احصائيات

الردود
6

المشاهدات
791
 
موسى إبراهيم الثنيان
من آل منابر ثقافية

موسى إبراهيم الثنيان is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
11

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Feb 2022

الاقامة
السعودية

رقم العضوية
16911
02-09-2022, 10:06 AM
المشاركة 1
02-09-2022, 10:06 AM
المشاركة 1
افتراضي محطة انتظار... قصة قصيرة
محطة انتظار ]

كوة صغيرة أطل بها على العالم، العالم محطة قطار لا تحتمل الانتظار، لكنها تتيح لي تأمل إشارات أجساد ووجوه لأناس من مختلف الطبقات، أجلس كبائع للتذاكر في غرفة ذات حائط زجاجي مفتوح بتلك الكوة التي أتواصل من خلالها بالناس.

الوجوه تتغير أو لعلها تتكرر فليس بوسعي أن أحفظ ملامحها أو ما تحمله من أحاسيس ومشاعر؛ فذاكرتي لم تعد قادرة على احتواء المزيد بعد كل هذه السنوات من العمل وتزاحم الصور والإشارات، خلا بعض الوجوه التي تكرر نهاية عطلة الأسبوع، إنها تذهب وتعود كالطيور التي خلقت لتكون مهاجرة.

حين تتسع الكوة وأخرج من الغرفة إلى رصيف المحطة، أجدت نفسي تحولت لشخص آخر، أنظر للناس بعيني الحسد والغيرة، حركة الناس دائبة، والقطار يجيء ويرحل في أوقاته المحددة بصرامة ويسير على قضبانه الحديدية كجندي في الكلية العسكرية يؤدي مهامه بقوة، أشاهد كل يوم عشرات الناس جيئة وذهابا، أرمقهم وأتفرس وجوهم وهم على تلك المقاعد الحديدية ينتظرون لحظة إعلان دخولهم إلى مقصورة القطار، اليوم لفت نظري مجئ فتاة في العشرين ربيعا من عمرها ذات وجه جامد من التعابير، بدت منها ابتسامة لي فرددت لها الابتسامة بالمثل، قالت : مقعد على الرحلة الثانية عشر بعد الظهر.

قلت: حسنا.

اقتطعت لها التذكرة وأخرجت من حقيبتها النقود التي فاحت منها رائحة عطر نسائي فرنسي، وحين مدت يدها كان معصمها يلفه سوار براق.

أردفت : شكرا لك.

قلت: عفوا

بعد قليل وبينما أتابع وجوه الناس وقع نظري عليها، كان قد علا وجهها شحوب وعيناها الذابلتان تقاومان دموعا من الانحدار، خبرتي الطويلة في تفحص وتأمل الوجوه جعلتني أدرك أنها لا تريد للقطار أن يصل وأن ينقلها إلى الضفة الأخرى التي تصورتها جحيما لها، حدثت نفسي “يا ترى ما الذي يرغمها على صعود القطار إذا كانت لا ترغب، ،هل أجبرها أحد ما على سفر لا تعود بعده؟ هل أرغمتها الحياة على العمل في وظيفة سيئة تقع في الضفة الأخرى؟ هل هي عائدة لعائلتها التي تقمعها أو تحول دون ممارستها لحياتها بحرية؟.. يا لها من حياة لا فكاك منها كالقطار لا بد من ركوب كل مقصورة فيها وحتى آخر مقصورة.

لفتني أن بجانبها تجلس عائلة مكوّنة من رجل وامرأة و صبي في السابعة من عمره، كان الصبي يرتدي ملابس رياضية خضراء، ويركض ويلعب في فناء قاعة الانتظار غير عابئ بما سيجري؛ فبعد قليل سيصعد إلى القطار مع عائلته، وسيحظى برحلة سعيدة معهم ستنقلهم للضفة الأخرى ذاتها التي ستنتقل الفتاة البائسة التي تبدو أن الرحلة ستكون بالنسبة لها طويلة ومملة، كلنا نصعد ذات القطار وينقلنا إلى ذات الضفة الأخرى ولكن بحيوات مختلفة.

يأتي القطار ويرحل دون أن أحظى يوما بصعوده، لم أجرب انتظار وصوله على الرصيف أو الانتقال به وتجربة خضخضته، لمَ كل يوم أقطع تذاكر المسافرين ليسافروا ويجربوا حيوات أخرى بينما أنا هنا قابع في هذه الغرفة وخلف كوتها يأتيني المسافرون لأمنحهم السفروالتجوال.

كلما اقترب وقت انطلاق القطار إلى وجهته ازداد حال الفتاة اضطرابا، الناس المنتظرون على مقاعدهم مشغولين بذواتهم وثرثراتهم، لم تستلف نظر أحدهم باستثنائي أنا القابع بعيدا خلف الكوة ألحظ دموعها التي بدأت تتساقط، ثم بدأت تنهمر كالشلال، أخرجت من حقيبتها منديلا وراحت تمسح دموعها إلا أن الدموع واصلت الانهمار، وهي تبدّل المنديل تلو الآخر بينما تنظر إلى الساعة المعلقة على الحائط، هذه الساعة هي الأكثر أهمية للمسافرين ولموظفي الرحلة ولي أنا شخصيا، إنها الآن أكثر أهمية من أخبار السياسة وانهيار الدول وأخبار الحرب والسلم.

أتابعها محدثا أياها “ليتني ما اقتطعت لكِ تذكرة سفرك”، شعور بالندم بدأ يجتاحني كفيضان عارم، ليتني أذهب إليها وأمزق تذكرتها لأخبرها بأنه ليس مفروضا عليها السفر، ولتعش في المكان الذي ترغب ومع الناس الذين تحبهم حتى وإن كانوا هم من أتوا بك هنا إلى هذه المحطة ، محطة الرحيل.

الصبي القابع بالقرب منها بدا أكثر مرحا، وهو يتقافز هنا وهناك، تارة يرتمي في حضن أبيه وتارة في حضن أمه، سار أبيه متجها إلى متجر المحطة وعاد عائد في أحد كفيه كيسا ربما احتوى على بعض الحلويات وفي كفه الأخرى كرة قدم، لم يتمهل الصبي حتى يصل إليه أبيه وبدأ يركض باتجاهه في فناء قاعة الانتظار، بعض البشر لا يكثرون للآداب العامة، أصبح الصبي أكثر ضجيجا، لاحظت أن الفتاة الباكية قد وقفت وراحت تذرع المكان مجيئا وذهابا وبقية المسافرين ينظرون إلى الصبي بتأفف.

بعد قليل جاء رجل يمشي مختالا ببزته العسكرية ليتدخل وينهي الضجيج الذي أحدثه الصبي، أحمر وجه الأب خجلا وبدا عليه الاضطراب، ثم رأيتهما يتحدثان قليلا، وكأن الأب يشرح للشرطي مسألة مستعصية، ثم انصرف عنه الشرطي.

جلس الصبي على مقعده وأدخل كفه في الكيس وراح يخوض فيه وأخرج منه حلوى من الجلد مزّق الورقة بسرعة وراح يأكلها بشره، أثناء ذلك رأيت الأب قد انفرد جانبا مع الأم بعيدا عن الصبي وأخذا يتحدثان قليلا وقد اعتلى وجه الأم شحوبا واضطرابا بعد أن كان مشرقا، وهما ينظران للساعة كل دقيقة، ومن ثم بدا لي أنهما ينظران إليها كل ثانية، أما الفتاة فتقطب حاجباها وبدت أكثر اضطرابا عن ذي قبل بينما عيناها ترتكزان على ساعة الحائط.

أقبل الموظف وأمر المسافرين بولوج الباب المؤدي إلى مقصورات القطار، وتدافع الناس نحو الباب، وإذا بالأب يحتضن الصبي مودعا إياه، أخذ الأب يحدث ابنه الذي بدا متفاجئا حتى أنه شرع في البكاء وأمه تحاول أن تهدأه وتجرّه إلى القطار.

على الجانب الآخر انضم إلى الفتاة الشاحبة، “أقصد الشاحبة قبل قليل”، شاب في الثلاثين من العمر، لا أدري متى ولج إلى قاعة الانتظار وكيف؟ وكأنه هبط من السماء، عندما شبك كفه بكفها أشرق وجهها، لعله جاء لحظة إذ كنت مشغولا بتلك العائلة التي كانت سعيدة قبل قليل.

كنت مذهولا لما يجري، ودار في رأسي ألف سؤال وسؤال محاولا ترتيب الأحداث في رأسي من جديد، وإذا بغمامة سوادء أمام وجهي، لم يكن سوى رجل ضخم الجثة وقف أمامي ليحجب عني ذلك المشهد الذي يشبه الدرما الخليجية، قال لي : أريد ثلاثة مقاعد على الرحلة الثانية بعد الظهر.

مازلت مضطرب الذهن، وبقيت مشدوها أنظر إلى وجهه الضخم فاغرا فاهي، وكأن الرجل أدرك أنني تاه ولم أسمع قوله، ابتسم، وقد غارت عيناه في وجهه المكتظ وكرر طلبه بلطف.

قلت: حسنا.. حسنا.

بعد قليل سمعت صوت قطار الرحلة الثانية عشر وهو يسير إلى وجهته.


قديم 02-09-2022, 11:11 PM
المشاركة 2
منى الحريزي
القادم أجمل بإذن الله

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: محطة انتظار... قصة قصيرة
نص جميل ومميز و أسلوب راقي في القص .. راق لي
دمت بذات الألق أستاذ موسى

وأهلاً بك ومرحب في منابر القصص والروايات

دعاء سيد الاستغفار
قال رسول الله ﷺ: ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت،
أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
)
من قالها حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة، ومن قالها حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة
قديم 02-09-2022, 11:34 PM
المشاركة 3
ياسَمِين الْحُمود
(الواعية الصغيرة)
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي
الحضور المميز الألفية الثانية الإداري المميز الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى وسام الإدارة التكريم الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 9

  • غير موجود
افتراضي رد: محطة انتظار... قصة قصيرة


أخي الكريم " موسى إبراهيم الثنيان"

أرحب بك بداية بيننا في هذا الفضاء الجميل
مع تمنياتي لك طيب المقام شاكرة لك انضمامك إلينا..
إذا كان أول الغيث بهذا الجمال..
فنحن على موعد مع أشهى الثمر قريبا .
قرأتُ سردًا مباشرًا الذي يشوق القارئ أكثر
ويمسك بتلابيبه حتى الحرف الأخير .
دمت و دام إبداعك..
وأهلا بك معنا نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


خارج النص: لفتت انتباهي السلامة اللغوية نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

قديم 02-10-2022, 03:09 PM
المشاركة 4
عبد الكريم الزين
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الرابعة الألفية الثالثة وسام الإبداع الألفية الثانية التواصل الحضور المميز الألفية الأولى 
مجموع الاوسمة: 8

  • غير موجود
افتراضي رد: محطة انتظار... قصة قصيرة
نص جميل يرسم صورا لحالات إنسانية متباينة

بورك في قلمك أستاذ موسى ودام إبداعك
تحياتي وتقديري

قديم 02-10-2022, 09:21 PM
المشاركة 5
موسى إبراهيم الثنيان
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: محطة انتظار... قصة قصيرة
نص جميل ومميز و أسلوب راقي في القص .. راق لي
دمت بذات الألق أستاذ موسى

وأهلاً بك ومرحب في منابر القصص والروايات
شكرا لحضورك الراقي هنا أستاذة منى
دمت بخير

قديم 02-10-2022, 09:27 PM
المشاركة 6
موسى إبراهيم الثنيان
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: محطة انتظار... قصة قصيرة


أخي الكريم " موسى إبراهيم الثنيان"

أرحب بك بداية بيننا في هذا الفضاء الجميل
مع تمنياتي لك طيب المقام شاكرة لك انضمامك إلينا..
إذا كان أول الغيث بهذا الجمال..
فنحن على موعد مع أشهى الثمر قريبا .
قرأتُ سردًا مباشرًا الذي يشوق القارئ أكثر
ويمسك بتلابيبه حتى الحرف الأخير .
دمت و دام إبداعك..
وأهلا بك معنا نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


خارج النص: لفتت انتباهي السلامة اللغوية نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
شكرا لرقي ترحيبك الكبير لي
واتمنى فعلا أن أكون عند حسن ظنكم

قديم 02-10-2022, 09:29 PM
المشاركة 7
موسى إبراهيم الثنيان
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: محطة انتظار... قصة قصيرة
نص جميل يرسم صورا لحالات إنسانية متباينة

بورك في قلمك أستاذ موسى ودام إبداعك
تحياتي وتقديري
وبورك لك في حياتك

ولك كل التقدير والاحترام


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: محطة انتظار... قصة قصيرة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
محطة أرقام أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 4 02-26-2022 06:22 AM
محطة قطار المدينة المنورة أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 2 10-15-2021 10:35 AM
محطَّة بيريل ستريت أوَّل محطة لتوليد الكهرباء أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 0 09-04-2018 09:35 PM
محطة قطار المدينة المنورة أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 0 09-09-2015 09:47 PM
المجموع الثمين لخطب شهر رمضان للإمام بن عثيمين منقول جميل عبدالغني منبر الحوارات الثقافية العامة 6 09-02-2010 02:48 AM

الساعة الآن 08:51 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.