قديم 04-20-2014, 01:13 PM
المشاركة 31
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
لــــــــوسى


اثنى عشرة عاماً قد مضت منذ رحيلى الأخير عن القصر ودخولى الدير بارادتى..لم أعد استطيع العودة للقاهرة حيث ابنتى وسميح
تفصل بينى وبينهما بحار من الدم والألم .. إن سامحت فلن يسامحونى ...الحقد الذى ورثته من أبى دمرنى وحطم حياتى.. لكنى عاقبت نفسى بالانزواء والهروب من كل شئ .. لم أعد لحياتى فى القاهرة ولم أعد لحياتى فى بيروت ولن أذهب لأقربائى فى باريس فهم لا يرون فى سوى جنون أبى الذى أودى بحياة سيلين وايلى ولولا أنى قابلت سميح فى باريس فى ذاك الصيف حيث كان يزورها ضمن رحلة الجامعة لرميت نفسى فى النهر هناك.. ليتنى فعلت قبل أن أدمر حياة آخرين .. كنت ضائعة شريدة فى شوارع باريس لا يجمعنى بأهلها سوى جواز سفرى الفرنسى الذى امنته بفضل أمى .. كان سميح منقذى وصديقى ... تزوجته سريعا وعشت معه أجمل أيام حياتى.. لكن حلمى انتهى بالإنتقام ... انتهى أنى نفيت نفسى فى الدير حيث لا سلطان لخورى العظيم هناك.
كثيرا ما أسأل نفسى عن جانيت ابنة خالتى ... لماذا افشيت لها بسر ابنتى... ولماذا لم أساعد شادن حينما علمت بوجودها لدى خورى .. لقد حاولت الأتصال مرارا بسميح دون جدوى ..خشيت أن يكون حدث له مكروه ..وأن يد الإنتقام التى حرقتنى يوما قد طالته
على مدى شهور كنت أخرج من الدير بصعوبة بالغة .... كنت أريد أن أرى شادن خلسة بمساعدة خديجة ... ولأنى أعرف سراديب القصر كنت أدخل دون أن يدرى الحراس .. حتى هذه المرة التى وجدت نفسى أمام جانيت.. لست أدرى لماذا ظهر حقدها فجأة .. لقد صفعتنى بقسوة... أعلم أنها خائفة فقد دفعت ثمن مساعدتى على الهروب من بيروت ثمنا غاليا ...كانت قبلا تعيش مترفة فى رعاية أبى ... لكن بعد رحيلى طردها بقسوة ليس من القصر .. بل من بيروت كلها...أعرف أبى أى شيطان هو حينما يتملك الحقد قلبه .. لا يسمح للألم أن يتسلل إليه بل يسبقه بكل قسوة.. لم ينحنى يوما...هو صلب عديم الرحمة ..لكن ماذا يبغى من شادن المسكينة لماذا يحولها لناتالى التى غادرته منذ أربعين عاما
يتبع.......
لقد تبادلت معه حديثا قاسيا فتوعدنى بقتلها إن لم أبتعد عنها....بل زارنى فى الديروقال إنى لفظته من حياتى بل لفظت الجميع وأنه لا حق لى فى ابنتى .. ولم ينس أن يذكرنى بكل قسوة بأحداث طواها الزمن أحداث من شأنها أن تزيد الفجوة بينى وبين ابنتى.
زارتنى خديجة بوجه متورم واخبرتنى لأى جنون وصل العجوزوما فعل بها وبفدوى وبسام ..بسام الذى مكث قرابة شهر فى المستشفى .. لقد قرر خورى الحرب .. أعرفه حينما يقرر أمرا ما... سيقتل دون رحمة
ودعت جديجة وطلبت منها مغادرة بيروت فاخبرتنى أنها ستذهب لبلدتها فى الشمال..اعطيتها مبلغا مالى سخى .. رفضته فى البداية من خادمة دير فقيرة .. لكن مازلت أملك الكثير من الأموال التى تركتها لى سيلين فرغم كل شئ استطاعت أن تؤمن قدرا من المال حتى ابتعد عن سطوة أبى .. لكن المال لم يؤمن لى شئ بل عاد بى إلى بيروت مرة أخرى إلى غسان خورى الداهية حتى انتقم ..الانتقام الذى دفعت ثمنه فى منفاى الأختيارى.
يبدو أن سنوات السلام والارتخاء والانزواء قد أضعفت عزيمتى وأوهنت قدرتى فاستسلمت لعل سميح يتصل بى كما دأب أن يفعل طوال هذه السنوات دون أن يحرك ساكنا أو يأتى لبيروت ويرانى ..هل تراه كان يعلم .. هل سامحنى وهل هذا أمر يمكنه المسامحة عليه.. مسحت دمعة طفرت من عينى وأنا أنظف المذبح استعدادا ليلة عيد الميلاد .. كنت كاسفة البال حزينة حينما استدعتنى الراهبة الأم
كان وجهها صافيا وهى ترنو إلى
كيف حالك لوسيا
أومأت برأسى احترما للأم المبجلة التى امسكت بوجنتى وهى تقول لك اثنى عشر عاما هنا ولم تنس أمر هذه الدنيا بالخارج ..إنك لم تحب الرهبنة قط فشهوة الدنيا بداخلك قاطعتها بصوت خافت لكن
يأمى
نظرت لى بعمق
إذا كنت تؤمنين بالطريق الرهباني فيجب أن ينبع من أعماقك، وأن يترسخ فيك
إن كان الأمر هكذا، فلا تضطربى. إنما يحسن لك أن تصبرى، وتصلي أن يكشف لك الرب الطريق الذي يريده لك ... ولكنك يا بنيتى نذرت نذراً خاطئا على أساس خاطئ يفعله كل الذين يعانون من متاعب زوجية أو أسرية أو معيشية. .. أو .. الذين يحضرون عقب صدمات عاطفية.. أو الذين يرغبون في الإقامة دون الرهبنة.

نظرت لها فى ارتياع لكنها ربتت على كتفى بحنان
لن أطردك لوسيا الحبيبة لن أفعل أبدا ثم استدرات لتواجه النافذة
اجعلى الدير ملاذك ولكن تذكرى أن الرب موجود
عبارة ربنا موجود يسمعها الضعفاء فيطمئنون ويسمعها الطغاة فيرتعشون - لو كان عندهم ضمير.
تذكرى أيضا
"هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ
تنهدت فى طمأنينة ليت لى مثله أيتها الأم الحبيبة فالألم سكن قلبى سنوات ..الرب موجود عبارة يسمعها الطغاة فيرتعشون لو كان عندهم ضمير لكن هل لأبى غسان خورى ضمير
أى ضمير يسمح له بأن يجعل شادن هذا المسخ الذى رأيته يدلف عبر باب الكنيسة عشية عيد الميلاد..أين هذه الناتالى بشعرها المصبوغ ونظراتها الثلجية القاسية من ابنتى الوديعة .. كرهت جبنى وضعفى وانغماسى حول ذاتى .. طوال شهر كامل لم أرها ..شئ فيها مات .. بكيت .. هل كان يجب عليك يا أبى أن تأتى بها هنا... هل تريدنى أن أشهد انتصارك الزائف
هل انتصرت يا خورى العظيم وهى تفقد صوابها وتمزق وجههك ..أى مسخ صنعت أيها التعس... هل انتصرت يا خورى الطاغية وهى تهذى بجنون وتصرخ بهستريا...هل بهت وأنا أقف ضدك وأمنعك عنها .. لقد تركتها فى منتصف الليل فى ذلك المستشفى البيروتى الشهير
كنت سعيدة أن أرى الألم على وجههك وأنت ترقبها بجسدها المتخشب خلف الزجاج وكنت تعيسة على أمومتى التى تخليت عنها ... لكنى كنت أعلم أن هناك شخص آخر يهتم بأمرها
شخص كاد يفقد حياته يوما من أجلها
شخص اسمه بسام الذى عرفت عنوانه من خديجة ولم أنتظر حتى الصباح حتى أستغيث به لعل هناك أمل فى أن تعود ابنتى .

قديم 04-20-2014, 01:14 PM
المشاركة 32
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
ايـــــــــــاد
استيقظت فى هذه اللحظة على صوت رنين الباب فوجدت بسام وقد عاد ويبدو أن لديه ضيف .. ضيف غير عادى على الاطلاق
فم الذى يجعل راهبة تزورنا بعد منتصف الليل؟ ! .. كنت مازلت أطرد النعاس عن عينى وأنا أتوجس الشر فقد كان بسام بين الحياة والموت منذ فترة وجيزة نتيجة اعتداء حرس خورى عليه ولم تسلم فدوى هى الآخرى ..هما صديقاى منذ زمن بعيد وأنا أدرى الناس بما واجها وظروفهم العسيرة وليسا بحاجة لمشاكل فوق مشاكلهم .. لكن يبدو أن شادن التى لم أرها حتى هذه اللحظة استحوذت على حواسه ومشاعره لقد حيرنى كثيرا تقبل فدوى للأمر وحيرنى جنون بسام بها وإنه ذهب للقاهرة وكنت واثقا أنه يطارد أوهامه ..طردت هذه الأفكار من رأسى وبسام يشير لى أن أجلس وهو يقدم لى ضيفته الغامضة
لوسيا خورى هززت رأسى غير مصدق
وهل لديها قرابة ما بهذا الأرعن خورى .. لكنها حينما رفعت إلى عينيها المتورمة من البكاء ندمت على كلماتى .. ثمة خطب ما بهذه الراهبة الجميلة التى مازلت فى ريعان شبابها وقد انفجرت الكلمات من بين شفتها بنحيب متقطع
لقد انهارت شادن .. ابنتى ضاعت ... إنها ترقد متخشبة حينا وتهذى حينا وقد أعطى لها الأطباء حقنا مهدئة كى تنام .. تركتها فى المستشفى
لقد دمرها خورى أبى فى سبيل حلمه لصنع خورى آخر
كان بسام يذرع الغرفة كالليث الجريح وهى تحكى مشهد المذبح الكئيب ثم ضرب يده فى الحائط حتى كاد يحطمها ..هتفت به رويدك يا رجل رويدك
اجلس بسام .. اجلس .. أرجوك وسط رنين الجرس مرة آخرى لتطالعنى فدوى قلقة متسائلة وهى تهرع نحو بسام
قائلة
بسام لقد وصلت ..ماذا حدث هل تيقنت ووو ... بترت عباراتها على مشهد لوسيا خورى الراهبة الباكية
وألف سؤال وسؤال يرتسم على وجهها
وسط أكواب الشاى المعطر بالهيل التى صنعتها على أخفف قليليا من التوتر الذى يخيم علينا والوجوم يسيطر على وجوهنا
انتفضت فجأة لوسي وهى تكاد تسقط من الإعياء كل هذا الشر من أجل ماذا
خطف شادن وسجن سميح وضربكم وطرد جوجى
كل هذا حتى يعيد ناتالى الضائعة ... ألم يكفه ما صنع بنا .. ألم يكتف .. جاوبها بسام بصوت عميق يغلب عليه الإنفعال
إن غسان خورى طاغية حقيقى يصم سمعه ويخبو بصره عن مطالب الآخرين لا ينظر ألا إلى مطالبه وخططه فقط
أغفرى لى سيدتى إن قلت أن طغيانه يقارب الجنون وفى سبيله لن يتورع عن القتل والذبح ..اعتاد أن يبنى مجده بالدماء
غصت لوسى كثيرا وهى تضع كوب الشاى
لا عليك .. أعرف أبى .. وقد خبرت معه أهولا جعلتنى أنزوى عن الدنيا لكن شادن بحاجة إلىّ مثلما سميح بحاجة إلى ...قاطعها بسام إننا فى حاجة إلى مليون دولار لأخراج سميح من السجن
ارتسمت على شفتى لوسى ابتسامة حزينة وهى تقول
لا تقلق سأوفر المال . تطلعت إلى ملابس الراهبة البالية متعجبا ألا أنها قالت
لم أحمل اسم خورى عبثا ثم اكملت على أحد ما الذهاب للقاهرة لدفع النقود وأحضار سميح لبيروت وحده يخرج شادن من هنا سيفاجئ خورى كثيرا
هتف بها بسام وهل تسمح حالتها بخروجها من المستشفى
قالت لوسى لست أدرى ... لكن أعلم أن وجودها هنا سيقتلها ثم نظرت إلى فدوى ويبدو أنها تعلم الكثير من مصدر ما خمنت أنه خديجة طاهية القصر
وجودك بجانبها بسام سيساعدها كثيرا فقد هتفت باسمك كثيرا وهذا ما جعلنى آتى إليك
نظر بسام بحيرة لكن من سيذهب إلى القاهرة الأمر سيستغرق فترة على الأقل
كنت أتابع حديثهما منصتا وإذا بثلاثة أزواج من العيون تتجه إلى ..تنحنحت
علىّ أن أقدم إجازة غدا و احتضننى بسام بشدة نعم الصديق أنت بينما اغرورقت عينا فدوى ولوسى بالدموع
أعرف أى عدو سأوجه ...ابتهلت من قلبى ألا يعلم خورى بما سأفعله .. فالرجل صعب المراس شديد الخطورة ولن يتوانى عن تقطيعى أربا وشى أجزائى بكل مرح .... خفق قلبى على منظر الشواء وكلاب خورى تنظر .. لكن كل هذا هيهات أمام حرية انسان وحياة فتاة .. بالإضافة هل هناك من يرفض زيارة القاهرة
القاهرة التى استقبلتنى بأمطار رقيقة حالمة مشبعة بالأمل فى الصباح الباكر بعد يوم من جلستنا هذه وبمساعدة من دكتور كارم الذى كان يملك هناك علاقات شتى استطعت أخراج سميح خلال أسبوع على الأكثر وحزمت أمرى على عودتنا لبيروت على طائرتين مختلفتين حتى لا نثير الشكوك
لكن أحلامنا تبخرت تماما ونحن نقف فى المطار لنعلم بغلق مطار بيروت .. بيروت التى دكها الطيران الإسرائيلى دكا فصارت أشلاءا وانقطع اتصالى ببسام أما سميح فقد وضع يده بين رأسه وقد زاده الهم على مصير ابنته سنوات وسنوات

قديم 04-29-2014, 02:45 PM
المشاركة 33
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
انفصام

بسام يروى
آه يا شادن روحى ...هل تأخرت كثيرا.. يؤلمنى مشهدك خلف الزجاج غائبة عن الدنيا ترنو عينيك بنظرة لا متناهية للا شئ
امنت لى لوسى رؤيتك رغما عن إرادة العجوز ..هو لن يدعك بسهولة
يفضل أن يضعك جثة هامدة باسم ناتالى خورى على أن تعودى شادن مرة آخرى لكن يبدوأن للوسى سطوة عليه وقد أمدتها أمومتها بالقوة لمواجهة الطاغية من أجل ابنتها
كنت أحدثك كل صباح أحكى لكى قصصا عن حياتى فى الناصرة ثم ذهابى للمخيمات فى صبرا وشاتيلا مع أمى وفدوى ونادر
أخبرتك عن فدوى وأنى ظلمتها كثيرا لكن لا تقلقى سأصحح أخطائى.. لست ملاكاً...
اليوم تلقيت اتصالا من اياد أن الأمور تسير بشكل صحيح ...لا تعرفين اياد ولكنه صديق عزيز وسيساعدك كثيرا
سألت الطبيب عنك فأخبرنى أنك فى حالة من حالات الانفصام النفسى النادرة والتى تحدث فقط تحت ضغوط قا هرة.. و.لكنك ستعودين يا شادن الصغيرة ... سأضرب نادر وغسان وكل من ضايقك يا صغيرتى
كنت أحكى وأحكى وأنت كما أنت لا تحركين ساكنا متجمدة فى صمتك الرهيب غارقة فى بحر من الظلمات ..تعيشين فى مكان آخر بروحك .. دائماً لوسى بجانبك وغسان يزورك من حين لآخر ولكنه لا ينبس ببنت شفة
حينما سرحت لك لوسى شعرك هذا الصباح تسارعت نبضات قلبى وطلبت منها أن تعيده للونه الأصلى ففعلت ولم تخش غضب خورى البارد
حاولت أن أطعمك بيدى فلم تستجيبي .. إنى متعب يا شادن روحى .. متعب والوقت قصير.. سامحينى يا صغيرتى فقد وعدتك لكنى تخاذلت
وصدقت هراء كونك ناتالى .. احضرت لك اليوم بعض أزهار الأوركيد البرتقالية كنت ألاحظ ولعك بها ... فلم تهتمى بالأزهار الندية... جلست بجانبك هذا النهار وقد اكتسى وجهك مسحة من الحزن ...آه لو طعنونى بألف خنجر لكان أخف ألماً من أن أرك هكذا.
اليوم يا شادن هطلت الأمطار على بيروت بشدة .. أمطار غاضبة صاخبة .. هكذا هى بيروت فى يناير ترقص مع المطر بينما أنت فى سكونك صامدة تمسك لوسى بيدك تغنى لك
إنها السابعة مساءا وسأذهب ، لكن لوسى باقية وقد اخبرتها أن اياد سيكون فى طريقه هو وسميح غدا ولكنها همست محذرة أن أخفض صوتى فدائما هناك نادر يذرع الممر المؤدى لغرفتك.. آه كم أود لو أدق عنقه .. دائما يدير ظهره لى وأنا أمر بجانبه ولكن هذه المرة وقفت خلفه فى تحدى فاستدار وقبل أن يتفوه بكلمة حدث الإنفجار وارتج المبنى بشدة وتكسرت النوافذ بعنف وتطايرت المقاعد والأشياء وأزيز طائرات مدوى .. صرخت وأنا أحتمى بالحائط وقد تكوم جسدى فوق جسد نادر الذى أفاق سريعا وهو يحاول باستماتة الوصول لحجرتك وأنا فى أثره كنت متكومة هناك وقد انقلب السرير بينما لوسى تصرخ ماذا يحدث !!
حملتك يا صغيرتى وثمة نظرة ملتاعة تظلل عينيك ورغم الظلام والخوف والألم وقصف الطائرات العنيف خفق قلبى بشدة وأنت تقولين بضعف وحيرة :-

بسام
يتبع...........

قديم 04-29-2014, 02:46 PM
المشاركة 34
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
رحيل
عودة لشادن
استيقظت على صوت الإرتطام ..وجدت نفسى على الأرض الباردة وصو ت عنيف يهز المبنى وقد تراقصت الأضواء ثم خبت ..ثمة أنين بجانبى ثم ضوء ضعيف صادر من مكان ما وصوت ملهوف يصرخ شادن ...همست غير مصدقة ..بسام ..رفعنى كطفلة صغيرة وبكى وهو يقول
آه يا شادن الحبيبة لقد عدت .. رغم ذهولى مما يحدث ومن الظلام والبرد وأصوات القصف شعرت بالدفء والطمأنينة والأمان ..هناك صوت آخر يهتف
لوسى لوسى هل أنت بخير ..تهتف لوسى ماذا يحدث أين شادن فيجاوبها صوت بسام
اطمئنى إنها بخير بينما الصوت الآخر وميزت فيه صوت نادر البغيض يردد
بيروت تتعرض للقصف .. لقد فعلها الصهاينة تبا لهم .. ثم ما لبث أن صرخ
بسام ..أين فدوى..شعرت بحيرة بسام وخوفه ولكنه لم يتخلى عنى ولم ينزلنى للأرض بل قال بكل حزم علينا المغادرة من هنا .. لقد توقف القصف لكنهم على الأرجح سيعاودن خلال دقائق
حينما وضعنا بسام - أنا ولوسى التى قبعت فى حضنها - فى ملجأ أمن .. قال على الذهاب لفدوى استطعت مخابرتها سأحضرها إليكم ثم علينا الرحيل إلى الشمال .. قاطعه صوت نادر وهو يقول بصوت أمر
أرسل غسان سيارة تصل بعد خمس دقائق لنقلنا للاردن ..إنها أومره ..علينا ترك بيروت حالا
رأيت وجه بسام الخائف والحائر بين واجبه نحو فدوى وبينى إلا أن لوسى قالت
نادر لا يمكن ترك شقيقتك وابن عمك هكذا ..غص نادر وهو يقول سأعمل على تأخير الرحيل نصف ساعة لا أكثر.. إنها مدة كافية لإحضار فدوى ...عليك المخاطرة بالذهاب ولكن احترس إن البناية التى تقيم بها فدوى لا تبعد كثيرا لكن عليك بالركض وتجنب ركوب أى سيارة .
مرت الدقائق كأنها ساعات.. ثمة جرح صغير على جبين لوسى.. شعرت بالألم لها وبالغضب منها..سنوات وسنوات وأنت غائبة يا لوسى ..كانت تخلت عن رداء الراهبة وقد التف جسدها الناحل فى ملبس بسيط لا لون فيه سوى الأسود وقد ربطت شعرها بربطة حازمة.. شعرت بتطلعى إليها فأخذتنى فى حضنها وهى تقول
حبيبتى ..كانت السيارات السوداء المدرعة قد وصلت..نظرت لها فى خوف وهم ينتظرون دخولنا
وصوت نادر يطلب منا الصعود.. شدتنى بقوة أكبر لصدرها وهى تقول
لن نرحل بدون بسام وفدوى ..تطلع نادر لساعته بينما جواله يرن فيرد:-
سنرحل الآن مسيو خورى .. سنرحل على الفور
اعترضت وصرخت لالا لن نترك بسام وفدوى خلفنا .. جذبونى بقوة أنا ولوسى لنجد أنفسنا فى السيارة ونادر يقف فى الخارج وقائد السيارة يقول هل نرحل الآن .. . تطلع إليه نادر فى حيرة ثم إلى وجهى الباكى وفجأة ظهرت طائرات فى السماء تضرب بعنف بيروت مرة آخرى فركب نادر على الفور وهو يصرخ هيا
انزويت فى صدر أمى أبكى بإختناق إلا أن صوت نادر هدر فجأة ..
- توقف..
كان بسام وفدوى على الجانب الآخر من الطريق ....إن كنت كرهت نادر منذ لحظات إلا أنى راقبته بعيون تحمل العرفان والإمتنان وهو يقطع الطريق ليحمل فدوى التى كانت شبه فاقدة للوعى
مضينا فى الليل الممطر والقصف المدوى عبر الطريق إلى سوريا ثم منه إلى عمان... كانت صلات خورى القوية تتيح لنا التنقل بسهولة ..غير السيارة القوية التى اقلتنا .. حيث نمت بعيون نصف مغمضة فى حضن لوسى بينما فدوى ناعسة على صدر بسام...كم شعرت بالغيرة والألم وصوت الضمير الخافت يؤنبنى

قديم 04-29-2014, 02:47 PM
المشاركة 35
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
اختطاف

مع بشائر الصباح كنا فى أحد أشهر فنادق عمان وقد سبقتنا جانيت وتونى عراجى وبالطبع غسان خورى الذى زوى بين حاجبيه وهو يرنو لبسام وفدوى..إلا أن لوسى قالت بصوت هامس وجودهما ضرورى لشفاء شادن
فغمم من بين غليونه وهو يرقبنى بشئ من اللطف لا بأس طالما الأمر فى مصلحة ناتالى
ادخلتنى لوسى للفراش وسمعتها وهى تحادث فدوى عبر هاتف الغرفة بأن بسام تمكن من الإتصال باياد
وأنهم سيغيرون وجهتهم لعمان ..بالطبع لم أفهم شيئا من الحديث لأننى لا أعرف من هو أياد فى تلك اللحظة
إنى متعبة وأحتاج للنوم بشدة ..حلمت أن ثمة شئ خانق على أنفى ، شئ يجذبنى للظلمات ويجذبنى
استيقظت على صفعة عنيفة وضوء الظهيرة الشديد...بدلا من الفراش الوثير كنت ملقاة على أرض متربة وبعض التبن ..وكأنى أحلم أنى فى إسطبل للخيل ..همست لوسى.. بسام
نزلت صفعة آخرى على وجهى وغمرنى الماء البارد العفن لأطالع فى ذهول أكثر وجه كرهته فى حياتى
وجه تونى عراجى وقد وقفت خلفه جانيت تهتف فى فرح :-
أهلا بالأميرة.. نثق أن خورى سيدفع الكثير من أجل استعادتك.. كنت مذهولة وضعيفة لكنى أعلم أنى وقعت فى براثن تونى تلميذ خورى بكل ما يملكه لى من حقد وكره خرج من فمه الكريه وهو يشدنى من شعرى ثم يمرر يده المقرفة على وجنتى:-
إنك أجمل كثيرا من لوسى.. أتعلمين يا صغيرة أننى سأغتصبك مثلما فعل عمك بأمك ؟
مازلت أذكرها حينما جاءتنا منكسرة ذليلة لتخبر غسان بأمر إغتصابها من شقيق زوجها الأكبر
لقد استمتعت كثيرا بقتل الرجل لكنى اجبرته على حكى التفاصيل كى اتشفى فى لوسى الخرقاء
التى لم تخبرنا بأمرك أبدا.. سأستمتع كثيرا بك يا شادن أو ناتالى .. بصقت فى وجهه .. ركلنى بعنف فى بطنى وصدرى ورفعنى بعنف وهو يمزق ملابسى وأنا أقاومه..فجأة تركنى بعد أن امسكت جانيت بيده وهى تصرخ :-
تونى لم نتفق على إيذاء الفتاة... اخبرتنى أننا سنجنى المال الكثير من خورى ثم نرحل لبلد آخرى ..ازاحها بعنف وهو يتجه نحوى مرة آخرى إلا أنها تعلقت به فى استماتة.. دعها وشأنها
نظر لها بسخرية
الدم يحن أليس كذلك ؟ ..كلكم آل خورى الملاعيين .. لست بحاجة إليك جانيت قالها وهو يستل خنجر ويضعه فى صدرها ثم نزعه وألقاه فى نشوة وجنون ثم خرج فجأة ينادى رجاله
نظرت لجانيت وهو تفارق الحياة وزحفت نحوها بصعوبة
جانيت اصمدى ..قالت بضعف لا يا صغيرتى .. لا قوة لى ثم اشارت بيد ضعيفة لجيبها
حيث وجدت الهاتف الجوال يرن بصمت .. كان صوت نادر .. اخبرته بصوت متقطع وعينى على جانيت وقد تكومت وفارقت الحياة وعينى على الخنجر الملقى
حينما جاء أحد رجال تونى لرفع المسكينة المسجاة
اغلقوا الباب مرة آخرى واقترب تونى منى وهو يقول لنبدأ حفلتنا يا صغيرة
حفلة الترفيه عن تونى المسكين عن ذل خورى له طوال سنوات ..ثم يقول بلهجة مجنونة سأفعل بك مثلما فعل بأمى يوما لينجبنى منها ثم لم يعترف بى .. امسكنى من شعرى وهو يقترب بأنفاسه الكريه
علينا أن نكمل نسل الخورى فالعائلة بحاجة لهذا ...

قديم 04-29-2014, 02:48 PM
المشاركة 36
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
نجـــــــــــــاة

هناك لحظات فى حياتنا لا نعرف كيف كنا فيها.. ولا نعرف كيف واجهنا مصيرنا.. ومن أين أتت لنا الشجاعة
تماما مثل تلك اللحظة المجنونة وأنا أغوص بيد المقبض فى كتف تونى الذى أصدر عواء كالكلب
وهو يحاول نزع مسدسه ليقتلنى ... ثمة طلقات فى الخارج .. وفتح باب الإسطبل بعنف بينما تونى يصوب مسدسه نحوى لكن نادر أطاح به بطلقة واحدة وهو يصرخ أريده حياً
هرع لى بسام ولوسى وشخص آخر عرفت فيه اياد ووجه آخر حبيب .. وجه أبى وقد جزع وهو ينظر لوجهى المتورم وأنا أبكى وأقول
حاول تونى اغتصابى ..ثم أنخرط فى بكاء مرير لم أفق منه إلا على صوت طرقعة عظام وقد لوى نادر عنق تونى فى حركة واحدة... كانت هذه من اللحظات القليلة فى حياة نادر الناصرى الذى يتغلب فيه صوت الغضب والكرامة على صوت المال .. نادر هو التناقض بعينه فبعد قتل تونى بلحظات ها هو يرفع مسدسه فى وجهه أبى وبسام ولوسى وهو يقول
هيا يا أنسة جدك ينتظرك
كانت الضربة التى جاءته من الخلف قوية بحيث أنه فقد وعيه على الفور وقد وقف اياد مدافعا عن نفسه انه كالثور لا يمكن هزيمته الا هكذا ... ثم جس نبضه وهو يقول إنه بخير سيغيب عن الوعى دقائق وعلينا الذهاب فورا إلى المطار
كانت فدوى هناك تنتظر وقد أمنت لنا ثلاث تذاكر للقاهرة وهى تقول ساعة ونصف وتقلع الطائرة
نظرت إليها ولكن أنت وبسام .. نظرا الاثنان لى وقال بسام
لا تقلقى بيروت لم تعد تناسبنا.. لن نعود إلى هناك... لكن بيروت كلها كانت هنا... حاضرة فى نادر الناصرى وغسان خورى ورجاله المسلحين الذين أحاطوا بنا فى مطار عمان .. وقد غص قلبى فى شدة وعنف وأبى يشدنى لصدره بقوة وبسام يترك فدوى ويقف أمامى فى مواجهة من لا يرحم بينما نمت عينا نادر عن غضب شديد... كره شديد ... كان الجو متكهرب والصوت يردد فى المطار أن على ركاب الطائرة المصرية المتجة للقاهرة التوجه للبوابة رقم خمسة
وقفت لوسى وهى تقول بصوت عنيف
وماذا بعد يا خورى العظيم ألم يكفك دماء وموتى ؟ فيقاطعها اصمتى بينما يمسك أبى بيدى غير مبال بكل هؤلاء ويقول
هيا يا ابنتى علينا الرحيل
توقف .. إلى أين .. ؟ صرخ به خورى
فصرخ به بسام دع الفتاة وشأنها.. وقد وقف حاجزا بينى وبين خورى الذى أسود وجهه وحار فى أمره فقال بصوت ضعيف وقد التمعت عيونه من فرط الإنفعال
من قال أنى سأمنعها عن الرحيل
مازلت أذكر يوم الرحيل لقد انحنى غسان أخيرا ..لم أنس وهو يلفظ بصعوبة
شادن تذكرى أن لك جدا وإن كان أخطأ بحقك كثيرا إلا أنه يحبك ويرجو أن تسامحيه وتقبلى بزيارته فى القاهرة
كانت الأربعة أحرف لكلمة شادن صك حريتى وهويتى .. وفى نفس الوقت صك عذابى وأنا أرى طيف بسام يبتعد وهو يحتضن فدوى الباكية ويبتعد
مازلت أرسم فى مخيلتى صورة وجهه المتعب وجبينه المتغضن وانزوائه بعيدا عنى ولوسى تحتضننى وتعتذر عن الذهاب معى لقد وعدنى خورى أن يزورنى ووعدتنى لوسى أنها ستأتى يوما لتصفية الخلافات مع أبى
أما بسام ورغم كل هذا لم يعدنى بشئ أى شئ
حتى الوداع الأخير ضن به على ..خذلنى وداعه لأنه ببساطة لم يودعنى .. رغم فرحتى بالعودة لمصر ولأبى ظل جزء بى ينزف طوال سبع سنوات

قديم 04-29-2014, 02:49 PM
المشاركة 37
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
سبع سنوات عجاف

سبع سنوات عجاف أحاول أن أتلمس أخباره أوشئ عنه من لوسى فلا تجيبنى بشئ وكأنه شبح ظهر واختفى
ولم أحصل إلا على معلومة بسيطة أن نادر ترك خورى واختفى وهكذا انقطع أى خيط يربطنى بهم.. فدوى وبسام
سبع سنوات قضيتها فى القاهرة بين أروقة كلية الطب كنت أبغى أن أصير مثل فدوى وقد تزوج أبى ولكنه طلق زوجته بعد عام.. اخبرنى أنه لم يحب سوى لوسى وأنه لا يعرف سبب رحيلها وعدم عودتها
كنت أحفظ سر أمى فلا داع لفتح جرح لن ينس أبدا . ففعلة عمى الشنعاء بأمى ومقتله على يد جدى أمرا لا يمكن سرده هكذا بكل سهولة .. أمرا دمر لوسى لسنوات وسنوات ولن أفتحه مرة أخرى خاصة وأنا أعلم أنها عادت للقصر وأنها فى السنوات الآخيرة تولت زمام الأمور فى مؤسسات خورى
وهذا الصباح اتانى صوتها تطلب بصوت حنون أن أجئ على وجه السرعة لبيروت لآن غسان خورى فى النزع الأخير
هبطت بيروت بصحبة أبى حيث وجدنا سيارة فى انتظارنا اقلتنا على الفور للمستشفى .. كان غسان قد هزل كثيرا وصار شخص آخر يهذى بينما جلست لوسى بجانبه وتعلقت عيون أبى بها مرة آخرى ثم ما لبثت أن صحبته خارج الغرفة للتتركنى مع غسان الذى برقت عينيه بشدة وهو يقول
ناتالى هل أتيت..ناتالى لا ترحلى
عند الظهيرة كان قد رحل بكل ما فى داخله .. بعشقه الغريب لرفيقة صباه الذى منعه من الزواج حتى الأربعين من عمره .. بحقده الدفين على سيلين .. بحروبه التى خاضها لتكوين أمبراطورية .. رحل تاركا كل شئ ورائه باسم ناتالى خورى التى لا ودود لها
كنت أنهى إجراءات دفنه فى المستشفى مع أبى بينما تركت لوسى معه.. حين لمحتها فى الممر .. لاشئ تغير فيها .. هى بنفسها وقامتها الفتية فدوى الجارحى وكأن الزمن توقف بى ولم أصدق عينى ولم تصدق هى أيضا لكنها اخذتنى فى حضنها بسهولة .. كنت أخشى أن تضيع منى طلبت عنوانها ووعدتها بالزيارة
فى الغد
فى المساء كانت أمى منغمسة فى الإعداد لجنازة غسان خورى وقد قظننت انها قوية الشكيمة ا لا اننى ألتقيها فى الردهة تبكى ..أخذتها فى حضنى وهى تقول
أتعلمين شادن لقد سامحته .. لقد انهار بعد رحيلك وانزوى .. اصابته علة ما .. لذا تركت الدير ، كاد كل شئ ينهار.. رغم أخطاءه الفادحة إلا أن مؤسسات خورى يعمل بها الكثير من البسطاء وفى بلد مثل لبنان من يفقد عمله لايجده بسهولة.. لقد انغمست فى العمل السنوات الماضية شادن حتى أنسى وحتى أسامح.. كادت قدماى تقودنى للقاهرة لكنى علمت بزواج أبيك.
همست لها هونى عليك أمى .. أبى لم يحب سوى لوسى الجميلة
غصت وهى تغالب دموعها لكن .. مسحت دموعها وأنا أقول:-
منذ سنوات طلبت منى امرأة طيبة أن أدع الموتى لحالهم ولكن لم أستمع لنصحها.. تعذبت سنوات وسنوات بما فتحته على نفسى .. اليوم أطلب منك نفس الطلب .. دع الموتى لحالهم أمى ..دعيهم لخالقهم... لمحت فى عينيها نظرة حائرة لكن صوت أتى من السلم حيث يقف أبى جعلنى أترك مكانى له
جلس بجانبها .. هناك الكثير بينهما وهما بحاجة لبعضهما .. سنوات تفصل بينهما وبين الآلم ولديهما حياة جديدة من يدرى ..كنت على ثقة أن الحب الذى جمعهما يوماً قادرا أن يجمعهما مرة آخرى
غفوت وكلى أمل أن ألقاك يا فدوى .. وكلى أمل أن ألقاه .. لن أخذه منك أبدا فدوى .. لكنى أريد أن أراه ..مجرد ان اراه

قديم 04-29-2014, 02:50 PM
المشاركة 38
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
الفصل الا خير

قادتنى إحدى سيارات مؤسسة خورى التى أمنتها لى أمى إلى إحدى الفيلات الأنيقة فى أرقى أحياء بيروت وقد كتب عليها فيلا شادن

تسمرت على الاسم ويدى على الجرس ودموع تغالبنى لم ينسونى.. رغم السنوات .. فتحت لى فدوى وقد ارتدت عباءة أنيقة تليق بها وشعرها الطويل يغطى ظهرها .. كم أنت جميلة يا فدوى .. قلتها بقلب شادن


الذى أحبها دوما لا بقلب ناتالى الذى حقد عليها .. على الدرج كانت هناك طفلة صغيرة فى نحو الخامسة أو السادسة.. فأخذتها فى حضنها وهى تقول أعرفك بشادن الكبيرة يا شادن الصغيرة .. نظرت لها بذهول


حتى بعد أن أعطت الصغيرة للمربية

كنت أنظر من النافذة للسماء الصافية إلا من سحابات خفيفة مرحة .. بينما تقول

هلا شادن .. افتقدناك سنوات وسنوات.. كيف أنت.. سمعت أنك تخرجت هذا العام من كلية الطب

جلست وهى تعطنى كوبا من الشاى وقلت

تتابعون أخبارى .. بينما لم أعرف عنكم شئ طوال هذا السنوات حاولت ولم أعرف حتى اياد صديقكم اختفى.. قاطعتنى وهى تقول .. ترك اياد بيروت منذ زمن بعيد وعاد لسوريا .. ولم أعرف عنه شيئا

هززت كتفى .. كنتم أصدقاء مترابطين .. قطع كلامى دخول وجه أعرفه.. رحب بى .. دكتور كارم .. قبل جبين فدوى وهى ترافقه للباب قائلة فى رعاية الله يا زوجى الحبيب

نظرت لها فى ذهول فأمسكت بمرفقى وهى تقودنى إلى الحديقة الصغيرة قائلة

تعالى شادن إنك بحاجة لقليل من الهواء..لم أنطق سوى

وبسام ...أين بسام وشادن




جاء ردها صاعقا كلا إننى وبسام لم نتزوج قط يا شادن لقد تطلقنا بعد ذهابك بنحو شهر

قطاعتها بملامح مذهولة وشادن الصغيرة أليست ابنته إن الشبه كبير

امسكت يدى كأم حانية لطالما كنت حانية على يا فدوى الحبيبة .. أكملت ما غاب عنى بصوتها العذب كهمسات المطر.. لقد غادرنا بيروت بعد رحيلك بقليل مع د كارم.. تنحنحت فى الحقيقة أن حالة بسام السيئة




هى ما دفعتنى للرحيل به للقاهرة فقد كان يجوب شوارع بيروت الخاوية ليال طويلة .. لم يطق الحياة هناك دونك

وقد هزل كثيرا وخشيت أن يلقى حتفه.. كان يحبك بجنون شادن

ضحكت بمرارة

كان يعرف أننى فى القاهرة هو من توصل لأبى.. لماذا ... كان من السهولة أن يصل إلىّ لو كان يشعر بشئ ما نحوى ... لكنه لفظنى فى المطار ... كأنى مصيبة نزلت على رأسه ووجب التخلص منها.. ما


تقولينه مستحيل أعلم أنه شعر نحوى بالتعاطف .. لكنى لم أعرف أبدا كيف يقاتل من أجلى حتى يكاد يخسر حياته ثم يلفظنى هكذا... أنت لا تعلمين كم من دموع بكيت حتى أنى جففت كل ينابيع المطر بداخلى

أغمضت عينها والدموع تترقق بهما

لم يكن يستطيع شادن .. قضى ليال طويلة وأيام يذهب حتى يراك دون أن تريه

هتفت بها لماذا.. ؟ هل هو واجبه نحوك لم يكن بينكما شئ سوى بين الأخت والأخ كنتما تحيرانى كثيرا

لاحظت تعلق د كارم الشديد بك إبان مرضك ولاحظت ولعك به

قاطعتنى وهى تقول كان كارم خطيبى قبل أن أعقد قرانى على بسام

نزعت يدى من كفها .. اخبرينى فدوى بالله عليك إذا لم تكونى تحبينه فلماذا تزوجتيه لماذا فسخت خطبتك قبلا من كارم ثم عدت إليه...أى عبث هذا...ولم رضى بالعودة إليك ؟ .. هل تظنون يا آل الجارحى إنكم


فوق البشر

هتفت اهدئ شادن

قاطعتها بطلقات كالرصاص


وأين هو بسام الآن

لماذا يصمت الجميع عندما ألفظ اسمه

امسكتها بعنف وقد أعمى الغضب بصيرتى

سبع سنوات عجاف امضيتها...سبع سنوات أبعث له مئات الرسائل فلا مجيب

هل تعرفين منذ أربع سنوات تملكنى الحنين فذهبت لعمله أبحث عنه قالوا إنه ترك العمل لديهم منذ سنوات

خبطت بيدى هل كنتم أحلام مطر وتسربت فى الرياح وجففتها أشعة شمس حارقة كنت غاضبة وحانقة أين هو بسام .. وقد امسكت كتفها بقوة هزمتها بكلمة


إن بسام ميت شادن.. ميت منذ سنوات ... لم يمنعه عنك سوى الموت

قبعت فى حضن فدوى بعد انهيارى وقد عصف الذهول والجدب .. علمت أنه اصيب قبل أن أظهر فى حياتهم بسرطان الدم وأن فدوى بدافع الإخلاص له تركت خطيبها بعد أن كذبت على بسام بأن لا أمل بينها


وبين كارم .. وعقدت قرانها حتى يتسنى له أن ينجب طفلا يحمل اسم عائلة الجارحى.

لكن الأحداث كشفت أن بسام جنى على ابنة عمه .. وقد جاءوا للقاهرة حيث تزوجت فدوى وكارم وساءت حالة بسام خلال العام الذى عاشه فى القاهرة

قالت فدوى كان يتابعك ويقابل أباك .. خشى كثيرا أن تنتكس حالتك بعد ما مررت به .. كان يعلم أنك تحبينه ولم يريد أبدا أن يسبب لك بمرضه وموته أى ألم

كانت دموع فدوى تنهمر وهى تقول

ولدت شادن قبل رحيله بشهر وفى يومه الآخير أتيت بها إليه وقلت

تشبهك كثيرا يا ابن عمى فترقرت عينيه بالدموع وهو يوصينى بشادن روحه

كان يوصينى بك شادن ..أنا وكارم لم نتخل أبدا عنك.. لكننا خشينا كثيرا أن تعلمى بموت بسام

فآثرنا أن نبقى بعيدا .. سامحينى يا حبيبتى .. والله إنى أحبك لأنى أرى حب أخى بسام فيك

غفوت فى الظهيرة لمدة ساعة وقد تورمت عينى من البكاء.. لكنه أتانى فى الحلم وقد تهدلت خصلة شعر سوداء ناعمة على جبينه .. مددت يدى أزيحها فابتسم وغاب وسط الغيم الوردى

استيقظى شادن .. كانت فدوى تحمل كوبا من الليمون البارد

تقبلته منها شاكرة .. ثم نهضت وارتديت حذائى .. فقالت

أبق للغذاء .. جاوبتها دون انفعال وأنا أنظر للسيارة التى تنتظرنى

أريد أن أزور قبره.. فهل تصفين المكان..

كلا ..سأتى معك

لم نكن أنا وفدوى هناك وحدنا.. بل وقف بقامته المهيبة .. كيف لم أتبين أن له نفس قامة بسام .. أعنى به نادر الناصرى .. وقف عند قبر بسام وقد ذهلت فدوى لوجوده وهتفت نادر

نظر إليها بسرور وهو يقول فدوى لم أرك منذ سنوات.. ولعلها أول مرة يأخذ نادر أخته فى احضانه وقد انخرط كلاهما فى البكاء .. ثم ما لبث نادر أن أزاح شقيقته برفق

أهلا شادن .. لم أمد له يدى .. لم أغفر له .. مازال بينى وبين التسامح سنوات وسنوات وقد تقبل الأمر بهدوء وهو يأخذ فدوى جانبا وهى تقول أين كنت فيقول:-

عدت للديار للناصرة ..إنى أتى كل عام لأزوره.. تلاشى صوته وهما يمضيان بعيدا عنى عبر الشواهد لعلهم يعالجان ما بينهما .. بينما جلست وحدى على قبر الراقد العظيم وثمة رذاذ مطر حالم يندى القبر


الرخامى البارد مسحت بيدى الندى عن النقش الذى كتب عليه


بسام مروان الجارحى من الناصرة 1972-2003

تنفست الهواء البارد وانا اتذكر ليلة القصف..لقاء الحديقة. ترتيله القرأن الكريم.. ضحكه على اللحم النئ..شجاره مع نادر ..وعده ان يعيدنى للقاهرة.. دمه النازف من


اجلى ..نظرته الاخيرة فى مطار عمان وخلف كل هذا عبارة تترد بقلبى:-

لقب اسم جميل شادن ..لقد درست اعوام فى القاهرة

بينما صورة وجه الغير حليق وهو نائم تحتل ذاكرتى..

تنهدت بأمل وثمة طائر يرقص مغردا فوق رأسى وقد علا صوته بالغناء فدمعت عينى وقد عادت فدوى لتحيطنى بذراعها بينما سقط المطر غزيرا غزيرا .

تمت بحمد الله
اكتوبر 2011
القاهرة

قديم 04-29-2014, 11:24 PM
المشاركة 39
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أهلا بالأستاذة روان عبد الكريم

سأكمل قراءة الرواية بحول الله
و بعدها سيكون لي تعليق حول أدب روان عبد الكريم .

كل التقدير والاحترام .

قديم 04-30-2014, 05:33 PM
المشاركة 40
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
أهلا بالأستاذة روان عبد الكريم

سأكمل قراءة الرواية بحول الله
و بعدها سيكون لي تعليق حول أدب روان عبد الكريم .

كل التقدير والاحترام .
كل التقدير والشكر والامتنان العميق لك استاذنا العزيز

فى انتظارك


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: احلام المطر- رواية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
احلام فجر هبه احمد المقهى 1 10-27-2012 12:09 AM
رواية بنت المطر للكاتبة مريم الغفلي جليلة ماجد منبر رواق الكُتب. 2 08-05-2012 09:47 PM
احلام الطفولة بريشة الفنانة كيللي زهراء الامير منبر الفنون. 2 05-05-2012 08:41 PM
احلام المطر رواية طويلة روان عبد الكريم منبر القصص والروايات والمسرح . 25 11-29-2011 03:49 PM

الساعة الآن 11:58 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.