احصائيات

الردود
7

المشاهدات
2110
 
ابتسام شاكوش
أديبـة سـوريـّــة

ابتسام شاكوش is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
21

+التقييم
0.00

تاريخ التسجيل
Dec 2011

الاقامة

رقم العضوية
10670
12-04-2019, 10:00 PM
المشاركة 1
12-04-2019, 10:00 PM
المشاركة 1
افتراضي رتاج... قصة يرة
تقولون هنا تلتقي الطيور المهاجرة... وماذا عن الأمم المهجرة قسرياً؟؟
=====================================
رتاج
الطفلة تبكي...وتبكي, شهرها الخامس لم يكتمل بعد, صدر أمها صحراء جافة, لا يجود بقطرة لبن, تجول الأم الشابة بنظرها في ارجاء الخيمة الخاوية الخالية من الزاد, تتفد أثاثها فراش اسفنجي رقيق وملاءة لا تكاد ترد بردا ولا حرا, أرضية الخيمة مرفوعة مقدر كف عن التراب بألواح خشبية ربما تقي هذا الأثاث خطر الانجراف بماء السيل بعد كل عاصفة مطرية, مفروشة بطبقة من النايلون تعلوها طبقة من اللباد الرقيق, المصنوع من بقايا أقمشة وخيوط مندوفة, وفي الزاوية تقبع قدر صغيرة من المعدن الرخيص بجانب طبق واحد وملعقتين, مع ابريق وكوبين من البلاستيك , هذا كل شيء.
بكاء الطفلة الجائعة يثير أعصاب الأم, يغضبها, يبكيها, يشعرها بالعجز, طوال عمرها كانت تحلم بالأمومة, لكنها لم تتخيل يوما أن تبتدئ أمومتها في مخيم اللاجئين, بعيدة عن أهلها وصديقاتها, غريبة ضائعة, لا أم قريبة منها ترشدها, ولا أخت تستشيرها, ولا عمة ولا خالة, جهازها في بيتها تركته بحاله, معظم الأشياء لم تستعملها بعد, هربت سالمة بروحها وعرضها مع من نزحوا, لتتنقل من قرية الى قرية, ولتطاردها النيران حيثما حلت, نازلة من الطائرات أو قادمة من راجمات الصواريخ البعيدة, استقر بها المقام في هذا المخيم, نعم هنا وجدت الأمان, لكنها افتقدت كل ما عداه.
الطفلة تبكي, طعام المخيم يأتي مطبوخا, ولا يكاد صنف يخلو من الفلفل الحار, لا شيء منه يصلح لغذاء طفلة في شهورها الأولى, ولا تفهم الصغيرة معنى الصبر فتكف عن بكائها, احتضنت ابنتها بحنان وقهر, ضمتها لصدرها وراحت تتمشى داخل الخيمة, تهدهدها, تشاركها البكاء وهي عالمة أن هذه الحركات لن تسكت الجوع, الجوع كافر, كانت أمها تقول, لكن هذا الكافر قد عقد صداقة دائمة مع أمعاء هذه الصغيرة منذ مولدها, حصص الحليب الناشف التي توزع بين فينة وأخرى لا تكاد تكفيها اسبوعا واحدا, ترضع خلاله من الزجاجة وتغفو بأمان, ثم تصحو مشرقة باسمة, تناغي فتملأ روح والديها بالفرح والأمل, الحليب نفد منذ الصباح والعلبة الفارغة غسلتها الأم لتستخدمها في سكب الماء من القدر حين تغسل الصغيرة.
أمها كانت تردد باسمة بحنان ورضا, حين ترى امرأة حامل :( الحبل غوا..والولادة نسمة هوا...لكن عذاب التربية مع عذاب طلوع الروح سوا) تتذكر كلام أمها وتبتسم بهزء, أين الغوى من حملها بهذه الطفلة؟ شهور حملها التي كانت تأمل أن تمضيها مثل أختها, في الدلال بين أمها وعماتها وخالاتها, يتسابق الجميع على تقديم النصح وعلى تأمين الراحة وتلبية اشتهاءات الوحام, أما هي, فجاء حملها الأول بعد بداية الثورة بقليل, الأشهر أمضتها متنقلة من دار الى دار, من قرية الى أخرى, ترى جراح الجرحى بأم عينها, تسمع أنين المرضى وبكاء الثكالى, فتخجل من نفسها أن تذكر أحدا ممن حولها بأنها حامل, لذلك لم يكد أحد يشعر بحملها, أما الولادة التي تشبهها أمها بنسمة الهواء لقصر مدتها, فقد كانت زوبعة, بل عاصفة, اجتمعت حولها نساء المخيم , وهي غارقة بآلامها, كل واحدة منهن تبدي رأيا وتقدم نصيحة, ألم المخاض يزداد حدة, والنساء من حولها تزيد آلامها وخوفها, حتى جاءت سيارة الاسعاف, أخذتها الى اقرب مشفى, وهنالك انتهت نسمة الهواء, وعلا بكاء الصغيرة, فأنساها الوجع وأعاد لنفسها الأمل, حملت ابنتها وعادت للمخيم يحدوها الفرح, لتصطدم ببقية قول أمها : (عذاب التربيع مع طلوع الروح سوا)
بين خيمتها وخيام جاراتها من الجهات الثلاث يفصل شبر من الهواء, وجداران من الكتان الرقيق هما جدارا الخيمتين, كل همسة وعطسة , كل ضحكة وشهقة, تدور في فضاء احدى الخيام مسموعة في الخيام الأربع, بكاء الطفلة يزعج الجيران, يرفع الشاب الجريح من الخيمة الشمالية صوته متوسلا راجيا اسكات الصغيرة, جرحه يؤرقه طوال الليل وحين يدنو النوم من حدود عينيه يطرده هذا البكاء المتواصل, يرجو, ثم يرجو, ثم يرفع صوته بالشتائم,ألا تكفيه أوجاعه ليزيد عليها حرق الأعصاب من هذا البكاء المتواصل؟؟
انتصف الليل, جاءت ام الجريح, ترجوها إسكات ابنتها بأية وسيلة, شكت لها جوع الطفلة وخلو اليد من أية نقود يشترى بها الحليب, نصحتها بالاستعاضة عن الحليب بالشاي, تسحق فيه بعض القطع الصغيرة من الخبز حتى تصبح كالحساء, قامت الجارة تساعد الأم في تحضير طعام الصغيرة, فما وجدت خبزا ولا سكر., خرجت قليلا ثم عادت تحمل قطعة خبز وحفنة سكر, أعدت كوبا من الشاي, وراحت تسحق فيه فتات الخبز اليابس, وهي تحدثها وتطمئنها, وما زالت الطفلة تبكي.
من خارج الخيمة سمع الزوج حديث زوجته مع جارتها, عاد للخيمة بعد جولة شاقة, بذل فيها ماء وجهه مرة تلو مرة, للحصول على كمية من الحليب تكفي ابنته ليوم واحد, ولكن.... كل البيوت مثل بيته, وكل الجيوب مثل جيبه, خالية خاوية, عاد ذاهلا يجرجر ذيول خيبته, سعل بقوة يستأذن بالدخول, فلا باب هنا ليطرقه, ولا جرس ليضغط على مفتاحه..هي ستارة رقيقة تفصل داخل الخيمة عن خارجها, تركت الجارة ما في يدها وانصرفت, دخل, فانفجرت زوجته الباكية في وجهه تؤنبه وتلومه بعنف, ملقية كل ضعفها وعجزها في وجهه, متهمة اياه بالاهمال والكسل, تذكره بأنه أب لهذه الطفلة, ورب لهذه الأسرة, لم يتمالك أعصابه المشدودة طوال النهار, فانهال عليها ضربا وشتائم, تدخل الجريح من خيمته, تدخل الجيران كل من مكانه, هذأ الرجل فجأة كآلة انقطع عنها التيار الكهربائي, وجلس على الأرض ينتحب.
ذهلت الزوجة, نسيت ذلها وآلام صفعاته, جلست بجانبه تلاطفه وتخفف عنه, تمسح على رأسه وكتفيه معتذرة, تشاركه البكاء, تشاركه القهر والعذاب, الآن فقط عرفت سبب اصراره على تسمية ابنتهما( رتاج) ربما كان يتمنى أن تكون ولادتها رتاجا لبؤسه, لتشرده, لعيشة الخيام التي ما تمناها ولا سعى إليها, بل أجبره عليها عكازان يحملهما تحت ابطيه, يستعيض بهما عن ساق فقدها في نوبة قصف مجنونة, فأقعدته مؤقتا عن مواصلة الحياة, كانت الطفلة قد تعبت من البكاء فاستسلمت للنوم, وظل كوب الشاي مع فتات الخبز, ينتظر استيقاظها, أمام دموع الزوجين المتعانقين.


قديم 12-05-2019, 02:41 AM
المشاركة 2
العنود العلي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: رتاج... قصة يرة
الأستاذة : ابتسام شاكوش
طواعية أو رغما .. نحمل هذا الإرث الشاق من الوجع على أكتافنا ونسير إلى المجهول .. نعم أيتها القادمة من عناوين الحقيقة وتضاريس الظلم ..
لن أتكلف في تطويع الكلمات لأقنعك بأننا نتألم لآلام أولئك اللاجئين ونشعر بما يكابدون .. لن أرتب الكلمات أو أنظف العبارات من ذنوب نقترفها رغما عنا
فحكاية الطفلة وجع آخر لا يمكن أن تصفه عبارة أو قاموس ولا يتحمله قلب
مهما حاولتِ أن تضعي نفسك مكان إنسان فقد كرامته وحقه في العيش الكريم
فلن تصلي إلى ذروة القهر والعجز والعذاب .. الذي يعتريه إلى درجة تمني الموت
أنا هنا .. ليس لأقول لكِ أنكِ أبدعتِ قصة رائعة وكلمات جميلة أحزنتنا فقط ..
أنا هنا لأعتذر لرتاج وكل طفل عانى ما عانته لأننا في حالة عجز عن مساعدتهم
شكرآ لكِ أستاذتي .. وتقبلي مني فائق الود والتقدير

وحيدة كالقمر
قديم 12-05-2019, 11:37 AM
المشاركة 3
بتول الدخيل
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: رتاج... قصة يرة
قصة جميلة واليمة

باقة ود

تدري وش صاب الخفوق!!..فيه بعض آثار شوق..وبه جروح وبه حروق..وبه سوالف لو تروق!!.وبه نزيف بالحنايا ..من فراقك .. يا هوى قلبي الصدوق

قديم 12-05-2019, 07:15 PM
المشاركة 4
خالد الزهراني
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: رتاج... قصة يرة
الأخت الفاضلة والأستاذة الراقية ابتسام شاكوش
احترت في الرد الذي يناسب موضوعك الحزين
حتى أن الحروف تراءت لي تفر من ثورة المحابر
مسكينة رتاج .. كم عانت في هذه المأساة الفظيعة
أسأل الله أن يسمعنا عن أخواننا المشردون في سوريا
بشائر النصر وكل أخبار سارة تزيح عنا حزننا وعجزنا
تقبلي احترامي
خالد الزهراني

و إذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقـم عليهـم مأتما و عويلا
قديم 12-05-2019, 09:40 PM
المشاركة 5
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: رتاج... قصة يرة
عندما قرأت الاسم ( ابتسام ... ) على يمين المتصفح .. وتحته ( سورية ) \
عرفت أنني سأدخل في نص ساخن يملؤه الحزن .. وكان كما توقعت .. وكأن أصحاب القضية عليهم أن يتحدثوا عن معاناتهم .. هكذا نحن الفلسطينين كأنتم أيها السوريون
إخوة لنا في الجرح .. نتقاسم ذات الوجع وذات الهمّ
( الخيمة ) ..هذا المصطلح وحده كفيل بأن يذكرنا بكل العذابات التي جاءت هنا يضاف إليها ألم المخاض وعذاب الرضع ..وحالة أب كسير يمشي على عكازين
أي حمل يحمله هذا الأب .. وأي كسر يشعر به ؟!
ابتسام ..
المرّ سيمرّ .. وثقي بالله أن هذا ابتلاء وامتحان من الله ,ارجو لكم أن النجاح فيه بالصبر والثبات والتمكين
تقبلي تحيتي .. وأهلاً بقلمك النازف هنا حيث ترسو الطيور المهاجرة
ناريمان

قديم 12-06-2019, 10:33 AM
المشاركة 6
ابتسام شاكوش
أديبـة سـوريـّــة
  • غير موجود
افتراضي رد: رتاج... قصة يرة
أخوتي الكرام... ما عدت أكتب لترف الكتابة.. إنما أغمس ريشتي في محبرة الألم.. محبرة الدم.. القتل والقهر والتشرد الذي يعيشه شعبنا السوري.. والذي فاق في عذابه عذاب الفلسطينيين...لسبب بسيط.. عدو الفلسطينيين واضح.. وعدو الشعب السوري من بني جلدته...بالاضافة الى كل القوى العظمى العالمية

قديم 12-06-2019, 10:35 AM
المشاركة 7
ابتسام شاكوش
أديبـة سـوريـّــة
  • غير موجود
افتراضي رد: رتاج... قصة يرة
إخوتي الكرام... أنا تركت إغراءات اللجوء إلى اوربا و أمريكا.. واخترت السكن في مخيم اللاجين.. سكنت الخيمة أربع سنوات لأكون بينهم.. أمسح على جروحهم.. أقدم لهم ما أستطيع... افتتحت في المخيم مركزا ثقافيا.. تخرج منه عشرات الشباب المبدع

قديم 12-08-2019, 07:20 PM
المشاركة 8
محمد أبو الفضل سحبان
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الثالثة الألفية الثانية وسام الإبداع الألفية الأولى المشرف المميز الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 7

  • غير موجود
افتراضي رد: رتاج... قصة يرة
الأديبة القديرة ابتسام شاكوش....إني لا أملك سوى عبارة الاعجاب بهذا النص الذي استطاعت من خلاله "رتاج" أن تحيي فينا ما مات من الجراح ...
يلم قلمك
تحياتي


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: رتاج... قصة يرة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
عطاء بن أبي رباح ( يكنى أبا محمد) عبدالله علي باسودان منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 0 11-03-2015 08:00 AM

الساعة الآن 05:25 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.