قديم 09-05-2010, 01:20 PM
المشاركة 31
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي

سوبر ماركت الشرق الأوسط




طالب: عندك ديوان (قرارة الموجة) لنازك الملائكة؟
البائع: عندي ديوان (كيف تركب الموجة).
الطالب: من تأليف من؟
البائع: أبرز الشعراء والكتاب العرب.
* * *


عامل: عندك خبز؟
البائع: بالخبز وحده لا يحيا الإنسان.
* * *


مثقف: اذن اعطنا كيلو حرية.
البائع: ليس عندي سوى حرية استيراد وتصدير.
المثقف: وحرية التعبير؟
البائع: بالمشمش.
* * *


المرضعة: عندك "حفاظات" أجف من القماش بمرتين؟
البائع: كان عندي كمية كبيرة ونفذت. الطلب عليها كثير هذه الأيام.
المرضعة: عجيب، مفقودة في جميع المحلات. ما السبب؟
البائع: لأن الكبار بدأوا يتهيأون لاستعمالها قريباً.
المرضعة: لماذا؟
البائع: المرحلة العربية المقبلة تتطلب ذلك.
* * *


مراهق: عندك صورة لنجلاء فتحي في باريس؟
البائع: لا. عندي صورة بيغين في القاهرة، وشارون في صيدا.
مراهق: بالمايوه؟
البائع: لا، بالبيكيني.
* * *


مهاجر: عندك شريط "لبنان يا أخضر حلو" ؟
البائع: لا.
المهاجر: "خضرا يا بلادي خضرا".
البائع: لا.
مناضل: عندك كتاب "قصر الحمراء مفخرة العرب" ؟
البائع: لا.
مناضل: قصيدة "وللحرية الحمراء باب" ؟
البائع: لا، لا. افهموا من أول كلمة، لم يعد هناك ما هو أخضر أو أحمر سوى اشارات المرور.
* * *


مؤرخ: عندك نظارات مقربة؟
البائع: لا.
المؤرخ: مبعدة؟
البائع: لا.
المؤرخ: يجب أن أعثر على واحدة بأية طريقة.
البائع: ولماذا؟ فلسطين لن تراها، قريتك لن تراها، الحرية لن تراها، الربيع لن تراه، المستقبل لن تراه، فلماذا تتعب أنفك البائس بحملها؟
* * *


مطلقة: عندك فيلم " أريد حلاً " لفاتن حمامة؟
البائع: كل الحلول بيد أمريكا.

* * *

مقاول: عندك خشب معاكس وحديد مبروم؟
البائع: لا، عندي ظروف معاكسة وشعب مبروم.

قديم 09-05-2010, 01:21 PM
المشاركة 32
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
المروحة والغبار




سؤال: أيها الشاعر هل تريد هدم القصور على رؤوس أصحابها؟
جواب: لا، أريد فقط أن أتنهد أمام أسوارها.
سؤال: أيها الصحافي، هل تريد هدم السجون؟
جواب: لا. أريد فقط أن لا أكون من نزلائها.
سؤال: أيها المسرحي، هل تريد الاستيلاء على كرسي وزير أو سفير؟
جواب: لا، حتى عند الحلاق صرت أجلس على طراحة.
سؤال: أيها الكاتب بشكل عام، هل تريد مزرعة وجياداً وكلاب حراسة؟
جواب: لا، ولكنني لا أريد أن أنبح معها.
أيتها المرحلة العربية المباركة، يا ذات القلب الأبيض والأظافر الحمراء.
الخروف يعيش على الكلأ.
والأرنب على الجزر.
والثعلب على الدجاج.
والغراب على الأطلال.
والكاتب الذي هو، ليس خروفاً، ولا أرنباً، ولا ثعلباً، ولا غراباً، وانما انسان له أنف وعينان، وأذنان، ومعدة، وبنكرياس، وحجاب حاجز، وأظافر، وزائدة دودية، وكرامة ... على ماذا يعيش؟ على الخطابات؟
لأنني منذ رأيت الطيور تأكل الحب ، والإنسان يأكل الطيور، قلت: المعدة هي برلمان العالم.
ثم القاتل يعبر عن رأيه بمسدسه.
والجلاد بسوطه.
والحداد بمطرقته.
والغانية بحواجبها.
والراقصة بخصرها.
والكاتب الذي هو ليس قاتلاً، ولا جلاداً، ولا حداد، ولا غانية ولا راقصة، بماذا يعبر عن رأيه؟ وكيف؟ صهيلاً كالجواد؟ أم عواء كالذئب؟
في نهاية كل سطر، جندي نازي بمعطفه الرمادي وبندقيته الطويلة.
في نهاية كل قصيدة ، حاجز تفتيش.
في نهاية كل رواية، مجلس طواريء.
وفي نهاية كل مسرحية، مؤتمر قمة.
فاذا لم يستطع الكاتب العربي، وفي أدق مرحلة تمر بها أمته، أن يعبر عن رأيه لا في الماضي، ولا في الحاضر، ولا في المستقبل، ولا في حرب لبنان، ولا في حرب الخليج، ولا في حرب الصحراء، ولا عن كامب دايفيد، ولا عن المقاومة، فماذا يكتب؟ عن وحام الأميرة ديانا!
ثم في هذه المرحلة بالذات حيث تفيض الأرض العربية بالدماء والأشلاء، والسماء بالرائحين والغادين، لعقد صفقات البيع والشراء، اذا لم يستطع أن يتحرك لا أدبياً، ولا مهنياً، ولا اقليمياً، ولا وحدوياً، فهل يضع سلة بيض في زاوية المكتب، أو المطبعة، ويرقد فوقها كالدجاجة حتى تمر هذه المرحلة؟
* * * *


مأساة الكاتب العربي، أنه يقضي زهرة شبابه وكهولته، وشيخوخته، وهو يقفز لاهثاً، مذعوراً من الصحافة، إلى المسرح، إلى الشعر، إلى القصة، إلى الصفحة الأولى، إلى الصفحة الأخيرة. وفي نهاية العمر، لا يجد ما يتبلغ به سوى دمه، وحطام أظافره.
ومع ذلك، ما زالت الجمارك والموانيء العربية، تستقبل على مدار السنة آلاف المطابع الجديدة. وما زالت هذه المطابع تهدر على مدار الساعة، وتقذف كل يوم وكل ساعة بآلاف الكتب الجديدة، والمجلات الجديدة الأسماء الجديدة. ولكن وأنت تطالع هذهالمجلة، وتتصفح ذلك الكتاب لا ترى غبار القدم بين السطور فحسب، بل خيوط العنكبوت في كل ما حولك بين خيوط المطر، وتويجات الزهرة، وأصابع الطفل الوليد.
ولذلك ما جدوى اصدار كتب جديدة؟
وشق طرق جديدة؟
وركوب سيارات جديدة.
وإجراء انتخابات جديدة.
بل ما جدوى ان ننتعل أحذية جديدة.
ونرتدي معاطف جديدة.
ومايوهات جديدة.
والوطن عتيق ... عتيق ...؟

قديم 09-05-2010, 01:22 PM
المشاركة 33
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
صلاة بيد واحدة




نحن الآن نستعد لحضور أحد المؤتمرات الثورية الخطيرة المنعقدة في إحدى دول المنطقة، لدراسة أهم ما تعانيه شعوبها وما تحلم به منذ أجيال.
ها هم أعضاء الوفود الذين يمثلون مختلف البلدان النامية بكل اتجاهاتها وسياساتها وتطلعاتها، يتأبطون مصنفاتهم ويتوافدون إلى قاعة المؤتمر بوجوه جادة وجباه مقطبة، دلالة التفكير العميق والوعي الشامل لأحداث التاريخ. وها هو رئيس المؤتمر يعانقهم بشوق ويصافحهم بحرارة بين حشود من الصحفيين والمراسلين والمخبرين والمصورين. وبعد كلمة ترحيبية قصيرة يطلب اخلاء القاعة إلا من رؤساء الوفود فقط لأن الجلسات ستكون سرية وعلى غاية كبيرة من الأهمية.
أغلقت الأبواب واسدلت الستائر، وأخذ رؤساء الوفود أماكنهم على مائدة طويلة والفوط على صدورهم، وما هي إلا لحظات حتى غطيت المائدة بالصحون والأقداح والأباريق. وتوافد الخدم والطهاة وعلى راحاتهم صواني الأرز والدجاج واللحم والسمك والخضار والكبب والخردل والكافيار، وغير ذلك من ضروب المشهيات والمقبلات، ولما انتهى المؤتمرون من التهام كل ما على المائدة، واضطجعوا قليلاً إلى الوراء وفكوا أزرار ستراتهم وقمصانهم لتأخذهم كروشهم دورها الطبيعي في المناقشات، نهض رئيس الجلسة والفوطة لا تزال على صدره وقال: والآن سنناقش مشكلة الجوع في العالم الثالث.

وبعد أن انتهى المجتمعون من دراسة هذه المشكلة من جميع جوانبها الاقتصادية والتسويقية والسياسية، واتخذوا عدداً من المقترحات والتوصيات وشكلوا عدداً من اللجان لدراسة هذه المقترحات والتوصيات، انتقلوا إلى الموضوع التالي في جدول الأعمال.

وبعد مرور ثلاث ساعات دون أن يتمكن رئيس الجلسة من ترتيب أماكن الجلوس حول طاولة المناقشات، وبعد أن هدد كل من يشهر مسدساً بطرده من الاجتماع، اضطر إلى احضار طاولات مصغرة عن طاولة المناقشات الرئيسية بعدد رؤساء الوفود. وبعد أن تصدر كل منهم طاولة مستقلة وأمامه ميكروفونه المستقل ومنفضته المستقلة وتصوراته المستقلة. مترفعاً حتى عن النظر إلى أي أحد من زملائه، نهض رئيس الجلسة وقال: والآن ... سنناقش موضوع الوحدة العربية.

وبعد دراسة مستفيضة لهذا الموضوع من كافة أبعاده التاريخية والفكرية والاسلامية والمسيحية، وبعد أن اتخذ المجتمعون عدداً من المقترحات والتوصيات، وشكلوا عدداً من اللجان لدراسة هذه المقترحات والتوصيات، انتقلوا إلى الموضوع التالي في جدول الأعمال.

وبعد أن أخذ كل من رؤساء الوفود مكانه على طاولة المناقشات ووضع أمامه ملفاته ووثائقه ومقترحاته واستطلاعاته، بالنسبة للماضي والحاضر والمستقبل، نهض رئيس الجلسة ووضع على فم كل واحد من الحضور شريطاً لاصقاً يصل من الاذن إلى الاذن وقال: والآن سنناقش موضوع الحرية في الوطن العربي.

وبعد مناقشات صريحة وعميقة وشاملة لجميع جوانب هذا الموضوع، اتخذ المجتمعون بعدها عدداً من المقترحات والتوصيات، وتقديم المقترحات والتوصيات اللازمة بشأنها.

وبعد أن أنهى المؤتمر كافة الموضوعات المدرجة في جدول أعماله، عقد جلسة ختامية بحضور أعضاء الوفود المرافقة والصحفيين والمراسلين والمراقبين ... وقد أذاع رئيس المؤتمر البيان المشترك التالي:
"في جو يسوده الوئام والتفاهم وروح التبصر والمسؤولية، عقد المؤتمر جلساته من تاريخ كذا إلى تاريخ كذا ... وبعد أن درس كافة المشكلات المعروضة عليه، واطلع على كافة التقارير الواردة إليه، وناقش كافة المقترحات والتوصيات الموجودة بين يديه، وبعد أن درس ونظر ومحص واتخذ أولاً وثانياً وثالثاً وعاشراً من القرارات يعلن ما يلي:
وأخيراً تكشفت النوايا العدوانية التي تبيتها الدول الأجنبية ضد الشعب العربي ليبقى متخلفاً ممزقاً جائعاً يرزح تحت كابوس لا ينتهي من القلق والرعب والجوع واليأس، حتى لا ينهض من كبوته ويشارك في صنع قدره وقدر الإنسان في هذا العالم. ولذلك فاننا لن نسمح بعد الآن لأمريكا أو لروسيا أو لأوروبا، ولا لأي بلد أجنبي مهما كانت قوته ونفوذه بأن يعبث بأمن هذا الشعب وحريته وكرامته، لأن هذا من اختصاصنا.

..... يتبع

قديم 09-05-2010, 01:23 PM
المشاركة 34
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
القفازات البيضاء



عاد هركول بوارو العربي إلى مكتبه متعباً وسأل سكرتيرته فاطمة إذا كان هناك من سأل عنه في غيابه فنفت ذلك. وتصفح الرسائل والبرقيات الواردة إليه بعدم اكتراث والقاها جانباً لخلوها من أي شيء هام ثم تمدد على أريكته المعهودة والقى قدميه بحذائهما على الصحف والمجلات الاسبوعية والشهرية الصادرة ذلك الصباح وراح ينفث دخان سيجارته في الهواء وهو يحلم بالقضية الكبرى التي تهز الرأي العام وتنقذه من خموله الجنائي الذي طال أمده، وتعيد له شهرته الآتية واسمه المدوي في عالم الاجرام والمجرمين كألمع مخبر خاص.

وفجأة رن جرس الهاتف رنيناً متواصلاً ملحاحاً فرفع السماعة واستوى في مقعده مستبشراً متحدثا:
صوت: الاستاذ هركول بوارو العربي؟
بوارو: هو شخصياً.
الصوت: سيدي أنا مفتش الأمن في قطار الشرق البطيء، وقد وجدنا أحد الركاب مقتولاً هذا الصباح وأريد مساعدتك للقبض على الجاني.
بوارو: ومن هو المجني عليه؟
الصوت: مجهول الهوية.
بوارو: ألم تعثروا في أمتعته أو في أو في جيوبه على أي شيء يثبت شخصيته؟
الصوت: لم نجد شيئاً ذا قيمة سوى خريطة مهترئة لفلسطين.
بوارو: وبقية الركاب؟
الصوت: معظمهم عرب.
بوارو: وماذا يفعلون الآن؟
الصوت: يؤنبونه.
بوارو: أنا قادم فوراً، لا تدع أحداً يغادر القطار.
وبسبب تجمع معظم المسافرين فوق جثة المجني عليه وتدافعهم لتقبيله ولثم جبينه وذرف الدموع على صدره لم يستطع هركول بوارو العربي لفت الأنظار إلى قدومه، كما أن أوامره بالتزام الصمت والهدوء لمباشرة مهمته ضاعت سدى وسط صيحات الثأر وحالات الاغماء، وتمزيق الثياب، ودق الصدور بالقبضتين، وتعداد مآثر الفقيد، مثل: يا عمود البيت، يا جسر المحبة، يا جسر العودة، يا زهرة شبابنا، يا معيل كفاحنا.
ولذلك استغل هذه الفرصة وانتحى بالمفتش جانباً.
بوارو: في أي مقعد كان يجلس؟
المفتش: في الحقيقة لم يكن له مقعد محدد. كان يجلس تارة هنا وتارة هناك، إلى أن انتهى به المطاف إلى الممر حيث يرقد الآن رقدته الأبدية. انه يعوق الحركة في حياته وفي موته كما ترى.
بوارو: عجيب. لا بصمات، لا آثار عنف. لا خصلة شعر. حتى ولا رماد سيجارة.
راكب: نحن لا ندخن. الدخان يضر بالصحة.
بوارو: ومن ذلك الشخص الممدد إلى جانب المجني عليه؟
المفتش: لا أعرف، ولكنه يقول أنه يريد أن يدفن معه.
بوارو: انهض يا هذا وعد إلى مقعدك.
الراكب: مستحيل. أريد أن أدفن معه. هاتوا رفشاً ومجرفة. لا استطيع الحياة من بعده.
بوارو: أين كنت عندما اكتشفت الجثة؟
الراكب: كنت في مقعدي استمع إلى إذاعة فلسطين. آه يا حبيبتي يا فلسطين!
بوارو: وأنت؟
راكب آخر: كنت أقرأ ديوان "عاشق فلسطين" لمحمود درويش.
بوارو: وأنت؟
راكب آخر: كنت أقرأ ديوان "الولد الفلسطيني" لأحمد دحبور.
بوارو: وأنت؟
راكب آخر: كنت أطالع تحقيقاً صحفياً عن ممارسات اسرائيل العنصرية داخل الأراضي العربية المحتلة. آه كم سيتحمل هذا الشعب ويتحمل!
بوارو: وأنت؟
راكب آخر: كنت استمع إلى أغنية "عائدون" لفيروز.
بوارو: وأنت، متى نمت ليلة الحادث؟
راكب آخر: في موعد اطفاء الأنوار، فأنا نظامي جداً وفوراً رحت أحلم بليمون يافا وبرتقال حيفا.
بوارو: خذوا أحلامه للتحليل.
المفتش: أمرك. سيدي.
بوارو: وأنت متى نمت ليلة الحادثة؟
المفتش: سيدي هذا يساري لا ينام ولا يدع أحداً ينام.
بوارو: ومن ذلك الذي يقف وحيداً في آخر القطار ويحك ظهره بالجدران والمساند؟
المفتش: إنه جربان سياسياً. لا يقترب من أحد ولا أحد يقترب منه.
بوارو: وذلك الممتقع الوجه والمتهالك على الأرض؟
المفتش: مغمى عليه.
بوارو: شمموه بصلاً.
المفتش: شممناه بصلاً، تراباً، برتقالاً وكل ما نعرف من منعشات دون جدوى. ولكن عندما شممه أحد زملائه دفتر شيكات صحا.
بوارو: أنت يا هذا، ماذا فعلت عندما سمعتب بالحادث؟
راكب آخر: دعوت فوراً لرأب الصدع وتناسي الخلافات وحشد الطاقات.
بوارو: وأنت؟
راكبت آخر: انهمرت الدموع من عيني ولم تتوقف حتى الآن ولن تتوقف حتى يكتشف المجرم الأثيم وينال قصاصه العادل.
بوارو: ماذا تعشيت في مثل هذا اليوم قبل 25 عاماً؟
الراكب: وما علاقة هذا بالحادث؟
بوارو: أنا أسأل وأنت تجيب.
الراكب: لم نكن نتعشى في تلك الأيام.
بوارو: لماذا؟
الراكب: كانت أياماً عصيبة يا سيدي.
بوارو: ماذا كنت تعمل؟
الراكب: موظفاً بسيطاً في أحد المصارف.
بوارو: والآن؟
الراكب: عندي مصارف.
بوارو: وكيف وصلت إلى ما أنت عليه؟
الراكب: من دعاء الوالدة.
بوارو: وأنت ما هي مهنتك؟
راكب آخر: محسوبك موظف بسيط في القضايا العامة.
بوارو: هل هذه أول مرة تسافر فيها بالقطار؟
الراكب: وآخر مرة. ولن اسافر بعد الآن إلا بطائرتي الخاصة.
بوارو: عندك طائرة خاصة، من أين لك المال لتشتري طائرة خاصة؟
الراكب: من راتبي يا سيدي.
بوارو: من أين أتيت بالمال؟
الراكب: في الحقيقة، في الواقع، في هذه الظروف العصيبة ...
بوارو: كفى. كفى. كيف كانت علاقتكم بالمجني عليه؟
الراكب: أخوية يا سيدي. كانت أحاديثنا أخوية وجلساتنا أخوية وسهراتنا أخوية ، حتى أننا كنا جميعاً نقرأ رواية "الاخوة كارامازوف".
* * *


وبعد أن جمع ما حصل عليه من معلومات اختلى إلى نفسه في مكتب المفتش وراح ينتقل بتحليلاته من متاهة إلى متاهة. وفجأة لمعت في ذهنه فكرة وقف لها شعر رأسه: لقد تذكر قصة "جريمة في قطار الشرق السريع" لأغاثا كريستي، التي كان فيها عدد الطعنات في جسد الضحية مطابقاً لعدد الركاب تماماً، وفي الحال خرج من المقصورة وأعاد التجربة. وعندما وجد أن عدد ركاب القطار مساو لعدد الطعنات في جسد المجني عليه صعق وانطلق هارباً من القطار وهو يصرخ: لن أصدق عيني. لن أصدق أذني. لن أذهب إلى عملي بعد الآن. لن أعود إلى بيتي. لن أسدد ديوني. لن أرسل أطفالي إلى الحضانة. ليخرج أبو سلمى وغيره من شيوخ العودة من قبورهم وليذهبوا إلى الحضانة.

قديم 09-05-2010, 01:24 PM
المشاركة 35
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
حاضر الليل







كانت قاعة المحاضرات تغص على اتساعها بمن توافدوا إليها بلهفة الظمآن للمطر من مثقفين وأميين وعمال وموظفين وفلاحين وحرفيين وطلاب ناجحين وراسبين، وفي طليعتهم مشوهو الحروب والعاطلون عن العمل، تركوا بيوتهم ومدارسهم ومزارعهم ومصانعهم متحدين الإنذارات الموجهة إليهم بالفصل عن عملهم، وجاؤوا للاجتماع إلى سيد من سادة الرفض والتنظير في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها أمتهم وشعوبهم وأوطانهم. وكل منهم يحمل في صدره من مرارات الماضي بقدر ما يحمل من الآمال في المستقبل، لعله يسمع كلمة صدق واحدة تعيد له ثقته بنفسه، وتنير له طريق العمل والكفاح وسط هذا الغيهب الإعلامي المترامي من المحيط إلى الخليج.

وما أن وصل المحاضر حتى هب الجميع من مقاعدهم ودوت أركان القاعة بالتصفيق وصيحات التهليل بالكلمة المحاربة والفكر المقاتل، ورفضوا الجلوس إكباراً لعلمه واحتراماً لماضيه وكبر سنه.

كذلك عندما تقدم عريف الحفلة من المحاضر ودعاه للجلوس وراء المنبر، رفض هو الآخر بدوره الجلوس وهم واقفون. كما رفض الوقوف وهم جالسون. وعندما اقترب منه ليهمس في أذنه بشيء ما، رفض الإصغاء إليه ودفعه بعيداً عنه وقال: لا أسرار صغيرة أو كبيرة بعد اليوم تخفى عن الشعوب. ويجب مصارحتها بكل شيء لتعرف من هو عدوها ومن هو حليفها. كما أرفض أن يقاطعني أحد وأنا ألقي محاضرتي، لأن الرفض يجري في دمي، وفي عروقي وأوردتي وشراييني، ومن رأسي إلى أخمص قدمي، وها هي الصور الشعاعية والتقارير الطبية تؤكد لكم على ذلك.

العريف: هناك سؤال يدور على ألسنة المثقفين...
المحاضر: أعرفه، أعرفه تماماً، انني في جميع أقوالي ومؤلفاتي أرفض جميع الحلول السلمية، وقرارات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن وتوصيات القمم العربية والإسلامية وعدم الإنحياز، وأرفض حدود 1967، وحدود 1956، وحدود 1948، لأنها في النهاية تكريس لوجود اسرائيل كمخلب قط للاستعمار وعلى رأسه أمريكا وحلفاؤها في المنطقة.

العريف: وهناك سؤال آخر حول ...
المحاضر: لا تقاطعني، كما أنني أرفض الوضع العربي الراهن وأرفض الأسس التي يقوم عليها من خلافات ومصالحات، وتصفيات واتفاقات، ومعاهدات لا علاقة بها بالشعوب وأهداف الشعوب. ان هذا ما يريده أعداء هذه الأمة، وعلى رأسهم أميركا وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي. إنني أختنق. إنني أختنق من رائحة التآمر والمؤامرات.
العريف: افتحوا الشبابيك...
المحاضر:لا، انني أرفض التهوية، وهناك ملايين العمال والفلاحين والمناضلين محرومون من النور والهواء في أعماق السجون والمناجم وآبار النفط في آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية، آه إنني بردان.
العريف: أشعلوا المدفأة.
المحاضر: لا، إنني أرفض التدفئة وهناك ملايين الرعاة والبحارة والصيادين يكدحون تحت الثلج والصقيع في المزارع والمعامل والمصانع، في خدمة البرجوازية والاحتكارات العالمية. لا، لا تصفقوا أرجوكم، ادخروا راحات أيديكم لحمل السلاح. لحمل العصي والحجارة. لضرب المصالح والاحتكارات الأمريكية في آسيا وفي افريقيا وفي أمريكا اللاتينية، وفي كل مكان من العالم، وشكراً لإصغائكم.
العريف: عفواً استاذ، ان الحضور لا زال متشوقاً للمزيد من هذه الدرر ويريد أن يعرف المزيد من الفظائع التي ارتكبتها أمريكا في فيتنام وكمبوديا ولاوس وتشيلي والسلفادور، لأننا نمر في نفس الظروف التي مرت وتمر بها.
المحاضر: آسف، فعندي التزامات بمحاضرات كثيرة في معظم أرجاء العالم الثالث والالتزام شعاري، كما هو معروف. وعلينا جميعاً أن نوقف المؤامرة، وننقذ الأجيال الطالعة مما تخبئه لها أمريكا من مخططات ومكائد.
العريف: رجاء أستاذ، هناك سؤال من أحد المستمعين.
المحاضر: ما اسمه؟
العريف: جابر.
المحاضر: أرفض الإجابة على أي سؤال منه لأن اسمه يبتدىء بنفس الحرف الذي يبتدىء به اسم جيمي كارتر وجيرالد فورد وجورج واشنطن...
العريف: هناك سؤال آخر من إحدى فتياتنا المشتعلات حماساً لك ولمؤلفاتك، ويتعلق بدور المرأة العربية في هذه المرحلة ...
المحاضر: وما اسم صاحبة السؤال؟
العريف: نعيمة.
المحاضر: أرفض حتى الجلوس معها في مكان واحد لأن اسمها يبتدىء بنفس الحرف الذي يبتدىء به اسم المدمرة نيوجرسي... على كل حال، لم تعد الشعوب بحاجة إلى أسئلة وأجوبة. فكل شيء بات واضحاً امامها الآن. ولا عدو لها سوى أمريكا وحلفائها في العالم أجمع وإلى اللقاء على أشلائهم جميعاً.
وبعد أن غادر القاعة وهو يمسح العرق عن جبينه، والرذاذ عن شفتيه، لحق به متسول في الظلام...
المتسول: حسنه لله يا محسنين...
المحاضر: هل معك صرافة مئة دولار؟

قديم 09-05-2010, 01:59 PM
المشاركة 36
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي

أما من أروع ما كتب محمد الماغوط .. فهذه المنتقيات الشعرية
أرجو أن تنال على إعجابكم :



الوشم)

الآن
في الساعة الثالثة من القرن العشرين

حيث لا شيء

يفصل جثثَ الموتى عن أحذيةِ الماره

سوى الاسفلت

سأتكئ في عرضِ الشارع كشيوخ البدو

ولن أنهض

حتى تجمع كل قضبان السجون وإضبارات المشبوهين

في العالم

وتوضع أمامي

لألوكها كالجمل على قارعة الطريق..

حتى تفرَّ كلُّ هراواتِ الشرطة والمتظاهرين

من قبضات أصحابها

وتعود أغصاناً مزهرة (مرةً أخرى)

في غاباتها

أضحك في الظلام

أبكي في الظلام

أكتبُ في الظلام

حتى لم أعدْ أميّز قلمي من أصابعي

كلما قُرعَ بابٌ أو تحرَّكتْ ستاره

سترتُ أوراقي بيدي

كبغيٍّ ساعةَ المداهمه

من أورثني هذا الهلع

هذا الدم المذعور كالفهد الجبليّ

ما ان أرى ورقةً رسميةً على عتبه

أو قبعةً من فرجة باب

حتى تصطكّ عظامي ودموعي ببعضها

ويفرّ دمي مذعوراً في كل اتجاه

كأن مفرزةً أبديةً من شرطة السلالات

تطارده من شريان إلى شريان

آه يا حبيبتي

عبثاً أستردُّ شجاعتي وبأسي

المأساة ليست هنا

في السوط أو المكتب أو صفارات الإنذار

إنها هناك

في المهد.. في الرَّحم

فأنا قطعاً

ما كنت مربوطاً إلى رحمي بحبل سرّه

بل بحبل مشنقة

قديم 09-05-2010, 02:01 PM
المشاركة 37
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
رجل على الرصيف..

نُصفُهُ نجوم

ونصفه الآخرُ بقايا وأشجارٌ عاريه

ذلك الشاعرُ المنكفيءُ على نفسه كخيطٍ من الوحل

وراء كل نافذه

شاعرٌ يبكي ، وفتاةٌ ترتعش ،

قلبي يا حبيبةٌ ، فراشةٌ ذهبيه ،

تحوِّم كئيبة أمام نهديك الصغيرين .

. . .

كنتِ يتيمةً وذات جسدٍ فوَّار

ولأهدابك الصافيةِ ، رائحةُ البنفسجِ البرّي

عندما أرنو إلى عينيك الجميلتين ،

أحلم بالغروب بين الجبال ،

والزوارقِ الراحلةِ عند المساء ،

أشعرُ أن كل كلمات العالم ، طوعَ بناني .

. . .

فهنا على الكراسي العتيقه

ذاتِ الصرير الجريح ،

حيث يلتقي المطر والحب ، والعيون العسليه

كان فمك الصغير ،

يضطرب على شفتي كقطراتِ العطر

فترتسمُ الدموعُ في عيني

وأشعر بأنني أتصاعد كرائحة الغابات الوحشيه

كهدير الأقدام الحافيةِ في يوم قائظ .

. . .

لقد كنتِ لي وطناً وحانه

وحزناً طفيفاً ، يرافقني منذ الطفوله

يومَ كان شعرك الغجري

يهيمُ في غرفتي كسحابه ..

كالصباح الذاهب إلى الحقول .

فاذهبي بعيداً يا حلقاتِ الدخان

واخفقْ يا قلبي الجريح بكثره ..

ففي حنجرتي اليوم بلبلٌ أحمرُ يودُّ الغناء

أيها الشارع الذي أعرفه ثدياً ثدياً ، وغيمة غيمه

يا أشجار الأكاسيا البيضاء

ليتني مطرٌ ذهبي

يتساقط على كل رصيفٍ وقبضةِ سوط

أو نسيمٌ مقبلٌ من غابة بعيده

لألملم عطر حبيبتي المضطجعة على سريرها

كطير استوائي حنون

ليتني أستطيع التجول

في حارات أكثرَ قذارة وضجه

أن أرتعشَ وحيداً فوق الغيوم .

. . .

لقد كانت الشمس

أكثر استدارةً ونعومة في الأيام الخوالي

والسماء الزرقاء

تتسلل من النوافذ والكوى العتيقه

كشرانقَ من الحرير

يوم كنا نأكل ونضاجعُ ونموتُ بحرية تحت النجوم

يوم كان تاريخنا

دماً وقاراتٍ مفروشه بالجثث والمصاحف

قديم 09-05-2010, 02:02 PM
المشاركة 38
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
الغجري المعلب ............

بدون النظر إلى ساعة الحائط

أو مفكرة الجيب

أعرف مواعيد صراخي

وأنا هائم في الطرقات

أصافح هذا و أودع ذاك

انظر خلسة إلى الشرفات العالية

إلى الأماكن التي ستبلغها أظافري وأسناني

في الثورات المقبلة

فأنا لم أجع صدفه

ولم أتشرد ترفاً أو اعتباطاً

" مامن سنبلة ِ في التاريخ

إلا وعليها قطرة من لعابي "

..................................

أعرف أن مستقبلي ظلام

وأنيابي شموع

أعرف أن حد الرغيف

سيغدو بصلابة الخنجر

وأن نهر الجائعين سوف يهدر ذات يوم

بأشرعته الدامية

وفرائصه الغبراء

فأنا نبي لا ينقصني إلا اللحية والعكاز والصحراء

ولكنني سأظل شاكي السلاح

في " قادسية العجين "

وفي "واترلو الحساء" التي يخوضها العالم

هكذا خلقني الله

سفينة وعاصفة

غابة وحطابا

زنجياً بمختلف الألوان كالشفق , كالربيع

في دمي رقصة الفالس

وفي عظامي عويل كربلاء

ومامن قوة في العالم

ترغمني على محبة مالا أحب

وكراهية ما لا أكره

مادام هناك

تبغ وثقاب وشوارع..

قديم 09-05-2010, 02:03 PM
المشاركة 39
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
في الليل................

هناك نحل ... وهناك أزهار

ومع ذلك فالعلقم يملأ فمي .

هناك طرف وأعراس ومهرجون

ومع ذلك فالنحيب يملأ قلبي .

..................

أيها الحارس العجوز ياجدي

أعطني كلبك السلوقي لأتعقب حزني

أعرني مصباحك الكهربائي

لأبحث عن وطني .

من أزقة طويلة كسياط أجدادي

آتي إليك,

والاستغاثات مصظفة في حنجرتي كالمجاذيف

لأشكو لك الغبار والجماهير

الليل والزهور والموسيقى

لأشكو لك ذلك الرصيف :

ما أن شرعت بقصتي

حتى انسل من بين الأزقة كالأفعى

وتركني وحيداً ... وقدماي

تهتزان في الهواء كقدمي المشنوق

ولذا جئتك مرفرفاً بيدي كالخفاش

لا أعرف أين أمضي هذه الليلة

وكل ليلة

الأرصفة التي أعبرها

تلفظ خطواتي كالدواء المر

الجدران التي ألمسها

ترتعش تحت أصابعي كالشفاه قبل الزئير

أحسد المسمار

لأن هناك خشباً يضمه ويحميه

أغبط حتى الجثث الممزقة في الصحراء

لأن هناك غرباناً ترفرف حولها وتنعق لأجلها

آه ياجدي

لقد اشتقت للظلم للإرهاب

للتعلق بالأغصان بالشاحنات

للتمسك بأي شئ

ولو بقضبان السجون

..........................

إنني لست ضائعاً فحسب

حتى لو هويت عن أريكتي في المقهى

لن أصل إلى سطح الأرض بآلاف السنين .

قديم 09-05-2010, 02:05 PM
المشاركة 40
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
حزن في ضوء القمر ........



أيها الربيعُ المقبلُ من عينيها

أيها الكناري المسافرُ في ضوء القمر

خذني إليها

قصيدةَ غرامٍ أو طعنةَ خنجر

فأنا متشرّد وجريح

أحبُّ المطر وأنين الأمواج البعيده

من أعماق النوم أستيقظ

لأفكر بركبة امرأة شهيةٍ رأيتها ذات يوم

لأعاقرَ الخمرة وأقرضَ الشعر

قل لحبيبتي ليلى

ذاتِ الفم السكران والقدمين الحريريتين

أنني مريضٌ ومشتاقٌ إليها

انني ألمح آثار أقدام على قلبي .

دمشقُ يا عربةَ السبايا الورديه

وأنا راقدٌ في غرفتي

أكتبُ وأحلم وأرنو إلى الماره

من قلب السماء العاليه

أسمع وجيب لحمك العاري .

عشرون عاماً ونحن ندقُّ أبوابك الصلده

والمطر يتساقط على ثيابنا وأطفالنا

ووجوهِنا المختنقةِ بالسعال الجارح

تبدو حزينةً كالوداع صفراءَ كالسلّ

ورياحُ البراري الموحشه

تنقلُ نواحنا

إلى الأزقة وباعةِ الخبزِ والجواسيس

ونحن نعدو كالخيولِ الوحشية على صفحاتِ التاريخ

نبكي ونرتجف

وخلف أقدامنا المعقوفه

تمضي الرياحُ والسنابلُ البرتقاليه ...

وافترقنا

وفي عينيكِ الباردتين

تنوح عاصفةٌ من النجوم المهروله

أيتها العشيقةُ المتغضّنة

ذات الجسد المغطَّى بالسعال والجواهر

أنتِ لي

هذا الحنينُ لك يا حقوده !

. .

قبل الرحيل بلحظات

ضاجعتُ امرأة وكتبتُ قصيده

عن الليل والخريف والأمم المقهوره

وتحت شمس الظهيرة الصفراء

كنت أسندُ رأسي على ضلْفاتِ النوافذ

وأترك الدمعه

تبرق كالصباح كامرأة عاريه

فأنا على علاقة قديمة بالحزن والعبوديه

وقربَ الغيوم الصامتة البعيده

كانت تلوح لي مئاتُ الصدور العارية القذره

تندفع في نهر من الشوك

وسحابةٌ من العيون الزرقِ الحزينه

تحدقُ بي

بالتاريخ الرابضِ على شفتيّ .

. .

يا نظراتِ الحزن الطويله

يا بقع الدم الصغيرة أفيقي

إنني أراكِ هنا

على البيارقِ المنكَّسه

وفي ثنياتِ الثياب الحريريه

وأنا أسير كالرعد الأشقرِ في الزحام

تحت سمائك الصافيه

أمضي باكياً يا وطني

أين السفنُ المعبأةُ بالتبغ والسيوف

والجاريةُ التي فتحتْ مملكةً بعينيها النجلاوين

كامرأتين دافئتين

كليلة طويلةٍ على صدر أنثى أنت يا وطني

إنني هنا شبحٌ غريبٌ مجهول

تحت أظافري العطريه

يقبعُ مجدك الطاعن في السن

في عيون الأطفال

تسري دقاتُ قلبك الخائر

لن تلتقي عيوننا بعد الآن

لقد أنشدتُكَ ما فيه الكفايه

سأطل عليك كالقرنفلةِ الحمراء البعيده

كالسحابةِ التي لا وطن لها .

. .

وداعاً أيتها الصفحات أيها الليل

أيتها الشبابيكُ الارجوانيه

انصبوا مشنقتي عاليةً عند الغروب

عندما يكون قلبي هادئاً كالحمامه ..

جميلاً كوردةٍ زرقاء على رابيه ،

أودُّ أن أموتَ ملطخاً

وعيناي مليئتان بالدموع

لترتفعَ إلى الأعناق ولو مرة في العمر

فانني مليء بالحروفِ ، والعناوين الداميه

في طفولتي ،

كنت أحلم بجلبابٍ مخططٍ بالذهب

وجواد ينهب في الكرومَ والتلال الحجريه

أما الآن

وأنا أتسكَّعُ تحت نورِ المصابيح

انتقل كالعواهرِ من شارعٍ إلى شارع

اشتهي جريمةً واسعه

وسفينةً بيضاء ، تقلّني بين نهديها المالحين ،

إلى بلادٍِ بعيده ،

حيث في كلِّ خطوةٍ حانةٌ وشجرةٌ خضراء ،

وفتاةٌ خلاسيه ،

تسهرُ وحيدةً مع نهدها العطشان .

ثمة حزن ..


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: سأخون وطني .. ل محمد الماغوط
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سأخون وطني عبد الرزاق مربح منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 10 01-29-2021 01:52 AM
وطني أنا أشرف حشيش منبر الشعر العمودي 0 06-15-2015 10:37 PM
إلى وطني محمد فجر الدمشقي منبر البوح الهادئ 10 12-19-2013 05:20 PM
يا وطني راكان المساعيد منبر الشعر العمودي 6 11-29-2011 10:31 PM
مقام الشاعر محمد الماغوط سليمان الشيخ حسين منبر قصيدة النثر 5 11-11-2011 11:08 PM

الساعة الآن 02:14 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.