قديم 09-05-2017, 04:59 PM
المشاركة 11
زهرة الروسان
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
طبيب نفسي

اتجه جود الى غرفة شهد بعد ليلة عصيبة... فعيناه لم تتذوقا طعم النوم طوال تلك الليلة... اعتاد حين يمر بوقت مرير أن يحدث شهد عما يؤلمه. لكن الأمر مختلف فألمه هي شهد بحد ذاتها... طرق باب غرفتها وقد عزم على الاعتذار و عنده أمل في محاولة إقناعها بالمثول أمام طبيب نفسي، فأمه أقسمت أن لا تسكت عن الأمر، ولن تغلق الموضوع وتطوي الصفحة إذا ما عاندت شهد... وهو يعلم كم هي عنيدة.
-جود: صباح الخير. هل تسمحين لي بالدخول؟
-شهد: لا.
-حسنا، سأدخل دون إذن. كيف كانت ليلتك؟ أعلم أني كنت قاسيا جدا أمس... جئت لأعتذر لك عما بدر مني.
-لا بأس. أنت أخي الصغير، إن لم أسامحك فلن أسامح نفسي.
-هذه هي أختي المفضلة... لقد تحدثت لأمي و تريد.....
-تريد أن تعرضني على طبيب نفسي أليس كذلك! لا بأس. لا مانع عندي.
-حقا... بهذه البساطة! كم أنت رائعة... أعلم الآن كم تهتمين لسعادتي.
-الآن! على كل حال هذا ليس من أجلك... بل من أجلي.
-من أجلك! هل تشعرين أنك تحتاجين لطبيب؟
-لا، هل جننت! لكني أكتب رواية وأفتقر لبعض الأحداث المهمة.
-اجل فهمت، حلم طفولتك... ألم تحلمي أن تصبحي ساحرة شريرة؟ أظنك حققت حلمك بجدارة.
-أنا حلمت بذلك... يا لك من كاذب.
-أنت قلت ذلك... قلت أحلم أن أكون ساحرة شريرة تأكل حلوى الأطفال ليلا... هل تذكرين! على كل حال... الطبيب القادم هو صديق لي، ربما هو عجوز مثلك لكنه طيب... شرحت له ما حدث وتفهم الأمر وسيتعاون معنا.
-أنا في الثلاثينات... لست عجوزا... هذه هي ذروة شبابي.
-ممممم بل أنت عجوز... المهم، أعلم أنك ستضربينني إن لم اتوقف عن وصفك بالعجوز... سألتني فداء عن سبب التحاقي بقسم التحقيق... انت ذكرت ذلك أمس أتذكرين.
-وهل أخبرتها؟
-لا، اضطررت للكذب وأخبرتها أنك تريدين معرفة والدك الحقيقي.
-ماذا؟ كيف تقول ذلك!
-هذا ليس هو المهم... المهم أنها أخبرتني أنها تبحث عنه منذ عدة أشهر.
-جود، أخبرها أن تنسى الأمر... أنا لن أخرج من هذا المنزل ببساطة، هل تفهم.
-من طلب منك الخروج! على كل حال سيصل الطبيب قريبا لذا تهيئي.
بعد ساعة وصل الطبيب وجلس ينتظر شهد في غرفة الاستقبال مع الجود... كان شابا في أواسط الثلاثينات، هادئ الملامح و قوي البنية، يرتدي نظارة صغيرة تخفي عينيه. وصلت شهد وعلا محياها ابتسامة سخرية... ألقت التحية وجلست بجانب أخيها.
-الطبيب: مرحبا، أنا نبيل صديق جود... سررت بمعرفتك.
-جود: سأحضر الشاي لن اتأخر... يمكنكما التحدث. إن أردت أي شيء فأمي تجلس مقابلكما هناك، تستطيع سؤالها.
-الطبيب: شكرا لك. آنسة شهد، أنا طبيب نفسي. بارع في كشف مشاعر الآخرين. نظارتي هذه هي أداتي لكشف ما يخفيه الإنسان من أسرار. فكما تعلمين عين الإنسان لا يمكنها كتمان الأسرار، فالعين ثرثارة جدا... غير أني ماهر في جمع النقاط.
-شهد: أي نقاط؟
-الطبيب: نقاط الابتسامات... خلال ساعة سأجمع منك ما يزيد عن ثلاثين نقطة... إي بمعدل بسمة لكل دقيقتين.
-شهد: أرني مهارتك.
-الطبيب: هذه أول نقطة.
-شهد: أنا حتى لم أبتسم.
-الطبيب: لقد وصلت وانت مبتسمة... صحيح انها ابتسامة سخرية، لكن أقبلها... مع ان ابتسامة الرضا أجمل... هل تعلمين أن الابتسامة تزيد من جمال الوجه وصحة القلب.
-شهد: أنت شخص ثرثار.
-هذه هي الفلسفة يا آنسة، أنا فيلسوف... ابتسامة أخرى. رائع، نقطة أخرى.
-شهد: هذه البداية وحسب.
-الطبيب: لن تتمكني من هزمي... فأنا هو صانع البسمات.
-شهد: هراء، أنت لا تصنع بل ترسم البسمات.
-الطبيب: هذا اعتراف وبداية هزيمة... هل نبدأ؟
-شهد: تفضل.
-الطبيب: أحب أن أبدأ حديثي بما حدث أمس... أخبرني جود أن أختك فداء طلبت منك التأكد من انطفاء البخور ولكنك لم تفعل... أهذا صحيح؟
-شهد: أولا فداء ليست أختي... أن كان جود قد حدثك عن الأمر فمن المؤكد أنك تعلم شكل علاقتي بها... وأجل لم افعل فأنا لا أهتم.
-قد حدثني جود عنك كثيرا... أكثر مما تتخيلين... عن طفولتك وصباك وحتى شبابك. حدثني عن والديك وعن جدتك، عن علاقتك بفداء وخالتك. عن كل شيء... أنا أعرفك من قبل أن اراك... هل حقا أنت لم تتفقد البخور!
-لا.
-متأكدة! أنت تفقدته لكنك لا تريدين الاعتراف... أنت تحبين الصغار صحيح! من ما قاله جود فالحادث لم يقع بالصدفة، كنت من عالج الرجل الذي حاول احراق اطفاله. أخبرني بأنه دفع كرة البخور المشتعلة فسقطت على الأرض... انتم تستخدمون اعواد البخور سقوط الرمد الناتج عن الاحتراق سيسبب ثقبا صغيرا في السجادة... يحتاج الأمر لنار أقوى لإحداث الحريق... لذا أنا متأكد أن لا دخل لك في الأمر... بالمناسبة قال لي جود أنك تخفين سرا منذ زمن، لكنك لم تبوح به لأحد... حدثيني، اعتبريني شخصية خيالية في إحدى قصصك-أنت كاتبة صحيح-بوحي لي بسرك واعلمي أن هذه الشخصية الخيالية لا يسعها البوح بأسرار مبدعها.
-إن حدثتك بسري، فأنا واثقة أنك لن تتمكن من النوم حتى تبوح به لشخص ما... فهو ثقيل على أقسى الرجال. لن تتمكن من كتمانه. حتى الأبطال الخياليون في رواياتي باحوا بسري لشخص قريب.
-كيف تمكنت أنت من كتمانه؟
-لا خيار لي بالبوح به. ما كان ليصدقني أحد... لا دليل أثبت به ذلك الآن. وقد دفعت ثمن كتماني.
-أي ثمن؟
-يكفي أنني جالسة مع طبيب نفسي... أبي اعتقد أنني فقدت مشاعري.
-لا أظن أن هذا صحيح... أخبرني جود أن عيناك لم تعودا تسخيان بالدمع... لكني لا أظن ذلك.
-حقا!
-يكفي أنك تشعرين بالسعادة... الآن على الأقل... ألست محقا! عيناك باحتا لي بحجم سعادتك الآن، مع أنك حزينة لجلوسك مع طبيب.
استمر حديث الطبيب الى شهد ساعة كاملة ثم ذهب ليطمئن الأم وأكد لها أن شهد لم تكن لتؤذي الصغار، وأن ما حصل في الليلة الماضية هو حادث على الأغلب... قرر لها عددا من المقابلات لترتاح الأم. وخرج وكله ثقة بأن شهد لا تحتاج الى طبيب بل لأعمق من ذلك بكثير... هي تحتاج لمن يفهمها ويقاسمها حزنها قبل فرحها.

قديم 09-10-2017, 04:12 PM
المشاركة 12
زهرة الروسان
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
قلب حزين
استفاقت شهد على صوت طرق شديد لباب غرفتها. وإذا بفداء تقف لدى الباب والسعادة تغمرها...
-شهد: ما بك، لم أيقظتني في هذا الوقت الباكر و بهذا الشكل المريع.
-فداء: آسفة جدا لكني أحمل لك خبرا رائعا... كنت أبحث عن والدك منذ زمن لكن دون جدوى... تذكرين الصورة التي التقطناها قبل عدة أعوام حين تخرج جود من الجامعة... لقد وضعتها كغلاف لصفحتي على مواقع التواصل الاجتماعي... راسلتني سيدة تعمل في دار للمسنين، أخبرتني أنهم يرفهون عن نزلائهم بمساعدتهم في تصفح الأنترنت... رجل عجوز كان يتصفح مواقع التواصل تحت إشرافها... أندفع باكيا حين رأى الصورة، وقال أن فتاة في الصورة نسخة طبق الأصل عن طليقته المتوفاة... تلك الفتاة هي أنت يا شهد... ذلك الرجل الكهل هو والدك الحقيقي.
بقيت شهد صامتة دون أن تنطق حرفا واحدا، وفداء تنتقل من باب لآخر، مرة توقظ أمها وأخرى توقظ جود ثم تعود وتهز شهد وهي تتراقص فرحا بمعرفة مكان الوالد وكأنه والدها هي. اجتمع أفراد الأسرة ينتظرون رد الشهد التي آثر السكوت على إبداء أي شعور.
جود: شهد، متى ستذهبين لزيارته؟
-فداء: اتفقت مع السيدة أن تذهب شهد غدا للقائه في دار المسنين؛ فهو لا يستطيع الخروج فقد كبر في السن ويحتاج كرسي متحركا للتنقل.
-الأم: هذا رائع. جود لما لا تذهب معها... فقد تحتاجك في لقائها الأول مع والدها.
-جود: لا أدري، أظن أن علينا منحها بعد الخصوصية... ما رأيك يا شهد؟
-شهد: أنا لن أذهب الى أي مكان... ولن أقابل أحدا.
-فداء: ما الذي تقولينه... إنه والدك... ألست مشتاقة لرؤيته؟
-شهد: لم يشتق لرؤيتي لأكثر من ثلاثين عاما... لذا لا، لست مشتاقة لرؤيته... ألم يتركني وأمي وحيدتان في بلد غريب، قبل أن أتم أسبوعي الأول! هو من تركنا بلا سبب... وبلا مأوى.
-الأم: لكن يا ابنتي، إنه والدك. وبما أنه طلب رؤيتك... فهذا يعني أنه يحتاجك. من المؤكد أنه لم يعد لديه سند، لذا لجأ لمأوى العجزة... وأنت ابنته الوحيدة. أنت بصيص الأمل لمتبقي له ليعيش.
-شهد: ألم يتزوج بعد أمي! لم لا يذهب لزوجته.
-جود: لو أنها حية لما كانت لتتركه وحده... هو يحتاجك.
-شهد: قلت لن أذهب.
رن هاتف المنزل فأجاب جود فإذا به الطبيب نبيل يعتذر عن الحضور لجلسة شهد العلاجية، فقص عليه جود ما حدث وطلب منه اقناعها... وبعد وقت وجيز عادت شهد وجلست.
-جود: ماذا قررت يا شهد؟
-شهد: لا، لن أذهب.
-جود: ألست بحاجة لأحداث لقصتك الجديدة؟
-شهد: لا، شارفت القصة على الانتهاء... إن زدتها ستصبح مملة.
-جود: لكنها أحداث مهمة.
-شهد: تعلم، أقنعتني... فبطلة القصة لا تعرف والدها... ستكون إضافة مثيرة... كن جاهزا عند التاسعة صباحا... إن تأخرت سأغير رأيي.
خرجت شهد فقالت الأم: هاذا النبيل له أثر كبير على أختك.
-جود: أجل مع أنها كانت ترغب بالذهاب لكنها تتظاهر بالرفض، وتريد من يقنعها.
في صباح اليوم التالي تجهز كل من شهد وجود واتجها نحو دار المسنين... استقبلتهما سيدة عند باب الدار وأخذتهما مباشرة الى غرفة الوالد... كان رجلا عجوزا يغطيه غبار الزمن، جالسا على سريره وهو يضع وشاحا صوفيا قديما، وبجانبه كرسي متحرك...وكان حاد الملامح... كما شهد.
دخلت شهد الغرفة بوجه مبتسم... جلست على كرسي بجانب سرير والدها، وجود الى جانبها.
-شهد: أنا شهد... وهذا أخي جود. سررت بمعرفتك
-الأب: أهلا بكما. شهد عزيزتي، أنت تشبهين أمك تماما.
-شهد: شكرا لك.
-الأب: حبيبتي حدثيني، كيف كانت حياتك؟ و عمك، هل هو لطيف معك؟ وماذا عن زوجته؟
-شهد: كل شيء على ما يرام... عاملني عمي كابنته تماما... لم يكن يفرق بيني وبين جود.
-جود: لقد كان يدللك أكثر مني.
-الأب: دائما ما تحظى الفتيات بالدلال و المحبة أكثر من الفتيان... أليس كذلك يا بني! وكيف حال والدك الآن؟
-جود: رحل والدي قبل عدة أعوام.
-الأب: رحمه الله... كان رجلا صالحا... أحب أمكما و رعاها أكثر مني... لقد ربى لي ابنتي.
-شهد: هل كنت تعرفه؟
-الأب: نعم، لقد زرتك عدة مرات بعد زواج أمك.
-جود: حدثني يا عم، هل لشهد إخوة؟
-الأب: ثلاث... ثلاث أبناء.
-شهد: يبدو أنك حصلت على ما أردت تماما... لكن أين هم؟ ولم أنت في هذا المكان؟ وماذا عن زوجتك؟
-الأب: هل حدثتك أمك عن سبب طلاقنا؟
-شهد: القليل... أعلم أنك تركتنا بعد أن أنجبتني أمي بأسبوع لأنها أنجبت أنثى... وتركتها في المدينة وحيدة. هذا ما أعرفه... عندها وجدها أبي... كانت مريضة جدا و متعبة. عالجها و طلب من جدتي رعايتها ريثما يتصل بأسرتها... حينها جاء خالي فادي لأخذنا... بعد عام جاء الينا وطلب الزواج من أمي.
-الأب: تنادينه أبي... هذا لطف منك.
-جود: عمي، أين أبنائك و زوجتك؟
-الأب: آه يا بني... لو تعلم ما أصابني، نصيحة لك يا بني مهما حصل لا تقبل أن توقع ظلما على أحد... مهما كان السبب. سأحدثكم بقصتي من البداية... تزوجت في بداية حياتي من فتاة في نفس عمري، كنت حينها في أواسط العشرين... عشنا معا عامين ولم نرزق خلالهما بأي مولود... فطلبت مني أمي أن أطلقها فقد ظنت أنها لا تنجب. بعد أن طلقتها تزوجت وامك... وعمرها خمسة عشر عاما. انجبت طفلا بعد عام من الزواج، لكنه مات سريعا... بعد عامين أنجبت آخر، ومات أيضا... لحظة ولادته. كانت أمي قد نفذ صبرها فهي تريد رؤية طفلي فأنا ولدها الوحيد... كنت أحاول تهدئتها لعدة أعوام فقد أخبرني الطبيب أن زوجتي لا تزال صغيرة وجسمها لا يحتمل وعلى الأغلب أن المولود في كل مرة لا يكتمل نموه فيموت... في العشرين من عمرها أنجبتك... وأخبرني الطبيب أنك سليمة تماما ولا مؤشرات قد تؤدي الى رحيلك باكرا... سعدت كثيرا ورحت أزف الخبر لوالدتي. فانفجرت غاضبة، فهي ارادت صبيا بعد كل هذا الانتظار... وطلبت مني ترك والدتك،، والزواج من غيرها... وكأن الذنب ذنبها. ابقيت أمك أسبوعا كاملا في المشفى وأنا أحاول اقناع أمي في تغيير رأيها لكن دون جدوى... عندها أقسمت بالله إن لم أطلقها، فلن تكلمني مجددا... حتى أنها منعتني من تسديد تكلفة يوم آخر لها في المشفى... لم يكن لدي خيار. اتصلت بأحد أصدقائي وطلبت منه حجز غرفة لها في فندق والاتصال بأسرتها لاصطحابها وتسليمها ورقة الطلاق، وأعطيته المال للتكفل بالأمر... وتزوجت فتاة في الرابع والعشرين من عمرها أنجبت لي ثلاث أطفال بلا مشاكل... لكن عيبها أنها كانت تحب المال بشدة وتطالبني بكسب الكثير من المال لتربية أبنائنا ليكونوا ناجحين وهذا ما حصل... في تلك الأعوام علمت أنك أتممت عامك الثاني فذهبت لزيارتك وأمك... أخبرني حينها عمك أن صديقي قام فقط بتسليم ورقة الطلاق، وأخذ المال لنفسه وترك أمك وحيدة في الطريق. بعدها عدت لأسرتي ولأبنائي كنت حينها قد رزقت بطفل الأول.. ثم رزقت الآخرين وأنا أفني حياتي بجمع المال... بعد أن رزقت طفلي الثالث وصتني رسالة من عمك أن والدتك رحلت وأنه سيهتم بك لأنه كان بحاجتك بجانبه وأنه لا يضمن أن ترعاك زوجتي. في الواقع لم تكن زوجتي لترعاك... فهي حتى لم ترع صغارها. فبعد عدة أعوام طلبت الطلاق... لتأخذ مؤخر الصداق الغال... وتتزوج من شاب عرفته حديثا. وتركت لي أبنائي لأربيهم ولم أرها منذ ذلك اليوم. أبنائي كبروا وتزوجوا جميعهم وتركوني في المنزل وحدي بعد أن صرت عاجزا عن العمل... ذات يوم زارني طبيب وخرج معلنا أنني غير قادر على اتخاذ قراراتي لأنني مصاب بمرض الزهايمر... أخذوا نصف ممتلكاتي ووزعوها بينهم، وتركوني هنا في دار المسنين... من الجيد أنني كتبت لك منزلا لا يعرفون بوجوده... كتبته لك في اليوم الذي رحلت به أمك. فقد ظننت أن عمك لن ينصفك... آسف ابنتي، أرجوك سامحيني
-جود: لا بأس يا عم... شهد تحبك، صحيح أختي.
-شهد: أجل أبي أنا أحبك وأريدك أن تسامحني لأني لم أهتم بك من قبل... سأطلب من مدير هذه الدار أن يسمح لي بأخذك.
-الأب: لا بأس يا ابنتي، فأنا لا أريد لإخوتك أن يعرفوا بوجودك... حين أرحل، طالبيهم بحقك في الميراث. ولا تتنازلي عنه أبدا.
-شهد: لا تقل ذلك أبي... ستبقى معنا أنا وجود سنرعاك.
-جود: أجل يا عم... أنا وشهد سنرعاك... فأنا ابنك أيضا.
-الأب: بني، هل أنت أخو شهد بالرضاعة؟
-جود: لا، أنا أخوها من أمها.
-الأب: هذا مستحيل... من هو والدك؟
-جود: محمد، الرجل الذي تزوج أم شهد ورباها.
-الأب: لا يمكن، هناك خطأ ما فأنت لا تشبه أي منهما.
-جود: هذه قصة طويلة... شهد علينا المغادرة. سيصل نبيل قريبا.
-شهد: ألم يعتذر؟
-جود: اعتذر عن الجلسة وليس عن الحضور... إنه قادم لخطبة فتاة ما أنا لا أعرف من تكون.
-شهد: أجل... جاء لخطبة سندريلا.
-جود: ليست سندريلا، أنت تفهمين من أعني... سأشغل السيارة... عمي سنأتي قريبا لأخذك الى منزلنا لكن علينا استأذن أمي أولا. الى اللقاء.
-شهد: جود، أخي لا تقلق... قريبا سأنفذ ما وعدت به أمي، ولن تقلق حيال شيء مجددا.
-جود: لا بأس سأكون بخير.
-الأب: من نبيل يا ابنتي؟
-شهد: إنه شاب ماهر في رسم البسمات يا أبي... وهو صديق جود. حين تأتي لمنزلنا سنعرفك به... هو لطيف جدا.
-الأب: بالتوفيق يا ابنتي. كما قلت لن أخرج من هنا إلا الى القبر. لا تتعبي نفسك. لكن أخبريني، هل أنت واثقة أن جود أخوك؟

قديم 09-14-2017, 11:34 AM
المشاركة 13
زهرة الروسان
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
دليل قاطع

تقدم نبيل لخطبة شهد، لكن شهد رفضت الزواج منه أو من أي إنسان آخر. مضت عدة أسابيع وشهد مصرة على الرفض مع أن جود يثق تمام الثقة أنها لن تجد أفضل من نبيل، فهو يفهمها جيدا و يجيد التواصل معها أكثر من جود نفسه... حين أعلم جود نبيل برأي شهد، لم يتفاجأ كثيرا، وطلب السماح له بمقابلة شهد و إقناعها بالموافقة... وافق جود على طلب نبيل. وفي اليوم التالي طلب من شهد التحضر للمقابلة، بشرط أن يجلسا في غرفة الضيافة تحت إشراف خالتها... وافقت شهد على المقابلة وراحت تنتظر قدومه بفارغ الصبر... وصل نبيل في موعده المحدد. القى التحية، وجلس الى شهد ليقنعها... لاحظ أثناء حديثهما أنها لا تحتاج للإقناع، فلم يكن صعبا أن يرى بوضوح نظرة السعادة تعلو وجهها الجميل... فكلما شعرت شهد بالسعادة، ازدادت عيناها اتساعا. ايقن أن سبب رفضها لا يتعلق به، وإنما هو أمر تخفيه... لربما ذات الأمر الذي حدثه عنه جود. فسألها محاولا دفعها للحديث: هل أنت سعيدة؟
-لا، أنت من يبدو سعيدا جدا... ما الذي يسعدك؟
-يكفي أنني أعلم أنك لم ترفضي الزواج بسببي... لكن أخبريني لم لا تريدين الزواج؟
-إنه أمر خاص. يخصني وحدي... أمر يصعب شرحه، أو حله.
-ربما وحدك لن تتمكني من حله... لكنني معك وربما أتمكن من مساعدتك.
-قصتي يصعب حلها... لكانت حلت قبل أكثر من عشرين عاما.
-وما شأن هذه القصة بزواجنا؟
-هي الشأن بحد ذاته... لو أنني عشت طفولة عادية، لو أنني أعيش مع أسرتي الحقيقية، لو أن أمي مازالت حية أو على الأقل تمكنت من تربية ابنها ولم يتزوج أبي... لو أنني لم أقابل هذه الأسرة من الأساس لكان الأمر مختلف... هل تذكر، في آخر لقاء علاجي، حين أحضر جود عمال لتصليح المكيف واضطررنا للجلوس جميعنا في المطبخ!
-طبعا أذكر.
-في ذلك اليوم قمت وغسلت الأطباق بدلا من خالتي... وقلت لي مداعبا بعد أن مدحت عملك أنك مستعد لغسل الأطباق عني بأجر مرتفع... أنا لم أتمكن من نسيان نظرتك تلك لكن أنا لا أستطيع دفع هذا الثمن بهذه الظروف...لا أستطيع ترك جود هنا... هو أمانة من أمي ولا يمكنني تركه.
-هو لم يعد طفلا... أمك حملتك أمانة الاهتمام به ولم تطلب منك ملازمته للأبد. سيأتي يوم يتزوج فيه ويتركك، لن يبقى معك طوال حياتك.
-أنت لا تفهم يا نبيل. لو أنني مؤتمنة على تربيته وحسب لحلت المشكلة... أنا أحمل ثقلا على كاهلي، حرمت من نوم ليال كثيرة، كان علي تسليم الأمانة منذ أن رحلت لكني لم أفعل.
-لماذا؟ لم لم تسلمي الأمانة؟
-لقد خفت. منذ رحيل أمي وأنا أستيقظ ليلا فزعة بشكل مستمر وذلك الكابوس يراودني وأنا أرى تلك النظرة الخائفة في عيني أمي وهي تحاول إخفائي... لا يمكنني نسيان الأمر... كنت هدأت بعد رحيل أبي... وما عاد الكابوس يراودني بتلك الكثافة. وقد كدت أن أنسى... لكن، منذ أن رأيتك، و علمت بطلبك، عاودني هذا الكابوس... يوميا. وكأن أمي أرادت تذكيري بذاك الحمل.
-شهد، تخفيك من ماذا؟
-تخفيني!...لا شيء... لا تهتم. لقد انقضى الأمر منذ زمن.
-تبدين خائفة شهد... حدثيني علي أتمكن من مساعدتك... من حمايتك.
-ما دمت اخفي الأمر عن الجميع فأنا بخير. لا تقلق علي أبدا.
-وكيف ستحلين المشكلة؟ كيف ستزيلين هذا الحمل دون أن تتأذي... ومن الذي سيؤذيك؟
-لا أعرف كيف أحلها... فأنا لا أملك دليلا قاطعا... الدليل هو ما سيحميني.
-ربما أنت تملكين الدليل، لكنك لا ترينه بوضوح... ترين هذه النظارة، هي طريقتي لكشف ما يخفيه من أحدثه... فهي تخفي نظراتي وتوضح لي نظرات الآخرين... لكنه تخفي عني أشياء أحتاجها ومع ذلك تكون عادة حولي.
-لا أظن ذلك... نبيل، أنا... موافقة على الزواج.
-حقا!
-أجل، لكن بشرط... جد لفداء زوجا جيدا يسعدها ويأخذها بعيدا.
-بعيدا! لماذا؟
-هي أرادت ذلك، أخبرتني مرة أنها تحلم أن تكون كسندريلا... تحلم بأمير يأخذها بعيدا على فرس أبيض... ويبعدها عن هذا العالم.
-هذه ليست محبة أليس كذلك!
-في الواقع لا، لكنه أحد الحلول ليساعدني على ازالة الحمل عن كاهلي.
-وما شأن فداء بالأمر؟
-لا شأن لها، لكن علي تقليل عدد أصحاب القرار في المنزل لحظة إخبارهم الحقيقة.
-كما تريدين. مع أنني لا أفضل تركك دون حل المشكلة.
-لا بأس... مضت أعوام وها أنا بخير ولن يكون عام آخر بالأمر الجلل.
خرج نبيل من المنزل محتارا حول شرطها الغريب... وازداد فضولا لمعرفة القصة. فمن يرى قوة شهد و صمودها لا يمكنه تخيل أنها من الممكن أن تخاف من شيء مهما كان

قديم 09-21-2017, 11:09 PM
المشاركة 14
زهرة الروسان
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
حقيقة
استيقظت شهد صباح اليوم التالي على صوت جود وهو يناديها ويستعجلها. وعندما نهضت اتجهت نحو المطبخ حيث جود و خالتها، فطلب منها جود التجهز لتخرج مع خالتها لتذهبا لزيارة والدها. فقد طلب رؤيتها بأسرع وقت... أسرعت شهد بالتجهز لرؤيته... عندما وصلتا تفاجأت بوجود نبيل في انتظارها في غرفة والدها.
الأب: ابنتي، هل هذا صانع البسمات الذي حدثتني عنه؟
-نبيل: هل اعترفت بلفظ صانع البسمات... هذا رائع.
-الأب: ابنتي، جاء هذا الشاب إلي اليوم ويتقدم لخطبتك... أخبرني أنك وضعت شرطا للموافقة، لكن طلبك صعب يا صغيرتي... ربما لم يكتب الله لتلك الفتاة الزواج، الآن على الأقل. لا تقرني مستقبلك ومستقبل هذا الشاب بطرف ثالث ربما مستقبله في مكان آخر.
-شهد: لكن يا أبي، هذا الحل الوحيد.
-نبيل: أخبرتك يا شهد، ربما يكون الحل أمامك لكنك لا ترينه وحسب.
-الخالة: عزيزتي شهد، أعلم أنك لم تعتبريني يوما كوالدتك، لكن هذا الرجل والدك الحقيقي... لو أنك رأيت سعادته حين جاء نبيل وطلب يدك منه هو.
-الأب: أجل يا ابنتي، لقد حققتما لي حلما لطالما تمنيت عيشه... لأول مرة أشعر بقيمتي كأب. أخوتك الثلاثة تزوجوا دون مشورتي أو موافقتي... لقد أشعرتني بمعنى الأبوة.
-نبيل: ماذا قلت يا شهد؟
-شهد: حسنا... أنا موافقة.
-الأب: مبارك يا عزيزتي.
-نبيل: فالتعلم يا عم، حين نتزوج لن أقبل أن تبقى هنا... ستأتي لتعيش معنا... لقد اشتريت بيتا كبيرا سترتاح فيه معنا. أليس كذلك يا شهد!
-شهد: طبعا لن نقبل ببقائك هنا.
-الأب: أين أخوك جود؟ أنا لا أراه.
-نبيل: قال أن عنده عمل في مختبر القسم... شيء بخصوص أحماض نووية، ربما يعمل على إحدى القضايا.
في طريق العودة الى المنزل استلمت الخالة قيادة السيارة، فقد كان المطر شديدا وشهد لا تجيد القيادة في المطر. كانت شهد في قمة سعادتها فقد كانت ولأول مرة تشعر بحنان خالتها... في ذلك الوقت كانت حبات المطر وكأنها تتراقص فرحا أمامها على النافذة... ترسم فرحا عميقا في قلب شهد، صوته كألحان جميلة تدفئ روحها التي لطالما كانت تشعر بالبرد.
-شهد: شكرا لك لما فعلته من أجلي... في الواقع أنا آسفة جدا. لطالما صببت خوفي وحزني لفراق أمي عليك، مع أن الذنب ليس ذنبك... أنا حقا آسفة.
-لا بأس عزيزتي، لطالما شعرت أنك ابنتي، وعلمت أن الوقت الذي ستزيلين فيه قلقك مني و تحبينني فيه قادم لا محالة... تذكرين يوم قصصت خصلة من شعري لتضعيها في صندوقك الصغير؛ في ذلك اليوم شعرت أنني أقرب إليك أكثر، لكنك أمسيت تبتعدين عني أكثر فأكثر.
-أجل ذلك الصندوق، كدت أنسى أمر وجوده معي.
فجأة قالت شهد بحماسة: الصندوق... أجل هذا هو الحل.... أمي أنت رائعة... أين هاتفي علي الحديث الى جود بسرعة.
في تلك الأثناء، كان جود ينتظر نتائج تحليل الحمض النووي مع صديقه...
صديق جود: جود، ربما ما سأخبرك به... غريب و صعب التصديق، لكن عليك أن تعدني أن تتمالك نفسك... مهما كانت النتائج.
....
-شهد: جود لا يجيب على هاتفه.
-الخالة: كرري المحاولة... ربما لم يلحظه.
- لقد حاولت عدة مرات.
-ربما هو مشغول جدا... سمعت ما قاله نبيل.
-لا يا أمي، الأمر مختلف. جود لم يسبق أن تجاهل مكالمتي مهما كانت ظروفه... على الأقل، كان ليرسل رسالة يخبرني أنه مشغول.
-عزيزتي... هذه أول مرة تناديني فيها بأمي.
-ماذا!.... لا ليس تماما، لقد فعلت من قبل... هل نسيت؟
-لم أنس، لكنك كنت تسخرين... أم أنك أنت من نسيت ذلك؟
-لا بأس ستعتادين على هذا النداء بدء من اليوم... ما بالك، لم لا تخففين السرعة عند المنحنيات؟
-لا أستطيع، المكابح لا تعمل بشكل جيد...يبدو أنني... أنا... أفقد السيطرة.
صرخت شهد محذرة الخالة: انتبهي أمامك منحنا شديد....
كان جود يقف بلا وعي أمام صديقه، الذي كان يحاول تخفيف أثر الصدمة التي أصابته بنتائج التحليل.
صديق جود: أسمعني جيدا، أعلم أن هذه النتيجة غريبة لكنها صحيحة... أتمنى لو أنني مخطئ، لكن الأمر غير قاب للجدال... النتائج صحيحة بالكامل، فكما أخبرتني أن العينات قد فصلت بعناية تامة ولا مجال لأي خلل... كل هذه الأحماض لا تطابق حمضك... إلا واحد... الآن عليك العودة لعائلتك، و مصارحتهم بالحقيقة... عليك أن تفهم ما حدث، يبدو أن والدك كان محقا تماما..... عفوا، هاتفي يرن... إنه الطبيب نبيل، مرحبا... أجل أنا مع جود الآن... ماذا تقول؟ هل أنت جاد! متى حصل ذلك؟ حسنا سأخبره حالا... شكرا لك...أعلمني بالتطورات أولا بأول... مع السلامة... جود، لقد وقع حادث في المدينة، اصطدمت سيارة بحافة أحد المنحنيات الحادة وأصيب راكبوها بضرر كبير... لقد كانت أسرتك يا جود، نقلوا الآن الى مشفى العاصمة.
تلقى جود الخبر كأنه صفعة قوية أيقظته من صمته، و أسرع للمشفى للاطمئنان على أسرته... حين وصل استقبله الطبيب و أخبره أن عائلته نجت بأعجوبة من الموت المحتم... فعزم السائق أخرجهم من المأزق، وأعلمه أنه يمكنه رؤيتهم بعد التحدث الى رجل الشرطة الذي عاين الحادث، فالأم أصيبت ببعض الكسور، بينما إصابة شهد أقل وطأ فقد كسرت ساقها وحسب ، فوسائد الحماية في السيارة قلل من شدة الصدمة عليها، بينما لم تعمل في مقعد الأم.... وعندما التقى برجل الشرطة، أخبره أن سبب الحادث هو خلل في المكابح، وعلى ما يبدو أن هناك من عبث بها، وهطول المطر زاد الأمر سوء... مما يعني أن الحادث مدبر وعليهم معرفة الفاعل... طلب جود من الشرطي اعطائه الوقت لفهم ما حصل. واتجه بدون تردد الى غرفة شهد، كانت ما تزال متعبة من أثر الحادث، وبالكاد تتحدث... جلس الى جانبها وهو يرمقها بنظرة غضب.
-شهد: ما بك؟ لم تنظر إلي بهذا الشكل؟... هل هذه نظرة القلق خاصتك؟... أهكذا تقلق على أختك!
-حين أخبرتني أنك ستفعلين ما وعدت به أمك، لم أتخيل أن يكون الأمر بهذا الشكل... هل أردت قتلها وقتل نفسك؟ هل هذا جزاء من اهتمت بك و بأخيك مذ كنت صغيرة!
-ما الذي تتحدث عنه...لست أنا من عبث بالمكابح. جود، اليوم شعرت لأول مرة بدفء الأسرة... هذا الشعور الذي افتقدته منذ أن رحل أبي... كيف لي أن أفسد سعادتي بيدي... هل ذهبت لرؤية أمك؟
-ليس بعد... أريد كشف بعد الحقائق أولا.
-كما قلت لك، لم أكن من عبث بالمكابح... لكني أريد إخبارك بالأمر الذي دفعك للانضمام الى قسم التحقيق.....
في تلك الأثناء كان الطبيب يتفقد حال الخالة، التي لم تتوقف عن السؤال عن حال شهد وعن باقي أبنائها.
-شهد: لا أرى أنك متفاجئ بما سمعت! هل كنت تعلم؟
-في الواقع، لقد شك والدي أو عمي لا أدري ما أسميه بالأمر بسبب الشبه... وأخبرني بشكوكه قبل وفاته بلحظات... واليوم قررت التأكد. في الواقع أخذت الصندوق الخاص بك، وعرفت الحقيقة... لكن كيف حدث هذا؟ هذا ما أريد معرفته... ولم لم تخبري عمي بالأمر؟
-جود، إنه والدك... مهما حصل فهو من رباك....

قديم 09-26-2017, 02:30 PM
المشاركة 15
زهرة الروسان
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
رحيل

الخالة: بني، كيف حال شهد؟
-هي بخير أمي، كسرت ساقها وأصيبت ببعض الرضوض. أنت كيف حالك؟
-أحسن حالا من قبل. الحمد لله... صار بإمكاني التحرك.
-هناك موضوع مهم علي التحدث معك حوله... لكن عليك أن تكوني هادئة و أن لا تنفعلي... فأنا أبحث عن إجابات.
-ما الأمر بني؟ أقلقتني....
اتجه جود نحو المنزل مسرعا بعد أن عرف الحقيقة وتأكد أن من عبث بالمكابح هي من تدعي اللطف وتتظاهر بالبراءة... دخل المنزل ليجد فداء جالسة على كرسي قرب المدفئة وهي تحمل كأسا من الشاي الساخن وتتأمل المطر في الخارج.
-فداء: عدت يا جود... كيف حال أمي... وشهد؟
-هما بخير، فداء أخبريني لم فعلت ذلك؟
-ماذا فعلت؟ أنا لم أفعل شيء.
-لا تحاولي خداعي فقد عرفت كل شيء.
-ما الذي عرفته؟
-عرفت حقيقة موت أخيك الصغير... وحقيقتي... عرفت ما فعلته قبل أربع وعشرين عاما. عرفت اليوم لم كانت شهد تبعدني عنك كل تلك السنين... فهمت أخيرا حقيقة الانتقام الذي تسعى إليه... الذي حققته.
-ماذا تعني؟
-ألا تذكرين، ما أخبرتك به حول ما قالته شهد بشأن الانتقام... بشأن حرمان من تسبب بألمها من معاني الحب... أنت حقا لا تعرفين معنى المحبة يا فداء، لم تتذوقي طعم قلق الأم، أو اهتمام الأخ. لم تعيشي بين أخوتك الصغار رغم أنك الكبرى. لم تداعبي أخويك... ربما كثيرا ما اطعمتهما واخذتيهما الى السرير وتفقدت لباسهما... لكنك لم تعطهم الاهتمام الحقيقي بل كان كل ما فعلته بعد طلب من أمي... أنت لم تبادري. مشاعرك باردة اتجاهنا جميعا.
-أسعيد أنت بما فعلته شهد... لطالما حذرت والدتي من ذلك... لطالما أخبرتها أن حرماني منك يسبب انقطاعا بيننا... أسعيد بالظلم الذي عشته بسببها.
-ظلم! أي ظلم هذا! أخبرتك أنني قد عرفت حقيقتك... كيف حرقت قلب أم على طفلها مع أنه حي في الغرفة المجاورة... كيف سلبت حياة طفل ببساطة... دون أن تشعري بأي ذنب.
-هذا كذب.
-ليس كذبا... قالتها شهد كثيرا من قبل، هي لم تكن نائمة لحظة رحيل أمها... لقد سمعت كل شيء... لقد شهدت قسوتك.
- لا أصدق هذا... كيف هذا... لقد كانت تكذب.
-سأخبرك القصة كما روتها لي شهد. في ذلك اليوم أنجبت أمها طفلا رائعا، ولأول مرة لم يمت... حملته بسعادة و هي تتأمل وجهه الصغير، أرضعته وخلدت الى النوم؛ فقد كانت متعبة جدا. عندها أسرعت شهد للعب مع أخيها لتجده نائما، فتمددت بجانب والدتها وغفت وهي تنتظر استيقاظهما... بعد مدة من الزمن استفاقت على صوتها وهي ترجو فتاة أن تعيد لها صغيرها وهي تبكي. مع أنها كانت تحمله بيد وتحاول إخفاء شهد تحت الغطاء بيدها الأخرى... نظرت شهد للفتاة من خلف ذراع والدتها... لترى نظرات مظلمة ومخيفة. عندها أخبرت الفتاة الأم أن الصغير قد مات، وأنه لا فائدة من إعادته لها، وخرجت من الغرفة وهي تضع الطفل في حقيبتها وكأن شيء لم يكن. أدركت شهد أن الطفل الذي تحمله أمها ليس أخوها... وأنها كانت تحاول إخفائها كي لا تؤذيها الفتاة.
طلبت أم شهد منها الإسراع في مناداة والدها... فاتجهت نحو الباب فإذا بأمها تصارع مع سكرات الموت... فعادت اليها لتساعدها، فهي لم تكن تدرك أن كل هذا الألم هو ألم الرحيل... أمسكت أمها يدها بلطف محاولة التقليل من خوفها و طلبت منها أن تخبر والدها بالأمر وأن تعيد الطفل لعائلته... ذلك الطفل كان أنا... طلبت منها إعادتي وأخبرتها أن هذا واجب عليها وأمانة برقبتها، طلبت منها أن تكون قوية ولا تسمح للخوف من احتلال قلبها، وأن لا تسمح لدموعها من زعزعة قوتها... أمرتها أن تكون صلبة لا تلين... ثم رحلت وهي تحدثها عن روعة والدها وحبه لها، وعن فخرها بكون شهد ابنتها الوحيدة... بعد رحيل الأم، خافت شهد من أن لا يصدق والدها القصة، ثم تعود الفتاة وتؤذيها وآثرت النوم بجانب أمها الميتة، فجسدها الساكن كان أكثر مكان قد يحتمل غزارة دموعها.
حين جاء أبي وطلب من أمي إرضاعي رأتك شهد تبتسمين له ببراءة. ورأت تلك النظرة التي لطالما وصفتها بالبلهاء تعلو وجهك... وبعد أن قرر أبي الزواج من أمي، لم تجد شهد سبيلا لتلبية رغبة والدتها سوى بالانصياع للأمر... فأعيش مع أمي الحقيقية و تتمكن هي من الانتقام منك.
-لا أصدق... كيف لهذا أن يحصل...هذا أكثر من أن أصدقه. لكنك فسرت لي سبب كره شهد لي... عليك أن تعلم يا جود أني لم أقتل الطفل عمدا... في ذلك اليوم سمعت الأطباء يتحدثون عن سيدة فرصة نجاتها قليلة بسبب الجهد الكبير الواقع على جسدها بسبب الولادات المتكررة... وأنها مع علمها أن الطفل ربما لن ينجو، و أنها قد تموت بسبب الإجهاد... إلا أنها وافقت على الحمل و الولادة. تابعتهم الى غرفة السيدة، و تأكدت أن زوجها حي؛ فقد كانت أمي أرملة وتمنيت أن تعود لحظات الفرح الى بيتنا، ففكرت أنه إن ماتت تلك السيدة وولدها لن أستفيد من شيء... وأخي-الذي هو أنت- لم يكن هناك تهديد على حياته... ففكرت أن آخذ الطفل قبل موته الى أمي وآخذك الى السيدة. عندها سيموت الطفل وتظن أمي أنك من رحلت، وتموت السيدة ويضطر زوجها للزواج حتى يهتم أحد بصغاره، سيدة ترضع طفله...وأمي ستكون ثكلى و ستكون أول شخص قد يفكر فيه زوج السيدة.
انتظرت أمي لتنام وأخذتك الى غرفة السيدة ووضعتك على السرير، وحملت ابنها وفي لحظات سمعتها تناديني... فوضعت الطفل في الحقيبة دون أن تلحظ ذلك... طلبت مني أن أقرب لها صغيرها لترضعه فقد كانت منهكة وجدا ولا تستطيع الحراك... حملتك وبدأت ترضعك ، فاتجهت للباب للخروج فإذا بها توقفني وتقول أن هذا ليس ابنها، لا أدري كيف أدركت فقد كان كلاكما كومة من اللحم الأحمر... على ما أظن أن الطفل في الحقيبة كان يحتضر لأنه بدأ بالحراك بشكل غريب مما أثار انتباهها وعلمت أنني وضعته في الحقيبة... حاولت اقناعي بإخراجه لكنني رفضت فلم أكن أعلم أنه يحتضر، حاولت الصراخ لتنادي الطبيب، لكن صوتها كان خافتا بسبب التعب.
بعد أن أخذت الطفل لأمي كان قد مات، لم أهتم بالأمر لأنني ظننت أنه مات من تلقاء نفسه... لكن عندما جاء الطبيب أخبرنا أنه اختنق من شيء ما... أدركت أنه قد اختنق في الحقيبة... حاولت تجاوز الأمر... حاولت نسيانه... لكن لا، نظرات شهد تستمر في إعادتي الى تلك اللحظات المؤلمة... كلما نظرت إلي أرى أمها وهي ترجوني أن أعيد الصغير... كلما شعرت بالهدوء النفسي أسمع صوتها الهادئ يزلزل قلبي... حاولت اجباركم على ابعادها عن المنزل... في كل مرة تحدث شهد عن قصة بوليسية. أنفذ أحداثها لتعتقدوا أنها مختلة وتخرجوها من المنزل... لكنكم كنتم تجدون حلولا أخرى.
-كيف فعلت ذلك! هل أنت أو حتى الأطباء من يقرر كم سيعيش الطفل أو أمه... لربما عاشا كلاهما ولم يحدث كل ذلك... وهذا يعني أن شهد محقة... أنت من كان يؤذي الصغار.
- لا يا جود... في كل مرة أرتب لحادث ما، أتأكد أن الطفلين لن يتأذيا. في يوم الحريق، علمت أن شهد سترفض الاعتراف بأنها استمعت لي وتفقدت الصغار... فعدت من بعدها وأشعلت البخور وألقيته على الأرض لتشتعل الغرفة... وبقيت واقفة الى أن اشتدت النار قليلا لأقنعكم بالأمر عندها صرخت لتهبو الي و تنقذوا الصغار.
-وأنت من عبث بالمكابح؟
-أجل... قررت أن أنهي الأمر اليوم، برحيل إحدانا على الأقل... عبثت بالمكابح و أفسدت وسادة الأمان في مقعد السائق.
-لكن أمي هي من كانت تقود. ولم ترحل أي منكما.
-كيف ذلك؟ لقد اتفقتا أمامي أن تقود شهد.
-أجل، هذا قبل هطول المطر... فشهد تخشى القيادة في المطر.
- وهل أمي بخير؟ هل أصابها مكروه؟
-كما قلت سابقا... أصيبت ببعض الكسور.
-حمدا لله. كم هي محظوظة هذه الفتاة، هطل المطر كي لا تتأذى. لطالما احبت المطر. ماذا الآن يا جود؟ هل ستسلم أختك الوحيدة للعدالة؟
-أختي الوحيدة! أنت لم تكوني لي أختا حقا كما كانت شهد... واليوم فهمت الأمر.
-أي أمر؟
-أنت لست أختي.
-هذا واقع يا جود، لا يمكن للمشاعر تغير الحقائق وتبديل الأنساب.
-طبعا لا تبدلها... لكنني لا أصف أية مشاعر... قد صدمت بالحقيقة ولم أرد التصديق فالحقيقة مؤلمة... قمت اليوم بعمل تحليل للحمض النووي لجميع أفراد هذا المنزل... بعض العينات من صندوق شهد، لأمها، أبيها، لأمي ولها... لم يكن من الصعب الحصول على عينات لك و للتوأم.
حمضي النووي تطابق مع أمي و أخوي بشكل كبير... أما أنت فلا.
-ماذا تعني... لا جود هذا كذب، لعلك خلطت العينات أو أنك أخذت عينة شخص غيري.
-لا، حين أخبرت أمي بالنتائج، لم تتفاجأ وأخبرتني بالأمر...
-أنت تكذب... أنا أختك... أنها أمي... أنتم عائلتي، وشهد فقط الغريبة عنا.
-ألا تذكرين يوم زارتنا صديقات أمي... قالتا أنك لا تشبهينها أبدا.
-لكنك قلتها في ذلك الوقت... هن يجاملن وحسب.
-أجل، جاملن شهد وقلن أنها تشبه أمي حين اعتقدوا أنها ابنتها... لكنك تذكرين الرسالة... قالت إحدى السيدات أن أمي أخبرتها أنها تزوجت رجلا وتبنت ابنته... وهي حبلى بمولود، من زوجها الجديد.
-هذا حصل... تزوجت والد شهد وتبنتها.
-وأين الطفل؟
-التوأم.
-لقد كنت بالعاشرة... لقد ولد التوأم قبل وفاة أبي بثلاث سنوات... هذا ليس منطقيا، أليس كذلك... هل لاحظت أن أمي تحب شهد وتهتم لها، كما تحبك أو ربما أكثر قليلا... وتحبني كما تحب التوأم تماما؟
-هي تحاول أن ترضيها وحسب.
-ما كانت لتحبها حقا كما تحب ابنتها... هذه هي غريزة الأم. لا يمكن لها أن تفضل أي شخص على ابنها الحقيقي حتى لو ارادت ذلك... مثلما ميزت أم شهد أنني لست ابنها من مجرد النظر... كما قلت، حين حدثت أمي بالنتائج، أخبرتني بالحقيقة.
-وما هي؟
-كان عمرك عام ونصف، حين تسبب جدي بحادث سير أودى بحيات والدتك... رأى جدي أنه المسئول عن فقدانك والدتك، وشعر بالذنب حيال ذلك. فقدم أمي للزواج من والدك لتعوضك عن حنان الأم الذي فقدتيه بسببه... في ذلك الوقت كانت أمي لا تزال صغيرة في السن... ووالدك كان كبيرا بعض الشيء، مع ذلك كانت سعيدة معه وراضية بتربيتك كابنتها. عندما أتممت الخامسة، رحل والدك بسبب مرض ألم به... تزوجت بعده والدي و توفي قبل ولادتي بشهور، كنت في الخامس عشر من العمر... هذه هي القصة.
-مستحيل، أنا لا أذكر هذا.
-لأنك كنت طفلة غير واعية، لو أنك كنت أكبر قليلا لربما تذكرت ذلك... أو على الأقل، لتذكرت شكل والدك الحقيقي... فأمي أتلفت صوره بعد زواجها من أبي حتى لا تعرفي الحقيقة... فهي شعرت بأنك ابنتها حقا... لا أقول أن ما فعلته أمي كان صوابا، لكنه واقع وعلينا التعايش معه.
-إذن يا جود، هذه هي النهاية... فأنا لست أختك في نهاية الأمر.
-لا يزال الوقت باكرا على النهاية. فشهد وأمي طلبا مني التجاوز عن الأمر... شهد شعرت بأنك تتألمين وأنها قست عليك أكثر من اللازم... فهي تراك أختها فأنت بجانبها منذ الصغر. قد تمكنت من إقناع الضابط أنني قد أخطأت في اصلاح المكابح حين كنت أتعلم من صديقي طريقة إصلاح السيارات... وقد اقتنع، ولن يقاضي أحدا... سيسجل الحادث بأنه عرضي وسيرفق شهاداتنا كإثبات . سأدفع غرامة مادية لإصلاح السياج المحطم وكلفة علاج شهد وأمي. لن نسلمك لأحد، فأنت لا تزالين أختنا مهما حصل. لكن عديني أن تكوني الفتاة الرائعة التي كنت تحلمين بالعيش مثلها.
-جود، أخبرتك أنه على إحدانا الرحيل.
-فداء أرجوك. لطالما تشبهت بسندريلا... كوني مثلها لأجلي.
-رأيت من اللطف ما حطمني، لأول مرة يا جود يكون اللطف قاسيا... اللطف الذي يلين القلوب كسر لي قلبي و حطمه. حتى أسرتي التي دمرت لأجلها سعادة آخرين تبين أنها كذبة، لذا علي الرحيل... لقد قلدت كل الحوادث الذي رويتها لنا إلا واحدة... قضية الملح المسموم، أتذكرها. لكن الملح لا يوضع في القهوة.
-ما الذي تتحدثين عنه! فداء أنت لم تضعي لنفسك سما صحيح؟ أرجوك قولي أنك لم تفعلي.... بهاء كرم أحضرا الهاتف بسرعة...
-بهاء وكرم ليسا هنا... أرسلتهما الى أمي مع الطبيب نبيل... خاطب المدللة شهد. لكي لا يريا جسدي هامدا أمامهما... لقد تأخرت يا جود.
-أين الهاتف... ها هو.... ..
ترنحت فداء أمام جود من ثم سقطت أرضا بلا أي حركة، بعد وقت وجيز وصل رجال الإسعاف ونقلت الى المشفى... وكانت تلك، هي نهاية قصة الألم... وبداية حياة معتدلة تخلو من الأحقاد والآلام، تبشر بمستقبل واعد.
هذه حكاية فتاة لم تكن كسندريلا، فسندريلا كما يقال في الحكايات، أنها تميزت بالقلب الطيب والتسامح... بالمناسبة لدي صديقة عبر مواقع التواصل اسمها سندريلا، تتميز بهذه الصفات... اسمتها أمها بهذا الاسم لأنها حلمت أن تكون كسندريلا، و ظفرت بهذا الحلم، عاشت حياة قاسية، مع زوجة أبيها-التي لم تكن قاسية بالمناسبة- من ثم تزوجها رجل نبيل... ليس نبيل أبي، بل هو نبيل من الداخل، وأخذها بعيدا عن هذا العالم القاسي- كما تقول-....ماذا؟ هل اعتقدتم أنني سأضع نهاية حزينة؟ هذا ضد مبادئي... فأمي علمتني أن النهايات السعيدة هي طريقة بسيطة لإسعاد القراء، حتى لو بدا لهم عكس ذلك، ففي أعماقهم هم سعداء... في الواقع هذا من أثر أبي على أمي، فهو يلقب بصانع البسمات... فأمي جعلت عيونها كغيم لا ينقطع غيثه، لكن أبي يسارع في صناعة بسمة جميلة تعلو وجهها ليخالط دموعها لمسة سعادة سحرية... وما عادت تضع نهايات مأساوية بعد الآن.

قديم 09-27-2017, 04:33 PM
المشاركة 16
زهرة الروسان
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
تصحيح في النص لبعض الأخطاء:

في جزء قلب حزين

-جود: لا أدري، أظن أن علينا منحها بعض الخصوصية... ما رأيك يا شهد؟




-الأم: لكن يا ابنتي، إنه والدك. وبما أنه طلب رؤيتك... فهذا يعني أنه يحتاجك. من المؤكد أنه لم يعد لديه سند، لذا لجأ لمأوى العجزة... وأنت ابنته الوحيدة. أنت بصيص الأمل المتبقي له ليعيش.


-الأب: نعم، لقد زرتك عدة مرات بعد زواج أمك.
-جود: حدثني يا عم، هل لشهد إخوة؟
-الأب: ثلاثة... ثلاثة إخوة

-جود: عمي، أين أبنائك و زوجتك؟
-الأب: آه يا بني... لو تعلم ما أصابني، نصيحة لك يا بني مهما حصل لا تقبل أن توقع ظلما على أحد... مهما كان السبب. سأحدثكم بقصتي من البداية... تزوجت في بداية حياتي ............................... كنت أحاول تهدئتها لعدة أعوام فقد أخبرني الطبيب أن زوجتي لا تزال صغيرة وجسدها لا يحتمل وعلى الأغلب أن المولود في كل مرة لا يكتمل نموه فيموت... .......... بعدها عدت لأسرتي ولأبنائي كنت حينها قد رزقت بطفلي الأول.. ثم رزقت الآخرين وأنا أفني حياتي بجمع المال... بعد أن رزقت بطفلي الثالث وصلتني رسالة من عمك أن والدتك رحلت وأنه سيهتم بك لأنه.......


في جزء دليل قاطع


-هي الشأن بحد ذاته... لو أنني عشت طفولة عادية، لو أنني أعيش مع أسرتي الحقيقية، لو أن أمي مازالت حية أو على الأقل تمكنت من تربية ابنها ولم يتزوج أبي... لو أنني لم أقابل هذه الأسرة من الأساس لكان الأمر مختلف... هل تذكر، في آخر لقاء علاجي، حين أحضر جود عمالا لتصليح المكيف واضطررنا للجلوس جميعنا في المطبخ!
.............


-أنت لا تفهم يا نبيل. لو أنني مؤتمنة على تربيته وحسب لحلت المشكلة... أنا أحمل ثقلا على كاهلي، حرمت من نوم ليال كثيرة، كان علي تسليم الأمانة منذ أن رحلت أمي لكني لم أفعل.
-لماذا؟ لم لم تسلمي الأمانة؟
-لقد خفت... تلك النظرات تلاحقني... لو رأيت سعادتها في ذلك اليوم حين وجدنا والدي... لم أعد أميز هل هي جيدة أم لا. منذ رحيل أمي وأنا أستيقظ ليلا فزعة بشكل مستمر وذلك الكابوس يراودني وأنا أرى تلك النظرة الخائفة في عيني أمي وهي تحاول إخفائي... لا يمكنني نسيان الأمر... كنت هدأت بعد رحيل أبي... وما عاد الكابوس يراودني بتلك الكثافة. وقد كدت أن أنسى... لكن، منذ أن رأيتك، و علمت بطلبك، عاودني هذا الكابوس... يوميا. وكأن أمي أرادت تذكيري بذاك الحمل.


جزء رحيل
لا يزال الوقت باكرا على النهاية. فشهد وأمي طلبا مني التجاوز عن الأمر... شهد شعرت بأنك تتألمين وأنها قست عليك أكثر من اللازم... فهي تراك أختها فأنت بجانبها منذ الصغر، غير أنها شعرت بسعادتك حين وجدت لها والدها. قد تمكنت من إقناع الضابط أنني قد أخطأت في اصلاح المكابح حين كنت أتعلم من صديقي طريقة إصلاح السيارات... وقد اقتنع، ولن يقاضي أحدا...


هذه أخطاء لاحظتها بعد آخر قراءة ويمكنني أن أعتبر هذه الرواية انتهت

قديم 09-28-2017, 03:36 PM
المشاركة 17
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ادعو المهتمين بادب الرواية القراءة النقدية لهذه الرواية حيث ان الأستاذة زهرة حريصة كل الحرص على الاستفادة من ملاحظات الزملاء في تطوير مهوهبتها الكتابية.

قديم 12-15-2017, 11:09 PM
المشاركة 18
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأستذة زهرة حتما سيكون لي رد على هذا العمل
وغالبا تعتبر الرواية أقرب الأعمال إلى ذائقتي
لكن أرجو أن تمنحيني بعض الوقت وإن طال فغالبا أفي بوعودي.


تقديري


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: روايتي الاولى - ليست كسندريلا - تابع لمسابقة الراوية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تابع ....حول الجدلية في الشعر. عبدالله علي باسودان منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 5 10-09-2015 06:11 PM
لِأنكِ روايتي أنا !! حسام الدين بهي الدين ريشو منبر البوح الهادئ 12 08-15-2015 11:32 PM
عيد المطر(تابع) بوشعيب الدكالي منبر البوح الهادئ 7 03-09-2015 12:00 AM
قصيدتا الآسرة (الرائية والدالية) + إلقائي لهما محمد حمدي غانم منبر الشعر العمودي 3 12-26-2011 10:18 AM

الساعة الآن 04:21 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.