احصائيات

الردود
0

المشاهدات
2373
 
عزت فائق ابوالرُب
من آل منابر ثقافية

عزت فائق ابوالرُب is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
38

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Sep 2011

الاقامة
فلسطين - جنين

رقم العضوية
10453
01-20-2012, 09:35 PM
المشاركة 1
01-20-2012, 09:35 PM
المشاركة 1
افتراضي قصص و حكايامن التراث الفلسطسني (5) - أخو خضرا
لحّد وأنا أخو خضرة

لم يخطر ببال سليم و هو يقطف أكواز الصّبر بقزّاعته المدببة، ويدندن قبالة قرص الشمس الغارق نصفه في الأفق ،بترا ويد تتأرجح على شعاع الشمس البرتقالي ،أنّ هذه الأهازيج سيعقبها بكاء و عويل، وترانيم حزينة.
بكلّ خفةٍ ومهارةٍ ، أخذ سليم يجندل أكواز الصّبر ،و يصفّ بعضها إلى بعض كأجمل قطعة فسيفساء رومانية،يحكي الشفق لونها ،حتّى أعدّ قرصاً كبيراً منها ،وبلطفٍ وعناية، مرّغها بأغصان الذرو الغض،فأزال ما عليها من شوك ، ودعا بودٍ وحميمية (عطيرة) بقرته المدللة إليها، فانهمكت بالتهام طعامها الصيفي الفلسطيني .
تابع سليم سيمفونيته في قزع الصّبر على عجل ، قبل أن يخبو ضوء النهار من حوله ، فتفيع شياطين الإنس والجن ،والهوام، والوحوش ،ومحترفو اللصوصية الذين ما إن تأفل الشمس حتّى يخرجوا من جحورهم ،فينتشرون في البراري وأذيال الحوا كير، يتصيدون رزقهم الحرام . بهذا كان يحدّث سليم نفسه و هو مستغرق في جمع الصبر ، و كأنه نسي ما قيل في المثل الشعبي [ اللي بخاف من الضبع بطلعله ] .
و كان الذي يخشى،وقلب المرء د ليله،فواحد من هؤلاء غلاظ الأكباد ، يكمن بين عجائز جزامي الصبر الضخمة ،ويقترب بحذر نحو البكيرة المكتنزة ،وحين سنحت له الفرصة ، انقض على ( عطيرة) وساقها أمامه ، وانحدر شرقاً، ينهب الخطا إلى حبال المغيّر، وعبر الشعاب والوهاد،شقّ طريقه ، وظلّ يختبىء هنا وهناك بين أشجار الخروب والذرو المتشابك ، حتّى جنّ الليل،وخيّم على الكون سكون، فلم يعد يسمع سوى صرير الجنادب وزعيق البوم .أنس بذلك قليلاً ،وازداد أنساً بعد أن تسلق أم العجين ،و هدأت أنفاسه أكثر فأكثلر ،ومن على قمة افنيغش، نظر وراءه ، تلفت يميناً وشمالاً،امتلكه إحساس بالاطمئنان؛ أن لا أحد يقتفي أثره ، فسكن روعه ،وبكل هدوءٍ وريث انحدر شمالا نحو مهاجع الرعاة في جبال جلبون ،ليدرك عندهم المبيت والعشاء،فعبر سهل مرحان الشومر إلى خلة أبي طويلة قاصداً الرويعي أسفل المنطار الأقرع ،من أرض القبانية .
وصل المهاجع والرعاة ملتفون حول زكرة اللبن ،يديرون الأكواب المتوفرة لديهم فيما بينهم ؛ ليشربوا بالتناوب اللبن مع الخبز،فعقل البكيرة، وقف ينظر نحوهم،رآه حسن ،فقال لجليسه عبد الله ألصقري: أرى زوال رجل ، ردّ عبد الله قائلاً: لا ، ليس هذا رجلاً، إنما هذا وقت عشار فلربما اعتلى كبش نعجةً،فبان طويلاً كأنه رجل،سكت حسن على مضض، وبقيت عيناه ترصد المهاجع بدقةٍ وحذر،والرعاة يتسامرون بانسجام،ولما قام كل منهم يريد فراشه ،قال حسن ثانية: أنظر،أليس ذلك رجل؟فقال: بلى! إي والله،وكمنا له ، ولما اقترب منهما ، صاحا به،من؟ قف .ففزع واندفع نحو البقرة،فكّ رباطها ، ساقها أمامه ،اتجه شرقاً وهما يتبعانه ،حاول عبثاً أن يفلت بصيده الثمين ، وأن يستنقذها منهما ،حمل عليها ، استنفذت ما لديها من طاقة ، فتعثرت الخطا، اقتربا منه كثيراً،انهال عليه ألصقري سباً وتوعداً، قف و أنا أخو خضرة...لحّد ...باطل....استمرت المطاردة.... وصلا قناة السامرية .... عند ذلك ، أيقن سعيد الغزال تعذر الإفلات منهما بالبكيرة، فتخلّى عن فريسته ، وأطلق ساقيه للريح ، فهو الملقب بالغزال بين العرب في غور بيسان ،فاختفى أثره ، ونجا بنفسه .
عاد حسن و عبد الله إلى الرعاة الذين ينتظرونهم بشوق ليعرفوا حقيقة ما جرى ،و كانت دهشتهم كبيرة وفرحتهم أكبر عندما رأوا البكيرة ،فذبحوها ، ووزعوا الجزء الأكبر من لحمها فيما بينهم ، واحتفلوا على ما بقي منها بليلة شواء بدت لكثرة أحداثها وتسارعها أطول من نظيراتها.
لم يصدّق سعيد ما حدث معه، ففي شرف الحرمنة وعرفها، لا يدخل حرامي حدود حرامي آخر، فكيف به يُسطا على مسروقه ،وعلى من؟ شيخ الحرامية الذي لم ينتعل طيلة حياته، وإذا ما مرّ بأرضٍ اقشعّر جلود أهلها ، واستنفرت وتيقظت.
غادر سعيد المكان وصدره يشتعل غيظاً.... أضمر أن يرد الصاع صاعين ، فصار ظلاً لعبد الله لا يفارقه ، يراقبه من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر( فالليل أخفى للويل ) ... لم يطل الوقت ؛ إذ أنهى فلاحو السامرية آخر طلقة لهم في حقول السمسم، وأخبروا الرعاة بذلك ،فأعدوا أنفسهم للمبيت بالقرب من تلك الحقول ، ...على المدراج ، عند قناة السامرية ، نزل الرعاة وباتوا ليلتهم فيها ، ولما تغلغل النوم في أجسادهم و راحوا في سبات عميق ، وأثقلهم الطل والنسيم المشبع بالندى، تسلل سعيد وأخذ يتفرس في وجوههم ، يبحث عن غريمه ، ولما وجد ضالته ، وقف عند رأسه متمتماً : أخو خضرا ... والله لولا جهلي بالرجل الذي كان معك لرأيت ما لا تنساه في تلك الليلة المشئومة ،إنما هذه الليلة ، سأجعل منك حديث الرعاة وملهاتهم زمناً طويلاً.... أخذ الحطة ، العقال ،العصا ،الزنار ،القشاط وما عليه وفيه، والبسطار، لم يبق من متاعه شيء ، ثم عمد إلى المراييع الأربعة وساقها أمامه، وعلى مقربة منه ، جلس وقضى حاجته ،ولطخ الحطة والعقال ، ونصب العصا وعلقهما عليها . انصرف دونما حس ،تاركاً لعبد الله رسالةً مهينة و مكللة بالسواد والسخام .
انبلج الصباح ، فانتشر بياضه.،وتغلب الخيط الأبيض على الخيط الأسود، وطوى صفحة الليل . أفاق الرعاة ....أفاق عبد الله ، تحسس أمتعته وهو مغمض العينين،مدّ يده إلى جانب حلس الحمار (وسادته الدائمة ) ،لم تقع على أيٍ منها، انتصب مذعوراً، دار حول نفسه، صاح بالرعاة، احبسوا الغنم،(يا الربع أصبحنا منصورين). زوى الرعاة أغنامهم ، تقدم بعضهم إلى عبد الله ، ساروا مع الأثر من مكان نومه إلى مهجع غنمه ،افتقدوا المراييع الأربعة، تابعوا الأثر ، وجدوا الرسالة . وقف عبد الله صامتاً....ودونما كلام ،قفل راجعاً ...ننظر الرعاة في وجوه بعضهم البعض...كأنك عرفته، قال أحدهم. هزّ رأسه بنعم ...إنه سعيد الغزال...و لا أظنه إلا صاحب البقرة التي انتزعناها منه قبل أسبوع، فجاء رده كما ترون .
هان الأمر على عبد الله ، رغم فساوته وصعوبته ،وفهم مضمون الرسالة،ودونما ريث ،توجه بصحبة زميله حسن إلى أرض الحمرا ،جنوب السامرية من أرض طوباس،حيث يقيم بعض قبيلة الصقور. وعند أول بيت شعر، سأل حسن عن سعيد،فخرجت إليهما عجوز ،وأشارت إلى بيت عمه وقالت : تجده هناك. سلّم عبد الله ، ودون مقدمات استأذن سعيداً بالخروج معه، وبعيداً عن البيت والعيون ،سأله عن المراييع الأربعة ، أنكر ساخراً ،وهل أنا أخو خضرة ،حتى أسرقها من سبع الليل عبد الله،فقال حسن مترفقاً: يا سعيد ،عبد الله قريبك ، وليس بينكما عداء ، وهو راعٍ فقير لأهل طوباس، ولا يملك من حطام الدنيا شيئاً،فأرجوك أن تردها إليه، ولك ما تشاء ، وقد أبلغت في الرد عليه، و ناله الكثير من السخرية والاستهزاء، وزد على ذلك، ما عرفناك حين دهمتنا ،وظننا أنك تريد مواشينا،فقال سعيد :أريد بكّيرة عوضاً عن سليبتي،أختارها بنفسي من سوق الحلال ببيسان .
اتفقوا على ذلك وتفارقوا عليه،و كالمعتاد من كل خميس ، يفتح سوق بيسان العامر الزاخر بكل أصناف الحيوانات والخيول العربية الأصيلة أبوابه أمام كبار التجار من بلاد الشام و مصر ،فيلتقي فيه المتفرج والبائع والمشتري والسارق والمسروق منه،كل ينشد حاجته ،وصدق الله العظيم { إن سعيكم لشتّى }.
التقى ثلاثتهم في السوق ...سار سعيد وهما خلفه ، يقفان حيثما وقف ، انتهى به الأمر عند بكّيرة متناسقة الشكل ، مكتنزة اللحم . تقدّم عبد الله نحو صاحبها يساومه على ثمنها ، أصرّ على خمسة وعشرين جنيهاً فلسطينياً ،نظر إلى سعيد فأومأ إليه ،فأتى ، فقال له سعيد :هات ثمنها ولا أريد بقراً،فنقده المبلغ على مضض،وهو مربد الوجه مقطب الجبين ،فقال سعيد بامتعاض واغتمام :كلانا ذاق المرارة نفسها ،وأكلت النار أحشاءه على فقدان ما ليس له فما بالك بصاحب البكيرة الذي ربّاها كما يربي أطفاله،و بنى عليها آماله كواحد منهم ، ثمّ بغمضة عين يفقدها . فما تراه يفعل ، هل انصدع فؤاده؟ ولا يزال يئن ويتوجع من ثقل المصاب. ألم يجد أضعاف الذي وجدنا ؟هذا ما أيقظني فأبكاني ،وأدماني . لا تستغرب ذلك يا عبد الله، لأنني لم أذق يوماً من الدهر مرارة السلب،وكنت أنت الواعظ السارق . خذ المبلغ وردّه إلى صاحب البكيرة في أم التوت . وغداً حين تردون الماء تنحدر عليك المراييع من قبل أرض طوباس الشمالية، فوق وادي الخشنة بالقرب من وادي شوباش، فانتظرها واعلم أن هذا آخر عهدي بالحرام ، ولن أعدم الرزق والعفو عند الله.



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: قصص و حكايامن التراث الفلسطسني (5) - أخو خضرا
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ياسمينة خضرا يسرد ساعات القذافي الأخيرة بقلم أنطوان جوكي-باريس ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 10-24-2015 09:52 AM
قطوف أدبية .. دراسات نقدية في التراث العربي حول تحقيق التراث - عبد السلام محمد هارون د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 05-23-2014 02:54 PM
قصص و حكايامن التراث الفلسطسني (3) - ع ناس وناس عزت فائق ابوالرُب منبر القصص والروايات والمسرح . 1 01-27-2012 09:37 PM
عرس التراب غادة قويدر منبر شعر التفعيلة 4 12-29-2011 05:53 PM

الساعة الآن 08:37 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.