قديم 07-25-2018, 04:32 AM
المشاركة 71
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
محن الحياة تصنع أديبًا عظيمًا..




تذكّر لا شيء يمنعك من أن تكون روائيًا...
لا ظروفك الاجتماعية أو الأسرية أو المادية..

يقول الأديب الأمريكي الراحل إرنست هيمنجواي
على الكاتب أن يمر بمرحلة مريرة في حياته أو على الأقل يتخيل أنه مر بها!!
هيمنجواي نفسه مرّ بالكثير من التعقيدات الأسرية والعاطفية والاجتماعية .. ربما حساسيته المفرطة واكتئابه الوراثي كانا أحد أسباب انتحاره، لكنه قدّم للأدب العالمي الكثير من الروائع أشهرها العجوز والبحر ، ووداعًا للسلاح وغيرها..

لو أخبرتكم أن البعض يعتقد أن الكتابة نوع من الرفاهية، وأن الكتاب أشخاص مرفهين منفصلين عن الواقع، لديهم من الإستقرار المادي والأسري ما يجعلهم يمارسون الكتابة والإبحار في عالم الخيال انفصالاً أو هروبًا من الواقع...
بربكم هل ستصدقون؟!

بتتبع واقع وتاريخ معظم الروائيين سنجد أنهم عاشوا حياة بائسة فقيرة، كأبناء العمال، أو أبناء الطبقة الوسطى والقليل منهم من الأرستقراطيين الذين ينتمون للطبقات العليا في المجتمع.
نجيب محفوظ رائد الرواية العربية كانت نشأته في الحي الشعبي هي مفتاح كتابة روائعه، من قلب الحارة المصرية وعن أهلها البسطاء، وغيره كثيرين، عبقري الرواية العربية الطيب صالح، تعرّض للكثير من الصعاب وعاش مغتربًا عن بلاده وكانت رواياته لا معبرة عن الإنسان السوداني فحسب، بل والأفريقي والشرقي عمومًا...
في الواقع الأدب الجيد لابدّ له من أن ينضج في بوتقة الألم ويولد من رحم المعاناة.. حتى لو كانت معاناة الكاتب وهو بعد طفل صغير.
خوزيه ساراماجو الذي حصل على جائزة نوبل في الآداب، وصاحب رواية العمى ... والده كان فلاحاً بسيطاً، والدته كانت لا تقرأ ولا تكتب، بدأ حياته العملية كعامل أجير بأحد المصانع، التحق بالخدمة العسكرية، ثم بعد ذلك أصبح محرراً في إحدى دور النشر، أربعون عاماً مرّوا من عمره، أربعون عاماً من المعاناة.
يحكي ساراماجو عن طفولته، حينما ذهب لقضاء إحدى العطلات مع جده في قريته، وفي إحدى الأيام أصيب جده بجلطة انتقل على إثرها إلى "لشبونة" للعلاج، وحينما شعر ساراماجو بالوحدة والحزن على جده وقف في حديقة المنزل ليناجي أشجارها شاكيًا لها من الحزن الذي يعتمل بقلبه، كان يشعر أنه لن يعود إلى هذا المكان مرة أخرى، شرع بمعانقة الأشجار مودعاً.
يقول ساراماجو:
"إن لم تؤثر فيك مثل تلك الأشياء فأنت لا تصلح أن تكون أديبًا"
ويقول:
"لا راحة أبدا في الدنيا ، وإن عرف أحد الراحة في يوم ما، فلا بد أنه يوم وفاته".

أما من يتحدثون عن ضرورة توفر الاستقرار الأسري كي ينجح الكاتب، اضرب لهم مثلا بدين كونتاز أديب الخيال العلمي أمريكي الجنسية الذي لم يعرف معنى الإستقرار يومًا فلم يشاهد والدته إلا وهي طريحة الفراش، وأبيه كان سكيرًا حاول الانتحار أكثر من مرة، ربما كان عدم الاستقرار هو الصفة الوحيدة المستقرة في حياته.
في النهاية أهمس لك:
أيًا كانت حياتك مؤلمة أو صعبة لا شيء يمنعك من أن تكون كاتبًا، وأن تكتب رواية ناجحة، المهم أن تكتب و تكتب وتكتب، وقبل هذا أن تقرأ وتقرأ وتقرأ.
وأن تتقبّل حياتك وظروفك كيفما كانت، ما يدريك؟ لعلّها وسيلتك ودافعك كي تبدع فيما تكتبه.

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 07-25-2018, 06:06 PM
المشاركة 72
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
رائع لا إبداع بدون الم .

قديم 07-31-2018, 02:41 AM
المشاركة 73
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مرورك الأروع أستاذ أيوب..

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 08-05-2018, 04:42 AM
المشاركة 74
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اكتب بشغف، عمّا تحب وليس عن ما تعرف!
اكتب بجرأة لتعبر عن نفسك وعمّا تريد أن تقول ولا تخش الفشل،
وتذكر دائمًا أن العمر لم يمضِ بعد...

* اكتب عن شيء تحبه لأنك ستكتب أفضل مما تكتب عن شيء تعرفه، نجيب محفوظ عندما كتب رائعته "اللصّ والكلاب" كان مُحِبًّا لسعيد مهران ونقل لنا حبه هذا فأحببنا البطل وتعاطفنا معه.
وعميد الأدب العربي طه حسين، نقل لنا حبه للكروان في روايته "دعاء الكروان" ليس هذا فحسب، بل جعل من رَجِع صوته كرمزية القصة، ليعُبّر الكروان عن آمنة وعمّا يتردد صداه بداخلها ويناوشها من أفكار .

الكاتب الصحفي بي وايت قال أثناء تسلمه للجائزة الوطنية للآداب:
"جرأة الكاتب قد تسبب له الفشل…و أنا معجب بأي شخص يتجرأ على كتابة أي شيء".

هل سمعتم عن "جيسي لي براون"؟!
في عام 1979، وفي عمر الثمانين، بدأت جيسي في كتابة قصة حياتها. كتبت قصة بسيطة عن أجمل أيام عمرها وعن جدتها الطيبة وعمتها العدوانية التي كانت تمضغ التبغ بشراهة وتبصق دائماً على قطتها الصغيرة.
كانت تجلس على الطاولة بمطبخ منزلها بمانهاتن وتكتب، استعانت بالخطابات القديمة والصور وقصاصات الأوراق البالية. انتهت من كتابة قصتها، وقد ذكرت فيها مجموعة من الأحداث الهامة، الفيضان الكبير الذي طغى على مدينتها، ولادات ووفيّات، أقوى حب بحياتها، خيالها، أفكارها، أشياء مسكوت عنها في مجتمعها.

ثم أرسلت جيسي قصتها إلى برنامج تنموي لرعاية كبار السن اسمه حصاد العمر يشرف عليه أستاذ جامعي يدعى تشارلي كيمباثرون، والذي قام بطبع ونشر القصة بمساعدة الكلية الوطنية تحت عنوان "حياة جيسي لي براون من الميلاد وحتى سن الثمانين".
عشرون نسخة فقط وزعت على أقاربها وعلى بعض الطلبة المتفوقين بالكلية.
بعد مرور عشرين عاماً أعيد نشر القصة عام 1997 من دار نشر وارنر بوكس في كتاب بعنوان:
"حياة وزمان جيسي لي براون: ذكريات أمريكا في القرن العشرين"
أما جيسي نفسها فأصدرت كتابين فيما بعد اخرهم صدر عام 93
وكانت قد كتبت رسالة لتشارلي، شكرته فيها لأنه ساعدها رغم أنها على حدّ قولها ليست بكاتبة محترفة لكن تجاربها هي التي صنعت الاختلاف في حياتها.

* حدد نوع الروايات التي تستهويك، والتي ترغب في الكتابة مثلها. وإذا بدأت في الكتابة تذكر أنك في البداية ولا ضيّر من أن تقُلّد أو تحاكي من قرأت لهم من الكُتّاب،ولكن لا تقلد صوتًا واحداً بل عدة أصوات ومع الوقت سيتضح صوتك أنت ومعالم أسلوبك أنت، لأنك تكتب من واقع خبرتك الشخصية، فهي الشيء الوحيد الذي يصنع التفرّد. تذّكر أن:
"الكاتب الحقيقي ليس الشخص الذي لا يقلد الآخرين بل هو الشخص الذي لا يستطيع الآخرون تقليده".
يقول جون براين:
"إذا صار صوتك مسموعًا بين آلاف الأصوات، إذا أصبح اسمك له معنى بين آلاف الأسماء، فهذا لأنك قمت بعرض تجربتك الشخصية بصدق".

الروائية " أليس مونرو" من أفضل كُتّاب القصة القصيرة في الأدب الإنجليزي باعتراف النقاد، فحجم مبيعات كتبها يفوق ثلاثين ألف نسخة سنوياً، أيضاً مونرو من الكُتّاب الذي يتميز أسلوبهم بالوضوح والعمق، و يميزها أنها على تعتمد على أسلوب مغايِر لما اعتاده غيرها من الكُتّاب، فمعظم قصصها تبدأ من النقطة التي يتوقع القرّاء أنها نقطة النهاية. فهي تتلاعب بالزمن كيفما تشاء، تارة تعود بالقارىء إلى الوراء عشر سنوات، وفجأة تأخذه من جديد إلى الحاضر.
ما سِرّ نجاح مونرو؟
هل هو نوعية القصص التي تكتبها بألغازها وغموضها؟!
أم لأن قصصها تدور حول أناس عاديين، أم لأنها متفرّدة الأسلوب؟!
أم كُلّ هذا معًا؟!

إنّ ما تحبه، و ما أنت مشغول و شغوف به، و ما تتجرأ لتكتب عنه دون الخوف من الفشل، و كيفما ستكتب وبأي أسلوب وفي أي قالب ستصيغ كتابتك!!
تلك معايير هامة عليك أن تضعها باعتبارك قبل أن تبدأ الكتابة.

ثم اكتب واكتب واكتب ولا تتوقف!!!

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 08-05-2018, 04:44 AM
المشاركة 75
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
المقالات التي أضعها حاليا ..للأستاذة عبير عواد

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 08-05-2018, 04:46 AM
المشاركة 76
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الموهبة... الصبر والإرادة... خطة العمل وبناء الشخصيات ... طريقة الزهرة الثلجية(نجمة الثلج) في الكتابة..
نعم الموهبة أساس جيد وقوي لكل عمل يقوم به الإنسان، وخاصة إذا ما كان عملاً إبداعيًا... لكن هل تكفي الموهبة وحدها؟!
* كورت فونيجت روائي أمريكي، وُلِد عام 41 وتوفي عام 2007، تناولت كتاباته الإنسان والثورة الصناعية وخطر التطور الصناعي على الإنسانية... من أشهر أعماله البيانو الآلي، و مهد القطة..
يرى أن خلاصة الأدب العظيم ان تقول بعد أن تقرأ... يالها من مأساة أن تكون إنسانًا.. تحدث كورت في مؤلفه كيف تكتب قصة عن أن :
"الموهبة شيء متوفر بكثرة لكن الشيء النادر هو الإرادة على تحمل حياة كحياة الكاتب، وذلك لأن الكاتب يشبه شخص يحاول أن يكسو الهرم الأكبر بورقة حائط واحدة!"

* نعم لا يوجد أحد يمكنه تعليمك كيفية تأليف رواية؛ فكتابة الرواية عمل يحتاج إلى ممارسة وخبرة حياتية كبيرة، إذا أردت أن تكتب روايتك الأولى عليك قبل أن تمارس الكتابة، أن تقرأ مئات الروايات، قبل أن تكتب روايتك أن تكتب عشرات المسودات لروايتك قبل أن تفكر في نشرها، أن تستمع لنصائح من سبقوك، فهي سترشدك إلى نقطة البداية الصحيحة التي ستنطلق منها، ستدلك على مكامن القوة والضعف فيما يخص الصنعة الأدبية، ستبين لك الصعوبات التي مروا هم بها والتي ستمر بها أنت حتماً، أثناء رحلتك الصعبة! بل شديدة الوعورة أحيانًا..
* اتفق أغلب الكتاب والأدباء على حقيقة أن الإصرار هو العنصر الأول الذي يجب أن يتوفر فيك لتكون كاتباً ناجحاً، يقول هارلن إليسون:
"إذا استطاعت أي شخصية من أن تمنعك من الكتابة، إذاً فأنت بلا شخصية"
فالشخص القوي هو الذي يفكر، ويقرر ثم ينطلق ولا يستطيع أحد في الكون من أن يكبح جماحه.
تذكّر ليست فقط مهاراتك الكبيرة في الكتابة ودرجة إجادتك اللغة واستبطان معاني الكلمات هي التي تمكنك من كتابة الرواية، ليست فقط قدرتك الاستقرائية الفائقة هي التي ستجعلك روائياً ناجحاً، الذي سيجعلك روائياً بالفعل هو الإصرار.
يقول الكاتب ريك باس:
"كُتّاب الرواية مثل البنائين يحتجون إلى قوة ودقة لكي يشيدوا قصة جيدة، وأنت كبناء، يجب عليك أن تضع حجر فوق حجر بشكل متناسق، لكن يجب عليك في نفس الوقت أن تمتلك قوة كافية تمكنك من رفع هذه الأحجار".

* تذكّر أنه يجب أن يكون لديك خطة للعمل وبناء الشخصيات... طريقة نجمة الثلج التي تتكون من تراكيب متراصة فوق بعضها البعض لو قمنا بتفكيكها أوليًا سنجدها عبارة عن مثلثات ومربعات شكلت البنية الأساسية للنجمة المتشعبة الزاويا والأركان، وهكذا الرواية.. حدد تركيبة روايتك، كيف ستكونها؟! وكيف ستعدها؟! ..
ما الغرض من روايتك؟! ما هي فكرتك الأساسية؟! و ما هي الأفكار المحورية.. تركيبة روايتك هي خيارك المميز، صنعتك الخاصة، كل رواية لابد وأن يكون لها تركيب معين وهذا التركيب هو أنت وما تريد أن تصنع.

* لا تسخر مما كتبت في الماضي بل ابعث فيه الحياة، راجعه .. نقحه.. اكتبه من جديد..
لا تقلق حينما تكتب عدة مشاهد أو صفحات لا تؤدي إلى أي مكان معلوم، لا تقم بتمزيق أي شيء كتبته حتى ولو كان هذا الشيء بلا ملامح، ولا تحذف ما كتبته من على جهازك بحجة أنك غير راضٍ عنه..
الروائية الأمريكيةجوان ديديون اعتادت كتابة أفكارها على قصاصات ورقية ولصقها على لوحة خشبية لتعود وتستخدمهم من جديد..
في احدى رواياتها استعارت شخصية كانت قد رسمت ملامحها وشكلتها بقصة من قصصها القصيرة، وكانت تحب هذه الشخصية، لم تجد لها مكانًا ملائمًا بالرواية
فحياة الشخصية لم تتجاوز مشهدًا واحدًا داخل الرواية، فتوقفت عن الكتابة، لكنها عادت من جديد لتجد مكانًا لها بثغرة في منتصف الرواية، تقول جوان:
"حقاً في بعض الأحيان يمكنك أن تجد مخرجاً في منتصف روايتك يغير أحداثها وإيقاعها".
وهذا يقودنا إلى نقطة أخرى... شخصيات الرواية

* اجعل شخصياتك الروائية مفعمة بالحياة، ارسم ملامح كل شخصية، الاسم المقترح لها، دورها في الرواية، تفاصيل حياتها، صفاتها، طبائعها الخاصة،مميزاتها، عيوبها، هل سيكون دورها ثانويًا أم محوريًا! وهل لوجودها بالرواية سببًا أم أنه يبدو كحشو بلا معنى يجعل من إيقاع الرواية بطيئًا مملاً.... الخ.
وتذكر أن ترسم شخصيات روايتك والحبكة الدرامية في وقت متزامن، فلا يمكنك رسم واحدة دون الأخرى، الشخصيات ليست مجرد دمى خشبية سقطت من السماء فجأة، و أن العلاقة بين الحبكة والشخصيات عبارة عن عناصر درامية معقدة لذا يجب على الشخصيات أن تقوم بأفعال تتناسب مع طبيعة الحبكة التي تصنعها، أن تتحرك الشخصيات بصورة طبيعية إلى الذروة، فلا توجد شخصيات مستقلة عن الحبكة الدرامية للرواية.
يقول سكوت فيتزجيرالد:
"الشخصية هي مجرد تصرّف،والشخصيات في الرواية لا تتصرف من فراغ، فتصرفاتهم تتداخل حتماً مع تصرفات أناس آخرين وهذا التداخل هو ما نسميه التفاعل، والتفاعل هو الذي يخلق المشاهد، والمشاهد الكاملة وأنصاف المشاهد وطرق السرد هي الأحجار التي يتكون منها البناء الروائي".

وفي النهاية كن بسيطاً وإيجابياًولا تنس نصائح هيمنجواي:
- استخدم جملاً قصيرة
- استخدم فقرات قصيرة
- استخدم لغة سهلة
- كن إيجابياً ولا تكن سلبياً
إنها أفضل القواعد التي تعلمها هيمنجواي طوال مشوار حياته الأدبية، ولم يتخلَ عنهم أبداً، فأي شخص يريد أن يعبر عما بداخله من خلال الكتابة لن ينجح إلا إذا التزم بهذه القواعد....

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 08-05-2018, 04:48 AM
المشاركة 77
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أسبابك لكتابة رواية والهدف منها... إيمانك بما تصنعه، بأهميتك واحترامك لكيانك ككاتب... لغة كتابة الرواية ومضمونها وتفاصيلها وما الذي يُشكّل دعامات قوة الرواية في سرديتها ووصفها... ماهية المصادر التي تعتمد عليها للاستعانة بها عند كتابتك الرواية...
* لماذا تكتبها؟! ما الذي تعتقد أنك ستضيفه للقارىء بكتابة رواية؟! ما الشيء المميز بروايتك؟!
أغمض عينيك وفكّر معي.. في الروايات التي صنعت علامة فارقة في تاريخ الأدب، هل هناك رواية تشبه أنا كارنينا؟! هل هناك رواية نافست رواية ذهب مع الريح؟! هل هناك من يشبه سعيد مهران في اللص والكلاب؟! وهل هناك من يشبه مصطفى سعيد في موسم الهجرة للشمال؟!
إذا تذكرنا يُتم الأطفال والمآسي التي يتعرضون لها في الملاجىء، فهل سنجد أكثر صدقًا من أوليفر تويست للروائي تشارلز ديكنز؟! وجين إير في رواية شارلوت برونتي؟!
إن الروايات الخالدة التي تَعُلق أسماء شخصيات أبطالها بأذهاننا، التي نتذكرها كلما صادفنا موقفًا بالحياة يشبه موقفًا وصفته الرواية، هي الروايات التي أصبحت علامة فارقة في تاريخ الأدب، هي الروايات التي أضافت شيئًا لمن قرأوها..
هل لديك ما تضيفه بروايتك التي تقرر كتابتها؟!
إذا كانت نعم هي إجابتك، فلا تتردد، اسرع فورًا في الكتابة وأخبرنا به.
نعم قد يكون هناك من هو أكثر بؤسًا من چان فالچان في بؤساء هوجو، وقد يكون هناك من هو أشدّ قدرة على الانتقام من هيثكليف في مرتفعات وذرينج لإيميلي برونتي، وقد تكون هناك من هي أقوى تصميمًا من سكارليت في ذهب مع الريح..
أنت تعرف من هم هكذا، إذًا لماذا لاتكتب وتخبرنا عنهم...
اكتب وأضف إلينا الجديد القابع بانتظار الاكتشاف.

* كن مؤمنًا بدورك وأهميتك ككاتب، لا تبيع نفسك ولا تلتفت لسخرية الآخرين.. امنح عقلك وجسدك الراحة ليتحسن انتاجك.
في اخر محاضراته كشاعر مقيم بجامعة كارولينا الجنوبية وقبل وفاته بستة أيام، قال الشاعر والروائي جيمس لافاييت ديكي لطلابه ناصحًا:
”لا تبيع نفسك ككاتب رغم ما ستواجه من صعوبات، فالكثيرين لا يقدرون الكُتاب، لا يدركون قيمتهم الحقيقية، لا يعرفون جدوى كلماتهم. نحن معشر الكُتاب الفئة الوحيدة التي تعرف أسرار الحياة الكبرى، وليس هم، وليس هم، تذكر هذا جيداً وأنت تكتب“.
وأقول لك عليك أن تؤمن بما تكتبه، تؤمن بقيمتك وأهميتك، وأهمية ما سوف تكتبه، فلا تكتب ما يريدونك أن تكتبه، لا تكتب للانتشار، ولا تكتب ما يستهوي القراء، بل ما يلفت انتباههم ويغير أمزجتهم وميولهم القراءية، اجعلهم يقرأون ما تكتبه، طالبين له..
لا تلتفت للسخرية، ولا تصاب باليأس فقط تناول قلمك واكتب..
بين وقت وآخر اترك الكتابة، ومارس نشاطًا بدنيًا كالمشي أو الصيد، استمع للموسيقى وأنت مسترخٍ، لا ترهق عقلك ولا تجبره على الكتابة كُلّ الوقت، عندما تجد أنه بحاجة إلى التوقف عن الكتابة امنحه ما يريد.. ليمنحك ما تبغي عندما تعود لمواصلة الكتابة.
قال أحد الكتاب ذات مرة:
” على الكاتب أن تكون له هواية أو عمل بدني، لأن العمل البدني يعلم الكاتب أساليب جديدة ويحفزه على مواصلة الكتابة“.

* لغة الرواية، الوصف بالرواية، أهمية تفاصيلها
- استخدم لغة سهلة ومباشرة.
يقول مارك توين:
” اختر الكلمة الصحيحة، اكتب اللفظة الأكثر دقة ولا تكتب شبيهتها، وتذكر دائماً أن الأفعال أقوى جزء في أي جملة“.
وتقول ريتا ماي براون الروائية الأمريكية:
”الأفعال تسير بك بانسيابية على الطريق السريع“.

عليك ككاتب أن تبتعد قدر الإمكان عن التحذلق والتباهي بالألفاظ الغريبة، ابتعد عن المحسنات البديعية التي لا تضيف للمعنى شيئًا، اجعل ما تكتبه حيًا وشخوصك نابضة بالحياة، قدم فكرًا، وعبّر عن مشاعر ولا تقدم للناس أوثانًا من الألفاظ البائدة، فأنت تكتب لأبناء عصرك لا الماضي أو المستقبل، اكتب لأجلهم من بالحاضر، وستخلد كتاباتك لغتك التي كتبتها بها، فقط لا تكن مبتذلاً في ألفاظك كتب بلغة يفهمها الجميع.
في كتاب The elements of Style (عناصر الصنعة الأدبية) تأليف وليام سترانك و إي بي وايت عبارة تقول:
” إذا حدث واتفق دارسو فن الكتابة على رأي واحد، فسيكون مفاده أن الطريقة الوحيدة التي من خلالها يستطيع الكاتب جذب انتباه القراء هو أن يكون أسلوبه محدد وواضح وملموس“.

- وأنت تكتب لا تُخبر بل صوّر
حاول أن تستخدم بعض الصور الجمالية في كل صفحة، لا تخبرنا عن الغضب بل صوره، أرينا إياه واجعلنا نشعر به، حينئذ سنقرأ ونشعر بالغضب، لا تخبر القراء عما تشعر به من غضب أو ندم أو حتى خوف، بل أصنع لهم الشخصيات والمواقف التي تنقل هذا الشعور.
لا تحدث القارىء عن الظلم بل اجعله يراه كلما تعمّق بقراءة الرواية.

- لا تذكر شيئًا في روايتك دون غرض
قال تشيكوف:
” إذا كانت هناك بندقية معلقة على الحائط في بداية المسرحية، فيجب عليها أن تطلق النار قبل نهايتها“.
يجب أن تنظر إلى عملك نظرة مجملة وتطبق عليه هذه النصيحة، قم ببتر أي شيء يُعيق القصة من أن تكمل نفسها. لا تقدم شخصيات في الرواية أو أشياء بلا أهمية، لا تملأ روايتك بما تستطيع الاستغناء عنه ولا يخلّ بمحتوى الرواية أو مضمونها.

* اهتم بدقة مصادرك، وتذكر أن الخيال لا يعني تزييف الحقائق
يمكنك أن تتخيل وتتصور لكن أبداً لا تحرف ما هو معلوم من التاريخ.
نعم الرواية ضرب من ضروب الخيال، لكن هذا لا يعني أن تكتب رواية فيها حقائق محرفة أو ملتوية.
استخدم الحقائق والتفاصيل الموثقة والموثوقة فهي التي تنعم على العمل الأدبي بالمصداقية والجاذبية.
استخدم الإنترنت للحصول على الوثائق والمعلومات اللازمة لروايتك فهو سريع، سهل، وستجد ما تريد من معلومات موثقة..
لو أتيحت لك الفرصة للحصول على الجرائد والمجلات القديمة أو نسخها الأرشيفية المحفوظة على الانترنت استعملها وتوخى الدقة واحرص على الإشارة إلى مصادرك بما يعطي مصداقية للعمل.

مما يروى عن الكاتب الأمريكي يوجين جور فيدال أنه استخدم طبعة قديمة من مجلة ”هاربر“ للحصول على تفاصيل ومعلومات حول رواياته التاريخية.

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 08-05-2018, 04:51 AM
المشاركة 78
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الآن أنت أنهيت روايتك، إذًا ماذا بعد؟!
انظر إليها اقرأها، هل انتهت بالفعل؟!
نعم ...
اممممم لا أعتقد...
دعها بعيدًا قليلاً، وعد إليها مرة أخرى.. ما رأيك؟!
تلك الفقرة تبدو دخيلة! هذه الشخصية تبدو سطحية وتافهة!
ليست بالعمق الذي تريد أن تكون عليه...
تأمل بعض الألفاظ والكلمات في الرواية، ألا تبدو مبالغًا فيها؟!
أو ألا تبدو مكررة بشكل ما!!

بعض الكتاب يقولون أنهم لا يقرأون أعمالهم بعد إنهائها ويعتمدون على المحررين والمراجعين، أو انهم لا يعيدون تصحيح ما كتبوه من فقرات حتى لا ينزلقون لمطب إعادة كتابة الرواية مرة أخرى، ربما هذا ينطبق على بعض الكتاب وبعض الأعمال بالفعل، لكن هي روايتك الأولى، عملك الأول ربما يحتاج إعادة تنقيح، ما الضير في أن تعيد قراءتها وتعيد كتابتها أكثر من مرة.
أقرا الرواية بالكامل، قم بتحديد العبارات والأسطر المبهمة أو الركيكة، ولا تعدل فيها، فقط ضع خطًا تحتها أو ظللها باستخدام highlights واستمر في القراءة، فإعادة التحرير لم يأتِ وقتها بعد.
بعد المراجعة الأولى، قم بإعادة التحرير، تخلص من الإفراط وإن كان عزيزًا عليك.
الأديب والشاعر الأمريكي وليام فولكنر صاحب رواية (وردة لإيميلي) له عبارة مشهورة بهذا المضمون:
” تخلص من النثر المفرط“.

الآن راجع روايتك مرة ثالثة، تخلص من التشبيهات والاستعارات الموجودة في كل صفحة، في عملية تنقية للراوية تشبه تنقية الحديقة من الحشائش الضارة وإن كانت جميلة المنظر، لكن انتبه فلا تقوم بحذف أي شيء من روايتك قد تندم عليه لاحقًا.
كما قال الأديب الامريكي فرانسيس سكوت فيتزجيرالد مؤلف رواية (جاتسبي العظيم).

ولأننا غالبًا ما نكتب الآن باستعمال الحاسوب، لذلك أنصحك بالابقاء على نسخة من العمل دون تعديل كما كتبته أول مرة، فربما تعود إليها ثانية، كما أن التكنولوجيا ليست دائمًا صديقة لك كما تتخيل، احتفظ بالنسخة في مكان آخر غير جهازك الشخصي، باستخدام وسائط التخزين المساعدة، لن يضيرك وجود نسختين احتياطتيين، وثالثة بآخر تعديل.
وإذا كنت تدوّن ورقيًا بعض ما تكتبه من مشاهد روايتك، احتفظ بالأوراق ولا تتخلص منها، إنها إرهاصاتك الأولى ومحاولاتك المختلفة، يحضرني في هذا السياق ما قام به كريستوفر تولكين، ابن الأديب الإنجليزي جي أر أر تولكين من مراجعة ما يقرب من مليون ورقة من مسودات الملحمة الشهيرة (سيد الخواتم) والتي كتبها والده، وأعاد نشرها في عدة أجزاء يجد القارىء لها أحداث أخرى ونهايات مختلفة وعشرات المشاهد التي لم تتضمنها الرواية الأصلية.
بالطبع نحن نتحدث عن عمل استغرقت كتابته ما يقرب من عشرون عامًا وتم تغييره وتعديله من قِبَل مؤلفه نفسه عشرات المرات.
الفكرة المحورية هنا أن كل ما تكتبه له أهمية بشكل ما رغم قيامك بتنقيحه وغربلته في النهاية.

راجع عملك للمرة الرابعة، ثم تخلص من النعوت والأحوال المتكررة والتي تحمل نفس المعنى، فكلمة واحدة تكفي.
ثم ابحث عن الصور المبتذلة وتخلص منها ومن العبارات التي لا تؤدي معنى أو العبارات المبهمة التي لا تحدد الهدف منها.
واهتم بافتتاحية الرواية لأن الصفحات الأولى من الرواية ستقدمك للناشرين فعرّف نفسك جيدًا من خلالها.
وقم بإعادة كتابة المشهد الأول من روايتك أكثر من مرة وسوف تلاحظ الفرق بعد تكرار المراجعة والتحرير وأن مستواك في الكتابة صار أفضل.

اقرأ بصوت مسموع لنفسك، أو استمع لما تقرأ داخل ذهنك، ستكتشف مواطن الجماليات والقوة في الرواية كما الضعف، كما قد تكتشف أخطاءً نحوية ولغوية.
أنهيت المراجعة وإعادة التحرير!
أنت راضٍ الآن عن روايتك..
لقد قدمت كل ما لديك، أنت تستشعر إحساسك بالعمل، صوت الشخوص وأبعاد أحداث الرواية..
إنها روايتك الأولى ... طفلك الأول... إبداعك الأول
ورهانك على نفسك...
انت الآن قدر الرهان، نعم ثق بما أقول وثق أنك ستشعر بهذا....
هنيئًا لك ...
ماذا تفعل الآن؟!
هل هذا سؤال ... حان وقت النشر ...

انتظرني فقط لأخبرك في الجزء الأخير، عن مشوارك الصعب .. مشوار النشر ... لكن لا تخش شيئًا ولا تيأس ..
أنت قادر على فعلها، على مساعدة روايتك الأولى للخروج إلى النور.
لقد قمت بالكثير من العمل، يكفي أنك تحملت ثرثرتي ونصائحي....
فتحملنّي قليلاً حتى النهاية.

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 08-05-2018, 04:54 AM
المشاركة 79
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وها نحن ذا معًا في الجزء الأخير من سباعية كيف تكتب رواية؟!
ربما عليّ أن أخبرك الآن أنك حتمًا ستواجه صعوبات في النشربحيث يصبح العنوان هنا " كيف تنشر روايتك؟"..

أعلم أن اغلبنا يتحدث عن الصعوبات التي تواجه الكتاب الشباب، ممن يحاولون شق طريقهم في عالم الأدب، نعم واقعنا مؤلم، نعم هناك صعوبات متضاعفة تواجه كل صاحب حلم أيًا كان هذا الحلم، رغم قناعتي بهذا لكن لي الحق أن أتساءل، بربكم هل تعتقدون أن هناك طريقًا للنجاح كان ممهدًا ومفروشًا بالورود؟!
نعم ربما تعاني في البداية فيما يخص النشر، وخاصة في منطقتنا العربية التي لا توفر مساحة عادلة ومنصفة للجيل الحالي من شباب الكتاب، لا تجعلون هذا الأمر محبطًا، تذكروا أن أغلب الكُتاب المشهورين، قد تم رفض أعمالهم في بداية حياتهم الأدبية، فالمتابع لقصص نجاح الأدباء الذين أوجدوا لأنفسهم مكانًا بين ظهرانينا، ليكونوا علامات نقتدي بها، سيجد أنهم جميعًا نالهم الكثير من الإحباطات والخيبات وقوبلوا بالرفض والتهكم والسخرية، وسيّر حياتهم تحكي طرفًا عن معاناتهم التي كابدوها قبل أن يصبحوا كتابًا كبار يذكرهم تاريخ الأدب وتترجم أعمالهم ويسعى الناس لقراءتها بمختلف اللغات.
فكاتبة مثل مارجرت ميتشل صاحبة رواية (ذهب مع الريح)، قد تم رفض روايتها هذه من قبل دور النشر، وأخبروها أنها لا تصلح وليس لها جدوى اقتصادية، جوزيف هيلر وستيفن كينج وأول أربع روايات له. نجيب محفوظ الذي رفض الناشر نشر ثلاثيته الشهيرة بدعوى أنها ألف صفحة ولن يقرأها أحد فقام بتجزئتها لثلاث روايات (بين القصرين/ قصر الشوق/ السكرية) وغيرهم كثيرين.

حاول أن تجرب أكثر من سبيل، ولا تستسلم بسهولة وخاصة أننا أصبحنا في عصر الإنترنت، يمكنك أن تنشر عملك إلكترونياً وأن تحاول نشره ورقياً أيضاً.
وقد حدثتكم عن تجربة أماندا هوكينج من قبل في مقالي عن النشر الإلكتروني والمنشور على صفحات جيل جديد..
وسأشارككم رابط المقال بأول تعليق للإفادة.
وهناك بالفعل مواقع تقدم خدماتها لمساعدة الكُتاب على نشر أعمالهم الأدبية على منصات النشر العالمية الشهيرة مثل أمازون وسماش ووردز وأبل بوك ستورز وغيرها.

هل تعتقد أن روايتك القابعة الآن على مكتبك، أو المحفوظة بصمت داخل حاسوبك، لا تستحق منك المحاولة؟!
أعلم أن الكلمات تنتظر كي ترى النور، أن تقرأها الأعين، أن تجد حروفها طريقها للعقول والقلوب فلا تتأخر، ولا تيأس، عليك أن تحاول..

ألا زلت مترددًا؟! حائرًا؟!
فلنتفق سأتوقف عن الحديث، وسأكف عن حثّك للسعي لكن بعد أن احكي لك حكاية..
ألا تحب الحكايات؟!
كُلّنا نحب الحكايات...
بعد أن أقصها عليك أعلم أنك ستجد طريقك ولن تتوقف إلا عندما تصل لهدفك..

تناول الكاتب الراحل عبد الوهاب مطاوع قصة أرسكين كالدويل الأديب الأمريكي في واحد من كتبه التي تعرضت لنماذج إنسانية يُقتدى بها، قال عنه في إحدى الفقرات:
”قصة كالدويل والبطاطس بما ترمز إليه من القدرة على الكفاح وقوة الإرادة وتحمل جفاف الحياة خلال صعوبات البداية فلقد عاش سنوات يزرع البطاطس في الأرض المحيطة بالبيت الحجري الذي استأجره في مقاطعة فيرنون، بولاية مين الأمريكية ويأكلها وحدها بلا إدام .. ويكتب طوال الليل في غرفة باردة تتجمد فيها أصابعه وهو يدق بها على الآلة الكاتبة .. ويرسل القصة وراء القصة إلى المجلات الأدبية.. فتعيدها إليه ملصقًا عليها بطاقة رفض مطبوعة حتى تجمعت لديه من هذه البطاقات مجموعة كبيرة احتفظ بها في ألبوم ضخم كألبوم الطوابع ! ومع هذا فلم ييأس ولم يتوقف عن الكتابة .. بل ولم يندم على قراره المصيري الذي اتخذه وهو في الثانية والعشرين من عمره بالاستقالة من وظيفته كمحرر صحفي بجريدة محلية يتقاضى أجرًا مضمونًا ليتفرغ لكتابة القصة ، وليس في جيبه سوى بضع دولارات يشتري بها الورق وبذور البطاطس وطوابع البريد لإرسال القصص للمجلات، فيطول انتظاره سنوات وسنوات وتصاب أصابعه بقرح البرد ويفقد عشرين كيلو جرامًا من وزنه فلا يثنيه كل ذلك عن مواصلة المشوار“.

يقولون أن البدايات تشير في بعض الأحيان إلى النهايات، والمؤكد أن بدايات هذا الروائي كانت توحي بقوة الإرادة والقدرة على الكفاح والصبر على تحقيق الأهداف.
حكى كالدويل في مذكراته الأدبية بعنوان ”كيف أصبحت كاتبًا روائيًا“ عن مشواره الذي بدأ وهو في المرحلة الثانوية عندما قرر العمل في معصرة للزيوت، فعمل بها سرًا بغير علم والديه وراح يدخل فراشه مساء كل يوم وينتظر حتى يستغرق أبواه في النوم ثم يتسلل إلى المعصرة البعيدة ليقضي الليل كله في العمل بها مقابل دولار واحد، واستمر بضعة أسابيع حتى انكشف أمره فمنعه أبوه من العمل رحمة بصحته، وانتهت تجربة العمل الأولى في حياته لكنها تركت في حياته أثرًا شديد الأهمية ، فلقد اشترى بمدخراته من هذا العمل آلة كاتبة مستعملة ارتبط مصيره بها بعد ذلك لسنوات طويلة وبدأ يستخدمها في كتابة القصص الإخبارية التي يبعث بها للصحف المحلية ثم أنهى دراسته الثانوية والتحق بالجامعة في مدينة أخرى فحمل معه هذه الآلة المستعملة وواصل هوايته في كتابة الصور الأدبية ونشرها بمجلة الجامعة، ثم هجر دراسته الجامعية قبل التخرج وعمل بصحيفة محلية في ولاية أتلانتا، وحقق في عمله الجديد نجاحًا طيبًا وارتفع معه أجره الأسبوعي واستقرت أحواله المادية.
لكن شيئًا ما في داخله كان يتطلع إلى ما هو أكثر من العمل الصحفي العادي، فراح يكتب القصص القصيرة ويرسل بها إلى المجلات الأدبية ، وقبلت إحدى الصحف أن يقوم بكتابة تعليقات قصيرة على الكتب الجديدة بلا أجر مقابل احتفاظه بما ترسله من هذه الكتب.
وبعد عام واحد من عمله هذه الصحيفة وجد لديه حوالي ألفي كتاب جديد ، وأربعين أو خمسين قصة قصيرة أرسلها للمجلات الأدبية ورفضتها ومائتي دولار وفرها من أجره فأقدم على أخطر خطوة في حياته وهي أن يستقيل من عمله الصحفي ويتفرغ لتحقيق هدف محدد هو أن يصبح كاتبًا محترفًا، قرر ألا يعمل بأية وظيفة أخرى إلا مضطرًا ولفترة مؤقتة حتى يحمي نفسه من الجوع والضياع إلى أن يرجع للتفرغ للأدب من جديد، وحدد لنفسه فترة خمس سنوات لتحقيق أمله في أن يصبح كاتبًا معروفًا تدفع له الصحف أجرًا مقابل ما ينشره فيها من تعليقات على الروايات.
يعترف كالدويل في مذكراته تلك، أنه لم يكن يدري كيف سيعيل نفسه وأسرته فقيرة لكنها لا تستطيع مساعدته، لكنه غامر وسافر إلى فيرنون وهناك استأجر بيتًا حجريًا لمدة عام دفع إيجاره مائة دولار مقدمًا ثم شحن كتبه في صناديق كبيرة عن طريق النهر وركب القطار إليها وكان البيت قديمًا جميلاً كبيت صيفي، أما خلال الشتاء الطويل فقد كانت الإقامة به محنة قاسية، وكان أول درس تعلمه من أحد جيرانه هو أن يزرع على الفور بذور البطاطس في الأرض المحيطة ليجد ما يطعمه خلال الصيف، وأن يقطع عددًا كبيرًا من أشجار الغابة القريبة ليجد ما يكفيه من أخشاب للتدفئة طوال محنة الشتاء .
وبالفعل قام كالدويل بزراعة البطاطس وقطع الأشجار للحصول على أخشاب التدفئة والكتابة بالليل على آلته الكاتبة حتى الفجر لكنه فقد مخزونه من الخشب بأسرع مما توقع، وصور حاله حينذاك قائلاً :
”مع مجيء يناير كان معظم الخشب المخزون قد نفد وكان الثلج يرتفع في الخارج بضعة أقدام فأبقيت مدفأة المطبخ وحدها مشتعلة، ورحت أكتب في الليل في غرفة باردة بالطابق العلوي بلا مدفأة مرتديًا سويترًا من الجلد فوق البيجامة وأنا ألفّ ساقي ببطانية وأنفخ في أصابعي المتجمدة من حين لآخر، وأكتب من 10 إلى 12 ساعة كل ليلة“.
وكلما عجز عن احتمال البرد سافر إلى الجنوب طلبًا للدفء وأقام في كوخ صغير زهيد الإيجار لبعض الوقت إلى أن يتحسّن الجو يعود بعدها إلى بيته الحجري ومع مجئ الصيف التالي كان قد تعلم الدرس، فبدأ يقطع كمية أكبر من الأخشاب وراح يعزق الأرض لإخراج ثمار البطاطس، وجد أنه لم يكسب طوال هذا العام دولارًا واحدًا من الأدب، وكان كل ما كسبه من بيع الكتب التي يكتب التعليقات المجانية عليها فكان كلما نفدت نقوده ملأ حقيبة كبيرة بعدد منها ثم ذهب إلى المدينة ليبيعها ويشتري بثمنها الورق وطوابع البريد والخبز.
وأخيرًا وبعد عامين من التفرغ الكامل لكتابة القصة تلقى خطابًا من مجلة أدبية متخصصة تصدر من نيويورك اسمها ”كارفان“ تبلغه فيها بقبول أول قصة له للنشر مقابل 25 دولارًا !
وزار المجلة التي قبلت قصته ، وعددًا آخر من المجلات ودور النشر فقبلت إحداها نشر قصة أخرى طويلة له ، ثم رجع إلى فيرنون بعد نفاد نقوده ليواصل أكل البطاطس وكتابة القصص وإرسالها للمجلات متعلقًا بأمل جديد ! وقبل أن يفترسه الجوع والإجهاد والعمل الشاق كل ليلة أنقذته مجلة أدبية أخرى بقبول نشر قصتين وإرسال 350 دولار ثمنًا لهما إليه، ثم قبلت مجلة ”كارفان“ نشر أول مجموعة قصصية له فبدأت معالم الطريق تتضح أمامه بعض الشيء وبدأ مرحلة جديدة من حياته حيث راح ينتقل خلالها من مدينة إلى مدينة بحثًا عن تجربة إنسانية يسجلها في قصة جديدة، فيقيم في الفنادق الصغيرة الرخيصة ويكتب طوال الوقت ويعيش على الخبز والجبن، فإذا نفدت نقوده تمامًا أخرج تذكرة العودة بالأتوبيس ورجع إلى البيت الحجري ينتظر بيع إحدى قصصه ليرجع إلى التجوال من جديد .
وصدرت مجموعته القصصية الأولى بعنوان ”الأرض الأمريكية“ فلم يحسن النقاد استقبالها، وانهمك في كتابة رواية طويلة لأول مرة منقطعًا لها تمامًا لمدة ثلاثة شهور مقسمًا يومه إلى ثلاث فترات محددة 8 ساعات للنوم ، 8 ساعات للعمل اليدوي الشاق في جني البطاطس وزراعة البذور الجديدة وقطع الأخشاب و 8 ساعات للكتابة .
وصدرت روايته الأولى (طريق التبغ)
تلك الرواية الشهيرة، والتي قُدِّمت على مسارح برودواي بنيويورك لسنوات، لم يرحب بها معظم النقاد لكنه لم يُحرم من بعض التعليقات المتعاطفة معها وتعرف بوكيل أدبي تحمس لتسويق مؤلفاته فكتب رواية أخرى، وأصبح يرسل إليه قصصه القصيرة ليتعاقد هو مع المجلات على نشرها مقابل نسبة مئوية له، وبعد أربع سنوات من الانقطاع للكتابة الأدبية كان دخله السنوي من الأدب قد بلغ 700 دولار فدفع إيجار البيت الحجري لمدة عام آخر وبقي معه ما يكفي ليعول به نفسه وأبويه الذين لحقا به للإقامة معه في البيت وكتب عن ذلك يقول:
”تناولنا اللحم المشوي لأول مرة منذ سنة وتركنا نسبة كبيرة من البطاطس تتعفن في باطن الأرض في ذلك الخريف وأملت أن يكون ما أكلته منها ومن اللفت الذي كنت أزرعه معها هو آخر ما آكله منهما في حياتي!“

وبالفعل .. ودع أرسين كالدويل سنوات الجوع والبرد والحرمان بعد ست سنوات حافلة بالعناء وتوالى صدور كتبه ورواياته ومجموعاته القصصية، وقدمت له السينما الأمريكية عددًا من الأفلام الناجحة عن رواياته الشهيرة، كرواية (أرض الله الصغيرة) وصدرت طبعات من كتبه في بريطانيا وترجمات لها في فرنسا، وصدرت له أربع مجموعات قصصية وعدة كتب من أدب الرحلات لاقت رواجًا كبيرًا في أمريكا وسافر إلى الاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية فتهافتت عليه الصحف الأمريكية والإنجليزية على نشر مقالاته عن ”روسيا في الحرب“ وعندما عاد إلى أمريكا طلبت منه شركة ”وارنر“ بإلحاح أن يكتب لها مسودة قصة فيلم روسيا في الحرب، مقابل الإقامة الكاملة في جناح فاخر بفندق كبير ودفع أجر سكرتيرته أو مساعدته و 1200 دولار في الأسبوع طوال فترة العمل، واشترى كالدولة بيتًا صيفيًا في ولاية أريزونا الدافئة ربما رغبة في نسيان ذكريات البرد القارص في بيت فيرنون الحجري .
أعيد طبع رواية ”أرض الله الصغيرة“ في طبعة شعبية فوزعت مليوني نسخة، وهي التي لم توزع في طبعتها الأولى سوى ثلاثة آلاف نسخة! وتنافست الصحف والمجلات على طلب القصص القصيرة له لنشرها فيتراوح أجره على نشر القصة الواحدة منها ما بين 500 و 1500 دولار، ومنها بعض ما كان من بين القصص التي كتبها في بيت فيرنون الحجري البارد وهو يعيش على حساء البطاطس وأرسلها للمجلات الأدبية فأرجعتها إليه بالبريد تحمل بطاقة تقول:
مرفوض لضعف المستوى !

انتهت الحكاية..
ما رأيكم؟!
يقال” أن أعظم الأعمال لا تتحقق بالرغبة وحدها وإنما بالمثابرة والدأب والاستمرار في بذل الجهد المخلص لتحقيقها ، ولو تحمل الإنسان في سبيل ذلك.... البرد والحرمان ومرارة الرفض لفترة طويلة“.

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 10-26-2018, 11:55 PM
المشاركة 80
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الرواية:
تدور بشكل رئيسي حول الشخصيات.
الكتابة والتي هي بالأساس محاولة أن تجد و تخترع شخصيات يمكن أن تكون مليئة بالمفاجآت،ويكون خيال الكاتب هو القوة الأكثر فعالية
استفد من كل ما عرفت وقرأت، وشكّله بأحسن طريقة.
مادتك الفريدة وأدواتك لاختراع الشخصيات هي:
1_ تجربتك الشخصية بما فيها ما قرأته سابقا.
2_ ذاكرتك وتاريخك الشخصي.
3_ مشاعرك ورغباتك.
4_ توقعاتك، لغتك، تخيلاتك، أفكارك.

تختلف قوة هذه الأدوات من شخص لآخر، وكل روائي يستطيع أن يكتشف أيها تناسبه أكثر من خلال تجاربه الكتابية

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: نقاش حول كتابة الرواية ..
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اول تجربة لي في كتابة الرواية عبد الرزاق مربح منبر القصص والروايات والمسرح . 3 12-26-2020 02:40 AM
مقامات كتابة... اسماعيل آل رجب منبر البوح الهادئ 2 06-27-2018 11:46 AM
نحو نقاش جاد .. معالم ومنارات (متجدد) عبد الرحيم صابر منبر الحوارات الثقافية العامة 0 11-24-2012 01:31 PM
كتابة فتحية الحمد منبر البوح الهادئ 3 10-13-2012 10:24 PM

الساعة الآن 08:02 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.