احصائيات

الردود
7

المشاهدات
2986
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
03-02-2014, 05:05 AM
المشاركة 1
03-02-2014, 05:05 AM
المشاركة 1
افتراضي ثائران
بلدة ثائرة على مثيلاتها من المدائن الغارقة في لجة الفوضى ، تعانق صبحا دفء شمس ذهبية ، تشع من خلال زجاج نوافذها الملونة و جدرانها المصقولة ، زرقة بحيرتها السماوية تطبع على أفقها المتكئ على جبل مخضر قبلة قوس قزح . هي سر هذا الشعور الدافق حلاوة ، زرعت في بيداء مشاعره شتائل تفتحت زهورها ، فاتسعت دائرة حدائقه وامتدت لتطال حياتها . منذ أن طوق الخاتمان بنصريهما ، اشتعلت لذة المتعة في نفسه التي كادت تنطفيء في سراديبها كل شموع الأمل .
تشكل يداه المبدعتان الجمال الخلاب ، منذ كان صغيرا يستهويه النحت ، كان حفيد صياغ تقليدي ينقش الفضة ، جده مرح المجلس ، باسم الملامح ، كلما هم بالفضة لانت و انصاعت لرغباته ، وهو يكلمها بدلال : "تزيني و تجملي فأنت رمز للجمال ." يحاور الأحجار المرمرية التي يصطادها عند قدم الجبل وعلى أطراف البحيرة ماسحا على وجهها الأملس ، وقد تراءت له تحفا فنية تتباهى في حلي تموجات خطوط نورانية تزين وجهها المصقول كثوب حيك بخيط حريري رفيع .
رأى صديقه صدفة في المدينة ، توقف برهة قبل أن تتقدم خطواته نحوه و البسمة تعلو ملامحه ، تعانق الصديقان بحرارة ، و تقدمت بهما الخطوات إلى مقهى شاطئي ، تتأمل عيناهما الأسد المرمري الجاثم في الركن الأيسر للمقهى ، يمد صديقه يديه نحو المرمدة الصخرية محدقا في نقوشها الساحرة ، تلعثم بكلمات إعجاب لهذه الصنعة الضاربة في عمق التاريخ ، رمش النحات بعينيه و هو يقرأ حركات زميل المدرسة و رفيق الدرب ، يستحضر تلك السنوات التي تبدو بعيدة بعد المشرق عن المغرب ، يوقد صديقه سيجراته ، ترقرقت دمعة تحاول الانفلات من عينه اليسرى قبل أن يلفظها بطرفة جفنيه معاندا رقتها في مواجهة الدخان ، بينما النحات يفرغ كوب الماء في جوفه مطاردا مرارة رشفته الأولى من فنجان القهوة السوداء التي مزقت حلقه اللين المتعود على عذوبة النغم و رقة الكلام و لذيذ الشراب و رطوبة الهواء . يتذكران أيام الشباب الأولى كانا يطاردان الطرائد بمهارة نادرة قبل أن تصطادهما شباك الثورة ، فطفقا يناضلان و يحاضران و يخططان و بنفدان ببراعة عز نظيرها ، يتقاسمان نشوة الانتصارات و يتجرعان آلام الهزائم بقوة التحدي ، لا تنال الخيبة من عزمهما على الصمود والظفر بذلك الحلم الجميل ، يطاردان وحشة الأقبية والزنازن المظلمة بما يخبئه المستقبل الباسم الوضاء .
منذ أن رأى صديقه و نفسه كارهة للضحك فيتكلف تكشرا لعله يسترجع نزقه و حيويته التي ذبلت مع طعم القهوة المر و لونها القاتم ونظرة صديقه الماكرة الذي فاجأه : " نحن بحاجة إليك صديقي ، أنت تعلم أننا قاب قوسين أو أدنى ." حنحن مفرغا قهوته برشفة واحدة في جوفه فطقطق لسانه لذة و قد انبلجت قسوته من طلاء الوداعة ، يتأمل صديقه المستطرد في الكلام : " نحتاج إلى خبرتك ، نريدك أن تعلم الشباب ، أنت قدوة ، تشجع يا صديقي ، ماعهدتك يوما جبانا .." انفجر صوته الجهوري و قد التحم حاجباه : " كم يوما قضيت في السجن ؟" قال كلامه وهو يستحضر السنين الطوال ، و تهكمات المجرمين ، وعجرفة الحراس ، وجفاء الأحبة ، كان سلاحه الوحيد الذي أبقاه حيا هو قلمه الذي لا يتوقف مداده وهو يخط آلاف الصفحات ، ارتعدت فرائص صديقه و هو يستحضر غلظة رفيقه و قسوة بطشه و جبروت آرائه ، و صعوبة ثورته ، نظر النحات إلى جليسه ونظرته تحمل شرارة حنق فتلته السنين و هو يتذكر آخر عملية سينفدانها ، كان رفيقه من يعرف دقائقها ، تذكر اعتذاره في اللحظة الأخيرة مشتكيا من مرض ألم به ، تذكر رفاقه الذين اشتروا براءتهم بالشهادة ضده . فانطلق لسانه ويده معقودة على فنجان القهوة الفارغ الذي تحاول أجزاؤه المفككة التنصل من قبضته : " منذ متى و أنتم تراقبونني ؟" و لما صمت صاحبه و شفتاه ترتعشان رهبة من يد بطاشة ، أكمل : " أنا نحات أحادث الأحجار و لها من الوفاء ما لا يبخس جمال روحي "


قديم 03-02-2014, 09:05 PM
المشاركة 2
فاتحة مصطفى
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
السلام عليكم ورحمة الله


شكرا أخي على هذه القصة المؤثرة، قصة نحات ذاق الأمرين حتى أصبحت القهوة المرة شرابه المفضل، فإحساسه بالخذلان وانعدام الوفاء والانهزامية التي صدم بها من أقرب المقربين و الشدة التي تعرض لها في حياته جعلته يقترب من الحجارة ليكتشف أنها أكثر وفاء من بعض البشر، فربما اختار الحجر ليزداد قسوة وغلظة لأن هذا ما تشبعت به نفسه، لكن الحجارة صقلته قبل أن يقوم هو بصقلها فحولته لفنان جعل منها تحفا فنية
.

و صدق الله تعالى حين قال:

"بسم الله الرحمن الرحيم
{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }


أتمنى أن أكون وفقت في الفهم كما وفقت أنت في اختيار قصة لامست الأحاسيس والوجدان، شكرا أخي

قديم 03-04-2014, 12:11 AM
المشاركة 3
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأستاذة : فاتحة مصطفى

بداية كامل الترحيب بأولى مشاركاتك بمنبر القصة و اعتزازي بحضورك الوهاج .

كما يشرف هذا النص أن يحظى بقارئة تغوص في أعماقه مستنطقة أحداثه ، ماسكة بلبناته الدلالية .

أحيي هذا التحليل المضيء لجماليات النص .

و لا تفوتني فرصة دعوتكم للمشاركة هنا بإبداعكم الجميل ، وتفاعلكم الراقي .

كل القدير والاحترام

قديم 03-05-2014, 04:37 PM
المشاركة 4
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
الكريم ياسر على

تعودنا منك ان تكون روح سحرية فى التعليق على كل نص فكم من كاتب او كاتبة وجدت لديك مروجاً رحبة من المؤازة والتشجيع ..تلك الروح التى مستنا جميعا بشئ من السعادة اجدها هنا تنقلنا لواقع مؤلم حد الجنون وللأسف واقعى

تحياتى لك استاذنا

قديم 03-07-2014, 11:34 AM
المشاركة 5
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


الكاتبة روان عبد الكريم

كل التقدير على مرورك البهي
يشرف هذا النص أن نال توقيع استحسانك

تحياتي



قديم 03-07-2014, 06:50 PM
المشاركة 6
محمد مهاجر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الاخ ياسر على, شكرا لهذا العمل الرائع

صديقان يجدان نفسيهما فى طريقين مختلفين. من ملاحقة الطرائد الى الالتحاق بالثورة التى مثلت لكل منهما شيئا مختلفا. الاول اشتم رائحة النجاح (الزائف), والثانية مازال يتجرع طعم خيانات الرفاق والانتكاسات, لكن عزاؤه الوحيد هو ان كسب نفسه وانه مازال يمسك بازميل النحات البارع وحبه لفنه

سلام

قديم 03-09-2014, 11:11 PM
المشاركة 7
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأستاذ محمد مهاجر

الثنائية سنة كونية ، فيها المتناغم وفيها المتباعد ، أو الدور يأتي متداولا ، والحياة ترى بمناظير مختلفة اختلاف الحيز الزمني والمكاني و المصلحي ، ثلاثية الأبعاد تلك لها الرأي الفيصل في أغلب المواقف التي تتبناها الشخصيات المتدافعة على خشبة الحياة

جميل ما أتحغت به المتصحف من إطلالة رائعة تقدم إضافة نيرة للنص .
كل التقدير والاحترام .

قديم 03-09-2014, 11:12 PM
المشاركة 8
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأستاذ محمد مهاجر

الثنائية سنة كونية ، فيها المتناغم وفيها المتباعد ، أو الدور يأتي متداولا ، والحياة ترى بمناظير مختلفة اختلاف الحيز الزمني والمكاني و المصلحي ، ثلاثية الأبعاد تلك لها الرأي الفيصل في أغلب المواقف التي تتبناها الشخصيات المتدافعة على خشبة الحياة

جميل ما أتحغت به المتصحف من إطلالة رائعة تقدم إضافة نيرة للنص .
كل التقدير والاحترام .


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:06 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.