قديم 03-04-2012, 11:16 PM
المشاركة 301
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اهم الاحداث في حياة ابراهيم اصلان:

- لم يحقق أصلان تعليما منتظما منذ الصغر، فقد ألتحق بالكتاب، ثم تنقل بين عدة مدارس حتى أستقر في مدرسة لتعليم فنون السجاد لكنه تركها إلى الدراسة بمدرسة صناعية.
- ألتحق إبراهيم أصلان في بداية حياته بهيئة البريد وعمل لفترة كبوسطجى ثم في إحدى المكاتب المخصصه للبريد وهي التجربه التي ألهمته مجموعته القصصيه "ورديه ليل".
- يخاف أن يشتبك مع الناس فيفضح ضعفه وهشاشته المفرطة
- ماهية سمات القصة لدي أصلان : الاقتصاد في استخدام اللغة، الأحكام في البناء , الاهتمام بالشخوص، والأعماق المظلمة والطريفة للإنسان المصري , وحدة الحدث لكي يسهل السيطرة عليه , شعرية اللغة , المساحة المحدودة التي تدور فيها الأحداث. واصلان حكاء جميل مثل كل الفقراء من الكتاب والذي يتحولوا الي مسامرين مثل خيري شلبي والذي قضوا طوال حياتهم لاستجداء البيات والأكل.
-في الكتابة هناك طريقتين 1 أن تعيش حياه أو تجربة ثم تذهب لتحكي عنها لماذا ؟ أنا عن نفسي وقد عشت تجربة أظنها صعبة أو غنية لم يتخلف لدي أحساس بأنها تجربة استثنائية وذلك لأنني قضيت حياتي في حي شعبي بين بسطاء الناس الذين يمتلكون نفس التجربة أو ما هو أكثر من حيث الغني والصعوبة لم أري أحدا يعتبرها تجربه استثنائية , هو عاشها مرغما وألا مات من الجوع وفي وضعي كان علي أن أمتلك قدرا من الصلافه . ومن هذا يلائمني أكثر أن احكي بهذه الأوجاع والمسرات.
- يقول أنا أكتب بما يتراء لي أن الأمور هكذا أقرب إلي المزاج أكثر من أي شيئا أخر
- يقول في ادى المقابلات معه" أن التجربة الجمالية في حد ذاتها هي وسيلتنا في مواجهة كل أشكتال الغلظة والفظاظة والقهر الذي يعاني منه الأنسان".
- يقول أصلان في مقابلة اخرى" ولدت فى مدينة طنطا. وكان والدى موظفا فى هيئة البريد. وإنتقل للعمل بالقاهرة لكى يحص على علاوة امتياز خمسين قرشا. وكان كأب جدير بكلمة رجل بكل ما تعنيه الكلمة. وقد أنجبت والدتى اثنى عشر ولدا منهم خمسة ماتوا. وفور نزولنا للقاهرة أقمنا فترة فى منطقة الحسين، ثم أقمنا فترة أخرى فى منطقة باب الشعرية.
- ويقول"لكننى لا اتذكر من مرحلة طفولتى فى الحسين سوى مشهد واحد فقط أقف فيه على سلم بيتنا، وزملائى الأطفال ينادوننى. وأمى تقول لهم: "إبراهيم مش هيلعب معاكم لأنكم بتضربوه". ولكننى أتذكر أيضا أن رحلة متاعب والدى بدأت فى تلك الفترة، حيث دخلت بعد الكُتاب مدرسة أولية أهلية. ودرست فيها حوالى سنة تقريبا، ثم تركتها، ثم دخلت مدرسة إمبابة الإسماعيلية الإبتدائية. وبعد ذلك تركتها، ثم دخلت مدرسة لتصميم وهندسة السجاد، وتركتها كذلك. بعدها اضطر والدى لالحاقى بمدرسة عسكرية داخلية وكان سنى 15 سنة. ولأن هذه المدرسة كانت عسكرية ظللت بها سنتين. وحينما قامت ثورة 1952 أغلقت المدرسة أبوابها نهائيا. ولذلك دخلت المدرسة الصناعية فى مصر الجديدة. وكانت المواد التى يتم تدريسها فيها لا علاقة لها بالمرة بالعلوم العسكرية التى درستها فى المدرسة العسكرية. وحينما تركت هذه المدرسة أيضا أدرك والدى أنه لا فائدة من تعليمى فألحقنى للعمل معه بمصلحة البريد. وبعد ذلك عملت رواية "وردية ليل".
- ويقول "الحقيقة أنى، وعلى الرغم من محبتى الغامرة للناس إلا أننى دائما أشعر بالغربة، والوحدة. يوجد بداخلى ابراهيم اصلان آخر. بداخلى جزء مهم جدا، هو أننى طول عمرى متأكد أننى لن أستطيع أن أُخضع ضميرى الشخصى للضمير العام. ومن هنا قرأت فى الوجودية، وأحببتها. وقرأت الماركسية، وأحببتها كذلك. لكن أفكارى بطبيعتها، وبدون أى اختيار منى كانت بجانب اليسار.
مأزوم .

قديم 03-05-2012, 05:03 PM
المشاركة 302
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
42- باب الشمس إلياس خوري لبنان
باب الشمس | من الأوّل




2 نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةمن الأوّل، من أوّل الأول، من الجليل، دير الأسد، الغابسيّة، شعب، ترشحيا، من بيروت، برج البراجنة، تل الزعتر، شاتيلا، من عمّان، القاهرة، من فلسطين، ومن الأوّل الأوّل تبدأ هذه الرواية الكبيرة، تبدأ بالنكبة، تحكي عن النكبة، وعن المنكوبين، وتأخذ في نهايتها القارئ إلى جانب هادئ من الثورة الفلسطينية، نعم للثورات جوانب هادئة، لكننا نجهلها لأننا نجهل كيف نبدأ من الأوّل، لا نقتنع بان الثورات، بأن الموت، انما وجد لتحقيق المستحيل، لا الممكن، الممكن يمكن عمله في مختبر، أمّا النصر فيحتاج ثورةً، وموتًا وحبّا، ورواية.

“باب الشمس” رواية كبيرة جدًا، ولا أقصد هنا صفحاتها التي تتجاوز المئات الخمس، أقصد فحواها، إنها رواية كبيرة، فيلم وثائقي مكتوب وممتد على مدى عقود، ضفائر سوداء وناعمة لا سلطان عليها إلا للريح. وكأيّ كبير، فإنّ انطباعي عنها كبير، كرهتها، وأحببتها، مللت منها، وملّتني، لكنني أكملتها، من ألفها إلى يائها، من الغيبوبة إلى الغيبوبة، ومن نهيلة 1، إلى آخر إصدار من نهيلة التي صرخت في وجه محققي الأرض ” أنا شرموطة ” فخرجت من قسم الشرطة تقطر شرفًا. السيرة الذاتية للكاتب الياس خوري سيرة متشعبة، لكنها لم تقنعني بتاتًا أن ذلك يكفي لكي يكون روائيًا جيدًا، الذي أقنعني هو ما كتب، ما أخرج، ما فتح من أبواب في باب الشمس.

يونس الأسدي، ابو ابراهيم، وابو صالح، هو بطل الرواية الصّامت، هذا اللاجئ استطاع أن يأكل فلسطين بعد أن صيّرها برتقالاً، وأن يقطع الحدود جيئةً وذهابًا بعد أن صيّر نفسه ذئبًا للجليل. يقبع يونس في غيبوبة طوال الرواية، هذا في خط الزمن الرئيسي، لكنه يستيقظ ويحارب مع حامية شعب، يسب على جيش الانقاذ، ويضاجع حبّ حياته نهيلة، هو في غيبوبة في خط الزمن الرئيسي، لكنّه حيُّ يرزق ويتنفّس ويحكي في التفرُّعات. الدكتور خليل ليس طبيبًا، ولا ممرضًا، هو يرتدي رداءً أبيضًا ويكتب وصفات الأدوية وهذا كلُّ ما في الأمر، يحبُّ شمسًا التي زوّجت نفسها لغيره بالرصاص، لم ير والده، وشارك في حرب تمترس فيها وراء الجهل، جهل سبب الحرب وطرفها الآخر.
أكاد اجزم باستحالة حفظ جميع الشخصيات، ورسم ملامح مستقلة لكل منها، إلا ربما بقراءة الرواية بتفرغ تام، الأمر الذي لم أفعله، قرأتها في خضم فعلي أشياءَ أخرى كثيرة، شعرت أن جملها القصيرة غبية في كثير من الأحيان، وأن أسلوب استحضار الشخصية بالسؤال المعهود ” هل حكيت لك عن .. ” أسلوب سطحي أكثر من اللازم، لكن الصورة العامة عمومًا ستُرسم حتى وان كان الرسم تخطيطيًا، خريطة، لو قُرأت باب الشمس قراءةً سري

من الأوّل، من أوّل الأول، من الجليل، دير الأسد، الغابسيّة، شعب، ترشحيا، من بيروت، برج البراجنة، تل الزعتر، شاتيلا، من عمّان، القاهرة، من فلسطين، ومن الأوّل الأوّل تبدأ هذه الرواية الكبيرة، تبدأ بالنكبة، تحكي عن النكبة، وعن المنكوبين، وتأخذ في نهايتها القارئ إلى جانب هادئ من الثورة الفلسطينية، نعم للثورات جوانب هادئة، لكننا نجهلها لأننا نجهل كيف نبدأ من الأوّل، لا نقتنع بان الثورات، بأن الموت، انما وجد لتحقيق المستحيل، لا الممكن، الممكن يمكن عمله في مختبر، أمّا النصر فيحتاج ثورةً، وموتًا وحبّا، ورواية.
“باب الشمس” رواية كبيرة جدًا، ولا أقصد هنا صفحاتها التي تتجاوز المئات الخمس، أقصد فحواها، إنها رواية كبيرة، فيلم وثائقي مكتوب وممتد على مدى عقود، ضفائر سوداء وناعمة لا سلطان عليها إلا للريح. وكأيّ كبير، فإنّ انطباعي عنها كبير، كرهتها، وأحببتها، مللت منها، وملّتني، لكنني أكملتها، من ألفها إلى يائها، من الغيبوبة إلى الغيبوبة، ومن نهيلة 1، إلى آخر إصدار من نهيلة التي صرخت في وجه محققي الأرض ” أنا شرموطة ” فخرجت من قسم الشرطة تقطر شرفًا. السيرة الذاتية للكاتب الياس خوري سيرة متشعبة، لكنها لم تقنعني بتاتًا أن ذلك يكفي لكي يكون روائيًا جيدًا، الذي أقنعني هو ما كتب، ما أخرج، ما فتح من أبواب في باب الشمس.
يونس الأسدي، ابو ابراهيم، وابو صالح، هو بطل الرواية الصّامت، هذا اللاجئ استطاع أن يأكل فلسطين بعد أن صيّرها برتقالاً، وأن يقطع الحدود جيئةً وذهابًا بعد أن صيّر نفسه ذئبًا للجليل. يقبع يونس في غيبوبة طوال الرواية، هذا في خط الزمن الرئيسي، لكنه يستيقظ ويحارب مع حامية شعب، يسب على جيش الانقاذ، ويضاجع حبّ حياته نهيلة، هو في غيبوبة في خط الزمن الرئيسي، لكنّه حيُّ يرزق ويتنفّس ويحكي في التفرُّعات. الدكتور خليل ليس طبيبًا، ولا ممرضًا، هو يرتدي رداءً أبيضًا ويكتب وصفات الأدوية وهذا كلُّ ما في الأمر، يحبُّ شمسًا التي زوّجت نفسها لغيره بالرصاص، لم ير والده، وشارك في حرب تمترس فيها وراء الجهل، جهل سبب الحرب وطرفها الآخر.
أكاد اجزم باستحالة حفظ جميع الشخصيات، ورسم ملامح مستقلة لكل منها، إلا ربما بقراءة الرواية بتفرغ تام، الأمر الذي لم أفعله، قرأتها في خضم فعلي أشياءَ أخرى كثيرة، شعرت أن جملها القصيرة غبية في كثير من الأحيان، وأن أسلوب استحضار الشخصية بالسؤال المعهود ” هل حكيت لك عن .. ” أسلوب سطحي أكثر من اللازم، لكن الصورة العامة عمومًا ستُرسم حتى وان كان الرسم تخطيطيًا، خريطة، لو قُرأت باب الشمس قراءةً سريعة نوعًا ما، مصحوبة بالكثير من السجائر، وبقلم رصاص، فإنّ الناتج في ذهن قارئها خريطة.
الرواية هدية من صديقة، صديق آمنت مثلي أننا ” جيلٌ لم ير شيئًا “، وقررت أن تعين نفسها وتعينني على التخيّل، تمهيدًا للرؤية، الرؤية التي فارقت خليل في آخر الآخر، فصارت الصورة إمرأة، أو صارت المرأة صورة.

=
التناص في رواية اليا خوري
رسالة ماجستير على الرابط التالي:
http://scholar.najah.edu/sites/schol...yas_khouri.pdf




قديم 03-05-2012, 05:07 PM
المشاركة 303
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
إلياس خوري

(بالإنجليزية: Elias Khoury) هو قاص وروائي وناقد وكاتب مسرحي لبناني، ولد في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1948. كتب عشر روايات ترجمت إلى العديد من اللغات وثلاث مسرحيات وله العديد من الكتابات النقدية. يشغل حاليا منصب محرر في ملحق الحقيقة وهو الملحق الثقافي الأسبوعي لجريدة النهار.
أعماله

فيما يلي قائمة ببعض أشهر أعماله الأدبية:
  • عن علاقات الدائرة - رواية نشرت عام 1975
  • الجبل الصغير - رواية نشرت عام 1977
  • دراسات في نقد الشعر - كتاب نقد نشر عام 1979
  • أبواب المدينة - رواية نشرت عام 1981
  • الوجوه البيضاء - رواية نشرت عام 1981
  • الذاكرة المفقودة - كتاب نقد نشر عام 1982
  • المبتدأ والخبر - مجموعة قصصية نشرت عام 1984
  • تجربة البحث عن أفق - كتاب نقد نشر عام 1984
  • زمن الاحتلال - كتاب نقد نشر عام 1985
  • رحلة غاندي الصغير - رواية نشرت عام 1989
  • مملكة الغرباء - رواية نشرت عام 1993
  • مجمع الأسرار - رواية نشرت عام 1994
  • رواية باب الشمس - نشرت عام 1998 وقد تم إنتاجها فيلماً سينمائياً من إخراج يسري نصرالله وتمثيل عروة نيربية،هيام عباس،حلا عمران، نادرة عمران، عماد البيتم، باسل خياط
  • رائحة الصابون - رواية نشرت عام 2000
  • يالو - رواية نشرت عام 2002
  • كأنها نائمة - رواية نشرت عام 2007
قراءة تحليلية لرواية: مجمع الاسرار

مقالة أحمد محمود زين الدين
تبدأ قصة الياس خوري " مجمع الأسرار " بلازمة كلامية " بدأت الحكاية " تتكرر في مستهل كل مقطع، وتعيد رواية الوقائع مجدداً على صورة حلقات حلزونية تضيق وتتسع. تستـأنـف الحكاية دائماً من جديد، او الأحرى، من زاوية اخرى، ومن زمن آخر، كأنما هـي تتوالـد وتتناسل من داخل بؤرة حكائية مستقلة عن انعكساتها الواقعية، بؤرة تكشف بقـدر ما تخفـي، وتعكس الواقع لتوهمنا به. الخبر الروائي في قصة خوري هذه، كما ســائـر اقاصيصـه، يبـدو شديد الواقعية، ولكن ما ان نفرغ منه، حتى نتبين انه كاذب، وان ما يُروى هوالكـذب في عينه. هو الإيهام بالحقيقة، وليس الحقيقة في ذاتها. " هل نعرف السر حين نستمـع الـى الكلام ؟ هل الكلام يخبر ام ينفي " (ص 84). بهذا يتفوه الراوي ـ الكاتـب، وهـذا هـو الأساس الذي يقوم عليه البناء الروائي عند الياس خوري. فالرواية لديه ليست رواية الحقيقة، انما رواية الاحتمالات، شهـوة إلى الكلام لا ترد الـى الواقع بل إلى رواية اخرى. يضعنا الكاتب دوماً في مناخ من عـدم التصديق ان ما يحدث هو الواقع، يدفعنا إلى الريبة فيما يكتبه هو، وفيما نقرأه نحن. وإذ لا حــدود بيـن المعيـوش والمتخيل، ما دامت الحكاية تحل احياناً محل الواقع، فإن رواية خـوري تقول لنا بأننا غيـر قادرين على معرفة الحقيقة. وان النص الذي بين ايدينا ليس محاولة لهزّ يقيننا بهذا الواقع الذي نسميه واقعاً. والراوي ها هنا، غير واثق من حقيقة ما يرويه. وحيث يتمـاهى الـراوي بالمؤلف لا يعود المؤلف قابضاً على زمام الموقف، وهو يضع نفسه في الموقـع المـحايـد، ويغدو واحداً من الرواة المحتملين، ومرجعاً من مرجعيات متعددة. وإذ لا يدري هل ما يرويه حدث بالفعل، او هو متخيل او مختلق، فإن اللايقينية هذه تدفعه إلى الحيرة والبلبلة التي تختلط عليه الأحداث وتشتبه الأسماء في ذهنه، فلا يميز بين ما وضعه الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز في " قصة موت معلن " عن حكاية سانتياغو نصار، وما يكتبه هو عن عـائلة يعقوب نصار في لبنان التي كانت تستعد للهجرة إلى كولومبيا. ويتساءل : " من كتب الرسالة ؟ ما العلاقة بين جريمة قتل حصلت في كولومبيا، وبين هذه العـائلة التي باعـت الارض فـي " عين كسرين " وكانت تستعد للهجرة النهائية إلى اميركا الجنوبية ؟ هل كان الكـاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز يعلم حين كتب روايته " قصة موت معلن " انه يكتشف سر تلك الرسالة التي بقي غامضاً فترة طويلة، او حكاية ماركيز لا عـلاقة لها بموضوعنا، وصلتها الوحيدة به هي الأسماء التي قد تتشابه وتتكرر ؟ ". لا يعود الراوي ـ الكاتـب امام هذا الالتباس مسيطراً سيطرة كلية على فضائـه الروائـي. ولا يبقى متقلداً سلطة الكلام كصوت سردي وحيد. ثمة مسافة او هوة عميقة بـين المؤلـف ونصه. وكأنما النص يتحرر من كاتبه، ويتملص من قيوده، ويسخر من ادعاءاتـه بالقـدرة المطلقة، ويغدو الراوي ـ الكاتب جزءاً من نسيج الأحداث، خاضعاً لوطأتها، معرضاً للنسيان والشك والتضليل. ما يدفعه إلى خلخلة الفواصل بين الأزمنة والأمكنة والشخاص وبين المنـام واليقظة. وبين التمثيل والواقع. بين البريء والمجرم. ويظهر ان تبادل الأدوار، او الالتباس بين حنا السلمان (المالح) البريء، وفيكتور عواد القاتل، يمثّل صورة ناصعة عن هذا الخلط ذي البعد المأسوي. فحنا هذا الذي ارغم طوال الرواية على اداء الدور، ظـن في النهاية لشدة ما عانه انه لم يمثل دوراً، بل مارس حياة السجن كمجرم حقيقي. وحين ذهب لحضور اعـدام فيكتور عواد شعر كأنه هم من سيعدم ". حضر المحاكمة وذهب إلى حيث مثل عواد جرائمه، وكان يشعر انه من الممكن ان يكون هو. رأى المجرم الحقيقي يمثل الجرائم التي سبق لـه أن مثلها. وخاف من الحقيقة، واقتنع ان الإنسان يمكن ان يكون اي شيء، وان القضية برمتـها مجرد مصادفة " ص (169). وحيث الرواية تزيل الحد بين الواقعي والمتخيل او المحتمل، تدخـل القـارئ في دوامـة السؤال المفتوح عن المنطقة البرزخية بين هذين القطبين. واعتدنا بـما ورثنـاه من مفاهيـم وتصورات ان نفرق بينهما تفريقاً حاداً. الرواية إذن تناقض ما ألفناه وتقول ما يخالف قناعاتنا، وحيث نريد ان نقرأ ما يجلو الغموض، ويبسـط الحقائـق تطمـس الحـدود، وتحجـب، وتواري، بدل ان تبين وتكشف. تبدأ بموت (إبراهيم نصار) وتقفل او، الأحـرى، تفتـح مجدداً، (لأن كل نهاية في الرواية بداية لنقطة اخرى) على سلسلة من الأوهام والحكايـات المحيرة. بيد ان هذا الاختلاط بين الواقعي والوهمي في " مجمعغ الأسرار " لا يقلل البتة من علائقها بالحاضر او بالماضي، فالواقع في الرواية الذي يتناول، في وجه خاص، حقبة الخمسينـات، حاضر بقوة، وبكل كثافته التفصيلية اليومية، بصفته انه فترة مرجعية تضغط علـى تشكيـل المسار او المنحى الذي اتخذته الحرب الأهلية اللبنانيـة عـام 1975 في ما بعـد، غيـر ان استحضار هذا الواقع او تلك الفترة يمر من طريق الذاكرة، اي من طريـق التصفية واعـادة التركيب والمزاوجة بين الصورة الواقعية والصورة المتخيلة. كذلك يقـارب اليـاس خـوري الأحداث لا كما هي تنعكس في الذهن السلبي، وانما من خـلال اعـادة توزيعـها وتقطيعـها، وتنويع مساراتها ومستوياتها السردية، فيتمظهر الواقع لا كما كان، بل كما هو معاد إنتاجـه في نص متعدد الطبقات والكثافات. ويسعى القاص في مواضع من روايته إلى " التدخل " موضحاً مدلول تسميتة او خبـر ما، بالإحالة على كتابات واخبار صحافية، وربما وثائق تاريخية، مثل معنى اسم بلدة عين كسـور كما ورد في كتاب " معجم أسماء المدن والقرى اللبنانية " لأنيس فريحة، وحوّرها الياس خوري إلى " عين كسرين " واخبار اصلاح السجون اللبنانيـة نقلاً عن الصحـف اللبنانيـة الصـادرة عهدئذ. وكذلك استعادة احداث 1860، وتقصي حكايات المهرب الشهيـر سامـي خـوري. ووصف مراحل نزوح بعض العائلات اللبنانية من مواطنها الأصلية إلى لبنان. فالكاتـب لا يخرج روايـاته ولا ابـطاله من السيـاق التـاريخي والأحـداث العاصفة، ولا يحررهم من الإيديولوجيات الدينيـة والعصبويـة والعائليـة التي تضغط على اعناقـهم وعقولهم. فهو خصص بالحرب الأهلية اللبنانية جل رواياته واقاصيصه السابقة، وهنا فـي " مجمع الأسرار " وإن لم يضوئ على الحرب الأهلية 75، مثلما درج في رواياته السابقـة، فإن تحديد زمن الرواية ومن الصفحة الأولى بالسادس من كانون الثاني 1976 والعودة المتكررة إلى احداث 1860 لا يخلوان من دلالة ارتباط وثيق تجمع الحربين في سياق واحد، ويجعلان من الحرب الأخيرة فرعاً من جذع او بنية من العلاقات السلطوية المتجذرة في تـاريـخ لبنان. وتغدو حكاية الحرب الأخيرة حكاية محتملة الحدوث في كل آن. " كيف سيؤرخ المؤرخون لتلك العشيـة، هل بـدأت الحرب عـام 75، او عـام 73 او 68، او عـام 67 او عــام 58 او عـام 1860 ؟. " لا ادري كل العشيات تصلح ان تكون عشية لتلك الحرب الطـويلة التي دمرت كـل شيء " ص (185). والقاص في ما يكتب ينحو إلى الكشف عن الشروخ في قلب العلائق الاجتماعية والسياسية، ولا يتوانى في إظهار الثقوب في الجسد السياسي، عبر إدانته الجهاز القمعي للدولة التي عذبت بريئاً مثل حنا سلمان في السجن، حتى اوصلته إلى حافة الإعـدام والجنـون، وغضـت النظـر او تواطأت مع مهرب عالمي مثل سامي خوري. كذلك يعرض بالسلك الكهنوتي عندما يرتشي الكاهن، فيدفن الميت دون اجراء الطقوس المفروضة دينياً. وفي روايته يعنى الكاتب بموضوع الغربة داخل الوطن وخارجه، كما بأمور واقعية أخرى. هذا " الحضور " التاربخي والواقعي الملموس في الرواية لا يمكن مقاربته مباشرة، كما لو أننا نقرأ رواية واقعية، إذا جاز اليوم هذا التصنيف الجازم، بل ان الكاتب لا يقدم طبقاً واقعيـاً جاهزاً، ولا موضوعاً ممتكاملاً. وان غزل قصته من خيوط الواقع فهو يبعثـرها ويشبكـها، يشظي حكاياته، ويكسر زمنه. ويبدد موضوعاته، وان ثمة من علاقة بين الكاتـب والقـارئ فهي علاقة متباينة. حيثما يسعى الكاتب إلى التفتيت والتقويض والهدم، ينهض القارئ بأعبـاء الردم والتركيب والبناء، ووصل ما انقطع، وجمع ما تشتت. كذلك شأن وحدة موضوع الرواية، فثمة احداث او بؤر حكائية تتمحور حول شخصيـات، مثل حنا وابراهيم ونورما وسارة وسامي خوري وفيكتور عواد وجوليا وعباس ومنير واحمد. ووقائع محددة : موت إبراهيم، سجن حنا، اختفاء نورما. إلا ان سمة هذه البؤر او الأحداث : الاحتمالية والتعددية، وتكرارها الحلزوني، وقابـلية وقوعها على أكثر من وجـه وصورة. الرواية ذات مراكز متعددة، ولكل مركز او بؤرة حكائيـة خصوصيتـها ودلالاتـها الذاتيـة المستقلة من جهة، لكنها من جهة اخرى متعلقة، دون العلاقة العضويـة، بالنسق التخييـلي السائد والمهيمن على مجمل الفضاء الروائي العام. ومتداخلـة بأصـل او اصـول حكائيـة مفترضة، وبمفاصل زمنة ومكانية، وعناصر تعريفية دقيقة. واللافت في رواية الياس خوري انسجاماً مع تعدد المراكز والبؤر الحكائية، غياب البـطل " المركزي " الأوحد ازاء البطولة المتعددة والمتنوعة، وان بدا احياناً ان الضوء يسلط علـى حنا السلمان، فإن مأسوية مصيره هي التي توحي بهذا. وشخصيات هذه الرواية ليست مختلفة عن سائر شخصيات خوري في رواياته الأخرى. ببعدها عن النمطية والنموذجيـة والقولبـة، واقترابها من المواقع الشعبية المهمشة، ومن المعاناة المعيشية اليومية التي تطحـن اجسـادها وعقولها وتشوه نفوسها وتعبث بمصائرها. شخصيات في قلب السياق التاريخي وخارجـه فـي آن، لأنها منهمكة بترتيب شؤونها الصغيرة ونزواتـها التافهـة، ومحاصرة بعقـدها النفسيـة " نورما " المترددة، المازوخية، و" سارة " العانـس، و" جوليـا " المتوهمـة. إلى " حنـا " الغريب، و" إبراهيم "، المتوحد والمحبط. كذلك تتراجع اللغة الحوارية في " مجمع الأسرار " إلى درجة من العامية، والسـوقية احياناً، فتنم عند الشخصيات بالنوازع والنزوات الدفينة المتحللة من إهـابها الاجتماعي، والمعبرة عـن عمقها الباطني الحار.

قديم 03-05-2012, 08:48 PM
المشاركة 304
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
Elias Khoury

(Arabic: إلياس خوري‎) (born 12 July 1948, Beirut) is a Lebanese novelist, playwright, critic and a prominent public intellectual. He has published ten novels, which have been translated into several foreign languages, as well as several works of literary criticism. He has also written three plays. Between 1993 and 2009 he served as editor of Al-Mulhaq, the weekly cultural supplement of the Lebanese daily newspaper Al-Nahar.
Life and career as academic, critic and editor

Elias Khoury was born into a middle-class family in the predominantly Christian Ashrafiyye district of Beirut. In 1967, as Lebanese intellectual life was increasingly becoming polarised, with the opposition taking on a radical Arab nationalist and pro-Palestinian hue, Khoury travelled to Jordan where he visited a Palestinian refugee camp and then enlisted in Fatah, the largest resistance organisation in the Palestinian Liberation Organisation. He left Jordan in 1970 after the Palestinian guerrilla forces in the kingdom were crushed in Black September and travelled to Paris to continue his studies. There he wrote a dissertation on the 1860 Lebanon conflict. After returning to Lebanon, he became a researcher with the Palestine Liberation Organization's research centre in Beirut. He took part in the Lebanese civil war that broke out in 1975, and was seriously injured, temporarily losing his eyesight.
Khoury's first major involvement on the Arab literary scene was as a member of the editorial board of the journal Mawaqif, which he joined in 1972. Other members included Adonis, Hisham Sharabi and, somewhat later, Palestinian national poet Mahmoud Darwish. Of this group, Khoury later remarked that it was important, but marginal: "We were neither on the liberal right nor on the classical left. Intellectually speaking, we were very much linked to the Palestinian experience."[1]
From 1975 to 1979 he was editor of Shu'un Filastin (Palestinian affairs), collaborating with Mahmoud Darwish, and from 1981 to 1982 editorial director of Al-Karmel. From 1983 to 1990 he was editorial director of the cultural section of Al-Safir. He has been editor of Al-Mulhaq, the cultural supplement of Al-Nahar, since its reappearance after the end of the civil war.
He has taught in Columbia University, New York, in the American University of Beirut, the Lebanese University, the Lebanese American University and New York University.
[Literary works

Elias Khoury's first novel was An 'ilaqat al-da'ira, 1975. It was followed in 1977 by the highly successful The Little Mountain, set during the Lebanese civil war, which Khoury initially saw as a catalyst for progressive change. Other well-known works include The Journey of Little Gandhi, about a rural immigrant to Beirut who lives through the events of the civil war, and Gate of the Sun, 2000. An epic re-telling of the life of Palestinian refugees in Lebanon since the Nakba of 1948, Gate of the Sun also subtly addresses the ideas of memory, truth and story-telling. It has been made into a film by Egyptian director Yousry Nasrallah.
Interviewed for the Israeli newspaper Yediot Aharonot after the appearance of the Hebrew translation of the novel, Khouri remarked:
...when I was working on this book, I discovered that the “other” is the mirror of the "I." And given that I am writing about half a century of Palestinian experience, it is impossible to read this experience otherwise than in the mirror of the Israeli “other.” Therefore, when I was writing this novel, I have put a lot of effort into trying to take apart not only the Palestinian stereotype but also the Israeli stereotype as it appears in Arab literature and especially in the Palestinian literature of Ghassan Kanafani, for example, or even of Emil Habibi. The Israeli is not only the policeman or the occupier, he is the "other," who also has a human experience, and we need to read this experience. Our reading of their experience is a mirror to our reading of the Palestinian experience.
Khoury's most recent novel, Yalo, was controversial as it depicted a former militiaman accused of crimes during the civil war and portrayed the use of torture in the Lebanese judicial system.
Khoury's novels are notable for their complex approach to both political themes and more fundamental questions of human behaviour. His narrative technique often involves an interior monologue, at times approaching a stream of consciousness. In recent works he has tended to use a considerable element of colloquial Arabic, although the language of his novels remains primarily Modern Standard Arabic, which is also called Fusha. This use of dialect forms adds to the credibility and immediacy of the narratorial voice. While use of dialect in dialogue is relatively common in modern Arabic literature (for example, in the work of Yusuf Idris), Khoury introduces it into the main narrative, an unusual step although one clearly associated with the narrative technique of his works.
Elias Khoury's works have been translated into English, French, German, Hebrew, Portuguese, Italian, Catalan, Norwegian, Spanish, Swedish and Dutch[1].
[Recent political engagement

Al-Mulhaq, under Khoury's editorship, became the "tribune of opposition"[3] to controversial aspects of the post-Civil War reconstruction of Beirut led by businessman and politician Rafiq al-Hariri. The destruction of surviving elements of the city's architectural heritage in the Burj area and the old Jewish quarter of Rue Ouadi Abou Jamil aroused particular opposition.
In March 2001 Khoury signed a statement along with 13 other Arab intellectuals (including Mahmoud Darwish, Samir Kassir and Adonis), opposing the holding of a Holocaust denial conference in Beirut, a statement which was praised in the newspaper Le Monde by the Israeli ambassador to France. Khoury responded angrily to the ambassador's remarks, pointing to the Israeli repression of the Palestinian intifada.
Khoury, along with Samir Kassir and other intellectuals and political activists, was involved in the establishment of the Democratic Left Movement.
[List of works

Titles are given in English where a translation has been published, and otherwise in Arabic. Dates are of the appearance of the original Arabic work.
  • 'an 'ilaqat al-da'irah, 1975 (novel)
  • The Little Mountain, 1977 (novel) (translated by Maia Tabet)
  • Dirasat fi naqd al-shi'r, 1979 (criticism)
  • The Gates of the City, 1981 (novel) (translated by Paula Haydar)
  • White Masks' , 1981 (novel) (translated by Maia Tabet)
  • Al-dhakira al-mafquda, 1982 (criticism)
  • Al-mubtada' wa'l-khabar, 1984 (short stories)
  • Tajribat al-ba'th 'an ufq, 1984 (criticism)
  • Zaman al-ihtilal, 1985 (criticism)
  • The Journey of Little Gandhi, 1989 (novel) (translated by Paula Haydar)
  • The Kingdom of Strangers, 1993 (novel) (translated by Paula Haydar)
  • Majma' al-Asrar, 1994 (novel)
  • Gate of the Sun 1998 (novel) (translated by Humphrey Davies)
  • Ra'ihat al-Sabun, 2000 (novel)
  • Yalo, 2002 (novel; Best Translated Book Award 2009 short-list; available in two translations by Humphrey Davies and Peter Theroux)
  • As Though She Were Sleeping, 2007 (novel) (translated by Marilyn Booth)

قديم 03-17-2012, 06:40 PM
المشاركة 305
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


مقابلة احمد الزين مع الياس خوري على العربية وفيها يتضح حضور الكارثة والمآسي والحروب والموت في طفولة وحياة الياس خوري.

http://rawafednet.blogspot.com/2011/...post_5442.html

قديم 03-17-2012, 10:47 PM
المشاركة 306
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الياس خوري

للاسف لا يوجد تفاصيل دقيقة عن طفولة الياس خوري. ويبدو ان كل السير الذاتية المكتوبة عنه تقفز من ذكر سنة الولادة الى انضمانه للعمل الفدائي.
- ولد عام 1948 وكان قريب من مخيمات اللجوء والتشرد الذي عاناه الفلسطينيون.
- هزيمة 1967 كانت كارثه هزت وجدانه ودفعته للانضمام للعمل الفدائي حيث عاش في الغربية.
- انضم الى العمل الفدائي ثم شارك لاحقا في الحرب الاهلية اللبانية واصيب في تلك الحرب حتى انه فقد البصر مؤقتا.
- رائعته تحكي قصة اللجوء الفلسطيني في لبنان منذ عام 1948 وهي سنة مولده وفي ذلك ما يشير الى اثر تلك الكارثه عليه فانعكس ذلك الاثر عملا روائيا رائعا.
- ما يميز روايات الياس خوري هو معالجتها المعقدة للافكار السياسية والتصرفات الانسانية العميقة، وغالبا ما تميل رواياته لتحكى باسلوب التفريغ الذاتي internal monolgue او التداعي الحر .


سنعتبره عاش حياة ازمة كونه ولد سنة النكبة وصدم من هزيمة 67 ..ثم شارك في الحروب واصيب في احدها الى حد فقده للبصر...

مأزوم

==
للاطلاع على سر الروعة في اعظم الروايات العالمية تفضل بزيارة الرابط التالي:


قديم 03-18-2012, 11:42 AM
المشاركة 307
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
43- الحي اللاتيني سهيل ادريسلبنان

الحي اللاتيني
الحيّ اللاتيني، كانت صورته المتخيلة تملأ أفكاره ومشاعره، فتضرب دون كل ما سواها غشاوة كثيفة، ولقد مرّ بشوارع مرسيليا، ولكنه لم يرها، وقضى فيها يومه كاملاً، ولكنه لم يحسها، وأنفق أربع عشرة ساعة في القطار، أورثت في صدره ضيقاً شديداً، ولكنه نسي كلّ شيء إذ دخل القطار "محطة ليون" عما قليل، سيكون في الحي اللاتيني، سيتحقق الحلم المستحيل، بعد ردح قصير، ستبدأ الحياة التي ما انفك يعيشها في الخيال، منذ أن تهيأت له أسباب السفر إلى باريس، إنكم الآن في الحي اللاتيني، في روايته هذه استطاع "سهيل إدريس" أن يجعل النفس الإنسانية مسرحاً لصراع بين بيروت وباريس، بين الشرق والغرب، الشرق بأديانه وأخلاقه وتقاليده وصموده ورغبته في التحرر، والغرب بحريته وتقدمه وثقافته ونزعته الاستعمارية أيضاً
استطاع سهيل إدريس أن يجعل النفس الإنسانية مسرحاً لصراع بين بيروت وباريس، بين الشرق والغرب، الشرق بأديانه وأخلاقه وتقاليده وصموده ورغبته في التحرر، والغرب بحريته وتقدمه وثقافته ونزعته الاستعمارية أيضاً
==
نص رواية الحي اللاتيني:
http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:86473&q=


==
الحي اللاتيني
إن عنوان الرواية هو الحي اللاتيني، وهو عنوان كلاسيكي صيغ في تركيب وصفي اسمي، خبره المتن الروائي ككل. ويشير العنوان إلى المكون المكاني الذي تجري فيه الأحداث الرئيسة في الرواية. والحي اللاتيني حي الطلبة الذين يأتون إلى فرنسا من كل أصقاع العالم لطلب العلم ومتابعة الدراسات العليا الجامعية قصد تحضير شهادة الليسانس أو الدكتوراه, ويحاذي هذا الفضاء العلمي جامعة السوربون بباريس. كما أن هذا المكان يأوي الطلبة المغتربين بفنادقه ومطاعمه ويتحول إلى أندية للنقاش السياسي والاجتماعي والفكري أو ملتقى إنساني وحضاري متنوع لتعدد مشارب الطلبة على المستوى اللغوي والعقائدي، وفضاء رومانسي وغرامي يؤثث العلاقات بين الجنسين، كما يشكل صورة واضحة للعلاقة بين الشرق والغرب.
عتبة الجنس:
يمكن إدراج هذه الرواية ضمن الرواية الحضارية التي تصور العلاقة الجدلية بين الشرق والغرب أو بين الشمال والجنوب، أي أن الرواية الحضارية هي التي تصور العلاقة بين الأنا والآخر أو اللقاء الحضاري بين الشرق بعاداته ودياناته ومعطياته الروحية وبين الغرب بمعطياته المادية والعلمية والتكنولوجية. وقد تكون هذه العلاقة بين الأنا والآخر علاقة إيجابية قائمة على التواصل والتعايش والحوار والتكامل والأخوة والاحترام، وقد تكون العلاقة مبنية على الصراع الجدلي والعدوان والكراهية والصدام. والحي اللاتيني رواية من هذه الروايات الحضارية التي تعقد مقارنة حضارية بين الشرق والغرب، كما يمكن اعتبارها كذلك سيرة ذاتية للمؤلف الدكتور سهيل إدريس لتطابق أحداث الرواية مع سيرة الكاتب من الناحية العلمية والاجتماعية والهوية الثقافية والأدبية...ويمكن اعتبارها سيرة ذهنية على غرار سيرة عبد الله العروي أوراق والأيام لطه حسين وحياتي لأحمد أمين... مادامت تركز على المعطى العلمي والثقافي وما حصله البطل من شواهد علمية وما قرأه من كتب وما قام به من علاقات غرامية وثقافية وإنسانية.
وليست هذه الرواية هي الرواية الحضارية الوحيدة بل هناك روايات أخرى ظهرت منذ القرن التاسع عشر مع صدمة الاستعمار وطرح المفكرين والمبدعين لذلك السؤال الحضاري الجوهري الكبير: لماذا تقدم الغرب وتأخر الشرق؟
ومن النصوص السردية والروائية الحضارية نجد:
تخليص الإبريز في تاريخ باريز لرفاعة الطهطاوي(1834)؛
علم الدين لعلي مبارك( 1836)؛
حديث عيس بن هشام للمويلحي( 1905)؛
أديب لطه حسين(1935)؛
عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم (1938)
الحي اللاتيني لسهيل إدريس(1953)
قنديل أم هاشم ليحيى حقي(1954)؛
موسم الهجرة للشمال للطيب صالح(1966)
شرق المتوسط لعبد الرحمن منيف(1975).
4- المعمار الروائي:
للحي اللاتيني معمار روائي يذكرنا بالأبحاث الأكاديمية والرسائل والأطروحات الجامعية، إذ قسم الكاتب روايته إلى ثلاثة أقسام وتمهيد وخاتمة على غرار المصنفات والدراسات الأدبية والنقدية والفكرية. وهذا المعمار كان لا يستعمل بكثرة في الإبداع سواء أكان شعرا أم رواية أم قصة. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى تأثر الكاتب سهيل إدريس ببحوثه ودراساته الأدبية والنقدية والمترجمات التي كان ينجزها. و يتكون كل قسم من مجموعة من الفصول المرقمة دون أن يسميها فصولا. ويمكن توضيح المعمار الروائي على الطريقة التالية:
تمهيد: ثلاث صفحات تقريبا.
القسم الأول: 12 فصلا أو مبحثا قصصيا.
القسم الثاني: 11 فصلا أو مبحثا روائيا أو قصصيا.
القسم الثالث: 11 فصلا أو مبحثا روائيا أو قصصيا.
الخاتمة: ثلاث صفحات تقريبا.
ويلاحظ أن الكاتب أحسن تقسيم روايته لوجود تعادل وتواز كمي بين الأقسام و بشكل نسبي بين المباحث والفصول.
ومن حيث الدلالة يمكن حصره في الشكل التالي:

التمهيد :وصول الكاتب وأصدقائه إلى الحي اللاتيني بباريس
القـــــسم الأول إخفاق بطل الحي اللاتيني في باريس وجدانيا وعاطفيا وتعرفه على جانين مونترو
القسم الثاني العلاقة التي كانت تجمع بين البطل وجانين مونترو وعودته إلى بيروت لزيارة أهله
القسم الثالث تطور العلاقة الموجودة بين جانين والبطل بسبب الاختلاف الحضاري بين الشرق والغرب وقرار جنين التخلص من جنينها الذي تركته مع البطل
خاتمة عودة البطل إلى بلده بعد حصوله على الشهادة العليا وقراره أن يبدأ حياة نضالية جديدة
4- عتبة الأيقون:
إن الطبعة التي نعتمدها في دراستنا هاته هي الطبعة الحادية عشرة "1995" الصادرة عن دار الآداب البيروتية التي أسسها سهيل إدريس نفسه مع نزار القباني. ويحمل غلافها الخارجي ثلاث لوحات أيقونية: لوحة باريس الداكنة في فصل الشتاء، ولوحة نهر السين الذي يعبر باريس، ولوحة امرأة شقراء جميلة شبه عارية. وهذه اللوحات تلمح إلى الحب والجنس والمغامرات والفضاء الباريسي بعمرانه و مؤسساته وطبيعته الوارفة الغناء.
5- عتبة النشر:
لقد تم طبع هذه الرواية في دار الآداب البيروتية التي تنشر مجلة الآداب المعروفة التي كانت وإلى الآن منبر للحداثة والتجديد والريادة، وهذه الدار سهرت على طبع الكثير من الأعمال الإبداعية التي سوقتها عربيا وعالميا وحققت نجاحا كبيرا.
ومن يتأمل هذه الرواية يجد أنها وصلت إلى أكثر من الطبعة الحادية عشرة، وهذا يعني أن لها رواجا كبيرا حيث طبع منها آلافا وآلافا من النسخ " أكثر من 700000نسخة"، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى جودة هذه الرواية وشهرتها في العالم العربي، وبسبب ما خصص لها من إشهار إعلامي ودراسي.
6- عتبة كلمات الغلاف:
في الغلاف الخارجي الخلفي لرواية الحي اللاتيني مجموعة من الكلمات الانطباعية والآراء النقدية التي تقيم الرواية وتنقدها، وكلها تصب في تقريضها ومدح صاحبها على ما حققه من روعة فنية فيها. ومن هؤلاء نجد: ميخائيل نعيمة ونجيب محفوظ وشاكر مصطفى وأحمد كمال زكي ويوسف الشاروني وعبد الله عبد الدائم.
ب- المكونات القصصية:
المتن الحكائي:
تصور هذه الرواية العلاقة بين الشرق والغرب من خلال المرأة باعتبارها هي المحك الأساسي لهذه العلاقة والرمز الإنساني الذي سيحكم على هذا التواصل الحضاري بين الأنا والآخر. فبطل الحي اللاتيني هو الأنا أو الشرق، وجانين مونترو هي بمثابة رمز للآخر أو الغرب. إذا، كيف ستكون طبيعة العلاقة بين هاتين الشخصيتين الرئيسيتين في الرواية؟ هل ستكون علاقة إيجابية أم سلبية؟ وما أساس هذه العلاقة ومنظورها الفلسفي؟
يبدأ الكاتب باستهلال روائي يحدد الشخصيات المحورية في الرواية: البطل وعدنان وصبحي الذين غادروا لبنان متجهين إلى فرنسا من أجل استكمال دراساتهم العليا وتحضير الدكتوراه، وكل هذا على نفقة وزارة المعارف اللبنانية. بيد أن الشخصية الدينامية هي شخصية البطل التي استقر بها المقام بعد وصولها إلى باريس في الحي اللاتيني لتكون قريبة من جامعة السوربون. وقد نزل هذا البطل عاصمة الجن والملائكة من أجل تسجيل رسالة الدكتوراه في الشعر العربي الحديث تحت إشراف أساتذة فرنسيين ومستشرقين يدرسون في السوربون.
وبعد الاستقرار في الفندق، انطلق أصدقاء البطل للارتماء في أحضان الحرية والخمرة والرقص والمجون والاستهتار والجنس بعد أن هربوا من قيود أعراف مجتمعهم وتقاليده التي جعلتهم يعانون من الحرمان والكبت. و أصبحت الأنثى لعدنان وصبحي ملاذا وجوديا ومصيرا إنسانيا ضروريا في هذا الاغتراب الذاتي والمكاني. لكن بطلنا انطوى على نفسه وانزوى في حجرته يسترجع الماضي وأصدقاءه في بيروت وعشيقته ناهدة. وعاش البطل فترة من التردد والانجذاب بين بيروت وباريس، بيروت الماضي والتقاليد الصارمة وباريس الحاضر وحرية الانعتاق. وأحس بعد ذلك بالإخفاق والفشل في الحصول على ماكان يتمناه ألا وهو الوصول إلى أنثى شقراء للتواصل معها وجدانيا وعاطفيا على غرار أصدقائه العرب ولاسيما أحمد وربيع وفؤاد وصبحي وعدنان:" تبحث عنها... عن المرأة...تلك هي الحقيقة التي تنساها...بل تتجاهلها. لقد أتيت إلى باريس من أجلها. والآن، أرأيت أنك كنت مخدوعا عن نفسك، ساعة كنت تتصور أنهن كثيرات، هنا، وأنه يكفيك أن تسير في الطريق، ليتهافتن عليك، ويحدثنك حديث الهوى؟"1.
وقرر بطل الحي اللاتيني أن ينطلق مستبيحا ماهو محرم في بلده، يقتنص لذات الحب والجنس مع مومس الرصيف ويلامس ساق الفتاة الشقراء في قاعة السينما ويسأل هذه ويطارد الأخرى كدون جوان أو زير النساء. ولكن علاقاته في البداية كانت فاشلة أساسها الخيبة والانتظار والملل والإخفاق على غرار شخصية إدريس في رواية أوراق لعبد الله العروي. ولم يأت البطل إلى باريس إلا للبحث عن المرأة العارية للارتواء الجنسي بعد أن ذاق الحرمان والمنع والكبت السياسي والاجتماعي على شاكلة بطل الطيب صالح في روايته موسم الهجرة إلى الشمال الذي هاجر بلده السودان إلى لندن لينتقم من انجلترا التي استعمرت بلده جنسيا. إنه هروب من شرق التقاليد وطقوس الخوف والقهر إلى غرب الحرية واللذة الشبقية لا للانتقام من فرنسا المستعمرة بل للتحرر الشبقي والوجودي:" أسبوع طويل ينقضي، وفي جسدك نار تلتهب، وفي مخيلتك ألف صورة وصورة لنساء عاريات، متمددات على السرر، يلسعن فكرك وجسمك بألف لسان من نار. لا، لا تحاول أن تحتج أو تنكر. أجل شرقك ذلك، لم يغرك بالهرب منه سوى خيال المرأة الغربية، سوى اختفاء المرأة الشرقية في حياتك، إلا أن تطل في بسمة لا تزيد الحرمان إلا حرمانا، أو أن تشعرك بوجودها بلمسة تائهة، خائفة، بعيدة، تملأ ذاتك بمئة عقدة، وتميت فيك ثقتك برجولتك، أو أن تسعى أنت إليها حين تشعر تارة بالغربة الروحية مع امرأة لا تعطيك إلا جسدا فيه برودة الثلج، وطورا بالاشمئزاز والغثيان يتنافس في خلقهما عشرة أسباب على الأقل...هكذا عرفت المرأة في شرقك، فعرفت الخوف والحرمان والكبت والشذوذ والانطواء والخيال المريض. عرفت الخيال على أي حال، فكان لك فيه منجى من نفسك وجوك ومحيطك ومجتمعك. وقد أمسك هذا الخيال بذهنك، فقاده إلى البعيد الذي خلقت إطاره في وجدانك فصول من الكتب، أو من مغامرات صديق..." 22.
وبعد أيام وأيام من العبث واللهو والمجون، تعرف البطل فتاة شقراء في مقتبل العمر، حسناء من الألزاس هي جانين مونترو كانت تقطن معه بالفندق الذي كان يسكنه هذا الشاب الشرقي. فكانت بينهما ابتسامات الجوار، فتحولت إلى مطاردة ثم انتهت بالحب الرومانسي الذي أعقبه الارتواء الجسدي. فصارت العلاقة بينهما علاقة وفاء وصدق والتزام حتى أصبح كل واحد منهما لا يستطيع الفراق عن الآخر. عاشا أياما حلوة وممتعة بين قاعات السينما ومسارح باريس، وبين المقاهي والمطاعم، وبين الحانات والمراقص الليلية، وكانت جانين جسدا فاتنا ووجها جذابا يثير أنظار الآخرين. وقد أشاد بها زملاؤه ولاسيما فؤاد صديقه الوفي والعزيز لديه الذي كان شريكا لفرانسواز. وإذا كانت المرأة للبطل هدفا أساسيا فإنها بالنسبة لفؤاد وسيلة للنضال الوطني والقومي، فقضيته أكبر من المرأة، فأمته في حاجة إليه لتحريرها من شرنقة الاستعمار والتخلف والاستبداد؛ لذلك سيتصادم مع فرانسواز التي كانت تدافع عن الاستعمار الفرنسي، بينما فؤاد يرفض موقفها العنصري الذي لا ينسجم مع حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها وما دعت إليها الثورة الفرنسية. لذلك سيغادرها فؤاد عائدا إلى بلده لتشييع والده والبقاء هناك من أجل النضال القومي.
ومع مرض الأم، اضطر البطل أن يغادر باريس للتوجه إلى بيروت لقضاء العطلة الصيفية ريثما يعود في السنة الجامعية المقبلة لتكون آخر سنة لمناقشة أطروحته الجامعية نظرا لكثرة النفقات التي لايمكن لوزارة المعارف اللبنانية أن تتحملها إذا طالت مدة إقامته في فرنسا. وكان هذا السفر بالنسبة لجانين مأساة مؤلمة أثار فيها فكرة التفاوت الحضاري بين الشرق والغرب على الرغم من انبهارها بالشرق الروحاني وسحره الطبيعي الرائع وصحرائه المشمسة الفيحاء وتعاطفها مع العرب وثورتها على بلدها: فرنسا الاستعمارية. ولم تستطع أن تمنع جانين عشيقها الشرقي من السفر مادامت أمه تلح على رؤيته قبل أن تودع الحياة.
وبعد وصوله إلى بيروت، أحس البطل بالغربة والملل والضيق بسبب ابتعاده عن باريس وحبيبته جانين التي كانت ترسل إليه عدة رسائل وكان آخرها تخبره بأن له ابنا وهو جنين في بطنه وعليه أن يحسم في اختياره وأن يحدد مصير علاقتهما. وتحت ضغوطات أمه وأخته، اضطر البطل أن ينكر هذا المولود الذي قد يكون ثمرة علاقات مشبوهة مع الآخرين ولاسيما خطيبها هنري الذي فض بكارتها في بداية الأمر. ولكن جنين اتخذت موقفا نزولا عند رغبة عشيقها فأجرت عملية جراحية لإسقاط الجنين، وعانت في ذلك المرارة والألم الشديد وتغيرت صحتها وأصبحت بعد ذلك فقيرة معدمة ليس لها من يعيلها ولا عمل يساعدها على مواجهة أعباء الحياة مادامت لم تسطع الحصول على شهادة في معهد الصحافة الذي كانت تدرس فيه.
وعندما عاد بطل الحي اللاتيني إلى باريس، وبخه فؤاد لأنه لم يلتزم بالحرية ولم يكن في مستوى المسؤولية، كما عاتبته مذكرات جانين ورسائلها التي اعتبرت نفسها فيها عائقا كبيرا أمام طموح هذا الشرقي الذي ظفر بشهادة الدكتوراه ، وبحبها الصادق الذي ضحت من أجله لكي يدوم ويثمر ويبقى حيا طوال حياتهما. واستلقت جانين في كهف سان جيرمان لمعانقة أفكار سارتر في التحرر من المسؤولية والانسياق وراء الاختيار الوجودي والبحث عن المصير الإنساني المفضل. لقد أصبحت شخصية وجودية فقدت الثقة في القيم والإنسان ومعايير الحياة التي يقننها العقل والمنطق.
لم يستطع البطل أن ينسلخ عن شرقه وجذوره وما نشأ عليه من أعراف وتقاليد، وقد استوعبت جانين هذا الاختلاف الحضاري جيدا على الرغم من أن عشيقها قرر أن يتزوج منها بعد أن عاتبه ضميره الحي وأراد أن يقتاد بفؤاد وأن يكون مسؤولا وملتزما بدوره الوجودي. إنه صراع بين القيم الروحية والقيم المادية، صراع بين الدين والإلحاد، وصراع بين الأخلاق والإباحية، وصراع بين الرجولة الشرقية والأنوثة الغربية، وقد يعكس هذا الصراع التفاوت الحضاري بين غرب التقدم والتكنولوجيا والعلم وشرق التخلف والخرافات كما عكست ذلك رواية قنديل أم هاشم ورواية توفيق الحكيم: عصفور من الشرق. إذا، صدام اجتماعي وأخلاقي وحضاري، وهذا ما تعبر عنه جانين في مذكراته إلى فتاها الأسمر الشرقي بعد أن رفضت الزواج من فتاها بسبب القيود الاجتماعية والفكرية والعقائدية بين الشرق والغرب:" أنا الآن على يقين من أن اجتماعنا أمس، في غرفتي المسكينة، فرض علي فرضا أن أرد فكرة الاقتران بك. لقد اجتمعت أمس بإنسان لا أعرفه. بشاب أنكرته، وكأنني ما لقيته من قبل قط. كان شعوري بعد أن تركتني يا حبيبي. لقد استعدت ما حدثتني به عن المستقبل، وعن آمالك، وعن حياة الصراع الذي أنت مدعو إلى أن تعيشها في بلادك، فوجدت أن دنياك التي تحلم بها أوسع وأعظم من أن يستطيع الثبات فيها شخص ضعيف مثلي. إنك الآن تبدأ النضال، أما أنا فقد فرغت منه، ومات حس النضال في نفسي. لقد عجزت أن أقاوم أطول مما قاومت، فسقطت ضعيفة مهيضة الجناح...
أما أنت، فقد قرأت أمس في عينيك استعدادا طويلا، طويلا جدا للمقاومة والصراع. وقد كنت قرأت مثل ذلك في عيني صديقك العزيز فؤاد، ولكن يخيل إلي أن الجذوة التي كانت تطل من ناظريك هي أشد التهابا وإشعاعا من جذوة فؤاد، تلك التي حدثتني عنها مرة في معرض الإعجاب. إنك إنسان جديد يعرف الذي يريده، ويسعى إليه بثقة وإيمان. لا يا حبيبي، لسنا على صعيد واحد. لقد وجدت أنت نفسك بينما أضعت أنا نفسي. فكيف تريدني أن أستطيع السير إلى جانبك، قدما واحدة، في الطريق الشاق الذي ستسلك؟ إنني لا أنتمي إلى جيلكم، جيل وجيل فؤاد وربيع وأحمد وصبحي وعدنان. لا، لن أذهب معك. إن بوسعي الآن أن أتمثل نفسي إذا رافقتك. ستجرجرني خلفك. سأعيق طموحك. سأعيق طموحك. سأكون أنا في السفح وتكون أنت في القمة. فامض قدما يا حبيبي، ولا تلتفت إلى ما وراءك. أما أنا فأستمد دائما من حبي لك، هذا الذي تصهره الآلام، وقودا يشع علي، فينسيني شقاء عيشي، وزادا أتبلغ به حتى أيامي الأخيرة. فدعني هنا أتابع طريقي حتى النهاية، وعد أنت يا حبيبي العربي إلى شرقك البعيد الذي ينتظرك، ويحتاج إلى شبابك ونضالك.- جانين."3
وعاد الشرقي إلى بلده بشهادته المشرفة ليبدأ نضاله الوطني والقومي، ولتحقيق طموحاته وتطلعاته بين أحضان أسرته وشعبه وأمته.



قديم 03-18-2012, 11:47 AM
المشاركة 308
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع،،
الشخصيات:
لقد وظف الكاتب سهيل إدريس مجموعة من الشخصيات التي تتقابل فضائيا وحضاريا( الشرق≠ الغرب)، وجنسيا( الذكورة العربية≠ الأنوثة الغربية)، ولونيا( الأسمر العربي≠ الغربية الشقراء) لرصد التفاوت الحضاري والاختلاف الوجودي بين البيئة العربية المكبلة بأغلال الحرمان والمنع والكبت والشذوذ والعقد والخلفيات المسبقة والعادات والتقاليد المحافظة الموبوءة والبيئة الغربية التي تتسم بالتحرر والانعتاق والعلم والإقبال على الحياة ولو في ثوبها المادي اللاأخلاقي.
وإذا كانت مجموعة من الروايات العربية روايات أفضية ومكانية مثل: روايات نجيب محفوظ( زقاق المدق)، وعبد الرحمن الشرقاوي( الأرض)، ومحمد عزالدين التازي( المباءة- المغارات...)، فإن رواية سهيل إدريس على الرغم من عنوانها المكاني لهي رواية الشخصية لاسيما الشخصية النموذجية( بطل الحي اللاتيني) التي تعيش مصيرا وجوديا من خلال ثنائية الحرية والمسؤولية، الحرية في إثبات وجودها والارتواء من لذات الحياة والاستمتاع بمباهج الدنيا ومعاقرة الخمرة والإشباع الجنسي، والمسؤولية التي تكمن في الثورة على الحرمان والتقاليد البالية والعادات المستنبتة في الشرق والرغبة في النضال الوطني والقومي لتحرير الإنسان العربي من موروثات التخلف وقيود الكبت والإحجام والانطواء النفسي حتى تصبح الذات العربية قادرة على الإبداع والابتكار في مجتمع يقدس المرأة ويحررها إلى جانب الرجل حتى تساهم في العطاء والبناء الحضاري على غرار المرأة الغربية.
لقد خلق الكاتب شخصية مركزية وهي البطل واستتبعها بشخصيات ثانوية تابعة لها مثل صبحي وعدنان وربيع وفؤاد وأحمد. وتتسم هذه الشخصية بالفردية والتشبع بالفكر الوجودي الذي اكتسبه في جامعة السوربون لاسيما أن هذه الفترة كانت فترة الفلسفة الوجودية التي دعا إليها كل من سارتر وسيمون دوبوبفوار وألبير كامو، إذ قال سارتر: إن الإنسان في هذه الحياة كممثل يؤدي دوره ثم ينتهي وجوديا، لذلك دعا إلى حياة العبث واللاجدوى تحت شعار: افعل ما تشاء، حيث تشاء، ومتى تشاء. ( حرية الفعل، حرية المكان، حرية الزمان). كما أن فلسفة سارتر تنبني على مرتكزين أساسيين هما: الحرية والمسؤولية.
ويلاحظ أن شخصية بطل الحي اللاتيني شخصية تعبر عن المؤلف الواقعي: الدكتور سهيل إدريس مما يعطي لهذه الرواية بعدا أطوبيوغرافيا( سيرة ذاتية)؛ لأن الكاتب يرسم هذه الشخصية حسب قناعاته وأفكاره ومبادئه التي يؤمن بها حتى تتبدى لنا شخصية نموذجية ومثالية بالمقارنة مع عدنان المتعصب دينيا وصبحي المستهتر أخلاقيا وربيع التونسي المتطرف في مواقفه الوطنية والسياسية وفؤاد الملتزم بالدفاع عن قضايا الوطن والأمة حيث تخلى عن عشيقته فرانسواز لاصطدام مواقفهما تجاه فرنسا وبطشها الاستعماري. ويجمع فؤاد بين هموم المرأة الجنسية والهموم الثقافية والفكرية والنضالية، بينما يظل بطل الحي اللاتيني بطلا معتدلا في أفكاره ووطنيته ومواقفه تجاه الوطن والأمة والآخر لا يتشنج ولا يتعصب كالآخرين، فلسفته الوجودية متوازنة، وهذا ما يشير غليه كذلك الدكتور إبراهيم السعافين:" فالشخصية المركزية هي الفكرة المثالية، والشخصيات الأخرى إما عوامل كشف عن الشخصية المركزية وتعديل سلوكها وتسويغ له، وإما تبع لها تدور في فلكها، وتنطق باسمها، فوق أنها تلقي الضوء عليها، وتكشف عن أبعادها. وشخصية بطل الحي اللاتيني قد اختارت النوع الأول من الشخصيات الثانوية حيث تبدو شخصيته قائمة على الاعتدال، فهو معتدل في فكره و معتقده، معتدل في نزواته، معتدل في وطنيته، وحتى يلقى المؤلف الضوء على هذه القضايا، لجأ إلى توظيف الشخصيات الثانوية التي تعد نماذج ابتدعها فكر المؤلف، لتحدد " نموذج" الشخصية المركزية. وأما ما نسمعه على ألسنة جانين أو فرانسواز أو غيرهما فإنه محاولة لكشف بعد جديد من شخصية البطل، في الوقت الذي لانحس فيه بوجود هذه الشخصيات في الواقع أو نكاد. فهي- على أي حال- شخصيات كسيحة شوهاء أشبه بنماذج لفكرة جبرية في رأس المؤلف. الأمر الذي أدى أحيانا إلى أن تظهر النرجسية بوضوح فيما أضفته الشخصيات الثانوية إلى الشخصية المركزية" النموذج" على نحو ما ورد في رسالة جانين الأخيرة إلى بطل الحي اللاتيني التي أشرنا إليها في حديثنا عن الأحداث والعقدة"4.
وحتى على مستوى الشخصيات النسوية نجد تقابلا بينها: فجانين مونترو عشيقة البطل هي شخصية نموذجية تدافع عن العرب، وتقدر الحب والمسؤولية، وفية وصادقة في عواطفها ومبادئها، تضحي بكل ما لديها من أجل الآخرين. أما فرانسواز حبيبة فؤاد فكانت مثقفة وواعية ذوقها الفني رفيع بيد أنها كانت عنصرية تدافع عن فرنسا الاستعمارية. أما مارغريت والأخريات كمرأة الرصيف وفتاة السينما فهي نماذج وجودية مستهترة وعبثية غير صادقة ووفية، فواحدة تدعي أنها شاعرة، والأخرى تسرق نقودا من البطل، وأخرى تعد ولاتفي. أما هند في الشرق فهي نموذج للمرأة العربية الخائفة على شرفها وعفتها وجسدها ترتعد من وجود الرجل وتعطي ألف حساب للمعتقدات والأنظمة الاجتماعية الموروثة حتى تحافظ على نفسها ووجودها بين أسرتها ومجتمعها.
قد قلنا سالفا أن شخصية البطل أتت لتعبر عن فكر المؤلف مما جعلها تتميز بالفردية والنرجسية؛ لأن الشخصيات الأخرى كلها تدور في فلكها وترغب في اصطحابها ومعاشرتها على الرغم من انطوائيتها وعزلتها واحترامها لحريتها المقننة التي ترتبط بالمسؤولية. كما يمكن لنا أن نرصد مسارات في هذه الشخصية النامية الديناميكية:
مسار الإخفاق والعبث والملل واليأس واللاجدوى والاغتراب الذاتي والمكاني؛
مسار التحرر الوجودي عن طريق التمركز الذاتي والإشباع الجنسي والارتواء الثقافي والفني؛
مسار النقد الذاتي وتحمل المسؤولية الوجودية والوطنية والقومية.
ويمكن كذلك أن نضع تصنيفا للشخصيات في الرواية بهذا الشكل:
شخصيات وجودية عابثة ( صبحي- عدنان- أحمد....)؛
شخصيات وجودية متوازنة( البطل، وفؤاد)؛
شخصيات محافظة ( الأم، ناهدة، هدى، الأهل في لبنان....)؛
شخصيات نسوية زائفة( مارغريت، ليليان، فتاة الرصيف، فتاة السينما...)،
شخصيات نسوية عنصرية( فرانسواز، امرأة مطعم لوي جران التي وصفت الإنسان العربي بالمتوحش)؛
شخصيات إنسانية ضحية الظروف ولها موقف: ( جانين مونترو- تيريز).
ونستغرب أن يكون بطل سهيل إدريس بدون اسم علم يحمله، إذ تركه مجهولا لتعبر عنه ملامحه وأفعاله والقيم التي يؤمن بها. وما الجدوى من اسم علم في عالم يتناطح فيه الصراع ويبرز فيه الشر وتنعدم فيه الحرية . يقول سهيل إدريس عن بطله:" ولكن من حسن حظ بطل الحي اللاتيني أن قام عشرات من الدارسين يتعاطفون معه، محللين سلوكه بين الوقائع والأحداث، ويربطونه بوضع الإنسان العربي، المحروم المقموع، جنسيا وفكريا واجتماعيا، الذي يذهب ليلتمس الحرية في فترة من الاغتراب المؤقت، حتى إذا أاشبع هذه الرغبة المقموعة والتي كانت تكبت معظم طاقاته الإنسانية والإبداعية، بدأ يعي ذاته ويستكمل مختلف أبعادها، ويوظف طاقته في خدمة قومه الذين يعود إليهم. لقد ارتكب هذا الإنسان كثيرا من الآثام والأخطاء، لأنه كان يعتقد أن الحرية بلا ثمن. ولكنه حين أراد التكفير عن خطئه، أثبت أنه أصبح يعي مسؤوليته وأنه مدعو لتوظيفها في خدمة قضاياه المصيرية."5
وهكذا نخلص إلى أن شخصية البطل اللاتيني شخصية وجودية متوازنة على الرغم من تناقضاتها، وقد اهتدت في الأخير إلى خلاصها المسؤول أخلاقيا ومصيريا ووجوديا ووطنيا وحضاريا.
الفضاء الروائي:
نقصد بالفضاء الروائي المكان وزمان القصة في ترابطهما الجدلي والفني والسردي. فأحداث الرواية تقترن بفضاءين متناقضين: فرنسا ولبنان، وهما يشيران إلى التفاوت الحضاري بين فضاء روحاني وفضاء مادي. فلبنان بالنسبة لبطل الحي اللاتيني فضاء الحرمان والكبت والقهر والعادات المحافظة أما فرنسا فهو فضاء التحرر والانعتاق الوجودي. ويبقى الحي اللاتيني هو الفضاء الأساسي في الرواية لأبعاده التربوية والإنسانية كما أنه ملاذ للمحرومين جنسيا وعاطفيا. وتتقابل كذلك باريس الحرية مع بيروت التقاليد والمحافظة لتشكل شخصية البطل في صراعها الذاتي والموضوعي.
أما زمان القصة، فإن كان غير محدد بشكل جلي ولكن يمكن أن نموقع القصة في فترة ما بين الأربعينيات و الخمسينيات لانتشار الفكر الوجودي وإقبال الشباب على كهوف سان جيرمان لإثبات وجودهم الجنسي والمصيري والتحرر من قيود العقل وأنظمة المنطق، والإشارة إلى خضوع الوطن العربي للاستعمار.
ت- مكونات الخطاب الروائي:
1- الوصف:
يتسم الوصف عند سهيل إدريس بالإيجاز والاختصار؛ والسبب في ذلك أن الرواية تنبني على الأحداث ووظائف الشخصيات مما أثر على الوصف.
ولقد اهتم سهيل إدريس بوصف الشخصيات فوصفها وصفا بيانيا رائعا فيه سحر أخاذ كوصفه لفتاة السينما:" واسترخى في مقعده سعيدا كالطفل، فرحا بقرب هذه الفتاة التي يشعر بنكهة الفتوة تفيض من أردانها. كانت ترتدي بنطلونا طويلا مرسلا في وحشية لذيذة، دون ما تفنن. أما وجهها، فلم ير إلا الجانب الأيمن منه: وجه طفل تبرق فيه عين زرقاء، وشفتان تلتمعان بحمرة شفافة تحييها بسمة ساذجة".6
إن هذا الوصف يعتمد فيه الكاتب على الأوصاف والنعوت والتشبيه والاستعارات المجازية لتزيين الموصوف وتجميله. وقد يركز الكاتب على الوصف الخارجي7 الفيزيائي بطريقة موجزة ومختصرة تخالف طريقة المدرسة الواقعية التي تعتمد على التفصيل والإسهاب والإستقصاء كما عند نجيب محفوظ وعبد الكريم غلاب ومبارك ربيع:" فلم يقتنع عدنان ولم يشأ أن يمضي في النقاش. وما لبثوا أن طرقوا باب منزل في ضاحية " فانسين" أخذوا عنوانه من أحد المكاتب، ففتحت لهم سيدة لا يبدو أنها تتعدى الثلاثين من عمرها، ممشوقة الجسم، سمراء الوجه، ذات سحر وإغراء. وقد استقبلتهم باسمة مرحبة وأدخلتهم غرفة مؤثثة نظيفة طلبت ثمانية آلاف فرنك أجرا شهريا لها."7. كما وصف الكاتب الفضاء بأشيائه كوصفه لغرفة جانين بعد سأمها الوجودي وضياعها النهائي: "ويدخل، فيغلق الباب، ويراها تخلع سترتها وترمي بها على سرير منخفض صغير قائم في الزاوية. وإذ ذاك رأى ثيابها. كانت ترتدي مثل اللباس الذي رآه في " برغولا". وأجال بصره في الغرفة. إنها نصف غرفتي، نصف غرفتها في " ليغران زوم". وبالقرب من السرير، كانت تقوم طاولة قصيرة القوائم. وفي الزاوية المقابلة أريكة ذات مرفقين، أتجه إليها متمهلا، فانخسفت به حين اقتعدها" .8
ويلاحظ على وصف الأشياء الإيجاز بالمقارنة مع روايات بلزاك أو فلوبير؛ والسبب في ذلك يعود إلى افتقار غرفة جانين إلى الأثاث لفقرها وعوزها. ووصف الكاتب بعض الأمكنة إيجازا واختصارا:"على أنه ما عتم أن ضاق بغرفته نفسها، فغادرها عند الغروب إلى ساحة الأوبرا وفي نيته أن يشاهد واجهات المخازن المزدانة لمناسبة الميلاد، بكل رائع فتان من المعروضات. وقد ظل ساعة ينتقل أمام الحوانيت المضاءة، حتى أسلمته قدماه إلى جادة " الشانزليزيه"، وكان قد اجتازها مرة من أدناها إلى أقصاها، فاستشعر لذلك لذة غريبة.".9
الرؤية السردية:
يستند الكاتب في تقديمه للحبكة السردية إلى الرؤية من الخلف أو التبئير الصفري لاعتماد الكاتب على ضمير الغياب والراوي الواحد الموضوعي الذي تنازل إلى درجة الصفر لكسب الحياد وعدم التدخل في الأحداث. وتتسم معرفة الراوي بكونها معرفة شاملة ومطلقة تتعدى ماهو خارجي على ماهو داخلي كأنه الإله الخفي، ويعني هذا أن السارد يتوارى وراء ضمير الغائب ليقدم وجهة نظره ورؤيته للعالم والكون والإنسان. وإليكم مقطعا سرديا يحدد لنا هذه الرؤية المطلقة التي تدخل الرواية ضمن زمرة الروايات الكلاسيكية التقليدية:"وأغضت جانين مونترو، فأدرك هو أن نظرته المحددة قد آذتها. والحق أنه لم تكن له في ذلك حيلة، فقد كان في عينيها الزرقاوان صفاء لم يعهده في عينين قبلهما. وكان يحس، وهو ينظر فيهما، أن نظراته تستحم في مياهها الدافئة، بالرغم من أنها نظرات خاطفة هاربة، بل من أجل ذلك بالذات. وقد شعر بهذا منذ التقت عيناه بعيني جانين للمرة الأولى، فكان كل همه بعد هذا النظر الهارب، ويثبته في نظره، حتى يتاح له أن يسبر أغواره. وكان الفتاة إذ أغضت، قد أدركت ذلك، فصرفت عنه هذا النظر الذي يود أن يحتفظ بأسراره"10.
وللسارد وظائف يقوم بها في هذا النص كوظيفة السرد والتعليق وتقديم الأحداث والتنسيق بين الشخصيات والتأثير في المتلقي من خلال الوظيفة الانفعالية، بالإضافة إلى الوظيقة الإيديولوجية التي تكمن في تقديم الفلسفة الوجودية والدفاع عنها في هذا النص الروائي كأطروحة فكرية للاختبار والتمحيص.
بنية الزمن في الرواية:
وظف الكاتب نسقا زمنيا كلاسيكيا متناميا ومتسلسلا في تطوره السردي والكرونولوجي المتعاقب، إذ انطلق من الحاضر إلى المستقبل أو من لحظة الوصول إلى باريس إلى لحظة العودة إلى بيروت بعد حصوله على شهادة الدكتوراه كأن الزمن السردي في النص زمن دائري: بيروت- باريس- بيروت. وعلى الرغم من تسلسل الأحداث منطقيا وسببيا وكرونولوجيا فهناك انحرافات زمنية إما: إلى الماضي لاسترجاعه" فلاش باك"أثناء تذكره للبنان وناهدة وأسرته وأصدقائه وإما في استشراف للمستقبل لما ينتظره من طموح وتطلع علمي ونضالي أو لقاء غرامي ورومانسي.
الصياغة الفنية:
استعمل الكاتب في صياغته الفنية لمتنه الروائي على السرد ، ولكن لم يكتف بهذه الطريقة الأحادية في التعبير بل وظف الحوار للتعبير عن مواقف الشخصيات واستنطاق وجهات نظرهم ومنظوراتهم الإيديولوجية، كما شغل الأسلوب غير المباشر الحر الذي يختلط فيه كلام السارد والشخصية والذي يتحول في عدة مقاطع نصية إلى منولوج أو مناجاة تعبر عن الصراع الداخلي والتمزق النفسي:" ولكن هذا كله ما معناه، وما مناسبته؟ أليس هو تعلة تتعلل بها من خيبتك؟ أية خيبة هي؟ فتاة وعدت بالمجيء، وأنا لم أطلب إليها ذلك، ثم لم تأت، فليس في الأمر ما يعنيني، وإنما يعنيها هي أنها كاذبة. أما أنا، فقد ذهبت إلى السينما لأشاهد ذلك الفيلم الرائع، وكان لقائي بها لمصادفة عابرة أستطيع أن أنساها بالسهولة نفسها التي تمت بها. أي ضير في هذا؟"11.
أما لغة الرواية السردية فهي لغة بيانية وإنشائية تذكرنا بلغة الرافعي وطه حسين والمنفلوطي، تمتاز بنصاعة التعبير وسلاسة الألفاظ والتعابير الموحية والصور البلاغية الرائعة في الجودة والانتقاء، كما أنها لغة شاعرية في التشخيص، ثرية في تراكيبها ومعاجمها. ومن حقولها الدلالية نجد: حقل السفر- حقل الذات- حقل الجنس- حقل العلم- حقل الحب- حقل النضال.
أما الخطابات التي تتضمنها الرواية فنذكر الخطاب الفلسفي" الوجودية"، والخطاب الأدبي" الشعر العربي الحديث"، والخطاب الديني" تصورات عدنان"، والخطاب السياسي" تصورات فؤاد"...
وبناء على ما سلف يمكن القول: إن الحي اللاتيني رواية كلاسيكية في أسلوبها وبيانية في لغتها الأدبية على غرار رواية زينب لمحمد حسين هيكل أو عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم.
ث- الأبعاد المرجعية في الرواية:
1- البعد الفلسفي:
تندرج رواية الحي اللاتيني لسهيل إدريس ضمن الروايات الوجودية التي ترتكز على مقومين أساسيين وهما: الحرية والمسؤولية. أي أن هذه الرواية تصور عبث الشخصيات وقلقها ومللها وتحررها من القيود الاجتماعية والأخلاقية بحثا عن ذواتهم. ولكن تبقى الحرية عند البعض فوضى واستهتار مثل: صبحي وعدنان، وعند البعض الآخر مسؤولية كفؤاد وبطل الرواية." إن تعبير الحي اللاتيني عن الفكر الوجودي الذي التزم به المؤلف، لاتقل أهمية عن المضامين العديدة الأخرى التي ناقشتها الرواية من خلال اللقاء المتعدد الآثار بين الشرق والغرب، إن لم تكن تلك المضامين نابعة أصلا من موقف عام أملاه هذا الفكر في نظرته إلى الإنسان والواقع وحركة الحياة. وهكذا كان الفكر أبرز ما يسم رواية الحي اللاتيني التي تعد بداية انفتاح المؤلف " البطل"على الفكر الغربي بصورة مباشرة، ويتضح ذلك بصورة خاصة في قضايا المرأة والالتزام الوطني والقومي والسياسي، والمفارقة بين الموقف 12الثقافي والموقف الاستعماري في الحضارة الأوربية."12


قديم 03-18-2012, 11:48 AM
المشاركة 309
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع،،

البعدالاجتماعي:
تناقش الرواية كثيرا من الظواهر الاجتماعية و الحضارية كالتفاوتالموجود بين الشرق والغرب على مستوى العلم والثقافة والفكر والفلسفة والفن، ومعاناةالعالم العربي من التخلف والاستعمار والجهل والاستبداد السياسي والحرمان الاجتماعيوتردي القيم. كما تشير الرواية إلى نكبة فلسطين وضرورة النضال الوطنيوالقومي.
وتشير الرواية كذلك إلى البعثات الطلابية إلى الخارج وانسياقهم وراءملذات الحياة والتيارات الإلحادية المنحرفة والانغماس في الجنس والخمرة والاستهتاراللاأخلاقي. وتعكس كذلك منظومة الزواج في العالم العربي ، واستعداد الشباب العربيالمثقف للنضال والتضحية من أجل التحرر من الاستعمار والتخلف.
البعدالنفسي:
تتميز شخصيات الرواية بالطابع الوجودي وبخاصية الاستهتار والعبثواللاجدوى والخوف والقلق واليأس. فبطل الحي اللاتيني عند وصوله إلى باريس كان يحملمعه نفسية شرقية يطبعها الحياء والانطواء والانعزال والحرمان والكبت والشذوذ، إذاستقصد باريس للارتواء الجنسي باحثا عن المرأة للتلذذ بها أو الاجتماع بها وجوديا. وقد أحس بالإخفاق والإحباط العاطفي وتعرض للخوف والقلق والاغتراب الذاتي والمكانيولم يستطع أن يتكيف لا مع شرقه المستبد الممل ولا مع الغرب العبثي. وينتقل البطلبعد ارتباطه بجانين إلى التغني بالفردية والنرجسية بعيدا عن الهموم الجماعيةوالنضال الوطني. لينتهي به المطاف إلى الفكر الجماعي وعزمه في الأخير على النضالوالتحرر.
ج- القراءات النقدية:
هناك عدة دراسات قاربت رواية الحي اللاتيني،فهناك من اكتفى بتلخيص الرواية كما فعلت خالدة سعيد في كتابها حركيةالإبداع13، وهناك من قاربها من الناحية الفنية كالدكتور إبراهيم السعافين " تطورالرواية العربية الحديثة في بلاد الشام"، وهناك من حاكمها أخلاقيا مثل : عيسىالناعوري ورضوان الشهال اللذين أدانا البطل ووصفاه " بأنه سفيه خسيس ارتكب عملا لاأخلاقيا بتخليه عن الفتاة التي أنجبت منه، وخرجا من ذلك بأن المؤلف ، مثل بطله،سفيه خسيس"14. ونجد إلى جانب ذلك دراسات تقريضية أشادت بهذه الرواية وأبانت روعتهاالفنية والجمالية مثل: نجيب محفوظ و ميخائيل نعيمة ويوسف الشاروني وأحمد كمال زكيوشاكر مصطفى وعبد الله عبد الدائم ...15.
خاتـــــمــــة:
تعد رواية الحي اللاتيني لسهيل إدريس رواية وجوديةذات بناء كلاسيكي ولغة بيانية إنشائية شاعرية موحية مشوقة، كما أنها رواية ذهنيةحضارية تصور العلاقة بين الشرق والغرب من خلال المرأة كرمز فني لتجسيد هذا التقابلبين الرجولة والأنوثة من خلال رؤية للعالم قوامها التصور الوجودي الذي يستند إلىالحرية والمسؤولية.
1 -
سهيل إدريس: الحي اللاتيني، مطبعةدار الآداب، بيروت، لبنان، ط11، ص:26؛
2 -
سهيل إدريس: الحياللاتيني، ص:28-29؛
3 -
سهيل إدريس: نفسه، ص: 281-282؛
4 -
د. عبد الله السعافين: تطور الرواية العربيةالحديثة في بلاد الشام، دار المناهل، بيروت، لبنان، ط2، 1987،صص:463-464؛
5 -
د. سهيل إدريس: ( شهادة في تجربة روائية)،الرواية العربية: واقع وآفاق، دار ابن رشد للطباعة والنشر، ط1، 1981، ص: 286-287؛
6 -
سهيل إدريس: نفسه، ص: 32؛
7 -
نفسه، ص:67؛
8 -
نفسه، ص: 270؛
9 -
نفسه، ص: 136؛
10 -
نفسه، ص: 97؛
11 -
نفسه، ص: 43؛
12 -
إبراهيمالسعافين: نفسه، ص:446-447.
13 -
خالدة سعيد : حركيةالإبداع، دار العودة ، بيروت، لبنان، ط2،1982ص:225؛
14 -
انظر الرواية العربية: واقع وآفاق، ص:286؛
15 -
انظر الغلافالخارجي الخلفي لرواية الحي اللاتيني، ط11، 1995.
ملاحظةهامة : عن مجلة العربي المصرية

قديم 03-18-2012, 11:49 AM
المشاركة 310
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
سهيل إدريس
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
سهيل إدريس من مواليد بيروت سنة 1925 م، درس في الكلية الشرعية وتخرج منها شيخا عالما ورجل فقه، وبعد تخرجه سنة 1940 م تخلى عن زيه الديني وعاد إلى وضعه المدني. وبعد ذلك بدأ يمارس الصحافة منذ سنة 1939 م، لكنه استقال ليتابع دراساته العليا في باريس قصد تحضير الدكتوراه في الأدب العربي تحت إشراف أساتذة جامعة السوربون.
نال فعلا شهادة الدكتوراه واستوعب جيدا الفكر الغربي وتياراته الفلسفية عن طريق القراءة والترجمة والاحتكاك المباشر وعند عودته، أنشأ سهيل إدريس مجلة الآداب سنة 1953م بالاشتراك مع المرحومين بهيج عثمان ومنير البعلبكي، ثم تفرد بالمجلة سنة 1956م ودافع كثيرا عن التيار الوجودي، وترجم الكثير من إبداعاته وقد كانت المجلة دعامة أساسية للشعر التفعيلي والقصيدة النثرية والحداثة بصفة عامة.
أعماله

في سنة 1956 م، أسس سهيل إدريس دار الآداب بالاشتراك مع نزار القباني، الذي اضطر لاحقا إلى الانفصال عن الدار بسبب احتجاج الوزارة الخارجية السورية.
وعمل في سلك التعليم مدرسا للغة العربية والنقد والترجمة في عدة جامعات ومعاهد.
وأسس اتحاد الكتاب اللبنانيين مع قسطنطين زريق ومغيزل ومنير البعلبكي وأدونيس، وانتخب أمينا عاما لهذا الاتحاد لأربع دورات متتالية.
من مؤلفاته

قصص
  • أشواق 1947
  • نيران وثلوج 1948
  • كلهن نساء 1949
  • أقاصيص أولى 1977
  • أقاصيص ثانية 1977
  • الدمع المر 1956
  • رحماك يا دمشق 1965
  • العراء 1977
مسرحيات
  • الشهداء 1965
  • زهرة من دم 1969
روايات
  • الحي اللاتيني 1953
  • الخندق الغميق 1958
  • أصابعنا التي تحترق 1962
  • "سراب" رواية نشرت مسلسلة في جريدة بيروت المساء عام 1948
دراسات
  • في معترك القومية والحرية
  • مواقف وقضايا أدبية
  • القصة في لبنان
ترجمات
  • دروب الحرية
  • الغثيان
  • سيرتي الذاتية لسارتر
  • الطاعون لألبير كامو
  • هيروشيما حبيبي:لمارغريت دورا
سير ذاتية
  • ذكريات الأدب والحب 2005
  • "المنهل" معجم فرنسي – عربي بالإشتراك مع الدكتور جبور عبد النور.
  • ترجم سهيل إدريس أكثر من عشرين كتابا بين دراسة ورواية وقصة ومسرحية.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 108 ( الأعضاء 0 والزوار 108)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 03:25 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.