قديم 02-26-2016, 07:56 PM
المشاركة 1421
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وألان مع عناصر القوة في رواية 13- - الرجع البعيد – فؤادالتكرلي – العراق

- يتفق الكثير من النقاد على اعتبار أدب التكرلي أدبا اجتماعيا سياسيا يهتم بالإنسان في محيطه السياسي الاجتماعي، ويمنح الاهتمام لسيكولوجيته الاجتماعية، لكنه من زاوية أكثر شمولا، يعد ادبا تاريخيا لقسم من تاريخ العراق المعاصر.

- عن جيله تحدث التكرلي ذات مرة فقال إنهم يشكلون "حزمة واحدة متكاملة، يتشابهون في التعبير الواقعي عن المجتمع" لكنه يشعر أنه مختلف عنهم فيما يتعلق بالتعبير عن الفرد.

- ويمضي موضحا: " نشترك برسم لوحة بانورامية واسعة لمجتمع تلك الفترة.
- في "الرجع البعيد" صدى يستدعيك لاجتياز تخدم الوجدان العراقي، التغلغل فيه عبارات، كلمات، ومشاهد تصبح من خلالها واحداً من الأسرة العراقية التي اختارها فؤاد التكرلي لتكون وقائع حياتها محور روائية.
- يصدر من خلالها الواقع الحياتي العراقي بكل أبعاده الاجتماعية السياسية الاقتصادية...
- رواية لم تقف على أعتاب الكلمات، بل تجاوزتها لتقف على أعتاب الإحساس الإنساني المتفاعل مع محيطه أينما كان وحيثما كان.
- التكرلي صاحب الكم الأكبر في الإنتاج الروائي العراقي في هذا المجال غزارة الانتاج ( الرجع البعيد، خاتم الرمل، المسرّات والأوجاع)، فإنه صاحب السبق في مجال الريادةعلى المستوى العربي، كما أشار إلى ذلك الناقد الراحل «د. عبد الإله أحمد» في كتابه «الأدب القصصي في العراق»
----
وألان مع عناصر القوة في رواية 13- - الرجع البعيد – فؤادالتكرلي – العراق
- ادبه مرتبط في مكان طفولته على شاكلة ابرهمي الكوني على الرغم انه رحل عنه والمكان هومحلة "باب الشيخ" حيث يقول عنها ( محلة باب الشيخ مسكونة في نفسي لحد اليوم، وقد تجاوز عمري الثمانين، مسكونة في حياتي كلها، بمعنى أني ما زلت عائشا فيها رغم مغادرتي لها، وقد كتبت عنها وأنا بعيدعنها، كانت هاجسي الأول والأخير في التعبير عما يشبه رمزها، وجذرها المعنوي في نفسي(.

- ويقول لقد كتبت " الرجع البعيد" بدءاً من مكان بيتنا القديم، أنك عندما تختارالمكان فإنك تختار، ضمنه أو معه، عناصر كثيرة: الشخصيات ، المشاكل التي يعيشونها ،الأحداث التي تمر من خلالهم .. وهو يشكل أهم عناصر الرواية أوالقصة.

- عندما ولدت كان أبي في الرابعة والستين، وحين أصبح عمري 6 سنوات كان قد اقترب أبي من السبعين ، تلك كانت مفارقة، وكان عندي خشية من المستقبل، فقد شعرت أن الحياة أوقعتني بين عجوزين : والدي الهرم وبيتنا القديم ، وقد كان والدي يدللني ويحبني كثيراً، وكان احساسي أن هذا الوضع لن يدوم لفترة طويلة.
- كنت الأصغر في الأسرة، وأبي متزوج من اثنتين، أنجب من الأولى أخوين لي، ثم تزوج والدتي عام 1902 لكنها لم تنجب إلا بعد عشرين عاماً، ولذلك فان الفارق بيننا نحن وبين أخوتنا من الأولى يصل لأكثر من 30 عاماً ، تلك كانت مفارقة أخرى ..

- المفارقة الثالثة أنني وجدت نفسي وسط عائلة كبيرة ، أنا وأخي نهاد ، وشقيقتان وأمي، وجدتي وآخرون من أقارب قريبين ،بعبارة أخرى أن البيت كان مليئاً بالبشر، وكان والدي قد تقاعد من عمله كمأمور كمركفي العهد العثماني، وبراتب بسيط 5-6 دنانير شهرياً ،ومعيشتنا كانت أقل من متوسطة، لكنني لم أكن أشعر وأنا صغير بالمشاكل المالية التي تواجهها الأسرة ، على العكس كنت أحس أحياناً برفاهية غريبة.
- لكن عندما بدأت الحرب العالمية الثانية أخذت حياتنا تضيق شيئا فشيئا , وحين توفي والدي عام 1942 ضربنا سيف الفقر والحرمان كثيرا.( توفي والده وعمره 15 سنة).
- حسب آخر مقابلة له لقد كشف التكرلي بوضوح عن سر عبقريته الادبية فهو هذا الطفل الذي يولد لاب في عمر الرابعة والستين بعد عشرين عام زواج ، كان الموت ينتظر على الباب في تصور التكرلي الطفل يترصد والده، وكانت الحياة اقرب الى العدم وعندما سقط الوالد وعمر الولد 15 عاما ،اصبحت الحياة اكثر قساوة فصهره البؤس كما صهر غيره من المبدعين، وليس من الغريبوالحال كذلك ان تكون اول روايه " بصقه في وجه الحياة".
- التكرلي يتيم في سن الخامسة عشرة.
ح

قديم 02-26-2016, 08:53 PM
المشاركة 1422
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اليتيم رقم 4 رشاد ابو شاور

العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشادأبوشاور فلسطين

- اهم الاحداث التي اثرت في طفولة رشاد ابو شاور يتيم الام في سن 5 سنوات.
- رواية العشاق في مختصرها تنقل صورة التشرد الفلسطيني منذالعام 1948 حتى مطلع السبعينات، خاصة تلك الصورة القاتمة للغاية التي أعقبت نكسة أو نكبة 1967 وما حل بفلسطينيي المخيمات من مصائب وكوارث.
- الحب الصافي والنقي والحقيقي يواكب أحداث الرواية بين محمود وندى اللذين يخططان مستقبلهما رغم كل الصعاب والمتاعب.
- نجح ابو شاور في تجنيد الحدث التاريخي لتثبيت الحدث أولاً ثم لاستخدامه في بناء الرواية.
- يُكثر أبوشاور من استخدام أسماء المواقع التاريخية والجغرافية في روايته هذه. ويحاول أن يورد أكبر قدر منها، خاصة في كل ما له علاقة بمنطقة أريحا.
- لا يفارق المكان موقعه المركزي في الرواية، ويكثر أبوشاور من ذكر أسماء الأماكن التي لها صلة مباشرة أوغير مباشرة بأحداث الرواية، وكلها مرتبطة زمنيا ومكانيا بتاريخ القضية الفلسطينية وتطوراتها ، خاصة في الفترة الزمنية التي تدور حولها أحداث الرواية.
- هذه الرواية تحمل مخزونا تاريخيا غنيا.

- عرف واضعها كيفية الاستفادة من هذا المخزون لتجنيده لصالح أحداث الرواية بصورة واقعية للغاية.

- فهو يؤرخ بأسلوب روائي وقفات أو محطات من التاريخ الفلسطيني منذ عام النكبة 1948 إلى عام النكسة(وهي نكبة ايضا) في العام 1967، وكيف تعامل معها الفلسطيني والعربي كل من منطلق رؤيته ومصلحته.

- والأهم بالنسبة لرشاد أبو شاور ما تركته هذه النكبات في عمق التاريخ الفلسطيني من متغيرات على الساحة الحياتية والنضالية.

- رواية " العشّاق" تحمل في جنباتها ملامح من حياة وتشرد كاتبها الروائي رشاد أبو شاور، وتنقل صورًا لما حل بالشعب الفلسطيني من مصائب وويلات على مر الفترة الزمنية التي تدور فيهاأحداث الرواية، أي من العام 1948 إلى مطلع السبعينات.

- رواية " العشاق" درس من دروس التاريخ الفلسطيني والعربي كونها تضع القارئ أمام تحديات الماضي برؤية الواقع المعاش بكل مركباته وعناصره.

العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين
- رواية حقيقية، مقترنة بوعي ودراية فنية .
- روايات ابو شاور ناجحه فنيا حيث ينبني المكان بجميع ما يشترك في صنعه المتكامل بين جغرافيا وتاريخ وحضارة وثقافة وأحداث، في قلبها فعل إنساني متواتر ومتموج، حيث يتخلق الكائن المتشرّب بدوره لعناصر التكوين هذه، إضافة إلى خصوصيته الذاتية عندما يسبغها على محيطه، في حالي التجانس والمفارقة، القرب والبعد، بالاستيطان وبالطرد، أيضا.
- متن روايات ابو شاور غن يومتنوع.
- روايات الكاتب، ومجاميعه القصصية الوفيرة، أيضا، غير المعتمدة، قلّأن تنزاح في الغالب عن اشتغال منظوره، أداءاته الحكائية الفريدة والمتجددة من نص إلى آخر، تجدد العوالم بناء عالمه الروائي، حتى ولو ظهر أنها تتخذ تيمة واحدة،القضية الفلسطينية بمهيمناتها وأبعادها المختلفة، بين ماض وحاضر، وعلى امتدادها فيصنع أفق المنفى المديد.
- تعتمد رواية 'العشاق' أول شيء على دعم مقولة الجغرافياالروائية، حيث يستطيع نص مفرد، قابل للتناسل،أن يصنع خريطته الخاصة به، يستعير بكل تأكيد خطوطها العامة من الخريطة الحقيقية،ليحوّرها فتنتقل إلى درجات من التحويل في الصور، والتوليد في الدلالة حسب محافل السرد ومقامات الخطاب.
- نجد رشاد أبو شاور وهو صانع الجغرافيا الملائمة لتحركات عشاقه حريصا على إقامة أكبر قدر من التوازن بين إقامة الموضوع (= القضية) وإقامةالذات (= أشجانها) .
- في 'العشاق'تستهل الرواية بتقديم المكان، بوصفه الرُّكح الذي ستدور فوقه أحداثها والتعريف به من نواح مختلفة، وهو يأخذ عنوان 'مدينة القمر' وصفا لمدينة 'أريحا' الفلسطينية قبل أن تتعرض للاحتلال. ا
- للافت أن هناك كاتبا ينضم إلى الروائي ـ هو ذاته ـ للقيام بالتعريف بالصيغ التاريخية، بدءا من الألف الثالث قبل الميلاد، وصولا إلى نكبة 1948، ومنها إلى عشية حرب 1967 أو نكستها، حسب التسمية.
- بين هذه المراحل الثلاث نحن مع مدينة عاشت العز والصمود وتناوبت عليهاالأهوال، وابتلى الدهر ساكنيها باختبار الغزاة والنفي والتشرد، كما بمغالبة الأيام وغش الوطن والاستسلام لمكر الأجنبي أو التعامل معه، في مواجهة إرادة صابرة، يقينية البطولة
- وإذا كان هذا هوالإطار العام، فإن أرض الرواية هي الفضاء الذي يحيا فيه أبطالها، شخصيتها، بتعدد منازعهم وسلوكهم، وهم جميعهم عشاق، كل على طريقته، بمن فيهم عتاة المجرمين أحيانا،
==
- تمكن ابو شاور من تحويل الأرض إلى شخصية مركزية هي أم الشخصيات، حاضنتها، مناط صراعها على امتدادالفعل والتحولات روائيا، ونحت ملامحها تاريخيا وأسطوريا،ووجدانيا، ثم وشم جلدها بكل حوادث الدهر، فهي ذاكرة وحياة وجرح بلغاتها الخاصة ضمن اللغة العامة؛ إن الأرض تتكلم هنا فلسطينيا بنبرتها واحتفاليتها، السرد الفني مؤهل أكثر من أي جنس غيره لتصعيده.

- كما تمكن من تحويل هذاالسرد، بالتبعية، إلى محفل واسع ومتنوع بالمشاهد والصور واللقطات، إذ يتم بواسطتها رسم الصورة البانوراميةللمجتمع، وهي نمطية، أيضا، فاحتفاليتها، كمايرصدها أبو شاور وحده، تضفي عليها ميسم الخصوصية، وبالتالي تفردها وهي تؤسسها أولا بأول.

- تمكن ابو شاور من تخير أبرز وأنجع أدوات روائي 'عاشق'، من خلال اتخاذه لأسلوب سردي بالوسع القول اقتداره عليه وتميزه فيه دون أقرانه ومجايليه، وقلّ من يضاهيه فيه، وهو اعتماده ألوانا وتنويعات في الحكي، فيما تعلن عن دربة لدى صاحبها على إحكام السرد، تعلن تطويعه له وترويضه ليصبح الفضاء وأهله وطباعهم وأشجانهم وأشياء بيئتهم، هذا كله وسواه مرويا، مبسطا ومُبدّها، منبثقا من لسان الأرض الأم، على لسان أبنائهاالعاشقين لها، بسلاسة وطلاقة وتلقائية كالمجرىالذي يغتسل فيه ناس المخيم، والنكتة التي يصنعها الخلاليلة (أهل الخليل)عنأنفسهم، والأغنية الشعبية والمثل السائر، والظُّرف المحلي،والنادرة، مع عناصر أخرى لا تنتمي ضرورة إلى البنية السرديةبقدر ما تنوب عن وظيفتها.

- فإن نحن أضفناإلى الخصائص الثلاث المذكورة ما أكدناه من كون الأرض تحوز قيمة مركزية في هذا العمل بوصفها تتجلى جغرافيا روائيةناهضة على جغرافيا طبيعية وتاريخية ووجدانية،منها تتغذى، وجدنا عندئذ أننا إزاء نصوص تتضاعف في شكل تركيب يحتاج في كل مرة أن يُستقرأ ويكتشف في شكل إعادة رسم ورصد بأدوات التلقي النقدية المختلفة، وهو مالا يتأتى إلا مع التجارب الأدبية القمينة بالتسمية، وتجربة أبو شاور الروائية في قلبها.

- هي بالإضافة إلى ما سبق تجربة تبين لمن يتواصلون مع العمل الأدبي بأنه وهو يقتضي باعه الفني اللازم يحتاج قبل ذلك إلى إيمان مخلص بقصديته وقضيته، وهنا تتلازم الصنعة مع القضية في تناغم حميم يذكرنا بأهمية الأدب في الدفاع عن حق الإنسان الدائم في كل ما يصون كينونته وكرامته.
=================
العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين
- لحق والده عام 1958 الى دمشق وأقام فيها، وهناك بدأت رحلته معالادب والثقافة والسياسة حيث بدأ يكتب قصصاً قصيرة ، وكانت قصته الاولى عن مجزرةدير ياسين ، ثم طور ادواته الفنية واسلوبه الكتابي ، فكتب عن الانسان الفلسطينيالمشرد والمقاتل من أجل وطن وهوية.
- واتسمت قصصه بالغموض احياناً والاحساس بالنفي والاغتراب والبحث عن الذات الفلسطينية.
- وكانت القصة الاولى التي نشرها رشاد بعنوان "احذية الآخرين" في صحيفة "الجهاد" الصادرة آنذاك في القدس .
- بدأت مسيرته الحقيقية مع القص الروائي والفكر السياسي في عمان بعد هزيمة 1967 حيث هاجر اليها من اريحا، وظهرت قصصه في"الآداب" اللبنانية ، وأصدر مجموعة من الروايات والقصص .
- في مجمل اعماله الروائية والقصصية يحكي رشاد ابو شاور قصة نضال الشعب الفلسطيني من اجل نيل الحرية والاستقلال، ويصف الإباء والعزة والمقاومة الفلسطينية الباسلة.
- وما يشد القارئ في قصصه ورواياته فيشدنا التساوق والتلاحم والرصانة والصدق والقدرة على استشفاف وملامسة الواقع واستلهامه له.
- رشاد ابو شاور بارع في الوصف التفصيلي لمعاناة شعبه من القهر والظلم والم الغربة وكفاحه مناجل الكرامة والحرية.
---
العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين
- تعتبر رواية (العشاق) عند البعض وأحدة من أهم الأعمال في الأدب الفلسطيني لفترة ما بعد النكبة،
- مجموعة (الموت غناء) تضم أربعا وعشرين قصة قصيرة، تتحدث كلهاعن الإنسان البسيط الفقير المقهور وما يعانيه ويواجهه في عالم تسود فيه القوةبمعناها الواسع، ويستشري فيه الخوف والتسلط والفساد.
- لكن نصف هذه المجموعةتدور أحداثها بشكل أو بآخر حول (الموت)، ليس فقط كمصير محتوم للإنسان يأتي في نهايةالعمر، بل كـ واقعة تراجيدية تعايشه العمر كله، قبل أن يصل إلي النهاية المحتومة.
- في هذه القصص يصور ابو شاورالموت على انه مأزق وجودي بالنسبة للإنسان منذ وجد الإنسان، وطالما توقف أمامه الأدباءوالفنانون والفلاسفة إلي جانب الأديان، ودائما وجد الإنسان نفسه عاجزا في مواجهته
- . ولعل كل ما يفعله الإنسان في حياته، وتحت أي عنوان كان، لا يزيد عن كونه محاولةفاشلة للابتعاد عن التفكير في هذا المأزق، وتلهيا عن واقعة الموت التي لا مفر منها
- وفي هذه القصص جميعا، يعايش شخوصها الموت بطريقة أو أخري في خط مواز لكل ما يفعلون.
- تراه يعشش في حيواتهم ويلونها ألوانا شتي، يدفعهم للدفاع مرة وللهجوم أخري دون جدوي، يتربص بهم في كل حركة من حركاتهم وكل سكنة من سكناتهم، حتي عندما ينامون!
- ذلك هو الوجه الآخر لرشاد أبو شاور. من يعرف رشاد من الخارج،يجده إنسانا ضحوكا دائم الابتسام، مرحا يحب النكتة فتسير علي لسانه دون عناء، صاحب بديهة حاضرة تلعب علي الأفكار والألفاظ تستخرج منها النكتة بمناسبة وبدونها بحيث يبدو له أنه لا يعير اهتماما إلا للحياة وبوصفها مساحة للنزال.
- لكنه من الداخل وفي العمق، وكما تبدي لي في قصص هذه المجموعة، إنسان حزين غارق في حزنه حتي الثمالة،وهو ما يفسر لي لماذا تأتي النكته علي لسانه، في حالات كثيرة، أقرب إلي السخرية شديدة المرارة، ونوعا من الكوميديا السوداء، حتي في أكثر حالاته فرحا.
- فرشاد يقلقه جدا، بل يخيفه ويحيره الموت الذي لا يجد له تفسيرا، رغم ما هو عليه من إيمان.
- ولهذاأري أنه كان منطقيا وطبيعيا جدا، بل أكاد أقول حتميا، أن تحمل هذه المجموعة القصصية عنوان
الموت غناء ، وكأنه يريد أن يقول إن الموت موجود في أصل الفرح الذي هو لحظة عابرة في حياة الإنسان، وربما أراد القول: حتي الغناء هو شكل من أشكال الموت!
--
العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين
- يقول ابوشاور على غلاف مجموعة ( الموت غناء) ... دائما كنت علي قناعة بأن القصة القصيرة فن ممتع يلتقط التفاصيل ويتعامل مع الزمن والنفس الإنسانية، في لحظةحاسمة، وأنها فن الحكاية المركزة والمقطرة... .
- هذه القناعة لدي رشاد أبو شاور عن القصة القصيرة تسود تماما بحرفيتها في قصص الموت غناء ، حيث نجد الحكاية دائما، وحيث يتحكم السرد بشكل القصة، فدائما هناك الراوي الذي يروي الحكاية.
- أما التفاصيل، بل وتفاصيل التفاصيل، فهي ما تتركز عليه عينا المؤلف لينسج منها ما يسميه اللحظةالحاسمة التي تكشف عن نفسها بعفوية أحيانا، وبطريقة مرسومة أحيانا أخري، لترسم تداعيات تلك اللحظة علي النفس الإنسانية التي هي دائما، مرة أخري، موضوع قصص رشاد أبو شاور، حتي عندما يبدو أن تلك القصص لها هدف آخر غير تلك النفس.
- يفتتح رشاد أبو شاور مجموعته بقصة يا دنيا ... ولم يكن ذلك اعتباطا، بل علي الأرجح أنها كانت افتتاحية مقصودة تكشف عن مكنونات نفسه، وما يعتمل فيها من خوف وحيرة، وربما عبثية!
- القصة رمزية بامتياز، حيث لم تستطع كل المعطيات و التفاصيل الواقعية أن تغطي علي رمزيتها الواضحة.
- تعرض القصة لحظة البداية لدخول رجل غريب إلي مدينة حيث تقع عيناه فيها علي امرأة فاتنة، يتبعها ليجد نفسه في نهاية المطاف وحيدا في صحراء قاحلة متعبا ومرهقا ويائسا.
- فالمدينة ترمز إلي حياة الإنسان في هذا العالم، لها بابان (الولادة والموت)، يدخل من أحدهما ويخرج من الآخر.
- وتتم المقايسة بين الدنيا والمرأة الفاتنة اللعوب، وما تمثله وما تنطوي عليه من خداع للإنسان.
- وفيها نجد رأي أبو شاور بالدنيا، رأياً هو أقرب إلي الصورة المتكونة عنه، وهو أنه لا يجب علي الإنسان أن يأخذها علي محمل الجد، حيث جاء علي لسان أحد شخصيات القصة وهو يصف الغريب الذي صدق أن المرأة عشقته، قوله: يبدو أنه غشيم، لقد أخذها المسكين جدا !
================

قديم 02-26-2016, 09:09 PM
المشاركة 1423
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع

العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين

- لجأ أبو شاور إلي تنويعة من المفارقات والحيل جعلت السخرية المرة، التي سبق وأشرت إليها، هي الجو السائد في هذه القصص.

- الجزء الثالث من قصص المجموعة كانت عبارة عن لقطات إنسانيةتكشف عن جانب مهم من إنسانية الكاتب، كما في قصة نصف رغيف ناشف ، التي تتحدث عنطالب فقير يحاول مداراة فقره عن العيون.


العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين
- لكن أي عشـاق هؤلاء؟ وأي معشـوقة تلك؟ سرعان ما نكتشف من أولى اسطر الرواية أنهم عشاق الأرض الفلسطينية الذين تماهوا وتشبثوا بهذه الحبيبة الغالية. وتكبدوا لهيب هذا العشق في أقدم مدن التاريخ "أريحـا".
- تنفرش الرواية على ثلاثة أقسام منفصلة شكليا ومتداخلة فنياً لتشكل في مجموعها 281 صفحة، هي مجموع صفحاتها من الحجم المتوسط الكبير. ويحتل عنوان "مدينـة القمـر"، اسم القسم الأول منها الذي يتفرع عنه سبعة عشر جزءا مرقما من 1 إلى 17. يبدأ في الصفحة 33، وينتهي عند الصفحة 142، مكونا بذلك أكبر أقسامها. ويتقدم هذا القسم سبع عشرة صفحة تعد بمثابة مقدمة وتمهيد لديناميكية السرد في للرواية.
- " في الألـف الأول بنـيت أريحـا". عبارة استهلالية تفتح بها الرواية أبوابها على أقدم مدينة في التاريخ. ويأخذنا أبو شاور من يدنا لنجول معه وكأنه دليل سياحي ليطلعنا على هذه المدينة العريقة. بل نكاد نسمع صوته وهو يقص على مسامعنا معلومات تاريخية وطريفة.
-.
- أما القسم الثاني من الرواية فيحمل اسم "الحـرب: القسـم الأول". وقد قُسَّم هذا القسم إلى ثمانية أجزاء. يبدأ من الصفحة 144 وينتهي عند الصفحة 182. وفيه نتعرف على استعدادات حرب 1967. فتطل علينا أم كلثوم بأغنيتها الوطنية:

- وفي هذا القسم نستجلي ضعف الجيوش العربية المشاركة في هذه الحرب. فالجيش المصري لا يعرف جغرافية البلاد. والجيش الأردني انقطع عن جنوده الطعام في أولى أيام الحرب. فينتهي هذا القسم بالهزيمة، واحتلال الضفة، ومرتفعات الجولان، وقطاع غزة. ويصبح أهل فلسطين في زنزانة واحدة تضمهم بعد أن تقطّعت أوصالهم تسعة عشر عاما من الاحتلال الأول لأراضيهم عام 1948.
- وتستمر وقع أحداث النكسة إلى القسم الثاني من الرواية الذي يبدأ من الصفحة 148 إلى الصفحة 281.
- وفيه تتبلور حركة الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال برفض الذل والاستكانة. فيبدأ العمل الفدائي والسعي من أجل خلاص فلسطين وإعادة أبناءها إليها.
- وعند تتبعنا للحدث السردي في الرواية، نلاحظ أنه يبدأ من نقطة مغلقة، يتسع شيئاً فشيئاً، حتى يصل إلى ما لا نهاية.
- فالرواية تبدأ من أريحا، تتسع مروراً بحرب الأيام الستة، وتنتهي إلى ما لا نهاية ممثلة بالأمل، وفعل المقاومة الذي وُلد بعد هذه الهزيمة.
- تحمل اللوحة النهائية في الرواية دلالات عدة. فارتباط محمود وندى بالزواج ورغبة الأب بإنجابهما الكثير من الأطفال، تشبه الارتباط والزواج الروحي الذي تم بين شطري فلسطين المحتل احتلت عام 48، والتي احتلت بعد حرب 67.

العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين

- تشغل الأبعاد السياسية في رواية "العشــاق" جانباً مهماً. بل نجزم القول أنها تؤرخ لهزيمة 1967. وتبين الظروف السياسية التي فُرضت على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع قبل هذه الهزيمة. إذ تفضح الشخصيات الروائية من خلال أحداث الرواية أسباب النكسة. ولا تقف عند هذا فحسب، بل وتفندها إلى 3 أقسام رئيسة.
- وهنا يترك أبو شاور لشخصياته العنان لتكشف عن هذه الأسباب
- تعج رواية "العشــاق" بالشخصيات، وتتحرك بين دفتي الرواية بطقوس كرنفالية مهرجانية تضبط إيقاعها شخصية الأستاذ محمود، الذي يمثل مركز الرواية وثقلها، وترتبط به وكأنها فتات الحديد في حقل جاذبيته. لكن من هو الأستاذ محمود الذي يقود دفة الشخصيات في الرواية؟
- يشي اسم الأستاذ محمود بمهنته. فهو أستاذ للغة العربية في مدرسة الوكالة في المخيم. سجن لأنه كان يحرض الطلاب ضد الحكومة.
- "ما كنا نستطيع فعل شيء العين بصيرة واليد قصيرة، لنفرض أنك حرضت الطلبة على الاضطراب. لماذا حرضتهم؟ لأن وطنهم امتهن. والمواطن أذل على يد الغاصبين، ماذا في ذلك؟ ص80
- اغتيل والده عباس عام1955 على أيدي حرس الحدود الأردني عندما كان طفلاً صغيراً. " والدنا الذي اغتاله حرس الحدود الأردني، وهو يعود من الأرض بعد أن قاتل مع رفاق له ضد الاحتلال" ص82.

العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين

- تتوزع الشخصيات الدينية في الرواية على أربعة شخصيات محورية هي : الشخصيات الإسلامية. ممثلةً بالشيخ أبو نعمان. والشخصيات المسيحية ممثلةً بالأب حنا والأب الياس. والشخصيات اليهودية ممثلةً بداوود. وتضفي هذه الشخصيات المِسحة الدينية على الرواية. ونلاحظ أن دخول هذه الشخصيات ليس من قبيل المصادفة، بل هي تأكيد على دورها الذي لعبته أثناء نكبة الفلسطينيين. فالشيخ أبو نعمان فقد زوجته وأولاده في حرب 48، يعمل مؤذناً لجامع مخيم النويعمة وناطورا لمخازن أغذية الاونروا التي كانت تصرف المؤن للاجئين الفلسطينيين. فكان لحسِّه الوطني وخوفه على لقمة الطعام للأطفال الفلسطينيين، انه اكتشف العملاء والجواسيس الذين طالت أيديهم مؤن الاونروا. فكان نصيبه تهشيم رأسه وضربه وفي النهاية قتله.
- "الشيخ أبو نعمان، لقد هاجمه مجهولون ليلة أول أمس وانهالو العصي على رأسه... ضربوه لأنه يحرس مخازن توزيع مؤن الوكالة، إنه يراقبهم بحزم، لقد رفض أكثر من مرة أن يسمح لهم بإخراج المسروقات" ص 60 " اليوم الجمعة، قلت أروح واصلي مع خالك ابو نعمان... رحنا إلى المسجد. كنت أنا داخل المسجد أصغي لآذانه حين دوى الرصاص، تمددت على الأرض، وبعد قليل انقطع الرصاص، فنهضت وركضت بلا وعي ... فرأيت خالك وقد سقط عن المئذنة والدم يبلله، وجسده ساكن بلا حراك" ص 264.

العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين

- يحمل مصطلح المفارقة في طياته معانٍ عدة. كالسخرية، الغمز، الهزء، اللذع، والقبض على التناقض، الهجوم على المستقر الراكد، خرق السنن، قلب الدلالات، وأخيرا تجريد الخصم من المميزات بطريقة هزلية. وحين نعيد النظر في "العشـاق" نجد أن مظاهر المفارقة بادية في كل شيء. في الشخصيات، في الموقف، وفي وصف الأحداث.

- وهذا ما يشيع روح السخرية في عروقها، وما يفتح من فكاهة سوداء ترفع من نبض النص الروائي، فتترك وراءها أسئلة وأسئلة قائمة في النفس بحثاً عن المعنى المقصود.
- ويقلب السرد عند أبو شاور ذلك النفس الفكاهي في الجمع بين النقائض حيناً، والانتقال المفاجئ بين حالتين لا تنتميان إلى حالة مزاجية واحدة أو وضع روحي واحد، أو من خلال الجمع بين الجدِّ والهزل، أو غير ذلك مما يصعب حصره إلا بمواجهة الرواية.

قديم 02-26-2016, 10:08 PM
المشاركة 1424
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع
- نلاحظ أن أبو شاور سلَّط السخرية على الشخصيات العميلة والجاسوسة في الرواية. وهذا ما يطمح إليه المبدع. الانتقام من شخصية الطاغية والمستبد بالضحكة السوداء التي توجه كالسهام إليه وتنتقص من قوته، بل وتذله أحياناً. وتثير الهزل والسخرية منه أمام الضعيف صاحب الحق. حتى يحقق التوازن السردي في الرواية.

- إنها مفارقة خفية تجعل الابتسامة تتسلل بخفةٍ إلى الأعماق لتخرج من بين الشفتين في لحظة، وتتركنا تنفجر بالضحك في لحظة أخرى. أمام موقف مبني على الحقد والكره لهذه الشخصية المنهزمة أمام نفسها وأمام محتلها، الذي جعل منها ألعوبة بين يديه. فتتبدد الضحكة السوداء وتنطلق كالسهم آخذة بثأر الضعيف الذي لا حول له ولا قوة.


العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين

- العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين

تستعرض رواية العشاق أوضاع الشعب الفلسطيني في المخيمات قبل حرب 67، وتعود قبل هذا التاريخ الذي ينبني على أسلوب التداعي واسترسال الذكريات ثم العودة إلى زمن القص عند سرد الأحداث لنكسة 67. التي يغوص بها إلى أدق أسبابها. ومن هنا تتجلى السخرية في حدث الرواية.

وبعد هذه الوقفة القصيرة مع رواية "العشـاق"، حريٌ بنا أن نسلط الضوء على ما رسخت له هذه الرواية التي تعدُّ احد علامات الطريق في الرواية الفلسطينية، وهو: أن الشعب الفلسطيني ليس عابر سبيل، ولم يولد من الحائط، بل هو وريث حضارة قديمة تركت آثارها في باطن الأرض كما على وجهها.

قديم 02-27-2016, 12:05 AM
المشاركة 1425
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اليتيم رقم 5 محمد برادة
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب
- موضوعها فقدان إنسان عزيز وغال، وهي الأم، التي تحتلفيه مكانة كبيرة.
- الرواية تركز على لحظتين مركزيتين في حياة الهادي، الشخصيةالمحورية في الرواية: الأولى لحظة موت الأمّ: لالّة الغالية، تلك المرأة التي لاتعوّض ولا توصف، والثانية لحظة موت امرأة أخرى هي أول موضوع للحب والشهوة والرغبةالمشتعلة: لالة ربيعة.

- مناخها النفسي يخيّم عليه التوجّع والتفجّع والضيقوالكآبة.

- يمارس الراوي لعبة النسيان، نسيان الآلام والأوجاع،ويدعو إلى استحضار الذكريات والشروع في تشخيص متخيّل للشيء العزيز المفقودوالمفتقد.

- جنسها الكاتب بعنوان فرعي تعييني"نص روائي".

- يعني هذا أن المؤلف رواية ما دامت تشخص الذات والموضوع والرواية نفسها.

- تتشابك في النص أحداث تخييلية وواقعية متنوعة، وتتناغم تيمات عديدة على إيقاعات درامية حدادية دائرية التركيب إلى جانب تفاعل عدة شخوص رئيسية وثانوية عبر حركية التاريخ وصيرورة الزمن وتناوب الأجيال ما بين الاستعمار والاستقلال وما بعد الاستقلال.

- هذه الأحداث المتوجة غير منفصلة عن فضاءاتها الزمكانية التي تنفعل بالشخوص وتفعل فيها ما يمكن أن تفعل تحت ضغوط الجبرية وحتميةالواقع: تأثرا و تأثيرا.
- لكن يبقى هذا النص الروائي سيرة ذاتية أو أطبيوغرافيا ما دام يرتكز كثيرا على تشخيص الذات ( التذويت)، واستدعاء تاريخها عبر الصيرورةالتاريخية، واسترجاع تاريخ الذوات الأخرى المتفاعلة معها؛ وذلك بسبر الموضوع الذي يؤثر فيها.

--
تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب
- وخطاب الأطوبيوغرافيا حديث العهد، فقد نظر له الناقد الفرنسي فيليبلوجون. إذ يعرف النص الأوطوبيوغرافي بأنه:" محكي نثري استرجاعي ينصب على الوجود الشخصي لفرد ما، وذلك حينما يتم التركيز أساسا على الحياة الفردية وبالخصوص على تاريخ الشخصية".

- وهذا التعريف ينطبق إلى حد كبير على نص محمد برادة؛ لأن لعبة النسيان أولا نص سردي نثري ينبني على استرجاع ماضي الشخصية أو الذوات الفردية (الهادي)، في امتدادها الزمني وتعايشها مع الذوات الأخرى سلبا أو إيجابا في مواجهة الموضوع من أجل فهم الحياة الفردية وتاريخها وتفسيرها بما هو خارجي شعوري أو لاشعوري، مع حضور المؤلف المقنع بقناع السارد أو الشخصية ( السارد المشخصن)، كما هوالشأن في الرواية إذ يحضر في صورة ( الهادي) لوجود عدة تماثلات ذهنية ووجدانيةواجتماعية بين محمد برادة والهادي ( انتقال الهادي ما بين فاس والرباط والقاهرةوباريس، الدراسة الجامعية، الصحافة، الكتابة السردية كاحتراف....).

- تحضر عدة تيمات في هذه الرواية مثل: الحياة والموت والجنس وصراع الذات مع الموضوع والوطن والمكان والطفولة والوطن والنضال والحرية.

- يعتبر الموت أبرز حدث رئيسي في هذه الرواية، فعنه تتفرع الأحداث الدرامية الأخرى وعبره تترابط الإيقاعات والقصص السردية.

- ويمكن اعتبار لعبة النسيان رواية استرجاع الزمن الضائع من خلال الشخوص ودورة الحياة والموت عبرالأمكنة والفضاءات المنغلقة والمنفتحة والداخلية والخارجية.

- وتحضر الأم باعتبارها شخصية رابطة مبئرة ومبأرة، عليها تتجمع الشخوص لتنسج خيوطها السردية لخلق حياتها وموتها.

- كما أنها تجمع هذه الشخوص لتخلق فيها الحياة والدفء والاستمرارية عبرالصيرورة التاريخية.

- وهذه الرواية كذلك رواية أجيال ثلاثة مختلفة الطباع والقسما توالرؤى.

- تتحول مع المكان والزمان في تكيفها وصراعها مع الواقع المتميز بين الحماية والاستقلال: جيل ما بعد الاستقلال جيل مابين الاستعمار و الاستقلال جيل الحماية
عزيز- فتاح- نادية سي إبراهيم-لالة نجية- الهدي- الطايع لالةالغالية- سي الطيب- الشريف.
---
تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب
- تتضمن رواية لعبة النسيان لمحمد برادة سبعة فصول على النحو التالي:


تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب


- لعبة النسيان تتكون من سبعة فصول تتجاذبها ثنائية الإضاءة والتعتيم.

- وتتخذ الرواية طابعا واقعيا وذاتيا ووطنيا وفلسفيا.

- تحوي لعبة النسيان عدة شخصيات بعضها رئيس يمثل: لالة الغالية ولالة نجية وسي إبراهيم وسي الطيب والهادي والطايع وعزيز والبعض الآخر ثانوي مثل فتاح ونادية وإدريس والجيران والشريف...وتتمحور هذه الشخصيات كلها حول شخصية الأم لالة الغالية باعتبارها الرحم والمصدر الأمومي الأصل الذي تفرعت عنه باقي الفروع الأخرى.

- هناك شخصيات نامية ومتطورة ودينامكية في الرواية مثل: الهادي والطايع وفتاح وسي الطيب، وشخصيات ثابتة ستاتيكية مثل: لالة الغالية ولالة نجية وعزيز وسي إبراهيم. ويلاحظ كذلك أن هناك علاقات تواصلية مختلفة مثل:علاقة العداء وعدم التفاهم بين الهادي والطايع، وبين الهادي وفاختة، وعلاقة حب البنوة أو الأبوة ( حب الأولاد للغالية )، أو القرابة ( سي الطيب- الأحفاد وحبهم للهادي...)، أو المصاهرة ( سي إبراهيم...)، وعلاقة جنس وحب شبقي ( الهادي مع القاهرية والمدريدية والبيضاوية في باريس...، وسي الطيب ومغامراته مع المرأة اليهودية التي أودت به إلى الإفلاس...).

- لعبة النسيان من خلال هذا الوصف الفيزيولوجي والاجتماعي والأخلاقي تبين أن هذا النص الروائي هو نص الشخصيات في تشابكها العائلي واختلافها في المواقف وصراعها مع الموضوع، وامتدادها إلى الماضي عبر الأصول ( لالة الغالية)، والفروع( الهادي- الطايع- سي إبراهيم)، ما داموا حواشي تتشرب من معين الدفء العائلي العريق عبر جدلية الفضاء ( فاس- الرباط- المغرب –الخارج)، والزمن( الاستعمار- الاستقلال- ما بعد الاستقلال).

- يتم نقل هذه الشخصيات وتصويرها وتفسير منظوماتها الذاتية والموضوعية من خلال الامتداد والاسترجاع والتذكر واستدعاء الماضي واستشراف المستقبل واستنطاق الحاضر بوعي جدلي ( فتاح- الأحفاد الجامعيون).

- يمكن أن نصنف شخصيات الرواية إلى شخصيات إشكالية، وشخصيات متصالحة، وشخصيات مندمجة. إن الشخصيات الأولى تحمل قيما أصيلة وتحاول غرسها في مجتمع منحط؛ ولكنها تفشل في زرعها وينتهي بها المآل إلى اليأس والثورة والتمرد كما هو حال الطايع والهادي وفتاح. أما الشخصيات المتصالحة فهي التي تتكيف مع الواقع وتنصهر في بوتقته كيفما كانت الأحوال، يتحكم فيها الوضع والزمن وتحلل الأمور بسذاجة وسطحية، وهي شخصيات سلبية وإشكالية كذلك مادامت تقبل المصالحة والتطبيع مع الواقع السلبي، ومن خير من يمثل هذا الصنف من الشخصيات سي إبراهيم وعزيز. أما الشخصيات المندمجة فهي " تلك التي تبتهج بالحياة، وتعيشها بامتلاء دونما إحساس بشرخ في كينونتها"، وندرج ضمن هذا المحور الأم وسيد الطيب.

- ويمكن اقتراح تصنيف آخر للشخصيات من خلال البعد السوسيولوجي. فهناك: شخصيات الوعي الممكن( الطايع- الهادي- فتاح)، حيث تستحضر الذوات المستقبل، وتستشرف غدا أفضل من خلال الرفض للواقع السائد والموضوع الكائن عبرالتمرد واليأس والنضال النظري والعملي. وهناك شخصيات الوعي الكائن، وهو وعي سائد، قد يكون زائفا ومغلوطا، ويمثل هذا الوعي: الأم، لالة نجية، سي إبراهيم، سيد الطيب، فالوعي الأول إيجابي، والثاني وعي سلبي.

قديم 02-27-2016, 07:38 AM
المشاركة 1426
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب

- التجأ محمد برادة في لعبة النسيان إلى تقنية الوصف أثناء تعطيل الزمن والوقفات لتشخيص الفضاءات ووصفها كما فعل عندما وصف فاس البالي والدارالكبيرة.- إلى جانب وصف الشخصيات من خلال أبعادها الفزيولوجية ووظائفها الاجتماعية وإنجازاتها السردية وقيمها السيكولوجية.
- ويؤثث هذا الوصف الفضاء ويقدم الشخصيات ويعرض الإطار العام الذي يرسم البرامج السردية سواء أكانت سطحية أم عميقة.

- ويغلب على هذا الوصف الطابع الواقعي والنظرة الإثنوغرافية السياحية خاصة عندما يصف الكاتب فاس البالي والدار الكبيرة وحفلة زفاف عزيز على غرار وصف عبد الكريم غلاب في دفنا الماضي والمعلم علي.

- ويستند الكاتب في وصفه إلى التطويل المعتدل دون الإسهاب في ذكرالنعوت والصفات والأوصاف التفريعية، بل يكتفي بما هو عام دون ما هو خاص وجزئي ولا يبالغ في التطويل كما عند فلوبير في ( مدام بوفاري)، أو بلزاك في رواياته الواقعية أو زولا في جيرمينال.

- بل يكتفي بلوحة وصفية لا تتعدى صفحة واحدة إلى صفحتين، لينتقل من السرد الوصفي إلى المشاهد الدرامية والخطاب المعروض أو الذاتي.

- والوصف غالبا ما ينصب على الشخوص والأشياء والأمكنة والوسائل، ويحضر في الرواية كثيرا وصف الشخصيات بأبعادها الداخلية والخارجية ( الأم- سي إبراهيم- سيد الطيب- لالة نجية- الهادي- الطايع...)،

- ووصف الفضاءات بهندساتها المكانية وقيمها الإنسانية ( فاس- الرباط- فيلا العرس- المقهى الذي يشتغل فيه سي إبراهيم......- الدار الكبيرة..

ولم يقتصر الوصف هنا على التزيين وتأثيث الديكور، بل هو وصف دلالي ووظيفي وخلاق؛ لأنه يوحي بدلالات عديدة ومعان شتى.---

تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب

- تدور أحداث الرواية في فضائين متقابلين داخليا: فضاء فاس وهو فضاء حميمي عريق في أصالته مرتبط بلالة الغالية، إثنوغرافي بعاداته ومعماريته خاصة فاس القديمة بدروبها وسكانها وحيواناتها وحرفها مع التمدين الحداثي في فاس الجديدة.

- يزاوج الكاتب في نقله للفضاء بين الطريقة الكلاسيكية في الإسهاب الوصفي الواقعي والطريقة التي تبنتها الرواية الجديدة في العبور السريع على المكان للتركيز على الأشياء بدل الأفضية وما يمت بصلة إلى الإنسان.

- وتحضر( الدارالكبيرة) بفضائها العريق في الرواية لتبين الطابع الإنساني والعائلي الذي يملأ هذه الدار بوجود لالة الغالية ولتحيل على فضاء الطيبوبة والأصالة على عكس الرباط التي تحضر بفضاءات المقاهي والشوارع الحزينة ووجوه المستعمرين وقساوة الحياة والظروف المادية الصعبة.

- ويغلب على هذه الفضاءات الطابع الحزين والروح الجنائزية وشبح الموت بوفاة الأم.

- إن قارىء( لعبة النسيان) الذي ليس" من الضروري أن يكون قد عاش- يقول أحمد اليابوري- أو تعرف مباشرة، على مثل تلك الدار الفاسية، يشعر بالوحشة خاصة عندما يتتبع التفصيلات المتصلة بالأبواب الثلاثة التي يفضي بعضها إلى بعض، والتي تذكرنا بنماذج من ( ألف ليلة وليلة) حيث لا يتم الوصول إلى الكنز إلا بعد اختراق عدد من الأبواب والممرات والمتاهات.

- غير أن ما يحد من هذه الوحشة بل ويكاد يلغيها، هو حضور الأم ( الكنز)، كعلامة إنسانية مشرقة دافئة وسط عالم الأشياء والأشكال، من هنا طابعها الرمزي، بل والأسطوري من منظور دلالة الفضاء العتيق: في هذه الدار أشياءكثيرة، لكن أهم ما فيها الأم" .

- يتخلل هذه الأفضية لونان بصريان هما: الأبيض ( الوفاة/ الموتوالسواد( الحياة بمتناقضاتها وصراعاتها السيزيفية)، إنها لعبةالألوان " التي تمثل مجال الصراع الذي يعيشه البطل بين الماضي والحاضر، بين المثلوإرغامات المعيش.

- وتلتقي نهاية هذه اللعبة على مستوى الألوان بنهاية اللعبة على المستوى الروائي، في محاولة اقتناص اللحظة البدئية خارج ثنائية الأسود والابيض،الواقع والحلم" .

- يلعب المكان دورا مهما على مستوى الذاكرة والحلم واسترجاع الزمن الضائع واستعادة حضور الأم ووفاتها. - فاس هي المكان المحوري في الرواية؛لأنها ترتبط بالمهد الأمومي.

- هذا ولقد اعتمدت لعبة النسيان في قسمها الأول " المرتبط بما قبيل الاستقلال، على الاستذكار الطفولي للمكان، لذلك بقي اتساعه محدودا وأبعاده ضيقة

- إن ما يميز الفضاءات في القسم الثاني من الرواية- قسم ما بعد الاستقلال- هو تمزقها المادي وانعزالها عن بعضها البعض، بحيث تفقد المسافات الواصلة بين الأجزاء المكانية.

- هذا يعطي الانطباع بتشتت أحداث الرواية وبقفزات غير محسوبة ولكن حين يدرك القارىء أن الفضاءات هنا هي ماديا فضاءات شكلية صورية غير مقصودة لذاتها مباشرة أو ضمنيا، وحين يدرك أنها فضاءات اجتماعية ونفسية ووجدانية سواء في رموزها المادية أو علاماتها، فنكاد نلمس تلك الأبعاد الاجتماعية والنفسية والوجدانية بحواسنا دون أن نتأمل ونعمق التفكير كثيرا..." .

- وتبرز في الرواية فضاءات علوية ( طبقات الدار الكبير)، وفضاءات سفلية، أو الفوق والتحت من خلال تواصل عاطفي وإنساني.
----
تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب

- على مستوى الرؤية تنبني الرواية على تعدد السراد والأصوات والضمائر والمنظورات.
- فكل قصة نووية يسردها سراد مختلفون، كل سارد له رؤيته الخاصة إلى زاوية الموضوع.

- أي أن المؤلف أعطى للشخوص الحرية والديمقراطية في التعبير عن وجهات نظرها دون تدخل للمؤلف لترجيح موقف على آخر، بل ترك كل شخص يدلي برأيه وبمنظوره تجاه الحدث والموقف، يعبر عن نظره وإيديولوجيته بكل صراحة دون زيف أو تغيير لكلامه. لذلك وجدنا القصة تروى من خلال عدة منظورات متناقضة.

- ونستشف من خلال الرؤية السردية التواتر التكراري، إذ يهيمن السرد المكرر بكثرة، وهو أن يروي أكثر من مرة ما حدث مرة واحدة.فأحداث الرواية تروى مرات عديدة بصيغ مختلفة أو متماثلة.

- ويكشف الكاتب في روايته عن اللعبة السردية من خلال صراع المؤلف مع راوي الرواة واستحضار القارىء لمناقشة الميثاق السردي.

- ومن ثم يمكن القول: إن الرواية لعبة النسيان تطبيق لآراء محمد برادة النقدية، خاصة أنها أي الرواية نموذج عربي للرواية البوليفونية القائمة على تعدد الأصوات والمنظوراتوالرؤى الإيديولوجية حيث يختار القارىء وجهة نظر الشخص الذي يميل إليه.- وهكذا يتقاطع الإبداع مع النقد في الرواية والأطوبيوغرافيا مع البوليفونية الباختينية.

- وينتج عن كثرة المحافل السردية" تعدد الضمائر النحوية وتنوع وجهات النظر وتضاربها وبروز طابع النسبية الذي يصبح صفة ملازمة للأفكار والمواقف؛

- ثم نجد المؤلف نفسه يدخل في حوار مع السارد الرئيسي فيتحول، نتيجة لذلك، إلى شخصية روائية،إلى صوت سردي بين باقي الأصوات. ويتم ذلك الحوار في إطار الاختلاف، وحتى عندما يبرز ظاهريا نوعا من التطابق، فإنه يكون منطويا على عناصر تمت إلى السخرية بصلة".

- ومن الضمائر السردية التي ينتقل عبرها الكاتب هي ضمير المتكلم وضمير المخاطب وضمير الغياب، فرديا وجماعيا. وهذا ينم عن مدى التنوع والاختلاف وتعدد الزوايا والمنظورات، وبالتالي، فالكاتب يؤمن بالحوارية والاختلاف.

- ويعمد الكاتب إلى مزج الرؤية الخلفية بالرؤية المصاحبة، إذ السارد في الرؤية الأولى يشرف على السراد ويقوم بالتنسيق بينهم ويترك لهم فرصة التعبير ويعطيهم حرية الإدلاء بآرائهم وقناعاتهم ومواقفهم الإيديولوجية.

- وعلى الرغم من معرفته الواسعة بالشخصيات فإنه يلتزم الحياد وينزل إلى درجة الصفر ليمسك بخيوط السرد: توجيها وتوزيعا.

- كما يتحكم في توجيه دفة الأحداث والوقائع وترتيب الاستيهامات والأحلام.

- وفي كثير من الأحيان يثورهذا السارد على المؤلف ليصحح كثيرا من الأحداث المشوهة أو المزينة: إيحاء وتمويها.

- وكما تقوم الشخصيات – من خلال الرؤية الثانية- بسرد حكاياتها مستعملة ضمير المتكلم الفردي أو الجماعي مستبطنة الذات والموضوع معا عبر عمليات الاسترجاع والتداعي والتذكر الشعوري واللاشعوري.- وتتجلى الرؤية من الخلف عندما يتحدث السارد عن الأم في الدار الكبيرة وسيد الطيب والهادي في طفولته ومراهقته وحفل زواج عزيز،

- بينما تهيمن الرؤية "مع" في الفصول والقصص الأخرى.

- وهذا يعني أن الرؤية الداخلية/ الذاتية أكثر هيمنة من الرؤية الخلفية الكلاسيكية.- ومن ثم، فالرواية ذات تبئيرين: داخلي وخارجي.

- وتقترب من الرواية المنولوجية عندما تستبطن الذات والموضوع من خلالال منولوج الداخلي والرؤية المصاحبة.- في نفس الوقت تمتح من النسق الكلاسيكي عندما يحضر السارد العارف بكل شيء.

- وهذا يعني كذلك حضور السرد الداخلي والسرد الخارجي

وحضور السارد لا شخصي ( الكلاسيكي)، والسارد المشخصن أو السارد التطابقي إذ يصبح السارد شخصية رئيسية ( الهادي/ الطايع/ سي إبراهيم)، أو شخصية ثانوية ( كنزة تتحدث عن لالة نجية، ونساء الدار الكبيرة يتحدثن عم الأم لالة الغالية)، أو دور شاهد على الأحداث.
---

تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب

- إن الزمن في لعبة النسيان دائري وهابط؛ لأن السرد قائم على استرجاع الزمن الضائع واستعادة ذكرى وفاة الأم باعتبارها الشخصية المحورية.

- وهذا يدل على مدى انزياح الرواية زمنيا عن النسق الزمن الكلاسيكي حيث يتحرك الزمن من الحاضر وهو صاعد نحو المستقبل.

- ويلاحظ
أن الرواية عبارة عن قصص نووية مستقلة بمفردها ولوحات سردية منفصلة على الرغم من كونها تترابط بنيويا من خلال شجرة العائلة: قرابة ومصاهرة
.

- وتحضر النصوص النقدية المتعلقة بالتفكير في الرواية وكيفية تشخيصها ذاتيا من خلال فضح أسرار اللعبة السردية لتبين الانفصال الموجود بين الإبداع والنقد المقتحم ليحضر القارىء قصد إبلاغه بتقنيات الرواية ومنظوراتها السردية وطريقة أسلبتها.

- إن الرواية- إذا- متخلخلة من حيث البناء والتركيب والزمن، فلا نجد الخط الكرونولوجي، بل نجد أحداثا دائرية تستعاد عن طريق الفلاش باك أو التذكر عبر العودة إلى الماضي بحثا عن الأصول والجذور وتحولاتها في الحاضر وامتدادها في المستقبل من خلال الفروع والحواشي.

- إذا، هناك تكسير لعمودية السرد عبر الاسترجاع والبناء الدائري؛ لأن الرواية تبدأ بالموت وتنتهي به كذلك.

- وعلى الرغم من تفكك الرواية على قصص صغرى وحكايات نووية تسردها الشخصيات المشخصة أو الساردة فإن الرواية مترابطة من خلال اتساقها وانسجامها الداخلي/ البنيوي لأنها تصب كلها في قصة لالة الغالية باعتبارها الأم المثالية، أو التاريخ العريق، والوطن بكل دفء وأمومة.

- فالأم حاضرة في هذه القصص كلها من خلال الاستدعاء والامتداد والتماثل والتطابق والتضمن.

- وبالتالي، فوفاتها تشكل البؤرة الدلالية الكبرى للرواية التي استحثت التيمات والشخوص الأخرى لتوليد الخطابات السردية حولها في شكل اعترافات ومذكرات وتعليقات وشهادات.

- وهكذا، فلعبة النسيان هي رواية الفقدان والنسيان والسلوان واستعادة الزمن الضائع.

- وينحرف الزمن في الرواية إلى الماضي أكثر من انحرافه نحو استشراف المستقبل.

- لأن الرواية هي رواية التاريخ واستعادة الذات لزمنها في صيرورتها الموضوعية، ويمكن أن نختزل سرعة الزمن وبطئه في الخطاطة التوضيحية:

- الكاتب يستفيد من تقنيات الرواية الجديدة ومن تقنيات الرواية الكلاسيكية كذلك، مع العلم أن الزمن لدى الكاتب يتسم بالتشظي والإرصاد والخلخلة في البناء على الرغم منوجود الانسجام العضوي والاتساق البنيوي.

- يستند الكاتب في الرواية إلى توظيف الوقفات الوصفية لتقديم الشخصيات الرئيسية وتصوير الفضاء الذي يؤطر الأحداث ويؤثثها، وتستغرق هذه الوقفات مساحات نصية كبيرة مما يتعطل معها الزمن لتشويق القارىء وخلق الجو النفسي لمعايشة الحدث وتصور الاحتمالات الفنية الممكنة.

- ويقترب محمد برادة في مقاطعه الوصفية من عبد الكريم غلاب في دفنا الماضي والمعلم علي، إذ تغلب الرؤية الإثنوغرافية والسياحية على تقديم المقاطع الوصفية، خاصة وصف فاس البالي، وحفلة عرس عزيز في فاس الجديدة.

- ويتسم هذا الوصف بالطابع الواقعي.

- لكن نفس محمد برادة ليس طويلا ومسهبا مثل نفس بلزاك أو نجيب محفوظ أو عبد الكريم غلاب الذي يستغرق صفحات طويلة.

- بل يتسم الوصف بالإيجاز والتلميح والإيحاء والاختزال والتكثيف.

- وتحضر المشاهد الدرامية بكثرة خاصة مشهد " واقعة الضب"، والمشاهد الجنسية المتعلقة بالهادي والمشاهد الغرامية المتعلقة كذلك بالطايع، إنها مشاهد درامية مشحونة بالتوتروالصراع واختلاف وجهات النظر والرؤى الفلسفية العميقة والبعد المأساوي( كمشهد جنازة الأم / أو زوجة سيدالطيب....).

- وإذا كان التلخيص يعمد إلى حذف ما لا قيمة له، فإن المشاهد عبارة عن مقاطع تمثيلية لها أهمية كبرى في تأزيم الرواية وشحنها بالصراع الدرامي.

- ولا يعمد الكاتب إلى البطء الزمني من خلال الوقفة والمشهد المسرحي، بل يلتجىء كذلك على تسريع الزمن من خلال التلخيص عبر المرور السريع على فترات زمنية طويلة لا جدوى منذكر أحداثها؛ لأنها لا تضيف أي جديد على بناء الرواية وتوتر إيقاعها النسقي.

- كما يكثر من الحذف الزمني لخلق الثغرات الظاهرة والضمنية رغبة في الدخول في الأحداث مباشرة وتسهيل الانتقال من مقطع إلى آخر أو المرور من حدث إلى حدث آخر أو من فترة زمنية إلى أخرى مستغنيا عن الأحداث التي لا قيمة لها.

- أما عن التواتر فهي قضية أسلوبية عند البعض، وزمنية عند البعض الآخر كجيرار جنيت، والمقصود بالتواتر هو مجموع علاقات التكرار بين النص والحكاية.

قديم 02-27-2016, 07:53 AM
المشاركة 1427
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع

تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب

- يلتجىء محمد براد في لعبة النسيان إلى تنويع أساليبه لخلق رواية بوليفونية حديثة، إذ يوظف بشكل متوازن الأسلوب غير المباشر أو الخطاب المسرود الموضوعي.

-حيث يقوم الراوي بنقل الأحداث وتقديم الشخصيات والمشاهد وعرض الوقفات الوصفية عندما يؤثث الفضاءات ويزينها أويموهها أو يشينها بمقاطع وصفية.

- ويعتمد في ذلك على وصف خارجي يحدد المعالم والقسماتويستبطن المناحي النفسية والعوالم الداخلية سابرا أغوار الذات الإنسانية فيسلوكاتها الشعورية واللاشعورية.

-ويخفف الكاتب من تدخلات الراوي العالم بكل شيء الذييملك المعرفة المطلقة من خلال رؤية خافية ينظر بها إلى الشخوص مدعيا الحيادوالموضوعية سوى ما يتبادر منه في شكل تعليقات وتقويمات عندما أدخل راوي الرواة إلىحلبة السرد ليشوش على الراوي المطلق الذي يمثل المؤلف الضمني؛ لأن وجود راوي الرواةهو تصحيح لكثير من حقائق الرواية وفضح لأسرار الذات وانطلاق لما هو مضمر ومخفي وبوحبالحقيقة واعتراف بالصراحة.

- ويحضر الخطاب المسرود الموضوعي في تقديم أسلوبإخباري تقريري عن الشخوص والأحداث والفضاءات بطريقة توحي بالواقعية وتموه بصدقالمحكي.

-لذا يعمد الراوي أو راوي الرواة إلى تبني السرد والنيابة عن الشخوص في نقلالأجواء السردية:"

-ويحضر كذلك الخطاب المعروض من خلال السردالمشهدي والحوار وعرض كلام الشخصيات، وهي تتجادل وتبوح باعترافاتها وتدلي بشهاداتهاوتختلف في منظوراتها ومواقفها الإيديولوجية( مثل حوار الهادي مع الطايع).

-ويحضر هذاالخطاب الحواري كثيرا في المشاهد المسرحية والدرامية حيث الشخصيات تعبر عن وجهةنظرها.

- ويتوسل الكاتب بالأسلوب المباشر لنقل آراء الشخصيات وأفكارها وعواطفهاوطروحاتها بدون أن يتدخل الكاتب لتشويه تصوراتها أو تغيير أفكارها.

- ويستندالكاتب إلى الخطاب المسرود الذاتي موظفا المنولوج أو العرض التلقائي أو تيار الوعيكما يوجد عند جيمس جويس وفيرجينيا وولف كافكا...لاستنطاق الذات مباشرة في صراعها معالموضوع عبر استدعاء الذاكرة والأوهام والأحلام ومن خلال التأمل الذاتي والتعبيرالشعوري واللاشعوريبحث عن الأم والزمن الضائع والانطواء على الذات للتلذذ بالغربةالمكانية والضياع الوجودي والثورة على الواقع الكائن إلى درجة اليأس والسأموالعبثية( الهادي) أو الرجوع إلى الصواب والإيمان الرباني( الطايع). إن المنولوجتعبير عن التمزق النفسي والذاتي والصراع الداخلي والمناجاة النفسية.

-وقد أوردالكاتب مقاطع كثيرة من الخطاب المسرود الذاتي ليخلق توازنا أسلوبيا وتعددا صوتياداخل روايته التجريبية.

- كما يلتجيء الكاتب إلى توظيف الخطاب المنقول عبر أسلوب غير مباشر حرالذي يزاوج بين تقنيات الحوار وتقنيات السرد، إذ ينقل الراوي كلام الشخصية بطريقةمباشرة أي " ينوب السارد عن الشخصية في التلفظ بخطابها، أو أن الشخصية تتكلم عبرصوت السارد، وحينها يتدخل الصوتان"

-إذا، فهذا الأسلوب المزدوج يعكس حرية الكاتبفي نسج كلام الشخصية داخل كلام الراوي...

-ويعني هذا اختفاء الراوي من عمله لنقلمشاعر الشخصيات وحياتهم النفسية بدل ترجمتها بطريقة سردية غير مباشرة تفقد الكلامنبرته التأثيرية والمشهدية

-ويلاحظ أن الكاتب قد استعمل عدة أساليب للتعبير عناختلاف المنظورات وتعدد الأصوات وجدلية الداخل والخارج واحترام الصراع بين الراويوالشخصيات بطريقة تعددية حوارية، وهذا ما تدعو غليه الرواية الحديثة التي ابتعدت عنالصوت الواحد والموقف المنفرد:

- وعلى مستوى لغة الرواية فهي لغة متنوعة إذ تجمعبين لغة الفصيح ولغة العامة عبر التهجين والأسلبة والسخرية، كما أنها تستعينبالفرنسية

----


تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب

-تتفاعل في الرواية عدة خطابات تناصية ومستنسخات مكونة لنسيجالرواية ويمكن حصرها في الأنماط التالية:
1- الخطاب الديني والصوفي: آيات الذكر- الجذبات الصوفية- العمارة.

2- الخطاب الأسطوري: كرامات الأولياءوخاصة الشريف...

3- الخطاب الموسيقي: نوبة العشاق- الاستهلال...

4- الخطابالإعلامي: التقارير الصحفية والإذاعية....

5- الخطاب الشعري: أورد نصوصاشعرية.....

6- الخطاب التراسلي: أورد رسائل خاصة مثل: رسائل الهادي.....

7- الخطاب النقدي الواصف: فضح اللعبة الروائية....

8- الخطاب التاريخي: يورد الكاتبأحداثا تاريخية خاصة بالمغرب...

9- الخطاب السياسي: التأشير على الصراعاتالسياسية والإيديولوجية بالمغرب....

10- الخطاب الفلسفي: ماركوز- سارتر- فرويد....

11- الخطاب السينمائي: مناقشة فيلم ( حكاية أو....)...

12- الخطابالاجتماعي: فلسفة الأزياء والموضة وأسماء الملابس واستحضار أحداث المجتمع...

13- الخطاب الغنائي: استحضار أغاني أم كلثوم والطرب الأندلسي والجذبات الصوفيةوالملحون...

- كما تحضر خطابات أخرى كالخطبة السياسية والمثل والأحلام والسيرةالذاتية والخطاب الفانطازي

-وعلى مستوى التناص أيضا، تتحاور الرواية مع عدةنصوص إبداعية ونقدية داخلية وخارجية، إذ من خلالها نتذكر سهيل إدريس( الحياللاتيني)، وطه حسين( أديب)، وتوفيق الحكيم( عصفور من الشرق)، والطيب صالح( موسمالهجرة إلى الشمال)، ومحمد شكري ( الخبز الحافي)، وعبد الكريم غلاب( دفنا الماضي/ المعلم علي)، وعبد المجيد بن جلون( في الطفولة)، وعبد لله العروي( أوراق)، وميخائيلباختين في ( الخطاب الروائي وشعرية دويستفسكي)، وسلخ الجلد للكاتب نفسه( الجنس/ الموت...).

- وهذه الحوارية بين اللغات والخطابات يشكل خطاب الأسلبة والباروديا،إذ يقول باختين: " إن اللعب المتعدد الأشكال بحدود الخطابات واللغات والمنظوراتيعتبر أحد أهم سمات الخطاب الساخر" .
- وعليه، فقد أبدع محمد برادة روايةبوليفونية قائمة على التناصية وتعدد الخطابات وتفاعل الأجناس الأدبية والفنيةوتلاقح اللغات واللهجات مما جعل هذه الرواية تستجمع جميع الأصوات الاجتماعية لتعبربكل حرية وديمقراطية عن وجهات نظرها مع حضور المتلقي والمؤلف الوهمي الذي أجبر علىالتنازل عن سلطته للراوي الرواة والشخوص لتعبر عن عوالمها الداخلية ومواقفها تجاه الموضوع.

- تتبنى الرواية التعدد اللغوي والتجريب البوليفوني ولاسيما أنالكاتب يعد من أنصار هذا التيار النقدي في العالم العربي الحديث، ويبدو ذلك واضحافي ترجمته لكتاب باختين ( عن جمالية الرواية ونظريتها) إلى اللغة العربية، ومقالهالمنشور في كتابه أسئلة الرواية/ أسئلة النقد( التعدد اللغوي في الرواية العربية).

---


تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب


- رواية لعبة النسيان لمحمدبرادة رواية جديدة ذات منحى حداثي وتجريبي.

- لاعتمادها على تشظية المتن الروائي إلىعدة حكايات صغرى نووية.

-وتوظيف تقنية الاسترجاع من خلال التذكر والتداعيوالاستيهام، وتحقيق البوليفونية من خلال تعدد السراد ( راوي الرواة/ الهادي/ الطايع/ سي إبراهيم/ نساء الدار الكبيرة...).

-وتعدد الضمائر والأصوات والأجناس.

-وغلبة الحوارية.

-وتداخل الأزمنة.

-والتخييل الذاتي والموضوعي .

-وتناول تيمات جريئة كتيمةالجنس والسلطة والاستبداد.

-كما أن الرواية ذات أطروحة وطنية ووجودية.

-وتهدف الروايةكذلك إلى إدانة الوعي الوطني المزيف والتركيز على الوعي الاجتماعي للجيل الجديدالذي يتمثل في الثورة والرفض والتغيير.

---

تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب


- لعبة الأم : إن حضور الأم في ’’ لعبة النسيان ’’ جوهري , ذلك أن هذا عنوان هذا العمل الروائيمضلل , لأنه في العمق لعبة للتذكر وليس للنسيان .

-مضافا إليها جانب التخييل , حيثتقدم الشخوص من خلال مشاعر وانفعالات أولئك الذين يقدمونهم.

- فالأم في الروايةمضاءة من عدة زوايا سردية وشهادات خارجية , وكل وجهات النظر حولها ترسم صورتهاالجميلة , لأنها تحتل مركز الأسرة , لذلك ستنغرس ذكراها إلى الأبد في شخصية الهادي .

- غير أن الأم تحمل فيالرواية أكثر من اسم : للا الغالية , للا ربيعة , فاس , الوطن .. ولها أكثر من صورة , إنها بين الخيال والواقع , وبذلك تكتسب قيمة رمزية تتجاوز الزمن , ففي البدء كانتالأم / الفصل الأول , ومع النهاية أيضا تبدأ / الفصل الأخير / من منكم يذكر أمي , فرغم تعدد وجهات وزوايا النظر حولها , إلا أنها كلها تصب في إخراجها في صورة بهية .

--
تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب



- رواية "لعبةالنسيان" نص إشكالي أسال الكثير من المداد حول هويته الأجناسية ومنذ صدورها فيطبعتها الأولى سنة 1987، كانت مثار جدل واسع على صفحات الجرائد والمجلات الثقافيةونشرت حولها دراسات جامعية ونقدية كثيرة.

- قلة هم الكتاب الذين وزوا بينإنجازين: إنجاز تجسد في الكتابة النقدية التطبيقية، وإنجاز تمثل في الكتابةالإبداعية، حيث لغة الصورة وإنتاج الجمال، ومنهم: إلياس خوري، ونبيل سليمان، ومحمدعز الدين التازي، ومحمد برادة...

- فالرواية بالنسبةلهؤلاء إبداع جمالي يمتلك ثوابت بالإمكان التقاطها وترصدها من داخل الممارسةالنقدية..

- لا تتشكل رواية "لعبة النسيان" منفصول وإنما جاءت حاملة لعناوين هي أسماء لشخصيات فاعلة متفاعلة داخل النص الروائي (مثلا "سيد الطيب")

- أو لجمل شعرية تختزل المضمون ضمن البنيات الحكائية الصغرىوالمشكلة للرواية كبنية كبرى (مثلا "للا نجية أم ثانية" و"الطايع في حومة الكبار")

- إلى جانب هوامش داخل المتن متمثلة في "الإضاءة" و"التعتيم".

- ومدار الرواية منغلقحول الأم،

- لكن الشخصية المحورية هي شخصية "الهادي" (أم هل هو محمد برادة نفسه كمايقول نقاد يعتبرونها سيرة ذاتية

قديم 02-27-2016, 05:59 PM
المشاركة 1428
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع اليتيم رقم 6 حليم بركات


- حليم بركات الروائي السوري , وعالم الاجتماع يقدم في روايته (طائر الحوم) ما يشبه السيرة الذاتية متضمنة رحلة الآلام والآمال , ويبدو الماضي أمامنا وكأنه لايزال يتقد جمراً ..
- من جعبة تلك الأيام نتوقف عند لحظات لاتنسى, بل لنقل هي العمر كلّه منسكباً نحو القادم : تذكرت أنني في طفولتي دخلت فجأة كثافات غيوم سوداء تضيئها بروق وصواعق متكررة .. كان قد توفي والدي فجأة في الثلاثينات من عمره دون إرث من أي نوعٍ سوى بغلٍ كان يكاري عليه وبيت حجري دون غرف ترابي السطح .. فاضطرت أمي أن تنزح بنا أنا وأختي وأخي الى مدينة بيروت بعد أن جاهدت عبثاً في القرية مدّة سنة أو أكثر . عملت خبّازة على التنور (تلقى أجرها عدة أرغفة ساخنة ) وحصّآدة موسمية في مناطق نائية كان أهل القرية يسمونها (مشرّف) مازلت أحسّ بالجوع حين أتذكر أرغفة القمح الساخنة المخبوزة على التنور خصوصاً أننا بعد موت أبي كنا نضطر أحياناً أن نأكل خبز (المخلط) من قمح وذرة وشعير وهو خبز الفقراء.. نتقاسمها بعد أن نمعس رأس بصلة ورأس شنكليش نغمره بزيت الزيتون أحسّ الأن بالجوع مع أنني تناولت وجبة كبيرة منذ فترة قصيرة لمجرد تذكر الشنكليش والبصل والزيت , ومهما كان , كنّآ نقدر حياتنا ونتمتع بها. عدا جمال القرية وطيبة الناس فقد أُفلتنا فعلاً من قبضة الموت الذي قضى على أربعة أخوة وأخوات قبل أن يبلغوا الثانية أو الثالثة ثم قبض على أبى...
- يقول الراوي، وهو يلخص علاقته بالضيعة: "الضيعة وأناسها وينابيعها وتلالها وأوديتها وطيورها وطرقها وازدهارها وأشواكها وأحزانها وأفراحها شرشت في نفسي. لا أحد، لا شيء يقتلعها من نفسي. وكلما ذبلت شجرة حياتي، كلما نبتت شجرة أخرى من جذورها العميقة". أما عن اكتشاف الجنس الآخر، وبمقدار ما تختلس الفتيات النظر إلى الصبية وهم يسبحون في النهر عراة، فإن الصورة التي ترتسم في ذاكرة الفتيان أشد سطوعاً: "حين تسبح الفتيات في النهر بثناياهن وتبتل تلك الثياب، تبزغ خيرات الأرض فعلفه بضباب شفاف" فيتولد الحنين إلى الاكتشاف ويحلق الخيال وهو يصرخ: "ما أجمل غموض الجسد"، وهذا ما يجعل الالتقاء الالتحام يوماً، أمراً حقيقياً لأن "حدس الجسد لا يخون".

- "طائر لحوم" رواية متفردة بالغة الرقة والحساسية،
- إضافة إلى مرآتها في التصدي لعدد من القضايا الشائكة التي تكاد تكون حرمة.

- هذا عدا عن معمارها الفني الجديد والمتميز.

- وبقدر ما توغل هذه الرواية في الماضي. بحيث تبدو أقرب إلى سيرة الطفولة، فإنها شديدة الحضور من الراهن، في الهموم المعاصرة، كما لا تغفل عن التنبيه لأخطار المستقبل.

- لذلك ليس من السهل تصنيفها ضمن العناوين السائدة، أو حصرها في إطار ضيق، إنها تذكر وبوح وتأمل، وتصل في أحيان كثيرة إلى مستوى الشعر الخالص، دون أن تنسى خطها الدرامي الذي يجعلها إحدى أبرز الروايات التي صدرت في السنوات الأخيرة.
----

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية - 51- طائر الحوم حليم بركات سوريا

- الرواية تعد سيرة ذاتية ( تحدث عنها الكثيرون باعجاب شديد وقلة من تمكنت من قراءتها لعدة اسباب تتعلق بانتقال الكتاب عبر اشواك الحدود العربية )

- وهذا النوع من الادب قليل جدا في ادبنا العربي أصلا ، ويعاني من احجام اعترافات المبدعين وتخوفهم من اظهار تجاربهم وحياتهملعيون الناس ،

- وقد تم طرح هذه الاشكالية للسير الذاتية في الكثير من وسائل الاعلام المقروءة ولكن يبدو ان حياتنا العربية ما زالت تخاف البوح

- وانتشيت ايضا لأني لمحت رائحة تأثر هذه الرواية وبتأثر مؤلفها بنيرودا ..

- وهكذا نجد انفسنا في دائرةالتأثر والتاثير .. ولذلك يصير الأدب انساني كوني بروح الانسان فيه

- كتاب يثيرالكثير من الموضوعات منها على سبيل المثال لا الحصر : غياب السير الذاتية كجنس ادبي ابداعي ، معاناة المثقف العربي وتغييب دوره في حياتنا العربية

- اضافة الى الصراع الانساني مع الحياة والموت ، وكلاهما يتحولان الى رموز يومية تتنفس معنا

- في هذه الرواية يقدم لنا حليم بركات بأسلوب شاعري أخاذ ،تقريراً صادقاً عن حياته الشخصية

- ففي رواية قصيرة ذاتية ومركزة يستعيد بركات ماضيه كله ويزودنا بوثائق أصيلة عن رحلة حياة طويلة في الاقتلاع والحنين إلى الوطن والإغتراب والنفي الأبدي ، مما يجعل القارئ يلهث وراء الكاتب في رحلته القاسية والشديدة الانحدارات محاولاً أن يجد أجوبة لتلك الأسئلة الصعبة التي طرحتها الرواية .
- لكن تجربة الكاتب الشخصية سرعان ما تتحول إلى بيان عام أشمل يتجاوز واقع كاتبها لينسحب على المفكرين العرب الذين يعانون الاضهاد والنفي.

- يأتي كل هذا بأسلوب اعترافي يفصح عن تجارب شخصية غايةفي الخصوصية ويكشف بصراحة متناهية عن أفكار مغيبة في لا شعور الكاتب ويسلط الضوءعلى خمسين سنة من تاريخه وأحداث حياته .

- وبركات الذي هو داعية من دعاة التغيير السياسي والإجتماعي في العالم العربي وعربي قومي معروف ، إذ يركز على حياته الشخصية ويعرضها أمامناعارية إنما يقوم من خلالها بكشف عري العالم أجمع وعري علاقاته في آن معاً .

-وفي كتابته المهووسة بحنين جارف لقريته وطفولته ووطنه وأبيه وأمه يسيطر اللاوعي واللاشعور على قلمه فيستحضر أحداثاً دفينه من الماضي ويستدعي أحلاماً وذكريات غيبهاالنسيان سابقة ومستترة في النماذج البدئية واللاوعي الجمعي للفرد والأمة على السواء
- فيكسر قشرة أسراره منذ الطفولة ويمليها في واقع راهن فتأتي في مشاهد ملونة ومأساويةمعاً .

-وقد قال فيها الروائي الكبير عبدالرحمن منيف إن هذه الرواية ” تذكر وبوح وتأمل .. وكتبت بدماء القلب ” .

- تبدأ بنقطة إرتجاع سينمائية وتنفتح على مشهد من الماضي هو ” الكفرون ” قرية الكاتب ومسقط رأسه إذ تظهر في السماء أسراب من طيورالحوم الوديعة الرائعة الجمال تتأمل رحيلها إلى مناطق دافئة بعد أن إنتهى موسم الصيف وبدأ فصل الخريف .

- وسرعان مايتحول هذا المشهد الهادئ الجميل إلى مشهد دموي إذ يطلق الصيادون الأشرار نيران بنادقهم فجأة على الطيور البريئة فتسقط مضرجةبجراحاتها بأجنحة مترنحة ويتناثر ريشها الأبيض والأسود فوق رؤوس الأشجار ثم يسقط في النهر حيث يمتزج ماؤه بالدماء .
- وأمام هذا المشهد يقف الطفل الراوي مراقباً بجزع وخوف الطيور الصامتة البريئة وهي تنتظر موتها البطئ . ومنذ هذه اللحظات يتوحد الطفل بطائر الحوم ليصبح عنده ، فيما بعد ، رمزاً للمفكر العربي المظهد ، المحاط بكل قوى الشر والطغيان ، الذي يدور إلى الأبد حول الكرة الأرضية ولا يجد مواطئا لقدمه ،باحثاً على الدوام عن الحرية والخلاص لنفسه ولأمته في آن معاً ، وناشداً الحلول لتناقضات الكون الحادة في الفرح والحزن ، في الفقر والغنى ، في الحب والكراهية ، في الشرق والغرب ، وفي البحث عن معنى الحياة والموت .

- بات الطفل الرواي الذي شهد عدوان الصيادين وشر الناس معذب روح الطفولة نتيجة الظلم والعدوان الممارس ضد الطيور والمنطبق على الأفرادوالمجتمعات والأمم . كما بات مشحوناً بكراهية شديدة لبشاعة هذا العالم ، الذي ينذرنفسه داعية للتمرد والحرية والثورة في كل مجالات الحياة ، على مستوى الفرد والمجتمع.---


والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية - 51- طائر الحوم حليم بركات سوريا
- حقيقة أن بركات يتصدى في روايته هذه لموضوعات صعبة ومعقدة وتنسحب بالتالي على الماضي والحاضر والمستقبل .

- وأبعد من هذا فانه يأخذ طريق الخلاص وذاك عن طريق مايقدمه الكاتب من رؤى وإضاءات تستشرف المستقبل .

- والواقع أن مثل هذه المواقف القومية ليست بالغريبة ولا بالجديدة . فسبق للشعراء والروائيين العرب أن حملوا أنفسهم مهمة تصوير وتأريخ ويلات شعوبهم بما فيها وقائع الظلم التي يعيشها شعب فلسطين ، ووقائع التعسف التي يقوم بها القادة العرب ضد شعوبهم ، وأوضاع التفتت والإنقسام في الأمة العربية .

- إلا أن بركات يخرج عن إطار مسؤوليته تجاه الوطن العربي ويتجاوزها إلى العالم كله إذ يتوحد بشعب افريقيا في جوعه وفقره ، وبأطفال اليابان في مأساتهم إثر ويلات القنبلة الذرية فيهيروشيما كما يتوحد بالأقلية السوداء في الولايات المتحدة في نضالها لإنهاء سياسيةالتميز العنصري .

- إنه باختصار يتوحد بكل الضعفاء والمقهورين والمظلومين في العالم وبكل العاجزين الذين لا صوت لهم .

- إن مثل هذا التوحد الإنساني مع المسحوقين ومثل هذا التعاطف الكوني معهم إنما يأخذ مثالية عالية مليئة بصيحات تبشرية متواصلة تحض على التمرد والرفض والمقاومة .
- وفي مشهد آخر يستعرض بركات ذكرى أليمة عصفت به وهو طفل حين يقف برعب وهول أمام فراش أبيه الذي كان يواجه الموت في آخر لحظات احتضاره ، فتأتي كلماته بالغة التأثير قوية ، خارقة للروح وباعثه على البكاء .

- ولا بد لنا أن نسجل هنا أن ما كتبه بركات في هذا الصدد يعتبرمن أكثر الكتابات قوة وتأثيراً في الأدب العربي الحديث .

- إضافه إلى أن وصفه لشخصية أبيه ، هذه الشخصية التي طغت على الرواية وتسربت في ثناياهها ، تدخل وعي القارئ ولا تخرج منه . لقد رسم صورة رائعة ، صورة أب أصيل من أيام الدنيا الغابرة ، مثالي ، ذي وقار وذي هيبة يمضي عمره في خدمة زوجته وأولاده ، مجبول بالحب والتضحية

- وهذا الطفل الذي فقد أباه في الكفرون والذي شهد موته المفاجئ الأليم والذي فقد صورة المثال الأعلى ، والقدرة على الحياة ، هذا الطفل يكبر ثم يرحل إلى أمريكا ويصبح أستاذاً جامعياً .

- لكنه في البلد الذي هاجر إليه يعود لمواجهة الموت من جديد . هذه المرة يواجه موت أمه الطاعنة في السن ، إلّا أن التجربة هنا تختلف فهذه السيدة الفاضلة النبيلة والتي كان الكاتب قد أهداها أحد أعماله الروائية بالعبارة التالية ” إلى الملحمة التي كانت حياتها سلسلة عطاء ومحبة ” .هذه الأم هي مريضة الآن بأكثر من مرض ومصابة فوق ذلك بالنسيان وأمست في حالة فقدان وعي دائم وتتأرجح ما بين الحياة والموت .

- ومع تأرجحها المرير هذا يتأرجح الكاتب معها بين هذين العالمين .

- فالكاتب المعذب بعذابات أمه وآلامها يعيش من جديد تجربة موت أبيه ويقف ممزقاً وعاجزاً عن فعله أي شيئ إلا الدعاء لله أن يأخذ أمه إليه رأفة بها وبه ، وفي هذا المشهد يغوص الكاتب في معاني الموت والحياة ويطرح فيها أسئلة كونية وأن كانت كلماته في موت أبيه حادة ومؤثرة إلا أن كلماته في وصف صورة أمه القديسة لا تقل قوة وحساسية عنها بل تنحفر بعمق في وعي القارئ وتبقى خالدة .

- لاشئ يموت ولاشئ يتلاشى في ذاكرة الكاتب ، فها هو يستعيد مشهد آخر لشخصية من أيام طفولته تعمل أثراً في النفس لا يمحى . إذ كان في القرية شخص معتوه يدعى مخول ، كان غريباً ومشرداً وعجيب الخلقة . لا أحد يعرف من أين جاء أو أين ولد ، لذا كان عرضة مستمرة لتهكم أطفال القريةوإهاناتهم غير المحدودة ، يضحكون منه ويلاحقونه بالعصي والحجارة على مر السنين .

- ويأخذ المشهد بعداً مؤثراً حين يتذكر الكاتب أن أباه كان في إحدى الأمسيات يغني بصوته الدافئ أبيات العتابا بلحن عاطفي حزين ، وكان في الشارع وخلف الدار يقف مخول يجهش بالبكاء وتنهمر الدموع بمرارة على وجهه ،

- لقد اخترقت أبيات العتابا روح ذلك المعتوه وأثارت شواجنه الدفينة وعواطفه المقموعة في داخله .

- أزاء هذا المشهد يحدث وعي فجائي عند الطفل الراوي تجاه مخول ويتعاطف معه ، وينذر نفسه للدفاع عنه ضدأطفال القرية .

- ربما كانت أعظم خدمة قدمها بركات في روايته هذه هي تخليد قريته ومسقط راسه كفرون ، فهذه القريةالمغمورة الصغيرة في سوريا والتي لم يسمع بها كثيرون تصبح فجأة ذات شأن ومعروفة في العالم

- أن حب الكاتب الشديد لها واخلاصه الهائل لها ووصفه الحي لأشجارها وكرومهاوطرقها وأوديتها وأناسها والذي سيطر على الرواية كان ذا أهمية بالغة في تحويلها إلى مكان تاريخي ذي دلالة خاصة ، وفي جعلها بطلاً رئيسياً في الرواية .

- إنه لمن المفارقة أن نجدالكاتب يطلق لفظ حبيبتي على زوجته طوال الرواية ، إلا أنه لم يستطع ان يعطيها وصفاًغنياً أو رائعاً كما هو الحال في معظم شخصيات الرواية ، ونجد أن الحوار والجدال بينهما لم يكن إلا وسيلة وأداة فنية هدفها استدعاء الأحلام واستحضار ذكريات الماضي وأثارة التساؤلات حول المستقبل ، وعلى طوال الرواية بأسرها تبدو علاقته بها ، وكذلك علاقتها به ، علاقة فكرية محورية المركز دون أن تكون علاقة حب حقيقي بين شريكين . إلا أن ” طائر الحوم ” تبقى واحدة من اقوى الروايات في الأدب العربي الحديث ومن أكثرها شفافية وحساسية . وهي في حقيقة صراحتها وأسلوبها الاعترافي نادرة ومميزة ،أنها رواية مليئة بالمشاعر وبالألتزام الحميمي وبروح المقاومة .

- انها حقاً بمثابة مرآة لروح هذا الكاتب
- وسجل حافل بتاريخه الشخصي ،

- وسجل تاريخي خالد لقرية كفرون ،

- إنها تبدوكشجرة علقت على أغصانها أحداث أجيال متعاقبة ،

- وأنها بحق إنجاز كبير آخر يضاف إلى أعمال هذا الروائي وشهادة ميلاد وجواز سفر .

- وتبقى الرواية إسهاماً قيماً وهاماً في الأدب . لقد جعلتنا ننظر إلى الأشياء بعين مختلفة وبطريقة مغايرة وفوق كل شيئ وفرت لنا فرصة لنتفحص حياة هذا الكاتب العربي . - يقول الشاعر السوري شوقي بغدادي عن الرواية " إنها رواية تعصر القلب وتغسل الروح “

---

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية - 51- طائر الحوم حليم بركات سوريا
- حليم بركات مؤلف رواية "ستة أيام" اعتبرت بمثابة نبوءة، لأنها تخيلت حرباً إسرائيلية عربية تمتد لستة أيام وتنتهي بهزيمة عربية علما كتب حليم بركات هذه الرواية قبل حرب حزيران 1967 بستة أعوام.

- ابتداءَ من أول صفحة في روايته يبدأ "حليم بركات" بالأسئلة الصعبة التي ليس لها أجوبة!.. أسئلة قاسية وكثيفة ينقلها إلى قارئه كيفما اتجه دون أن يفهم لم كل هذه العواصف ؟ .. ولم تصطخب في نفسه الهادئة أحداثٌ لم يكن ينتظرها؟؟
" لماذا موت أبي السريع في ذروة الشباب، وموت أمي البطئ الذي لايأتي؟"
" لماذا تلاحقني جراحك ياطائر الحوم؟
"
"متى الغروب؟ متى الخلاص؟ "
أسئلةٌ لاتنتهي و "تخفق باضطراب ".. تماماً مثل ظهور طيور الحوم في سماء الكفرون!

- يملؤنا الكاتب لهفةً لمعرفة كل شيئ عن طفولته وأيامه التي عاشها قبل الهجرة. ومع تناقض الحياة بين الكفرون وواشنطن نعيش معه وندخل إلى قلبه لنعرف هذا الكمّ الملوّع من الذكريات المخبأة بانتظار البوح.. إنها الرواية التي ينقلك فيها "حليم بركات" بكل ذاكرته إلى جوارحه وألمه ..و جرأته، و إلى كل الصدق الذي.. نفتقده !

- يقول "كتبت هذه الرواية أصلاً قصة بعنوان " اهبط أيها الموت إلى الكفرون" سنة 1962 لدى زيارتي الأولى للولايات المتحدة، ونشرتها في مجلة "أدب" بيروت صيف 1962، العدد الثالث، ص 26 ـ 35 . أعدت كتابتها في فترات متقطعة بين 85 ـ 87 بعد زيارة مفعمة للكفرون فأخذت شكلها

ـ "طائر الحوم" رواية متفردة بالغة الرقة والحساسية، إضافة إلى جرأته في التصدي لعدد من القضايا الشائكة التي تكاد تكون محرمة، هذا عدا عن معمارها الفني الجديد والمتميز.

- وبقدر ما توغل هذه الرواية في الماضي بحيث تبدو أقرب إلى سيرة الطفولة، فإنها شديدة الحضور في الراهن، في الهموم المعاصرة، كما لا تغفل عن التنبيه لأخطار المستقبل لذلك ليس من السهل تصنيفها ضمن العناوين السائدة، أو حصرها في إطار ضيق.

- إنها تذكر وبوح وتأمل، وتصل في أحيان كثيرة إلى مستوى الشعر الخالص، دون أن تنسى خطها الدرامي الذي يجعلها إحدى أبرز الروايات التي صدرت في السنوات الماضية .

ـ وهكذا يسافر الطائر حليم بركات من أميركـا إلى سورية، إلى وادي الكفرون، ويحط مطمئنا مبهورا وينادي طائر الحوم كزميل له، وهما يحلقان معا في سماء الكفرون مثلك يا طائر الحوم إذن من ماض واحد: هو ماضي الكاتب

- كذلك يتقمص الطائر ماضي الكاتب (الماضي الفردي). إن طائر الحوم هو أيضا أبوه. هكدا يصف حليم بركات كيف اقترب من أبيه المحتضر، "فاقتربت بوجل كما اقتربت من طائر الحوم المصاب". وطائر الحوم كذلك أمه: "يرقد جسدها الصغير فوق رأسها وتتنفس بصعوبة.

- أضطربت كما اضطربت أمام طائر الحوم الجريح لا أدري ما أفعل. ولا يكتفي بركات برموز الطيران ليتحرر ويدخل في مصير من "الخفة". إن الحرية لا تكفيه. إنه يبحث أيضا عما يطهره وينقيه من أدران العالم. وكـما ارتفع في الفضاء سوف نراه يغتمر الأنهار ليغتسل فيها.

- هكذا تتأرجح الرواية من طيران إلى وقوع، ومن ارتفاع إلى هبوط. إن بركات يحب المرتفعات بقدر ما يكرهها، وهو يعرف، كما يقول باشلار عن ريلكة، "إن كل حلم بالطيران يتضمن السقوط البطيء أيضا… إن الحلم بالطيران هو دلالة على شخصية جامعة بين السقوط والسمو عبرت القارات وحلقت فوق القمم ومع تحليقه، يبلغ الطائر حليم بركات أقصى التطابق مع العنصر الروائي الذي تبناه.

قديم 02-28-2016, 09:46 AM
المشاركة 1429
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع اليتم رقم 7

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن

- مؤنس الرزاز ينطق شخصياته يحركها، يدخلها السجن ويضع آخرين منها في الإقامة الجبرية، يطوف بشخصياته في غير قطر عربي، ويسلط الضوء على أكثر من قضية ومرحلة.
- وهو ينطق شخصياته بدون صوت وذلك من خلال تنكيرهم الذي يأخذ شكل المنولوج الداخلي المسموع.

- يخلق من اليأس تفاؤلاً وتحدياً، فأحد شخصياته، الختيار، يكتب ويحبّر وعندما ينتهي من الكتابة تصادر الكلمات... لكن الرسالة تصل إلى أصحابها... من قلب الإقامة الجبرية والوحدة القاتلة تنفلت الإرادة ويشع الأمل دبالمستقبل لرؤية القرن الحادي والعشرين.

- وبطريقته يدخل الكاتب في نهاية الرواية بما يشبه الحوار مع القراء وكأنه أراد أن يجعلهم من شخصيات الرواية فيصل بهذا إلى مبتغاه ويستريح بتواضع ويختتم الكلام: "لكنه في أعماقه الخفية كان يكركر فرحاً (بخبث ومكر) لأنه وجد أخيراً عشرة قراء يقرأون روايته".
- رواية “مؤنس الرزاز” رواية تمرد على حاكم وصديق خائن.
- تعتبر من أكثر الروايات جاذبية بأسلوب كاتبها وروعة ما يحمله من خيال قاتل بين سطور روايته.

- حبكة الرواية عبارة عن قصة قاتل مأجور كانت مهمته التالية صعبة نوعا ما ولكنه قام بها على اكمل وجه كانت المهم والهدف صديقه احمد ، الصديق ابن رجل مشهور قاموا بتصفية عائلته وبقي هو بين احضان صديقه وبنفس الوقت قاتله!! عندما علم أن ساعته أتت أخبر صديقه انه يريد ان يقتله وهو مستيقظ ولكنه قتله على حين غرة باعتقاد منه انه سوف ينسى ذلك المشهد بسهولة ولكن كانت الايام والنسيان الد اعداء القاتل، فلم يجد سبيلاً إلا الاعتراف بجرائمه لكي ينام ليلة هانئة فقرر الاعتراف الى غانية استمعت لاعترافاته لفترة طويلة شاهدت الندم وشاهدت الدموع وأحست الخوف والضعف والخيانة، ولكنها لم تسمع كلمة واحدة من اعترافات ذلك القاتل لأنها صماء!! لم يعلم القاتل ذلك وبالرغم من اعترافه لها كان هنالك خوفا ينمو داخله كون تلك الغانية دليل جرائمه !! ولكنه كان أكثر جزعاً وضعفا عند معرفته بعجزها عن السمع …..
--
تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن
-أفي رواية "اعترافات كاتم صوت سنجد أن مؤنس الرزاز يستخدم تقنية مألوفة في الرواية المعاصرة، أي تلك التقنية التي يوزع فيها المؤلف الكلام على المتكلمين بطريقة غير منظمة دون أن يعمد على إدارة الحوار بينهم.
- فعندما يتكلم الأب في الرواية يكتفي بالحوار مع نفسه، وكذلك تفعل الأم والابنة الصغيرة في الإقامة الجبرية حيث تعيد الشخصيات أنتاج إحساسها بالعزلة والصمت.
- ومن هنا يأخذ عنوان القسم الأول من الرواية "مدارات الصدى" دلالته المحورية، إذ أن الصدى يحل محل الصوت في غياب أي تبادل حواري بين الشخصيات.
- من جهة أخرى يمكن القول إن هذا القسم من الرواية مبني استنادا إلى أسلوب زوايا النظر، ولكنها هنا زوايا نظر تخص أحداثا متعددة لا حدثا أو موقفا روائيا بعينه.
- وهو أسلوب يفيد في تقليب معنى الفعل أو الحدث على وجوه متعددة بتمريرها في منشور تكون وجوهه شخصيات عديدة.
- وهكذا يتحلل الفعل إلى زوايا نظر تمثل الأب والأم والابنة الصغيرة والملازم والراوي.
- تقوم الابنة بتدشين النص إذ تصف مشهد العزلة.
- إن الأبطال التراجيديين الثلاثة (الأب والأم والابنة) يغرقون في العزلة والصمت رغم وجودهم معا في بيت الاقامة الجبرية.
- ولا تتواصل العائلة المسجونة مع العالم الخارجي إلا عندما يتصل الابن من الخارج في يوم محدد من أيام الأسبوع.
- ويشكل التواصل المتقطع مع العالم الخارجي تمهيدا لانتقال الرواية من الحديث عن شخصيات الاقامة الجبرية إلى الحديث عن اعترافات يوسف/ كاتم الصوت.
- وما كان ممكنا لولا حركة الانتقال الذكية (من بيت العزلة إلى العالم الخارجي) تشريح أعماق القاتل/ كاتم الصوت الذي يحتل بؤرة العمل الروائي.
- تبدأ "اعترافات كاتم صوت" بمونولوج الابن، ويلخص هذا المونولوج ظروف الاقامة الجبرية، ثم يقوم الأب والأم بجلاء شروط هذه الاقامة ويوضحان قسمات المكان المستباح بأعين الحرس.
- كما نتبين من سياق الحوارات الداخلية للشخصيات أن الأب كان مسؤولا كبيرا في السلطة التي اعتقلته.
- وتتوضح في هذه الحوارات بعض خيوط حياة هذه الشخصيات حيث يتعرف القارئ على تاريخ الأب المناضل الذي وصل حزبه إلى السلطة ثم اختلف معه فزج به في الاقامة الجبرية، وعلى تاريخ الأم التي أحبت الأب وتزوجته إعجابا به وبأفكاره السياسية.
- القسم الخاص بـ"اعترافات كاتم الصوت" يشكل المادة الأساسية في العمل، وليست الأقسام الأخرى سوى وسائل لايضاح الظروف المحيطة والانتقال إلى لحظة الاعتراف.
- ومن هنا يستخدم الكاتب في هذا القسم ضمير المتكلم موحيا بالبعد الحميم من أبعاد الاعتراف والبوح الداخلي.
- إن الصفحات (51-70) هي جملة اعتراف متصلة يقوم يوسف من خلالها بتحليل وظيفته ككاتم للأصوات شارحا لنا الأسباب التي جعلته يمتهن هذه الوظيفة.
- ويبدو المؤلف وكأنه يفرد الفضاء السردي لاعتراف كاتم الصوت عبر مونولوج طويل يتحدث فيه يوسف لسيلفيا التي استأجرها ليسرد لها اعترافاته. لكن سيلفيا لا تسمع بل تقرأ حركات الشفاه، وبما أن شارب يوسف عريض يغطي شفتيه فإنها لا تعرف عم يتحدث!
- نقبض في لحظة الاعتراف إذا على المفارقة الساخرة التي تغلف فضاء النص.
- ونحن في البداية نظن أن كاتم الصوت وحده هو الذي يجهر بصوته، وعندما نتقدم في النص نكتشف أن الطرف الذي يفترض أن يسمع الاعتراف يعاني من الصمم.
- لكن المفارقة الكبرى تتمثل في كون كاتم الصوت نفسه لا يدرك أن سيلفيا لا تسمعه.
- بهذا المعنى تطابق اللعبة السردية، التي يتوسلها الكاتب، بين صوت يوسف ومسدسه الكاتم للصوت.
- وهكذا فان الإيهام السردي، من خلال الإيحاء بالحميمية وتحقق لحظة الاعتراف وتحويل ما نسميه بالسامع الضمني إلى صورته المادية الملموسة في النص الروائي، هو وسيلة لتقليص الفعالية التي يحققها بروز ضمير المتكلم في النص لأن يوسف/ كاتم الصوت، مثله مثل العائلة المقيمة في الإقامة الجبرية، محكوم بالعزلة والصمت.
- ولعل اصطناع شخصية كاتم الصوت ووضعية الاعتراف كذلك تكشف عن نية الكاتب الاختفاء وراء الشخصية للتشديد على منظوره للعالم بأن يجعل كاتم الصوت يمارس اعترافا كاريكاتوريا أمام فتاة صماء دون أن يكتشف للحظة واحدة أنه يعري ذاته لذاته لا تسمعه الفتاة التي استأجرها لتحقيق فعل الاعتراف والتطهر من أدران ما فعله.

- إذا كانت "اعترافات كاتم صوت" تمثل في عمل الرزاز رواية الأصوات وزوايا النظر التي تجلو في حكاياتها وتأملاتها الشخصية فكرة التحلل وسقوط القيم والمشاريع القومية الكبرى عبر تآكل الحزب والفكرة التي يقوم عليها، فإن "متاهة الأعراف في ناطحات السراب"(3) هي رواية الطبقات المتراكبة واللاوعي الجمعي الغائر حيث يستخدم الكاتب نظرية كارل يونغ عن طبقات اللاوعي وأسلوب ألف ليلة وليلة السردي ليقيم معماره الروائي.
- إن الليل الذي تحكي فيه شهرزاد يقابل النهار الذي تتحقق فيه حكايات الليل حيث يدرك القارئ من سياق السرد أن الحاضر يكرر الماضي كما يكرر النهار الليل.

- إن بناء العمل شديد التركيب لكن ما يهمنا في هذا السياق هو أطروحة العمل الأساسية، أي كيف يصبح التراث وسيلة لتفسير ما يعرضه العمل الروائي، وكيف يصبح حكي شهرزاد رمزا للعلاقة بين الحاضر والماضي، بين الوعي الفردي والوعي الجمعي، الشعور واللاشعور، وبين طبقات اللاوعي المتراكمة الغائرة داخل الإنسان العربي المعاصر.
- ويعمل الرزاز في هذا الإطار على تقديم تصور مركب للواقع العربي المعاصر ملمحا إلى كون الراهن يتشكل من طبقات متراكمة من وعي العصور الماضية تؤثر لا شعوريا في استجابات الإنسان العربي المعاصر وتكبله وتكبح أفعاله ورغباته، ومن ثم يكون التراث لا قناعا يؤدي وظيفة شكلية في العمل بل جزءا من تكوين الوعي. إن استعارة صوت شهرزاد الحكي عن الماضي، والحديث عن طبقات اللاوعي الراسخة في وجدان الشخصية العربية، ما يجعلها تتصرف دون أن تعلم بوحي من رواسب هذا اللاوعي،
-كل ذلك يكشف اطروحة العمل وتفسيره اليونغي (نسبة إلى كارل يونغ) للعلاقة بين الفرد وتراثه الجمعي
--------

تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن

- عن مجلة أفكار الأردنية : " إن مشهد اعتقال الأب البعثي سيبقى ماثلاً لسنوات طويلة في ذاكرة الطفل ذي الحساسيةالمفرطة كما أن نهاية الأب في أقامته الجبرية ثم موته الدراماتيكي سيشكل ناظما أساسياً لوجدان الكتابة وضميرها عند مؤنس الرزاز .
- ولهذا كانت كتاباته تتأرجح بين ماهو مأساوي وفانتازي وبين ماهو خارجي وداخلي وسياسي ووجودي وبين الكآبة الشخصية والهجاء السياسي حتى بدا انه يعاني العالم كقضية شخصية .

- فنجد مثلاً أن روايته (اعترفات كاتم صوت ) كأنها قصيدة عن سجن ابية ووثيقة للعذاب الشخصي

- ذلك انه جعل من جرحه الخاص موضوعاً عاماً وفناً روائياً
- وفي رواياته الأخرى اللاحقة ينشطر البناء الروائي موضوعياً ونفسياً كشكل آخر من أشكال إعادة بناء النفس أو محاولة التخفيف من تمزقها وكوابيسها ,
- ربما لم تكن شخصياته الروائية نسخاً عنه وبالتأكيد هي ليست كذلك لكنها على الأقل عاشت الإيقاع ذاته والانشطارات ذاتها ,
- من هنا تصدعت البنيةالروائية كمحيط حاضن لها تماماً كما تصدعت الأحلام والأحوال العامة فتركها تنحو منحنى غرائبياً هذيانياً ."

- يمثل الروائي الأردني مؤنس الرزاز صوتًا متميزًا في الرواية العربية الحديثة منذ الثمانينيات.
- وينبع هذا التميز من التكوين المركّب للكاتب, الذي جمع بين ثقافة دارس الفلسفة والكاتب الصحفي والمترجم, وبين خبرات المسافر وراء الحلم القومي في عواصمه الكبرى, وتجربة المقاتل.
- يضاف إلى هذا كله ممارسة مرّةللعمل السياسي والحزبي. .
- مثّلت رواية الرزّاز الأولى (أحياء في البحر الميت) انتقالاً في رؤية الواقع العربي, ونضجًا في التشكيل الروائي. وشكّل الرزاز الضلعالثالث للمثلث الذي دخل بالرواية الأردنية فضاء الرواية العربية الجديدة والحداثية.
- تناولت رواية الرزاز الثانية (اعترافات كاتم صوت) (1986) موضوع القمع.
- بينما كانت ثالثته (متاهة الأعراب في ناطحات السحاب) (1986) بناءً فنيًّا يبعث على الدهشة, ويوغل في عالم اللاشعوروالثنائيات المتضادة, ويحكي عن المدن العربية وعن فلسطين, وعن الرمال والبداوة والعمل الحزبي.
- وجرّب الكاتب - في تلك الرواية - إمكانات اللغة المتصلة بالتراث والمنفتحة على العصر. واستعاد الماضي, وقرأ الحاضر, في محاولة للتحرر من سلطة السائد. .
- واصل مؤنس عطاءه, وعكست رواياته في التسعينيات تحولاً جديدًا في الشكل, وتركيزًا على واقع بلاده: (جمعة القفاري), (قبعتان لرأس واحد), (الذاكرةالمستباحة), (الشظايا والفسيفساء), (عصابة الوردة الدامية), وقد رسّخت هذه الأعمال موقع الرزاز بين الروائيين العرب, وأظهرته كاتبًا ماضيًا في التجريب والبحث, ومحيطًا بفن المعمار الروائي, ومناضلاً في الدفاع عن الحرية والعدل وكرامة الإنسان. ."

- من يقارب عالم مؤنس الرزّاز الروائي، يخيّل إليه للوهلة الأولى، أنّه يحاذي بعض "أشراك" الأدب المُسيّس. لكنّه سرعان ما يكتشف، أنّ السياسة هُنا، ليست غاية بذاتها أو هدفاً بذاته، بل هي وسيلة من وسائل المعرفة،وطريقة من طرق الوعي والتحليل.
- وعلى الرغم من انغماس مؤنس الرزّاز، في الحياةالسياسيّة، بل والنضال السياسيّ، فهو استطاع أن يفصل بين النضال والأدب، موظِّفاً السياسة في سبيل الأدب، لا العكس.
- ورواياته الكثيرة، تشهد على هذه الخصيصة.
- فالسياسة تحاذي الفنّ الروائيّ، ولكنّها لا تلقي بظلّها عليه، بل هو الذي يلقي بظلّه عليها.
- وقد تمكّن الرزّاز، أن يبتعد أيضاً، عن مزلق الآيديولوجيا والإلتزام المباشر، منصرفاً إلى الفنّ الروائي، في كلّ ما يعني، من بناء عالم وشخصيّات، ومن تخطٍّ للمعايير الثابتة، وترسيخ للحداثة، ومن سخريّة وهجائيّة."
--
·تابع .تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن.

- مؤنس كان يخاف أن يدهمه شبح الموت قبل أن يكمل مشروعه الذي زاوج فيه بين حرفة الكاتب المتملك لناصية النوع الروائي وحرارة التجربة الشخصية التي وزعها الكاتب على أعماله كلها.

- أدرك مؤنس أن عليه أن يبدأ كتابته مما انتهت إليه الكتابة الروائية العربية في السبعينات وما حققه جيل الستينات من تطوير للكتابة الروائية المحفوظية.

- ولعل «أحياء في البحر الميت» ترجّع صدى «أنت منذ اليوم» لتيسير سبول و «المتشائل» لإميل حبيبي، إذ يقيم الكاتب تناصاً مع هذين العملين ويخبر القارئ أن روايته تطمح إلى كتابة الواقع بطريقة قريبة من شكل تمثيل الواقع العربي المعاصر في هذين العملين الروائيين الأثيرين إلى نفسه.
- وتقيم رواية مؤنس الأولى، في الوقت نفسه، جسور نسب مع الرواية الحديثة في العالم ممثلة في «البحث عن الزمن الضائع» لمارسيل بروست و «عوليس» لجيمس جويس وغيرهما من كلاسيكيات الرواية الحداثية في العالم.
- في تلك الرواية، التي تحكي عن انهيار القيم والمؤسسات القومية، وتشير بصورة غير مباشرة إلى تجربة مؤنس ووالده منيف الرزاز السياسية المرة، يؤسس مؤنس لشكل من الكتابة الروائية تعبر فيه التقنيات والشكل وزوايا النظر وأنواع الرواة عن أطروحة الانهيار التي تسكن أعماله الروائية التالية حيث يعمد إلى العناية بالشكل الروائي والمعمار المعقد للسرد، وتصبح تقنية تعدد الرواة وزوايا النظر حجر الأساس في أسلوب كتابته الروائية.
- في «أحياء في البحر الميت» ينسحب الكاتب من عمله مختفياً وراء إحدى شخصياته مضاعفاً فعل الاختفاء بجعله شخصية مثقال طحيمر الزعل تختفي وراء عناد الشاهد.
- وتكمن فرادة «أحياء في البحر الميت» في هذه اللعبة السردية، حيث يصبح البناء الروائي شديد التركيب، وتصبح الشخصيات الروائية شبحية، وتنسب فعل الكتابة الروائية إلى بعضها بعضاً، فيكتب عناد الشاهد ويعيد مثقال تنظيم أوراقه.
- ويبدو هذا المدخل الذي تتوسله الرواية تبريراً للعبة الشكل الروائي الجديد وإيهاماً للقارئ (في لعبة تغريب بريختية معكوسة) أن العمل ليس سوى هلوسات غائب عن الوعي والعالم، ويتوسل الروائي هذا الشكل للفت انتباه القارئ إلى بؤرة التجربة وأعماقها الغائرة، أي إلى التجربة السياسية الفاشلة التي خاضها عناد الشاهد.
- ليسـت «أحـياء في البحر الميت» مجرد باكورة روائية بل هي عمل تأسيسي نـجـد فـيه بــذور أعـمـال الرزاز التـالـيـة التي وسعت من أفق أطروحة الانـهيار وأقـامت من الشخصيات والأحداث والأفكار والـتأمـلات برهاناً على صحتها في الرواية والواقع.
- كان مؤنـس مـسكوناً بهذه الأطروحة يحاول تجسيدها في عمله الـروائي والتعبير عنها في مقالاته الصـحافية حتى تمكنت منه وأصبحت هاجسه وديدنه في الحياة والكتابة.
- في روايته «اعترافات كاتم صوت» يعيد مؤنس الرزاز تركيب أطروحة الانهيار من خلال تحليل واقع المؤسسة الحزبية القومية التي تحولت إلى مؤسسة توتاليتارية مرعبة تأكل أبناءها، وتستبدل الحزب القائد بالقائد الأوحد، مؤدية إلى تبخر فكرة الثورة وعلاقتها بالجماهير التي ادعت أنها قامت من أجلها.
- وقد استعمل مؤنس، للتعرف الى تحولات السلطة وتوالد القمع وازدياد سطوته، تقنية الأصوات وزوايا النظر المتعددة من خلال إعطاء الكلام للقامع والمقموع والشخصيات المراقبة في الآن نفسه.
- وتجلو هذه الشخصيات في حكاياتها وتأملاتها فكرة التحلل وسقوط القيم والمشاريع القومية الكبرى عبر تآكل الحزب والفكرة التي يقوم عليها.
- وعلى رغم تخلل سيرة مؤنس الشخصية لـ «اعترافات كاتم صوت»، إذ إن أسرته حاضرة بوضوح في هذا العمل كما هي حاضرة في «أحياء في البحر الميت» وفي أعماله التالية، فإن تقنية زوايا النظر تتيح المجال للكاتب لكي يخفي، ما أمكنه، بعد السيرة الذاتية في العمل، معمقاً هذا البعد الأساسي في أعمال مؤنس الروائية كلها.
- ينبغي أن نتنبه في هذا السياق الى أن روايات مؤنس تستند إلى نتف من حياته الشخصية، والأمكنة التي عايشها، والأشخاص الذين التقاهم أو أقام معهم صداقات عميقة طوال حياته. لكن هذا البعد الشخصي في تجربته الروائية يجري تغريبه، وتذويبه في مادة الرواية التجريبية التي تقوم لديه على اختبار السرد وقدرته على تصوير الواقع في رواية تشكك بمادتها على الدوام، ما يجعل القارئ في «اعترافات كاتم صوت» (التي تستند في مادتها الروائية إلى حكاية إقامة منيف الرزاز الجبرية في ظل حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين ووفاته وهو رهن تلك الإقامة وعودته إلى الأردن في تابوت) يحار في طبيعة العلاقة بين شخصية كاتم الصوت والرجل الذي يفكر في قتله.
- إن غاية هذا العمل الروائي هي سبر غور الشخصيات، والتعرف إلى آليات تفكير مثل هذه الشخصيات العصابية التي يستخدمها الحاكم المستبد للقتل والتخلص من مناوئيه في السلطة.
- في «متاهة الأعراب في ناطحات السراب» يبني مؤنس الرزاز رواية الطبقات المتراكبة واللاوعي الجمعي الغائر، حيث يستخدم الكاتب نظرية عالم النفس السويسري كارل غوستاف يونغ عن طبقات اللاوعي الجمعي، المتراصفة طبقة وراء طبقة والتي تكرر نفسها في لاوعي الأفراد، لبحث كيفية تفكير العرب المعاصرين، والتمثيل روائياً (من خلال توالد الشخصيات من بعضها بعضاً، وحلول الواحدة منها محل الأخرى، والاعتماد في ذلك على عقيدة التناسخ) على شدة تأثير الماضي وأزماته في حياة العرب في الزمان الحاضر.
- ولكي يستطيع الروائي إقامة بنائه السردي الذي يستند إلى فكرة مستلة من علم نفس الجماعات، ويجعل في الإمكان تمثيل هذه الفكرة روائياً، من دون أن تتحول الشخصيات إلى مشاجب للأفكار وترجمة للقراءة النظرية للتاريخ، فإن الرزاز يستخدم أسلوب «ألف ليلة وليلة» السردي، حيث تتوالد الحكايات من الحكايات، ويتشابك السرد، وينشق وعي الشخصيات الآتية من الماضي السحيق والمقيمة في الحاضر في الآن نفسه، مؤسساً بذلك معماراً روائياً مركباً يسبر أغوار النفسية العربية في اصطدامها بزمان التكنولوجيا المعاصرة والهيمنة الغربية.
- نعثر على هذه العلاقة التناقضية بين مادة الحكاية الواقعية والحكاية نفسها في «جمعة القفاري» و «مذكرات ديناصور» حيث تتميز الشخصيتان الرئيستان في هذين العملين بانفصالهما عن الواقع المحيط بهما، واغترابهما عن البيئة الاجتماعية وعدم قدرتهما على معايشة الواقع من حولهما.
- ومن هنا تنشأ المفارقة والباروديا (المحاكاة الساخرة) والسخرية المرة الجارحة في النص الروائي. ويكتشف القارئ أنه بإزاء عالم انكشف خواؤه الداخلي.
- كما تذكرنا الشخصيات التي يقوم الرزاز بتخليقها (جمعة القفاري في رواية «جمعة القفاري»، والديناصور في رواية «مذكرات ديناصور»، وبئر الأسرار في روايتي «سلطان النوم وزرقاء اليمامة» و «حين تستيقظ الأحلام») بـ «متشائل» إميل حبيبي و «الجندي الطيب شفايك» للكاتب التشيكي ياروسلاف هاشيك، وبالطبيعة المعقدة لهذه الشخصيات التي يكشف هؤلاء الروائيون من خلالها عن المستور والمحجوب من مادة الواقع اليومي، مبرزين بذلك التناقض الحاد بين المثال والواقع.
- أن الأعمال الأخيرة، بدءاً من «جمعة القفاري: يوميات نكرة» (1990) وانتهاء بـ «ليلة عسل» (2000)، قد كتبت تحت ضغط التعبير عن موضوعة جديدة تطورت في كتابات مؤنس، وهي تدور حول فكرة الإنسان الهامشي، أو أبله العائلة (بتعبير جان بول سارتر في كتابه عن الروائي الفرنسي غوستاف فلوبير) أو ما يقع في دائرة الظل تطحنه الحياة اليومية الحديثة اللاهثة.
------

تابع ....والان مع العناصر التي صنعت
الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن

- جمع في شخصيته ميزات استثنائيه جعلته بحق شخصيه تحوز الاجماع الوطني العام بشقية الرسمي والشعبي مثلما كان في حياتة يحوز على رضاء الجميع.

- لعل تجربة مؤنس الرزاز الابداعية تعتبر واحدة من أشد تجارب المتابه وضوحاً في انحيازها وطواعيتها لسياقات المحطات الحياتيه والتاريخيه وانعكاساً وتأثيراً , حتى بدا ان المعمار الروائي الذي شاده الراحل مؤنس انما استمد مادته الأساسية من هول الأيام وهواجس الذات وتجاربها المرة , ليس رصيداً عيانياً بقدر ماهو تفاعل مع مشهدياتها وأبجدياتها سواء بالتعبير عنها أو بمحاولات الخلاص وطئ قسوتها وشدتها .
- فذلك الطفل الذي سيولد لأب مناضل سيقضي طفولة مختلفه عن أقرانه فوالده الطبيب منيف الرزاز كان سياسياً معروفاً في فتره حفلت بكل عناصر الاندفاع حيث سيشهد الأبن مع ابية دورات متناقضة من التردد بين علو السلطة وإمتيازاتها وبين فداحة السجون والمعتقلات مقابل أحلام الأمه .
- ان مشهد أعتقال الأب البعثي سيبقى ماثلاً لسنوات طويله في ذاكرة الطفل ذي الحساسيه المفرطه كما أن نهاية الأب في أقامته الجبرية ثم موته الدراماتيكي سيشكل ناظما أساسياً لوجان الكتابة وضميرها عند مؤنس الرزاز .
- ولهذا كانت كتاباته تتأرجح بين ما هو مأساوي وفانتازي وبين ماهو خارجي وداخلي وسياسي ووجودي وبين الكآبة الشخصية والهجاء السياسي حتى بدا انه يعاني العالم كقضية شخصية .
- فنجد مثلاً أن روايته (أعترفات كاتم صوت ) كأنها قصيدة عن سجن ابية ووثيقة للعذاب الشخصي ذلك انه جعل من جرحه الخاص موضوعاً عاماً وفناً روائياً
- وفي رواياته الاخرى اللاحقه ينشطر البناء الروائي موضوعياً ونفسياً كشكل آخر من اشكال إعادة بناء النفس أو محاولة التخفيف من تمزقها وكوابيسها ,
- ربما لم تكن شخصياته الروائيه نسخاً عنه وبالتأكيد هي ليست كذلك لكنها على الأقل عاشت الإيقاع ذاته والانشطارات ذاتها , من هنا تصدعت البنيه الروائيه كمحيط حاضن لها تماماً كما تصدعت الأحلام والأحوال العامه فتركها تنحو منحنى غرائبياً هذيانياً.

. عن أعترافات كاتم صوت يقول الاستاذ حسين جلعاد " تجلى طموحي في أن أموت موتاً طبيعياً مبكراً لا منتحراً "...لعل هذه المقوله واحدة من أفجع مشاهد الاعترافات التي أنكب الراحل مؤنس الرزاز على كتابتها قبل رحيله , حين كان يؤشر على سيرة جوانبه لم ننتبه الى فداحتها إلا حين فاجأنا برحيله .

قديم 02-29-2016, 03:58 PM
المشاركة 1430
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اليتيم رقم 8

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية - 57- رباعية بحري محمد جبريل مصر
- من واقع الدراسات النقدية التي قام بها مجموعة من النقاد.

- يقول الأستاذ صلاح فضل عن هذا الكتاب: هاهو محمد جبريل يمعن مرة أخرى_على طريقته التي تزاوج بين عوالم الغيب والشهادة_ في كتابة الحياة البحرية من داخلها، وهي تعبق برائحة البحر حين تفوح منها رائحة الإنسان المطحون المستلب، بكل أشواقه الروحية وانتفاضاته البشرية..

- على أن ما تمتاز به هذه الرواية لا يتمثل في كمية المعلومات التي تقدمها عن البحر والبشر، وإنما بطريقة انقداحها في أعماق الروح، لتشكل وعي الإنسان ومذاق الحياة في فمه. عندئذ نختبر توهج التجربة وهي تصنع حساسية الإنسان، وتصهر شخصيته، في لحظات الوجود المحتدمة.

- يرى البعض ان روايات محمد جبريل تظل ـ بعد الانتهاء من قراءتها ـ مفتوحة للتأويل؟ ولا تكون نهاياتها حاسمة ومحددة .

-يرى جبريل إن إنهاء العمل الإبداعي عند نقطة معينة محددة ينطوي على تعسف مطلق في التعامل مع حيوات كان يجب أن تظل مستمرة، وهي تلك التي كانت لشخصيات الرواية قبل أن تختفي بالنهاية المغلقة.

- ويرى إن القصة قد تنتهي عند نقطة ما تختارها، لكنها ليست النقطة التي تنتهي عندها حياة الشخصية ـ أو الشخصيات ـ في الرواية.

- ويقول جبريل - إذا كان تشيكوف يرفض أن يكون الكاتب قاضيا يحكم على شخصيات عمله الإبداعي ويُطالب بأن يكون شاهدا غير متحيز فإني أجد أن انحياز الكاتب لقضية ما ـ أو وجهة نظر معينة لموقف أو مجموع ـ مسألة مهمة ومطلوبة، بل إني أتصورها بالنسبة للمبدع الحقيقي مسألة بديهية.

- لجأ في كتاباتة إلى التراث في بعض أعماله في الرواية والقصة القصيرة ، وذلك لانه يرى بأنه جِماع خبرة الشعب في توالي عصوره وأجياله بكل ما تحمله من قيم وعادات وثقافات وسلوكيات.

- ويقول جبريل "من الصعب أن نُعيد الماضي بكامله، ومن الصعب كذلك أن نبني نهضة حقيقية، أن نضيف ونطور ونثري ما لم يكن ذلك كله مستنداً إلى تراث يأخذ منه، ويتصل به.

- ويقول "من الخطأ أن نرتمي في حضن التراث، كما أنه من الخطأ أن نرتمي في حضن الثقافة الغربية. نحن نفيد من التراث في تحقيق التواصل، ونفيد من الثقافة الغربية في تحقيق المعاصرة. الصواب أن نفيد من التراث ومن الثقافة الغربية المعاصرة في تحقيق شخصيتنا المنفردة، في صياغة ملامح متميزة لإبداعنا وفكرنا وثقافتنا الخاصة.

-ويقول جبريل في فن الكتابة الابداعية : " نصيحتي للأدباء الشبان ـ دائما ـ أن يحذفوا كل ما لا يحتاجه العمل الإبداعي، لا يشفقوا على عبارة جميلة، فيبقون عليها، حتى لو كانت نابية عن السياق. أذكرهم بما فعله تولستوي في "الحرب والسلام"، لقد بلغت أصولها ـ عقب الكتابة الأولى ـ أكثر من أربعين ألف صفحة فحذف الفنان تسعة أعشارها.
----
تابع...
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية - 57- رباعية بحري محمد جبريل مصر
- ملخص من واقع الدراسات النقدية التي قام بها مجموعة من النقاد.

- الولوج الي عالم محمد جبريل الانساني نوعا من الإبحار الممتع.
- يقول جبريل "اذا كان لبيئة البحر وما يتصل بها، انعكاسها في العديد من اعمالي الابداعية، فان البيئة الروحية لها انعكاسها كذلك في تلك الاعمال، مثل جوامع ابو العباس وياقوت العرش والبوصيري ونصر الدين وعبد الرحمن بن هرمز وعلي تمراز وثمة أضرحة كظمان والسيدة رقية وكشك وعشرات غيرها من جوامع اولياء الله الصالحين ومساجدهم وزواياهم واضرحتهم.

- في »رباعية بحري« يشعر الكاتب الكبير محمد جبريل أنه كتب كل ما في مخزونه الروحي ووصف طفولته وصباه متنقلا بين الجوامع الاربعة

- ويقول : رباعية بحري عملي روائي من اربعة اجزاء: أبو العباس، ياقوت العرش البوصيري، علي تمراز، تعرض للحياة في حي بحري منذ اواخر الحرب العالمية الثانية الي مطالع ثورة يوليو 1952

- وتتكون من :
- لوحات منفصلة
- تكامل اللحظة القصصيةز
- متصلة من حيث اتصال الاحداث
- تناغم المواقف
- تكرار الشخصيات ف (انسية) التي طالعتنا في بداية الجزء الاول من الرباعية، هي انسية التي انتهت بها احداث الجزء الرابع والاخير.
- وما بين البداية والنهاية نتعرف الي دورة الحياة من ميلاد وطفولة وختان وخطبة وزواج وانجاب وشيخوخة ووفاة، فضلاً عن الحياة في المعهد الديني بالمسافر خانة، وحلقة السمك وحياة الفتوات والعوالم وما يتسم به ذلك كله من اختلاف وتميز، بقدر اختلاف البيئة وتميزها.
- علي سبيل المثال فإن الحياة في البحر وصلة البحر واليابسة، والمؤمنين بطهارة الماء وقدرة البحر علي اعمال السحر، والحكايات والمعتقدات عن عرائس البحر والعوالم الغريبة وكنوز الاعماق، والخرافة، والاسطورة والزي التقليدي، والمواويل، والاغنيات، والامثال، والحكايات، وخاتم سليمان، والمهن المتصلة بمهنة الصيد كالصيد بالسنارة والطراحة والجرافة، واسرار الغوص في اعماق البحر، وغزل الشباك وصناعة البلانسات والفلايك والدناجل وغيره وركوب البحر، وبيع الجملة في حلقة السمك وبائعي الشروات..
- ذلك كله يتضح في الشخصيات التي كانت الحياة في البحر مورد الرزق الاهم - او الوحيد - لها.
- ويقول جبريل" في قصصي القصار تتناثر لمحات من الموروث الشعبي، متمثلة في العديد من سلوكيات الحياة والمفردات والتعبيرات، وغيرها مما يعبر عن التميز الذي تتسم به منطقة بحري في حدودها الجغرافية المحددة والمحدودة: الزي الوطني، الطب الشعبي، العاب الاطفال وأغنياتهم، نداءات الباعة، الكناية، التكية المعايره، القسم، الطرفة، المثل، الحلم، وغيرها..
- ويقول " الحق انني حين اراجع ابداعاتي التي وظفت - او استلهمت الموروث الشعبي اجد انها وليدة العفوية - ومحاولة التعبير عن الواقع، هذا هو ما افرزته تجربة الحياة والمشاهدة والقراءة والتعرف الي الخبرات، لم أتعمد الافادة من الموروث الشعبي بل هو الذي فرض معطياته في مجموع ما كتبت مثل روايتي القصيرة: »الصهبة« وروايتي: »بوح الاسرار«، و»زهرة الصباح« وغيرها.

- علي الرغم من نشأة الكاتب محمد جبريل يتيم الام - لقد ماتت والدته وهو دون العاشرة من عمره - الا انه يتحدث عن اثرها البالغ في تكوينه الابداعي قائلا: وعدت القارئ في سيرتي الذاتية » حكايات عن جزيرة فاروس« بأن يقتصر ما اذكره من الاعوام القليلة التي أمضتها امي في حياتنا علي بعض الصور او الومضات السريعة، رحلت امي قبل ان أبلغ العاشرة فتصورت ان ما اذكره لن يجاوز تلك الفترة الباكرة من حياتي فضلاً عن غياب الوعي بصورة كاملة او جزئية في الاعوام الاولي منها، لكن الذكريات التي كانت مطمورة ما لبثت ان استردتها الكتابة وهو ما سجلته في »مد الموج« و»الحياة ثانية« و»اغنيات« في العديد من اعمالي الروائية والقصصية.

- ولعل رصيد امي هو اول ما اذكره من أيامها بيننا، أشرت اليه في العديد من لوحات السيرة الذاتية، والقصص القصيرة وفي فصول سيرتي الذاتية،

قالت الجدة في شقة الطابق الرابع انها كانت تجلس بجوار امي تعودها لما انتفضت امي - فجأة - واشارت الي ما لم تتبينه العجوز وهتفت: ابعدوه من هنا! ثم سكت صوتها وجسدها امرني ابي بالنزول الي الطبيب الارمني في الطابق الاول، صعد الطبيب السلم بخطوات متباطئة وكان يقف في كل طابق، امام النافذة المطلة علي الشارع الخلفي، ربما ليأخذ انفاسه وكنت ادعوه - بيني وبين نفسي - الي الاسراع في الصعود كي ينقذ امي، أطال الطبيب تأمل الجسد الساكن، كانت العينان جاحظتين، والبطن منتفخا بصورة ملحوظة والجسد بكامله متصلبا، كأنه وضع في قالب، مال الرجل علي صدر امي وباعد بأصبعيه بين الجفنين، وضغط بقبضة يده علي البطن المنتفخة ثم هز رأسه في اسي: ماتت!
كانت امي مثلاً للحنان والقسوة في آن تثيب للفعل الطيب وتعاقب للخطأ التافه او الذي اتصوره تافها - كانت كما رويت في »مد الموج« تصر علي ان نذاكر حتي موعد النوم وترفض نزولنا للعب في الشارع الخلفي، لكنها كانت تحرص علي ان نجلس بحوار الراديو لسماع بابا صادق ثم بابا شارو في موعد برنامج الاطفال، ووافقت علي اقتراح اخي الاكبر بأن نشتري قطعة جاتوه بنقود العيدية التي اعطاها لنا خالي ووضعتها امي في درج الكومودينو وقالت امي: هل اذنت لكم قال اخي انها فلوسنا، ألقت علي الارض ما كانت تحمله، وسحبت من فوق الدولاب حبلا كانت تخصصه لعقابنا، لفته حول اقدامنا وتوالت ضرباتها بالشماعة حتي اجهدها التعب.
ماتت امي وكبرت انا وتزوجت وانجبت وكان من الطبيعي ان تعود الذكريات وتنشأ المقارنة وتتوضح معان كانت غائبة، من بينها اشفاق الابوين علي مستقبل ابنائهما والفارق بين التدليل والافساد والتعويد علي الحياة السهلة او تلك التي تحرص علي القيم كان الاشفاق والحنان والخشية من الانحراف هو الباعث وراء الايذاء المتواصل من امي.. ادركت ذلك متأخرا وبعد فوات الاوان.

- يقول الكاتب الكبير محمد جبريل محدثا نفسه: قد تهبني هامشية من الخبرات اضعاف ما احصل عليه من شخصية اختزنت المعرفة فظلت ساكنة في داخل الذهن والوجدان دون تأثير حقيقي عليها، وعلي من يخالطونها

- ويقول " فإن التأثير والتأثير، لا صلة لهما بمعرفة ولا ثقافة ولا مرحلة سنية.
- ويزعم كما يقول "انني افدت من رحلة امي القصيرة في حياتي ومن رفعة زوجتي زينب العسال الناصحة المشفقة المتدبرة ومن تمازج الطفولة والوعي في ابنتي امل لما لم تبدله الاعوام، ولعلني اذكر زواج خادمتنا »دهب« واستقلالها بحياتها لكنها ظلت علي صلتها الاسرية بنا، تزورنا وتسأل عن احوالنا - بالذات بعد ان رحلت امي - واضطر ابي - بتأثير المرض - الي لزوم البيت والاعتذار عن غالبية الاعمال التي عرضت عليه وكان مترجما! وعانينا ظروفا بالغة القسوة وصارحنا ابي - ذات يوم - ان »دهب« عرضت عليه مبلعا نجاوز به ظروفنا، وارفق ابي شكره باعتذار مؤدب فقد كان - كما قال لنا - يعرف ظروف دهب جيداً.
اذكر ايضا زوجة عم احمد الفكهاني في الشارع الخلفي الواصل بين بيتنا وجامع سيدي علي تمراز كانت اشد منا حرصا علي »الغديوه« التي نقيمها كل بضعة ايام، ابنها فتحي واخي وانا، نفسح لها اسفل عربة الفاكهة الصندوقية الشكل، تضيف الي ما نأتي به ثمار الفكاهة وطبق سلطة خضراء وخبز ساخن من الفرن القريب، تظل طيلة جلوسنا في ظل العربة توصينا بأنفسنا، وبالمذاكرة، وتدعو الله ان يفتح لنا ابواب المستقبل بشخصية الام المصرية في مثالها المكتمل!

---

تابع .. العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم -57- رباعية بحري ل محمد جبريل

من عرض كتاب بقلم أحمد شبلول

-اذا كانت ثلاثية نجيب محفوظ -بين القصرين، قصر الشوق، السكرية- قد كتب لها الخلود في أدبنا العربي المعاصر، فإن رباعية محمد جبريل ـ التي اتخذ من أولياء الإسكندرية في منطقة بحري عناوين لأجزائها الأربعة –أبو العباس، ياقوت العرش، البوصيري، علي تمراز ـ ستخلِّدُ بلا شك كاتبها.

- فهذه الرباعية الروائية، أو هذا العمل الملحمي الكبير الذي يربو ـ في أجزائه الأربعة ـ على ألف صفحة، سيكون مثارا للحديث الطويل على مائدة النقد الأدبي الروائي لعقود طويلة قادمة.

- وربما تعقد مقارنات طويلة بينه وبين أعمال أخرى مهمة كتبت عن مدينة الإسكندرية مثل: رباعية الإسكندرية للورانس داريل من الأجانب، وأعمال مصطفى نصر وسعيد بكر ومحمد الصاوي وعبد الفتاح رزق وإبراهيم عبد المجيد وإدوار الخراط، وعبد الفتاح مرسي ومجدي عبد النبي، وغيرهم من أدبائنا المصريين الذين اتخذوا من الإسكندرية مكانا ومناخا وشخصيات تؤدي دورها في حقب مختلفة من عمر المدينة الذي تجاوز الألفين وثلاثمائة عام.

- رباعية محمد جبريل عمل ليس سهلا، ولم يكتب للتسلية والمزاح، ولكنه عمل صعب، يحتاج إلى أكثر من قراءة،


- فهو يجمع بين خبرات طويلة ومتعددة في الحياة وفي الأدب وفي الفن وفي الفكر، وأيضا في التصوف وفي الجنس


- وأعتقد أنهما ـ أي التصوف والجنس ـ في هذه الرباعية وجهان لعملة واحدة، هي الحياة البشرية في سموها وانجذابها نحو فك الأسر ومحاولة الانطلاق خارج حدود الزمان والمكان، وهذه الحياة في انحطاطها ودناوتها وسعيها إلى إشباع الغرائز السفلية بشتى الطرق

- وأحيانا يجنح الخيال بالكاتب في عالم التصوف فيقدم لنا العالم السري لشخصيات تسعى إلى الدخول في عالم المجاذيب مثل شخصية علي الراكشي،

- وأحيانا يسوق الكاتب قلمه لتصوير أحط أنواع الغرائز من خلال شخصية مثل شخصية أنسية،

- وأحيانا يقوده هذا القلم إلى التعرض لأنواع من الشذوذ الجنسي المتمثل في شخصية حمادة بك.

- وعندما يتعرض الكاتب لهذين الوجهين فإنه ينقدهما أو يرفضهما، ومن أجل هذا فهو يغوص في هذين العالمين المتناقضين بطريقة إما تدعو إلى الإعجاب والدهشة، أو بطريقة تدعو إلى اللوم والمؤاخذة.

- وفي كلتا الحالتين يُجيد الكاتب تصويرهما وتقديمهما متوسلا بذاكرة حديدية،ومَلَكَةٍ تصويرية يحسد عليها. ولعلي أكون من أصحاب الاتجاه الأول-الإعجاب والدهشة- فقد كنت أثناء قراءة هذه الرباعية شديد الانبهار بالعالم الذي يقدمه لنا محمد جبريل بشقيه ـ فضلا عن الجانب الأسطوري ـ لأنه في الواقع أضاف إلى خبراتي وثقافتي ـ وبالذات في عالم التصوف الذي تحول في هذه الرواية إلى عالم فني شديد الخصوبة والجمال ـ الكثير في هذا المجال.

- وبين شخصيتي الراكشي، وأنسية أبدع محمد جبريل في نسج مئات الشخصيات في رباعيته -التي قد تحتاج إلى معجم لرصدها بدقة- بعضها شخصيات رئيسية أو فاعلة مثل الجد السخاوي صاحب الخبرة الطويلة في عالم البحر والصيد-والذي حزنتُ كثيرا عندما مات قرب نهاية الرباعية، وكانت جنازته جنازة أسطورية أجاد الكاتب تصويرها بما يشعر القارئ بحزن المدينة كلها على وفاة هذا الجد الذي عمَّرَ في البحر طويلا-

-ولعل شخصية الجد السخاوي تقترب في بعض ملامحها من عجوز بحر أرنست هيمنجواي،

- وهناك أيضا سيد الفران الذي تزوج من أنسية رغم معرفته بأنها كانت تمارس البغاء قبل الزواج، ولكنه القلب وما يهوى.

-أيضا هناك عبد الله الكاشف الذي يبدأ ظهوره في الجزء الثالث من الرباعية –البوصيري- وهو ذلك الموظف الذي كان يعمل بسراي الحقانية ثم أحيل على المعاش القانوني لبلوغه سن الستين دون أن يتزوج، واكتفى بأن زوَّج أختيه، وظل يعاني الوحدة والقلق، ومن ثم يبدأ في خوض التجربة الروحية،

- لكنه لا يرقى إلى مرتبة علي الراكشي الذي اعتقد البعض أنه ولي من أولياء الله الصالحين، غير أنه غير ذلك في نظر أولاده وخاصة ابنه محمد الذي اتـهم أباه بأنه كان يتركهم نـهب الجوع والقلق، ويمضي في خزعبلاته، وتجاربه الروحية، ويتوهم أنه يستطيع أن يمد يده ويأتي لهم بالطعام من الهواء.

-وموقف محمد الراكشي هذا هو موقف الإدانة لعالم التصوف الذي أراد المؤلف أن يبثه من خلال إحدى الشخصيات غير الأساسية في الرباعية.

-وهناك الشيخ عبد الحفيظ، وأمين عزب، وغيرهما من أصحاب النظرة الإسلامية المعتدلة في الدين وفي الحياة.

- عشرات الشخصيات الحية والفاعلة على امتداد الرباعية، ومئات الشخصيات التي تظهر وتختفي، وتطفو على السطح مرة ثم تنمحي من الذاكرة، سواء من ذاكرة الكاتب أو ذاكرةالقارئ.

- ولعل الأسطى مواهب العالمة، وزوجها القواد، ومهجة وهشام من هذه الشخصيات التي ظهرت ثم اختفت، ولكنَّ ظهورَها أثار الحيوية في بعض أجزاء الرباعية،

-ولعل الكاتب قد توسَّل باسم مهجة ابنة سلطان الإسكندرية المرسي أبي العباس، وزوجة ياقوت العرش، لتكون امتدادا روحيا للأولياء والأقطاب السكندريين، ولكننا نفاجأ بأنه يقدم لنا مهجة أخرى تذهب إلى المدرسة، ثم تتزوج وتطلق في الليلة نفسها، ويحكم عليها أبوها بعدم الخروج من البيت، ثم تصل إلى مرحلة من مراحل اللامبالاة وعدم الاهتمام بالآخرين، ثم تغشى الشقق للحصول على المتعة، وترفض هشام الذي أحبها، والذي يموت ميتة بائسة بسببها.

- من ناحية أخرى نستطيع القول إن محمد جبريل خبر الحياة في حي بحري خبرة العارف بدقائقها وأسرارها وعوالمها السرية أو التحتية وأيضا أساطيرها -كرامات أولياء الله الصالحين بالمنطقة، شرب دم الترسة وما ينتج عنه، عروسة البحر وخطفها لرجال البحر أو الصيادين، مصارعة الكائنات البحرية العملاقة في عرض البحر والتغلب عليها .. الخ- ويمكن الرجوع للمزيد من هذه الناحية إلى سيرته الذاتية "حكايات عن جزيرة فاروس"

- تجول بنا الكاتب في عشرات الشوارع والأزقة والحواري، من أول سراي رأس التين وحتىالمنشية واللبان وكوم بكير (مركز الدعارة في الإسكندريةفي ذلك الوقت) وأجلسنا على عشرات المقاهي في الكثير من الأحياء، وأدخلنا في البيوت والشقق فعرفنا الكثير من أسرار العائلات السكندرية التي تقطن هذه الأحياء المجاورة لبعضها البعض، في تلك الحقبة التي كتبت فيها هذه الرباعية، وهي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى يوم 26 يوليو 1952، يوم خروج الملك فاروق من الإسكندرية.

- وبالمناسبة فإن التركيز لم يكن في هذه الرباعية على أحوال السياسة المصرية في تلك الحقبة، ولكن الحديث عن السياسة كان حديثا عارضا تَفرضه التجمعات أو جلسات الأصدقاء في المقاهي، أو التفكير في ترشيح حمادة بك لنفسه في انتخابات البرلمان. لذا فإنه عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 لم يكن هناك فهم دقيق للأمور من جانب بعض تلك الشخصيات البسيطة، بل مجرد عبارات متناثرة هنا وهناك، كأي مصري بسيط يلتقط خبرا من هنا وخبرا من هناك.

- وقد جاءت فكرة عدم التعمق في الأمور السياسية مواكبة تماما لتركيب معظم شخصيات هذه الرباعية التي أغلبها من الصيادين وصانعي القوارب وناسجي الشباك، وأصحاب الحرف البسيطة والمجاذيب والعاملين في الميناء وفي المساجد وغيرها. وعلى الرغم من ذلك قد الاحظ بعض التعليقات البسيطة التي يطلقها أحدهم فتعبر عن نظرة صائبة ودقيقة للأمور

- اعتمدت الرباعية في هيكلها البنائي على الفصول القصيرة، والقريبة في عدد صفحاتها من بعضها البعض ـ في معظم الأحيان ـ، واتخذ كل فصل عنوانا مستقلا، واقترب عدد الفصول من 150 فصلا روائيا.

-واقترب بعض هذه الفصول من تكنيك القصة القصيرة، التي تصلح لأن تنزع من السياق الروائي لتشكل عالما قصصيا قائما بذاته، ولكنه متى وضع مرة أخرى في هذا السياق فإنه يأخذ مساره الطبيعي ضمن العمل ككل.

-وأعتقد أن السبب من وراء ذلك ربما يعود إلى كتابة هذه الرباعية على فترات متقطعة ينشغل فيها الكاتب بأعمال أخرى، ثم يعود إلى الكتابة، ثم ينفصل، ثم يعود إلى الرباعية، وهكذا يشكل كل فصل عملا مستقلا، لكنه يقع ضمن الإطار العام للرباعية.

- وأحسب أن هذه ميزةٌ كبرى لهذا العمل الضخم فلا يشعر القارئ معه بالملل أو الإطالة غير المستحبة، أو التكرار والإعادة دون مبرر فني،

- ولكني على الرغم من هذا شعرت أحيانا أن الكاتب يكرر بعض المواقف وخاصة عند حديثه عن أهل الجذبة الصوفية.

- أيضا من الأشكال البنائية للرباعية لجوء الكاتب ـ في افتتاحية بعض الفصول ـ إلى الاستشهاد ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وكلماتٍ وأورادٍ لأقطاب التصوف: أبو الحسن الشاذلي وابن عطاء الله السكندري والمرسي أبو العباس والبوصيري وغيرهم، وهو بذلك يؤكد على الجو الصوفي الذي تدور في فلكه أجزاء كثيرة من العمل، ويعطي إشارات للأحوال التي يمر بها

- ولا تخلو الرباعية بالإضافة إلى ذلك، من أزجال وأغاني الصيادين وأغاني الأفراح الشعبية والموالد والطهور في مدينة الإسكندرية خلال تلك الحقبة التي تتحدث عنها الرباعية، فضلا عن الأناشيد الدينية وما يُتلى من أذكار وأوراد في حلقات الذكر والخلوة، وغيرها من طقوس الصوفية وأحوالهم،

- وأعتقد أن المؤلف بذل جهدا مضنيا في سبيل جمع أو تذكر هذه الأزجال والأغاني، وأعتقد أننا لو عكفنا على استخراج هذه الأغاني والأزجال والأذكار والأوراد .. الخ من الرباعية، لتوافرت لنا مادة فنية غنية، تصلح للدرس الأدبي فيما بعد.

-وعن بناء الجملة عند محمد جبريل في هذه الرواية، فقد اعتمد على الجملة القصيرة التلغرافية في أغلب الأحوال، ذات الإيحاء الدال،

- وفي كثير من الأحيان يكون التقديم والتأخير للاسم والفعل، وإدخال جملة قصيرة في سياق جملة أخرى دون أن ينتهي من الجملة الأساسية، من أهم سمات تركيب الجملة، مثل قوله: "حين انتقلت علية إلى بيت زوجها، أغمض عينيه، وتنهد"، ونحن في الأحوال العادية نقول: "أغمض عينيه، وتنهد، حين انتقلت علية إلى بيت زوجها"البوصيري، ص 177أو قوله: "ألفت توقفه ـ لا تناقشه ـ أمام باعة الصنف" (علي تمراز، ص 10) فهو يضع جملة إضافية، وهي هنا "لا تناقشه" بين شرطتين أمام جملة لم ينته من قولها بعد.

- ولعل من أهم ما يحسب للكاتب في هذا المقام استخدامه لعلامات الترقيم (مثل النقطة والفاصلة وعلامات التنصيص، والاقتباس وبداية القول ونهايته .. الخ) في مكانها المناسب تماما، ولعل السبب في ذلك يعود إلى تمرس الكاتب بالكتابة الصحفية والأدبية لعقود طويلة، واستخدامه جهاز الحاسوب (الكمبيوتر) لكتابة أعماله وتنضيدها وتنسيقها بمعرفته، ليس عن طريق المطبعةأو الناشر، إذ أنه من الملاحظ أن معظم الناشرين ـ في هذه الأيام ـ لم يهتموا بقواعد الكتابة، وبخاصة علامات الترقيم. وقد لوحظ بعض الأخطاء النحوية القليلة في بعض الصفحات، ولكنها لا تذكر بالقياس إلى حجم هذه الرباعية، وربما جاءت هذه الأخطاء نتيجة عدم المراجعة الدقيقة لبعض صفحات الرواية.

- هناك مقولة شاعت في حياتنا الأدبية والثقافية في الفترة الأخيرة، وهي "الروايةُ أصبحت الآن ديوان العرب"، وأتفق مع هذه المقولة تماما، إذا كانت الرواية التي تصلح لإطلاق هذه المقولة عليها مثل رواية "رباعية بحري" لمحمد جبريل.

- ونعني بأن الرواية هي ديوان العرب ـ في هذه الحالة ـ أن الرواية هي ديوان الحياة العربية المعاصرة بكل ما فيها من عبق الحياة المعاصرة بتياراتها واتجاهاتها وآراء من يعيشون فيها، إنها تحمل الإنسان والمجتمع والسياسة والاقتصاد والطب والفلسفة والعلوم، إنها تحمل الشعر، والقصة، واللغة المكثفة والمركزة والمقطرة والمتفجرة والشفافة، وتحمل أيضا الوصف فضلا عن السرد والحوار.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 107 ( الأعضاء 0 والزوار 107)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 04:54 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.