احصائيات

الردود
1

المشاهدات
3859
 
عزت فائق ابوالرُب
من آل منابر ثقافية

عزت فائق ابوالرُب is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
38

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Sep 2011

الاقامة
فلسطين - جنين

رقم العضوية
10453
01-20-2012, 09:38 PM
المشاركة 1
01-20-2012, 09:38 PM
المشاركة 1
افتراضي قصص و حكايامن التراث الفلسطسني (3) - ع ناس وناس
ع ناس و ناس


وما إن لاح خيط الفجر ، و رجحت كفة الضياء، حتى بدأت الحركة تدب في بيت الحاج حسن ، فقامت زوجته سعاد في هدأة نسيم الصباح المثقل بالندى بتجهيز مواقد النار، فتعهدت أحجارها الثلاثة، و إلى جانبها ركزت قرامي الحطب من الذرو والشّع والخروب، بينما كان الحاج مشغولاً بخروف السماط(1)، فعرض عليه الماء والعلف، و ذهب بعيداً عنه ، يحد السكين ، امتثالاً لأمر رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- حيث قال (و ليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) .
وبسرعةٍ معتادة ، دخل الخروف القدر ، فأيدي العون كثيرة ، الجيران، الأقارب ، لا يغيبون عن تلك المناسبات، فانشغل بعض النساء بتنقية الأرز و انشغل البعض الآخر بإشعال المواقد ، و تهيئة الطناجر و القدور لسلق الأرز و اللحم ، وتولت الحازمات من النساء مواقفة قدور اللحم لتحفظها من (النتوشة) كي تبقى على بركتها ،و تقدّم للضيوف بما يليق و يحفظ ما الوجه ،وفي هذه الولائم يكثر الحضور ، وكما يقال أعداء الزاد كثير .
ارتسمت ملامح النشوة والسرور على وجه أم فايز حينما رأت المحبات يشاركنها فرحتها ، فدارت عليهنّ تسمعهن كلمات الشكر والترحاب ، و تدعو الله لهنّ بأن ترى الأفراح في بيوتهنّ ، فتردّ لهنّ صنيعهنّ ، وبالغت في ذلك حتى أحست كل واحدةٍ منهنّ بأنها تحظى بمكانةٍ عاليةٍ عند أم فايز دون الأخريات ، و بينما أم فايز كذلك إذ نادت عليها إحداهنّ بصوتٍ مسموع ، استوى الأرز ، تريد أن تظهر براعتها وتفوقها ، وتحثهنّ على الإسراع والتعجيل ....
هبّت أم فايز صوب المنادية وحملت معها الأرز جانباً و غطته بالبطانيات وأكياس الخيش، كي يبقى محافظاً على سخونته ودفئه . و على عجلٍ غير مألوف ، عاد الحاج حسن إلى البيت بصحبة الحرّاث جاسر و عليه أثر الإنزعاج ، و اتجه نحو زوجته سعاد قائلاً : الله يستر...جنود الإنكليز يحاصرون البلد من جهاتها الأربع، لا يقل عن خمسمائة خيّال يقفون على مشارف البلد ، فقالت سعاد : ( أجت الحزينة تفرح .....) . اسمعوا... قال الحاج : صعد المخضِّر(2) على دار المختار ...ومن قحف رأسه صاح : يا سامعين الصوت صلوا على النبي ، يا أهل البلد على جميع الرجال من سن (13) الحضور إلى حاكورة المختار بأمر من الحاكم العسكري البريطاني .. كرّر ذلك مراتٍ ومرات .
أخذت الرجال تتوافد ، وعددهم حينئذٍ قليل ، لا يزيدون عن مائة رجل ، تجمّعوا ... تربّعوا على الأرض صفاً واحدا، تحلّق حولهم الجنود ، وقفت مجموعة من الضباط أمامهم ، قال كبيرهم : على كل من له علاقة بالثوّار أن يسلِّم نفسه ، وأعده باسم بريطانيا العظمى أن لا نمسه بأذى كسائر المواطنين الصالحين.... صمت الجميع ولم يجب أحدهم ، فالإعدام ينتظر من وجد عنده طلقة فارغة ، فما بالك بمن يقاتل في صفوف الثورة ... انتظر ، تعهد ، توعد ، هدد ، طمأن ، لم يكترث أحد ، فقال المختار: يا بيك لا يوجد في قريتنا أحد مع الثوار ، فرد الضابط : نعرف كل شيء و سيظهر بعد قليل صدق ما تقول.
أشار إلى الجنود المحيطين بالرجال ، فتقدموا ، و أخذوا يكشفون عن أكتاف الرجال واحدا واحدا ليروْا أثر (السلحلك) على أكتافهم ، ولما لم يجد ما يشير إلى التحاقهم بصفوف الثورة فيشبع غروره ، أشار بحنقٍ شديد إلى مجموعةٍ من الرجال فاحتجزهم الجنود إلى جنب ، وانهالوا على أحدهم ضرباً بأعقاب البندق و العصي و السياط ، دونما سببٍ سوى التخويف والترهيب . و كان كبير الضباط يتفرّس في وجوه الفتيان ، فأشار إلى واحدٍ منهم مكتمل الجسم فارع الطول، فأتى ، فوضع يده تحت ذقنه فرفع رأسه فأخذ يعدّ زردات حلقه ، دونما كلام ، ثمّ أمره بالانصراف إلى مكانه ، و أشار إلى فتىً آخر ، أن تعال ، فأتى ، فكشف عن صدره وأمره بالانصراف .
أنهى الجنود الإنكليز مهمتهم ، تهيئوا للانصراف ، وانطلقوا بمن معهم من المعتقلين ، كان فايز واحدا منهم ، و ظلّ الرجال الآخرون جالسين في الحاكورة ، سار الجنود بعيداً ، وقف الجالسون ، عادوا إلى بيوتهم ، و انتشر خبر المعتقلين ، ساد الهرج والمرج بين الناس ، فتلك هي المرة الأولى التي يعتقل فيها الإنكليز رجالاً من جلبون بتهمة الانتماء للثورة (3) . خرجت النساء و الأطفال إلى الحواري بينما أمهات بعض المعتقلين ألأقل صبراً واحتملاً يصرخن بسذاجةٍ هنا وهناك : لماذا يتركون ( اللي سلاحه ما بينزل عن كتفه و داير مع الثِّوار) و يأخذون أولادنا ، وينتقلن من حارةٍ لحارة يرددن ذلك ،على أن لقيهما المختار السابق ، فانهال عليهن ضرباً حتى أسكتهن.
عاد الحاج حسن إلى البيت مثقل الخطى ، مهموماً مغموماً ، و يتبعه الحرّاث جاسر مهموما هو الآخر ، يفكر ، كيف يحول الحزن الذي خيّم على البيت بينه وبين سماط فايز الذي طالما انتظره بفارغ الصبر . و بشغفٍ و شوق رمق سدور الأرز المغطاة باللحم إلى جانب القنطرة ، و بحذرٍ شديد انسلّ نحو أحداهما، وانفرد به على حين غفلة من سعاد ، و أخذ يأكل بنهمٍ دونما حس ، بينما سعاد تضرب كفاً بكف ، وتروح وتجيء في ساحة الدار ، تقول : ( يا ها اليوم ما أسودك ) فيقول جاسر بهدوء :( ع ناس و ناس يا سعاد ) .


1- السماط : اسم يطلق على ذبيحة النذر .
2- المخضِّر : حارس مزروعات القرية .
3- الثورة : ثورة عام 1936م وكانت ضد الإنكليز الذين أخذوا يعززون الوجود اليهودي في فلسطين .


قديم 01-27-2012, 09:37 PM
المشاركة 2
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأديب الكريم عزت فائق أبو الرب المحترم

إني سعيد بتواجدك بيننا وبما تقدمه من سجل جميل مشرف لفترة من تاريخنا بتنا نفتقدها يوماً بعد يوم . .
تقبل مني التحية . .
دمت بصحة وخير . .

** أحمد فؤاد صوفي **


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: قصص و حكايامن التراث الفلسطسني (3) - ع ناس وناس
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أبو نواس أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 0 07-28-2022 06:48 AM
أبو نواس أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 0 05-27-2016 08:47 PM
قطوف أدبية .. دراسات نقدية في التراث العربي حول تحقيق التراث - عبد السلام محمد هارون د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 05-23-2014 02:54 PM
قصص و حكايامن التراث الفلسطسني (5) - أخو خضرا عزت فائق ابوالرُب منبر القصص والروايات والمسرح . 0 01-20-2012 09:35 PM
ع ناس وناس عزت فائق ابوالرُب منبر القصص والروايات والمسرح . 2 12-10-2011 03:37 PM

الساعة الآن 03:49 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.