قديم 03-23-2012, 10:51 PM
المشاركة 331
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع،،،

9- الصــــــياغة الأســـــــلوبية:

يلتجىء محمد براد في لعبة النسيان إلى تنويع أساليبه لخلق رواية بوليفونية حديثة، إذ يوظف بشكل متوازن الأسلوب غير المباشر أو الخطاب المسرود الموضوعي حيث يقوم الراوي بنقل الأحداث وتقديم الشخصيات والمشاهد وعرض الوقفات الوصفية عندما يؤثث الفضاءات ويزينها أو يموهها أو يشينها بمقاطع وصفية. ويعتمد في ذلك على وصف خارجي يحدد المعالم والقسمات ويستبطن المناحي النفسية والعوالم الداخلية سابرا أغوار الذات الإنسانية في سلوكاتها الشعورية واللاشعورية. ويخفف الكاتب من تدخلات الراوي العالم بكل شيء الذي يملك المعرفة المطلقة من خلال رؤية خافية ينظر بها إلى الشخوص مدعيا الحياد والموضوعية سوى ما يتبادر منه في شكل تعليقات وتقويمات عندما أدخل راوي الرواة إلى حلبة السرد ليشوش على الراوي المطلق الذي يمثل المؤلف الضمني؛ لأن وجود راوي الرواة هو تصحيح لكثير من حقائق الرواية وفضح لأسرار الذات وانطلاق لما هو مضمر ومخفي وبوح بالحقيقة واعتراف بالصراحة.
ويحضر الخطاب المسرود الموضوعي في تقديم أسلوب إخباري تقريري عن الشخوص والأحداث والفضاءات بطريقة توحي بالواقعية وتموه بصدق المحكي. لذا يعمد الراوي أو راوي الرواة إلى تبني السرد والنيابة عن الشخوص في نقل الأجواء السردية:" يكاد يكون زقاقا لولا أنه طريق سالكة...يكاد يكون زقاقا لولا أنه طريق سالكة تفضي بك إلى باب مولاي إدريس والنجارين، والرصيف، والعطارين...وباب الدار الكبيرة لا يواجهك، تجده على يمينك إذا كنت نازلا من " كرنيز"، أو على يسارك إذا أتيت من " سيدي موسى". نصفه الأعلى قطعة واحدة مرصعة بمسامير غليظة، والنصف الأسفل الذي ينفتح، له خرصة كبيرة ويمتد نصف متر إلى ما تحت مستوى الزقاق" .
فهذا المقطع وصف لفاس البالية والدار الكبيرة التي تسكنها الأم أو لالة الغالية مع الجيران، ويعمد الراوي العارف بكل شيء إلى ضمير الغياب والأسلوب غير المباشر لتقديم الفضاء الذي ستتحرك فيه الشخصيات مع تمديد هندسته وسماته المكانية وطبائعه الإنسانية ومعالمه الحضارية.
ويحضر كذلك الخطاب المعروض من خلال السرد المشهدي والحوار وعرض كلام الشخصيات، وهي تتجادل وتبوح باعترافاتها وتدلي بشهاداتها وتختلف في منظوراتها ومواقفها الإيديولوجية( مثل حوار الهادي مع الطايع). ويحضر هذا الخطاب الحواري كثيرا في المشاهد المسرحية والدرامية حيث الشخصيات تعبر عن وجهة نظرها.
ويتوسل الكاتب بالأسلوب المباشر لنقل آراء الشخصيات وأفكارها وعواطفها وطروحاتها بدون أن يتدخل الكاتب لتشويه تصوراتها أو تغيير أفكارها.
ويستند الكاتب إلى الخطاب المسرود الذاتي موظفا المنولوج أو العرض التلقائي أو تيار الوعي كما يوجد عند جيمس جويس وفيرجينيا وولف كافكا...لاستنطاق الذات مباشرة في صراعها مع الموضوع عبر استدعاء الذاكرة والأوهام والأحلام ومن خلال التأمل الذاتي والتعبير الشعوري واللاشعوريبحث عن الأم والزمن الضائع والانطواء على الذات للتلذذ بالغربة المكانية والضياع الوجودي والثورة على الواقع الكائن إلى درجة اليأس والسأم والعبثية( الهادي) أو الرجوع إلى الصواب والإيمان الرباني( الطايع).
إن المنولوج تعبير عن التمزق النفسي والذاتي والصراع الداخلي والمناجاة النفسية. وقد أورد الكاتب مقاطع كثيرة من الخطاب المسرود الذاتي ليخلق توازنا أسلوبيا وتعددا صوتيا داخل روايته التجريبية.
" منذ الآن لن أراها، قلت في نفسي وهم يضعون جسمها الصغير المكفن داخل حفرة القبر ويهيلون عليها التراب، وأصوات الفقية ترتفع فجأة عن سابق مستواها لتصاحب العملية الأخيرة: " تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير"
ومن ورائي كان زوج أختي يهمس لي: انتقلت إلى دار الحق وبقينا في دار الباطل..."
فهذا النص نموذج للمنولوج الداخلي إذ يبين نفسية الهادي عندما كان يضع الناس أمه لالة الغالية في روضتها الأخيرة وهو يتضرع داخليا ويبكي بملء مشاعره ويتمزق نفسيا من شدة الحزن ونواح الذات وحداد القلب،سي إبراهيم يحاول تهدئته من روعه وحزنه.
كما يلتجيء الكاتب إلى توظيف الخطاب المنقول عبر أسلوب غير مباشر حر الذي يزاوج بين تقنيات الحوار وتقنيات السرد، إذ ينقل الراوي كلام الشخصية بطريقة مباشرة أي " ينوب السارد عن الشخصية في التلفظ بخطابها، أو أن الشخصية تتكلم عبر صوت السارد، وحينها يتدخل الصوتان"
إذا، فهذا الأسلوب المزدوج يعكس حرية الكاتب في نسج كلام الشخصية داخل كلام الراوي... ويعني هذا اختفاء الراوي من عمله لنقل مشاعر الشخصيات وحياتهم النفسية بدل ترجمتها بطريقة سردية غير مباشرة تفقد الكلام نبرته التأثيرية والمشهدية مثلما نجد في ما يلي:
" كنت أحاول أن أنبهها إلى أن كثرة الأولاد تضر بالصحة وتثقل الكاهل، لكنها لم تكن تستطيع أن تخالف مشيئة سي إبراهيم"
" فتحت لي الباب وقد وضعت شالا على كتفها. عيناها منتفختان قليلا من أثر النوم، وصفرة خفيفة تغمر وجهها. لم أفهم، أول الأمر، كيف أنها وحدها في البيت واليوم يوم أحد. شرحت لي بأن هناك مناسبة عند أحد الأصهار، وأنها متوعكة فبقيت لتستريح. حاولت أن أكون مرحا معها كما اعتدت في السنوات الأخيرة، لكنها لم تستجب كثيرا، ربما لأنها أحست أنني أيضا على غير عادتي مقلوب المزاج. ران صمت ثقيل قطعته قائلا أنني سأحضر لها برادا من أتاي الفاعل التارك، وسأقرأ على رأسها لتصح من توعكها"
ينقل الكاتب في هذين المقطعين كلام الشخصية( لالة نجية/ وكلام الهادي/ وكنزة)، بصيغة غير مباشرة على الغم من وجود تلفظ مباشر وحوار حر. أي أن الخطاب المنقول عبر أسلوب غير مباشر حر هو تحويل خطاب داخلي للشخصية بحيث يصبح خطابا للسارد. وترى دوريت كوهين أن الغرض" من هذه التقنية تجلية الحياة الداخلية للشخصية باحترام لغتها الخاصة"
ويلاحظ أن الكاتب قد استعمل عدة أساليب للتعبير عن اختلاف المنظورات وتعدد الأصوات وجدلية الداخل والخارج واحترام الصراع بين الراوي والشخصيات بطريقة تعددية حوارية، وهذا ما تدعو غليه الرواية الحديثة التي ابتعدت عن الصوت الواحد والموقف المنفرد: " إن سيطرة أحادية الراوي العالم بكل شيء أصبحت غير محتملة في العصر الحديث مع التطور الثقافي العريض للعقل البشري، بينما أصبحت النسبية المتشبعة في النص القصصي أكثر ملاءمة" . وبالتالي، فتعددية الأساليب على مستوى الصياغة السردية يماثل التعددية الإيديولوجية وديمقراطية المواقف؛ لأن الشكل يعبر عن المضامين والمقاصد. ويقول في هذا الصدد أوسبنسكي " عندما نتحدث عن المنظور الإيديولوجي لانعني منظور الكاتب بصفة عامة منفصلا عن عمله ولكن نعني المنظور الذي يتبناه في صياغة عمل محدد، وبالإضافة إلى هذه الحقيقة يجب أن نذكر أن الكاتب قد يختار أن يتحدث بصوت مخالف لصوته، وقد يغير منظوره- في عمل واحد- أكثر من مرة، وقد يقيم من خلال أكثر من منظور".
وعلى مستوى لغة الرواية فهي لغة متنوعة إذ تجمع بين لغة الفصيح ولغة العامة عبر التهجين والأسلبة والسخرية، كما أنها تستعين بالفرنسية( البون/ )، Il est dans la poche
للتعبير عن الاختلاف والحوار وخصائص كل متكلم وطبيعته النفسية وسماته الثقافية ومنطلقاته الإيديولوجية. وتتسم اللغة كذلك بعدة خاصيات منها:
1/ التقريرية/ الموضوعية؛
2/ الرمزية والإيحائية؛
3/ الشاعرية الإنشائية؛
4/ التناصية؛
5/ لغة السخرية والباروديا.
وتتفاعل في الرواية عدة خطابات تناصية ومستنسخات مكونة لنسيج الرواية ويمكن حصرها في الأنماط الأنماط التالية:
1- الخطاب الديني والصوفي: آيات الذكر- الجذبات الصوفية- العمارة
2- الخطاب الأسطوري: كرامات الأولياء وخاصة الشريف...
3- الخطاب الموسيقي: نوبة العشاق- الاستهلال...
4- الخطاب الإعلامي: التقارير الصحفية والإذاعية....
5- الخطاب الشعري: أورد نصوصا شعرية.....
6- الخطاب التراسلي: أورد رسائل خاصة مثل: رسائل الهادي.....
7- الخطاب النقدي الواصف: فضح اللعبة الروائية....
8- الخطاب التاريخي: يورد الكاتب أحداثا تاريخية خاصة بالمغرب...
9- الخطاب السياسي: التأشير على الصراعات السياسية والإيديولوجية بالمغرب....
10- الخطاب الفلسفي: ماركوز- سارتر- فرويد....
11- الخطاب السينمائي: مناقشة فيلم ( حكاية أو....)...
12- الخطاب الاجتماعي: فلسفة الأزياء والموضة وأسماء الملابس واستحضار أحداث المجتمع...
13- الخطاب الغنائي: استحضار أغاني أم كلثوم والطرب الأندلسي والجذبات الصوفية والملحون...
كما تحضر خطابات أخرى كالخطبة السياسية والمثل والأحلام والسيرة الذاتية والخطاب الفانطازي....
وعلى مستوى التناص أيضا، تتحاور الرواية مع عدة نصوص إبداعية ونقدية داخلية وخارجية، إذ من خلالها نتذكر سهيل إدريس( الحي اللاتيني)، وطه حسين( أديب)، وتوفيق الحكيم( عصفور من الشرق)، والطيب صالح( موسم الهجرة إلى الشمال)، ومحمد شكري ( الخبز الحافي)، وعبد الكريم غلاب( دفنا الماضي/ المعلم علي)، وعبد المجيد بن جلون( في الطفولة)، وعبد لله العروي( أوراق)، وميخائيل باختين في ( الخطاب الروائي وشعرية دويستفسكي)، وسلخ الجلد للكاتب نفسه( الجنس/ الموت...).
وهذه الحوارية بين اللغات والخطابات يشكل خطاب الأسلبة والباروديا، إذ يقول باختين: " إن اللعب المتعدد الأشكال بحدود الخطابات واللغات والمنظورات يعتبر أحد أهم سمات الخطاب الساخر" .
وعليه، فقد أبدع محمد برادة رواية بوليفونية قائمة على التناصية وتعدد الخطابات وتفاعل الأجناس الأدبية والفنية وتلاقح اللغات واللهجات مما جعل هذه الرواية تستجمع جميع الأصوات الاجتماعية لتعبر بكل حرية وديمقراطية عن وجهات نظرها مع حضور المتلقي والمؤلف الوهمي الذي أجبر على التنازل عن سلطته للراوي الرواة والشخوص لتعبر عن عوالمها الداخلية ومواقفها تجاه الموضوع.
إذا، تتبنى الرواية التعدد اللغوي والتجريب البوليفوني ولاسيما أن الكاتب يعد من أنصار هذا التيار النقدي في العالم العربي الحديث، ويبدو ذلك واضحا في ترجمته لكتاب باختين ( عن جمالية الرواية ونظريتها) إلى اللغة العربية، ومقاله المنشور في كتابه أسئلة الرواية/ أسئلة النقد( التعدد اللغوي في الرواية العربية).

10- البـــــــــعد الاجتــــــــماعي:

رصد لنا محمد برادة في روايته مجتمع المغرب ماقبل الاستقلال حيث الصراع ضد الاستعمار الذي حاول استغلال المغرب وإذلاله. وكان التفاوت الاجتماعي صارخا بين فئة المعمرين التي استفادت من جميع الامتيازات وفئة المغاربة التي عانت من الإقصاء والتهميش. وقد نافست الصناعة الاستعمارية المعاصرة الصناعة الحرفية التقليدية مم ألجأ الحرفيين إلى ترك صناعاتهم والاشتغال إما بالتهريب وإما في معامل المعمرين الفرنسيين. وكانت الحياة المعيشية غالية الثمن حيث تشترى السلع خاصة إبان الحرب بالبون والصف والطوابير أمام معارض المقتنيات الأساسية من المواد الغذائية.
هذا، وإن الشعب المغربي في هذه المرحلة كان يحافظ على قيمه ومثله الاجتماعية وقيمه الأخلاقية والتشبث بالمبادئ الدينية والإسلامية.
ومع مرحلة الاستقلال وما بعدها بدأ المغرب يعرف تحولات سوسيو -اقتصادية على جميع المستويات كتناوب الحكومات وخيانة المؤطرين وقيادي الحزب للشعارات الحزبية والوطنية وضربهم للنضال التقابي عرض الحائط، وتفاوت الطبقات الاجتماعية، إذ يوجد هناك طبقة الكادحين وطبقة المثقفين والطبقة الثرية. وبدأ الصراع يحتد بين هذه الطبقات بسبب الإثراء غير المشروع بسبب الرشوة والمحسوبية وتفويت الصفقات والاستثمارات. كما أصبحت القيم مادية وكمية في مجتمع منحط تنعدم فيه القيم الكيفية والأصيلة، وتغيرت العلاقات بين الناس والأفراد وأصبحت مبنية على المصالح وتبادل المنافع وتسهيلها بواسطة المال.
ومن الظواهر التي تفشت في مجتمع ما قبل الاستقلال من خلال الرواية ظهور جماعة من الملياردية اغتنت بطرق غير قانونية، وتصدير الفتيات إلى دول الخليج وأوربا لجلب العملة الصعبة ومغازلة الغربيين على حساب قيمنا وعاداتنا، وانتشار البطالة بين صفوف خريجي الجامعات وانفصال الأجيال، إذ كان الجيل الأول يؤمن بالوطن ويدافع عن هويته واستقلاله، فإن الجيل الجديدلايهمه هذا الوطن ولا يعترف به بل ما يهمه هو الجانب الاجتماعي: العمل والكرامة وحقوق الإنسان. كما تغيرت بعض الأعراف الاجتماعية خاصة الزواج الذي أصبح يعقد في أماكن عامة ( فيلا في شارع إيموزار)، ويقسم المكان إلى عدة غرف حسب الطبقات الاجتماعية الموجودة في المجتمع المغربي. وهذا التقسيم مبني على أساس النفاق الاجتماعي وترجيح قيم: المال- الوظيفة السامية- الإثراء غير المشروع.
ولم تعد المرأة كما في السابق تحافظ على الأصالة وتتشبث بعاداتها وتقاليدها بل تعلمت وحصلت على شواهد عليا، وتعصرنت إلى حد التمرد على ما يربطها بالماضي وأعرافه التقليدية، وبدأت بعض الظواهر تغزو المجتمع المغربي كظاهرة الاختلاط في العرس بين الجنسين، وشرب الخمر في الحفلات أ وغيرها، والرقص الجماعي:ذكورا وإناثا ن شبابا وشيوخا.
هذه هي القيم الاجتماعية التي عكستها الرواية على جميع المستويات والأصعدة.

11- البـــــــــــــعد النفــــــــسي:

في هذه الرواية نجد نفسيات متناقضة ومتذبذبة ولاسيما نفسيتي الطايع والهادي الذين عانيا من الإحباط والفشل، فالأول نتيجة إخفاقه سياسيا ونقابيا مما جعله يهرب إلى ذاته واهبا حياته للأسرة وعبادة الله، والثاني لم يجد سوى حياة عبثية أبيقورية قائمة على اللذة واللهو والمجون والجنس. وإلى جانب هاتين النفسيتين هناك نفسية راضية مطمئنة كما لدى سي إبراهيم ولالة الغالية ولالة نجية.
وتحضر كذلك في الرواية عاطفة الحب بأشكالها كحب الأم عند الهادي والطايع ولالة نجية، وحب الوطن أثناء الاستعمار، وحب الجسد عند الهادي وسيد الطيب بالخصوص. وبعد الاستقلال، يظهر حب جديد هو حب المال على حساب القيم والمبادىء الأصيلة. ويختلط في الرواية حب الأبوة بحب البنوة.
وقد أثر التطاحن الاجتماعي والصراع الطبقي والتخلف الاقتصادي على نفسيات الشخصيات مما يجعلها تلتجىء إلى المنولوج والمناجاة والحوار الداخلي لتعبر عن تمزقها النفسي وصراعها الداخلي وانفصامها وارتمائها في الشخصية المزدوجة المتناقضة كالسيد الطيب مثلا.
وتوجد عاطفة سلبية طاغية في النص الروائي كعاطفة الحقد والثورة والتمرد كالحقد على الاستعمار أثناء الحماية، والحقد على الوطن بعد الاستقلال بسبب البطالة والتفاوت الاجتماعي و الخيانة الحزبية والنقابية. ويعد هروب الشخصيات إلى الاستذكار وتفتيت الذاكرة واللاشعور بمثابة رد فعل على العنف الاجتماعي والتهميش والإقصاء والانتقام من المقاييس المختلة وتفادي المواجهة المباشرة مع الواقع.

خاتـــــــــمة البـــــــــحث:

رواية لعبة النسيان لمحمد برادة رواية جديدة ذات منحى حداثي وتجريبي؛ لاعتمادها على تشظية المتن الروائي إلى عدة حكايات صغرى نووية، وتوظيف تقنية الاسترجاع من خلال التذكر والتداعي والاستيهام، وتحقيق البوليفونية من خلال تعدد السراد( راوي الرواة/ الهادي/ الطايع/ سي إبراهيم/ نساء الدار الكبيرة...)، وتعدد الضمائر والأصوات والأجناس، وغلبة الحوارية، وتداخل الأزمنة، والتخييل الذاتي والموضوعي ، وتناول تيمات جريئة كتيمة الجنس والسلطة والاستبداد، كما أن الرواية ذات أطروحة وطنية ووجودية. وتهدف الرواية كذلك إلى إدانة الوعي الوطني المزيف والتركيز على الوعي الاجتماعي للجيل الجديد الذي يتمثل في الثورة والرفض والتغيير.


قديم 03-23-2012, 10:58 PM
المشاركة 332
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
من قراءة .. بقـــلم / إبراهيـــم القهوايجي--- في رواية : لعبة النسيان


لعبة الأم : إن حضور الأم في ’’ لعبة النسيان ’’ جوهري , ذلك أن هذا عنوان هذا العمل الروائي مضلل , لأنه في العمق لعبة للتذكر وليس للنسيان , مضافا إليها جانب التخييل , حيث تقدم الشخوص من خلال مشاعر وانفعالات أولئك الذين يقدمونهم , فالأم في الرواية مضاءة من عدة زوايا سردية وشهادات خارجية , وكل وجهات النظر حولها ترسم صورتها الجميلة , لأنها تحتل مركز الأسرة , لذلك ستنغرس ذكراها إلى الأبد في شخصية الهادي , فلا غرابة إن تسمى ’ للا الغالي , وهي تحضره بصورتين\" الأولى صورة الوالدة / الام , والثانية صورة الأم / الحبيبة \" ’’ تحتضن للا الغالية الهادي وتجلسه ... وهي تقول : شكون يا خيتي عندو ولد غزال بحال ولدي ’’ الرواية ص : 10 , ’’ أمي , سترين أنني أحبك ... لن أزن الكلمات .. ’’ الرواية ص : 149 , غير أن الأم تحمل في الرواية أكثر من اسم : للا الغالية , للا ربيعة , فاس , الوطن .. ولها أكثر من صورة , إنها بين الخيال والواقع , وبذلك تكتسب قيمة رمزية تتجاوز الزمن , ففي البدء كانت الأم / الفصل الأول , ومع النهاية أيضا تبدأ / الفصل الأخير / من منكم يذكر أمي , فرغم تعدد وجهات وزوايا النظر حولها , إلا أنها كلها تصب في إخراجها في صورة بهية .

===
لعبة النسيان

16 فبراير 2008 كتبت بواسطة أسامة الشهبي

العنوان : لعبة النسيان
المؤلف : محمد برادة
الناشر : دار الأمان
طبعة : 2004

يقدم الكاتب روايته بهذه الكلمات :
“..لم يكن يهمني -حين كتبت لعبة النسيان- أن أؤرخ أو أن أتذكر ، و إنما كنت أوهم النفس أن الكتابة تتيح الاقتراب من أعماق الزمن و متهاته كما تتيح التأمل فيما عشناه متشابكا ، متداخلا ، غائم القسمات . ومن ثمَّ اللجوء إلى فضاءات الطفولة و المراهقة و الشباب بحثا عن زمن لم يعد موجودا إلا في الذاكرة و الحلم و فيما تختزنه الذات الواعية . و لأننا تعودنا على النسيان ، فإننا لا ننتبه كثيرا إلى تغير الأشياء من حولنا و إلى تغير علاقتنا و ذواتنا . و لكن ، يكفي أن تنبثق بعض اللحظات من منطقة النسيان فينا ، لتبدأ دينامية التذكر و ليبدأ الخيال في نسج ما هو كامن في اللاشعور و في الذاكرة الغافية . هكذا انطلقت في كتابة (لعبة النسيان) و كأنني أمارس لعبة ، لكنها لعبة قادتني إلى أجواء و مناطق تختلط فيها الابتسامة بالألم و السخرية بالمرارة .”

تنقل “لعبة النسيان” القارئ بين أمكنة مختلفة : فاس ، الرباط ، فرنسا..، و في أزمنة مختلفة : الاربعينات ، الخمسينات و بعد الاستقلال . الرواية تسرد حياة عدة أشخاص على لسانهم ، إذ يمثل كل واحد راو مستقل على الآخر ، يترأسهم راوي الرواة .
قوة الرواية تتمثل في أنها لا تترك للقارئ هامشا و لو صغيرا ، للزيغ..، فبين سطر و آخر يمكن أن يتحول الكاتب من راو إلى آخر ، ومن زمن إلى آخر مختلف تماما ، إما رجوعا إلى الوراء أو العكس .
لكن تبقى هناك نقطة سوداء للرواية -في نظري- ربما ستفقد على إثرها عدة قراء ، و النقطة السوداء تتمثل في أن بعض مقاطعها بالدارجة المغربية ، لذا يجب على القارئ أن يكون ملما شيئا ما -و ربما كثيرا- بالدارجة المغربية
.


قديم 03-23-2012, 11:21 PM
المشاركة 333
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
رواية * لعبة النسيان * تأليف: محمد برادة
رواية "لعبة النسيان" نص إشكالي أسال الكثير من المداد حول هويته الأجناسية، ومنذ صدورها في طبعتها الأولى سنة 1987، كانت مثار جدل واسع على صفحات الجرائد والمجلات الثقافية ونشرت حولها دراسات جامعية ونقدية كثيرة. وساهم في ذلك اختيارها من طرف وزارة التربية الوطنية المغربية منذ 1995 إلى 2005، لتكون ضمن المؤلفات المقررة على تلاميذ الثانوي.

قلة هم الكتاب الذين وزوا بين إنجازين: إنجاز تجسد في الكتابة النقدية التطبيقية، وإنجاز تمثل في الكتابة الإبداعية، حيث لغة الصورة وإنتاج الجمال، ومنهم: إلياس خوري، ونبيل سليمان، ومحمد عز الدين التازي، ومحمد برادة...
فالرواية بالنسبة لهؤلاء إبداع جمالي يمتلك ثوابت بالإمكان التقاطها وترصدها من داخل الممارسة النقدية..

لا تتشكل رواية "لعبة النسيان" من فصول وإنما جاءت حاملة لعناوين هي أسماء لشخصيات فاعلة متفاعلة داخل النص الروائي (مثلا "سيد الطيب") أو لجمل شعرية تختزل المضمون ضمن البنيات الحكائية الصغرى والمشكلة للرواية كبنية كبرى (مثلا "للا نجية أم ثانية" و"الطايع في حومة الكبار") إلى جانب هوامش داخل المتن متمثلة في "الإضاءة" و"التعتيم". ومدار الرواية منغلق حول الأم، ولكن الشخصية المحورية هي شخصية "الهادي" (أم هل هو محمد برادة نفسه كما يقول نقاد يعتبرونها سيرة ذاتية؟).


قديم 03-23-2012, 11:35 PM
المشاركة 334
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
محمد برادة

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة


ولد الروائي والناقد المغربي محمد برادة في 14 مايو((1939)) بالعاصمة المغربية الرباط.
سافر إلى مصر للدراسة في جامعة القاهرة, حيت نال فيها سنة 1960 الإجازة في الأدب العربي. في سنة 1962 حصل على شهادة الدراسات المعمقة في الفلسفة بجامعة محمد الخامس في مدينة الرباط كما نال درجة دكتوراه من [[جامعة السوربون 2 ]] الفرنسية سنة 1973. يشتغل حاليا كأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.

نشرت أول قصة له سنة 1957 بجريدة العلم المغربية وكانت تحت عنوان «المعطف البالي». شارك في تأسيس اتحاد كتاب المغرب وانتخب رئيسا له في المؤتمر الخامس (1976)والسادس (1979) والسابع (1981).

يكتب محمد برادة القصة والرواية، كما يكتب المقالة الأدبية والبحث النقدي، وله في هذه المجالات جميعها العديد من الدراسات وبعض الكتب ذات الأثر اللافت في المشهد الثقافي والأدبي والنقدي العربي، ككتابه الهام حول محمد مندور وكتابه النقدي حول الرواية العربية.
صدرت له أيضا بعض الترجمات لكتب أدبية ونقدية ونظرية أساسية، لكل من رولان بارت وميخائيل باختين وجان جنيه ولوكليزيو وغيرهم، كما ترجم لغيرهم العديد من النصوص الأساسية في مجالات مختلفة، كم عرفت بعض نصوصه الأدبية أيضا طريقها إلى الترجمة إلى بعض اللغات الأجنبية.

حصل على جائزة المغرب للكتاب، في صنف الدراسات الأدبية، عن كتابه النقدي «فضاءات روائية».
مجموعة قصصية, 2004
أعماله
  • فرانز فانون أو معركة الشعوب المتخلفة / محمد زنيبر، مولود معمري، ومحمد برادة، الدار البيضاء، 1963.
  • محمد مندور وتنظير النقد العربي، دار الآداب، بيـروت، 1979، (ط.3 2، القاهرة، دار الفكر، 1986)
  • سلخ الجلد: قصص، بيروت، دار الآداب، بيروت، 1979.
  • لغة الطفولة والحلم: قراءة في ذاكرة القصة المغربية، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، الرباط، 1986.
  • لعبة النسيان: رواية دار الأمان، الرباط، 1987، (ط. 2، الرباط، دار الأمان، 1992)
  • الضوء الهارب: رواية، البيضاء، الفنك، 1994، (ط. 2، الرباط، دار الأمان، 1987، 176ص).
  • أسئلة الرواية، أسئلة النقد، منشورات الرابطة، البيضـاء.
  • مثل صيف لن يتكرر، البيضاء، الفنك، الدار البيضاء، 1999.
  • ورد ورماد: رسائل / بالاشتراك، مع محمد شكري، المناهل، الرباط، 2000.
  • رواية امرأة النسيان، 2002.
  • رواية حيوات متجاورة، 2009.
إسهامات في الترجمة
  • من المنغلق إلى المنفتح / محمد عزيزالحبابي، ترجمة محمد برادة، القاهرة، مكتبة الأنجلو مصرية.
  • الرواية المغربية / عبد الكبير الخطيبي، ترجمة محمد برادة، قدم الترجمة محمد بن العابد الفاسي منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي، الرباط، 1971.
  • حديث الجمل / الطاهر بنجلون، ترجمة: محمد برادة، دار النشر المغربية، البيضاء، 1975.
  • في الكتابة والتجربة/ عبد الكبير الخطيبي، ترجمة محمد برادة، دار العودة، بيروت، 1980، (ط. 2، الرباط، منشورات عكاظ، 1990).
  • ديوان الخط العربي / عبد الكبير الخطيبي ومحمد السجلماسي، ترجمة محمد برادة، الدار البيضاء، 1981.
  • الدرجة الصفر للكتابة / رولان بارت، ترجمة محمد برادة، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، الرباط، 1981، (ط. 3، ش.م.ن.م.، 1995)
  • قصائد تحت الكمامة: شعر / عبد اللطيف اللعبي، ترجمة محمد برادة، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، الرباط، 1982.
  • الخطاب الروائي / ميخائيل باختين، ترجمة وتقديم محمد برادة، القاهرة، دار الفكر، القاهرة 1987

قديم 03-23-2012, 11:42 PM
المشاركة 335
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
حوار مع الناقد المغربي محمد برادة

حاوره: سعد أبو غنام وشاهر عجمي، السفير - لبنان
١٤ شباط (فبراير) ٢٠٠٨

محمد برادة المغربي الذي قضى حياة جمع فيها النضال السياسي والنقد الأدبي، والذي كان في عهد الاستبداد الملكي رئيساً لاتحاد الكتاب المغاربة، يعيش الآن في فرنسا بعد أن تنقل بين القاهرة والمغرب وباريس ولا تزال القاهرة موطن ذكرياته الأقرب. محمد برادة لا يزال الناقد الملحاح، ولكنه منذ عهد بعيد أضاف الى مهنة الناقد مهنة الراوي، وكان نصيبه من الرواية مهماً مثل نصيبه من الشعر. والآن وقد قعد عن النضال، لا يزال في باريس يواصل مهنتيه النقد والرواية ويطلع علينا من حين إلى حين بدراسة لافتة، أو برواية يغرف فيها من معين ذاكرته المغربية. معه كان هذا الحوار:
- في نصوصك الروائية المختلفة نلاحظ عن كثب الامتداد الموضوعاتي اي الاشتغال على نفس الموضوع في اكثر من نص ونسوق على ذلك مثالا : مواضيع الذاكرة والحب والمرأة. ما هو تفسيرك للتعدد الموضوعاتي في رواياتك؟
- لا اظن انني كتبت في نفس الموضوع، لأن رواياتي تتناول فضاءات مختلفة وتتحقّق عبر اشكال متباينة... الاّ ان هناك اهتماماً بأسئلة تتصل بالذاكرة والحب والجنس والموت، لأنني عندما كتبت اول رواية كنتُ اقترب من سن الخمسين وكانت معضلة العلاقة بالزمن تحتل الجزء الأكبر من اهتمامي. والتساؤل عن العلاقة بالزمن هو في الآن نفسه تساؤل عن العلاقة بالموت والجنس والذاكرة. ومن ثم اوْليتُ اهتماماً للطريقة التي اكتب بها ذاكرتي من خلال فضاء روائي وشخوص ولغة معينة، مُتطلعاً الى القبض على ما اعتبره جوهرياً في الأزمنة التي عشتها. وهنا كان لا بد من الاختيار: اما اعادة استنساخ ما يسمى بالواقع وفي ذلك افقار له، وإما الاتجاه الى البحث عن طريقة لكتابة الذاكرة كتابة تعتمد الحذف والإضافة والتخييل، وتستحضر ما يضيء الواقع ويُغنيه... وقد اخترت الطريقة الثانية لأنها تسمح بالتحرّر من الواقعية الحرفية وتفسح المجال امام الابتداع والإبداع. الكتابة عندي عملية ذهاب وإياب بين التذكُّر والنسيان، بين الملاحظة والحلم، بين المعيش والمُتخيل... والتعدّد الموضوعاتي ناتج عن هذا المزج بين عناصر الواقع واللاواقع، لكن هناك اسئلة مشتركة داخل النصوص التي كتبتها، وهي تلك التي تسعى الى اعادة تملُّك الزمن المُنصرم واستيعاب محتواه، وبذلك تغدو الكتابة بمثابة تعويض لذلك الزمن الهارب باستمرار من بين اصابعنا.
الأديب المغربي محمد برادة
- محكيات صيف لن يتكرر يحتفل بفضاءات مدينة القاهرة في ازهى لحظاتها انطلاقا من سحر اللغة المصرية والنكت وصولا الى الحقبة الناصرية التي تمثل صعودا قوميا عربيا اوحى لجيلك ان بإمكانهم امساك النجوم بأيديهم وتحقيق احلام العروبة المصاحبة، امر ثقافي ذو بعد قومي اليوم وعلى ضوء تجربتك الحافلة بالبحث والكتابة والعمل السياسي كيف تسترجع تلك الحقبة مقارنة مع حالة الركود التي تشهدها اليوم الدولة المدنية في مصر وبؤس الثقافة في هذا البلد الذي ترسخ في الذهن الجمعي العربي كمعقل للأدب والفكر العربي.
- طبيعي ان تمر المجتمعات بفترات متفاوِتة من حيث الازدهار والتعثُّر، لأن مشكلة التوازن والانخراط في العصر تواجه مجموع الحضارات والثقافات... والحضارة المصرية عرفت فترات ازدهار وتأَلُّق خالدة في العهود الفرعونية. وفي مطلع القرن العشرين، عرفت مصر نهوضاً لافتاً للنظر من خلال مقاومتها للاستعمار البريطاني وتشييدها لأُسس ثقافة عربية حداثية، ولاقتصاد وطني اقتَرنَ بمشروع طلعتْ حرب والطبقة البورجوازية الناشئة انذاك؛ بل ان النظام الديمقراطي كان قد ارسى تقاليده الأولى. لكن الاستعمار من جهة، وقيام اسرائيل على ارض فلسطين مُعضّدة من بريطانيا والغرب، ادّيا الى اجهاض وعرقلة المشروع النّهضوي الذي كانت مصر تقوده... وعندما وصلت اول مرة الى مصر، وأنا في السابعة عشرة من عمري سنة ,1955 صادفت لحظة تاريخية نادرة، حيث ان الثورة الناصرية كانت ترسم افقاً جديدا لمقاومة فساد الملَكية والأحزاب، والتصدي للاستعمار وتواطؤ اسرائيل معه ضد حقوق الفلسطينيين والعرب. من ثم، كانت كل الآمال تبدو لي ولجيْلي دانية القُطوف. وحين كتبت «مثل صيْف لن يتكرر»، حرصت على ان استحضر عبر المشاهد والفضاء والكلمات والمغامرات، نكهة تلك الحقبة التي هي فترة انتقالي من المراهقة الى الشباب، ومن مناخ المغرب الى شساعة مصر المُلوّنة بالأفلام والأغاني والقصص والروايات. فعلاً، كانت اقامتي في مصر طوال خمس سنوات بمثابة عتَبة نقلتني الى فضاء مغاير في اللغة والعلائق والمعرفة والوعي. لكن ما كتبتُه يظل متصلاً بقيم جمالية ـ أدبية وبغامرة تسعى الى كتابة الذاكرة في تعرُّجاتها ومتاهاتها. وهذا قد لا يتعارض مع مَنْ يريد قراءة «مثل صيْف... » في وصفها شهادة عن فترة من حياة مصر.
محمد شكري

- عندما يذكر الاسم محمد شكري عادة ما يحضر اسم آخر هو محمد برادة. كيف لك ان تصف لنا علاقتك بكاتب من طراز محمد شكري؟
- علاقتي بالمرحوم محمد شكري هي علاقة صداقة وتواطؤ في مجال الأدب. منذ تعرفت عليه في سنة 1971 والحوار مستمر بيننا، لأنني وجدتُه ناضجا في تفكيره، مجدّدا في كتابته، مجرّبا لخبايا الحياة وأسرارها... وعلى رغم اختلافات بيننا في طريقة العيش وتحليل الأوضاع السياسية، فإن صداقتنا ظلت قوية ومُسترسلة الى حين وفاته. لقد كان مؤنساً في جلساته، متفتحاً على الآخرين، مُقبلاً على الحياة. ومن ثم فإن صداقتنا كانت تغتني من الاختلاف ومن التواطؤ تجاه ضرورة التجديد والجرأة في الإبداع.
- يحتفي محمد شكري في كتابه الخبز الحافي بمدينة طنجة المغربية وبعوالمها رغم انها مدينة فقيرة بكل المقاييس في الوقت الذي وصفها فيه شكري كما ان كثيرا من الادباء الأوروبيين وغيرهم من ادباء العالم ينجذبون الى طنجة هل سحرهم شكري بهذه المدينة؟ ما هو السرالذي تخبئه مدينة طنجة؟
- كان شكري يحب مدينة طنجة من اعماقه، لأنها المدينة التي فتّحت وعيه ووفّرت له اكتشاف متع الجنس والموسيقى الكحول... وطنجة التي سحرتْه هي طنجة الدولية في الثلاثينيات والأربعينيات، والتي كانت آنذاك مزدهرة ومختلطة ومعبرا قريبا من اسبانيا وأوروبا. لذلك عندما نتحدث عن طنجة، لا بد ان نستحضر تلك الصورة الأسطورية التي اكتسبتْها في الفترة الدولية والتي جعلت الكُتاب والفنانين العالميين يتوافدون اليها. لقد اقترنت في الأذهان بفضاء الحرية والتقاليع وممارسة الدعارة والمتاجرة في الأسلحة والمخدرات، وشبكات الجاسوسية؛ اي ان طنجة كانت تجسد صورة مصغرة لبعض العواصم العالمية الكبرى، وفي الآن نفسه تقدم للزائرين نمط العيش المغربي بتقاليده ومطبخه اللذيذ... طبعا عرفت طنجة تحولات كثيرة بعد استقلال المغرب سنة ,1956 وفقدت الكثير من ملامحها الأسطورية، الاّ انها تحافظ على موقعها الجغرافي المُميّز، وعلى بعض التقاليد الكوسموبولتانية.
- محمد شكري اسم أدبي مغربي وعربي وعالمي بارز لكنه اشكالي تدور حوله جدالات وسجالا كثيرة في المحافل الادبية حتى بعد وفاته ما زال يشغل الناس حتى اشيع بعد وفاته انه لم يكن صادقا عندما كتب في الجزء الثاني من سيرته الذاتية زمن الاخطاء انه تعلم القراءة في سن العشرين هل اضافت اشكالية شكري وغرابة اطواره وعبثيته الى رصيده الادبي وحولته الى شخصية مركبة يصعب على المرء معرفة خباياها؟
- ليس صحيحاً ما اشاعه معلم قديم لمحمد شكري، بعد موته، من انه لم يكن هو الذي كتب نصوصه وأنه تعلم قبل سن التاسعة عشر... لقد قرأت كثيرا من مخطوطات شكري بخط يده، كما انني اتوفر على عدد من رسائله، وكل ذلك يثبت انه كان يتقن اللغة العربية ويعرف جيدا النحو والإملاء ولا يرتكب اخطاء في الكتابة... وهو لم يكن عبثياً، بل كان يحب الحياة ويقبل عليها بنَهَم، ويستوحي تجربته وفلسفته الخاصة في ما يكتبه. والذين ارادوا تشويه سمعته بعد موته هم جبناء لأنهم لم يمتلكوا الشجاعة لانتقاده عندما كان لا يزال على قيد الحياة.
- الكتابة هي تعبيرعن تناقضات عديدة ومتباينة داخل النفس البشرية وترجمة ثقافية واجتماعية لمجتمع ما هل يطابق هذا التعريف مفهومك للإبداع الروائي؟
- من الصعب ان نعطي للكتابة تعريفاً واحداً، لأنها تنتسب الى مجالات متعددة :نفسية وثقافية واجتماعية ولَعِبيَّة... وعلى رغم ان الكتابة تستعمل اللغة فإن المبدع يحرص على ان يُبلور لغة خاصة به. وأظن ان الكاتب ـ مع تقدُّم تجربته ـ يدرك ان الكتابة لا تخضع فقط لإرادته، وأن لها منطقها الخاص الذي يتمرد على مقاصد الكاتب نفسه. صحيح ان الكاتب ينجذب الى التعبير عن تناقضات الحياة وتجلياتها المختلفة، الاّ انه يظل مشدوداً اكثر الى فهْم ذاته واستكناه اسرارها وغوامضها. من ثم فإن الكتابة هي قبل كل شيء، تذْويـت للتجربة التي يعيشها الكاتب، اي محاولة لإضفاء فهمه الخاص ومشاعره المتفردة على ما عاشه في حياته الخاصة وأيضاً مع الآخرين.
- في السنة الجامعية الأولى لك بجامعة القاهرة كتبت قصتك القصيرة الأولى واستحضرت من خلالها مدينة فاس القديمة مرتع الطفولة وبعد العودة الى المغرب سنة 1960 انغمرت في العمل السياسي والثقافي وعملت على انشاء اتحاد الكتاب المغاربة والتدريس في الجامعة وانقطعت عن الكتابة طوال عقدين من الزمن، في تلك الفترة كنت مشدودا الى الحاضر ويراودك حلم التغيير الان وهنا ،ما الذي غير وجهتك وأعادك الى ميدان الكتابة هل عدت الى الواقع من خلال الإبداع الروائي والبحث والترجمة ،هل هو لجوء الى الذاكرة وحرية الكتابة واستحضار ماض جميل زاه بعيد عن خيبة الأزمنة الجديدة في حياة الإنسان العربي؟
- في الحقيقة لم انقطع عن الكتابة عقديْن من الزمن، بل كنت اكتب دائماً في فترات متقطعة وكنت اعتبر نفسي مثل رسامي يوم الأحد. وخلال سنوات كنت اكتب في الصحافة باسم مُستعار، وأحيانا اكتب نصوصاً ثم اُمزقها... لكنني لم اكن متفرغا للكتابة نتيجة انشغالي بالتعليم في الجامعة وممارسة النضال السياسي والثقافي. في بداية الكهولة، قررت ان اكتب بكمية اكثر وبانتظام لأنني اقتنعت ان الكتابة لا يُعوضها نشاط اخر، وأنها تسمح بحرية اوسع في التعبير عن تجربتنا الحياتية تعبيراً جمالياً اكثر عمقاً ونفاذاً. بطبيعة الحال هناك فرق بين الفعل المباشر والفعل من خلال الكتابة، وأحدهما لا يغني عن الآخر. ومعلوم ان العمل السياسي معرض للتعثر ولكن ذلك لا يُلغي ضرورته؛ بينما الكتابة توفر مساحة اوسع من حرية القول والتخييل. الى جانب ذلك هناك مشكلة السن، فمع تقدم العمر لا يستطيع الإنسان ان يستمر في النضال وأن يغفل التأمل في ما عاشه والكتابة عنه اذا توفّر على الموهبة... أما خيبة الآمال فهي مسألة ملتصقة بالحياة والمبدع لا يستطيع ان يطمئن الى التفاؤل الكاذب. وروعة التجربة تتمثل في جانبيْها العملي والتأملي، السياسي والإبداعي.
- في كتابك «فضاءات روائية» تعالج مراحل وملامح الرواية العربية في مائة السنوات الأخيرة. كيف ترى الرواية العربية اليوم؟
- عمر الرواية العربية لا يتجاوز المئة سنة الاّ قليلاً؛ ومع ذلك استطاعت ان تكتسب مكانة راجحة في الأدب العربي الحديث، لأنها استوْحتْ التحوّلات المتسارعة التي عرفتها المجتمعات العربية في هذه الحقبة، واستطاعت ايضاً ان تُطوّر ادواتها الفنية وأشكالها التعبيرية. والشيء اللافت في الإنتاج الروائي العربي، على امتداد الأقطار من دون فرْق بين مركز ومحيط، هو ان الخطاب الروائي قائم على النقد والنفاذ الى عمق المُعضلات والأسئلة: خطاب الرواية ليس مجاملاً ولا مسانداً للسلطة، بل هو يتغلغل في صلب المجتمع ويبتدع لغة جريئة متعددة المستويات والأصوات، لأجل التقاط الصراعات والسلوكات والفضاءات المختلفة. وعلى رغم الرقابة، استطاعت الرواية العربية ان تفرض صوتها في الداخل والخارج، وأن تتبوَّأ مكان الصدارة بين القراء.
- في كتابك «فضاءات روائية» تعتبر رواية عبد الرحمن منيف «سباق المسافات الطويلة» ورواية سليم بركات «فقهاء الظلام» ورواية غادة السمان «كوابيس بيروت» روايات مهمة تقارنها بروايات عالمية اثرت على الابداع الروائي وترجمت الى لغات كثيرة مثل «مائة سنة من العزلة» لماركيز و«مادام بوباري» لفلوبر. ما هو الأساس لهذه المقارنة؟
- اعتقد ان القراءة المقارنة للروايات العربية والعالمية هي قراءة مضيئة وممكنة، على اساس ان شكل الرواية منذ التجارب اليونانية الأولى، مُروراً بألف ليلة ودونكشوت، ووُصولاً الى الرواية الجديدة في فرنسا وأمريكا اللاتينية والبرتغال والعالم العربي، هو شكل مفتوح اسهمتْ جميع الثقافات في اغنائه والإضافة الى مُكوّناته. ومن ثم اصبحت الرواية شكلاً كوْنياً قادراً على تجسيد اسئلة الحداثة ومُعضلاتها في هذا العصر المطبوع بالقلق والاستلاب والعنف والخوف... وهي سمات مشتركة بين الشرق والغرب مع اختلاف في التفاصيل والمستويات. والروائيون العرب الذين ذكرتهم، إلى جانب آخرين، قراوا عيون الروايات العالمية وتفاعلوا معها، ولذلك يمكن ان نجد في نصوصهم وجوه التقاء وتقارب مع نصوص روائية عالمية اخرى. وأساس المقارنة يشمل الشكل والأبعاد الإنسانية المُت-تخطية للمستوى المحلّي.
شطحات استشرافية
- قال الناقد صبري حافظ ان روايات عربية ترجمت الى اللغة الانجليزية وقد لوحظ ان هذه الكتابات موجهة الى القارئ الاروبي اكثر من القارئ العربي من خلال تصويرها للمجتمعات العربية كمتخلفة وثابتة وبعيدة عن الحداثة بكلمات اخر تصف هذه الكتابات المجتمع العربي كما يتصوره الانسان الاوربي بما في ذلك التصور من شطحات استشراقية. الا ترى هذا الرأي معمما وغير منصف للادب العربي المترجم للغات الأوروبية اذا ما تحدثنا عن ابداعات الياس خوري وجمال الغيطاني وعبد الرحمن منيف ومحمد برادة وغيرهم؟
- اظن ان الناقد صبري حافظ يقصد بعض الروائيين الذين يسعون الى فرض انفسهم على الترجمة عن طريق الكتابة في موضوعات تستهوي صحافة الإثارة التي تترصد عيوب المجتمعات العربية لتشنِّع بها... وهناك ايضا دور نشر اجنبية تبحث عن نصوص تتناول موضوعات الجنس والتزمت الديني، لتجذب القراء. لكن هناك روائيون يتناولون هذه الموضوعات من زوايا عميقة وفي اشكال فنية مقنعة. وأظن ان الترجمة الى اللغات الأجنبية لا تخلو من مشاكل لها علاقة بمعرفة ما يُنشَر في العربية، والحرص على اختيار الموهوبين... مع ذلك، نجد اليوم ان القراء في الغرب بدأوا يُقبلون على قراءة الرواية العربية الجيدة...
- الكاتب السوري رفيق شامي ابدع باللغة الالمانية كما كتب الروائي الليبي هشام مطر بالانكليزية واللبناني امين معلوف كتب بالفرنسية كما ان كثيرا من الكتاب المغاربة كتبوا بالفرنسية مثل مالك حداد واحلام السويف ومحمد ديب وكان لك سجالا صاخبا مع الكاتب المغربي الطاهر بن جلون احد المتحمسين للكتابة بالفرنسية عندما اكد في مقابلة تلفزيونية ان الكتابة بالفرنسية توفر حيزا اكبر للابداع والكشف عن خبايا الأمور ومكنونات النفس الانسانية بينما اللغة العربية لا تسعف على التعبير الصريح والكاشف لانها لغة القرآن ولغة مقدسة لماذا عارضت بشدة طرح ابن جلون وهل تعتبر ان الكتابة الروائية لمبدعين عرب باللغات الاجنبية مكسبا للادب العربي ومحفزا للتجديد في االكتابة الروائية العربية؟
- أنا افرق بين شيئيْن في هذه المسألة: الأدب الذي يكتبه عرب بلغة اجنبية هو امتداد للأدب العربي الحديث وجزء منه، يُغنيه ويُخصبه... ووجوده مُبرَّر اما لأسباب تتعلق بفترة الاستعمار، او لمقتضيات راهنة تتصل بالهجرة الى اوروبا وتداخل الثقافات... أما الجانب الآخر الذي كان موضوع نقاش وجِدال مع الصديق الطاهر بنجلون، فهو يتعلق بما قاله في جلسة تلفزيونية فرنسية من ان اللغة العربية لا تسمح بالتعبير عن الموضوعات الجريئة، خاصة الجنس، وأن الكتاب المعبرين بالعربية لا يجرؤون على ذلك لأن العربية هي لغة القرآن! انا اختلف معه، لأن اللغة لا يمكن ان تكون مقدسة، بل هي مرتبطة بالحياة وتفاصيلها، وخاضعة للتطوّر التاريخي. وفي العربية بالذات، نجد نصوصاً في منتهى الجرأة شعراً ونثراً، كما نجد اليوم روايات لا تقل في جسارتها عمّا يُكتَب باللغات الأجنبية؛ مثلا : روايات صنع الله ابراهيم ورؤوف مسعد ومحمد شكري، والطيب صالح وحنان الشيخ ورشيد الضعيف، واللائحة طويلة.
- يعتبر الناقد والباحث من مصر جابر عصفور النصف الثاني من القرن العشرين «زمن الرواية العربية» كما يرى الرواية وليس الشعر هي «ديوان العرب». هل هو زمن الرواي
- زمن الرواية، زمن الشعر، زمن المسرح... هذه توصيفات مؤقتة ترتبط بالسياق المصاحب لتطور الإنتاج الأدبي في مجتمع ماّ. لكن القول بأن الرواية العربية تعرف راهناً اقبالاً وانتشاراً نسبياً، لا يعني انها تتفوق على الشعر لأن مجال الشعر يتوفر على مبدعين كبار وله متذوّقوه وعشاقه. انا ارى ان حظوة الرواية ترجع الى حاجة القارئ العربي لأن يرى نفسه في مرآة الرواية التي يسمح شكلها المرِن ولغتها المتعددة، برسم تفاصيل الحياة والتجارب والصراعات من خلال مشاهد وحوارات تسعف القارئ على استرجاع ما عاشه ويعيشه ليفكر فيه ويستوعبه. إن الرواية القائمة على التخييل تقترب من الواقع المعقد وتقدم عناصر قد يوظفها القارئ لفهم اجزاء من حياته الخاصة. الاّ ان هذه الميزة الروائية لا تتحقق الاّ على يد الروائيين الموهوبين!

مجلة شعر
- في هذه الأيام تحتفي الصحافة الأدبية في العالم العربي بخمسينية مجلة شعر. كيف ترى مساهمة مجلة شعر في مشروع الحداثة في العالم العربي الى اي حد تمثل هذه المجلة تجديدا في الشعر العربي باتجاهتها الحداثية المختلفة عندما تأثر مؤسسوها بشعراء ومنظرين من دول اوربية ذات تراث ثقافي حداثي مختلف ادت الى بلورة تيارات فكرية وأدبية مختلفة عبر عنها اعضاء المجلة مثل: يوسف الخال محمد الماغوط فؤاد رفقة جبرا وادونيس وسلمى الجيوسي وغيرها؟
- مجلة «شعر » علامة بارزة في مسار الحركة الشعري العربية، لأنها جسّدتْ التّوْق الى التجديد والتفاعل مع الشعر العالمي لتعميق اشكال ومضامين التعبير الشعري. وقد مثّلت هذه المجلة وجهاً متقدما من المُثاقفة ينبني على الترجمة والفهم والحوار وإنجاز النصوص الخارجة عن المنوال التقليدي الموروث. لذلك تعتبر «شعر» احد المنابر الأساسية التي شيدت الحداثة الشعرية العربية المعاصرة.
- في لقاء معك قلت ان حضورك كناقد طغى على حضورك كمبدع هل هنالك ثمة علاقة جدلية بين النقد والابداع الروائي؟ وكيف وفقت انت في تجربتك الإبداعية في كلا المجالين بين نوعين مختلفين من الكتابة؟
- لا اعتقد اننا نولد وعلى جبيننا الصفة التي ستلازمنا في مجال الإبداع :هذا شاعر وذاك ناقد الخ...؛ وإنما يتعلق الأمر بالاستعداد والممارسة. وأنا اعتقد ان كل مبدع يتوفر على حاسة نقدية ويمارس النقد بكيفية او اخرى، في حواراته الصحفية واختياره لشكل الكتابة... وبالنسبة لي، بدأت بكتابة القصة ثم احترفتُ التدريس وكتبت النقد انطلاقاً من مجال تخصصي الجامعي. وكتابة الرواية جاءت استجابة لحاجة داخل النفس ونتيجة لتجربة في الحياة والقراءة. المهم هو ان يقنعنا الناقد، حين يكتب رواية، بفنية روايته وتوفُّرها على خصائص الرواية...
- يدعي بعضهم أن الإبداع العربي تفوق كثيرا على النقد العربي ما هو تقييمك لمسألة النقد الادبي في العالم العربي اليوم؟
</i>هذا الانطباع عند الناس مصدرُه ان الإنتاج الأدبي العربي اتسع كثيراً، وأن الوضع الاعتباري للناقد قد تغير فلم يعد هو ذلك المتدخل في المجال الاجتماعي والإيديولجي من خلال نقد النصوص الأدبية: لم يعد الناقد هو الذي يخوض جميع المعارك الثقافية والفكرية والسياسية، كما كان الشأن عند طه حسين مثلاً. الناقد اليوم يهتم بتحليل النصوص وتأويلها، ومحاولة استجلاء ما تقوله ضمن مقتضيات الشكل والعناصر الجمالية. ومن ثم فإن ما يُكتب من نقد هو كثير، لكنه يستعمل لغة متخصصة ويطبق مناهج قد لا يدركها القارئ العادي. وأنا لا اميل الى المفاضلة بين الأجناس التعبيرية، لأن كل جنس تعبيري له اجتهاداته وعطاءاته. المهم هو ان نسعى، نقاداً ومبدعين الى اعادة النظر في المنجزات ومحاولة صياغة اسئلة اخرى تستجيب لانتظاراتنا من الأدب والإبداع على السواء.
- كيف تقيم استفادة النقد العربي من المناهج النقدية التي تبلورت في الغرب هل سخر الناقد العربي هذه المناهج للاشتغال على النصوص المكتوبة في العالم العربي بنجاح رغم الفروق الثقافية والخصوصية الحضارية التي نمت فيها هذه النظريات (في اوروبا) ،وهل ترى في الأفق نظرية نقدية عربية؟
- لا اعتبر مسألة الوصول الى «نظرية نقدية عربية» قضية مهمة، لأنها لا تقوم على اساس صحيح: ما دامت العلوم الإنسانية تقوم على جهود مشتركة بين مختلف الثقافات، وما دامت المناهج تتقاطع في مستويات التحليل اللساني والسوسيولجي والنفساني... ، فلماذا نفترض ان المنهج الذي سنحلل به نصوصنا يجب ان يكون «عربياًّ» والحال ان كثيرا من العناصر النظرية مشتركة، وبُذلتْ جهود عالمية لبلورتها. المشكل الأهم يتمثل في محاولة تعرّفنا على تلك المناهج العالمية تعرُّفاً يأخذ في الاعتبار النسبية والسياق التاريخي، ويفسح المجال للأسئلة المُتحدّرة من صلب النصوص الإبداعية العربية، اي على الناقد الاّ ينسى ان النظرية والمنهج هما مجرد وسيلة وليسا غاية في حدّ ذاتهما

قديم 03-25-2012, 01:51 PM
المشاركة 336
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
من أجل النسيان : لعبة النسيان .. امرأة النسيان

byمحمد برادة

«وجدت القاسم المشترك بين النصّين هي خلفية النسيان المشتركة بينهما، والتي غدت بمثابة صمام أمان لديّ ألجأ إليه كلما تراكمت الخيبة والمرارة، وتعذر الفهم والقبول بالأمر الواقع. عدت إذن لأكتب في ظل النسيان ومن أجله، لأسائل مخزونات الذاكرة التي تجعلني أنوس بين اليأس والجنون، بين التمرد والاستسلام... هكذا تمضي الأيام والسنون ونحن نكابر لكي نخفف من حدة الزمن الذي يكاد يشلّ خطونا. ويخيّل إليّ أننا غالبًا ما نكتب المنسيّ غير القابل للنسيان، ذاك القابع في «الأنا العميق» والذي قد نتحاشاه في مجرى الوقت العادي، لكنه ينبثق فجأة من دهليزه المعتم ليذكرنا بأن الجري وراء «المفقود» يقتضي استحضار التفاصيل التي واراها النسيان»


محمد برادة
روايتان في كتاب واحد
لعبة النسيان 1987
امرأة النسيان 2001

قديم 03-25-2012, 03:09 PM
المشاركة 337
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
محمد برادة

ربما أن الكتابة عن موت الأم هو أفضل طريقة لنسيان الم الفقدان. فهذا التفريغ سعي إلى تحقيق حالة من التوازن.

يقول محمد براده عن كتابة الرواية "هي شكل من أشكال الاستجابة لحاجة داخل النفس ونتيجة لتجربة في الحياة والقراءة". فهل كتب محمد برادة روايته كاستجابة لحاجة داخل نفسه؟ وهل تلك الحاجة كان لها علاقة بموت الام تحديدا؟

كل المؤشرات تشير إلى أن محمد برادة كتب سيرته الذاتية في روايته النسيان وهذا ما يرجحه النقاد.

وعلى الرغم من أنني لم اعثر في سيرته الذاتية المنشورة على تفاصيل عن طفولته، وهل عاش يتيم أم لا؟ وهي نقطة ضعف متكررة عند الكتاب العرب بشكل عام...أرجح من واقع ما كتب هو عن نفسه وعن الآخرين مثل ما هو وارد في قراءته النقدية لرواية التلصص ل صنع الله إبراهيم، وما كتب عنه الآخرون، نستنتج انه عاش يتيم الأب والأم مثل (الهادي) بطل رواية النسيان. والتي يرى النقاد بأنها رواية عن الموت والفقد . ويمارس الراوي لعبة النسيان، نسيان الآلام والأوجاع،من خلال استحضار الذكريات والشروع في تشخيص متخيّل للشيء العزيز المفقودوالمفتقد.
على الأرجح أن محمد براده عاش تجربة اليتم...وسنعتبره لأغراض هذه الدراسة وبناء على الأدلة الظرفية انه عاش يتيم. بانتظار أن يزودنا زملائنا من المغرب أو الأخ الأستاذ محمد نفسه بالمعلومة الأكيدة حول طفولته.
يتيم

قديم 03-28-2012, 12:20 PM
المشاركة 338
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
47- الريح الشتوية مبارك الربيع المغرب

تصور رواية «الريح الشتوية»(10) الإنسان المغربي في فترة حرجة وحاسمة من تاريخ المغرب الحديث، وهي فترة الاستعمار. إذ تحكي قصة «العربي الحمدوني»، ومن خلاله ومعه شرائح كثيرة من المغاربة الذين سلب الحاكم الفرنسي أراضيهم في البادية، ونزحوا إلى مدينة الدار البيضاء، وتكدسوا في أحياء صفيحية مهمشة، مثقلة بالفقر والقذارة أبرزها «الكريان سنطرال»، الذي شكل والفضاءات المجاورة له معترك السيرورة السردية. وقد عمل الكاتب في خضم ذلك على كشف الواقع المتردي والمتسم بالجهل والخرافة والتخلف ومخاصمة الذات والهوية، من خلال عديد من الشخصيات أبرزها «عائشة العرجاء»، التي أسند إليها دلالات وأبعادا شاسعة. حيث جسدت مرجعية اجتماعية مضطربة، أفرزت سوء فهم لعمق القضية، وكرست الإحساس بالهم الفردي والبحث عن الخلاص الفردي، تجلى في النص من خلال توجه الناس إلى المحكمة للمطالبة بأراضيهم. وكان العربي الحمدوني بطل الحل الفردي. حيث وكّل محاميا لهذا الغرض، لكن قضيته كان مصيرها الفشل وكان مصيره هو الموت.
ومع القسم الثاني تحول مسار السرد، وتم إقصاء شخصيات لصالح أخرى جديدة أهمها «العالم»، الذي اشتهرت حلقته بالتوعية الدينية ومصالحة الناس مع ذواتهم وقيمهم. ثم ترك أمر الحلقة للشاب«سي عبد الفتاح» الذي بدأ يخوض في التوعية الوطنية وتأطيرالناس، فظهرت بوادر وعي جماعي، ثم عمل وطني منظم ونقابات عمالية موازية له. وبذلك أصبح الكريان سنطرال مصدر قلق سلطات الاحتلال التي وجهت نداء إلى السكان بالإفراغ، لكنهم رفضوا، فأقدمت على إحراق الكريان، لكن ذلك لم يزد الناس إلا إصرارا. وهكذا انطلقت مواجهة مفتوحة بينهم وبين المستعمر مخلفة قتلى وجرحى ومعتقلين، وانتهت أحداث الرواية على هذا الخط الصراعي المفتوح.
وانطلاقا من هذا الإطار الموضوعي الفضفاض، بسبب صعوبة تلخيص أحداث الرواية، يمكن استخلاص أن النص يقوم على ثلاث متواليات سردية، متوالية اتخذت منحى سلبيا تمثل في واقع الجهل والخرافة، وتمخض عنه سوء فهم القضية والنزوع إلى الحل الفردي. ومتوالية جاءت بالنقيض عكست خطا توعويا دينيا ثم وطنيا، تمخضت عنه المصالحة مع الذات والنزوع إلى الإحساس بالهم الجماعي. ومتوالية فتحت مواجهة مباشرة بين المغاربة والمستعمر، وأفرزت حركة تاريخية قائمة على التوازن في أرجوحة الصراع.
وبناء على هذه المتواليات فإن السمات المهيمنة في النص هي: الإقصاء والتحول والتنامي. وهي سمات تعد بسيرورة سردية فيها تفاعل وجدلية قوية. ذلك ما سنحاول استجلاءه من خلال صورة الإنسان.
==
http://membres.multimania.fr/lyceemaroc2/ARABE/rihchatwiya.htm

قديم 03-28-2012, 12:22 PM
المشاركة 339
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
مبارك ربيع


ولد سنة 1940 بسيدي معاشو (عمالة سطات). اشتغل بالتعليم الابتدائي ابتداء من سنة 1952. حصل على الإجازة في الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع سنة 1967، ثم على دبلوم الدراسات العليا في علم النفس سنة 1975، كما أحرز على دكتوراه الدولة سنة 1988. يشتغل حاليا قيدوما لكلية الآداب والعلوم الإنسانية – بنمسيك سيدي عثمان – البيضاء.
انضم إلى اتحاد كتاب المغرب سنة 1961. يتوزع إنتاجه بين القصة القصيرة، الرواية، المقالة الأدبية والبحث في علم النفس والتربية. نشر أعماله بمجموعة من الصحف والمجلات: التحرير، العلم، دعوة الحق، أقلام، الآداب، الكتاب العربي، الوحدة، أبعاد فكرية، العربي...
تتوزع مؤلفاته المنشورة كالتالي:
القصص:
- سيدنا قدر، طرابلس، دار المصراتي، 1969.
- دم ودخان، تونس، الدار العربية للكتاب، 1975.
- رحلة الحب والحصاد، بيروت، دار الآداب، 1983.
- البلوري المكسور، شوسبريس، 1991.
الروايات
- الطيبون، الدار البيضاء، دار الكتاب، 1972.
- رفقة السلاح والقمر، الدار البيضاء، دار الثقافة، 1976.
- الريح الشتوية، تونس، الدار التونسية للنشر، 1977.
- بدر زمانه، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1984.
-برج السعـود، 1990.
- من جبالنا، توزيع شوسبيرس، 1998.
- درب السلطان: في ثلاثة أجزاء (ج. 1. نور الطلبة، ج. 2. ظل الأحبـاس، ج. 3. نزهة البلدية)
وكلها من توزيع شوسبريس، 1999-2000.
الدراسـات:
- عواطف الطفل: دراسة في الطفولة والتنشئة الاجتماعية، ط. 2، الرباط، الشركة المغربية للطباعة والنشر، 1991.
- مخاوف الأطفال وعلاقتها بالوسط الاجتماعي، الرباط، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 1991.
كتب للأطفال:
- أحلام الفتى السعيد، الرباط، وزارة التربية الوطنية، اليونيسيف، 1991.
- ميساء ذات الشعر الذهبي، الرباط، وزارة التربية الوطنية، اليونيسيف، 1991.
- بطل لا كغيره، الرباط، وزارة التربية الوطنية، اليونيسيف، 1991.
- طريق الحرية، توزيع شوسبريس، 1998


==
مبارك ربيع
1935م-

ولد الروائي مبارك أحمد ربيع في بلدة بنمعاشو بالمغرب، وهي قرية تقع إلى الجنوب من مدينة الدار البيضاء على مسافة ثمانين كيلومتراً منها. ويتميز أهل بنمعاشو باعتزازهم بالنسب الشريف وتعاملهم القبائل المجاورة بكثير من الاحترام والتقدير على أساس هذا النسب.

هاجرت أسرته إلى الدار البيضاء حيث التحق مبارك بمدرسة الكتاب ثم انتقل إلى المدارس الحكومية التي أنشأتها فرنسا آنذاك والتي ركّزت على اللغة الفرنسية وأهملت اللغة العربية. ولهذا السبب هجر مبارك هذه المدرسة والتحق بمدرسة وطنية حرة حيث كانت البرامج تركز على اللغة العربية مع حصص محدودة باللغة الفرنسية. نال من هذه المدرسة شهادته الابتدائية والتحق بمدرسة عبد الكريم لحلو الثانوية في الدار البيضاء. فتحت له هذه المدرسة آفاقاً جديدة عندما بدأ الاطلاع على الثقافة العربية الغنية فانكبّ على قراءة الكتب الأدبية العربية أو المترجمة إلى العربية. وتأثر خلال سنوات الدراسة بالروح الوطنية المقاومة للاستعمار التي كانت يبثها الأساتذة في طلابهم.

انفجرت الأزمة السياسية بين فرنسا والمغرب عام 1952 ونفي الملك محمد الخامس وأسرته وزجّ بالوطنيين في السجن وأغلقت المدارس الحرة، ومن بينها مدرسة لحلو حيث كان مبارك ربيع يتابع دراسته.

دخل مبارك عام 1958 مدرسة المعلمين وانتقل عام 1963 إلى جامعة محمد الخامس في الرباط وتخرج حاملاً دكتوراه في علم النفس.

درّس في مدارس ثانوية ثم عمل أستاذاّ بالجامعة في قسم علم النفس بكلية الآداب. انضم إلى اتحاد كتاب المغرب وحاز سنة 1971 بتونس على جائزة المغرب العربي لروايته "الطيبون"، وفاز بالجائزة الأولى من المجمع اللغوي بالقاهرة سنة 1975 لروايته "رفقة السلاح والقمر".

من مؤلفاته الروائية: سيدنا قدر 1969، الطيبون 1972، رفقة السلاح والقمر 1976، الريح الشتوية 1977، دم ودخان 1979، بدر زمانه 1983، رحلة الحب والحصاد 1983، عواطف الطفل 1984.


==
مبارك ربيع
ولد سنة1935في قرية ابنمعاشو بضواحي مدينة الدار البيضاء، درس بالمدارس الكبرى خلال المرحلة الابتدائية والثانوية ثم انخرط في سلك التدريس الابتدائي و الثانوي، حصل على دبلوم الدراساتالعليا في الفلسفة و علم النفس سنة1975من كلية الآدابفي الرباط، في موضوع "آثار الأسرة و المجتمع في تكوين عواطف الأطفال الذكور"، عينعلى إثرها أستاذا في نفس الكلية. حصل على شهادة دكتوراه الدولة حول موضوع "مخاوفالأطفال و علاقاتها بالوسط الاجتماعي"، أسندت إليه مهمة قيدوم بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك، له مجموعة من الأعمال الحكائية و الروائية نشير منهاإلى "سيدنا قدر"، "دموع و دخان"، "الطيبـون"، "رفقة السـلاح و القمر".

قديم 03-28-2012, 12:23 PM
المشاركة 340
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
مبارك ربيع:

الروائي والقاص المغربي لـ «الشرق الاوسط» : النقدالذي يعنيني هو ما يغني العمل الروائي ويساعد على اكتشاف عوالمه الداخلية
الرباط: سعيدة شريف
يعد الكاتب المغربي مبارك ربيع أحد الأسماء المؤسسة للكتابة الروائية والقصصية بالمغرب، فقد ساهم منذ نهاية الستينات الى جانب كل من عبد المجيد بن جلون وعبد الكريم غلاب ومحمد عز الدين التازي في إرساء قواعد الكتابة الابداعية بالمغرب، ورصد تحولات المجتمع المغربي في مناهضته للاستعمار الفرنسي، وتحولات المجتمع العربي وتوجهاته القومية.
وعلى الرغم من التراكم المهم للانتاجات الروائية والقصصية للمبدع مبارك ربيع فإن كتاباته اللاحقة لم تحظ بالاهتمام والنقد اللازمين لها مقارنة مع أعماله الأولى التي أدرج البعض منها في المقررات التعليمية بالمغرب وحصل من خلالها على جوائز عربية ومغربية فتحققت لها بالتالي الشهرة والانتشار.
والى جانب الرواية والقصة كتب مبارك ربيع للأطفال والفتيان، كما أنجز مجموعة من الدراسات والأبحاث الأكاديمية في مجال التحليل النفسي وعلم التربية. صدرت له لحد الآن عشر روايات هي: «الطيبون» 1972، «رفقة السلاح والقمر» 1976، «الريح الشتوية» 1977، «بدر زمانه» 1983، «برج السعود» 1990، «من جبالنا» 1998، ثلاثية «درب السلطان» 1999، و«أيام جبلية» 2003. وصدرت له خمس مجاميع قصصية هي: «سيدنا قدر» 1969، «دم ودخان» 1975، «رحلة الحب والحصاد» 1983، «البلوري المكسور» 1996 و«من غرب لشرق» 2002.
وفي هذا الحوار مع «الشرق الأوسط» يتحدث مبارك ربيع عن مفهومه للكتابة الروائية وعن سبب رفضه للنقد وعن اتحاد كتاب المغرب.
* بالنظر الى مسارك الابداعي الذي يجمع بين الرواية والقصة (10 روايات و5 مجاميع قصصية)، نلاحظ أنك تنتصر لزمن الرواية على حساب القصة، فهل القصة بالنسبة لك مجرد محطة استراحة؟
ـ أعتقد أن هناك شيئا من سوء الفهم في التمييز بين اهتمامي بالقصة والرواية. أنا أظن أن اهتمامي بالقصة والرواية لم يتغير، فالرواية بطبيعة الحال تحتاج الى حيز أكبر، والقصة تحتل حيزا أصغر. فرغم هذا التمييز الكمي فأنا أشعر بميلي لهما معا، لا أقول بحدود متساوية ولكن بنوع من الانحياز الذاتي التلقائي لكل منهما مع ما يقتضيه الاختلاف. وقد قلت أخيرا في حديث مع بعض الأصدقاء إنني حينما أكتب الرواية أشعر أنني على شاطئ المحيط أحاول أن أصطاد سمكة، لكنني حينما أكتب القصة القصيرة أشعر أنني أحتفي بالتقائي بهذه السمكة. فهناك درجة من الانجذاب نحو الرواية أو القصة وذلك يختلف حسب الظروف، ولكن ليست هناك قطيعة مستمرة أو غير مستمرة بيني وبين القصة القصيرة في مرحلة من حياتي الابداعية.
* ولكن من خلال عملكم الروائي ثلاثية «درب السلطان» يتبين أن النفس الروائي لديكم أطول؟
ـ نفس روائي طويل أو قصير، هذه مسألة نسبية، أنا أكتب الرواية وأشعر بقدرتي الدائمة على كتابتها، كما أشعر بقدرة ورغبة في كتابة القصة. على كل حال المبدأ العام لدي هو أنني لا أكتب إلا عندما يكون لدي شيء حقيقي يُكتب سواء في الرواية أو القصة.
* على عكس أعمالك الروائية الأولى (الطيبون، الريح الشتوية، رفقة السلاح والقمر، وبدر زمانه)، فإن أعمالك الروائية اللاحقة لم تحظ بنفس الاهتمام والمتابعة النقدية، فما سبب ذلك برأيك؟
ـ لا أدري وهذه ليست مشكلتي، فما دمت أكتب فدوري يتوقف عند الكتابة والنشر. ولكن إذا ما حاولت التفسير فذلك برأيي يرجع الى أن الساحة الثقافية بالمغرب يشوبها نوع من الخلل والفراغات، وهذا أمر غير عادي. على العموم هذه الظاهرة غير سليمة ولا تقف عند اسم بعينه، ففي الوقت الذي يجب أن يقوم فيه المهنيون بعملهم من أجل التعريف بالأعمال الابداعية نجدهم يتخلون عن هذا الدور ليظل المجال بالنسبة للصحافة الثقافية المكتوبة مفتوحا أمام بعض الانتقائيات والزمالات غير المهنية البتة.
* ألا تعتقد أن إدراج أعمالك الابداعية الأولى في المقررات الدراسية بالمغرب كان عاملا حاسما في انتشارها؟
ـ إذا كان المقصود الدراسات التي تكتب على هامش الكتاب المقرر في الدراسة، فهذا ليس هو الاهتمام المطلوب لأنه اهتمام بيداغوجي، ولكن يمكن القول إن رواياتي الأولى إذا كانت قد حظيت بالاهتمام فلأنها قد فرضت نفسها قبل أن يولى لها هذا الاهتمام. فأول رواية لي وهي «الطيبون» حازت جائزة لها أهميتها الكبرى في ذلك الوقت، وكذلك رواية «رفقة السلاح والقمر» وهذه كلها روايات لقيت إقبالا كبيرا من طرف القراء في المغرب والعالم العربي في وقت واسع من المنافسة وفي وقت كان يتعذر فيه الحصول على مثل هذا النوع من التقييمات.
* تتميز أعمالك الابداعية بتنوع المضامين وتعدد الرؤى، حيث انتقلت من الرؤية الوطنية الى الرؤية العربية القومية، واحتفظت مع ذلك بخصوصيتها كابداع مغربي، فما السر في ذلك، أو ما هي الوصفة التي تعتمد عليها في أعمالك؟
ـ أولا لا أنكر أنني منشغل بما يهم مجتمعي المغربي والعربي وما فيه من شرائح متعددة، وليس الموضوع هو الذي يجعل الرواية رواية، بل روائيتها وبناؤها الفني. الروائي يمكن أن يكتب في أي موضوع بشرط أن يتفاعل معه. فروائية الرواية هي الأهم وليس الموضوع لأنه يأتي بدرجات بعد البناء الفني ولا يمكنه لوحده أن يصنع عملا روائيا. صحيح أن أعمالي تعرف تنوعا في الموضوعات، وقد انتبه الى ذلك كبار المفكرين المغاربة ونوهوا به واعتبروه دلالة على تعمق التفاعل بيني وبين الفن الروائي. بالنسبة لي المسألة طبيعية فأنا أتفاعل مع الموضوع وأشرع في الكتابة. وأنا أخلص لهذا الأمر سواء كان الموضوع تخييليا صرفا أو يمزج بين التخييل والواقع. المهم بالنسبة لي هو أن يكون هذا التفاعل بيني وبين الموضوع الذي أشتغل عليه، لأنني أكتب رواية قبل أي شيء. فليس الأداء الموضوعاتي هو همي وشاغلي في الكتابة الروائية.
* كتبت عن القرية والمدينة وعن فضاءات مدن عربية ومغربية كالدار البيضاء التي عدت إليها مجددا في ثلاثية «درب السلطان»، فما أوجه الاختلاف في استعادة نفس المدينة؟
ـ فعلا كتبت عن فضاءات متعددة ومن بينها القرية، فأصولي من العالم القروي ومن الدار البيضاء وجزء منها من الرباط. فالفضاءات التي كتبت عنها هي فضاءات عرفتها بشكل جيد وخبرتها، ولكن أيضا هناك فضاءات عربية مثلا في رواية «رفقة السلاح والقمر» التي أتحدث فيها عن دمشق والقاهرة وبيروت الى جانب الرباط والدار البيضاء والقصيبة. فتأثيث الفضاء الروائي ليس معادلة محسومة مسبقا، بل هي أمور تفرض نفسها مع العمل أو مع التخطيط له ولكن ليس بشكل تعسفي وهذا هو أهم شيء. فحينما أكتب عن مدينة معينة أكتب بطلاقة وعفوية فكرية وروائية، وهو نفس الشيء حينما أكتب عن عالم قروي أو عالم مخضرم. فالمسألة فيها جزء من الجانب الذاتي ولكن الجانب الفني هو الذي يفرض نفسه.
* تجمع أغلب الدراسات التي تناولت أعمالك أنها تندرج في اطار التجريب المعتدل، الذي يضع الكتابة بين ـ بين، أي بين النمط الكلاسيكي والنمط الحداثي، فهل تتخوفون من خوض غمار التجريب؟
ـ إذا كان المقصود بالتجريب هو أن أتعمد خلط كل شيء، واطلاق شكل لا يفهم ولا يربط علاقة بيني وبين القارئ، فأنا لست في اتجاهه، أما إذا كان التجريب هو محاولة ايجاد تقنيات جديدة لتبليغ الخطاب الروائي بما يعتبر إضافة الى الفن الروائي فأنا مع هذا الاتجاه. ولكن مع ذلك لا يهمني التجريب في ذاته ولا في غير ذاته، بل يهمني أن ما أقوم به يأتي بعفوية منسجمة مع الفضاء وخالقا لعالم روائي جمالي أدبي ممتع قبل كل شيء.
* المتتبع لأعمالك يلاحظ أن النمط الكلاسيكي والارتباط بقواعد الكتابة الروائية هو الملمح الأساسي لها، فهل هذا اختيار أساسي لك في الكتابة؟
ـ هذا خطأ في الفهم ولا أتردد في أن أقول بأن هؤلاء يخطئون في الفهم، ثقافتي وتكويني وفهمي للرواية هي أبعد عما يسمى الكلاسيكية، مع العلم أني لا أفهم ما هي الكلاسيكية، إلا أنني أفهم أنها محاولة لتصنيف أدب في خانة تعتبر متجاوزة، أما غير ذلك فلا شيء يؤهلني لكي أكتب رواية كلاسيكية، فمفهومي للرواية وتصوري وثقافتي هي مشكلة من ثقافة منتصف القرن الماضي الى الآن، فلا يمكن أن نكون متناقضين، وما أعتبر القارئ والناقد وحدهما منزهين وانفردا بثقافة العصر ويعرفان ما هو كلاسيكي وما ليس كذلك، أما المسكين الذي يكتب وعاش هذه الثقافة فيبقى كلاسيكيا. على كل حال هذه التصنيفات عاجزة عن أن تحتوي العالم الروائي، وقد اطلعت على بعض الدراسات التي تحدث عنها، ويؤسفني أن أقول لك إنني أتعجب وأتساءل إن كان هؤلاء فعلا قد قرأوا رواياتي قراءة حقيقية. رواياتي هي روايات ذات مستويات عديدة منها المستوى العادي الذي يمكن أن يتفاعل معه القارئ العادي، والمستوى العميق جدا الذي يجب أن ينفذ اليه القارئ الحصيف جدا. وما أعرفه شخصيا هو رواية جيدة أو رواية غير جيدة، أما ما عداهما فهو مزاعم، ولهذا فرواياتي هي من النوع الجيد والجديد والمتقدم كثيرا على عديد من الكتابات الموجودة حسب قراءتي في الساحة المغربية والعربية معا. فهناك تقصير كبير من قبل النقاد في قراءة أعمالي، كما أن هناك من كتبوا سابقا عن رواياتي بكيفية ما أصبحوا لا يستطيعون أن يواجهوا ما كتبوه بدافع أو توجه معين. على العموم كنت دائما مخلصا للأدب والرواية وللفن بشكل عام.
* هل يمكن أن نفهم من هذا أن مسألة رفضك للنقد واعتباره مجرد قول ثان، هو بسبب وضع النقد لكتاباتك في سجلات معينة لم يحذ عنها لا في المشرق أو في المغرب؟
ـ أريد أن أعود بك الى عام 1969 في ملتقى القصاصين المغاربة بتونس و1970 في ندوة الرواية العربية بفاس، لأنني في نفس الفترة تحدثت عن مستقبل النقد في المغرب وعن المكانة التي أوليها للنقد، وذكرت أنه من الناحية المبدئية لا يهمني اطلاقا، لأنه كلام على النص لا يقلل من أهمية النص على الرغم من أنه قد يخدمه أحيانا، ومع ذلك فهو لا يعنيني اطلاقا، لكن قد يعنيني النقد إذا قدم الناقد قراءة من زاوية معينة تغني الرواية وتساعد على اكتشاف عوالمها. وبذلك يكون هذا النقد بالنسبة لي مهما جدا أما ما عدا ذلك فليس له أهمية، خاصة أن النقد في المغرب، انطلاقا من المسيرة الثقافية المعاصرة في المغرب، عرف انحرافات وتشويهات ربما بقيت آثارها الى الآن.
* سبق أن ذكرت أن الكتابة الروائية بالنسبة لك عملية شاقة ومتعبة، هلا وضحت الأمر خصوصا أن هناك كثيرين يجدون متعبة كبيرة في الكتابة الروائية؟
ـ أنا تحدثت عن الرواية مقارنة مع عمل آخر وهو العمل العلمي وأنا باحث في علم النفس ولدي أبحاث عديدة في هذا المجال، الذي من الممكن أن أستمر فيه لساعات طويلة من دون توقف. أما فيما يتعلق بالرواية والقصة فأنا أحتاج للتوقف ولا أستطيع أن استمر طويلا، ولدي تفسير لذلك يخصني وهو أن الابداع الروائي هو تجربة في اللامتناهي تتطلب نوعا من التعامل يخرج عن التعسف والحسم السريع في المواقف أو الشخوص والجمالية، ولذلك فأنا أكتب بأناة بالغة وأكاد أقول إنه لا توجد كلمة في قصصي لم أضعها إلا بعد اقتناع بأهميتها، ولا يوجد في عباراتي شيء من مجرد إفراغ الشحنة بأي طريقة لأملأ الفراغ. ولذلك فأنا لست محترفا للكتابات الموجودة في الساحة، ولكني أكتب إن صح التعبير بضمير روائي وقصصي.
* بعدما ظللت غائبا أو شبه مغيب لفترة معينة عن الأنشطة الثقافية بالمغرب، نلاحظ في الآونة الأخيرة نوعا من الاحتفاء بك وتنظيم أيام دراسية لك من قبل اتحاد كتاب المغرب وبعض الجمعيات الثقافية. فما السر وراء هذا الاحتفاء، خصوصا أنك لم تحظ به فور صدور أعمالك الأخيرة؟
ـ أولا إذا جاز لنا أن نحاسب الناس على عدم الاحتفاء فلا يجوز أن نحاسب الذين يقومون بالاحتفاء، هذا مع العلم أنه من المفروض أن يكون هذ الاحتفاء منذ وقت طويل. ولكن برأيي المسألة لا يجب أن تؤخذ بأكثر من أهميتها الحقيقية، هي مساع مشكورة من الجهات التي قامت بها والتي ستقوم بها مستقبلا، وهذا شيء يثلج الصدر، وليس لها انعكاس على شخصي بالذات لأنني أعطيت ما أعطيت، وما أعتقد أن الاحتفاء بي اليوم هو الذي سيجعلني أعطي أو أنقص من انتاجي. ولكن هذا يدل على قيم أخلاقية رفيعة جدا نفتقدها وهي هذا التفاعل الايجابي مع الأثر ومع الشخص. فبدلا من أن تسود المشاحنات والقطائع بين الأفراد، يجب أن ننصت لبعضنا وأن نكون منفتحين على أنفسنا قبل الانفتاح على الآداب العالمية.
* هل لديك نية للترشح لرئاسة اتحاد كتاب المغرب الذي سيعقد مؤتمره في شهر أكتوبر المقبل؟
ـ ليست لدي نية ولا فكرة ولا أعرف تاريخ المؤتمر المقبل لاتحاد كتاب المغرب، فالموضوع لا يندرج في اطار اهتماماتي الآن.
* ما رأيك في الوضعية التي وصل اليها اتحاد كتاب المغرب الآن؟
ـ لقد عايشت اتحاد كتاب المغرب لسنوات طويلة، إذ كنت من بين مؤسسيه وتحملت فيه بعض المسؤوليات في مراحل كان فيها الوضع الثقافي أصعب بكثير مما هو عليه الآن، لكنني في السنوات الأخيرة ابتعدت شيئا ما عنه، ليس فقط لأنني لم أعد مسؤولا فيه، ولكن بسبب انشغالاتي. وأعتقد أن اتحاد كتاب المغرب مؤسسة ضرورية على الرغم من المؤاخذات التي قد يراها البعض، لأنها حققت للثقافة المغربية والمثقفين المغاربة الشيء الكثير حيث عملت على إرساء بعض القيم الأساسية. لا شك أننا نطمح الى المزيد والارتقاء ولكن هذا لا يصل بنا الى مس وجود هذه المؤسسة.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 83 ( الأعضاء 0 والزوار 83)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 06:41 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.