قديم 01-21-2011, 08:59 PM
المشاركة 11
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عبد اللطيف عقل

ألتقط من مكتبتي كتاباً اسمُه "سرّ العصفور الأزرق ... كالدم"، في أثناء بحثٍ عن لا شيء، كنتُ أخذتُهُ نسخةً مصوّرةً من صديقٍ قبل سنوات، أتذكّر أنني قرأتُ صفحاتٍ منه، ثم قطعني عنه شاغلٌ ثقيل. أجدني في ظهيرة اليوم الذي يسبق العيد منشدّاً إليه، إذ تحضرُ صورةُ كاتبهِ قُدامي، صديقي وأستاذي عبداللطيف عقل، الشاعر والمسرحيّ والباحث، والجميل قبل ملكاتِه هذه وبعدَها. عَبَرَ طيفُه إليّ قبل أسبوعين، في ذكرى وفاته رحمه الله، والتي لا تغيب عني في كلِّ عام، إذ لا أنسى اليومَ الذي قَدِمَ إلينا من فلسطين خبرُ رحيله، بعد أيامٍ فقط من مغادرتِه عمّان التي حظينا فيها، نحن بعضُ أصحابِه المتأخرين بصداقتِه، وبالقربِ من شخصِه الرائق وروحِه الساخرِة والحلوة. قلنا في ذلك اليوم إنّ "أبو الطيب" آثَرَ أن يتوفاه الله على أن يُشاهِدَ بعد أيام توقيعَ اتفاق أوسلو، والمصافحةَ إياها في حديقة البيت الأبيض. كان ذلك كلاماً ساذجاً، لكنّ مثله مألوفٌ في لحظاتِ فقدِ الأحبّة الكبار.
مات عبداللطيف عقل قبل سبعةََ عشرَ عاماً، بعد مؤلفاتٍ لها قيمتُها في علم النفس الاجتماعي (يحمل الدكتوراه فيه من أميركا)، منها "البدوقراطية .. دراسة في الثقافة والشخصية الفلسطينية"، و"الحرية النفسية .. دراسة في سيكولوجية العدوان". وبعد حضورٍ طيّبٍ في التعليم في بعض جامعات فلسطين، وتلاميذُه على تقديرِهم لمكانتِه. وبعد مسرحيّاتٍ كتبها، منها "تشريفة بني مازن"، و"البلاد طلبت أهلها" التي فرحنْا بعروضِها في قصر الثقافة في عمّان، من بطولة النجم زهير النوباني وإخراج التونسي المنصف السويسي، وكانت صيحةَ احتجاجٍ فلسطينيّة في لحظةٍ عربيةٍ رديئة، إبان انتفاضةِ نهاية الثمانينيات. مات عبداللطيف عقل، بعد عدّة دواوين شعر، وكتبٍ ضمّنها مقالاتٍ نَشَرَها في الصحف، أحدُها الذي وجدْتُني أُنهي قراءَتَه مع فجر العيد، وكأن مؤلفَّه الراحل، الباقي في بالي وقلبي وخاطري، أرادَ في مُقامِه الزّكيّ بهجتي مع قدوم العيد.
أصدرت الكتابَ في العام 1985 جمعيةُ الصوت في الناصرة، وهي تُعرّف نفسَها بأنّها لنشر الثقافةِ وتعميقِ الوعي الفلسطيني، وهذه مهمّة جسورةً وبديعةً في آن، وتستدعي سؤالاً عمّا إذا كانت الجمعيةُ باقيةً، وعلى مهمّتها تلك. لا أجاملُ عبداللطيف عقل في تُربتِه إذا زعمتُ هنا أنّ مقالات الكتاب صالحةٌ للقراءة في كلّ وقت، لأنها مطبوعةٌ بالتأملِّ التحليليِّ المعمق، تنبسطُ عباراتُها بأناقةٍ وحذاقة، وتنشغلُ بظواهرَ وأسئلةٍ وقضايا اجتماعيةٍ وثقافيةٍ وفكريةٍ وسياسيّة، تخصّ المجتمعات العربيّة، والمجتمع الفلسطيني خصوصاً.
ليس العثورُ على "سرّ العصفور الأزرق... كالدم" ميسوراً، كما كُتُبُ عبداللطيف عقل المتنوّعة، الخمسة عشر ربما. ولأنّه لم يحظَ بنجوميةٍ حاز عليها مثقفون فلسطينيون غيرُ قليلين، ولم يعتنِ بنشرِ نتاجهِ في دورِ نشرٍ عربيةٍ نشطة، ولأنّ المؤسسة الثقافية الفلسطينية خربانةٌ منذ زمن، وليس عبداللطيف عقل في حياتِه ومماتِه، كما كثيرون غيره، من أولوياتِها، ولأنّ العمل الأهليَّ الفلسطيني، الثقافيّ منه خصوصاً، محبطٌ وفقيرٌ وضعيف، وبلا مشروعاتٍ واضحة، وبلا طموحاتٍ ربما. لكلّ ذلك وغيرِه، يُؤْخَذُ مثقفٌ كبير، لا تزيّد في القول إنّه من أبرز النخب الفلسطينية الخلاقة، فكراً وعطاءً وإبداعاً، اسمه عبداللطيف عقل، إلى زوايا النسيان..، هنا في هذا المطرح، أُذكّرُ بهِ رحمه الله، وقد حظيتُ عشيّة العيد بصحبةِ كتابٍ له نابِه، والمُشتهى أن يُبادَرَ إلى إعادةِ نشرِ كتبه، ليقرأَها عربٌ كثيرون، أحلفُ أنهم سيَسْعدون بها. صديقي، أراكَ الآن قُدامي ضاحكاً، ببياضِ شعرِك ولحيتِك، وببياضِ قلبِك، ثم أعضُّ على حسرةٍ تغشاني، ... وأودّعك.
maan.albayari@alghad.jo
معن البياري

قديم 01-21-2011, 09:22 PM
المشاركة 12
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
جدل الشعر والحياة
عند الشاعر الفلسطيني عبد اللطيف عقل

فيصل قرقطي (كاتب من فلسطين)







تسعى هذه الدراسة، من خلال الدخول في عالم الشاعر الدكتورعبد اللطيف عقل، إلى مقاربة جدل الشعر مع الواقع، والحياة. وذلك ليس من خلال قراءة سطحية لمعنى ومبنى دلالات وشكل القصيدة عنده، وانما من خلال الدخول في جدل معرفي يسعى إلى ارتقاء مقود الحقول والسفر في بنيات ودلالات الطقوس المعرفية لفهم الشعر الذي يسعى روحيته الى تفكيك الواقع والحياة واعادة صوغه من جديد وهذا يحتم علي بالضرورة أن انطلق من نتاج الشاعر كمعطى ابداعي كلي حاول ان يرسم ويؤسس صورة الحياة بكل نزقها.. واشراقاتها.. حزنها.. وفرحها.. المها ومعاناتها استلاب الوطن.. واستلاب الذاكرة.. مجون الروح في طقوس الحزن وبراءة العبث في دهاليز الظلمة تحت الاحتلال. سيما وان شاعرنا عاش وعايش محن شعبه الكبرى.. وانصهر في أتون مجمرها ليتجسد لنا روحا وإرثا.. تراكم على مدى أعوام طويلة، هذا الإرث الشعري القليل نسبيا خمسة دواوين شعرية، (إضافة الى الاعمال الأدبية الاخرى خمس مسرحيات) وهنا ليس مكان التطرق اليها..على اعتبار أن النص المسرحي يكتب أساسا للتجسد على خشبة المسرح والتالي تفترض قراءته قراءة رؤيوية للتجسد من خلال الحركة والصوت والايقاع.

إرث شعري قليل الكم كثير الأبعاد والمعطيات والدلالات التي تثير جدل السؤال المعرفي في مراحل جد خطيرة ومهمة في تاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

وهذا يفترض بالضرورة دمج وعينا بمجرى النص، أي بمعنى أخر كشف حرارة التفاعل بين فعل وبنية، وهذا يقودنا إلى تلمس خيوط "الظاهرايتية" في القراءة "التي هي اكثر أناقة من غيرها لأنها تضم الفعل والبنية في إطار فكرة واحدة: هي القصد"(1)! والقصدية بمعناها النقدي، لا السطحي، هي إثارة جدل الفكرة بين البنية والفعل، من هنا، سأنطلق في بحثي هذا من محاولة استكشاف الهوية الثنائية للنص الشعري عند د. عبد اللطيف عقل، باعتبارها معنى القارئ ومعنى الشاعر دونما أي لبس ليتسنى لي مجال أوسع وفضاءات ارحب لجهة التفسير التي يندرج في إطارها شعر شاعرنا وتجر بته على حد سواء. وأراني هنا متفقا تماما مع فيري يوليه الذي يوضح أن وعي القراءة ما إن ينغمس في النتاج الأدبي ويتحرر من قيود الواقع الملموس حتى ينتابه العجب لانه يجد نفسه مليئا بأشياء تعتمد على هذا الوعي".(2) والنتاج الإبداعي مهما كانت صلته بالمبدع، إلا أن له حياته الخاصة به يعيشها كل فرد في قراءته لذلك النتاج. وشاعرنا يقذف نصه في وجوهنا في برهة الصخب، والصفاء، على السواء دون دراية منا طوال السنوات التي خلت انه نص محفوف بالمخاطر والمفاجآت، نص يفتح الأوردة إلى أخر مدى، ويشذب أطراف المعرفة رادا إياها إلى مصادرها الأولي ومنابعها النظيفة "الأرض" لذلك اندرج خيط طويل من مفرداته الشعرية في إطار المحكي في الإرث الشعبي محاولا تطويره والعلو به إلى مصاف لغة تستقي أبعادها ومعانيها المفتوحة إلى التفاسير ليرضي شهوة شقية في العيش على ارض حرة، وخزت خاصرته فيها حراب جنود الغزاة صباح مساء.

لم يقف نصه محايدا. لذلك أدرك جدل العلاقة المتفجرة بين الروح الإنسانية في اتكائها على اريحيات الحنان والحب للأنثى- المرأة وبين الأرض تلك العشيقة في بيتها المسحور الذي كلما اقتربت منها ازدادت بعدا. وازدادت الجراح اقترابا من جسدك وروحك..أليست هي معادلة الصراع الصارخ الذي نعيشه منذ مائة عام تقريبا؟!. هذا مع العلم أنني لا اعد كنتيجة لهذه الدراسة اليتيمة أن ادرج شاعرنا تحت خانة تؤطر في منهج جدلي نقدي، ويكذب من يدعي ذلك، إلا أنني أحاول جاهدا أن أتلمس خيوط ايقاع روحه في النص، وبيانات ايقاعات النص في حياته من خلال استبطان ما يكمن وراء الكلم أو الكلمات إن شاء راغبو واضعي اللغة، ولكن سوف أتعامل مع الألفاظ اللغوية، مرورا بالبنية الإيقاعية، إلى البنية الدلالية ورؤياه الكلية، من خلال الانتقال باللغة من كونها شيئا محددا قاموسيا وثابتا إلى كونها بؤرة احتمالات وطاقة إيمائية وبؤرة دلالية تشع في جسد النص بإمكانات متعددة" (3) لأنه في رأيي من العسير جدا على الناقد وعلى الشاعر في أن إدراجه في إطار مدرسة أو منهج نقدي محدد،خاصة في التعامل مع شاعر فلسطيني.. مثل الدكتورعبد اللطيف عقل. لذلك سأحاول تجذير بنية النص معرفيا ونقديا، وشعريا وفتح انغلاقاته وخيوطه ليتسع اكثر..فأكثر على مداه الأرحب الذي يكتن في ألوانه صخب الحب وجدل الثورة والتمرد، في استهلا لات عقلنة المعطى التراثي والسمو به وفيه إلى مصاف الفعل الحضاري وهذا ما سأبينه لاحقا.

لم يرتكز شاعرنا، وذلك بالفطرة، على الإرث الشعري الفلسطيني، الذي تتلمذ عليه وحسب، وانما استفاد من ثيمات وفنية الشعرية العربية منذ المعلقات وحتى ستينات هذا القرن وهي المرحلة التي شب وصلب عوده فيها، لذلك نجده في خطابه الشعري أشبه بسباك احترق بنيران اللغة، وموسيقي عارك صخب وحنو النغم ليخرج الينا بإرث شعري متميز ومتفرد انعكس من خلاله عبد اللطيف عقل الإنسان المبدع البارع. ومنذ بداياته المنشورة انطلق نصه الشعري مؤسسا على هذا الإرث المديد وكذلك، على التحولات التي طرأت على القصيدة الشعرية الحديثة في الستينات، بعد انطلاقتها الأولى وتجذرها على يد الخالد بدر شاكر السياب ومن ثم نازك الملائكة، الذي أبحر ضد التيار وكسر السائد، وفكك المعطى الموروث وأعاد بناءه على نحو يتساوق مع الذائقة الروحية والنفسية والشعرية والحياتية الحديثة للانسان العربي الذي يعيش في منتصف القرن العشرين.

إلا أن التحولات البينة التي طرأت على حداثة الشعرية العربية في الستينات والذي استفاد منها شاعرنا وحاول تطويرها تكمن في تحولات ايقاعية وتحولات لغوية وتصويرية وتقفوية إضافة إلى التحولات التي طرأت في مضمونية جسد الشعرية العربية والتي تساوقت مع ايقاع الاغتراب.. والتغرب التمردي الذي طرأ وعاشته الروح العربية في قرننا الحالي. وهذه المعادلة الجديدة نسبيا، والتي طرأت على الشعرية العربية في الستينات ورسمت الذائقة بصفاتها لا تختلف في بنياتها الدلالية عما قاله فيلسوف الأدبا،، وأديب الفلاسفة أبو حيان التوحيدي: "ومن استشار الرأي الصحيح في هذه الصناعة الشريفة، اعلم انه الى سلاسة الطبع أحوج منه الى مغالبة اللفظ، وانه متى فاته اللفظ الحر لم يظفر بالمعنى الحر، لانه متى نظم معنى حرا ولفظا عبدا ، او معنى عبدا ولفظا حرا، فقد جمع بين متنافرين بالجوهر، ومتناقضين بالعنصر".(4)

ومن استقصاءات الجدل النقدي في حقولها المعرفية سننطق في دراستنا هذه من رحلة العطاء الطويلة، مع الحروف والكلمات والإبداع، دامت اكثر من ثلاثين سنة، قدم خلالها الدكتور الشاعرعبد اللطيف عقل للمكتبة الفلسطينية والعربية اكثر من سبعة دواوين شعرية وخمس مسرحيات وعدد من الأعمال الأكاديمية والعديد من الدراسات والمقالات والابحاث. فمنذ بداية الستينات كانت انطلاقة الدكتور عبد اللطيف عقل شعريا مع مجموعته "شواطئ القمر" (5) الذي استطاع من خلالها ان يجسد صوته المقاوم للاحتلال، والرافض للاستلاب متمسكا في الارض الفلسطينية التي تنبض في عروقه.
يتبع ،،


قديم 01-21-2011, 09:25 PM
المشاركة 13
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع
جدل الشعر والحياة
عند الشاعر الفلسطيني عبد اللطيف عقل
فيصل قرقطي (كاتب من فلسطين)


وفي مجموعته الشعرية الثانية "أغاني القمة والقاع" (6) طرأ تحول هام في سيرته الشعرية وتكوينه الإبداعي بشكل عام، وذلك بسبب تغير الظروف والحياة، ووقوع الضفة الفلسطينية وغزة تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 مع أراض عربية أخرىهن جهة، واشتداد صوته الشعري قوة وحدة بحيث اتسعت الرؤيا اكثر وضاقت العبارة حسب قول النفري. بعدها تتالت أعماله الشعرية في الصدور والانتشار "هي..أو الموت" (7) و"قصائد عن حب لا يعرف الرحمة" (8) و"الأطفال يطاردون الجراد"(9) و"حوارية الحزن الواحد" (10) و"الحسن بن زريق مازال يرحل" (11) و"بيان العار والرجوع".(12)

وسأحاول في هذه الدراسة أن اركز بحثي في النتاج الشعري لهذا المبدع الكبير الذي لم ينصفه النقد الفلسطيني أو العربي حتى مثل الكثير من مجايليه الشعراء أنه صوت خشن أشبه بصوت الشنفرى، يتأرجح بين عذوبة بوح الروح، وبين انفراج المعنى إلى أوسع دائرة في الخشونة والاتهام والتمرد، والتمسك بالحبيبة الواقع، الأم، الأرض. سلمى..وهي ليست سلمى الا خيلية، إنها سلمى الفلسطينية التي تقطر من تحت أظافرها المعاناة بكل نزقها..وهدوئها، بكل قوتها..وحنانها..وهذه هي المعادلة..المفارقة الصعبة التي تأرجحت بين قطبي روح شاعرنا الوثابة، الثائرة العاشقة المعذبة المغتربة.

هي أو الموت فاتحة الخطاب







ومن عنوان المجموعة "هي او الموت" يبدأ عبداللطيفعقل اعلان التحدي فاتحا ساحاته الى حدودوها القصوى، مقامرا بجسده، وروحه لانه يعلم، ويريد ان يعرفنا كذلك انه دونها لن يعيش، لذلك كان العنوان "هي او الموت" فما جدوى الحياة دونها إذن؟! وبالتالي تبدأ "الفاتحة" من حيث يجب ان تبدأ، في استقصائها وبالتالي تبدأ "الفاتحة" من حيث يجب ان تبدأ، في استقصائها التسميات المحددة الواضحة المرامي والدلالات والابعاد "باسم الحب والاحزان والرفض"(13) وهذا يؤكد ويوضح معادلة التحدي التي يخوضها شاعرنا مبتدئا اولا من المقامرة، في حياته، وصولا الى الحب،الذي دونه الاحزان، ثم ليأتي الرفض ليعطي حياة الانسان / الشاعر جزالة العيش ومعادلة الاتزان. اذ ما معنى حياة الكائن دون الرفض الذي يدور في دواخل الكثيرين، وهل اجدر من الشاعر في اعلانه؟! ففي "الفاتحة" تتأسس معادلة المعنى التحتاني، او الباطني للقصيدة على ارضية التضاد والمفارقة التي يتعامل معها شاعرنا من النقيض.. الى النقيض الاقصي وهذا ما يبرز حدة الخطاب والمعاناة على السواء.

كثيرون من اهلها

اعلنوا الحب بالقول

لكنهم أضمروا قتلها في السريرة

كثيرون قالوا صباحا:

فداها العيون

وداسوا على رأسها في الظهيرة.

كثيرون مثل العجين السمين.

يضخمه الوهم للعين

تعمى، وتنسى فساد الخميرة.(14)

لكن معادلة التحدي ظاهريا، تبدأ في القصيدة، بإحداث المقارنة بين صورتين متعاكستين تماما، او معنيين متناقضين ظاهرا وباطنا في الحياة وفي القصيدة معا.


وبعيدا عن تجلي صورة جدل الحب والوطن في طرح هذا الاشكال المتناقض، يظهر جدل لي العلاقة بينهما عن طريق محاولة استفزاز الواقع وصراخ الصوت كاعتراف بما هو كائن عبر المفارقة الحادة والعجيبة التي تتجلى في عدم التوازن بين الواقع والنفس، بين الشاعر وما هو ماثل. فتارة تأتي على نحو ساخر..وتارة أخرى تأتي محملة بتضاد الروح والعالم في انبهار المواجهة..ولها ايضا عشرات المعاني والمفاهيم.
تنادوا على شعرها الحلو

في السوق، حلوه، باعوه

قصوا جذوره.

وكنت محلى ساحل الموت، وحدي

أذوب حنينا اليها

اموت وألتاج غيرة.


وتتجلى معادلة التحدي صعودا في "هي او الموت" عبر احداث المفارقة التي تنطلق الى مدى ابعد وارحب وذلك في مواجهة الخطب، الماثل، مثلما هو الامر في قصيدة على الحافة:
تتغلغلني داء حسبوني أشفى منه، وكلما

سحقوا عظمي صارت روحي اكثر خشونة (15)

فهذا التضاد في بناء دلالات المعنى لا يشي بمعادلة التحدي وحسب وانما يلج العلاقة الداخلية بين الفعل والمتحدي الذي ينعم بتفلفلها في جسده كالداء ولا يقف الامر عند هذا التغلغل، وانما يتقدم على نحو خلاق في مقابلة الفعل، ففعل سحق العظام لا يميت وانما يبعث روحه اكثر خشونة وصلابة في حين ان المعطى العادي في الحياة ان يؤدي فعل السحق الى تبدد وتمزق الجسد وشاعرنا لا يقف عند الجسد، بل انه ينبئنا بطريقة فنية عذبة ان روحه تخرج اكثر خشونة وبالتالي فإن جسده قائم وماثل واكثر صلابة وهذا سر شموخ لعبة التحدي عند شاعرنا مثلما بالضبط هو سر شموخ ومواجهة الفلسطيني لقدره على ارضه ودفاعا عنها. وتمتد المفارقة النابضة بالحياة عبر دلالات وايحاءات التحدي المتنوع والمتعدد الاوجه ليتواصل في النشيد على نحو اكثر براعة، داخلا في رؤى اكثر بهجة وشاعرية:

حين حرثوا اذني بالفؤوس صارت حبيبتي

اكثر رقة. قصوا شعرها وما اعارته

لاخواتها الناصلات بالقرع. تشهيتها

غرقت في حضنها كالحضور، القمتني

الفجيعة فاحتضنتها بالوعي والتخطي (16)

وهذا التكثيف في البوح الشعري يعطي المفارقة ابعادا اكثر اناقة وكونية واتساعا ويصبح المعنى الانساني بشموليته هدف فنية ودلالات القصيدة التي تتفجر وتنبني بين اقطاب معادلة ما تنفك رافقته طوال حياته مشكلة الحيز الواضح والطاغي في مسار صعودية القصيدة عنده:

في زمن الجوع…

امنحك اساور قمح

أولد طفلا بالجسد المرهوص

يستغرقني حبك دائرة في لون العينين

حسيني في اللحظة طفلا شيخا،

اتودد للصمت

ملعون من يدخلني في سم الابرة كالخيط (17)

فالخطاب هنا مفتوح الابواب والصدى على مختلف الابعاد ولا تحده نهاية يدخل في الاطار الحياتي..الانساني المتعدد الاوجه، والمعاناة، غابت او لنقل تلاشت فيه الذات الجمعية في وجهي الخطاب على السواء (المخاطب) تتجلى المعاني الانسانية الشاملة بكل معاناتها والقها وعذاباتها..التي تمتد من زمن الجوع..وزمن الغلالة او الفرح كما تشي به شطرة (امنحك اساور قمح) ثم الى معاناة الطفولة الشقية، ولوعة الشباب وانعطافاتها العشقية وعذاب الحب فيها لتصل الخيط الممتد من الطفولة الى الشيخوخة ثم تضع واحلتها في فسحة "التودد الصمت" لا استكانة..ولا انهزاما، كما تفعل دائما غربان الصمت وانما من اجل استلاب عمق وكونية للبعد الوطني الانساني في محاولة استلاب الانسان للانسان والسيطرة عليه فتأتي الخاتمة خاتمة المقطع بانجراف التحدي الى أقصى مدى وتتمثل في قوله "ملعون من يدخلني في سم الابرة كالخيط".

والبوح الشعري الشامل هذا، الذي يتجسد في القصيدة على هيئة شلال للمعاني الانسانية لا ينسى ان يقف عند الفروع والاصول..فالحب له ابعاد وارتباطات من العسير الفصل بينهما وهو دائما يكون في القصيدة بمثابة المنقذ والمخلص للشاعر من ازدحام التراكم الهائل للمأساة في روحه:

ياما حممني من يأسي مطر

العينين الساجيتين

اعرف انك في بيت السلطان:

تخيطين ثياب بنيك واعرف انك،

في الحارة يتناهى في جلدل وقع الاقدام (15)

فكلمة "ياما" التي خرجت على سجيتها وبساطتها وعذوبتها من فم قلب الشاعر تنطوي على ابعاد هائلة من الصدق لتفتح فضاءات الحرية المستلبة التي اراد ان ينجزها الشاعر في قصيدة، لقد حاول دائما ان يخلق الفضاء الرحب في طقس الحرية لنصه الشعري وذلك كتعويض عن الحرية المستلبة في الواقع..ياما لا تخرج هكذا نداء، عبثا بقدر ما تخرج من خلال تشابك وتعانق اللوعة والحزن والتمرد والحنان، والحب ليتجسد مفردة يطلقها لتوقظ فينا ما انهار خلف ارتحت بهرجات اللغة وقواعدها المحددة ومثلما فعل فعله المطر في تطهير الشاعر من الياس كذلك فعلت مفردة ياما فعلها في تطهير قلبه من يأس الواقع السياسي المهزوم انذاك (وقت كتابة القصيدة) وهو بداية السبعينات وذلك كي يعطيه توازنا حقيقيا للا قدام على الاعلان عن مصادرة حريتها.. حرية = الأم =الارض =البلاد = الحبيبة في معادلة التشابة والتناسخ والتواصل في التوالد والعطاء "اعرف انك في بيت السلطان"…


ثم يتواصل هذا التداخل ضمن معادلة التحدي التي تصل ذروتها في المجموعة عبر قصيدة "حب على الطريقة الفلسطينية": التي تمثل بحق وجدارة سيمفونية عناق الحب والعذاب، الامل، والانكسار الحرية والسجن بنشيد يحفر في ايقاعات الروح ابعادا ودلالات لا تخرج وصول المعاناة الى ذروتها، المعاناة المحكومة باقطابها الثلاثة التي بنيت عليها قصيدة شاعرنا وهي معادلة التحدى العشق، الوطن،المفارقة، والاغتراب
اعيشك في المحل، تينا وزيتا،

والبس عريك ثوبا معطر..

وابني خرائب عينيك بيتا

واهواك حيا، واحياك ميتا.

وان جعت اقتات زعتر

وامسح وجهي بشعرك

يحمر وجهي المغبر.

واولد في راحتيك، جنينا

وأنمو، وأنمو وأكبر.

واشرب معناي من مقلتيك

فيصحو وجودي ويسكر. (19)

لا تكلف في الالفاظ ولا صنعة، ولا حث للمعني، ولا محاولة اجتراح صورة ببساطة جاءت القصيدة من بطن الواقع الفلسطيني مهنئ ومبنى وشكلا ودلالات لترسم ابعاد واعماق المعاناة الفلسطينية من الخاص الى العام مرورا بالمعادلة سالفة الذكر التي تنبني عند شاعرنا على ثالوثها المقدس التحدي، المفارقة، الاغتراب، لتشكل عبر هذه القصيدة بحق وقفة تأمل عميقة وانعطافة حادة في بنية القصيدة عند شاعرنا اذ بعدها تدخل الطبيعة في جدل الحيرة والتحدي ليس بانفتاح الاسئلة النصية على تضاد ومفارقة الصراع الذي يعيش ابعاده الشاعر وانما في اتساع الاسئلة وحدتها وشموليتها:

واقف يا جبهة الصحراء،

حادي العيش (العيس) في عيني،

مأخوذا بأسراب القوافل،

هنا تتداخل عملية الانفلات من المعنى الخاص في دلالات الصراع لتتجسد في عناق مع محاولة خلق الارضية الصلبة في معنى القصيدة _ وهذا ما يدلنا عليه الجدل الماثل بين سور المفردات (واقف) ..جبهة الصحراء (مأخوذ).. (باسراب القوافل)، في (واقف) تعني الثبات والتأصل في المكان.. في حين تشير مفردة (مأخوذ) الى الانعتاق من الثبات والمكان والزمان على السواء، بالضبط كما هو الحال في الجدل الماثل بين جبهة الصحراء..واسراب القوافل:

وتسولت، شربت الليل فوق الارصفة

قتلتني شهوة الكلمة

غامرت وغازلت الاميرة

وتطاولت على وجه الامام (20)


الا ان الاحساس بالاغتراب، وولوج الرفض الصارم، يفضيان بشاعرنا الى التمرد الذي يأخذ معنيين: الاول: يتجسد من خلال محاورة الذات، بكل ارهاصات الاغتراب والعذاب والحنين الذي ينتابها مما يدنو من مشاكسة الواقع على نحو غير عادي في اطار ولوج المعادلة السياسية، (غامرت وغازلت الاميرة). والثاني: يتمثل في الجراءة العالية: في محاولة مواجهة ارث التقاليد وذلك من منظور حداثي حينما لا يوظف التراث بشكل فعلي وايجابي في معادلة الصراع، معادلة حبه ومعاناته وشقائه ونضاله (وتطاولت على وجه الامام)
وهنا يتركز شأن الجدل السياسي في القصيدة الشعرية..هذا الجدل الذي انطلق من محاولة تعرية الظلم وفضح اشكال الانهزام والاستغلال بفنية عالية وبخطاب شعري واضح كل الوضوح حد الاتهام المباشر:

كثيرون من اهلها

اعلنوا الحب بالقول

لكنهم اضمروا قتلها في السريرة.(21)


وينتقل اعلان الاتهام والتخصيص في فضح ما هو متخلف عن اتون الصراع، والمتمثل في الممارسات الخاطئة في المعادلة الوطنية الى محاولة ادخالها حيز الحوار في النص الشعري. والرفض عند شاعرنا معادلة متكاملة الملامح والابعاد ما تنفك تفصح عن نصها هنا وهناك على نحو خلاق:
لم اجد في شفة القدس ابتسامة.

فنما في خاطري الرفض

وفي ذاكرتي امتدت قيامه

فاذا ما جاء المساء

تصبح الارض - جميع الارض -

وجه القدس او وجه السماء (22)

وهكذا يمتد بنا الخطاب الشعري حتى آخر المجموعة فمن التحدي الصارم الى المفارقة التي تصل حدا عاليا من السخرية والكآبة الى توظيف المكان (كجغرافية وطبيعة واشجار وحواكير وبيوت منسية) الى التمرد الذي يعلن توارثه على نحو متفرد فنيا وموضوعيا في النص، ثم الى الاغتراب حين لا يجد الصوت صداه، ثم الى الرفض ثانية فالتحدي، فالمفارقة فالطبيعة، فالتمرد، وهكذا دواليك.

وفي قصيدة "ملاحظة للغرباء" يتجسد الاغتراب عن طريق اسقاطه على الاخر، فالشاعر يوقف الاخرين مطلقا عليهم اسم الغرباء" ثم يبدأ حوارا معهم..وذلك في محاولة للتوازن من جهة عن طريق الانعكاس الشرطي للمعاناة داخل الفن وكذلك عن طريق تعميم حالة الاغتراب من الذات الفردية..الى الذات الجمعية في صحوة اللبلاب جف الوحل

يا غرباء، لا تتحدثوا عنا

ننام ولا نفيق

زيتوننا يمتص عين الشمس، لكنا

نحاذر عصره، لا تستبدوا نحن نفترش

الطريق.

نبكي على….

نقتات وقع الاحذية

فمنا دم،

وجراحنا رؤيا

هوانا اغنية (23)


وبالتالي تصل حالة الاغتراب مداها الاقصر ليصير في الزمن الماثل اغترابا كونيا يتعدى الانسان ليصل الاشياء والنبات، اذ حين يصحو اللبلاب يجف الوحل "والوحل هو تراب وماء اساسا عنصران مكونان للوجود من اربعة عناصر اضافة الى النار والهواء إذن فشاعرنا رأى الاغتراب يمتد ليشمل نصف التكوين وترك النصف الاخر للتكوين واصل الوجود النار والهواء
للزيتون = (الطبيعة)

(زيتوننا يمتص عين الشمس)


ثم ليصل في النهاية الى اجتراح الولادة من العناصر ذاتها او بعضها حينما يقول ببساطة المعاني الكبيرة في الحياة ومعادلات الصراع فيها
(فمنا دم

وجراحنا رؤيا

هوانا اغنية)

لم اجد اعمق من هذا المقطع الذي يعكس في الان ذاته وقع الخطب وانسراح الامل، اذ تحول المأساة المعاشة كل ما هو في الفم الى دم من هواء وكلام وطعام وشراب، ونداء وبكاء واصرار وصرخات صمود الى دم في حين يضئ الجرح بالرؤيا التي هي للمستقبل صورتان متعاكستان في المعنى والمبنى لكنهما صورتان يجسدان ايما تجسيد واقع الحال الفلسطيني، لتأتي (هوانا اغنية) كتأكيد لتفاؤلية المستقبل عبرالرؤيا-الجرح والتي لابد ان تنبزغ شمسها.


قديم 01-21-2011, 09:31 PM
المشاركة 14
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع
جدل الشعر والحياة
عند الشاعر الفلسطيني عبد اللطيف عقل
فيصل قرقطي (كاتب من فلسطين)




النداء المسترسل للقصيدة







في "حوارية الحزن الواحد" تنبني قصيدة شاعرنا على تعدد اوجه الخطاب الذي يدخل حيز الجدل المعرفي فلسفة وسياسة وامتداد دلالات. على انه لا يحاور الثابت والمعد سلفا في حياتنا الطويلة منذ الطفولة، وحتى الرجولة فحسب، بل وانما يسعى من خلال الحريق الذي يعتري صوته ان يفجر ما هو سائد مع محافظته على ربطنا بالقيم والاشكال الحياتية التي نعيش وتخصنا نحن وذلك بغية الوصول الى قصيدة جديدة وجريئة تتبنى ثورة على سلبية السائد والمألوف لتصل الى كمالها. وتسبح القصيدة عنده في ند ائها المسترسل الهاديء تارة والثائر تارة أخرى لكن هدوءها يحكي كل الممنوعات بصراحة جارحة. ويتدرج الصوغ الشعري عند شاعرنا، بشكل عام، وفي معظم مراحل حياته الشعرية من المحسوس الى المجرد، حيث يسحب التجريد ايقاعاته ودلالاته الى بوح شعري خفيض تارة، متفجر بايقاعات واجراس تارة أخرى عبر امتدادات لجغرافيا حياة تمتد من ملوحة البحر الميت، حتى اطراف اكعاب بحر حيفا.

وهذا الامتداد الجغرافي للصوت في القصيدة وللجغرافيا في النص الشعري وللقصيدة في روح شاعرنا لا ينبع من هلامية ضائعة في الواقع بل على العكس تماما انه متولد من احساس عنيف بالاشياء وبالواقع وبعذابات النفس الانسانية. فالتجريد اللغوي والصوغي يؤدي بالضرورة الى احتمالات متعددة للقراءة النصية وهذا التعدد يمنح النص الشعري لشاعرنا رهافة محببة الى النفس عبر شمولية تطفى على محدودية القول، بل تلفي هذه المحدودية بغية فسح المجال للبرهة الشعرية بالحضور والتجسد لانه كما قال دون كنليف: "على الشعر اليوم الا يذوب فقط بل عليه تفحص العالم من حولنا (…) وان الشعر يجب ان يكون ثوريا مشعا وماهرا متقدما وداعية حب" وهذا ما لقي استجابة كلية في نص شاعرنا كبنية شعرية لها طغيان التصور واشتباك الدلالات في المعطى النقدي لان اللذة المتصلة بالمعرفة والفهم حينما تصل اللفظة الى السمع يصل المعنى الى القلب. ولكن هناك لذة اعمق وأبقى حينما نتلمس ظلال او اطراف هذه اللذة ونبدأ بالكشف عنها بأنفسنا من هنا تبدو العلاقة المؤسسة في نص شاعرنا على عمق تجربة وابحار في دلالات بنية القصيدة التي هي حركة انتقال باللغة من كونها شيئا محددا ثابتا الى كونها بؤرة من الاحتمالات يجعلنا نقف امام مشهد شعري يتساوق مع بنية ودلالات الواقع بل ويتجاوزه في محاورات، وخلق تصورات، وتعبيرات، تجذبه معطى حياتنا حينا، وتنقض معان أخرى حينا أخر، لتؤسس صورتها المتفجرة والمتحركة والوثابة في معطى ودلالات افكار مضيئة أحايين أخرى لنصل بمعنى ما الى تجاوز الذات الفردية الى حوارات مفتوحة على ابواب واسعة مع الذات الجمعية عبر ايغال في معان ودلالات تخرج من المعنى المحدد في اللغة لتشكل لها وحدانية معطى معرفيا جديدا وبريئة في تداعي النص الشعري.عند شاعرنا- عبد اللطيف عقل.

دلالات التناص الشعري

في "حوارية الحزن الواحد" تحمل في طيات صفحاتها قصائد تواصل سيرتها وترتبط ارتباطا عميقا وجدليا فيما ذكرت من محاور تلمست خطوطها العريضة في "هي او الموت" لتتسع دوائر ايحاءاتها على نحو اكثر شمولا وسموا في تعدد أوجه الخطاب الشعري الذي يدخل كما قلت، بداية، حيز الجدل، المعرفي فلسفيا، وسياسيا، واجتماعيا، وفنيا عبر امتداد دلالات القناص الشعري. فالحوارية هي ليست حوارا بين طرفين محددين وليست هي بمعنى ما تجسيدا للحزن الواحد، انه حزن متعدد الأوجه والمعاني والابعاد، حتى اذا اخذنا الحزن كمعطى انساني كوني.. ولكن حتى في هذا، فإنه يحمل خصوصيات الالم والسهر وشرود الخيال عبر خصوصيات كل فرد:

"احمليني عند قرطيك

اشاعوا انني قد قلت للريح

خفايا لغة الطير وما تخفيه

أدراج السياسيين، قالوا انني ساويت

بين البحر والنهر

وقالوا انني اهجو عذارى الغرين الخصب

بوادي النيل،

هذا زمن الشعر الهلامي الذي يحبل فيه

النخل بالصدفة والايام بالاكراه

والريح من الغرب الى الشرق

تسف،الدهشة العمياء من كل الميادين" (25)

فلنتأمل العلاقة التصاعدية في بنية الدلالات التي تتوافر شروطها بين "عند قرطيك" = (التحول الى مكان في الريح) وبين "قلت للريح" = (معنى تصاعديا) بين المكان الذي يتمنى عند القرطين "وبين الكلام الذي اشاعوا انه قد قاله للريح، وكذلك التصاعد في المعنى مع خفايا لغة الطير" انها معان تتأصل وتنطلق من ارضية الجغرافيا التي يقف عليها الشاعر (الارض) وتمنيه الوصول الى فراغ الاقراط "ليتساوق مع ما اتهم به وأشاعوه عنه فيما قاله للريح (والريح في الفراغ) وماذا قال يا ترى: "خفايا لغة الطير" = (كلام في هبة الفراغ) "ولكنه ليس كلاما عاديا انه كلام منسوج بخفة العصافير وهدأة انغامها وصدى اصواتها العذبة، انه كلام يحرك الشجن ليعيد الانسان الى براءته الاولي ولكن هذا الكلام البرئ الطائر مع الريح (القصيدة) لا يكتفي بكل هذه العذوبة، بل وانما يفضح عبر خفايا لغة الطير" ما تخفيه ادراج السياسيين ألم يقل شيلي ذات يوم "ان الشعراء هم مشرعو العالم غير المعترف بهم؟!" لذلك انه صوت الحق الذي يعرف.. ويعترف حينما لا اعتراف وحينما تقدر الادراج بظلمتها المعمرة ان تخفي الحقيقة..الحقيقة التي هي في النهاية أحد اهداف الشاعر الوصول اليها، ولكنها ليست كل شئ بالنسبة له..انها كل شيء بالنسبة للفلسفة وعلى اعتبار ان شاعرنا كان تخصصه في حقل الفلسفة لذلك وجدناها تتسرب الى شعره كمحاولات البحث والتقصي وهذا ما أعطى قصيدته المعنى السياسي المتضمن جرأة وجمالية خاصتين انطوت عليهما اعلاناته الصريحة في البحث عنها.. تلك المولود نصف الغامض ونصف الواضح والمتمثل في سؤال الوجود الاول..سؤال بدء الفلسفة والذي لن ينتهي عند حد الا وهو سؤال الحقيقة.

والفراغ هنا في المقطع سالف الذكر كأرضية للريح غير محدد، والانثى المخاطبة كذلك ليست محددة الهوية، وكذلك الريح، بالضبط مثلما هي لغة الطير ليست محددة، وهذا اللاتحديد يدخلنا في دائره السؤال الشمولي والعميق في آن ويمنحنا لذة التفسير والاسقاط لذلك نجد ان أهم الدلالات في لغة الخطاب الشعري عند كمعطى فردي زي صفة جمعية كمعطى وجودي شامل أي بمعنى آخر ينتقل من خطاب الذات الفرد الى خطاب ذات المجموع - ذات العالم مع تكثيف المقاربة فلسفيا وماديا ورؤيويا. فالأقراط شئ محسوس والريح تندرج من المحسوس الى اللامحسوس لتصل في ذروة المعنى الى خفايا لغة الطير وهي (لا محسوس ولا مرئي) ايضا..ثم تأتي النقلة الاتية من الذروة الى الواقع "خفايا ادراج السياسيين" المحسوس الكلي شكلا الغامض معنى ومضمونا، ودلالة، وهنا تتجسد الجمالية العالية في فتح الخطاب الشعري لاستيعاب متناقضات أسئلة الروح بأقصى درجاتها عذرية، أو مادية. وكذلك مثلما هي المساواة بين البحر..والنهر في تتابع المقطع الشعري (سفر في غموض اللامحسوس) من خلال الانطلاق من المحسوس..انه انتقال تدريجي عذب ليصل الى تحديد المحسوس وهو "هجو عذارى الخصب في وادي النيل" إذن الان عثرنا على التهمة الموجهة الى الباحث عن الحقيقة..الباحث عن الشعر الصافي، الباحث عن الانصاف في كل شئ في الحب كما في الحرب، كما في السياسة، كما في الواقع الجغرافي "المساواة بين البحر والنهر" ثم لتأتي المحاكمة العقلانية في اطلاق الحكم والاهداف والنتائج:

"هذا زمن الشعر الهلامي"

زمن الشعر الذي لا ينكمش باليد المادية، وانما بأيدي الروح وتأسيسا على هذه المعادلة إن جاز التعبير هو ذاته الشعر الذي "يحبل فيه النخل بالصدفة والايام بالاكراه"!!

هنا عادت المفارقة الجارحة..المشدودة بين قطبين متناقضين تماما النخل والصدفة والايام.. والاكراه. إن اهم دفاع عن الشعر وعن الشاعر قرأته حتى الان يتجسد في هذه الكلمات إذ كيف للنخل أن يحبل بالصدفة..والايام بالاكراه. فالسياسي يريد من الشعر الا يقول الحقيقة..ويريد كذلك من النخل أن يحبل بالصدفة متى أراد الادانة، والايام عليها ان تحبل بالاكراه متى اراد أيضا..أراد السياسي..لا الشاعر ثم ليأتي الحكم الاخير في اختلال الموازين وفي تجسيد العماء الطاغي، العماء المدلهم على الروح والواقع أي على المحسوس واللامحسوس في أن (الدهشة العمياء) وتهيج الريح من الشرق الى الغرب، وتسف الدهشة العمياء من كل الميادين ".ليس هناك تحديد واضح ومحدد او اتهام لأحد متجسد على أرض محددة..أو في قضية محددة.. انه الشاعر يقف بصلابة على منعطف التاريخ لينقل لنا طقسا قيما ومعاني ودلالات عبر تفتح الخطاب في الحضور الطاغي للقصيدة وكأنه قرصان البحر، او شريد المدن، او نبي المرحلة.. يحدد.. يتهم.. ولا يتجسد الاتهام انه الشاعر الذي يقف في منعطف التاريخ ليوضح لبس الزمن وهشاشته وظلمه، ومعادلة الحق والفضيلة، والاتهام في فعله السياسي، وفي حدود النهر والبحر..وكذلك في ارتهان الدهشة للعماء لتطل ثانية المفردة الاساس في المقطع الشعري:

احمليني

انها اللوعة الاتية من انصهار معادلات الزمن والجغرافيا والحقيقة في روح الشاعر وضياع خطواته. وتكثيف لغة الخطاب الشعري عند شاعرنا لا تنفجر عن محاورة الذات الفردية..عبر الذات الجمعية فحسب وانما تتعدى ذلك الى تكثيف السؤال عبر المفارقة فلسفيا وسياسيا وروحيا:


أنت من أين؟ وأوشكت أناديك،

المسافات عذاب والمطارات عذاب آخر،

والليل في عتمته يكشفني،

يكشف عن وشمك

ومحدي كنت في الغرفة أستلقي على ظهري

الذي خدده ضرب الكرابيج (26)

الوجه الانساني للحلم الفلسطيني

وتكثيف السؤال عبر المفارقة يدخل الخطاب في تعددية الجدل الفلسفي والمعرفي كامتدادات ودلالات عبر انفلات اللغة والمفردات والمعاني من إرثها التاريخي المحدد لتخرج لنا طازجة في فسحة تعدد المعاني التي تبزغ في القصيدة كجزء من ذات الشاعر المبدعة الى وصف الاشياء والاماكن لا كأماكن واشياء وانما عبر ايحاءات ومعان تتجسد عبر الحوارية التي تمثل خطابا متجددا:

"أنا في القدس، ومن في القدس

يلتف به السور وما من حجر في السور

الا وله صدر موشى

بالرصاص الطائش العمد، واعشاش الحمام

المسجد الاقصي وآلاف المصلين،

وعبد الله في باب الخليل ارتص

كالعلبة

آخ يا هذا الرصاص الطائش العمد،

انا القدس وتغريد، التي يعرفها


الجند،
ولا تعرف الا امها والصبح والدفتر

والموت وروح الشعب والارض،

وفيها تشتهي الانثى الاحاديث

عن الاعراس في الصيف

وتطريز فساتين القصب." (27)

الوجه الانساني للحلم الفلسطيني يتجسد هنا بخصوصيته الوضاءة، تلك التي تحلم وتحس وتعيش كما ينبغي ومثل الناس، ففعل التحدي هنا لم ينجرف ليرتكز على الارث السائد الخاطئ الذي يقول: إن الفلسطيني مارد لا يرهبه شيء وكذلك لا يوجعه شيء وعلى أم الشهيد أن تزغرد لأن الكف الفلسطينية تلاطم المخرز ببساطة، بل على العكس تماما انه ذهب الى تجسيد فعل التحدي من خلال محاولات الانتصار على الحياة وعلى هدم البيوت كسياسة معتمدة وكذلك على الرصاص الطائش من خلال تطريز فساتين القصب كمعنى حاضن لأرث الارض وتغريد هي ليست قائدا عسكريا، انها طالبة مدرسة لا تعرف الا امها والصبح والدفتر لنلاحظ الدلالات الخفية الواضحة لهذه المقررات امها = الارض، الصبح = الانتصار، الدفتر = العلم والمعرفة، وهذه هي المعادلة الحقة لأي انتصار.

ولكن، هل يكتفي الحزن بذلك؟! إذا كنا نستطيع حصر الحزن في حجم وقياس فإنه سيكتفي بذلك، وما أراه وهو بديهي أن الامر فيه استحالة ما أن نحدد حجم ومقاس الحزن، وتأسيسا على ذلك فإن هذا الحزن يتمدد ويتسع ليسعى ابان ذلك الى محاولة رد الاشياء الى أصولها القصوى مع الحفاظ على تداعي المفارقة الجارحة التي ما تكاد تنكفيه وراء الكلمات والمعاني حتى تعود وتظهر من جديد على نحو أرقي وأقوى:

اكتبي لي كيف تبكين،

ومن حولك كل النخل والنفط

اذا فكرت بالقدس وفي موز أريحا العسلي.


والتساؤل هنا لا يحمل صفة أو معنى التساؤل ذاته وانما يعني توضيح كيفية البكاء حينما تمر القدس في الخاطر وحزن القدس هو الحزن الاول.. على أساس انها سرة الارض ومركزها ومنها ينطق الباب الى السماء والى الجنة، وهذا المعنى مفهوم ومعروف منذ الاف السنين عند علماء الميثولوجيا. وفي إطار المحاولة ذاتها إعادة الحزن الى اصوله ومعانيه الاولي قوله:
اكتبي لي

يعشق الكأس الدوالي والمحبون

القوافل

واليتامى يعشقون الدفء

والطير السنابل

اكتبي لي، تعب القلب من الساسة

والتطبيع،

من حرب المراحل.


إن شاعرنا هنا يرد الكأس الى عروق الدوالي الاولي كناية عن حزن عميق يجول في روح الشاعر مثلما أيضا ينبئنا عن عمق وغزارة هذا الحزن بقوله ان المحبين يعشقون القوافل، (والقوافل) هنا تشير الى السفر والهيمان ولكنه سفر وهيمان ليس في طائرة أو قطار يمر عبر ضفتي نهر وبساتين انه سفر في الصحراء حيث عناء السفر الاول..السفر الطالع منذ بدء المسافات. وتمشيا مع حرارة المعنى المخزون في روحية الشاعر يواصل نشيده في اعطاء الدلالات سالفة الذكر أكثر عمقا "واليتامى يعشقون الدفء، والطير السنابل كلها كلمات تعطي المعنى ذاته ولكنها في الان نفسه تؤصل عمقا وبعدا روحيا وماديا في اطار السؤال الاول سؤال البحث عن الحقيقة. ثم لينتقل في المقطع ذاته الى المعادلة السياسية التي لا تنفصل عند شاعرنا عن معادلة الحزن والحب والحياة والسياسة إذ يعيد التأكيد:
اكتبي لى

تعب القلب من الساسة والتطبيع

من حرب المراحل


هنا يريد شاعرنا ان يؤكد تعبه من الساسة وانكسار المراحل طالبا الهروب اليها الى كلماتها، ولكن في الان ذاته اعلان الهروب هذا يؤكد حقيقة حتمية هي فضح هذا النهج السياسي أو ذاك، من خلال الاشارة الواضحة والصريحة إلى التعب من الساسة ومن حرب المراحل، أليسة حرب المراحل وقودها الناس فكيف لا يعلن الشاعر سخطه؟! لكن تعدد اوجه الحزن أو انفجاره من الواحد الى المتعدد من الذات الفردية الى الذات الجمعية يأخذ ابعاده الانسانية الشمولية كما هو واضح هنا:
يغطيك حزن،

على ناره تبصر الدرب، تدرك لون

امتداد المسافات

حين يجوع الهلال الخصيب

ونأكل من بلح كان فيها الجزيرة

تشبثت بالارض حتى لينبض فيك التراب،

وتمسك جذرك خوف السقوط

كأنك صوت ضمير الزمان

الذي قد تغذى ضميره.

رأيت الذي لا يري،

وزعوك على الارض. (28)

تكثيف الحزن وتكثيف التحدي








قديم 01-21-2011, 09:34 PM
المشاركة 15
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع
جدل الشعر والحياة
عند الشاعر الفلسطيني عبد اللطيف عقل
فيصل قرقطي (كاتب من فلسطين)


إن حزن شاعرنا ليس حزنا عاديا، خاصة وأنه ينجبل بحرارة الحلم، انه حزن تكثف ليتحول الى معنيين وشكلين، الاول (رداء) والثاني (النار) أو لنقل رداء من النار ويلاحق شاعرنا المعنى إذ على ناره تبصر(أنت) الدرب وتدرك (أنت) لون امتداد المسافات. وكأني به يريد أن يقول ان حالة تكثف الحزن هذه وتحولها الى رداء من نار تجعلك تبصر الدرب.. دربك بوضوح وتدرك ايضا خطواتك في امتداد المسافات.. ولكن ترى متى ذلك!..إنه "حين يجوع الهلال الخصب" وينبض فيك التراب.رغم ان المعنى المعروف والتقليدي أن يقال وتنبض أنت في التراب.. ولكن شاعرنا كسر سبيل الصوغ التقليدي ليأتينا بصوغ جديد تحول فيه الشاعر الى قلب كبير أكبر من البلاد، وبدأ التراب ينبض فيه وهذا المعنى له تماثلا في الامتداد الملاحظ في قصيدة عبد اللطيف عقل. كأنك صرت ضمير الامان وكذلك "رأيت الذي لا يرى"، "وزعوك على الارض" وهذا التوزيع ليس بالمعنى السلبي إذ تتفتح الالته في "ينبض فيك التراب" إذ حينما هم وزعوك على الارض.. نثروك ليمزقوك ويشتتوك لكنك أنت تحولت الى قلب أوسع من الارض وأصبح التراب ينبض فيك.


يرتفع هنا شعور التحدي الى أقصى مدى ليجد ضالته او التعبير الواضح عنه في طرق المعادلة السياسية بالصوغ الشعري مباشرة ولكنه لا يتخلى أبدا عن حبيبته ليلى، او سلمى، مهما حاول ادارة ظهره لعواطفه يظل مشدودا اليها وفيها. ان من العسير فصل شحنة العاطفة عند شاعرنا عن شحنة التمرد السياسي والتحليل الفكري في معظم نتاجه الشعري:
«وسلمى» كما خبرتها الاجنة فرعاء

كالشجر الغض

تغسل خلخالها في دم المتوسط وهي تغني

لفرسانها الشهداء (29)

هنا تتجسد جدلية الحزن والتحدي في معادلة السياسي والعاطفي، وتعانقها في التجربة الشعرية التي تنفرد على براءتها وحزنها لتشكل إرثا خصبا لشعب. وانفجار الحزن الى أقصى مدى عند شاعرنا يتأتي في دلالات القصيدة التي تسعي الى انزياح المباشرة لتحل محلها خطابات المعاناة العميقة للتجربة الانسانية:

تحزم بالحب

واشتط في عشقه شجر الخوخ والملصقات (30)




الخصوصية الفلسطينية في إرث اله لآلات
إن الخصوصية الفلسطينية لا تغيب في ارثها ودلالاتها ومعطياتها اللغوية والروحية أبدا مهما حاول شاعرنا تجنبها لهذا السبب أو ذاك، إذ تظل تنبض فيه كروحه، انها خصوصية تتألف من تناقضات الواقع وتجربة الارث، وهناك خصوصية للحزن تتسع لتشمل الاشياء والوقت والطير..وفي الحب يتسع الكون وتتسع التجربة والمعاناة الخاصة ليصبح المعطى الحسي في القصيدة اكثر ارهاقا لما تحتمل وهذا شأن معنى الشعر الفلسطيني بعامته وذلك نتيجة المعاناة.
"تذكر سلمى وغص بدمع التوجع، ما كان
يحتسب الفرق بين الحمائم والطائرات

فان الصغار يشاؤون في الحلم الغض

لو تطلع التربة العشب في غير أيامه

الشاتيات ويغلب لؤم الرصاص غناء البلابل" (31)

هنا تنفلت مناقشة أو "حوارية" كما يروق لشاعرنا ان يسميها، مناقشة أو حوارية الهم الوطني في دائرة الرؤى الكونية ويجد الشعر مسيله العريض للانطلاق في حواره مع العالم وشعوبه وهي ميزة الشعر الخالد:

"وأدركه الوقت يربطه حول خصر المراحل

يجمع بعض العصافير يخطب فيها، يدربها

انه لن تعيش الشعوب التي لا تناضل" (32)


لكن تأسيس النشيد الفلسطيني، تظل مفرداته وتفاصيله لازمات أساسية في شعر شاعرنا، بل ونقطة انطلاق من معنى التجربة الحياتية الخاصة سواء الوطنية منها، أو العشقية الى المعاني الكبيرة والانسانية الشاملة في الحياة.
نما في المخيم شيء
وقارن بين الخيام
ووزع ألوانها واالغسيل المعلق والطين

والزنك، ثم اشتهى البحر والسمك الحر

في البحر

خبز الكرامة. (33)


وفي تجذير وتأصيل لهذا المعنى سالف الذكر، رغم ما تشوب لغته من ميراثات شعرية الستينات الا أن معانيه ورؤاه في القصيدة تقدمت على زمنية القصيدة بكثير من السنوات:
تذكر تلك المواويل تجرح خاصرة الليل

هذا زمان رديء

تهاجر فيه المواويل من صوتها

والعصافير من ريشها

والسراج من الزيت

ما عاد يفهم معنى نزيف الجراح

ولا كيف يعشق عربي الثياب العراء (34)

لكن هذه الوثبة لا ينقصها أبدا رجوعات الى منعطفات المعاناة التي تشوش في أحاسيس شاعرنا حتى النخاع، كأن قبيلة من الشعراء تعيش بداخله.وتأصيل المعاناة يأخذ عند شاعرنا ابعادا أكثر اشراقا وذلك من خلال التداعي الى الاصول، والبدء للأشياء والمعاني:


"وجاءت عصافير أحزانه تتلوى من البرد
والجوع

تصرخ ان الصباح يجيء

اذا انفجرت في الخيام الدماء"(35)


والابتداء من الصحو ومن دهاء المخيم الاول، او الاولي هو ابتداء التاريخ الفلسطيني لكن هذا التاريخ إذا ما حاول الشعر تأريخه فإن شاعرية د. عبد اللطيف عقل تنطلق به منذ عيسى بن مريم
(هكذا يريد له الابتداء:

"ينام المخيم


والارز متكأ ويسوع بن مريم في الجوع
قبل اهتزاز جذوع النخيل" (36)

ومن هذا التداخل الزمني في أرضية القصيدة تنطق معادلة اعادة الثقة مع الاشياء بعد فقدها رغم كل الحزن والتشرد والاغتراب واحتدام المعركة:

يقوم المخيم

ان القيامة عشق


وان الحمامات من سور عكا (37)
لكن اشتعال النشيد بهذه الحرارة الصاخبة يستتبعه بالضرورة تماه مع المكان رغم الخروج القسري من الامكنة..وأن الامكنة لا يتحقق شرط وجودها واستمراريتها..الا بالتماهي معها وفيها.
في كل ساعة صدق تصير الخرائط ضدي (38)


وفي معادلة الخروج من الامكنة والتماهي معها كذلك،تتجلى سخرية الوصول عبر زمن صعب تتنافر فيه الاضداد وتنسلخ القيم..ولكن المعنى الشمولي يتواصل في المعنى وفي لغة الضد من ....

قديم 01-21-2011, 09:49 PM
المشاركة 16
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
في ذكرى وفاة شاعر فلسطين الكبير د. عبد اللطيف عقل شعر : عبد الرحيم محمود

تاريخ النشر : 2006-09-18

يا شاعر الحب ما ذا يفعل الغـزل
لما رحلت فبوح الشعر مرتحـــل
غنيت للحب والأمواج عشت بهـا
رمل على الشط ، أو شط به القبـل
دقات قلبك كانت كل قصتنا
دمع من العين ، من روض الهوى ، هطـل
صورت نكبة شعب تائه بـرم
به الخيام ، وسهل البيد والجبــل
لونت قصة حب العاشقين ومــن
يبح بأسرار حب القدس يًعتقــل
يا من بكيت على شعب بأحرفه
لم ينم ورد على دمع ولا أمـل
لما رأيت ذئاب الكل تنهشنا
توقف القلب من أهوال ما فعلـوا
يا شاطيء البدر مهجورا تنوح بـه
من بعد شدوك غربان وتقتتـل
ماذا أقول إذا ساءلتني فأنا
أعيش في وطن في صمته الوجـل
الكرم ، لا كرم ، مذ جاءت ثعالبـه
والحقل لا حقل فيه الغيد تنشغــل
مات الرواء من الأحزان وانطفأت
وما غدت بيدري ترنو لها مقـل
عيني على الافق المجهول ترقبـه
والدمع من عين خوف الغدّ ينهمـل
قل لي أبا الطيب الفتان أبحــره
إذا بكيتك يأتي النحل والعســل ؟؟
مريولها الأخضر الفتان تعشقــه
ما زلت تهواه أم ورد الهوى ذبـل ؟؟
الموت يا صاحبي سر يحار بــه
عقل الحليم ، ومن بالموت قد جهلوا
لكن زيتونك المزروع حن إلى
أنين شعرك والرمان ينفعـل
واللوز يبكيك في أزهاره عبـق
من ريح شعرك بحر الحب ينتهـل
ويح الهوى والرؤى يا ويح جامعـة
يتمت طلابها ، يا لهف من ثكلـوا
قد عشت فينا ، شعاعا عبقري نـدى
يحلو حديثك ، يحلو القول والجـدل
عرفت أنا نسير القهقرى وطنــا
فاخترت تمضي لمن ماتوا ومن قتلـوا
واخترت ألا ترى للقدس آسـره
فما وجدت سوى آثار من عجلــوا
ارقد أبا الطيب المجروح أحرفــه
في ترب أرضك فأنت الشاعر الرجــل
يا شاطئ القمر المهجور شاطئـه
في زورق الحب لن يأتيك من رحلـوا

قديم 01-21-2011, 09:55 PM
المشاركة 17
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
كيف أضيئت بكين
في الليل الفلسطيني الطويل فقط , و دون ليل كل الشعوب , تختلط المفاهيم عمداً ,,وعن ظهر قصد .
قال الطفل الصغير : لماذا أيها المعلم؟!
قلت للطفل الصغير : لستُ أدري يا ولدي , إنها حكمة الله , وإذا أسغفك الرصاص الطائش فسوف تعرف .
قال الصغير : وكيف أعتمت الدنيا الفلسطينية كل هذه العتمة أيها المعلم ؟!
قلت للطفل الصغير : لست أدري يا ولدي , ولكنني أروي لك حكاية لئلا تنام : (أطرق الطفل الصغير , لا عن يأس, وشفتاه الحلوتان تبتسمان , وسكن إلى جانب ذاكرتي التاريخية , ثم تربّّع أخيراً في كل مساحة قلبي حتى ملأها بالتمام ,,وأصغى بأذنيه الحادتين , فكان وديعاً كالوطن ).
قلت:
في ليلة من ليالي الشتاء , في عام الصعوبات الأولى اشتد عطش الأرض , واشتد مخاض السماء , كان حساب الأيام يسجل على وجه ساعة (بيج بن ) , ربع قرن تقريباً بعد عام 1917 .
في تلك الليلة : أبرقت وأرعدت , وأرعدت وأبرقت , وأبرقت وأرعدت .......
وسقط الليل ...
وسئم الإمبراطور الأعظم ,
سئم زوجته وشعرها الطويل مثل الليل
سئم زوجته وعينيها العميقتين مثل الليل
سئم زوجته وقامتها الطويلة مثل الليل
سئم أنفاق قصره الطويلة مثل الليل
سئم قصائد شعرائه الطويلة مثل الليل
وقرر أن يتمشى في عاصمة ملكه السعيد , أو في ظل من عاصمة ملكه السعيد , كانت العاصمة مظلمة مثل الليل , وكان النفط يتفجر من عتمات الجزيرة العربية وأطراف الهلال الخصيب مثل الليل , كانت حارات العاصمة مظلمة , ,,
عاد إلى قصره العامر بالليل , مغيظاً كئيباً , واستدعى إليه كبير الياوران , وأمره أن يفض له سر عتمة المدينة , فارتبك كبير الياوران ارتباكاً مخلصاً ورسميا , وتمتم بلهجة يكسوها الحرص على مصلحة الرعية والمراعي .
إنها العتمة يا مولاي , العتمة منذ عام الصعاب , وقال الإمبراطور على عادته الحازمة الحاسمة :
أريد أن تضاء المدينة , أو ما تبقى منها فوراً , حتى تبدو كأنها في النهار ( هي في النهار , وليس النهار فيها ).
أريد أن يبكر التلاميذ إلى مدارسهم على ضوء العلم والمعرفة , والعمال إلى المصانع على نور الكهرباء واشعاعات مصابيح الفلوريسنت الأصفر , والفلاحون إلى الحقول على نور المشكاة التي لا هي غربية ولا شرقية , أريد أن يرى كلٌ دربه بوضوح ...
أريد أن تشرق شمس الصحافة على الناس , وأن يكتب كلُ صحفي وأديب سطوره بأمانة صاحب البصر والبصيرة , دافعه الانتماء إلى الأرض , أو ما تبقى من الأرض , وحافزه حرية الوطن أو ما تبقى من حرية الوطن ...
أريد كل شيء على ما يرام يا كبير الياوران , ومد الإمبراطور يده الإمبراطورية إلى خزينة أموال الشعب الغارق في عتمة الفقر والمرض والجوع والوعي :
وخذ هذه الملايين العشرة , ولتشرق الشمس على المدينة بكين ...
في ليل الصبح التالي , استدعى كبير الياوران , صغير الياوران وقال له :
حزن الإمبراطور لعتمة المدينة , وأمر أن تضاء بماله الخاص , فخذ هذه الملايين السبعة , ولتشرق الشمس على المدينة بكين .
وفي ليل الصبح التالي , استدعى صغير الياوران رئيس الوزراء وقال :
إن طويل العمر , الإمبراطور قد سائته عتمة المدينة وأمر بإضاءتها من ماله الخاص , فخذ هذه الملايين الأربعة , ولتشرق الشمس على المدينة بكين .
وفي ليل الصبح التالي استدعى رئيس الوزراء , وزيري الكهرباء والداخلية وقال لهما :
إن طويل العمر , يحزنه أن تظل عاصمة ملكه السعيد مظلمة , وقد أمر أن تضاء من ماله الخاص , فخذا هذين المليونين , ولتشرق الشمس على المدينة بكين .
وفي ليل اليوم التالي استدعى الوزيران أمين العاصمة وقالا له :
إن طويل العمر , الإمبراطور , يريد أن تضاء المدينة , فخذا هذه الآلاف العشرة , ولتشرق الشمس على المدينة بكين .
وفي ليل الصبح التالي استدعى , أمين العاصمة مسؤول الكهرباء والماء قائلاً :
خذ هذه , ودسها في يده , ولتشرق الشمس على المدينة بكين .
في ليل الصبح التالي استدعى مسؤول الماء والكهرباء , كبير العسس , وقائد الشرطة , وأميرال المباحث , ومغاوير الوحدات الخاصة , وقرأ عليهم عليهم لائحة الأوامر كما يلي :
ليشعل كل محروم قنديلاً كبيراً أمام كوخه .
ليشعل كل محزون شمعة كبيرة على باب بيته .
لتحرق كل أرملةٍ سراجاً في زقاق دارها .
ليضيء كلُ أبٍ فاقد لمبةً يحملها أثناء تجواله .
لتشعل كلُ أمٍ ثاكل شعلةً تصحبها في زيارتها لقبر ابنها .
ولتشرق الشمس على المدينة بكين ..
............................وهكذا أضيئت بكين .
قال الطفل الصغير : وهل أضيئت كل الشوارع والحواري والأزقة , أيها المعلم .
قلت للطفل الصغير : نعم يا ولدي , حفظك اللـه .
قال الطفل الصغير : وماذا بعد أيها المعلم ...
قلت للطفل الصغير : صار لصاحب الدار , دوراً , ولصاحب السيارة شركة سيارات , ولصاحب راديو الترانزستور شركة استيراد تلفزيونات وأقمار صناعية للاتصالات السلكية واللاسلكية ...
قال الطفل الصغير : والشحاد؟!
قلت للطفل الصغير : صار شحاداً مضاءً !
قال الطفل الصغير : والمخيم !
قلت للطفل الصغير : ظلَ مخيماً في الضوء!
قال الطفل الصغير : وماذا عن دواخل النفوس والبيوت ؟
قلت للطفل الصغير : ظلت معتمة .
قال الطفل الصغير : ولماذا أيها المعلم ؟
قلت للطفل الصغير : لأن كل نفط الدنيا , لا يضيء ضميراً معتماً يا ولدي ...
وبكى الطفل الصغير بصمت , وبكى الوطن بصمت . وبكيت بصمت .

في نوبة البكاء , لاحظت الجنود وهم يكفون عن تزييت جنازير الدبابات , وقرأت على يد الطفل اليمنى جملةً قصيرة , مكتوبة بلغة واضحة ... مكتوبة بلغة واضحة جداً .




عبد اللطيف عقل
"" رسالة النجاح "" العدد 20
آذار (1984) .

قديم 01-21-2011, 10:48 PM
المشاركة 18
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي

ولد في بداية الأربعينيات، ويمتاز شعره بلغة ثورية معمّقة، اكتسبها من ثقافات
متنوعة، خرج من دائرة الذات، وسبح بفكره وألفاظه ومعجمه اللغوي إلى دائرة
الحياة بكل ثقلها وهمومها، وفلسف الكثير من الفرضيات من أجل البحث عن الحقيقة
التي وجدها ضائعة في وجود ” الأنا”.
ساهم بشكل مميز في الحركة الثقافية بفلسطين، وحمل لواء الأدب والتربية من خلال
عطائه المتجدد، فأصدر العديد من الدواوين الشعرية، والكتب التربوية، ومقالاته
الفكرية التي تعكس جميعها الهم الفلسطيني في الداخل والخارج.
يمثل جيل الأربعينيات عمراً، لكنه بفكره يمثل جيل هذا القرن، لِما تحمله قصائده
من دلائل متعددة.



هذا ما قاله د. يحيى زكريا الأغا في الشاعر الراحل ( عبد اللطيف عقل )
يرحم الله أبا الطيب .. وبارك الله في جهودك أخي أيوب
ملف كامل ومتكامل للشاعر عبد اللطيف



تحية ... ناريمان

قديم 01-30-2011, 09:23 PM
المشاركة 19
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الفاضلة نريمان الشريف

الاستاذ عبد اللطيف عقل كان فذا عبقريا بكل المقاييس لقد درست عنده المنطق وهو حتما مثلا جيدا لما يمكن ان يفعله اليتم في طاقات الدماغ.

انوي ان ادرج هنا كل دواوين شعره ثم اعمل دراسة عنه تتركز حول اثر يتم الاب والوطن في عبقريته.

قديم 02-01-2011, 04:43 PM
المشاركة 20
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
من ديوان حوارية الحزن الواحد
الطبعة الاولى 1985

في الذكرى الأربعين لميلاد الخوف
عبد اللطيف عقل

خفت في صغري من الظلام، فقد كان يطول وخفت في صغري من النهار فقد كان يقصر، وأخاف في كبري من الظلام لأنه ما زال يطول وأخاف في كبري من النهار لأنه ما زال يقصر هذا إن جاء.

خفت في صغري من الشتاء بسبب البرد وخفت من الصيف بسبب الشر، وما أزال أخاف من الشتاء بسبب البرد ومن الصيف بسبب الشرد.

خفت من الجنة أن احرم منها، ومن النار أن أكون من نصيبها، وخفت من الجبل أن أقع عنه، ومن الوادي أن أقع فيه. خفت من الأفاعي والعقارب أن تلدغني وخفت منها أن اقتلها.
خفت من المطر أن ينحبس وأجف مع الزرع والضرع، وخفت أن يجيء فتغرق السيول القرى ويهلك الحرث والنسل.
خفت من أمي أن اتركها وخفت من أمي أن تتركني، وخفت من أبي آن يسافر ولا يعود وخفت منه أن أسافر ولا أعود.

خفت من عمي لأنه أكبر مني وخفت من عمي لأنني أصغر منه، وخفت من العصافير والفراشات لأنها ملونة ومن الغربان والحمائم لأنها ذات لون واحد.
خفت من النوم لأنه قد يطول ومن اليقظة لأنها قد تكون مزيفه، وما زلت في كبري أخاف من الليل لأنه يطول ومن اليقظة لأنها مزيفة.

قالت أمي أنني أتيت في ليلة شتاء ليلاء وكنت أرتجف مثل عود اللوز الناشف وكانت هي ترتجف مثل عود اللوز الناشف كذلك.
وقالت أمي أيضا، إن السيل ارتفع في الوادي تلك الليلة إلى حلوق الغنم فنفق أكثرها. وفسر معلم المدرسة الوحيد قول أمي ودعمه بقصة الفلاحين الثلاثة الذين ماتوا تلك الليلة خوفا، وقالت الشائعة السريعة الخطى ، إنهم ماتوا برصاص جنود سلاح الجو الملكي البريطاني.


ومنذ تلك الليلة وأنا أخاف ، أخاف من الأشياء وأخاف عليها، أخاف من الناس وأخاف عليهم، أخاف من الأطفال أن يضربوني . وأخاف عليهم أن أشتهي ما بأيديهم من أشياء كانت تبدو لي جميلة لأنني لا أمتلكها. وتكونت لدي عادات منذ تلك الليلة يعتقد علماء سيكلوجية اللزمات أنها شاذة:
اعتدت أن أعض أصابعي تأكيدا
أنها لم تهرب من كف رسغي .
اعتدت أن احك أذني مخافة أن
تكون قد هربت عن صدغي.
واعتدت أن أمحط بكم ثوبي مخافة أن يتهمني الآخرون بتوسيخ ثيابهم.
واعتدت أن أتعلق بأمي مخافة
أن أقع على الأرض.
واعتدت أن أخاف الوقوع على
الأرض لئلا تكون الأرض قد سرقت.
اعتدت أن أغيب عن عيني أخي الأكبر، مخافة أن يَسِملَ عيني.

وما زلت في كبري، أتشبث بالقلم أكتب به، لأنه الدليل الوحيد الباقي على أن أصابعي لم تهرب من كفي، وان رسغي ما تزال ملتصقة بساعدي.
وما زلت في كبري أوسع من صيوان أذني، فأستوعب الأخبار والتحليل السياسي، وأغاني عبد الحليم وأم كلثوم...لان هذه هي الطريقة الوحيدة للتثبت من التصاق أذني بصدغي، وتواجد صدغي في رأسي الذي يحمي قدرتي على التفكير، وما زال كم ثوبي ناشفا بنتاج زكامي، فأنا أكثر احتمالا لرعب سيلان أفكاري. وما زلت أتعثر بين الخطوة والخطوة فأقع على الأرض المسروقة وأتعثر في أرض الربع الخراب: سقطت في أرض الكافر، وأرض الهنود الحمر، وأخيرا أثرت السقوط مع ما تبقى من التراب ، على ما تبقى من الحبيبة إلى الأبد.

وكبرت بالعافية وفيها، وصرت في سن المدرسة، فأذهبوني إليها قسرا وعن غير عند، فقابلت مخاوف جديدة، عمقت مخاوفي حتى تاريخه:

صرت أخاف من الأسئلة التي يطرحها
المعلم، بسبب الأجوبة التي تضربها عصاه.
صرت أخاف من درس النشيد بسبب النسيان،
ومن درس الدين بسبب الخطأ في القراءة.
وصرت أخاف الخروج من الصف بسبب
الدخول إليه ثانية، ومن البنات لئلا أحبهن أو يكرهنني.

وراهقت مع الخوف في ليلة واحدة كان القمر قد اكتمل فيها، وفي صبيحتها أعلن المرحوم جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، فارتفع برميل النفط من ثلاث سنتات إلى خمس ، وغادر أخي الأكبر مهنته الرعاية رأسا وبدون مقدمات إلى الحرب في الحرس الوطني، فخفت أن يعود، وخفت أن يعود سالما.
وبدأت في هذه السن المبكرة خوفا نمطيا من التهم، إذ كثرت الفتن، واختلط حابل الفكر بنابل الايدولوجيا:
بدأت أخاف الحديث عن العدل
والمساواة فأتهم بالمثالية.
بدأت أخاف الحديث عن هنا وألان فأتهم بالواقعية.
بدأت أخاف الحديث عن الوطن العربي الواحد فأتهم بالقومية. وعن الأمة الإسلامية الواحدة فأتهم بالعبثية، أو عن أبي ذر الغفاري فأتهم بالماركسية، وعن حق النساء في الاقتراع فأتهم بالإباحية.
وأصبت بالخرس.

يتبع،،،،


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: عبد اللطيف عقل- يتيم الاب والوطن
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
يتيم أنين أحمد منبر القصص والروايات والمسرح . 15 09-13-2017 10:31 PM
الربيع بن خثيم عبدالله علي باسودان منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 0 11-02-2015 09:26 PM
القصيدة الجماعية : الربيع والوطن نبيل أحمد زيدان منبر الشعر العمودي 70 05-02-2012 01:18 PM
حسن مجاد:"وحيدا كعادتي ....والوطن المغيب غزلان هاشمي منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 4 10-15-2011 07:16 PM
كل عيد .. وأنت لنا العيد والوطن : د . لطفي زغلول لطفي زغلول منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 3 09-11-2010 02:56 AM

الساعة الآن 10:39 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.