قديم 10-07-2017, 10:44 PM
المشاركة 11
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي

ويستمر القاص في وصف المشهد مبينا ان تلك البوابة الكائنة على سكة القطار ليست كأي بوابة وانما تطل على سماء تهب منها برودة وتنبعث منها تهويدة والدته التي اخبرنا انها رحلت في بداية السرد، وهي تنبعث لتصل هامسة كما اعتاد ان يسمعها وهو طفل صغير ، ولكنها هذه المرة مشبعة برائحة أعشاب ندية ، وكان الكاتب يوحي بان امه تسكن في مكان جميل في تلك السماء التي تنفتح عليها البوابة....

وهنا يخبرنا بطل النص انه استيقظ من النوم حتما ولكنه لم يعد يتذكر ويؤكد على ذلك وهو بهذه الطريقة يريد ان يوقظنا من غفلتنا ويشدنا لنتابع سرده الجميل حول ما جرى معه ..

ولا شك ان القاص قصد بذكر القطار وسكته تضمين النص مزيد من الكلمات الموحية بالحركة، وبتالي الحياة .

اما وصفه لذلك المكان الذي يقع في السماء خلف البوابة فهو اقرب الى الجنة، وكان بطل النص أراد ان يخبرنا بان امه التي رحلت وهو صغير تسكن في ذلك المكان خلف النافذة السماوية ، ولكنها ما تزال تهمس له بتهويدتها التي تصل مشبعة برائحة العشب الندية ...

وباستخدام كلمة (سمعت وكلمة هامسة وكلمة صوتها والهادي ) ما يوقظ حاسة السمع لدى المتلقي فينشد الى السرد وحواسه قد استنفرت ، فهو لا يوقظ فقط حاسة السمع وانما يوقظ في المتلقي أيضاً حاسة الشم من خلال حديثة عن رائحة أعشاب ندية.

ولا شك ان القاص قد ابدع في وصف المشهد هنا وتصويره وجعل سرده بالغ الأثر من خلال حشد كل ادوات التأثير تلك، والتي تشمل التضاد، والحواس، والتصوير، والحركة، والحديث عن الشعور والاستيقاظ ...

وكانه أراد ان ينبه المتلقي في كل كلمة من كلمات النص الى ما يريد ان يقوله. وبتاكيده على انه لم يعد يتذكر يؤكد على اهمية النص الذي وصلنا منه في وصف لتلك الحادثة التي هي اشبه بحلم راوده وقد اختبر فيه فقد الام وهو صغير حيث رحلت وتركته ومؤشر ذلك انها توقفت عن التهويد له ، لكنه في لحظة من الزمن جاء اليه عملاق وأخذه الى تلك البوابة وهناك وما ان سمع تهويدة امه المنبعثة من السماء حتى استيقظ ....

يتبع

قديم 10-11-2017, 05:38 PM
المشاركة 12
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
للاطلاع على القراءة المعمقة لبعض قصص الاستاذ مبارك الحمود الرابط أدناه :

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=4825

قديم 10-11-2017, 05:57 PM
المشاركة 13
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع ...

يلاحظ المتعمق في قراءة هذا الجزء من القصة ان القاص رغم حرصه على حشد كم ـهايل من المحسنات البديعية والجمالية التي جعلت نصه سحريا وكانه فصل من فصول الف ليلة وليلة نجده في نفس الوقت قد حرص على تضمين نصه عناصر القصة المتعارف عليها .
فقد بين لنا بان مكان الحدث هو امام منزل بطل النص والباب خلفه مغلق لكنه بحديثه عن الاستيقاظ وان الحدث الذي يرويه لنا هو جزء من ذكريات كان قادر على استرجاعها نعرف ان مكان الحدث السرير حيث كان بطل النص مستغرقا في النوم حيث راوده ذلك الحلم العجائبي. والأماكن الاخرى مثل السماء وسكة القطار والبوابة الخ هي جزء من الحلم فهو بذلك استثمر آلية الحلم والتذكر لجعل الاماكن المتعددة المذكورة تخدم المكان الرئيسي في النص.
والزمان لا بد ان الحدث قد وقع في زمن متأخر من عمر بطل النص ولو اننا في هذه الفقرة لا نعرف تحديدا متى وقع الحدث، لكننا نلاحظ بان القاص بدا في الحديث عن زمن الطفولة ضمن الية التذكر التي لجأ اليها ليروي لنا الحدث وعليه نجده قد احسن استثمار الأزمان الاخرى بما في ذلك زمن الطفولة لخدمة زمن النص. وعليه نقول ان الزمكانية في القصة محدودة ومناسبة.

يتبع




قديم 10-12-2017, 02:34 PM
المشاركة 14
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع..
وفما يتعلق بالحبكة نجد ان الاحداث متسلسلة فنحن بصدد بطل النص وهو في شبابه او في سن متقدمة اكثر قليلا يروى لنا بعض ذكرياته التي يدعي بأنها ظلت عالقة في ذهنه على الرغم انه لم يعد يتذكر الكثير مما جرى.
فيعود بنا بداية الى سن الطفولة المبكرة ويخبرنا ان تهويدة امه رحلت كفراشة ربيع. ثم يسرد لنا كيف انه استيقظ من النوم على صباح ازرق وسماء زجاجية، كناية عن صفاء السماء في ذلك الوقت، ليجد نفسه وهو يقف امام منزله والباب خلفه مغلق والى جانبه عملاق النسمات، ثم يسير بصبحة ذلك العملاق في ارض عجائبية حتى يصل الى حيث سكة القطار، وهناك يفتح العلامق بوابة تطل على السماء التي ينبعث منها برودة و رائحة عشب ندية وهناك سمع تهويدة امه الهامسة وعندها استيقظ من النوم.
حيث يبدو الحدث في مجمله عباره عن ذكريات ما علق في الذاكرة من حلم شاهده بطل النص رغم ان السطر الاول يوحي بأن مغادرة الام وتهويدتها حدث قد وقع فعلا وكأن القاص اراد ان يقحمنا في النص ونحن نتعامل مع حدث واقعي وهو موت الام لانه السبب الاكثر احتمالا لانقطاع التهويدة بذلك الشكل. ثم يخبرنا ما جرى معه في وقت لاحق من مشاهدة لذلك الحلم والذي عاد من خلاله ليستمع الى تهويدة امه بعد زمن بعيد تأتي اليه من سماء ندية وباردة مما يوحي بأنها مكان اقرب الى الجنة، وهذا بدوره يؤكد على ان الام قد رحلت في سن مبكرة واصبحت تسكن السماء.

وحيث ان الحلم هو تعبير عن رغبات دفينة نستطيع القول ان القاص لجأ الى هذه الالية من اجل ان يوصل لنا مدى شوق بطل النص لسماع تهويدة امه التي انقطعت ذات يوم وهو طفل صغير وهذا يعني ان القاص لديه معرفه في علم النفس وعالج هذا الموضوع من واقع فهمه لمكبوتات ورغبات النفس البشرية الدفينة التي يعبر عنها بالحلم كثيرا، لكنه في نفس الوقت اراد ان يوصل لنا اثر موت الام في الطفل، وحيث انه استخدم ضمير المتلكم في نصه نستطيع القول بأنه ربما يكون هو شخصيا يتيم الام وهو بهذا النص يعبر عن مكنونات نفسه تجاه الفقد الذي اصابه في سن مبكرة.

يتبع...



قديم 10-12-2017, 08:41 PM
المشاركة 15
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نص خيالي آسر ، بلغته و مشاعره و دقة وصف مشاهده.
" مدينة المرايا بشعبها البشع " ، " نافذة تقبع على قضبان السكة....سمعت تهويدة أمي تنبعث هامسة"
أستاذي أوجزت ، لكنك بحت بالكثير .

دام قلمك

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 10-12-2017, 08:43 PM
المشاركة 16
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
شكراً لقراءاتك أستاذ أيوب ، أضاءت على النص بشكل كبير..

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 10-13-2017, 11:35 AM
المشاركة 17
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
شكرًا استاذة صبا على التشجيع .
الصحيح قصص الاستاذ الحمود عميقة المعاني وليس من السهل سبر أغوارها وكشف أسرارها.
لكنها محاولة لعلها تشجع آخرين ليدلوا بدلوهم ويساهموا في استخراج الحلى من هذه المقطوعات المنسوجة بعناية من الخيال السحري.

*

قديم 10-13-2017, 11:46 AM
المشاركة 18
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع ...
اما فيما يتعلق بالصراع الذي هو العنصر الاهم في النص القصصي فتظهر الحبكة ان الصراع يتعلق بالموت والفجيعية التي اصابت بطل النص في الطفولة المبكرة وخلفت في نفسه شرخا هائلا ظهر في وقت متأخر على شكل حلم لبى للبطل رغبة دفينة بان يعود ليستمع لتهويدة امه الهامسة .
فهو صراع مع الموت وهو صراع نفسي داخلي ظل يتفاعل منذ لحظة الفقد الى حين حصول هذا الحلم ليعود بطل النص مستمعا لتهويدة والدته ولو على شكل حلم. وحتما مثل هذا الصراع لا يتوقف فدعونا نرى ان كانت الأجزاء المتبقية من النص تمثل استمرار لهذا الصراع ام ان القاص يعالج في نصه صراعات اخرى .

وحتما تعتبر ثيمة او فكرة الموت والحياة من اكثر الثيمات او الأفكار ذات الأثر البالغ لدى المتلقي. وكذلك اختيار اليتيم بطلا للنص. ففي الحديث عن الأيتام والموت والحياة قيمة عالية وسحرية واثر بالغ على المتلقي. وكذلك التعامل مع مكنونات النفس البشرية والصراع النفسي الداخلي. فالنفس البشرية عالم غامض وبحر عميق والتعامل معه اشبه باستخراج الحلى من اعماق البحر ولا شك ان في ذلك سحرية وجمال واثر عظيم.
يتبع ...

قديم 10-13-2017, 03:42 PM
المشاركة 19
مبارك الحمود
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
مدهش أنت أستاذ أيوب.. استمر بامتاعنا كعادتك. أنت من المحفزين لي بكتابة نصوصي بقراءاتك النقدية.
أشكرك جدا.

قديم 10-13-2017, 08:38 PM
المشاركة 20
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
اشكرك استاذ مبارك. المدهش حقا هو هذا الخيال السحري الذي تمتعنا به من حين لآخر. ويسرني ان تكون قراءتي المتواضعة تروق لك وتحفزك على مزيد من العطاء. الصحيح انني لطالما اعجبت بنصوصك وارى بانك فعلا صاحب مخيلة مبدعة ومخرجاتها سحرية واتمنى ان تستمر في العطاء. *


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:46 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.