السيرة الذّاتيّة لنظّارةٍ طبيّة - منتديات منابر ثقافية

إبراهيم ياسين is on a distinguished road



المشاركات
384



+التقييم
0.23



تاريخ التسجيل
Sep 2019



الاقامة



رقم العضوية
15917

01-21-2021, 07:19 PM

المشاركة 1

01-21-2021, 07:19 PM

المشاركة 1

السيرة الذّاتيّة لنظّارةٍ طبيّة

ها قد جاء يوم الفرج أخيراً ! لقد طلبها الزّبون و اختارها حصراً دون سواها ؛ لم تكن تعلم بالتحديد ما الذي ميّزها عن صديقاتها حتّى ابستم لها القدَر في صباح ذلك اليوم. لكن ما كانت تعلمه أنها ستَكُفّ عن مشاهدة العالم الخارجي من وراء واجهةٍ زجاجيّة؛ لتجرّب الإنغماس الفعليّ في الدنيا عوضاً عن تجرّع مسلسل الشارع اليومي مع الإعادة و إعادة الإعادة.

في الطّريق إلى المنزل، استَرَقت نظرةً خاطفةًً داخل الكيس إلى الوصفة الطبيّة. انفَرَجت أساريرها طرباً عند رؤية درجات الضّعف المتقدّمة لدى صاحبها. "سأجلس أمام عينيه طويلاً إذاً" حدّثَت نفسها بلهجة المُنتصر.

و هناك أمام المرآة، استَوَت أخيراً فوق مقعدها الأبدي على أنف الرّجل لترافقه في حلّه و ترحاله. اتّفقا معاً على أن يَقْتسما المَشَاهِد سويّاً؛ ستَحتَفِظ بنسخةٍ من كلّ ما تُشاهده لنفسها، و تُرسلُ نسخةًً أخرى لعينيه.

كانت تحتضن أذنيه بكلتي ذراعيها؛ لا تتركهما إلّا في ساعات النوم حين تضمّ ذراعيها إلى صدرها و تنام في سريرها الجلديّ، مستَذكرةً كلّ ما مرّ بها من أحداث و أماكن و أشخاص. كانت قد كوّنت صداقات لا بأس بها مع نظيراتٍ لها قابلتهنّ على أنوف أشخاصٍ آخرين. كانت تُضيف فصلاً جديداً لمسلسل حياتها في كلّ يوم، و تُمنّي النّفس ألّا تخفّ درجات الضعف بعيني صاحبها.

لقد أحبّها أكثر من اللّزوم! أحبّها لدرجة أنّه لم يعد يقوى على فراقها حتّى في ساعات النوم. نام في إحدى اللّيالي بثقل خدّه على إحدى ذراعيها فكسرها؛ و كرّر الأمر نفسه مع الذراع الأخرى في ليلةٍ ثانية. لَعِب بها مباراةً لكرة القدم؛ فأُصيبَت بركلةٍ حرّةٍ مباشرة أفقدتها القدرة على الجلوس الصحيح. كما غاص بها تحت البحر ذات صيفٍ فَخَرجَت مُحمَلةً بما تيَسّر من أملاحٍ و طحالب.

لقد هَرِمت قبل أوانها؛ و قبل انقضاء عامٍ كامل على شرائها. أُلقِيَ بها في غياهب الدُرْج مع مستَلزماتٍ أخرى أنْهَت خدماتها، و قَبَعَت يائسةً في ذلك المأوى الخشبيّ الصغير.

في أحد الأيّام، تسلّل النور على غير عادته إلى ظُلَمات الدُرْج فاستَرَقت النظر إلى خارجه لتلمح نظّارةً أخرى و قد احتلّت مكانها.

ابتَسَمت بهدوء، و راحَت تُفسِح المكان لعجوزٍ مثلها ستُؤنِس وِحْدتها بعد بضعة أشهر.

01-21-2021, 10:07 PM

المشاركة 2

عبد الكريم الزين

من آل منابر ثقافية

مجموع الاوسمة: 8



رد: السيرة الذّاتيّة لنظّارةٍ طبيّة

سرد رائع وفكرة ذكية، ووقت ممتع تقاسمنا فيه وعشنا تفاصيل حياة النظارة المسكينة، التي يصيبها ما يصيب البشر من تقلبات الزمن.
قصتك متقنة وأسلوبك مميز
تحياتي لقلمك المبدع

01-25-2021, 08:45 PM

المشاركة 3

نهـاد الـرجوب

من آل منابر ثقافية



رد: السيرة الذّاتيّة لنظّارةٍ طبيّة

جميل هذا السرد..
متقن
رائع
أعان الله كل صاحب نظارة
وأعانها عليه
خصوصا مع الكمامة والشتاء والهالة الضبابية التي تحدث من التنفس تحت الكمامة
لو أنك أتممت المشهد والمعاناة مع الكمامة ..

جميل.. سأتابع قلمك ان شاء الله

01-26-2021, 07:16 PM

المشاركة 4

ماجد عبدالله العلي

من آل منابر ثقافية



رد: السيرة الذّاتيّة لنظّارةٍ طبيّة

نص قصصي باهر وممتع .

تحياتي

01-26-2021, 07:19 PM

المشاركة 5

إبراهيم ياسين

من آل منابر ثقافية

اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة متابع أول



رد: السيرة الذّاتيّة لنظّارةٍ طبيّة

شكراً أخي المتابع. دُمْتَ بكل خيرٍ و عافية.

01-26-2021, 07:21 PM

المشاركة 6

إبراهيم ياسين

من آل منابر ثقافية

اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نهـاد الـرجوب



رد: السيرة الذّاتيّة لنظّارةٍ طبيّة

لو أردنا تعداد مشاكل النظارة و صاحبها لاحتاج الأمر إلى رواية كاملة. شكراُ أ.نهاد على المرور البهيّ و التقدير الجميل. أسعدني مروركِ.

01-26-2021, 07:22 PM

المشاركة 7

إبراهيم ياسين

من آل منابر ثقافية

اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماجد عبدالله العلي



رد: السيرة الذّاتيّة لنظّارةٍ طبيّة

نص قصصي باهر وممتع .

تحياتي

شكرا لتقديرك و مرورك العَطِر أ.ماجد

01-28-2021, 11:20 AM

المشاركة 8

منى الحريزي

القادم أجمل بإذن الله

مجموع الاوسمة: 2



رد: السيرة الذّاتيّة لنظّارةٍ طبيّة

سردية قصيرة لكن تفيض بالخيال الجميل ...
كانت لي معها قراءة ميسرة وممتعة ...

ملاحظتي إن القصة تشابه - عنوانا ومحتوى - قصة أخرى هي "سيرة ذاتية لقفاز"
للكاتب المصري عبدالعزيز عبد المعز الفائز بها في إحدى المسابقات الأدبية في 2020 م
لكن هذا لايقلل من القصة هنا لجودة سردها و روعة الخيال فيها ...

لقلمك التحية ...

دعاء سيد الاستغفار
قال رسول الله ﷺ: ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت،
أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت )
من قالها حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة، ومن قالها حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة

01-29-2021, 12:07 AM

المشاركة 9

إبراهيم ياسين

من آل منابر ثقافية

اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منى الحريزي



رد: السيرة الذّاتيّة لنظّارةٍ طبيّة

أ.منى ،شكراً جزيلاً على المعلومة القيّمة و على المرور الجميل و أسعد الله أوقاتكِ بكل خير.