قديم 05-20-2015, 01:48 PM
المشاركة 1371
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع...

- للحديث عن الروائية ليلى عسيران نكهة خاصة، فهي الملتزمة بقضية الانسان، المشاركة في معاناته، وصاحبة الرؤية الخاصة تجاه قضية المرأة في زمن اختلطت فيه الامور وضاعت البوصلة، معها يتحول الحوار الى مشاركة، في صناعة الفكرة التي تسبق أي عمل أدبي.

- تقول "انطلقت في كتابة اول رواية لي من قناعتي بأن المرأة لا تتحرك في فراغ، فالمرأة تتحرر من خلالها اندماجها بالمجتمع وإثبات قدرتها على العطاء في مجالات معينة، وأنا لا اعتقد ان المرأة مثل الرجل، فهما كيانان يختلف كل منهما عن الآخر، أما ما يحكى عن التحرر الجنسي فهو كلام بدائي يفتقر الى النضج، والتحرر بالنسبة لي هو تحرر اقتصادي وفكري.

ـ وتقول عن الروايات التي تناولت فيها القضية الفلسطينية " هناك طبقة من الناس في لبنان تقول بأن هؤلاء النازحين هربوا من بلادهم، فأردت ان أذهب بنفسي لمعايشتهم، وبالفعل ذهبت الى "جسر اللبني" الشهير على نهر الاردن وعايشت النازحين، عندها فهمت لب المشكلة، ان الانسان لا يرتضي على نفسه الخروج من وطنه، الا اذا كان يتعرض الى اهانة لا تحتمل، وفي جولاتي في المخيمات التي أقيمت لاستيعاب هذا الدفق من النازحين، لمست مدى غضبهم على العرب، في البداية ظنوا اني أجنبية، ولكن بعد حديثي معهم ومجالستي لهم على الارض، رحبوا بي، وقد رأيت عيون الاطفال لونها رمادي من غبار الصحراء، أفلا يهزني ذلك.

- وقد كتبت رواية "عصافير الفجر" بسرعة، ثم عايشت المقاتلين في غور الاردن وكتبت رواية "خط الافعى"، وقد كانت هاتان التجربتان من أمتع ما قمت به في حياتي، فقد عشت التجربتين، ونمت معهم على الارض، وسمعت صوت الارض، وفي تلك الظروف لم يكن صوت الارض الا أنينا.

ـ وفي رد على سؤال عن رواية "المدينة الفارغة" حيث جاء السؤال : نجد ان الأحداث والوقائع تنبئ بحدث كبير، فهل توقعت فيها الحرب الاهلية في لبنان قبل وقوعها، ام ان ذلك جاء مصادفة؟ تقول " قبل كتابة هذه الرواية شعرت بشكل جدي بواقع جديد يحيط بنا، اشد وقعاً في نفسي، ومصدر هذا الشعور التفاوت الكبير في مستويات المعيشة في حياة المقيمين في بيروت، المدينة الصاخبة، التي تعيش حياة بذخ، وانعدام أي من مقومات الحياة الكريمة لأولئك القاطنين حول المدينة فيما عرف بأحزمة البؤس؟، وقد اعتبرت هذا الامر مؤشراً لوضع غير طبيعي قد لا يستمر طويلاً، فطريق الحرية الفوضوية التي لا هدف لها، ولا جذور وغير المنسجمة مع الواقع، لا بد ان تقود بنتائج وخيمة، وهذا ما أشعرني بأن بيروت ليست سوى مدينة فارغة، وعندما جاءت الحرب التي عانيت مرارتها في "حي القلعة" بمنطقة "سن الفيل" كتبت رواية "قلعة الاسطى" التي نقلت فيها معاناتي ضمن معاناة الناس في هذه المنطقة، قبل تهجيري منها مع ما حملته من معاناة كبيرة.

ـ وفي رد على سؤال "الملاحظ انه في كل رواية من رواياتك يمكن بسهولة ان نتلمس معاناة ليلى عسيران الذاتية، فهل كانت هذه المعاناة جزءاً اساسياً من الروايات، أم ان تداخلاً عفوياً يولد ذلك؟ تقول "عند الكتابة أنسى نفسي، فأنا عندما أتفاعل مع تجربة بشر معينين، التصق بهم وبمعاناتهم، وفي بعض المرات كنت ابكي لمعاناتهم وهم لا يبكون، فأجد انهم اصلب مني، وهم نموذجي، وهم من علموني، لأن الانسان البسيط المرتبط بالارض والمتمسك بالكرامة الانسانية، لا يمكن ان يقهره مخلوق، فالقهر الداخلي عنده ينفجر بغير الواقع، وأنا بشكل طبيعي لا أستطيع الفصل بين معاناتي ومعاناة الآخرين، وان كنت قد صورت تجربتي الشخصية مع المرض بكل تفاصيلها في رواية "رواية بلا كلمات في الغيبوبة" فهذا لم يكن الا نقل أمين للأحداث بكل تفاصيلها التي عايشتها اثناء الغيبوبة التي مررت بها.

ـ وفي رد عن سؤال " ولكن ورغم الواقعية البارزة في أعمالك الروائية، يحتل الخيال حيزاً مهماً، فما هو دور الخيال في الرواية الواقعية؟ تقول " معظم القراء لا سيما في منطقتنا يظنون ان الروائي عندما ينتقل الى موقع الحدث، يأخذ الصورة، وأنا أؤمن بأن التفاعل مع الحدث ومع بشر الحدث يتطلب اعادة نظر الى الحدث بعين ترى عدة أشخاص، معبر عنهم بشخصية واحدة، والتقاط المزايا في تلك المرحلة وغض النظر عن الاخطاء واجب وطني في حالات الكتابة عن قضية وطنية كبرى، ولكن لصعوبة الكتابة او الرسم بالكتابة لإظهار كل الشخصيات التي تلتقي بها، ولإيصال الفكرة المطلوبة عن مجموع البشر، لا بد من اللجوء الى الخيال، الذي يساعد على ايصال الفكرة ويسلط الضوء عليها من خلال بعض الشخصيات وعلاقتها بالاحداث المحيطة، وبخلاف ذلك تكون الرواية بحثا كلاسيكيا.

من حوار اجراه معها : بلال أحمد



قديم 08-24-2015, 10:32 AM
المشاركة 1372
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع...العناصر التي صنعت الروعة في رواية 97- عصافير الفجر ليلي عسيران لبنان



- ليلى عسيران الأرستقراطية التي صارت فدائيّة في الأدب والحياة

- تقول ليلي عسيران عن مسيرتها: «بقدر ما كان دخولي إلى الحزب محطةً مهمةً كإحدى أهم ذروات مسيرتي في الحياة، بقدر ما كان قراري بترك الحزب تافهاً وعادياً».

- إحباطها القومي الأول كان مأساة فلسطين التي عاشت قضيتها بكلّ وجدانها، حتى إنها التحقت بالفدائيين في أغوار الأردن ولُقّبت يومها بـ«الأخ ليلى»...

- تركت روايتين عن «مقاومي» تلك المرحلة: «عصافير الفجر» التي كتبتها بعد «هزيمة» الـ67 ــــ إذ كانت من القلائل الذين اعتبروا «النكسة» هزيمة! ــــ ثم «خط الأفعى» (1972). وقد سردت فيهما يوميات المقاومة الفلسطينية في الأردن. وكتبت باسم «خضرة» في مجلة «الأرض المحتلة».

-تابعت كتابتها عن المقاومة في «جسر الحجر» (1986) الذي أرّخت فيه قصة الجنوبيين من خلال شخصية أم قاسم المرأة التي أحبتها ليلى عسيران، إلى حد أنّها سألت زوجها عنها بعد جولة قتالية «ماذا حلّ بأم قاسم؟»، فأجابها بأن أم قاسم شخصية روائية غير موجودة في الحياة.

- تركت الحرب الأهلية اللبنانية أثراً كبيراً في عسيران، ولا سيما بعد وفاة الطباخ السوداني الذي كان يعمل لديها إثر تعرّض منزلها في جسر الباشا للقصف.... فكتبت في «قلعة الأسطة» قصة حبها له ولبيتها الذي «كنت أظن أن مجرد وجودي فيه كاف لحمايته... كان بيتي مثل أبي الذي توفاه القدر».

- وكتبت في تلك الفترة رواية «الاستراحة» التي تساءلت فيها إن كانت ذكريات الحرب تضمحل بمجرد ركوب الطائرة؟ وهذا ما لم تنجح فيه. إذ تقول البطلة مريم التي سافرت من لبنان إلى روما: «لقد حاولت أن أنزع من نفسي جذور مدينتي التي عشقتها، لكن أجواءها تحولت إلى خيوط من العنكبوت راحت تشد على أنفاسي».

- لذلك كانت روايتها الأولى بعد انتهاء الحرب الأهلية عن بيروت التي شبّهتها بـ«طائر من القمر» وروت فيها قصة حبّها لهذه «المدينة العجائبية» ولإنسانها «الفريد» الذي يعيش فيها ويصرّ على الاستمرار والحياة.

- ليلى عسيران هي زوجة الرئيس السابق أمين الحافظ. الرجل الذي أحبته كثيراً وانتقدت نفسها علناً أكثر من مرة لأنّها ربما لم تحقق له الحياة الزوجية المفترضة بسبب حساسيتها المفرطة وانشغالها بالقضايا القومية.

- تعرّضت عام 1996 لأزمة قلبية حادة أدخلتها في غيبوبة طويلة، كتبت بعدها معاناتها مع المرض وتجربة مواجهة الموت في «حوار بلا كلمات في الغيبوبة» (1998).

- حتى اللحظة الأخيرة من حياتها بقيت ليلى عسيران وفيّة للصورة التي رسمتها ذات يوم عن نفسها: الإنسانة التي «اتخذت موقفاً من الحياة ولم أمرّ بها مروراً سطحياً، ولم أقبلها على عواهنها، بل حاولت التدخل فيها».

من مقال بقلم : هيا زراقط

قديم 08-25-2015, 12:16 PM
المشاركة 1373
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع...العناصر التي صنعت الروعة في رواية 97- عصافير الفجر ليلي عسيران لبنان

- عسيران المولودة عام 1934 كانت زوجة رئيس مجلس الوزراء اللبناني الاسبق الدكتور أمين الحافظ ووالدة رمزي الحافظ المهندس وناشر مجلة Lebanon Opportunities. ل

- طالما عرفت كيف تجمع بين نشأتها في كنف عائلة عريقة لها بصماتها في التاريخ اللبناني وارتباطها بأحد أهم رجالات لبنان الذي سجل مواقفه وترك بصماته على الحياة السياسية بأسلوب غير مألوف في مستويات الصراع اللبناني وبين قناعاتها والتزامها بقضايا تتجاوز وطنها الى هموم العالم العربي.

- تركت ارثا ثقافيا وأدبيا كبيرا في الصحافة والرواية والقصة القصيرة والمقالات.

- بدأت عسيران مسيرتها الروائية مع «لن نموت غدا» بعد حرب يونيو (حزيران) 1967.

- ومع هذه البداية حاولت ان تؤسس عمارتها الروائية بمعزل عن مقولة الادب النسائي. لم تكن تؤمن بهذه التسمية.

- سعت الى تجاوزها باتجاه الادب الانساني الطالع من بيئته والملتزم بها، وذلك خلال فترة محتدمة من تاريخنا العربي.

- وهي لم تكتف يوما بالكتابة الصورية بمعناها الوصفي السطحي. عاشت مواضيعها وشخصياتها.

- ففي رواية «خط الافعى» راحت الى غور الاردن واجتازت النهر وحاربت مع الفدائيين الفلسطينيين. كان لقبها آنذاك «الاخ ليلى».

- وفي رواية «قلعة الاسطه» عاشت فترة حصار منزلها في أحد ضواحي بيروت يوما بيوم ونقلت معاناة اهل البيت من دون توقف عند الفوارق الاجتماعية التي لطالما أزالتها لتغلب عليها جوهر التعامل الانساني. فـ«الاسطه» صاحب القلعة الصامدة في وجه الحصار والحرب هو الطباخ المصري للعائلة، أي فرد من أفرادها.

-اما في رواية «جسر الحجر» التي تحكي معاناة الجنوب اللبناني ابان الاحتلال الاسرائيلي فالبطلة «أم قاسم» الطالعة من نسج الخيال اكتسبت حياة وحركة في ذهن الكاتبة، حتى انها سألت زوجها ذات جولة قتالية: ترى ما حل بأم قاسم؟ كيف ستنجو من القصف؟ ليذكرها بأن أم قاسم لا وجود لها الا في الرواية.

- وفي كتب ليلى كل تاريخ العرب وخيباتهم وبتسلسل ادبي انيق وصافع في حقيقته. الا ان تأريخها لهذه الخيبات لم يحل دون بقائها في دائرة التفاؤل، تماما كما يمكن ان نلمس في سيرتها التي حملت عنوان «شرائط ملونة»، حيث استعرضت محطات من حياتها التي عرفت لوعة الموت باكرا بفقدانها الاب وهي بالكاد في الرابعة من عمرها، مرورا بسنوات المدرسة الداخلية في القاهرة، وبعدها الدراسة الجامعية في الجامعة الاميركية في بيروت، ثم بدايات العمل الاعلامي في الصحافة المصرية، انتقالا الى مسيرتها الروائية والنضالية ومحطات بارزة في حياتها السياسية ان وفق قناعاتها والتزامها بالقضية الفلسطينية او الى جانب زوجها الذي كان في الندوة البرلمانية لعقود من الزمن.

- ولعل عودة بيروت الى السلم الاهلي والانطلاق بإعادة الاعمار شكلا حلقة ساطعة من حلقات التفاؤل فكانت روايتها «طائر من القمر» خير ترجمة للامل بعودة لبنانها الى سابق عهده.

- الا ان احوالها الصحية قوضت متابعتها لتلك المرحلة، وهي التي تحمل العياء في قلبها المتعب منذ شبابها. وتناضل لتهزمه. وقد فعلت فتغلبت على ازمة قلبية خطيرة اخذتها الى الغيبوبة طوال اشهر. وعادت لتكتب عن تجربتها هذه.

- «الغيبوبة» الذي كان آخر رواياتها، لتغرق الكاتبة المرهفة من دون غيبوبة في غياب قسري طوعي.


من مقال بقلم : سناء الجاك

قديم 08-26-2015, 08:44 AM
المشاركة 1374
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ...

- ليلى عسيران ..فدائية الكتاب

- ليلى عسيران>>> المرأة التي مرت بالعديد من التجارب الغير العادية في فترة زمنية كانت أكثر ما عليه من أحداث تاريخية شهدتها الأمة العربية والتي انفعلت وتفاعلت معها وكمنت في داخلها شعور وصفته بأنه يفوق عظمة الحب بين الإنسان والآخر.

- "ليلى عسيران" ذات رؤيا بمنظار العروبة والوطنية التي أخذت تحكم به من خلال كتاباتها، الذي يجعلنا لا نستغرب من تحورّها من صحفية من صفحات الأزياء والمرآة إلى التغطيات الميدانية السياسية، فكان لشغفها وولعها دور كبير في تميزها في هذا الموقع محققةً من خلاله أكثر من سبق صحفي، وكان من أهمها تغطيتها لمحاولة انقلاب اللواء"أبو نوار" على ملك الأردن عام 1957 ف، وانفرادها بمقابلة معه بعد فشله في هذه المحاولة وفراره إلى سورية،


- أما حماسها السياسي فكان سبباً في خروجها في العديد من المظاهرات ما بين مؤيدة ومناهضة واشتراكها في العديد من الاتحادات الطلابية، فكان بداية تعمق نشاطها السياسي عند استشهاد أحد زملائها في أول مظاهرة لها لنصرة الرئيس المصري "جمال عبد الناصر" بعد توقيعه لصفقة السلاح مع "تشيكوسلوفاكيا".

- وما كان في حياة هذه الكاتبة يذكرنا مرة أخرى بقصة الغموض، مشبهاً بساحة من الظلماء تتضح شيئاً فشيئاً في ظل وجود بقعة ضوء، فكانت بدايتها من إرساليات الرؤية الغامضة التي توحي بأنها ستصبح عازفة بيانو عالمية أو كاتبة كبيرة، فكانت بداية ظهور هذه الموهبة المكتشفة كأنها تحقق الوعد الإلهي المبشر به، فكانت أول بادِرة من قبل الرسام والصحافي "أحمد بهاء الدين" في الصحافة، وتطورت كما سبق الحديث حتى وصلت إلى منعطف قادها إلى الخوض في غمار الروايات الخيالية


- كان أهمها "حوار بلا كلمات في غيبوبة"، والتحدث عن تجربة الحرب وذعر سنوات الحرب اللبنانية كما في روايتيها "قلعة الأسطى" و "جسر الحجر" الرواية الأخيرة، التي أمعنت فيها النظر والتي أصفها كنموذج من روايات "نتاج الحروب" تحدثت فيها عن قصة جسر العبور للوطن، ودور المواطن المتمثل في شخصية "رضا" الطامح لإزالة الفقر والظلم، السبب الذي جعله يلتحق بأحد أحزاب الحركة الوطنية فاشتعلت الحرب التي شارك فيها في ظل أمله الملتهب في تحقيق آماله فكانت آثار هذه الحرب تجر الخيبة والهزيمة، فعاش في مجتمعه في صورة الرجل "الميت الحي" ثم يبدأ يتصل بأفراد مجتمعه، ويقرر بناء جسر ليخرج من ظلمة اكتئابه وصراعه النفسي وللعبور لوطنه، ويحدث اتصال بينه وبين قرينته مما يبث في نفسه الأمل للعودة وتنظيم مجموعات مقاومة،

- حيث تكلفت أحداث هذه القصة الوصول إلى استنتاج وفكرة تحمل في مضمونها أن الاستقلال يأتي لا ريب فيه متمثلاً ذلك في الجسر الذي من الممكن أن يبنى بالصبر والتضحية والاستشهاد للعبور إلى أسمى غايات القتال، وهي الحرية،

- وفي نهاية هذه اللمحة عن أهم مستأثرات الأدب اللبناني والذي إذا ما حاولت أن أقف في وصفه أجد نفسي في عجز تام وفي وقفة لا تكاد تعبّر عن نفسها، لا أقول أنها وقفة انبهار واستغراب بل وقفة أقل ما توصف به وقفة احترام لكتّاب الحرب الذين جعلت النزعات منهم أكثر العارفين بماهية الحقيقة، فنظرتْ لها ليلى عسيران في روايتها "لن نموت غداً" بأن: "ليس في حياتنا حقيقة واحدة مهما كبرت أو صغرت، نستطيع أن نتأكد من وجودها إلا الموت.. ألسنا شجعاناً إذ نمضي في الحياة كما لو كانت أزلية؟".




قديم 09-01-2015, 03:16 PM
المشاركة 1375
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ....ليلي عسيران


- أمّا هدفه من اختيار الأديبتين المصرية عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) واللبنانية ليلى عسيران كنموذجين إلى جانب الكتّاب الأربعة، فينصب في رصد التجربة النسائية العربية في كتابة السيرة، لا سيّما أنّ كتابتهما الذاتية برزت جلياً انطلاقاً من ثيمتي «الحبّ والموت».

- أمّا عن أسباب كتابة السيرة الذاتية فيحصرها الكاتب في خمسة أسباب هي: «التعبير عن أزمة روحية ما»، «البحث عن معرفة الذات»، «لذّة التعرّي»، «طلب الوصول إلى الآخرين»، «تحدّي الزمان ومجابهة الموت ونِشدان الخلود».

-إلاّ أنّ الكاتب لا يتجاهل ندرة السِيَر الذاتية مقابل وفرة السير الغيرية في عالمنا العربي، بل يعمل على تحليل أسبابها والوقوف عندها والإسهاب في شرحها ودراستها، ومن ثمّ يُقدّم رسماً بيانياً يوضح عبر جداوله مسار «السيرة الذاتية» في العالم العربي عبر سِير أشهر أعلامها.

- ثم يُقسّم دراسته إلى ستة أبواب ويُخصّص كل باب منها لدراسة ثنائية «الحب والموت» من منظور السيرة الذاتية في أدب كل كاتب. في أدب طه حسين نجد أنّ الحب كان بمثابة القدرة الهائلة التي تبعث الحياة في الأموات، فهو كان يتحدّى موت أحبّائه بالتفكير فيهم والكتابة عنهم لأنّه يرى أن نسيانهم هو الموت الحقيقي. أمّا الموت في سيرة توفيق الحكيم فيقترن بالقلق ولا يُمكن أن يُجابه موته الفعلي أو «قلقه» ذلك إلاّ بحبّه لفنّه وقدرته على الكتابة والإبداع. وكما أنّ الكاتب ولج رحاب شخصية طه حسين عبر «آفة العمى» وتوفيق الحكيم عبر «القلق والصراع»، فإنّ الكاتب ارتأى البحث في موضوع «البيئة» كمفتاح لدخول عالم عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) ونقطة انطلاق لسبر تجاربها في الحبّ والموت. وهي التي يقول عنها لبّس إنّها كتبت سيرتها الشهيرة «على الجسر» تحت وطأة الحب والموت معاً. فعائشة بدأت تدوين سيرتها بعد موت زوجها وحبيبها وأستاذها أمين الذي كانت تعتبره مدرسة إنسانية فائقة الأهمية في حياتها.

-ويُلمّح الكاتب في دراسته لسيرة ميخائيل نعيمة من منظور «الحبّ والموت» إلى أنّ الأخير كان يرى في الحب النور وفي المرأة النجم الذي أضاء له دروب الفضيلة، واستطاع أن يندرج من الحبّ إلى المحبّة ولم يتمكّن من تجاوز هول الموت والتهوين من شأنه إلاّ من خلال إيمانه بعقيدة التقمّص.

-ويُقدّم الكاتب دراسة معمّقة لفلسفة نعيمة في الموت نتيجة تجاربه المتعدّدة التي يأتي على ذكرها في سيرته المعروفة «سبعون»، بدءاً من موت جدّه وجدّته وعمّته وخاله مروراً بموت صديقه جبران خليل جبران وأخيه الأصغر نسيب وصولاً إلى وفاة والديه ومن ثمّ أخيه هيكل.

-وفي الباب الخامس يدخل لبّس عالم توفيق يوسف عوّاد عبر مفتاح «الجوع» الذي وسم حياته، فكان جوعه إلى النساء والحبّ والحياة والملذّات سمة شخصيته وحياته. وارتكز لبّس على البحث في سيرة عوّاد الذي لم يعرف غير الحبّ وسيلة يجابه بها الموت وكشف الخوف من فقدان الحياة بعدما ظلّ الموت بالنسبة إليه مشكلة وجودية لا حلّ لها.

- ويختتم لبّس بحثه عبر دراسة «الموت في سيرة ليلى عسيران» وهي التي «صُبغت طفولتها ودُنياها باللون الأسود، لون السقوط والفراغ والموت».

- ومن ثمّ يوضح الكاتب عبر الفصل الثاني «الحبّ في سيرة ليلى عسيران» كيف أنّ الحبّ في حياتها جاء نتيجة مباشرة لتجربة الموت المبكرة، بمعنى أنّ معاناة ليلى عسيران في معاركها المتتالية مع «عدوها اللدود» (الموت) دفعتها للبحث عن طريق آخر قد يُبلسم جراحها ويُنسيها مكابدتها ويُلوّن حياتها التي صُبغت بالأسود.

- ويستخلص الكاتب في خلاصته أنّ ليلى عسيران كتبت سيرتها «شرائط ملوّنة من حياتي» نتيجة فقدان أبيها ورحيل ابنها.

- في هذا البحث الأدبي الذي بلغ نحو 466 صفحة، استطاع الكاتب أن يتوصّل إلى حقيقة إنسانية وأدبية في هذا المجال مفادها أنّ ليس من حياة تخلو من حبّ وموت، وبالتالي فليس هناك سيرة تخلو من حبّ وموت. لذا، فإنّ علاقتهما الباطنية عميقة وليس كما يتبيّن لنا في ظاهرهما، هذا فضلاً عن أنّ هناك امتزاجاً - بحسب رأي الكاتب - بين نزوة الحياة ونزوة الموت من خلال ثنائية الساديّة والمازوخيّة. وكما أنّ الحبّ يعيش صراعاً دائماً مع الموت، وهذا ما يُكرّسه نجيب محفوظ في «أصداء السيرة الذاتية» عندما يقول: «أشمل صراع في الوجود هو الصراع بين الحبّ والموت»، فإنّ الحبّ والموت تجمعهما علاقة «تحالف وتكافل» أيضاً لأنّهما الحقيقتان الكبيرتان في هذه الحياة. وهذا ما يؤكدّه محفوظ نفسه في سيرته قائلاً: «جوهران موكلان بالباب الذهبي يقولان للطارق: تقدّم فلا مفرّ، هما الحبّ والموت».

من مقال بقلم : مايا الحاج عن الحياة

قديم 09-02-2015, 01:50 PM
المشاركة 1376
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ليلى عسيران

- غابت امس ليلى عسيران في تجريب نهائي للموت واغلقت على صومعتها وعزلتها وآلامها القاسية.

- رحلت المرأة الشفيفة، المرهفة والملتزمة، امرأة المدينة قاطفة الاحلام والاصرار ومراجعة غموض الاشياء ووجع الاعماق.

- مغامرة اخرى في التواري والاختفاء لرائدة نسوية، طليعية حققت منزلة متقدمة في الرؤية اللبنانية في الستينات كما في كتابة القصة، والمقالة، وحفرت عباراتها انيقة في دائرة من اشعاع، وهي تتسلل الى بيروت القديمة، وارتسامات الذاكرة، واسترجاعات الطيور الحالمة، طيور القمر.

- رحلت امرأة الآلام والكبرياء والشفق والآلام، رفيقة لحظات بيروت الاستثنائية، مضت في تجربة الموت الى الاقصى، هي التي جعلت من كتاباتها قضية.

- هي اكثر من كاتبة وروائية وقاصة، هي توأمة المدينة، عاشتا معاً توأمية المرارات العالية، والغيبات المبكرات وعبث الحرب، ومجهول الغياب وانواع الفواجع، والحزن، والخوف. توأمية متشابهة في مساءلة رافضة للموت.

- امرأة المدينة، عاشت في ظل تفتح التجربة الادبية والمسرحية والسياسية في الستينات، وعلى كل ما هو جديد وثوري (القضية الفلسطينية)، ومجهول وكان لها مشروعها المقاوم ثقافياً، وفي الخروج من قيود الواقعية برومانسية وفانتازية.

- مزجت الادب بالتاريخ والماضي بالمستقبل كبيروتيات تتوالد دائماً من ذاتها.

- لها اكثر من عشر روايات، "طائر من القمر" واحدة منها في العودة الى بيروت والالتزام، ولها "حوارات بلا كلمات في الغيبوبة"، في القصة والمقالة، والمقابلات، واللقاءات.

- وهي عرفت دائماً كيف تخترق الفجر، وتخترق اعماق عري الليل والموت، وقد عاشت اكثر من مرة ازمة صحية طويلة، وادركتها شتى العذابات، وتبعثر عمرها الادبي رمادياً، وثابرت على الموت مرات ومرات!.

- رحلت ليلى عسيران ابنة عائلة كبيرة واصيلة، وزوجة كبيرة ونبيلة بصلة متميزة وبصداقة كبيرة ليست من العاديات مع زوجها الرئيس امين الحافظ ولبيروت الأم بالمشاعر والكلمات.

- بغيابها نفتقد طائر القمر، ذلك الشيء الجميل، نفتقد تلك الغمامة الادبية الطويلة ونتحسر على غياب جيل اختصر حيوات مدينة.

من مقال بقلم : يقظان التقي

قديم 09-03-2015, 07:48 AM
المشاركة 1377
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 98- جسر بنات يعقوب حسن حميد فلسطين

- خلقها حسن حميد لتنتفخ وتتطور على أجزاء من أمكنة لا مثيل لها على وجه البسيطة، عنق زجاجة فيه نبت وزرع ودفء وماء واختناق،

- حكاية نمت في غفلة من الزمان ومن أهل الزمان، وكاد الجشع المتلبس بالحلم يحيط بأعناق فئات وأقاليم فتمسخهم أو تنسخهم، وعلى الرغم من محاولات تلك الفئة خلق واقع مدروس على حساب تلك الجماعات الوادعة الآمنة الأصيلة، إلا أن مجريات الأحداث الحبلى بكل المفاجأت تناولتها رواية "جسر بنات يعقوب" لمؤلفها حسن حميد،

- فتعامل مع دقائق وتفاصيل من حياة يعقوب وبناته، سايرهم ورافقهم في المواقف الصعبة المدعاة، ولمح للمطبات في أحلام شخوص الرواية وأيامهم، وساهم في تمهيد السبيل الصعب اللولبي لتحقيق خطوات ملموسة، وبكل الصبر والأناة معيداً أو حافظاً أو مفنداً لمطالعات متشعبة متضاربة تارة ومتوافقة أحياناً أخرى،

- اقتبس الكثير من النصوص الدينية من الكتب السماوية كالتوراة والأناجيل والقصص القرآني، وجعل من روايته ميداناً تصول شخوصه فيه وتحور وتتمحور، مستعرضاً كفاءته وثقافته وقدراته وفكره

- "كان حنا ابناً لعجوزين تقدم بهما العمر كثيراً ، وهما يرجوان الله كثيراً أن يمنّ عليهما بمن يقوم على شيخوختهما في قادم الأيام .. . . " صفحة 17 من الرواية الطبعة الأولى ، ثم مزج ما جاء في القرآن عن قصة مشابهة أو متقاربة على لسان زكريا "قال رب إني يكون لي غلام وقد بلغت من الكبر عتيا"

- ثم يسقط قصة التقاط عزيز مصر للطفل موسى على العجوزين وحاجتهما لطفل " لكن العجوزين وفي ذات صباح مبكر استيقظا وهما ممددان في فراشهما على بكاء طفل صغير، هو ابن يوم أو يومين يبكي بصوت عال ومتواصل" صفحة 18

- ثم وربما جعل من روايته ليدحض أو يثبت بعض مقولات وحكايات توارثتها أجيال وأتباع أديان تحاول إعادة دورة الزمن وعجلاته آلاف السنين للوراء، فصاغها بأسلوب معاصر يلامس حاجة الإنسان العربي عامة والفلسطيني خاصة سواء العربي المهزوم من الداخل أو من استطاع أن يبقي نور الثقة في نفسه لمستقبل أجل وأسمى مما يرى آلمرء حوله من أوضاع وضياع، وحسبما يبدو لفكر كاتب الرواية،

- وأتحوط هنا وأدعو الغير لفحص بعض الانبعاجات في ادعاءت لمستها أو مدخلات قد تعني غير ما يظن القارئ العادي، أو أن الكاتب يريد أن يوحي بها، ومنها هل أراد حسن حميد ان يقول لنا أن أماكن استراتيجية في فلسطين كانت محط أنظار أقوام غرباء من غير أهل فلسطين ولا من ديانتهم ولا من جنسهم، وأنهم حاولوا ونجحوا في إقامة تاريخ وتراث لهم، وعلى الأقل قد يستغل بعض المفكرين من مدعي أرض فلسطين أنهم حصلوا على شهادة مجانية من مفكر عربي مرموق بأحقيتهم وإقامتهم وتوطنهم في فلسطين، واستخدموا كل الأساليب الشريرة والعابثة واللاأخلاقية لامتلاك المكان وطرد السكان، او استغلالهم والاستيلاء على موارد رزقهم، خاصة وأن العيون الزرق والشعور الشقراء وردت في مواضع من الرواية، أو لأنهم شعوب مختار من أرباب لا نعرفها، وهم الأولى والأحق بالثروة والجاه والسلطان والقوة وبمساقط المياه وتحديد المسارات كما قد يوى للبعض عبر قراءته للرواية، أو ان كل ذلك إسقاط وصورة مصوغة بعناية وتأن وتحوطات لما جرى ويجري على أرض فلسطين كتبشير مبكر بأن ما جرى وما يزال يجري لهو مرحلة عابرة برغم القوة والجبروت، وأن عنصر الهدم والفناء مترافق مع وجودها وكامن في أحشائها، ويعمل لغير صالح طغمة الفساد، ولحظة توقف زمنهم قادم لا محالة طال الزمن أو قصر.

- هذه الظنون تبرز تحدياً لكل قارئ لرواية حسن حميد ولفكره، قد يتشكك البعض سائلاً وماذا بعد؟ بل وماذا أراد حميد أن يقول لنا، وتلك هي المهمة الصعبة الملقاة على الناقد والمفكر والقارئ العتيد،

- لكنني أستدرك بأن ذلك يعتبر دليلاً على نجاح حميد على إحياء موتى وتوطينهم وانتعاشهم حسبما تهيأ لهم وحسبما أراد كاتب الرواية وخطط، وكلما ظننت وأنت تقرأ الرواية أن حبل السيطرة أفلت من بين يدي حسن حميد، كلما أثبت لك أنه المسير المدبر المحيي والمميت لأمثال هؤلاء الطارئين، وكما يقول نزار قباني (إن من بدأ المأساة ينهيها) فكلمة السر القادرة على تفكيك هذا الصعود والصمود والتحكم والتعالي لدى يعقوب وعطارة لدرجة الثقة بأزمان آتية مزدهرة وباسمة، في الوقت الذي كانت فيه كلمة سر الهدم مهيأة بين أصابع حسن حميد وبين سطور كتبه القديمة وأوراقه وفي رأسه، وعل طريقة (جزاء سنمار)، وحسب لعبة الوعي، يقول البروفسور فرانك كرمود في محاضراته التي جمعها كتاب بعنوان (الإحساس بالنهاية) نشر دار الرشيد-بغداد " أن أثر لعبة الوعي في عملية صنع العقدة، قد تعفينا من ثقل الزمن بتحدي إحساسنا بالواقع، ولكي نتحرر من الزمن حقاً، لعلنا لا بد لنا من أن نفقد الوعي كليا، أو أن لا نبالي، بشكل ما، يقول أحد الفرويديين المحدثين – إن ما أعتبره كنت Kant الخطوط البيانية للواقع فعلاً، إنما هي في الحقيقة الخطوط البيانية للكبت- ويضيف أحد النفسانيين التجريبيين بأن "الإحساس بالزمن لا يوجد إلا حيث يوجد الخضوع للواقع"، والأدب والتاريخ كما نعرفهما، ليسا كذلك، فعليهما يقع الخضوع والكبت،

- أرى الآن أن المرحلة التي بلغناها تقتضي طرح السؤال عن مدى ما ينبغي أن يبلغه هذا الخضوع،- أو بعبارة أخرى إلى أي مدى يجوز للمرء أن يستغل الأطر التخيلية- وهو سؤال أثار النقاش حوله بأشكال متنوعة الفلاسفة الوجوديون والروائيون واللاروائيون، وكل الذين يدينون أساطير كتبة التاريخ، "

- ربما سبق حسن حميد كثيرون في لملمة حكاية تاريخية أو متخيلة بإضافة تذييل أو تعقيب أو توضيح أو حاشية، لكن حسن حميد جمع كل ما استخدم شرقاً وغرباً، قديماً وحديثاً في روايته (جسر بنات يعقوب)،

- رواية شدتنا كثيراً في أوائلها وأواسطها، تجعلك تقرأ بنهم وتواصل كي تصل إلى نتيجة كل التفاعلات وحاجات الشخوص لتتواءم وتتلاقى وتنسجم لتحقيق غاية يعقوب والد البنات الثلاث،

- لكننا نرى أن السارد كان يتدخل أحيانا في تقرير حياة الشخو ص فيعطي أحكاماً مسبقة ، تأتي على هيئة أحكام من حكماء ومجربين، وهذا يحسب على النص الإبداعي ، ويعطي هدية مجانية للقارئ لتقدير ما سيؤول إليه الأمر مضعفاً روح المفاجأة ، ومخالفاً سنن الحداثة " لكن الدنيا عبوس حرون لاتدوم على حال" صفحة 24

- من الرواية، وبالمقابل نحسب لحسن حميد خياله المحلق في تسامي وكأنه بلا حدود مع قدرته على الصبر لدرجة الإعجاز حتى تحين لحظة عرض التفاصيل لتدل على توحده مع المواقف وإخلاصه في عمله " ولم يدر الاثنان، لا بديعة ولا زوجها كيف تواعدا أن يتودعا قرب ذلك الغدير المسيج بنباتات الجرجير وأعواد القصب ، وأشجار الصفصاف الحانية، ومشاتل الطرفا الكثيفة، فتسابقا، خطوة خطوة، وابتسامة تستولد ابتسامة، وأحاديث تتناوب مع أحاديث إلى أن وصلا إلى الغدير، فارتمى أحدهما قرب الآخر بصخب طفولي جميل على مرج من النجيل الأخضر، وماجا معاً فوق الأعشاب الطرية ، فتلامست الأيدي والأقدام وتعانقت الشفاه" صفحة 26.

- وتداهمني هاجس قناعة وأنا أقرأ الرواية أو حتى بعد الانتهاء من قراءتها، بأن حسن حميد قصد أن يوقف حركة العالم ونشاطه ليستمعوا لحكاية (جسر بنات يعقوب) وليقرأوها،

- ولعب على وتر الوعي والتراث والعمق التاريخي حسبما أراد،

- فالجهد الكبير والعمل الشاق والساعات الطوال التي أمضاها حميد في تجميع هذه الحكاية ولملمتها من أوراقها المهترئة لهو عمل إبداعي فريد ، ولا شك أنها أرهقته وأقضت مضجعه، وظل مرافقاً للسارد يرافقه أو يتوحد معه على مدى السنوات الطوال يحمل أوراقه ، يسطر ما سمع وما جرى ، ويسود الصفحات الطوال أو يقلب ما وقع منها بين يديه، ولشدة حرصه على تأكيد مواضيع معينة يعتبرها دماء تجري باستمرار في جسد الرواية فإنه يعيد ذكر أسماء بعضها ويكررها دون أن يكون بإمكاننا الجزم إن كان ذلك عمداً أو سهواً.
مكانة المكان في الرواية

- ودقائق وصف المكان هي إحدي أهم مميزات حسن حميد في هذه الرواية عل الأقل، فهو ينطق الشجر والحجر والشوك والهواء والملابس، "كان حفيف سراويلهم مسموعاً، وصوت تلاهث زفيرهم واضحاً، ودهس أقدامهم للأشواك ضاجاً وموحشاً، فقد كانت خطواتهم سريعة وواسعة، وكانت الأشواك والنباتات اليابسة تغطي مساحة من الأرض الشاسعة الممتدة حولهم، الأمر الذي جعل سليمان عطارة يقول ليعقوب: بلادنا جميلة ، ستراها في الأيام القادمة" صفحة 150 ،

- ويجب أن لا يغيب عن بالنا أهمية وقوع جسر بنات يعقوب بالقرب من موقعة حطين، ومن موقع التقاء نهر اليرموك بنهر الأردن، ومن موقع مدينة طبريا التاريخية.

- ولأن الكثير من المواقف في الرواية متخيلة تتطلب دراسات نفسية لأن الوصف والأمنيات بعيدة عن عالم الممكن، وهنا نشير إلى أثر النظرية النفسية (الفرويدية) في دراسة الظروف المحيطة بالكاتب أو السارد وحاجة المكان والزمان إلى إشغال النفس والعقل ببواطن أمور غير ملموسة ولا مثبتة، بل تتطلب تفهم الموقف والأهداف وما وراء السطور وما يين الكلمات من نوازع وعوالم خفية تؤثر على الشخوص والأحداث

- ويجب أن نعترف أن رواية حميد هي مجال خصب للنظريات النقدية في معظمها وخاصة النظرية التاريخية والنفسية والواقعية، وحتى الرومانسية، وحتى البنيوية والتحليلية والتركيبية، وبخبرته الواسعة في الكتابة وسيطرة هاجس الكتابة عليه في حياته الطويلة ملتزماً ومواظباً جعل روايته تتلون وتتزين وتجمع معظم مفاهيم المدارس النقدية الحديثة وتمثيلاتها،

- فدراية حسن حميد وخبرته الطويلة في كتابة القصة والرواية والنقد ومعظم المواضيع الأدبية والسياسية والتراثية جعلته شديد الحرص على توصيل أقصى ما يستطيع من مدخلات وإشارات وترميزات وتفاصيل عما يريد الناس أن يحفظوا عنه أو يعرفونه،

- وننوه إلى أن حسن حميد استعمل الكلمات المحكية وربما العامية في مواقع كثيرة من الرواية، وقد يبدو فهم ما أراده صعباً على غير أهل الشام وفلسطين، مثل (بلعوا ألسنتهم) ص 69 ومثل مفردة (لايطة) وتعني منزوية أو شبه مختبئة صفحة 116 ، و (إسوارة) بدلا من إسورة أو سوار، وكذلك (ودعيني يا بنتي، واشبعي من رؤيتي) فالمفروض أن تكون يا إبنتي، صفحة 32 ثم الاستجداء من الآخر لأن يشبع من رؤيته هو كلام محلي لو ترجم إلى لغة أجنبية أسيئ فهمه.

- لكننا نؤكد أن إخلاص حميد في هذا العمل الأدبي الفني، والانغماس فيه لدرجة التوحد، لهو إنجاز حسن من حسن حميد،

- فالأجواء التي أفلح المؤلف في تخيلها تنقلنا نحن القراء إلى حيث الزمان والمكان التي تتنامى فيه حكاية (جسر بنات يعقوب)، ويتمنى كل قارئ أثناء انغماسه بتفاصيل أحداث الرواية المشاركة والإدلاء برأيه، وبدلاً من أن نحاول الإمساك بدفة قيادة السرد ومسايرته،

- نجد انفسنا منقادين إلى حيث ينقلنا السارد بعقلانيته وثقافته وشباكه إلى القرن الرابع عشر أو الخامس عشر لنشاركه تفاصيل حياة مخلوقات قصته،

- وتصدمنا المفاجآت أكثر بكثير مما يبدو بين سطور الكتابة المكرسة، وأكثر مما أثر على نفسيات شخوص الأحداث الغريبة والتي تجعلنا نكاد نصدق مجرياتها الخوارق فيها،

- مع أننا ندرك قبل البدء بقراءتها أنها من نسج خيال إنسان معاصر في القرن الواحد والعشرين، حيث وسائل الاتصال والرفاه والجريمة والحب والحروب والثراء والغذاء تسابق حدود قدرات المرء على وصفها،

- ففي اعتراف مرجانة الأول تقول: "أحسست بتلاحم الأكف والأصابع والأذرع والخدود والأنفاس والشفاه والشعر، كان كالحمى، وكنت في هيجان، وشعرت وإياه بأن الدنيا وسعادتها متختزنة بهذه الوقفة، خلف حاكورة الدار، وقرب السياح، وبعيداً عن الناس والكلام والطعام والشراب، بعيداً حتى عن الهواء" صفحة 55 من الرواية

- نعلم أن كل تلك المبالغات لا يمكن أن تكون حقيقية أو ربما غير ممكنة، لكن أسلوب الكاتب المتصاعد والمتنامي مع حاجة الإلحاح التي يتطلبها الموقف تجعله يستعمل لغة مطولة، ومرادفات ومعاني متقاربة لتوصل شدة التفاعل الذي يحسه السارد بأمانة مع نفسه وموقفه،

- أما الأسلوب الجديد الذي أدخله حسن حميد على نمط الرواية المحدّثة فهي كثرة استعمال الحواشي والتذييلات والاعترافات في عناوين منفصلة، لتؤكد للقارئ مرة أخرى تركيز الكاتب على المواضيع التي يريدها أن ترسخ في أذهاننا حتى يشتد تواصلنا معه، وتكون أساساً صلباً لتحمل صدمة النهايات،

- وربما أراد مثل تلك العناوين الفرعية لفت نظر القارئ لإبقائه ماسكاً بحبل القص والمتابعة بعيداً عن الملل بسبب الإطالة التي كان يلجأ كاتبنا حميد إليها، وفي أماكن عدة من الرواية.،

- ثم إن تلك العناوين الفرعية تشكل أعمدة قوة لتماسك روايته التي أرادها حسن حميد معقدة وفي نفس الوقت جاذبة ، تلك التفاصيل الكثيرة المنفصلة عن تتابع الفصول العادية ستكون عوناً لكل منتج أو مخرج سينمائي أو مسرحي أن يجسد القصة دون عناء ،

- فعمد حميد إلى تيسير الأمر ليجد كل ما يلزمه لإظهار عمل فني كاملاً غير منقوص. والكاتب كان موفقاً في إقناعنا بوجهات نظره في الحياة التي تخيلها، وفي الحب والعلاقات عبر تداخل فلسفته ضمن حبكة القص فلا يفرض آراءه بطريقة تعليمية أو توجيهية أو مقحمة أو إخبارية، ففي اعتراف مرجانة الآخر تقول: "لكنني لم ألمح وجه برهومة، ولا روح برهومة، أنفاسهم كانت مختلفة جدا،، أجل الأنفاس، هي من يميز الواحد من الآخر، الأنفاس هي كل شيء، كل شيء " صفحة 56،

- وسواء قصد الأنفاس اللاهبة او الناطقة او الهامسة أو المعطرة أو الكريهة فكل ما يعبر عنه الإنسان لا بد أن ترافقه الأنفاس.

- ففي لحظة ظنها خلف يعقوب من بنات وأصهار وطامعين وعابثين أن الزمن استقر لهم وأصبح ملك أيديهم، لكن النهايات كانت ملازمة ومنبثقة ومتصاعدة مع البدايات، إذ سرعان ما تهدم كل ما تراكم على وهم وأسس من أحلام وطمع ولا أخلاقية، وأقفر المكان ثانية لتعود طمأنينة البطء والتطور إلى مسارها الطبيعي، وتنفس الناس الصعداء في قرية الشماصنة وفي ما جاورها من الديار "بدا كل شيء مثل الحلم، أوالكابوس الطويل ، حلم له متعه ومخاوفه، منجم واكتشف تماماً، ولم يبق منه سوى الحجارة السوداء والمقبرة ، وآثار الخطى التي مشت تلك الدروب، منجم لم يصرف أهالي الشماصنة عن مواصلة الحياة قرب النهر، وفي السهول والأودية مع الماشية والأرض والطواحين ومعاصر الزيت، وكأن ما حدث لم يكن مطلقاً أو لكأنه لم يحدث أصلاً" صفحة 278 من الرواية.

- وينتهي تواجد كل من كان له دور في الحكاية إلى العدم ، وبحال أسوأ من البدايات، ودون تحقيق أي مكسب لأي من شخوص الحكاية، بل دلت الدلائل والأحداث أن المشروع وأهله وكل من ساهموا فيه آلوا إلى زوال.

- أخيراً لا بد من كلمة منصفة تحسب لحسن حميد، فخياله الجامح يكشف لنا عن مدى عمق ثقافته وتنوعها، بل وعلى قدرته على الخلق والإبداع، " فعلى الرواية أن تعدل من الأطر الخيالية وتحورها، بتنظيم أوساط شاملة منسجمة مع الأصول البعيدة والنهايات التي يمكن التكهن بها، بحيث تحافظ على اختلافها عن الاحتلام، أو أية طريقة أخرى لتحقيق الإشباع" وكأن حسن حميد يزرع ويؤسس لخلوده، وخلود الإنسان والمكان وربما لمدينة فاضلة في رأسه، وهذا يضع على كاهل كاتب الرواية حملاً ثقيلاً، وتحدياً جديداً ليتفوق على نفسه في عمل لاحق، وبعد فإننا ننتظر جديد حسن حميد أملاً أن يكون صعوداً


من مقال بقلم : بقلم نازك ضمرة

قديم 09-05-2015, 12:52 PM
المشاركة 1378
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع....حسن حميد

- حسن حميد خرج من فلسطين ليحمل أدبه كل المعاني والدلالات التي تشير إليها، المعاناة التي رافقته منذ الطفولة،

- حمل تفاصيلها على تقاسيم وجهه، وأظهرها جلياً في أعماله الروائية التي عبرت عن وفاء الابن البار لقضيةٍ أثقلت كاهله، ليكون واحداً من رواد الرواية العربية.

يقول في احدى مقابلاته :
- كانت معيشة الطفولة في كنف جدّاي لأنني الولد البكر، ومن جدتي تعلمت فن الحكاية والإصغاء، والقص والوقف والتحييد، والإقصاء والاستدارة وما فات من حدث،

- البداية كانت شعراً في المخيمات في غياب الآباء الذين أخذوا على عاتقهم العمل الفدائي، كان الظرف ملائماً للكتابة الشعرية في ظل طقوس "الأربعين" الذي يقام تخليداً لذكرى الشهداء لتلقى القصائد والكلمات،

- حرصت أن أكون أحد شعراء المخيم البارزين، لكن الجانب السردي الأدبي الذي ميز قصائدي جعلني أتنحى عن كتابة الشعر إلى القصة القصيرة،

- لكن انفجار بركان الويلات والأحزان والطاقات الكامنة جعلني أتحول إلى الرواية، فكانت روايتي الأولى تتحدث عن أهالي الريف الفلسطيني .......... وأسميتها "السواد".

- يرى القارئ في أعمالك تتابعاً لأحداث متسلسلة، كيف عملت على ذلك؟

- يقول : كما ذكرت، "السواد" كانت مع خروج الاحتلال البريطاني وبداية تهويد الأرض، كذلك كانت رواية "تعالي نطيّر أوراق الخريف"، قدمت من خلالها أساسيات نشأة المخيمات فصورت المعاناة في مخيم "جرمانا" بوصفه شبيه كل المخيمات،

- صورت المعاناة واجتماعات الأهل على أحزانهم وآلامهم وحكاياتهم، تتضمن الكثير من الثنائيات والتمازج بين ما هو اجتماعي وسياسي وثقافي واقتصادي، ثم جاءت "الوناس عطية" لتشير إلى خمسينيات القرن العشرين والمناخ الفلسطيني الشائع في كل بيت، أخذت تمثيلاً مدينة "دمشق" راعية أهل التصوف، وحالات اجتماعية مثل "القبضاي"، وثنائيتين بين "أبي الحسن" قاطع الطريق و"أبي الحو" المتصوف، ومنهما كونت حالة الضد والضد، وحالة الحب والحب، والحب والكراهية

- يقول عشت المعاناة بكل صورها بؤساً وشقاءً، كنا نتبع التعليم في المدرسة في سبيل الخلاص من البؤس وأصبحت معلماً وأنا أعيش في خيمتي

- لكن "أنين القصب" و"دوي الموتى" و"طار الحمام" و"السواد" أسماءٌ لرواياتك تحمل البؤس عنواناً؟

- لم أقل أن هذا القول هو الفصل، لكنني حينما أتحدث عن أي عملٍ فأنا أعالج موضوعاً بعينه، "دوي الموتى" تتطرق إلى حالة المقبرة الفلسطينية التي تتميز عن مثيلاتها في سائر العالم، فعندما كبرت وأصبحت أكبر من المخيم، ولأن تشييع الشهداء يتم كل يومٍ فقد أصبحت سوقاً يستجدي منه الباعة الجوالون رغيف الخبز، كما لو أن المقبرة من تطعم الناس، لذلك كان لها الفضل كونها حالة اقتصادية، لكن عند غياب الشهداء فقدت رونقها وانفض الباعة، وأصبحت مكاناً موحشاً كغيرها من المقابر لا تطأ أرضها قدم، في كل روايةٍ حالةٌ أو حالاتٌ تعالج، وعندما تفكر في إغلاق الرواية فأنت تغلق على أفراد تئن من جروحها، وتصرخ من آلامها، أناس لديهم آلام، فهذه الروايات يقطر منها الدم والحزن والعويل وبكاء الأمهات.

* انتقالاً للجانب النقدي، توصف بعض أعمالك بالمباشرة والتقريرية خاصةً "الوناس عطية" في ظل الغياب الزمني والمكاني، فماذا تقول؟

** على العكس، فأنا أتهم بانتهاج الأسلوب الشعري الشاعري المتعلق بالغموض شديد الصلة بالخيال، وأعمل على فرض الإيهام الواقعي لحيزات قد لا تكون موجودةً لكنني أقوم بإقناع القارئ بوجودها، "الوناس عطية" تتحدث عن مديني "دمشق" و"القدس" كمكانين مدركين بينهما أشواقٌ وتطلعات، حتى إن تلك الفترة كانت تسمح بالتنقل بين المدينتين.

* حدثنا عن دراستك "البقع الأرجوانية في الرواية الغربية"..

** لم يكن لدي شغف البحث في الأدب والتاريخ الأدبي، لكن ومن خلال مطالعاتي لبعض التجارب لعدد من كتّاب الرواية العالميين وجدت أن فخ التقليد يوقع الكاتب العربي في شباكه، فعملت على وقف إطلاق الأحكام والابتعاد عن تقييم هذه الأعمال وإطلاق الحكم كقارئ، لكن المفاجأة الكبرى كانت في الرأي المخالف لما اتفق عليه الأدباء خلال نصف قرنٍ من الزمن في أعمال "كافكا" و"جيمس جويس" و"سرفانتس" و"تولستوي" و"مارسيل بروست"، فما قيل عن "كافكا" بشيوعيته وكرهه للصهاينة كان الرأي الخاطئ من خلال كشف سيرته الذاتية كمفاتيح لبيان مشاعره ودفاعه عن فكرة "هرتزل" بالخروج من أوروبا والبحث عن الوطن الجديد الذي يمثل فلسطين، أما "جيمس جويس" في "فيغوليس" الرواية التي وصفها أدباء الغرب بأنها أهم مفاصل التاريخ الروائي، فوجدت أنها تتحدث عن الصهيونية، ليس لأن أبطالها هم من اليهود، بل لأنها تتحدث عن الحنين للأرض الفلسطينية بصفتها أرض الميعاد، كما أراد الكاتب تمجيد شخصية "بلوم" اليهودي لتكون كشخصية "بوليسيس" البطل الأسطوري اليوناني وهذا شديد الخطورة، كما تناولتُ الأعمال الأخرى على السوية ذاتها.

من مقال بقلم : أحمد مراد

قديم 09-05-2015, 06:07 PM
المشاركة 1379
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع .....حسن حميد

من مقال بقلم : ـ وحيد تاجا
- حسن حميد كاتب قصة ورواية معروف في الساحة الثقافية, وتثير كتاباته الكثير من الأسئلة والجدل في المشهد الثقافي, صدر له العديد من المجموعات القصصية والأعمال الروائية.

- يقول عن نفسه : يظنّ الكثيرون أنني جئت أدبياً مع العاصفة، أو مع المطر الموسمي، أو مع الطائرات النفاثة. وهذا الظنُّ ظنٌّ وحسب، وذلك لأنني عملت عملاً طويلاً على نصي الأدبي في عزلة تعلّمتُ أسرارها من شيوخ الزوايا، والعارفين بصفاء العزلة.. كي لا يخرج هذا النص عبوساً، أو شائهاً، أو ناقصاً.

- ويقول : ساعدتني فضيلة الانتظار والصبر على إنضاج نصوصي تماماً مثلما كانت أمي تنضج الأرغفة في (فرنيتها) الصغيرة، وأنا الذي ساهرتها ليال طوالاً وهي تعجن عجينها، كنت أشفق عليها وهي تدعك العجين وتقلبه، ثم ترشه بالماء، ثم تمدده، وتطويه.. تعيد وتعيد وأنا الذي كنت أظن أن العجين يصير عجيناً حالما يذوب الطحين، وحالما يختفي لونه الأبيض.

- أمي علمتني الصبر على العمل، وطرقه، وتقليبه على وجوهه قبل القذف به إلى (الفرنية). دائماً كانت تكرر أمامي من المعيب أن يخرج الخبز (عويصاً).. لذلك من البداية قلت من المعيب أن يخرج النص الأدبي (عويصاً). وقد ازدادت قناعتي أكثر بدور النصوص وأهميتها انطلاقي من إيماني العميق بعدالة قضيتي الفلسطينية، فهذه العدالة الواضحة لا تحتمل أية شائبة أو نقص.

- لهذا.. لم أكن في ظهوري نبتاً (شيطانياً) لا سمح الله، وإنما كان نبتاً طبيعياً جداً، فقد أنهيت دراستي الجامعية دون أي سعي في مجال الكتابة والإبداع،مع أنني كنت أقرأ وأكتب وأراقب الحراك الثقافي والإبداعي، كما كنت أقايس نصوصي مع النصوص التي أقرؤها منشورة في الصحف والمجلات والكتب التي كانت تصل إلى يدي (على الرغم من ضيق ذات اليد).

- ويقول صحف ومجلات المقاومة الفلسطينية هي التي أخذتني إلى الكتابة، هي التي وعتني بأهمية الكتابة ودورها. وذلك لأننا كنا في المخيم، نحن الطلبة القرائين، نهّرب صحف ومجلات المقاومة إلى بعض الأمكنة، وبعض الأشخاص، وبعض الجهات على جلودنا، تحت قمصاننا، تلك السرانية في الحرص على المجلات والصحف بعيداً عن عيون أهلنا، أولاً، والآخرين ثانياً هي التي جعلتني أتنبه إلى أهمية الكلمة ودورها، إلى أهمية الكاتب ودوره في الحياة، وقد تمنيت أن أصبح مستقبلاً كاتباً يظهر اسمه إلى جانب مقالاته على صفحات المجلات والصحف، ويصير من هم أصغر مني يهربون ما أكتبه تحت قمصانهم (العرقانة صيفاً)، والمبللة بالمطر شتاءً). تلك كانت الشرارة التي صارت غبطة لي وأنا أقرأ قصائدي الأولى، وقصصي الأولى على أسماع أبناء مخيم جرمانا. كم كانت تلك الأيام نادرة..

س4-ألهذا.. كتابتك علوقة بالمخيم وأهله.. وأحداثه؟!..
ج4-المخيم كائن مكاني عجيب غريب، قد لا يشبه كائن مكاني آخر في العالم. فهو مكان استثنائي طارئ وبديل عن المكان الأصلي الطبيعي (الوطن)، لذلك فهو مكان معلون بمعنى من المعاني، ومكان مكروه لأنه بديل عن الوطن، لا يشبهه في شيء. ولكنه من ناحية ثانية هو مكان حميم، مكان حفظ لنا الهوية، حفظَ لنا اجتماعيةَ الناسِ، والحكايات، والتراث،والأحداث، والأخبار، والمساءات، والمسرات القليلة.
المخيم مكان له فضل علينا نحن الفلسطينيين من حيث إنه (انتي بوتيك) المضاد ضد الإذابة، واللا جدوى.. فكل ما فيه يذكرك بالوطن (فلسطين).. وإن كان ذلك على نحو مناقض، فهو مكان لا حدائق فيه، ولا موسيقا، ولا طيور، ولا ساحات، مكان مكتظ كأعشاش العصافير، مكان لا جذور له. هذه القحولة، هذا الجفاف، هذا العبوس.. يذكرنا بقوة.. بفلسطين بلد البساتين، والبيارات، والأنهار، والسواقي، والسهول، والروائح الذكية، والتاريخ المتجذر في أعماق أعماق الأرض.
أنا علوق بالمخيم عشت فيه، وتربيت على مشهدياته، وأخبار أهله، عرفت أزقته وبيوته الواطئة التي يتكئُ بعضها على بعضها الآخر، بيوته التي تبيت وحيدة في هجعات الليل. وعشت طقوسه.. طقوس الولادة، والمرض، والختان، والأفراح، ومشهديات الموت التي اختصت بها مقبرة صارت أكثر اتساعاً من بيوت
المخيم نفسه. لذلك جاءت كتابتي علوقة بالمخيم وأهله ودلالاته الفلسفية.. فالمخيم مكاني الطارئ الذي ما زلت أعيش فيه وأتعلم منه، والمخيم مكاني الذي يأخذني إلى مكاني الأول، مكان أجدادي.. حيث تركنا بيوتنا مكرهين تحت الحراب وهي ملأى بضحكات أطفالنا، ونداءات أمهاتنا، ووقع عصي جداتنا وأجدادنا.. تماماً مثلما هي خوابينا ملأى بالعسل، والزيتون، والزيت، تماماً مثلما هي مساجدنا ملأى بالصلوات، وكنائسنا ملأى بالإيقونات.. ومثلما هي ملأى بالغدران، وتحليق الطيور، ورنين أجراس قطعان الماشية؛ ذلك الغنى الساحر تُذكرنا به جفافيةُ المخيم.
س5-لكأنك تحاول التأريخ للمخيم؟!..
ج5-بلى، المخيم ليس إلا لحظة في تاريخ الشعب الفلسطيني الموغل في القدم. لنا تاريخ عمره 6000 ستة آلاف سنة، وعمر المخيم (وقد صار مديداً) هو خمسون سنة، إنه ليس سوى تلويحة سريعة لا تثير الاهتمام لولا حرارتها، وفداحة الظلم الذي أوقعته الظروف علينا.
أؤرخ للمخيم لقناعتي بأنه زائل. سيصير [عندما نؤوب إلى قرانا ومدننا في فلسطين]، مجرد متحف مكاني يدلل على وجودنا الذي كان في ظل الإرهاب الصهيوني. سيصير المخيم متحفاً يزار من قبل الآخرين، سيأتون إليه ليروا أية حياة صعبة عاشها الفلسطينيون صغاراً وكباراً نساءً ورجالاً، وأية مكابدات تحمّلوها من أجل العودة المنشودة.. كيف أسسوا بيوتهم، ومقابرهم، ومدارسهم، وكيف تناقلوا تاريخهم جيلاً بعد جيل.
س6-وهل ساعدتك الرواية على القيام بمهمة التأريخ؟!..
ج6-الرواية بالنسبة إليّ َهي الجنس الأدبي الذي ساعدني على كتابة ما أريده تاريخياً، حقّبت للجروح الاجتماعية التي خلّفتها علة (الفقد)، وللبيوت البسيطة جداً التي سترت أهالي المخيم كالأثواب، والتي لولا الحياء الاجتماعي لذابت اهتلاكاً. الرواية سمحت لي بالعودة إلى الماضي البعيد لتدوين المشفوه الذي كاد يندثر بموت عارفيه.
س7-في ضوء اهتمامك بالمخيم.. أشعر بأنك لم تهتم بما هو خارج المخيم.. هل هذا صحيح؟!..
ج7-كتبت عن المخيمات باعتبارها مفصلاً أساسياً في حياة الفلسطينيين ومأساتهم في آن معاً، فهي أشبه بالمسافر الذي يقف بمحاذاة الطريق انتظاراً للحافلة التي ستأخذه إلى هدفه الذي نقشه داخل صدره. فالمخيمات كائنات مشدودة إلى موضوعة الانتظار، والانتظار مهما طال يظل انتظاراً ثم يذوب.
.. مع ذلك فأنا لم أقف عند عوالم المخيمات وأحوال أهلها فقط، وإنما كتبت في تجليات عديدة للقضية الفلسطينية، مثل من هو (الآخر)، وأي حوار يدار معه؟! ومن هو (العدو)، وكيف نفهمه؟!.. وهل هو كتلة موحدة في أهدافها وغاياتها؟ ثم إنني كتبتُ في أمور وقضايا إنسانية عديدة تحضّ الفرد في مشاعره وهو يواجه انحدار القيم واهتلاكها، وأحوال الاستهلاكية والهشاشة ورواسبها. الكاتب إنسان يرى، ويشعر، ويدرك، ويتحسس ما يواجهه في الحياة، ولكن من حقه أن يتوجه بكليته نحو المحرق الأساسي الذي يهدد مصيره، وتاريخه، وحياته، ومستقبله.. لهذا كان لابدّ لي من أن أعطي قضيتي الفلسطينية كل ما وهبني إياه ربي من قدرات على الكتابة، وتوظيف ثقافتي ومعارفي لبيان عدالة قضيتي في زمن يصحّ به أن داخل الرأس.. ثم تتم الكتابة على عجل دون معرفة بالخطوات المطلوبة. القصة القصيرة (مثل القصيدة مثل الأنهار) تحفر مجراها دونما تفكير عميق، تبدأ بالاندفاع، وكلما كانت الكتابة قريبة من لحظة التفجر الأولى كانت القصة أقرب إلى الولادة الطبيعية، أو قل أقرب إلى الظهور. والعكس صحيح. فكلما تباطأت الكتابة وابتعدت عن لحظة التفجر انطفأت الرغبة بالكتابة أو العودة إليها أو الشروع بها.
في الكتابة الروائية، الأمر مختلف جداً، هنا لابدّ من التخطيط، والتأمل، وتنسيق الأفكار، والتسلسل المنطقي للأعمار، والأجيال، لابدّ من ضبط الوصف واعتماده، ولابدّ من التقيد بالأوصاف والأنماط السلوكية التي رسمت للشخصيات.. أقول باختصار الكتابة الروائية بحاجة ماسة إلى خريطة معرفية كاملة، ومنها تنبع أو تنتج خرائط عديدة منها خريطة مكانية، وخريطة اجتماعية، وخريطة ميثولوجية، وخريطة تاريخية..الخ.
س9-تزدحم قصصك بالكثير من الشخصيات، وهي في غالبها شخصيات فلسطينية، ترى ألا يجعلك هذا تقع في مطب الانحياز الذي يضرّ بـ "موضوعية العمل الأدبي" على حد قول بعض النقاد؟!..
ج9- أنا ككاتب فلسطيني أرى الجرح الفلسطيني بكل مأساته ونواتجه لذلك لابدّ لي من أن أكون المعبر الأول عنه، وإلا ما قيمة كتابتي حين تدير ظهرها لهذه المأساة التي لا مثيل لها في التاريخ البشري. التعامل مع المأساة الفلسطينية من قبل الكاتب الفلسطيني ليس واجباً فقط، بل هو مسؤولية دائمة، وحرص ضروري على إدامة الحياة، والتاريخ، والذاكرة، والإرادة.
أعرف الكثير من النقاد الذين يتهمون الأدب الفلسطيني بالإيديولوجية في مرحلة زمنية من مراحل الكتابة الفلسطينية، وهم محقون بهذا الاتهام، ولكن الكتاب الفلسطينيين كانوا محقين في تلك الفترة حين أظهروا الإيديولوجية على حساب الأمور الفنية والتقنية.. ذلك لأن القضية الفلسطينية كانت بحاجة (في تلك الفترة) إلى من يعرّف بها. لاشك أن أخطاءً فنية عديدة وقعت، ولكن تلك الأخطاء كان لابدّ من وجودها لتلافيها. اليوم الأدب الفلسطيني في الرواية، والشعر، والقصة القصيرة.. يعيش حالاً من المناددة الرائعة مع الأدب الصافي الذي يكتبه الأدباء العرب وغير العرب لأنه محمول على نجاحه الفني وليس على نبل الموضوع.
..ولكن لابدّ من التنبيه أن بعض النقاد تعبوا من متابعة مايكتبه أدباء فلسطين، فظلوا على قراءاتهم السابقة كما ظلوا على آرائهم السابقة التي توصّف الأدب الفلسطيني.. هنا تكمن المشكلة.
س10-من يقرأ لك يشعر بسلاسة الجمل وعفويتها وقوتها بآن معاً مما يخلق انطباعاً عن مدى تمكنك من اللغة وتطويعها، هل هذا الانطباع صحيح، أو أن وراء ذلك جهداً ومعاناة ومحاولات عديدة قبل ظهور عملك الإبداعي؟!...
ج10-من واجب الكاتب ألا يُغرق قراءه في الغموض أو المعميات، خصوصاً الكاتب الذي يتبنى قضية ما. على الكاتب ألا يشغل وظيفة (الدليل السياحي) كي يشر ح نصوصه وكتاباته، عليه أن يضع الأمور في وضوحها الأبدي، أي الوضوح الذي يشبه وضوح الأنهار، والغابات والنهارات.. أي وضوح الصور الطبيعية التي تحيط بنا حيث لا نفطن إلى جمالية هذا الوضوح وأهميته إلا في أوقات متأخرة جداً.
الكتابة السلسة، الواضحة لا تعني أنها خالية من الجهد وتقليب النظر والوجوه.. إطلاقاً، فالأشجار عانت كثيراً، واجتهدت كثيراً قبل أن تستوي على قاماتها.
بالنسبة إليَّ، أنا أتعب كثيراً على نصي الأدبي.. فأوظّف كل ما أملكه وما لا أملكه لكي يكون النص غنياً ثرياً، واضحاً، ومؤثراً، وذا آثار حقيقية على مرآة الذات.
لذلك أقول، وبكل الصراحة والأمانة، أنا صاحب مقبرة وسيعة لنصوصي التي لم أرضَ عنها، وهي التي لو ظهرت لكانت تسربت بين أعمالي الأخرى دون أن تؤذيها أو تؤذي التجربة في مجملها. لكنني، والحمد لله، أعمل بما قاله المتصوفة "اللهم لا تذقنا حلاوة أنفسنا"!..
س11-أنت معروف بكتاباتك القصصية، فلماذا تحولت إلى الرواية؟!..
ج11-حولي أساتذة كبار من النقاد والمبدعين، قالوا لي حين قرؤوا ما كتبته من روايات (الوقت الذي أنفقته في كتابة القصص كان ضائعاً، ليتك بدأت بكتابة الرواية مباشرة).
ظروف البداية مع القصة أو الرواية أمر لم أتخيّره بنفسي، ولم أتوجه إليه إلاَّ بعد كتابة للشعر استمرت سنوات عديدة..
وحين كتبت الرواية كتبتها بدافع عقلاني، أو قل بتفكير عقلاني.. فحين كتبت رواية (السواد) كتبتها تحت إلحاح قناعتي بأن أكتب وجهاً آخر من وجوه الخروج القسري للفلسطينيين الفلاحين.. فحبّرت ذواتهم المألومة وهم يتركون كل شيء، كل شيء (أؤكد)، ثم وهم يعبرون عن أشواقهم وأحزانهم وقد طال عليهم وقت الانتظار. وحين كتبت رواية (تعالي نطيّر أوراق الخريف)، كتبتها بقرار عقلاني مؤداه أن أؤرخ للمخيم الفلسطيني باعتباره مكاناً مرفوضاً مكروهاً من جهة وباعتباره مكاناً له فضله في جمع اجتماعيتنا في مكان واحد، وحفظ هويتنا وذاكرتنا من جهة ثانية. وحين كتبت رواية (جسر بنات يعقوب) أردت العودة إلى التاريخ القديم، إلى عالم الميثولوجيا.. لأقول للجميع: انظروا إلى أي تاريخ ماجد ينتسب الفلسطينيون، وعلى أية مدونة حضارية هم عاملون.
س12-في روايتك (أنين القصب) لوحظ اعتمادك الكبير على القص الشفهي، ما مدى دقة هذا الأمر؟!..
ج12-أحياناً، وفي مرات قليلة ونادرة، لا أستطيع أن أظل على صراحتي المعهودة في الحديث عن أعمالي كي لا أجرح مشاعر النقاد، والقراء الذين رأوا في عمل من أ عمالي، ومنها (أنين القصب) ما رأوه.. صحيح أنني أضع أسطراً في مقدمة رواياتي عادة أقول فيها إنني فعلت كذا وكذا، وإنني أخذت كذا وكذا ولكن الحقيقة ليست كذلك، فالأمر يظل مجازياً.. وهو لعبة فنية يقتضيها مقام الفن. لا يظن أ حد أن الأمر خدعة وإنما هو محاولة في الإيهام الإبداعي، أو قل مكيدة فنية.. غايتها أخذ القارئ إلى العوالم المكتوبة ظناً منه (وبسبب اقتناعه بما قلته في أسطر التقديم) أن المكتوب هو تاريخ مكتوب سابقاً، وما أنا سوى جامع له. الأمر ليس كذلك إطلاقاً. ففي رواية (أنين القصب) التي بكى معها الكثيرون وهم يقرؤونها.. مكابدات الذات التي احترقت بمصداقية العذابات الفلسطينية (وما أكثرها).. وقد شددت نفسي إلى الإيقاع الواقعي لأجعل،عبر الوصف والتصوير، ما يقرؤه القارئ أمراً طبيعياً لا صنعة فيه ولا تركيب، وأظن أن هذا الأمر من الأمور الملحة في وجودها داخل النص الأدبي، عنيت أن يبدو النص اشتقاقاً طبيعياً. وليس قصة مكتوبة.
(أنين القصب) مدونة تاريخية-اجتماعية-ميثولوجية فيها المعتقدات، والمميزات، والحكايات الشعبية، والطقوس، والأعياد، والمعايشات الفلسطينية التي كانت بمحاذاة النهر العظيم نهر الأردن.. قبل خروجهم القسري... لتدلل على أهمية حياتهم وخصبها أيضاً. أما ماهو الحقيقي وماهو غير فالأمر غير مطروح في الرواية أو الكتابة الأدبية. المطروح هو هل هذا النص ناجح، وفني، وموظف، ومقنع، ومهم.
س13-لفتت انتباهي طريقة كتابة الرواية، وترتيبها،والحواشي والإضافات التي اعتمدها؟!...
ج13-أنا مدين لقراءاتي التراثية التي علمتني الكثير،ومن أفضال تلك القراءات عليَّ هو أنني تعلمت أسرار التدوين وأساليبه وطرائقه العربية الصرف والتي تعتمد الطيّ، والمضايفة، والاستهلال، والإخبار، والتعقيب، والحواشي، والالتفات، والمساررة، هذا ناهيك عن كتلتي: المتن، والهامش.
لقد أدركت، أن كسر الرتابة البصرية داخل النص الروائي أمر مطلوب جداً، وقد قام به أجدادنا كتبة التراث، فالقطع عبر العنوانات، والمضايفات.. هو قطع وظيفي؛ غايته كسر الرتابة البصرية، وليس قطع الوظيفة السردية..
س14-لاحظت أيضاً، في روايتك (أنين القصب) تطرقك إلى الحدث السياسي بجمل قصيرة.. إلا أنها كانت معبرة وكافية.
ج14-داخل الرواية مرآة تاريخية.. لذلك لا يمكن تجاوزها أو تخطيها، ومن المرتسمات التي ظهرت عليها بعض الإشارات الزمنية والمكانية التي لها دلالات سياسية أو فكرية أو عقيدية.
س15- ما مدى اطلاعك على الأدب الفلسطيني في الداخل،وكيف تراه مقارنة مع الأدب الفلسطيني في الخارج؟!..
ج15-قرأت تقريباً كل ما كتب في الداخل، بما في ذلك المترجم من الأدب الإسرائيلي (وهو لا يزال قليلاً). وتوقفت عند أسماء شديدة الأهمية،شديدة الغنى، وعبر أجيال أدبية متعاقبة، من هؤلاء الأدباء: محمد علي طه (ابن كابول في قضاء عكا)، وهو كاتب شديد المراس في إبداع شفيف رائع، وكذلك الروائي والقاص زكي العيلة، والقاص محمد نفّاع، والمرحوم أميل حبيبي الذي كان ولا يزال قلعة أدبية حقيقية، ومن الأجيال الجديدة الروائي أحمد رفيق عوض الذي يتمتع بثقافة كبيرة، وموهبة عالية، والروائي عبد الله تايه الذي يمثل تياراً أدبياً مهماً في مدونة السرد الفلسطينية.
هذا الأدب المكتوب داخل الوطن الفلسطيني المحتل مهم جداً،ومن الصعب الآن الحديث عن كل جوانب هذه الأهمية، وهو أدب منادد للأدب الفلسطيني المكتوب في المنفى، ويحظى بتقدير عال جداً من قبل الأدباء الفلسطينيين في الخارج.
س16-يؤخذ عليك أنك غزير الإنتاج، وسؤالي هنا كيف تكتب، بمعنى آخر هل تكتب بقرار، أم أن الحدث يدفعك للكتابة، أم ماذا؟!..
ج16- من يعرف (الفرن) الفلسطيني، ومن يعرف حرارته يدرك مباشرة أنني لست غزير الإنتاج،وأن ما أكتبه قليل جداً مقارنة مع تشوفاتي، وأحلامي،وأفكاري، ومساهرتي للأحداث، وبحثي عن الأرواح، التي تحترق بكل الرضا والمصداقية.
أنا لا أكتب بقرار خارجي. وإنما أ كتب بسبب إيماني العميق بدوري ككاتب يعيش تاريخياً استثنائياً هو التاريخ المقاوم للشعب الفلسطيني. إن المقاومة وظروفها وغاياتها.. تمنح الكاتب الفلسطيني شرف المشاركة بهذا التاريخ عبر إبداعه.. وهي فرصة غير متاحة للآخرين.. بسبب هذه المقاومة،وبسبب إيماني العميق بعدالة قضيتي.. أكتب، وغزارة الإنتاج ليست تهمة أو سبة.. إن كانت ناجحة فنياً، وستكون كذلك إن كانت هشة ورخوة وباهتة.

قديم 09-07-2015, 12:18 PM
المشاركة 1380
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 98- جسر بنات يعقوبحسن حميد فلسطين

- يقول حسن حميد صاحب «دوي الموتى» " عندما تتحدث عن فلسطين كأنك تحمل عارك معك» بهذه العبارة الدامية حتى النزيف والعارية حتى الحقيقة والموجعة حتى الألم، والمتزامنة أيضاً مع «الربيع العربي» يصف القاص والروائي الفلسطيني د. حسن حميد حال الكتاب والمثقفين الفلسطينيين حيث «أصبح الأدباء الفلسطينيون أيتاماً» ولا أحد يلتفت إلى نتاجاتهم وإن حدث فعلى «خجل واستحياء» وعليه- يعقب د. حميد- فإن تجد أدباء وكتاباً فلسطينيين مستمرون في الكتابة فهذا يسجل لهم لأن الوضع اليوم وصل إلى «المرمطة» وإلى درجة «الخراب».
- ويصف صاحب «أنين القصب» الحالة الفلسطينية بـ«المأزومة» وأن «الجميع بات في جزر معزولة وكل راض بهزيمته»!!

- خرج منها ( فلسطين ) ليحمل أدبه كل المعاني والدلالات التي تشير إليها، المعاناة التي رافقته منذ الطفولة، حمل تفاصيلها على تقاسيم وجهه، وأظهرها جلياً في أعماله الروائية التي عبرت عن وفاء الابن البار لقضيةٍ أثقلت كاهله، ليكون واحداً من رواد الرواية العربية.

- كانت معيشة الطفولة في كنف جدّاي لأنني الولد البكر، ومن جدتي تعلمت فن الحكاية والإصغاء، والقص والوقف والتحييد، والإقصاء والاستدارة وما فات من حدث، البداية كانت شعراً في المخيمات في غياب الآباء الذين أخذوا على عاتقهم العمل الفدائي، كان الظرف ملائماً للكتابة الشعرية في ظل طقوس "الأربعين" الذي يقام تخليداً لذكرى الشهداء لتلقى القصائد والكلمات، حرصت أن أكون أحد شعراء المخيم البارزين، لكن الجانب السردي الأدبي الذي ميز قصائدي جعلني أتنحى عن كتابة الشعر إلى القصة القصيرة، لكن انفجار بركان الويلات والأحزان والطاقات الكامنة جعلني أتحول إلى الرواية.

- في رده على سؤال : يقال أن كبت المعاناة يفجر الطاقة ليولد الكاتب، فما رأيك؟ يقول ** لا أؤمن إلى حدٍ بعيدٍ بهذه المقولة، فالأديب يولد ليكون أديباً، صحيحٌ أن الضغط يولد الانفجار لكن ليست كل معاناةٍ تفجر الطاقات، ولا كل أديبٍ ابن المعاناة، ولو سلمنا بصحة ذلك لكانت ملاجئ الأيتام أهلاً لتخرج الأدباء والتشكيليين والموسيقيين، عشت المعاناة بكل صورها بؤساً وشقاءً، كنا نتبع التعليم في المدرسة في سبيل الخلاص من البؤس وأصبحت معلماً وأنا أعيش في خيمتي، لكن بذور الموهبة الأدبية بدت جليةً منذ الصغر وطورتها حتى أصبحت على ما أنا عليه الآن.

- ويرد على التعليق: لكن "أنين القصب" و"دوي الموتى" و"طار الحمام" و"السواد" أسماءٌ لرواياتك تحمل البؤس عنواناً؟ بقوله :** لم أقل أن هذا القول هو الفصل، لكنني حينما أتحدث عن أي عملٍ فأنا أعالج موضوعاً بعينه، "دوي الموتى" تتطرق إلى حالة المقبرة الفلسطينية التي تتميز عن مثيلاتها في سائر العالم، فعندما كبرت وأصبحت أكبر من المخيم، ولأن تشييع الشهداء يتم كل يومٍ فقد أصبحت سوقاً يستجدي منه الباعة الجوالون رغيف الخبز، كما لو أن المقبرة من تطعم الناس، لذلك كان لها الفضل كونها حالة اقتصادية، لكن عند غياب الشهداء فقدت رونقها وانفض الباعة، وأصبحت مكاناً موحشاً كغيرها من المقابر لا تطأ أرضها قدم، في كل روايةٍ حالةٌ أو حالاتٌ تعالج، وعندما تفكر في إغلاق الرواية فأنت تغلق على أفراد تئن من جروحها، وتصرخ من آلامها، أناس لديهم آلام، فهذه الروايات يقطر منها الدم والحزن والعويل وبكاء الأمهات

- ويقول في رده هلى سؤال : من الذي أخذك إلى الكتابة، من أغراك بها؟!.. صحف ومجلات المقاومة الفلسطينية هي التي أخذتني إلى الكتابة، هي التي وعتني بأهمية الكتابة ودورها. وذلك لأننا كنا في المخيم، نحن الطلبة القرائين، نهّرب صحف ومجلات المقاومة إلى بعض الأمكنة، وبعض الأشخاص، وبعض الجهات على جلودنا، تحت قمصاننا، تلك السرانية في الحرص على المجلات والصحف بعيداً عن عيون أهلنا، أولاً، والآخرين ثانياً هي التي جعلتني أتنبه إلى أهمية الكلمة ودورها، إلى أهمية الكاتب ودوره في الحياة، وقد تمنيت أن أصبح مستقبلاً كاتباً يظهر اسمه إلى جانب مقالاته على صفحات المجلات والصحف، ويصير من هم أصغر مني يهربون ما أكتبه تحت قمصانهم (العرقانة صيفاً)، والمبللة بالمطر شتاءً). تلك كانت الشرارة التي صارت غبطة لي وأنا أقرأ قصائدي الأولى، وقصصي الأولى على أسماع أبناء مخيم جرمانا. كم كانت تلك الأيام نادرة..

- يقول في وصف الحياة في المخيم: فالمخيم المشغول بغبار الصيف، وريح الصيف التي تقتلع الخيام يومياً، في الليل والنهار، وبوحول الشتاء وأمطاره، والمشغول بالجرحى، والأسرى، والشهداء، والأخبار الجارحة المؤسية.. كان يهبُّ فجأة للاحتفاء بمولد شاعر أو أديب، أو موسيقى، أو أستاذ، الخ.. لذلك كنت تجد في أمسية المخيم الأدبية حضوراً كبيراً من الأميين أو المهمشين الذين لا يعنيهم الشأن الثقافي. كانوا يجلسون بانضباط التلاميذ في المدارس ليسمعوا الشعر. كانت الأمهات يزغردن لأبنائهن الشعراء أو القاصين حين تضج قاعة المخيم الوحيدة بالتصفيق لهم. وقد كانت أمي أمية من بين هؤلاء النسوة.

- ويقول : أنا علوق بالمخيم عشت فيه، وتربيت على مشهدياته، وأخبار أهله، عرفت أزقته وبيوته الواطئة التي يتكئُ بعضها على بعضها الآخر، بيوته التي تبيت وحيدة في هجعات الليل. وعشت طقوسه.. طقوس الولادة، والمرض، والختان، والأفراح، ومشهديات الموت التي اختصت بها مقبرة صارت أكثر اتساعاً من بيوت المخيم نفسه.

- أنا ككاتب فلسطيني أرى الجرح الفلسطيني بكل مأساته ونواتجه لذلك لابدّ لي من أن أكون المعبر الأول عنه، وإلا ما قيمة كتابتي حين تدير ظهرها لهذه المأساة التي لا مثيل لها في التاريخ البشري. التعامل مع المأساة الفلسطينية من قبل الكاتب الفلسطيني ليس واجباً فقط، بل هو مسؤولية دائمة، وحرص ضروري على إدامة الحياة، والتاريخ، والذاكرة، والإرادة.

- وفي رده على سؤال : كيف تكتب، بمعنى آخر هل تكتب بقرار، أم أن الحدث يدفعك للكتابة، أم ماذا؟!.. يقول **من يعرف (الفرن) الفلسطيني، ومن يعرف حرارته يدرك مباشرة أنني لست غزير الإنتاج،وأن ما أكتبه قليل جداً مقارنة مع تشوفاتي، وأحلامي،وأفكاري، ومساهرتي للأحداث، وبحثي عن الأرواح، التي تحترق بكل الرضا والمصداقية.

- واضح ان هذا الكاتب اكتوى بنيران "الفرن الفلسطيني" فكان يتيم الوطن وعاش مأزوما ويتيما اجتماعيا ولا نعرف ان كان يتيم الاب فهو يتحدث عن امه لكنه لا يتحدث عن والده الذي ذكر بأنه كان غائب لانه كان يشارك في العمل الفدائي.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 36 ( الأعضاء 0 والزوار 36)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 02:20 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.