قول الإمام (عليه السلام ): (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) بعبارة أخرى: (ليس الزهد ألا تملك شيئًا، ولكن الزهد ألا يملكك شيء). مثلا: هناك فقير له عصا وله سبحة، ولكن قلبه متعلق بهما؛ فهذا الإنسان عابد للدنيا.. وهناك إنسان آخر عنده مصانع كثيرة، ولكن قلبه غير متعلق بها؛ فهذا الإنسان زاهد بالدنيا.


منقول بتصرف
************************************************** ************************************************** *

حميد
عاشق العراق
12 - 12 -2015

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 12-15-2015, 07:41 PM
المشاركة 233
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الإسراف والتبذير
[b][color="blue"]
إن هنالك مالا مسرفا فيه، ومالا مبذرا به.. فالإنسان تارة يسرف: بمعنى أن أصل العملية صحيح، حيث أن له الحق في أن يشتري طعاما مثلا، ولكن يشتري زيادة عن حاجته.. وتارة يبذر: أي أنه يشتري ما لا يحتاج إليه، ويجعل ماله في غير موضعه؛ فهؤلاء عبر عنهم القرآن الكريم بأنهم أخوان الشياطين، حيث قال تعالى في كتابه الكريم: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}.. إذا كان صرف المال الفاني في غير محله يعد تبذيرا، ويجعل الإنسان من أخوان الشياطين؛ فكيف بما هو أرقى من المال، عندما يصرف في غير محله، ألا وهو العمر والوقت؟!..
إن القسم الجاد في حياتنا، يكاد ينحصر في الحضور إلى المسجد، والوقوف للصلاة بين يدي الله عز وجل.. وإلا فإن الأعمار في تلف مستمر، {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}.. بعض الناس يمضي يومياً ثلاث أو أربع ساعات في سيارته، والبعض الآخر قد يمضي ساعات من الانتظار في طوابير الشراء،

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 12-23-2015, 04:04 PM
المشاركة 234
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الوصول إلى الله عز وجل
إن البعض عندما يستمع إلى الأحاديث التي تدور حول صلاة الليل، وقيام الليل، وبركات الأسحار؛ فإنه يرى أن هذه الدرجات درجات عليا جدا لا تنال، وكأنها تحتاج إلى مجاهدة غير متحملة..
والحال: أن الأمر ليس كذلك، فالذي يرى أن قيام الليل ثقيل عليه، ما عليه إلا أن يجرب، فالإنسان المؤمن له همة عالية!..
أما شدة خوف الإنسان من بعض الأمور المهمة، فإنها تمنعه من الوصول إلى الدرجات العليا.
إن البعض يستثقل القيام في السحر، وذلك بدعوى أن نفس القيام يحتاج إلى مجاهدة، فكيف يتوجه في صلاته، وهو مثقل بالنعاس؟..
إن التوجه والإقبال من باب الاستحسان المطلوب في الفرائض، وفي المستحبات كذلك.. ولكن في خصوص صلاة الليل -والله العالم- نفس قيام الليل، وهجران الفراش؛ فيه ملاك!..
حتى لو صلى الإنسان صلاة الليل وهو مدبر، أو متناعس؛ فإن هذا القيام في حد نفسه أمر مبارك، ورب العالمين يحب هذه الحركة.
إن الإنسان قد ينام -أحيانا- في السجود الأخير من صلاة الليل، إلى أن يستيقظ لصلاة الفجر.. أو لا تحتمل أن الله -عز وجل- يحب هذا المنظر الجميل: مؤمن قام من دون أي إلزام، وألزم نفسه أن يقف بين يدي ربه، فخشع في ركعتين ولم يخشع في الباقي؟.. عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ):إنّ الله -عزَّ وجلَّ- يباهي الملائكة بثلاثة نفر ـ إلى أن قال صلى الله عليه وآله وسلم ـ ورجل قام من الليل فصلّى وحده، فسجد ونام وهو ساجد، فيقول الله تعالى: اُنظروا إلى عبدي!.. روحه عندي وجسده في طاعتي ساجد).
(إن الوصول إلى الله -عزّ وجل- سفر، لا يدرك إلا بامتطاء الليل).. إنها عبارة راقية جدا!..
أولاً: الوصول سفر.. إن هذه العبارة ترفع الاستيحاش الذي لدى البعض، حيث أن البعض يستوحش من كلمة: السير، والسفر.. ومن التعابير المتعارفة تعبير: "الفرار" (فروا إلى الله)، (السفر إلى الله)، (آه!.. آه!.. من قلة الزاد، وبُعد السفر، ووحشة الطريق).. إلى آخره من هذه التعابير التي تشعر المؤمن أن له سفرا إلى الله عز وجل.
ثانياً: الدابة هي الليل.. هذا السفر له دابة، وهذه الدابة متمثلة في الليل.. فالذي ليس له ليل، وليس له قيام ليل؛ من الممكن أن يصل إلى بعض الدرجات.. ولكن هذا بمثابة الإنسان الراجل لا الراكب: فالراجل قد يصل، ولكن بعد جهد جهيد، ومشقة عالية؛ بخلاف الذي يركب الدابة، فيصل إلى المبتغى في أسرع وقت وأيسر حال!.. أما أهل قيام الليل، فإنهم يصلون إلى الله -عز وجل- وصول الراكبين، لا وصول الراجلين.

منقول بتصرف
************************************************** ***********************************
حميد
عاشق العراق
23 - 12 -2015

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 12-24-2015, 03:14 PM
المشاركة 235
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
كيف نجمع بين {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وبين الاستعانة بالغير كما هي سنة الحياة؟..

إن القضية جدا بسيطة: أي أستعين بأخي المؤمن على أنه سبب من الأسباب، وعلى أنه أداة بيد الله عز وجل {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}.. ولو شاء الله لقلب فؤاده على خلاف ما هو يريد.. فرعون كان يقتل الأطفال، ولكن عندما وقع موسى بيده تحول من عدو قاس إلى إنسان لين، وجعله ابنا له.. عندما عاد موسى وقام بثورته على فرعون منّ عليه بأنه رباه وليدا فـ{قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ}.. فإذن، إن معنى ذلك أن القلب بيد الله عز وجل، (إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، يصرفها كيف يشاء).وبالتالي، فإنه عندما يذهب الإنسان للأسباب الظاهرية، عليه أن يذهب إلى أن هذا السبب بيد الله -عز وجل- ولو شاء لأزال سببيته.. ولهذا عندما تقضى حاجة المؤمن كعملية موفقة على يد جراح ماهر، فإن أول خطوة عليه القيام بها، هي أن يشكر الله -عز وجل- على هذه النعمة، فيقول: يا رب لك الحمد، ولك الشكر، أن سخرت لي فلانا.. فمن شكر الله على النعم، سيسخر له رب العالمين أسبابا أخرى، من باب: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}.


منقول بتصرف
************************************************** *****************************
حميد
عاشق العراق
24 - 12 -2015

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 01-27-2016, 08:40 PM
المشاركة 236
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم
أبواب الرحمة الإلهية
إن هنالك بعض الأمكنة، وبعض الأزمنة، وبعض الحالات؛ يفتح الله فيها أبواب الرحمة الإلهية.. ومن هذه الأمكنة المساجد، التي هي بيوت الله -عز وجل- في الأرض.. فالمساجد كلها متساوية في الشرف والفضيلة، من مسجد القرية إلى المسجد الحرام.. نعم هناك تفاضل لا شك في ذلك!.. ومن حيث الأزمنة، هناك مثلا: ليلة الجمعة، وليلة النصف من شعبان، وليالي القدر،...الخ.. في هذه الليالي، يهب الله -عز وجل- عباده ما يشاء من الفضل.
أما الحالات التي تتجلى فيها الرحمة الإلهية، فمنها:
- نزول المطر: فالمؤمن بمجرد أن ينزل المطر، يرفع يديه إلى السماء بالدعاء.. وقد وصفه الله تعالى في القرآن الكريم بالماء الطهور: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا}.. حتى أن البعض يشرب ماء المطر بنية الاستشفاء، ويقول: أن هذا قريب عهد بربه، لم يلمس هذا الماء أي إنسان.. روي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «تفتّح أبواب السماء عند نزول الغيث، وعند الزحف، وعند الأَذان، وعند قراءة القرآن، ومع زوال الشمس، وعند طلوع الفجر».
- عند هبوب الرياح: قال تعالى في كتابه الكريم: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ}؛ أي نحن الذين جعلنا الرياح تنتقل من مكان إلى مكان.. قال الإمام الصادق (عليه السلام): «اطلبوا الدعاء في أربع ساعات: عند هبوب الرياح، وزوال الأَفياء، ونزول القطر، وأول قطرة من دم القتيل المؤمن؛ فإنّ أبواب السماء تفتّح عند هذه الأشياء».
- عند الزوال: يقول تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ}؛ أي الظهيرة.. عند صلاة الظهر تفتح أبواب السماء، ولهذا أمرنا بالحفاظ على جميع الصلوات وخاصة صلاة الظهر.. وهناك توصية من بعض العلماء الكبار، أنه من المناسب للمؤمن عند أذان الظهر أن يلزم نفسه -بنحو الاستحباب- بدعاء الفرج: (اللهم!.. كن لوليك الحجة بن الحسن...).. فمن يفعل ذلك يرجى له الخير.
- عند التقاء الصفين.. ومن حالات استجابة الدعاء عند التقاء الصفين؛ أي صفي المسلمين والكفار للقتال، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «اغتنموا الدعاء عند خمسة مواطن: عند قراءة القرآن، وعند الأذان، وعند نزول الغيث، وعند التقاء الصفين للشهادة، وعند دعوة المظلوم؛ فإنّها ليس لها حجاب دون العرش».
- السحر.. إن المطر له موسم، والرياح لها مواسم.. ولكن أبواب السماء تفتح بدءاً من ساعات السحر، حتى طلوع الشمس.. أيضا هذا الوقت من الأوقات التي تنغمر فيه الرحمة الإلهية، خصوصا بالنسبة إلى الرزق.. عن الجواد ( عليه السلام): (وذكر اللّه بعد طلوع الفجر، أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض).. نحن مشكلتنا أننا جعلنا الأرزاق تساوي المال، والحال أن المال آخر الأرزاق: أول الرزق الإيمان والاطمئنان النفسي، وبعد الإيمان الزوجة الصالحة، وبعد الزوجة الذرية الطيبة.. وبعدها الدابة السريعة، والدار الوسيعة، والمال الوفير؛ وهي في أسفل القائمة.. وذلك لأن رب العالمين يعطي الإنسان الأهم فالأهم!.. فالمؤمن الذي يصبح ويمسي لا يخاف شيئا، ولا يحزن على شيء.. هذا الإنسان قمة في الراحة النفسية.
سر هذه الخصوصية لهذه الحالات:
أولا: إن هذه الحالات تستقطب الرحمة.
ثانيا: إن الله -عز وجل- يريد أن يرحم، ولكن يجعل لرحمته علامة، وليست الحالات هي التي أوجبت الرحمة.. هو أراد أن يرحم في مثل هذه الساعة منذ الأزل، ولكن ليلفت نظرنا قال: إذا نزلت عليكم المطر، وهبت الرياح، و...الخ؛ سأرحمكم.. فاغتنموا الفرصة!..
فإذن، على كل التقديرين، المؤمن صياد الفرص، يغتنم كل الأزمنة وكل الأمكنة وكل الحالات.. ويلجأ إلى الله تعالى؛ كي يفتح له الأبواب المغلقة.

منقول بتصرف
************************************************** *******************************************

حميد
عاشق العراق

27 - 1 - 2016

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 02-21-2016, 02:10 PM
المشاركة 237
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعين
هل نحن مخيرون ام مسيرون ؟
إن من المسائل الاعتقادية التي وقع النزاع حولها، هي مسألة هل نحن مسيرون أم مخيرون؟.. وهل الحق هو الجبر؟.. أو الحق هو التفويض؟.. والمسألة بحسب الظاهر نظرية، ولكن قطعا لها آثارها الكبرى في حياة الإنسان.
إن الإنسان الذي يعتقد بأنه مسير، سوف يعيش حالة الركون إلى ما هو فيه، ولا يفكر في تغيير واقعه؛ فيعيش حالة الرتابة في الحياة.. لأنه لا يرى نفسه مؤثرا في الوجود، {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا}.. فما دام القلم قد جف بما هو كائن، فإذاً لماذا السعي؟.. وعندها يرى الإنسان نفسه كأنه قشة في مهب الرياح، أو على سطح البحر، تقلبه الأمواج كيفما تشاء.
والإنسان الذي يرى بأنه مخير، وليس هنالك قدرة مهيمنة عليه؛ فإنه يعيش حالة من الفرعونية الباطنية.. لأنه يرى أنه هو صاحب القرار الأول والأخير في هذه الدنيا، ولا شيء يقف أمامه {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيد}، وإن لم يقل ذلك بلسانه، وإنما لسان حاله يقول: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}.. فيرى نفسه ربا لنفسه على الأقل، فيقول: أنا مالك لأمري، وليس هنالك من يتدخل في شؤوني.
فما هي الكلمة الحق في هذا المجال؟.. إن القرآن الكريم فيه صنفان من الآيات: صنف قد يستشم منه البعض منها رائحة الجبر، وهناك قسم يستشف منه التفويض.. فلندرس الطائفتين من هذه الآيات الكريمة.
إن المسلمين انقسموا إلى فرق: هناك جماعة من فرق المسلمين اعتقدوا بالجبر، وتاريخهم معلوم.. وقسم منهم المفوضون.. وخط ثالث معروف أنه خط الأمر بين الأمرين (لا جبر ولا تفويض، ولكن أمر بين الأمرين).
هناك مجموعة آيات، بل أنواع من الآيات.. تدل بشكل واضح، على أنه ليس هنالك جبر في الحياة:
النوع الأول: هنالك نوع يدل على أن الإحسان والإساءة منتسبان إلى العبد، وليس هنالك شخص آخر، أو جهة أخرى مسؤولة عن أعمال العبد: {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}، {قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي}.. إن هذا الصنف من الآيات، دالة على نفي الجبر.
النوع الثاني: الآيات الدالة على نفي الظلم عن الله عز وجل: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}.. ونحن نعلم أن العبد إذا كان مسيرا، أو مكرها، أو مجبرا؛ فلا معنى لعقوبته.. وهذه الآيات، وهي قرابة أربعين آية في القرآن الكريم، تدل على هذا المعنى الإجمالي.
النوع الثالث: إن الصنف الثالث من الآيات، يدل على أن الله عز وجل خلق الموت والحياة ليختبر الناس: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}.. فإذن، إن معنى {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}؛ أي أن هنالك حرية في اختيار العمل الأحسن.. وهنالك أكثر من ستين آية في القرآن، تدل على هذا المعنى الإجمالي.
النوع الرابع: والصنف الرابع من الآيات، دالة وداعية إلى الحذر والتضرع، ولو كان الأمر هو التسيير، وهو الجبر.. فعندئذٍ لا معنى للتضرع: {أَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ}.. فإذن، إن التضرع له دوره في رفع المقدرات، ورفع العذاب الإلهي.. وهنالك سبعون آية -تقريبا- تدل على هذا المعنى؛ أي أن الحذر والتقوى والإيمان -هذه الأمور- مؤثرة في مسيرة الإنسان.
النوع الخامس: إن الطائفة الخامسة من الآيات، تدل على أن الثواب والعقاب مستندان إلى فعل العبد، لا إلى أمر خارجي.. قال تعالى: {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}، {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا}، {وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}.. فإذن، إن هذه الآيات نسبت الجزاء إلى فعل العبد.
النوع السادس: إن الصنف السادس، هي آيات توبيخ الكفار والفساق.. والإنسان غير المختار لا يوبخ، فحتى في حياتنا اليومية رغم أن الطفل يفعل الأعمال باختياره، ولكنه غير مكلف، فإن الإنسان يعاتب من كثرة توبيخ الطفل الذي رفع عنه القلم.. {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ}، {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا}، { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُون}.. إن كل هذه الآيات موبخة، وتدل على أن الإنسان أيضا مخير في عمله.
النوع السابع: هناك آيات واضحة، تدل على أن الإنسان مخير، كقوله تعالى: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}.. فهنالك تصريح، بأن هذه الحالة من الاختيار.
النوع الثامن: الآيات التي تدعو إلى المسارعة في الخير، {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ}.. فإذا كان لا مجال في الترقي، فلماذا ندعى للمسارعة في الخيرات؟..
النوع التاسع: نقرأ يوميا صنفا آخر في سورة الحمد: {إياك نعبد وإياك نستعين}؛ أي يا رب أنا أستعين بك.. ولو كان الله هو الفاعل، فلا معنى للاستعانة.. فالاستعانة تطلق عندما يفعل الإنسان فعلا اختياريا، ولكنه يستعين بغيره.
النوع العاشر: وكذلك من الآيات الدالة على هذه الحالة، اعتراف الكفار يوم القيامة، عندما يحكم على الناس بدخول النار {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ}.. فإذن، إن هؤلاء فلسفوا حكمهم بالبقاء في النار، على أنهم كانوا مقصرين، وإلا بإمكانهم أن يقولوا: ربنا أدخلتنا النار بفعلك، فنحن لم نعمل شيئا اختياريا.
النوع الحادي عشر: من الآيات الدالة على الاختيار: {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}.. فإذن، إن معنى ذلك، أنه يعمل الصالح الذي يعوضه، عما فعله في حياته الدنيا.
فمع هذه الآيات الكثيرة يصبح واضحا، أن الإنسان في هذه الحياة الدنيا، يخط طريقه بيده.. ومن هنا حسن عقابه، كما حسن ثوابه.
ولكن في المقابل هنالك مجموعة من الآيات، قد يستشم البعض منها شيئا من الجبر، فما هي هذه الآيات؟.. فلنكن منصفين في البحث العلمي.. هنالك آيات، وهي آيات متنوعة تجعل الهداية من الله، وتجعل الهادي هو الله سبحانه وتعالى {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}.. فإذن، إن الله هو الهادي، والعبد لا شأن له في ذلك، فهنيئا لمن هداه الله تعالى!.. {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ}، فهذه من الآيات التي يمكن أن يستشم منها الجبر.
إن الجواب الإجمالي على مثل هذه الآيات، التي تسند الهداية إلى الله عز وجل: هو أن الله عز وجل هو الذي هيأ مواد الهداية، وجعل في وجود الإنسان محطات أو كواشف للطريق.. فإذا كان الأمر كذلك، فإن الإنسان الذي بيده إضاءة قوية، وسراج منير، فإنه يمشي أمام الناس.. فيقال: أن هذا الإنسان يهدي الآخرين، لماذا؟.. لأنه فتح لهم الطريق.. فالله سبحانه وتعالى جعل محطة خارجية، ومحطة داخلية في الوجود الإنساني.. وكل محطة تفتح لك الطريق: المحطة الباطنية تسمى بالفطرة، والرسول الباطني.. والمحطة الخارجية متمثلة بمئة وأربع وعشرين ألف إضاءة في عالم الوجود، ختمت الإضاءات بمن جعله الله السراج المنير في هذه الأمة، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا}.. وعليه، فإن كون رب العالمين، هو الذي فتح لك الطريق؛ بالإرشاد، والهداية الفطرية، والخارجية.. فإنه يصح أن يقال بأنه هو الهادي، ولا يستلزم ذلك شيئا من الجبر والإلزام.
وكذلك من الآيات التي يمكن أن يقول البعض بأنها تدل على شيء من الجبر: {لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}، و{قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ}.. فإذن، ما معنى هذه الآيات؟.. -آيات نفي القوة إلا بالله، وآيات أنه لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا- وكيف نوفق بينها وبين الآيات التي ذكرناها في أول الحديث؟..
إن مضمون هذه الآيات هي: إن وفقت لدخول الجنة -والجنة من أعظم المنافع، والرضوان الإلهي غاية المكاسب- لا تظن أن ذلك مقطوع الصلة بالله عز وجل، إذ كيف وصلت إلى الجنة؟.. الجواب: من خلال العبادة!.. وكيف عبدت الله عز وجل؟.. الجواب: بهذا البدن!.. ومن خلق هذا البدن؟.. ومن أعطاه الطاقة للعبادة؟.. الجواب: هو رب العالمين، ولو شاء لسلب منك هذه الطاقة.. فمثلا: إذا جلست في المنزل، ولم توفق لحضور المسجد في هذه الليلة.. فإن الفعل من العبد، ولكن المواد الأولية من رب العالمين.. وهكذا في باب الضلالة، فإن الإنسان عندما يقتل إنسانا، وهناك إنسان آخر قد أعطاه سكينا.. فهو قتل، ولكن مادة القتل أعطاه إياها شخص آخر.. وهو لا يلام على ذلك، فالشخص الأول هو الذي قتل باختياره.. وعندما يقف أمام القاضي، لا يقول: فلان أعطاني مدية أوسكينا.
فإذن، إن معاصي الخلق هذه الأيام تعود إلى الشهوة هي: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ}.. فمن الذي زين؟.. إن رب العالمين زين ذلك للإنسان، حيث جعل فيه الشهوة.. وعليه، فإذا دخل النار أيضا يمكن أن يقال بأن لله عز وجل دورا في ذلك، لا بمعنى الإلزام، بل بمعنى أن ما وقع فيه له صلة بالله عز وجل، فهو المُمَكّن لطريق الخير {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}.. فإذن، لا قوة إلا بالله: فكل حركة في هذا الوجود سلبا أو إيجابا للبناء أو الهدم، يحتاج إلى طاقة.. وهذه الطاقة مخلوقة لله عز وجل، من دون أن تلازم سلب القدرة.. ومن هنا لا ظلم أبدا في هذا المجال.
وعليه، فإن ملخص الحديث فيما تقدم، أنه في الفقرة الأخيرة هنالك شاهد قرآني جميل، التفت إليه بعض العلماء التفاتة جميلة، وهي: أن إبراهيم -عليه السلام- عندما يتكلم مع الرب، وهو بطل التوحيد، ماذا يقول عن الأصنام؟.. {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ}؛ أي أن هذه الأصنام أضلت الناس كثيرا، فما ذنب هذا الصنم، الذي يصنعونه من التمر صباحا، ويأكلونه ليلا؟.. ولكن إبراهيم جعل الإضلال منتسبا إلى الصنم، رغم أن الذي ضل هو ابن آدم، الذي يشعر بالأمور.
إن من خلال مجموع هذه الأمور، نصل إلى أنه (لا جبر ولا تفويض، ولكن أمر بين أمرين).. وهنالك آية في القرآن الكريم، آية جميلة جدا -وكل القرآن جميل- تشير إلى هذه الحالة: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى}.. انظروا إلى التعبير المتموج!.. وما رميت إذ رميت في معركة بدر، ولكن الله رمى.. فالنبي هو الرامي، والمسلمون هم الرماة.. ولكن الله هو الرامي أيضا؛ لأنه أمدهم بهذا المدد، وساعدهم في النصرة على أعدائهم، وهو الذي خلق مادة السهم، وهو الذي جعل القوة في العضلات، غير ما ذكره من إنزال الملائكة المسومين.
وعليه، فإن الحق أن لا نعتقد بالجبر، فننسب الظلم إلى الله عز وجل.. والحق أن لا نعتقد بالتفويض؛ لكي لا يجعل الإنسان يعيش حالة من حالات الركون إلى طاقاته وقواه.
منقول بتصرف .

************************************************** **************************************
حميد
عاشق العراق
21 - 2 - 2016

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 02-21-2016, 10:13 PM
المشاركة 238
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف تقضي على الشيطان في حياتك؟
إن مسألة مواجهة كيد الشيطان من أعقد مسائل المواجهة، وذلك لأن هذا العدو اللدود، يجمع بين (خاءات) ثلاث: الخفاء، والخبث، والخبرة.. فمن ناحية يرانا هو وقبيله من حيث لا نراه، ولنتصور معركة، أحد طرفيها: جيش مدرب لا يمكن رؤيته، أوَ هل يمكن للخصم أن يقاوم ذلك الجيش لحظة واحدة؟.. ومن ناحية أخرى يعيش حالة الحسد المتأصل لبني آدم الذي كانت خلقة أبيهم آدم (عليه السلام ) مصادفة لأول أيام شقائه، ومن هنا أضمر الحقد الدفين لاستئصال الجنس البشري، وسوقه إلى الهاوية.. ومن ناحية أخرى له تلك الخبرة العريقة في عملية الإغواء، والتي شملت محاولات التعرض لمسيرة الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) وإن باءت بالفشل بالنسبة لهم.. ولكن ما حالنا نحن الضعفاء والمساكين؟..
إن القرآن الكريم تناول في أكثر من 60 آية مسألة الشيطان بتأكيد وتحذير، قل نظيره في القرآن الكريم، فينقل تحديه لرب العالمين، إذ أقسم بعزته على إغواء الخلق أجمعين، لا يستثني منهم أحدا إلا المخلَصين (بفتح اللام).. ولكن من هم المخلصون؟.. إنهم الذين اصطفاهم المولى لنفسه، وجعلهم في دائرة جذبه وحمايته.. وترى القرآن الكريم ينقل عنه التعبير بــ (لاحتنكن ذريته) المشعر بأنه يتخذ من الإنسان دابة، إذ يجعل اللجام في حنكه الأسفل، ليقوده قود البهائم!.. فيا له من تحقير عظيم لمن ركبه الشيطان، فاتخذه مطية يحركه بإشارة -لا بجهد جهيد- نحو اليمين ونحو الشمال.. أوَ هل هناك تحقير أعظم من ذلك؟..
إن القرآن الكريم يحذر من خطوات الشيطان.. إذ أنه لخبرته ودهائه، لا يجر الإنسان إلى المعصية بضربة واحدة -لعلمه بعدم الانقياد له في المحرمات الكبيرة- ولكنها الخطوات المدروسة التي يتورط بها العبد، منتقلا من معصية إلى معصية.. ومثاله التطبيقي في عالم هوى النساء: هو الابتداء بالنظرة، ثم الابتسامة، والسلام، والكلام، والموعد، واللقاء حيث الارتماء في أحضان الشيطان المنتقم، وإن كان ظاهره هو الارتماء في أحضان بنات الهوى!..
لا بد من التعرف على الأدوات التي يصطاد بها الشيطان أعوانه.. فالقرآن الكريم يذكر الخمر والميسر مثالا لأداة الجريمة، كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ...).. ولكل عصر: خمره وميسره.. أوَ ليست بعض القنوات والمواقع الإباحية، من أدوات إيقاع الشيطان الضحية في شباكه!..
تلك الشباك التي من وقع فيها لا يخرج منها إلا بندامة -لو تاب- أو بخزي أبدي فيما لو استغرق في التوغل في عالم المعصية.. إن الذي ينظر إلى المذكورات على أنها مصائد إبليس، فإنه سيستوحش من عواقبها، بدلا من الالتذاذ الوقتي الذي لا دوام له سوى وخز الضمير، وعذاب الوجدان.
يذكر القرآن الكريم عينة من أعلى درجات الانتكاس التي تجعل المؤمن المتفوق في إيمانه، يعيش أعلى درجات الخوف والوجل، عندما يستحضر هذه العينة المخيفة التي استحوذ عليها الشيطان، وذلك هو الذي آتاه الله تعالى آياته، والتي فسرت بـ (الكرامات الباطنية والفتوحات الأنفسية).. ولكنه خلد إلى الأرض، واتبع هواه، وانسلخ مما كان فيه، ليتحول إلى من يشبهه القرآن بالكلب، الذي إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.. أوَ ليس في ذلك منتهى التحذير لعدم الركون إلى ما عليه الإنسان من الصلاح والسداد، فإن الأيام هي التي تكشف عن ثبات الجوهر، ومدى أصالته.
يذكر القرآن الكريم (الربا) كوسيلة من وسائل التصرف الشيطاني في الإنسان، فيقلبه إلى مجنون لا عقل له!.. فتأل قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ).. إن المرابي عندما يستلقي على قفاه -فرحا بما اكتسبه من المال الحرام- عليه أن يعلم أن ملكوت فعله هي هذه الصورة المقيتة، التي سيكشف الغطاء عنها يوما ما، حيث بصره حديد، ولكن بعد فوات الأوان!.. وقس عليه ملكوت كل فعل قبيح عند المولى الباقي، وإن كان جميلا عند العبد الفاني.
إن من المخيف حقا اصطلاح شركة الشيطان فى مال البعض وأولادهم، وقد فسر ذلك بطائفتين:
الأولى: أولاد الزنا الذين انعقدت نطفهم، فى جو شيطاني من الهوى والرذيلة..
والثاني: أولاد الحلال الذين لم يحسن الآباء تربيتهم، فكانوا كالطائفة الأولى ممن أصبح الشيطان له سهم فيهم!.. ومن الواضح أن الشريك يطالب بمال الشركة دائما، وخاصة إذا كان خبيثا حريصا، كالشيطان الرجيم. إن للشياطين على الأرض مواطن يجول فيها ويصول، ومنها: الأسواق، وبلاد الكفر، ومواطن غلبة المعاصي كاختلاط الجنسين.. وعليه، فعلى المؤمن أن يتدرع بأقوى الأسلحة قبل النزول إلى تلك المواطن، لئلا تطمع فيه الشياطين.. وليعلم أن من تلك المواطن: مجالس الغافلين المسترسلين في الباطل الذين قال عنهم القرآن الكريم: (.... وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
إن الذي ذكرناه بمجموعه، لا ينبغي أن يوجب اليأس أبدا.. وإنما ذكرنا هذا الجو الموحش لأمور.. فإما أولا: ليسعى الإنسان أن يلقن نفسه عداوة هذا الموجود الذي لا يترك الإنسان بحال ولو تركه الإنسان.. وثانيا: ليستكشف مواطن الضعف في نفسه، إذ أن لكل إنسان نقطة ضعف ينفذ من خلالها الشيطان، ومن تلك المنافذ: النساء، والغضب، والمال، والشهرة.. وثالثا: ليشتد التجاؤه إلى المولى الذي لم يخرج الشيطان من دائرة العبودية التكوينية له، إذ ناصيته بيده على كفره وعناده، ولو شاء لأبعده عن وليه، كما أبعد الشياطين عن السماء التي (مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا) كما ذكره القرآن الكريم، فهل تعوذنا -مع صدق وتضرع- بالاستعاذات اليومية، كما كان يفعلها النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)؟..
منقول بتصرف

************************************************** ******************************************
حميد
عاشق العراق
21 - 2 - 2016

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 03-05-2016, 05:10 PM
المشاركة 239
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم [marq="1;right;1;scroll"]الإقبال منحه إلهية
[/marq]
b]إن البعض منا عندما يتشرف بزيارة المشاهد المشرفة، وعلى رأس المشاهد الحرمين الشريفين؛ فإنه يعيش حالة من حالات رقة القلب وإقبال القلب..بحيث عندما يرجع إلى وطنه، وهو بين أهله وأولاده؛ يعيش حالة الغربة، وذلك لأن قلبه متعلق في المكان الذي كان فيه.. هذه حالة إيجابية جميلة، ولكن:
أولاً: إن المؤمن لا ينخدع بهذه الحالات، فهذه حالات موسمية.. لأن ما هو فيه من الإقبال القلبي عند الكعبة؛ هو من شرافة الكعبة.. فهو لم يتغير، ومازال كما كان قبل مجيئه إلى هذه المشاهد المشرفة، من قسوة القلب..وعليه، فإن هذه من شؤون الضيافة، ضيافة رب العالمين في هذه الأماكن المباركة..حيث أن لكل قادم كرامة، والإنسان عندما يزور ملكا من ملوك الدنيا، فإن غاية إكرامه أن يعطيه طعاما شهيا، أو مالا وفيرا.. أما رب العالمين، فإنه لا يعطي الزائر لا الطعام ولا المال، بل يعطيه إقبالا، ويعطيه رقة، ويعطيه دمعة.. حتى أن أقل الناس إيمانا، لا يستبدل هذه الحالة الروحية بشيء.. مثلا: لو قيل له أثناء طوافه، وهو مقبل: اخرج خارج المسجد، وتناول طعاما شهيا!.. فإن هذا الإنسان يضحك على هذا العرض.. إذن حالة الإقبال هذه منحة إلهية، ولطف إلهي.
ثانياً: الفخر كل الفخر أن نستصحب هذه الحالة ونحن في أوطاننا، بعض العلماء يقول: فرق بين الحال، وبين المقام.. ما نحن فيه في المشاهد المشرفة؛ حالات إيجابية.. ولكن عندما تزول هذه الحالة، نعرف أننا لم نصل إلى رتبة ثابتة، وإلى مقام منيع.. المهم أن يكون الإنسان في هذه الحالة، وهو خارج المشاهد.
ثالثاً: إن الزيارة المتميزة هي: الأولى، والأخيرة.. الأولى يغلب عليها الشوق والفرح الشديد، والأخيرة فيها ألم الفراق والبعد.. هذا شوق مقدس، وهذا حزن مقدس.. لذا، فإنه من المناسب في ساعة الفراق، أن نخاطب رب العالمين إن كنا في الكعبة المشرفة، أو أن نخاطب النبي (ص) إن كنا في حرمه الشريف، أو نخاطب ذرية النبي (صلى الله عليه وآله و سلم ) إن كنا في أحد مشاهدهم المشرفة، أنه: يا مولاي!.. أنا استمتعت بجواركم هذه الليالي والأيام، فلا تسلب مني صالح ما أعطيتني أبدا!.. أي أذقتني حلاوة الأنس، وحلاوة الذكر.. فليس من موجبات الإكرام الكامل، أن تقرن حلاوة الأنس، بمرارة الهجران والبعد.. والكريم لا يتبع إحسانه بهذا الأمر!..
وعليه، فإننا في ساعة الوداع نطلب من رب العالمين، ونقسم عليه بجاه من زرناه، أن لا يسلب منا هذه الحالة.. إذا زرتم هذه المواطن الشريفة، قولوا ما أمرنا به في زيارة الوداع: (بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي!.. اجعلوني في همكم، وصيروني في حزبكم، وأدخلوني في شفاعتكم، واذكروني عند ربكم).. إذ أن هناك فرقا بين إنسان يرجع إلى وطنه، ورب العالمين لا يلتفت إليه بعد ذلك.. وبين إنسان يُتبنى ويُتكفل، وهو في وطنه.. فالنبي الذي زاره، أو الإمام الذي زاره؛ ينظر إليه بعين اللطف والكرامة.
[/b]
منقول بتصرف
************************************************** ************************
حميد
عاشق العراق
5 - 3 - 2016

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي
قديم 03-07-2016, 08:48 PM
المشاركة 240
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم
[marq="1;right;1;scroll"]مراقبة النفس[/marq]
إن هناك اصطلاحين مأخوذين من القرآن الكريم.. والتفكير في هذه الأمور، قد يكون ثقيلا، فيقول الإنسان: أين نحن وهذه المراتب؟!.. ولكن هل الذي يعيش في الوادي، يحرم عليه أن يتمنى القمم؟.. وهذه القمة هي أمنية الإنسان!..
من يهب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر
إن هنالك نوعين من المراقبة:
ولا: مراقبة النفس.. وهذا مأخوذ من قوله -تعالى- في سورة الحشر: {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}؛ أي الإنسان ينظر لنفسه: ما هو موقعه في هذه الحياة، وإلى أين وصل؟.. فأول بياض يظهر على وجه الإنسان، هو من موجبات الحزن والألم؛ لأن هذا نذير الموت وقد بدأ العد التنازلي.. حيث أن متوسط أعمار الأمة حوالي الستين؛ أي الشاب في الثلاثين تكون قد بدأت انتكاسته.
ثانيا: مراقبة الله عز وجل.. وهو اصطلاح أرقى من مراقبة النفس، فالذي في مرحلة المحاسب لنفسه هو في الوادي، وغير المحاسب في القاع؛ أما القمة فهي مراقبة الله عز وجل.. أي أن الإنسان ينسى نفسه، وينظر إلى العين الإلهية المراقبة له دائما، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}، عن الإمام الجواد (عليه السلام ): (واعلم أنك لن تخلو من عين الله، فانظر كيف تكون)!..
أي يراقب الإنسان وجود الله -عز وجل- لا نفسه.
ما هي النتيجة؟..
إن هذه الآية لطالما قرأناها ولم نتأمل معناها {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.. ما معنى جاهدوا فينا؟.. وما الفرق بين جاهدوا فينا، وجاهدوا في سبيلنا؟.. هناك فرق شاسع بين العبارتين: الذي يقاتل في سبيل الله عز وجل، والذي يكتب في الله: إن كان لله؛ فهو في سبيل الله.. وإن لم يكن لوجه الله؛ فلا سبيل في البين.. أما الأرقى من هذا {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} لا في سبيلنا: أي الذي جهاده في الله عز وجل؛ يريد أن يصل إلى الله، لا في خدمة دينه.
مثلا: ينسى العبد ربه، ويكتب مقالا لصالح الدين، أو يتكلم لصالح الدين؛ هذا جيد ومأجور عليه.. ولكن الأرقى من ذلك أن تكون عين العبد على رب العالمين.. {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} الآن {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}؛ بدأ من الله عز وجل، وانتهى إلى السبيل.. معنى ذلك والذين جاهدوا في سبيلنا، ليس بالضرورة نهديهم سبلنا.. نعم يعطى الجنة، ولكن في الدنيا قد يتخبط لأنه لا بصيرة له.. وهو مأجور لأنه يعمل في سبيل الله عز وجل؛ ولكن ليس هناك من وعد إلهي، أن يهديه السبيل، نعم: يسدد، ويدعم، ويعطى مزايا.. ولكن الهداية والبصيرة، هي كما يقول القرآن الكريم: للذين جاهدوا فينا.
الخلاصة:
1- أن هناك مراقبة للنفس؛ فالإنسان الذي عينه على قلبه، هذا من مصاديق الذاتية والأنانية المحمودة.. ولكن المؤمن الأرقى تكون عينه في السماء، لا في النفس.
2- أن هناك فرقا بين جاهدوا فينا، وجاهدوا في سبيلنا.
3- أن الوعد بالهداية، مترتب على الذين جاهدوا فينا، لا في سبيلنا.

منقول بتصرف
************************************************** ******************************************

حميد
عاشق العراق
7 - 3 - 2016

معكم ألتقي ............ بكم أرتقي

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: [ " وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ " ................. ]
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الفرق بين كلّ من "البِشْر" و"الهشاشة" و"البشاشة" : ماجد جابر منبر الدراسات النحوية والصرفية واللغوية 4 04-11-2022 08:23 PM
الفرق بين " الوَقـْر " بالفتح . و" الوِقْـر " بالكسر " دكتور محمد نور ربيع العلي منبر الحوارات الثقافية العامة 19 05-15-2021 07:12 PM
(أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ) عبدالعزيز صلاح الظاهري منبر الحوارات الثقافية العامة 0 05-26-2017 11:42 PM
التحليل الأدبي لقصيدة"ملاكي" للأديبة "فيروز محاميد" بقلم: ماجد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 09-04-2012 11:11 PM

الساعة الآن 05:16 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.