قديم 08-05-2010, 03:32 PM
المشاركة 21
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
ريد الهجرة لا الهجران


محمد جاد الزغبي/عميد المثقفين
منبر الحوارات العامة


البعض يفهم الغربة والإغتراب من طريق الخطأ
فليست الغربة ترك أرض تربيت فيها .. ولا إلفا اعتدت عليه .. ولا حتى أهلا تركت لهم قلبك
إنما الغربة أن يولد لك عقل ولا تولد له رسالة .. أن تعيش طموحا لا يتعدى أنفك .. وتطلب آمالا لا تفيد بها إلا نفسك
إنما الغربة ألا تشعر بالغربة فى زمن كل ما فيه مناقض لعقيدة اعتنقناها .. ودين آمنا به .. وتاريخ حملنا أمانة إحيائه
فلو أنك لم تشعر بالإغتراب فى ظل مجتمعك فلك أن تراجع نفسك بالفعل لتدرك ساعتها أنك بهذا فقط أصبحت غريبا

فالغريب المغترب هو ذلك الذى يشعر بالإلفة فى مجتمعه المعاصر ويشعر بالغربة مع تاريخه الذى لا يعرف عنه شيئا
وأولى الناس بالإغتراب عن مجتمعاتهم وقوانينها هم المفكرون والعلماء حاملى لواء الرسل والأنبياء
وإلى هؤلاء وإلى كل صاحب قلم تم توجيه هذه الرسالة ..
أننا نريدها هجرة .. ولا نريدها هجرانا
هجرة إلى كل مكان بغض النظر عن موقعه لكى تلقي فيه بذور قلمك مؤديا رسالتك .. لأن عهد مواطن الأقلام ولى إلى غير رجعة وأصبح الموطن لكل كاتب هو قلمه وحسب .. وأى إنتماء لغيره أو لغير رسالته ليس من الإنتماء فى شيئ
نريدها هجرة إلى القيمة حيث حلت وعن أى مكان عنه رحلت
فكل كاتب صاحب هدف فى أى مجال يرمى بقلمه إلى إحياء ما كان لهذه الأمة من تاريخ ملزم أن يهاجر بالهجرة .. لا أن يهجر بالهجران
فالهجرة تكون للقيمة .. أما الهجران فيكون عن القيمة
فأيما مكان طغى فيه السواد على البياض حتى أفناه صار محتما تركه وإن عز .. وأصبح لازما هجره وإن كان فيه الأقرباء
ولا أزعم أنه من الممكن فى عالمنا المعاصر أن يوجد مكان كل ما فيه بياض ناصع .. أو نظن وجود مكان كل ما فيه ثقافة وكل من فيه مثقفون .. فالذى يظن هذا واهم حالم لا شك
إنما حديثي عن الأمكنة التى يحارب فيها المثقفون ويكون فيها من اللون الأبيض فقط ثلاثين فى المائة أو حتى عشرين لأن تلك المساحة تستحق المعاناة والكفاح للحفاظ على نسبتها على الأقل
ولكن إن قلت النسبة فوصلت إلى خمسة فى المائة أو أقل فالمحاولة هناك ضياع رسالة قبل أن يكون ضياع جهد
والمنابر التى يكافح فيها المثقفون ومنها على إختلاف أشربتهم تتضاءل كل يوم ويضيق عليهم الخناق كل ساعة ولا حل أمامهم إلا أن تكون سياسة الهجرة طريقهم لإيصال رسالتهم بعيدا عن حروف .. الغرض هو سلاحها الوحيد
والهجرة دونما نظر إلى عواقب أو فقد رفاق .. مهما كانت تلك الصحبة القليلة نادرة وداعية للتمسك بها لا تركها لأن الرفاق إن كانت لهم حقوق فالرسالة لها الحق الأولى
وتلك الأمكنة تتنوع بين دور صحف ودور نشر وأندية ثقافية ومنظمات فكرية ومنتديات كلها تختلف فيما بينها فى درجة الوعى على حسب النسبة التى توجد بها من أهل الجادة .. وكلها تمثل عذابا مقيما لتلك النسبة الضئيلة فى معاركهم مع الأكثرية الغائبة عن الوعى
وكلها شهدت على مر التاريخ هجرة رآها العقلاء واجبة وشهدت هجرانا رآه الطامحون للإصلاح لازما
وبدا واضحا أن العلاء كانوا ولا زالوا على حق
وعندما نتأمل دروس وعبرة الهجرة الكبري فى الإسلام نوقن أنها كانت درسا لمن أتى بعدها ولم تكن حادثا لزمانها وحده
فالرسول عليه الصلاة والسلام ترك مكة وهى أقرب بقاع الأرض لقلبه لكن هذه المعزة لم يكن لها إعتبار عندما يتعلق الأمر بعوائق أمام إتمام الرسالة على أكمل وجه بعد محاولات مريرة لم تفلح عبر ثلاثة عشر عاما من الدعوة
ورغم أن مكة المكرمة ظهر منها المسلمون المعاهدون لربهم إلا أن ظهورهم ووجودهم لم يمنع أن الأكثرية كانت من الغثاء الواجب تركه والحلول ببقعة خصبة فيها من الخير ما يمنح للدعوة طريق الرشاد
ولم تكن المدينة المنورة حال قدوم الرسول عليه الصلاة والسلام مدينة من الملائكة أو المؤمنين وحدهم

بل كانت بها فرق اليهود وبها النعرة القبلية التى أثمرت شلالات الدم بين الأوس والخزرج وبها المنافقون فلماذا كانت الهجرة إليها رغم كل هذا
والسبب أن المساوئ الموجودة هناك كانت قابلة للحل لأن رجالها من أهل الحل والعقد
كانت المدينة فيها من القيمة ما يكفي لمواصلة المقاومة والعناء حتى تستكمل الرسالة رونقها وتثمر بعد جهد
أما مكة فكانت ـ شرفها الله ـ تعج بما لا يفيد معه الإصلاح إلا بالسلاح .. والسلاح يلزم له العدة والعتاد بعيدا عنها أولا
فلو أن كاتب ومصلح ضاقت به بلده أو ضاق به منبره حتى مثل عائقا على ممارسة رسالته قام بالهجرة عن هذا المكان واتخذ لنفسه منبرا أو حتى بلدا أخرى يمارس منها رسالته .. لكان الحال اليوم غير الذى نحن فيه
وعلى مر التاريخ مارس العباقرة الفكرة فكانت الهجرة ..
فعلها الأئمة الأربعة كلٌ فى محنته وفعلها العز بن عبد السلام فجاء إلى مصر من الشام .. وفعلها بن تيمية فجاء من الحرية للسجن ..
ومن التاريخ المعاصر ..
فعلها عمر مكرم عندما أحاط به الحقد فقال كلمته ومضي ولم يثنه عن عزمه رفاقه وأهله الذين تركهم
وفعلها رواد البرلمان المصري الأول عندما تركوا مرضاة الخديو إسماعيل إلى غضبه فأدوا رسالتهم وقبعوا فى مجلسهم دونما أن يلتفتوا لأهليهم وما لاقوه .. وفعلها الأفغانى وتنقل عبر البلاد لا يكل ولا يمل ولم يصعب عليه مغادرة الأهل والولد
وفعلها محمد عبده عندما تآمروا عليه فمنحوه العالمية من الدرجة الثانية بدلا من الأولى فأدى رسالته من خارج الأزهر
وفعلها عبد الله النديم عندما ترك رغد العيش إلى الهروب المستمر رافضا اليأس مهما ضاقت دوائر الأمل ومفضلا ترك الأعزاء على فؤاده فى سبيل الأعز
وفعلها الشعراوى عندما ضاق به الداخل فأدرى رسالته من الخارج ثم عاد فأكملها بالداخل ..
وفعلها العقاد من بيته عندما ازدحم المشهد الخارجى وضاق بأهله
وفعلها محمد حسنين هيكل عندما ترك الأهرام الذى أسس فيه الوعى ونشره وقبع فى منزله ومكتبه راضيا ليبدأ فى ممارسة دوره التوعوى دون مقعد الأهرام بأضعاف ما كان عليه فوقه ولم يثنه عن قراره أن له بالأهرام أساتذة وتلاميذ ورفاق
فخرجت من محرابه عشرات البحوث التى لا تقوى على جمعها أمة من العلماء
واحتمل فى جلد وصبر عتاب المحبين وغضب الأصدقاء ممن رأوا فى موقفه تعنتا ورآه هو رحيلا ضروريا عن مكان .. البقاء فيه معناه رحيله عن نفسه
وما ينادى به أبو اسحق الحوينى هذا العالم الفذ حول مسألة كفالة طلبة العلم والحرص على توفير نفقاتهم لئلا يتركوا رسالتهم تحت ضغوط الحياة .. هو قول محل نظر
لأنه ما من عظيم أدى رسالته فى السابق ولا حتى الحوينى نفسه إنتظر شيئا أو محفزا لكى يقوم بأداء دوره بل قام كل منهم بالحفر فى الصخر حتى يحقق مبتغاه العام من نهضة الفكر لا مبتغاه الخاص فى تحقيق الطموح
ولا زال هناك من يحفر ويواصل ويري ضربات القهر على ظهره مجرد منشطات لعضلاته .. فما أشد حاجتنا لتلك الروح

قديم 08-05-2010, 03:34 PM
المشاركة 22
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
أدَب السِّيرة الذاتية بين الشِّعر وَبيْن النَّثر

د. عبد الفتاح أفكوح
منبر الدراسات النقدية




(المقالة الأولى)



كثيرون استبعدوا إمكانية تحقيق وإنتاج سير ذاتية شعرية، وزعموا أن أدب السيرة الذاتية يعتمد الحقيقة والصدق في نقل تجارب الحياة الفردية، وأن الشعر يقوم بخلاف ذلك على التصور، والتخيل، والمبالغة، وعلى الصدق الفني إن لم نقل الكذب، شأنه في هذا المنحى أقوى من شأن الرواية والقصة، وطائفة ثانية تجاهلت أمر تلك الإمكانية، ولم تكلف نفسها عناء التفكير في مسألة السيرة الذاتية الشعرية، في حين تنبهت ونبهت طائفة ثالثة إلى وجود نماذج وجذور للسيرة الذاتية الشعرية في تراث الأدب العربي الإسلامي.
وقد أثيرت مسألة السيرة الذاتية الشعرية كذلك داخل الأوساط الأدبية والنقدية الغربية، بحيث أبدى فيليب لوجون (Philippe Lejeune) في هذا الشأن ملاحظة خلاصتها أن أدب السير الذاتية النثرية يعرف كثرة في الإنتاج بخلاف أدب السيرة الذاتية الشعرية الذي لا تتجاوز الأعمال المنضوية تحته عدد الأصابع، وبالعودة إلى كتابات الناقد الفرنسي (Lejeune) في موضوع تعريف السيرة الذاتية، سنجد أنه قد حاول واجتهد مرتين في وضع حد أو تعريف لهذا الجنس الأدبي، لكنه خلص في النهاية إلى صياغة حدود تعريفية تتجاهل الحد الشعري في هوية أدب السيرة الذاتية وتعريفه، مع أنه أدرك عدم وجود أي مانع يحول دون توظيف وإدراج أبيات شعرية في السيرة الذاتية.
والملاحظ أن معظم النقاد والباحثين العرب اعتمدوا في كتاباتهم ما وضعه الناقد الفرنسي من تعريف للسيرة الذاتية واكتفوا به، واعتبروه، على ما يبدو، معيارا وتعريفا شبه ثابت خاص بأدب السيرة الذاتية، يستند إلى ثلاثة مرتكزات تقيم بناءه، أما جورج ماي ( Georges May ) فيناقش مسألة السيرة الذاتية الشعرية بقسط من الحذر، بحيث إذا ما تفحصنا ما جاء به في هذا الشأن، فإننا نلمس لديه نزوعا إلى إقرار الحد الشعري في تعريف السيرة الذاتية، وإن كان ميل الكتاب إلى النثر في تأليف سيرهم الذاتية أقوى من ميلهم إلى إنشائها شعرا.
وإن كان جورج ماي ( Georges May ) لم يضع حدودا تعريفية دقيقة لأدب السيرة الذاتية ، كما حاول ذلك فيليب لوجون
(Philippe Lejeune)، فذلك لأنه أدرك بأن حدود التعريف النثرية عاجزة عن الإحاطة بجوهر وهوية السيرة الذاتية، ورأى من الأحسن أن يتخذ مفهوم النزوع المتسم بالمرونة عوضا عن مفهوم التعريف في شأن تحديد ماهية هذا الجنس الأدبي، وذلك تفاديا لما ينطوي عليه التعريف من تصلب وجزم، فهل نسلم بالتعريف الذي وضعه لوجون (Lejeune) للسيرة الذاتية، المتمثل في كون هذا الجنس الأدبي، تبعا لحد من حدوده التعريفية، حكي أو سرد استعادي نثري؟ وأنه أدب ينتمي إلى النثر الخالص ولا علاقة له بالشعر؟
هل الحد الشعري الذي غيبه لوجون (Lejeune) أثناء تنظيره لأدب السيرة الذاتية قد أفقد التعريف الذي وضعه لهذا الأدب الكثير من مصداقيته؟
ثم لو تم إدراج هذا الحد والإقرار به في دائرة تحديد هوية السيرة الذاتية، أكان سيكسب تعريف هذا اللون الأدبي مصداقية كبيرة؟ للإجابة على هذه الأسئلة، لا بد أن نتحرى عن حقيقة "السرد" أهو بالفعل قاسم مشترك بين مختلف الأجناس الأدبية النثرية فقط؟ وإلى أي مدى يمكن أن نوظف "الشعر" في تأليف السيرة الذاتية؟
صحيح أن "السرد" أداة مخالفة لعنصر "الوصف"، وخطاب يعتمد الحكي و القص الأدبي، لكن حدوده مفتوحة على الشعر، بقدر ما هي مفتوحة على النثر، مما يدل على أن العملية السردية هي قاسم مشترك بين جميع الفنون الأدبية، فليس كل الشعر وصفا حتى يتعارض مع السرد؛ بل إن فيه من أثر هذه الأداة الحكائية والقصصية ما لا سبيل إلى تجاهله أو إنكاره، وليس كذلك كل النثر سردا حتى يتعارض مع الوصف.
ثم ليس كل الشعر العربي سردا حتى يتجرد من الوصف، فلا الشعر ولا النثر بإمكانهما الاستغناء أو التجرد عن أداتي: السرد والوصف، والشعر لا ينطوي فقط على التخييل، والمبالغة، والصدق الفني، وإنما فيه من صدق الحديث، وحرارة العاطفة والوجدان فيضا خالصا من كل زيف أو كذب، قد لا نعثر عليه في بعض الكتابات النثرية.
لا شيء، حسبما نرى، يمنع السرد من الاقتران بالشعر، إذ لا يحق لنا أن نحكم على عنصر السرد بأحادية انتمائه إلى النثر، ولا أن نزعم وندعي انعدام العلاقة التي تجمعه بالشعر عموما، أو بالقصص الشعري الذاتي بوجه خاص، فما قانون "السرد" إلا كل ما هو محكوم بمنطق الحكي والقص الأدبي، ثم إنه من العسير علينا أن نبرهن أو نجزم بصفاء السير الذاتية النثرية وبراءتها من التخييل، والتمويه، والمبالغة، والكذب، لأن من يكتب سيرته الذاتية غير معصوم من الانحراف و الميل إلى مثل هذه العوارض والعثرات، سواء عن قصد أم عن غير قصد ، فقد يلجأ إلى مخيلته ليصل بين أجزاء و تفاصيل ذكرى معينة خلت وعفا عليها الزمن، ثم إن الحياة الإنسانية هي أصلا مزيج من الحلم والحقيقة، والواقع والخيال.
إننا نعثر في الشعر الجاهلي مثلا على حس ذاتي عميق، انطوت عليه معلقات عدد من الشعراء، ويكفي أن نقرأ معلقة طرفة بن العبد المتوفى عام 70 قبل الهجرة/ 550 للميلاد، أو معلقة امرئ القيس المتوفى عام 80 قبل الهجرة / 565 للميلاد، أو معلقة عنترة بن شداد المتوفى عام 22 قبل الهجرة / 600 للميلاد ن لنقف بجلاء على تجارب ذاتية في الحياة صاغها أصحابها شعرا، ولقد أتاح الشعر لهؤلاء الشعراء إنشاء سيرهم الذاتية تبعا للتقليد الأدبي السائد في عصرهم، فهم بالفعل قد خلفوا للأجيال التي جاءت من بعدهم تواريخ فردية خاصة تعكس تفردهم بمقومات شخصية، وتجارب، وأذواق، ومواقف، وقناعات، وانشغالات.
ثم إن بإمكان الشاعر أن لا يسكب تجاربه الذاتية أو قصة حياته في فضاء تخييلي مغرق في المبالغة وإسراف القول، على الرغم من كونه يدرك جيدا بأنه في مقام شعر، يسمح له بنسج ما شاء من الصور الشعرية المنحوتة بالخيال، وهذا يعني أن الأنا الشاعرة بإمكانها أن تلتزم مبدأي:"الصدق" و" الحقيقة"، وعنصر الواقعية في سرد تاريخ حياتها شعرا، ونحن من هذا المنطلق نتساءل مع نبيل سليمان قائلين: هل بالإمكان التحدث عن شعر سردي، أو عن سردية شعرية، خاصة عندما يتم تشخيص معالم سردية في قصيدة معينة.
إن هذه الملاحظة تزكي ما تناولناه بالحديث سلفا، في مسألة أدب السيرة الذاتية الشعرية، عندما أقررنا إمكانية توظيف الشعر في تأليف السيرة الذاتية، ومن نماذج السيرة الذاتية الشعرية في الأدب العربي الإسلامي القديم ، نذكر التائية الكبرى لصاحبها شرف الدين بن الفارض (576 - 632 هـ / 1181 - 1235 م)، وهي قصيدة سماها: (نظم السلوك)، قص فيها تجربته الروحية، وما لقيه من شدائد ومعاناة في هذه التجربة، ولا شك أن الكم القليل من السير الذاتية الشعرية في تراث الأدب العربي الإسلامي، قد يعود من جهة إلى قوة الجموح الشعري، أو إلى الصعوبة التي تكمن في صياغة السيرة الذاتية شعرا من جهة ثانية، لأن على من يختار هذه الصياغة الأدبية أن يبذل جهدا مضاعفا لسرد تاريخه الخاص، بالمقارنة مع ما تتطلبه الصياغة النثرية في تأليف هذا التاريخ، مما دفع بكثير من الشعراء إلى كتابة سيرهم الذاتية نثرا، لكن هذا لا يعني في شيء أن الشعر غير مؤهل لاحتضان السيرة الذاتية.
وإذا كانت ميزة النثر كامنة في طاقته الاستيعابية لأدق تفاصيل التجارب الإنسانية، وفي بعض الحرية والسرد المتسلسل، الذي يطمئن إليه مؤلف السيرة الذاتية، فإن الشعر بدوره يستطيع أن يعكس التاريخ الخاص، وقد سبق له قديما أن أدى وظيفة السيرة الذاتية، وللباحث أن يلاحظ ما قد انطوى عليه الشعر العربي القديم من ملامح كثيرة لأدب السيرة الذاتية قبل أن يصير هذا الأدب لونا مستقلا من التعبير.
فهل سنكون محقين وعلى صواب إن بادرنا إلى إعادة تعريف أدب السيرة الذاتية بقولنا: السيرة الذاتية جنس أدبي سردي، استرجاعي نثري أو شعري، يتولى الكاتب من خلاله تدوين تاريخه الخاص؟


أدب السيرة الذاتية وأدب الترجمة الذاتية
(المقالة الثانية)



نرى في البداية أن نعرض جملة من الأسئلة والتساؤلات التي نصادفها في متن النصوص النقدية التي عالجت جنس السيرة الذاتية، والتي تتخذ مسألة تعريف هذا الجنس الأدبي محورا لها، وهي كالآتي:
هل صحيح أن محاولة إعطاء تعريف واضح لجنس السيرة الذاتية مآلها الفشل؟ وهل صحيح أن السيرة الذاتية جنـس أدبي محير؟ وأن ما يظهر على أنه تقـدم في النفاذ إلى جوهر هذا الجنس الأدبي، بقصد وضع حدود تعريفية له ما هـو إلا تجريد وإبهام؟ وأن الإشكالية الرئيسة الخاصة بالسيرة الذاتية منحصرة في تعريف هذا الجنس من الكتابة؟
ثم أمن الصواب أن ننطلق من موقف القارئ و منظوره حتى نضع تعريفا للسيرة الذاتية؟ أم أن الوصول إلى تعريف شامل للسيرة الذاتية يعد من قبيل المستحيل؟
هل السيرة الذاتية غير مرشحة لحمل سمات الجنس الأدبي المستقل، وأن تعريفها جزء من تعريف جنس الرواية، باعتبار أن القارئ يتلقاها كعمل أدبي متخيل؟ أم أن جوهر جنس السيرة الذاتية كامن في المؤلف صاحب التاريخ الفردي الخاص، وفي القارئ المتلقي لهذا التاريخ؟
لقد انتهى فيليب لوجون (Philippe Lejeune)في دراسته جنس السيرة الذاتية إلى أنه لم يكن يسعى منذ البداية سوى إلى عقلنة وتوضيح معايير قراءته، على الرغم من التعريف الذي خص به هذا الجنس الأدبي في مرحلتين، أنفهم من هذه الخلاصة أن كل محاولة جادة لتعريف أدب السيرة الذاتية مآلها الفشل حتما؟ وأن تعريف هذا اللون من الأدب رهين بموقف قارئه، بحكم أن ليس هناك تعريف واحد يجمع عليه القراء، سواء كانوا متلقين عاديين أم نقادا متخصصين؛ بل ثمة تعريفات عددها بعدد قراء السيرة الذاتية، وأنه إن كان لا بد من الوصول إلى تعريف دقيق لها، فيجب أن يكون نابعا من تاريخ مواثيق القراءة، التي يتعاقد عليها كتاب السيرة الذاتية مع قراء هذا اللون من التعبير الأدبي.
أما جورج ماي (Georges may ) فيرى أن العائق الذي يمنع إجماع الدارسين على تعريف محدد لأدب السيرة الذاتية كامن في كون هذا اللون من التعبير حديث الوجود، ودرجة حداثته لا تمكنه من اكتساب صفة "الجنس الأدبي"، لأنه ليس على درجة من العراقة كباقي الأجناس الأدبية، وأن الأوان لم يحن بعد لتعريفه، ما دام في مرحلة التكون، ونحن إن كنا نتفق إلى حد معين مع فيليب لوجون (Philippe Lejeune)، في ما ذهب إليه من طرح حول تعريف السيرة الذاتية، باعتبار أنه رهين بما ينعقد من مواثيق للكتابة والتلقي بين أصحاب السير الذاتية وقراء هذا اللون من الأدب، فإننا ننظر بكثير من الحذر إلى ما جاء به جورج ماي من طرح حول نفس المسألة، إذ هل بالفعل أن أدب السيرة الذاتية حديث العهد؟ وأن مكمن الصعوبة في وضع تعريف له متمثل في هذه الحداثة؟
ثم إننا نتفق مع عبد القادر الشاوي، لكـن ليس من باب الافتراض؛ بل من باب القنـاعة الراسخة، خاصة وأن الإشكالية الأساسية لأدب السيرة الذاتية منطوية في تعريفه من خلال النصوص الممثلة له؛ فهل نحن حقا أمام مشروع بحث لا غنى لباحثي ودارسي جنس السيرة الذاتية عنه؟
إننا نرى على وجه اليقين أن دراسة مختلف السير الذاتية بعمق نظري و منهجي كفيلة بوضع تعريف عام لهذا الجنس من الكتابة الأدبية، ومن باب اليقين كذلك لا من باب الافتراض نستطيع أن نخلص إلى تعريف السيرة الذاتية العربية والإسلامية إن نحن اعتمدنا في دراسة ما يمثلها من نصوص عمقا نظريا ومنهجيا سليما.
فهل السيرة الذاتية جنس أدبي يروي الإنسان من خلاله ذكرياته الشخصية، متحدثا عن حياته أكثر مما يتحدث، بالقدر الضروري لفهم جملة من الأحداث، عن حياة غيره من الناس؟ أم أنها حياة إنسان يكتبها بنفسه؟
ثم هل بلغ تحديد ماهية السيرة الذاتية هذه الدرجة من الصعوبة، حتى صار تعريف هذا اللون من الأدب من قبيل المستحيل؟
هل السيرة الذاتية حكي استرجاعي نثري، يتولى إنجازه شخص واقعي، مركزا على وجوده الخاص وحياته الفردية؟ أم هي كل نص مكتوب، سواء أكان عملا أدبيا أم دراسة فلسفية، يعبر من خلاله الكاتب عن حياته الفردية؟ أم أن السيرة الذاتية عملية إعادة بناء أدبية لحياة إنسان، يتولى نفسه القيام بها، أم إنها المسار الحيوي الذي عاشه الفرد الكاتب في سياق تسلسلي من التنوع الوجودي والحياتي المختزن؟
ثم هل يمكن أن نعتبر أدب السيرة الذاتية الفن الأول للذاكرة، تكشف من خلاله الذات حياتها مسترجعة ماضيها على نحو مباشر وبشكل صريح؟ وأنه سيرة يكتبها الإنسان عن نفسه، ساردا أصداء ما انطوت عليه مختلف أدوار حياته الفردية؟
أم أنه مؤلف، مختلف من حيث المادة و المنهج عن المذكرات واليوميات، يروي الكاتب في ثناياه حياته بقلمه، أم أنه أدب يضم رأي صاحبه في الحياة وأبرز الأحداث التي عاشها، ويرسم الكاتب، الذي يمثل محور هذا الأدب، في تضاعيفه صورة البيئة الأولى وتحولاته من طور حياتي إلى آخر؟
وهل تمثل السيرة الذاتية ذلك الأدب الذي ينحصر في تجارب صاحبه، ولا يضاف إليه أي تجربة أو حادثة من الخارج قد تحجب عنا حقائق الذات الكاتبة؟ أم أن هذا اللون من الأدب هو عبارة عن كتابة الإنسان تاريخه الذاتي الشامل والمستوعب لأيام طفولته، وشبابه، وكهولته؟ وهو حديث ذكي عن النفس وليس حديثا ساذجا عنها، ولا هو عملية تدوين لمآثرها و مفاخرها؟ أم أن هذا الأدب تعبير عن أهم تجليات الحياة الفردية لمنشئه، ونتاج لا ينسلخ باطنه عن ظاهره؟ ووعاء لأصدق حياة ذاتية يستطيع أن يكتبها الإنسان؟
ثم هل يمثل أدب السيرة الذاتية فن الحديث عـن الذات بحسناتها وسيئاتها، وتفاعلها مع البيئة والوسط الاجتماع؟ وهل يصح النظر إلى هذا الأدب على أنه محكي ذاتي معاش، تتولى الشخصية المعنية به إنجازه عن ذاتها دون وسيط؟ وعلى أنه يعتمد في أساسه الفني على الانتقاء والترتيب لإعادة بناء أدبية خاصة بالذات الفردية لصاحب السيرة، مع مراعاة نمو وتطور هذه الذات؟ أم أن السيرة الذاتية تجسيد لما يكتبه الإنسان من تاريخ حياته من خلال تسجيل حوادثها ووقائعها المؤثرة في مسار الحياة، مع تتبع تطورها الطبيعي من الطفولة، مرورا بطور الشباب، ثم انتهاء بمرحلة الكهولة؟ ثم هل السيرة الذاتية شكل أدبي للتاريخ؟
وهل هذا اللون من الأدب يندرج ضمن الفنون الأدبية الأكثر حرصا على النقل الأمين لحقيقة الإنسان، وعلى تحري الصدق في ما يعكسه من حياته الفردية الخاصة؟ أم أنه تركيب أدبي مستحدث للذات، وعملية بناء جديدة لشخصية تتجاوز صاحبها؟ ثم هل من المنهجية العلمية أن نتفادى أي حديث بشأن شكل معين أو أسلوب محدد وحيد ينفرد به جنس السيرة الذاتية؟
هل السيرة الذاتية هي الأوراق الشخصية والسرية لمؤلفها؟ وأن هذه السمة هي التي مكنتها من تحقيق التميز بين مختلف أجناس الأدب ؟أم أنها تسجيل استعادي صادق ومقصود لعمر من الخبرات، والأفعال، والتفاعلات، وتأثيراتها الفورية والبعيدة المدى على الشخص؟ ثم هل صحيح أن المنطلق الأساس في دراسة أدب السيرة الذاتية، يتمثل في البحث عن المنظور الذي يتم به استرجاع الوقائع، وتتبين في ضوئه الأحداث الغنية بدلالاتها، ومن خلاله تتعين مواطن الصمت ذات الصلة الوثيقة بما هو مسكوت عنه من الخطاب المقموع، وتتميز فضاءات الحديث بالمباح من الخطاب.
هذه جملة من الأسئلة والتساؤلات التي تجري في فلك جنس السيرة الذاتية، والتي تحمل في طياتها الكثير من الإجابات والعديد من صفات وملامح هذا الجنس الأدبي بوجه عام، ومما لا شك فيه أن ما ينجز من الأبحاث والدراسات النقدية حول جنس السيرة الذاتية سيؤدي حتما إلى إعادة النظر في ما يحكم هذا الجنس الأدبي من قوانين، بقدر ما سيرتقي به، خاصة وقد غدا جنس السيرة الذاتية ساحة للنقاش النظري الأدبي حول موضوعات لا يخلو أحدها من أهمية.
لقد سقط عدد من الباحثين و نقاد أدب السيرة الذاتية في خطأ كبير عندما جعلوا "السيرة الذاتية" اصطلاحا مرادفا ومطابقا لمصطلح "الترجمة الذاتية"، ولم يميزوا بين الاصطلاحين، وهذا خلط اصطلاحي واضح لم يعرفه العرب المسلمون قديما، ونحن نتساءل باستغراب عما إذا كان العرب المسلمين القدماء حقا لا يميزون بين لفظ "السيرة " ولفظ "الترجمة" وأنهم كانوا يوظفون كلا اللفظين بمعنى واحد، هو: (حياة الشخص بصفة عامة)؟!
إن هذا الاعتقاد الذي لا يقوم على أساس سليم ثغرة في منظومة المفاهيم الخاصة بجنس السيرة الذاتية لا سبيل إلى تجاهلها، لهذا نرى من الضروري في البداية التذكير بما أورده ابن منظور في معجمه الكبــير (لسان العرب) بخصوص لفظ "السيرة" ولفظ "الترجمة" أما "السيرة" فهي السنة، والطريقة، والهيئة، وأحاديث الأوائل، وهي الميرة، وفي التنزيل العزيز قول الله عز وجل: "سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأولىَ"، أي هيئتها الأولى، وأما "الترجمة" فهي نقل الكلام من لغة إلى لغة.
ثم إن لفظ "الترجمة" دخيل على اللغة العربية، وهو أصلا من اللغة الآرامية، ولم يكن لفظ "الترجمة" من بين الاصطلاحات الأدبية القديمة، المرتبطة بتاريخ الحياة الفردية، إلا في بداية القرن السابع الهجري، وذلك مع أبي عبد الله ياقوت الحموي
(574 - 626 للهجرة )، في مؤلفه: (معجم الأدباء)، والذي وظفه بمعنى مختصر حياة الفرد وكان أبو الفرج الأصفهاني المتوفى عام 356 للهجرة قد استعمل لفظ "الخبر" بصيغتي الإفراد والجمع.
إن المعاجم العربية القديمة لم تتخذ لفظ "الترجمة" مرادفا للفظ "السيرة"، في حين عمدت المعاجم الحديثة، بما فيها المعاصرة، إلى توظيفهما مترادفين وبنفس المعنى، أما القول بأن الذي فصل قديما بين مفهوميهما وحمولتهما الاصطلاحية هو مجرد توظيف اعتباطي حسبما يرى ماهر حسن فهمي، ومحمد عبد الغني حسن، على سبيل المثال، فهو استنتاج نرده على أصحابه، لأن التمييز بين الاصطلاحين لم يأت دون مراعاة الحمولة الدلالية لكل مصطلح على حدة، أو دون قصد و غاية؛ بل إن ثمة فوارق بينة ومحددة بين لفظي "الترجمة" و"السيرة"، تتجاوز منطق الاستعمال الاعتباطي أو ما جرت عليه العادة، وهي فوارق تم إغفالها من قبل معظم الباحثين ونقاد أدب السيرة الذاتية.
وإذا كانت هذه المسألة الاصطلاحية في الوقت الراهن قد تبدو لأول وهلة قضية جزئية متجاوزة، فإننا نعتقد، على العكس من ذلك تماما، بأنها مسألة تستدعي إعادة النظر والمراجعة، والظاهر أن العرب المسلمين القدماء قد حسموا في هذا الأمر، وذلك عندما استقر رأيهم على ضرورة التمييز بين مفهوم "السيرة" وما تعنيه "الترجمة"، أو بالأحرى بين لفظي: "السيرة" و"الترجمة"، سواء كانا للذات أم للغير، مع أن المتقدمين من أهل الأدب والنقد العربي الإسلامي، لم يكونوا يلحقون صفة "الذاتية" أو "الموضوعية" بهذين الاصطلاحين.
صحيح أن لفظ "الترجمة" لم يعرف بمعنى أو بمفهوم (المختصر من حياة الفرد) إلا عند المؤلفين المتأخرين، لكنه لم يكن يدل عند القدماء من الأدباء والنقاد العرب المسلمين على "السيرة الذاتية"، أو "السيرة الموضوعية/ الغيرية "، وإنما قصدوا به "الترجمة الذاتية "، وعنوا به من جهة ثانية "الترجمة الموضوعية/ الغيرية "، وذلك باعتبار من يقوم بعملية الترجمة بطبيعة الحال.
وحتى نبرهن بقسط من الملاحظة والاستنتاج على ما نعتقده في شأن تمايز وتباين لفظي: "السيرة" و"الترجمة" لغة واصطلاحا، نقول: إن انتقال دلالة لفظ "الترجمة" مجازا من أصل معناها، الذي ارتبط قديما بعالم التأليف والآثار الأدبية وغيرها، إلى معنى التعريف بالأعلام ، مع احتفاظ اللفظ الدال طبعا بمدلولاته الأصلية، هو التحول الذي يفيدنا في تمييز حد "الترجمة" عن حد "السيرة"، باعتبار أن مدار الحد الأول (حد الترجمة) هو الاختصار أو الإيجاز، بخلاف مدار الحد الثاني (حد السيرة) وهو الإسهاب.
لقد كانت ترجمة الكتاب تعني: التعريف به من خلال عنوان، أو فقرات قصيرة، أو من خلال فاتحة خاصة بالكتاب، وقد جعل المؤلفون القدماء، على سبيل المثال، لفظ "الترجمة" مصطلحا دالا على معنى العنوان إبتداء من القرن الثالث الهجري.
ولا شك أن القصد من وضع لفظ "الترجمة" اصطلاحا هو الدلالة على: التقديم، والتعريف، والشرح، والتفسير، وإيضاح المبهم، والتعيين، والتسمية، والإفصاح كذلك، وجميع هذه المعاني والمدلولات نصادفها في تراث الأدب العربي الإسلامي ضمن سياقات مختلفة.
ثم إن ترجمة الكتاب وترجمة الكاتب تعني: التعريف بهما، وتقديمهما إلى جمهور القراء دون إطالة أو إسهاب، أو ترك أي معلومة مبهمة وغامضة تشوب هوية الأثر الأدبي أو الشخص، ومن ثم فإن لفظ "الترجمة" قد تمت استعارته من عالم الكتب والمصنفات، حتى يدل كذلك على التعريف بالأحياء والمتوفين من أعلام الأدب، والتاريخ، والطب، والفكر، والفلسفة، وغيرهم.
ومن مقاصد اصطلاح "الترجمة"، سواء كانت ذاتية أم موضوعية، التاريخ المقتضب للأعلام.
وبالإضافة إلى عناية المترجم بذكر اسم، وكنية، ولقب، ونسب الذي يترجم له، نجده يعتني كذلك بذكر عقيدته، ويثبت تاريخ ومكان ولادته، ثم يذكر من أخذ عنهم العلم، ويسرد أهم مراحل حياته، ثم ينتهي إلى ضبط تاريخ وفاته إن كان من المتوفين.
فهذا ابن أبي أصيبعة في ترجمته لعدد غير قليل من قدماء الأطباء في مؤلفهعيون الأنباء في طبقات الأطباء)، ينهج الخطوات التالية:
أولا: يذكر اسم المترجم له و نسبه.
ثانيا: يوجز الحديث عن المجال الذي نبغ فيه.
ثالثا: يسرد الأسماء التي أخذ عنها المترجم له صناعة الطب، والأماكن التي تلقن فيها هذه الصناعة.
رابعا: يسرد مزايا المترجم له و صفاته.
خامسا: يعرض أسماء الذين عاصرهم من ذوي السلطان، والمكانة، والصيت الذائع.
سادسا: يثبت تاريخ و مكان وفاته.
سابعا: يذكر بعض أقواله المأثورة.
ثامنا: يعرض جملة من الآثار التي خلفها المترجم له.
ونهج ياقوت الحموي مسلكا في ترجمته لقدماء النحويين والأدباء العرب لا يختلف كثيرا عما التزم به ابن أبي أصيبعة من خطوات في تراجمه، بحيث آثر كل من ابن أبي أصيبعة، وياقوت الحموي مبدأ الاختصار والإيجاز في ترجمتهما لكثير من الأعلام، وكان قصدهما من وراء التزام هذا المبدأ، هو أن تجمع كل ترجمة موضوعية بين صغر الحجم وكبر النفع، مما يدل على أن الإيجاز وصغر الحجم هو السمة والقاعدة في كتابة تراجم الأعلام؛ بل هو شرط ملازم في الغالب للترجمة، ذاتية كانت أم موضوعية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن كل ترجمة لا بد أن تنطوي على نفع وفائدة كبيرة، وهذا شرط ثاني لا يقل أهمية عن الشرط الأول.
فجميع هذه الملامح والمعالم تساعد بدون شك على الاقتراب أكثر من مفهوم "الترجمة الموضوعية"، بقدر ما تفيد ضمنا في إيضاح المقصود بالترجمة الذاتية، ونحن لا نتفق مع من يرى بأن من الممكن أن تشغل السيرة الذاتية صفحات معدودة! أو أنها قد تكون أشبه بشهادة ميلاد صاحبها! فهذه ليست صفة "السيرة الذاتية" على الإطلاق، وإنما هي صفة "الترجمة الذاتية"، ذلك لأن السيرة، سواء أكانت ذاتية أم موضوعية، فإنها من غير الممكن تماما أن تأتي في صفحات معدودة، بحكم أن الإسهاب في السرد يعد من خصائصها الأصلية، بحيث إن وضع الترجمة الذاتية بالنسبة إلى السيرة الذاتية شبيه بوضع الأقصوصة أو القصة بالنسبة إلى الرواية.
ومما يثير الاستغراب أكثر لدى القارئ الباحث - خاصة لدى ذلك المتلقي الذي قد يلتبس عليه المقصود بلفظي: "الترجمة" و"السيرة" - تلك المصادفة التي تحدث بينه وبين توظيف المصطلحين في غير محلهما، أثناء قراءته بعض الأبحاث أو الدراسات، أو المقالات النقدية حول أدب السيرة الذاتية.
وكان من الأجدر لتلافي هذا اللبس وسد هذه الثغرة الاصطلاحية، أن تحكم بدلا من ذلك التوظيف الاعتباطي قاعدة دلالية واضحة، وأما الأمثلة الشاهدة على سوء توظيف المصطلحين فكثيرة جدا، بدءا من عناوين الأبحاث، والدراسات، والمؤلفات، والمقالات النقدية، وانتهاء بالمتون الواصفة لأدب السيرة الذاتية، وجميع تلك التوظيفات يخلط فيها أصحابها بين "الترجمة الذاتية" و"السيرة الذاتية"، وشتان بين ما تعنيه الأولى وما يراد بالثانية.
وجميع النماذج التي نستطيع أن نعثر عليها دون عناء في العديد من الكتابات تكشف بجلاء عن مظاهر الخلل على مستوى الاصطلاح، وعن مدى الخلط الحاصل في الذهنية الأدبية والنقدية العربية، وإذا كان أكثر الباحثين الدارسين في مجال أدب السيرة الذاتية قد نظروا إلى مسألة الخلط بين لفظي: "السيرة" و"الترجمة" وكأنها قضية مسلم بها، ووقفوا منها موقف الحياد السلبي، فإننا نجد من النقاد من آثروا توظيف لفظ "السيرة" عند تحدثهم عن تاريخ الفرد المسهب، واستعملوا لفظ "الترجمة" عند تناولهم بالحديث التاريخ الموجز للفرد، كما نلمس عند بعضهم قدرا من الحذر في تعاملهم مع الاصطلاحين معا ، وعيا منهم بأن ثمة تمايزا بينا وفرقا جليا بينهما.
لا يوجد إذن أي مبرر لدمج الاصطلاحين معا في معنى واحد، وقد حان الوقت لنضع كل مصطلح في سياقه الطبيعي والمناسب، وليتخذا وضعهما الأصلي في الحقلين: الأدبي والنقدي العربي الإسلامي، لأن الترادف المزعوم بينهما، كما ذكرنا، في الدلالة الاصطلاحية لا يستند إلى دعامة صلبة أو ركن شديد، ومن ثم فنحن لا نتفق مع من يرى بأن التمييز بين اصطلاحي: "السيرة" و"الترجمة" ما هو إلا تفريق سطحي، سرعان ما يتلاشى عند تعريضه لأدنى تمحيص.
ثم لأن ثمة شواهد ومعالم تبرز ضرورته، ثم إن "الترجمة الذاتية" أدب نثري له من الشروط، والخصائص، والأغراض ما يميزه عن "السيرة الذاتية"، وكلا اللونين ينتميان إلى الأدب الذاتي أو الخاص، ويكتبان من طرف المعني بهما، كذلك "الترجمة الموضوعية" ليست هي "السيرة الموضوعية"، إذ لكل منهما شروط و مبادئ خاصة، على الرغم من كونهما ينتسبان إلى الأدب الموضوعي أو الغيري، ويؤلفان من قبل شخص آخر غير معني بهما.
أما "الترجمة الذاتية"، فستظل على الدوام غير مؤهلة إطلاقا لتقوم بدلا عن "السيرة الذاتية" أو لتحل وتشغل مكانها، ذلك لأن كاتب السيرة الذاتية ملزم بأن يعكس للقراء وجه حياته الشخصية بتفاصيلها ودقائقها، قدر الإمكان طبعا، على مرآة التعبير الأدبي، مع العلم بأن السيرة الذاتية تهدف إلى الاشتمال على جزء من حياة صاحبها، إذ يتعذر عليها أن تحيط بسائر ما مضى من حياته الشخصية، ومؤلفها مطالب بالاقتراب أكثر من ذاته بالوصف، والتفسير، والتحليل، والتعليق، والنقد أيضا، وجميع هذه الأفعال الخطابية يجب أن يمارسها بإسهاب وليس باقتضاب، وإن كان من غير الهين على الإطلاق أن يتخذ الكاتب من ذاته وذاكرته موضوعا للسرد.
كانت هذه إطلالة سريعة على ما تعنيه الترجمة الذاتية وما تدل عليه السيرة الذاتية، ونأمل أن نكون قد أسهمنا بهذه المقالة في دعوة الباحثين والمهتمين بأدب السيرة الذاتية إلى إيضاح قدر الإمكان ما يمكن إيضاحه في هذا الباب.



بواعث كتابة أدب السيرة الذاتية الإسلامية قديماً

قديم 08-05-2010, 03:34 PM
المشاركة 23
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
أدَب السِّيرة الذاتية بين الشِّعر وَبيْن النَّثر

د. عبد الفتاح أفكوح
منبر الدراسات النقدية




(المقالة الأولى)



كثيرون استبعدوا إمكانية تحقيق وإنتاج سير ذاتية شعرية، وزعموا أن أدب السيرة الذاتية يعتمد الحقيقة والصدق في نقل تجارب الحياة الفردية، وأن الشعر يقوم بخلاف ذلك على التصور، والتخيل، والمبالغة، وعلى الصدق الفني إن لم نقل الكذب، شأنه في هذا المنحى أقوى من شأن الرواية والقصة، وطائفة ثانية تجاهلت أمر تلك الإمكانية، ولم تكلف نفسها عناء التفكير في مسألة السيرة الذاتية الشعرية، في حين تنبهت ونبهت طائفة ثالثة إلى وجود نماذج وجذور للسيرة الذاتية الشعرية في تراث الأدب العربي الإسلامي.
وقد أثيرت مسألة السيرة الذاتية الشعرية كذلك داخل الأوساط الأدبية والنقدية الغربية، بحيث أبدى فيليب لوجون (Philippe Lejeune) في هذا الشأن ملاحظة خلاصتها أن أدب السير الذاتية النثرية يعرف كثرة في الإنتاج بخلاف أدب السيرة الذاتية الشعرية الذي لا تتجاوز الأعمال المنضوية تحته عدد الأصابع، وبالعودة إلى كتابات الناقد الفرنسي (Lejeune) في موضوع تعريف السيرة الذاتية، سنجد أنه قد حاول واجتهد مرتين في وضع حد أو تعريف لهذا الجنس الأدبي، لكنه خلص في النهاية إلى صياغة حدود تعريفية تتجاهل الحد الشعري في هوية أدب السيرة الذاتية وتعريفه، مع أنه أدرك عدم وجود أي مانع يحول دون توظيف وإدراج أبيات شعرية في السيرة الذاتية.
والملاحظ أن معظم النقاد والباحثين العرب اعتمدوا في كتاباتهم ما وضعه الناقد الفرنسي من تعريف للسيرة الذاتية واكتفوا به، واعتبروه، على ما يبدو، معيارا وتعريفا شبه ثابت خاص بأدب السيرة الذاتية، يستند إلى ثلاثة مرتكزات تقيم بناءه، أما جورج ماي ( Georges May ) فيناقش مسألة السيرة الذاتية الشعرية بقسط من الحذر، بحيث إذا ما تفحصنا ما جاء به في هذا الشأن، فإننا نلمس لديه نزوعا إلى إقرار الحد الشعري في تعريف السيرة الذاتية، وإن كان ميل الكتاب إلى النثر في تأليف سيرهم الذاتية أقوى من ميلهم إلى إنشائها شعرا.
وإن كان جورج ماي ( Georges May ) لم يضع حدودا تعريفية دقيقة لأدب السيرة الذاتية ، كما حاول ذلك فيليب لوجون
(Philippe Lejeune)، فذلك لأنه أدرك بأن حدود التعريف النثرية عاجزة عن الإحاطة بجوهر وهوية السيرة الذاتية، ورأى من الأحسن أن يتخذ مفهوم النزوع المتسم بالمرونة عوضا عن مفهوم التعريف في شأن تحديد ماهية هذا الجنس الأدبي، وذلك تفاديا لما ينطوي عليه التعريف من تصلب وجزم، فهل نسلم بالتعريف الذي وضعه لوجون (Lejeune) للسيرة الذاتية، المتمثل في كون هذا الجنس الأدبي، تبعا لحد من حدوده التعريفية، حكي أو سرد استعادي نثري؟ وأنه أدب ينتمي إلى النثر الخالص ولا علاقة له بالشعر؟
هل الحد الشعري الذي غيبه لوجون (Lejeune) أثناء تنظيره لأدب السيرة الذاتية قد أفقد التعريف الذي وضعه لهذا الأدب الكثير من مصداقيته؟
ثم لو تم إدراج هذا الحد والإقرار به في دائرة تحديد هوية السيرة الذاتية، أكان سيكسب تعريف هذا اللون الأدبي مصداقية كبيرة؟ للإجابة على هذه الأسئلة، لا بد أن نتحرى عن حقيقة "السرد" أهو بالفعل قاسم مشترك بين مختلف الأجناس الأدبية النثرية فقط؟ وإلى أي مدى يمكن أن نوظف "الشعر" في تأليف السيرة الذاتية؟
صحيح أن "السرد" أداة مخالفة لعنصر "الوصف"، وخطاب يعتمد الحكي و القص الأدبي، لكن حدوده مفتوحة على الشعر، بقدر ما هي مفتوحة على النثر، مما يدل على أن العملية السردية هي قاسم مشترك بين جميع الفنون الأدبية، فليس كل الشعر وصفا حتى يتعارض مع السرد؛ بل إن فيه من أثر هذه الأداة الحكائية والقصصية ما لا سبيل إلى تجاهله أو إنكاره، وليس كذلك كل النثر سردا حتى يتعارض مع الوصف.
ثم ليس كل الشعر العربي سردا حتى يتجرد من الوصف، فلا الشعر ولا النثر بإمكانهما الاستغناء أو التجرد عن أداتي: السرد والوصف، والشعر لا ينطوي فقط على التخييل، والمبالغة، والصدق الفني، وإنما فيه من صدق الحديث، وحرارة العاطفة والوجدان فيضا خالصا من كل زيف أو كذب، قد لا نعثر عليه في بعض الكتابات النثرية.
لا شيء، حسبما نرى، يمنع السرد من الاقتران بالشعر، إذ لا يحق لنا أن نحكم على عنصر السرد بأحادية انتمائه إلى النثر، ولا أن نزعم وندعي انعدام العلاقة التي تجمعه بالشعر عموما، أو بالقصص الشعري الذاتي بوجه خاص، فما قانون "السرد" إلا كل ما هو محكوم بمنطق الحكي والقص الأدبي، ثم إنه من العسير علينا أن نبرهن أو نجزم بصفاء السير الذاتية النثرية وبراءتها من التخييل، والتمويه، والمبالغة، والكذب، لأن من يكتب سيرته الذاتية غير معصوم من الانحراف و الميل إلى مثل هذه العوارض والعثرات، سواء عن قصد أم عن غير قصد ، فقد يلجأ إلى مخيلته ليصل بين أجزاء و تفاصيل ذكرى معينة خلت وعفا عليها الزمن، ثم إن الحياة الإنسانية هي أصلا مزيج من الحلم والحقيقة، والواقع والخيال.
إننا نعثر في الشعر الجاهلي مثلا على حس ذاتي عميق، انطوت عليه معلقات عدد من الشعراء، ويكفي أن نقرأ معلقة طرفة بن العبد المتوفى عام 70 قبل الهجرة/ 550 للميلاد، أو معلقة امرئ القيس المتوفى عام 80 قبل الهجرة / 565 للميلاد، أو معلقة عنترة بن شداد المتوفى عام 22 قبل الهجرة / 600 للميلاد ن لنقف بجلاء على تجارب ذاتية في الحياة صاغها أصحابها شعرا، ولقد أتاح الشعر لهؤلاء الشعراء إنشاء سيرهم الذاتية تبعا للتقليد الأدبي السائد في عصرهم، فهم بالفعل قد خلفوا للأجيال التي جاءت من بعدهم تواريخ فردية خاصة تعكس تفردهم بمقومات شخصية، وتجارب، وأذواق، ومواقف، وقناعات، وانشغالات.
ثم إن بإمكان الشاعر أن لا يسكب تجاربه الذاتية أو قصة حياته في فضاء تخييلي مغرق في المبالغة وإسراف القول، على الرغم من كونه يدرك جيدا بأنه في مقام شعر، يسمح له بنسج ما شاء من الصور الشعرية المنحوتة بالخيال، وهذا يعني أن الأنا الشاعرة بإمكانها أن تلتزم مبدأي:"الصدق" و" الحقيقة"، وعنصر الواقعية في سرد تاريخ حياتها شعرا، ونحن من هذا المنطلق نتساءل مع نبيل سليمان قائلين: هل بالإمكان التحدث عن شعر سردي، أو عن سردية شعرية، خاصة عندما يتم تشخيص معالم سردية في قصيدة معينة.
إن هذه الملاحظة تزكي ما تناولناه بالحديث سلفا، في مسألة أدب السيرة الذاتية الشعرية، عندما أقررنا إمكانية توظيف الشعر في تأليف السيرة الذاتية، ومن نماذج السيرة الذاتية الشعرية في الأدب العربي الإسلامي القديم ، نذكر التائية الكبرى لصاحبها شرف الدين بن الفارض (576 - 632 هـ / 1181 - 1235 م)، وهي قصيدة سماها: (نظم السلوك)، قص فيها تجربته الروحية، وما لقيه من شدائد ومعاناة في هذه التجربة، ولا شك أن الكم القليل من السير الذاتية الشعرية في تراث الأدب العربي الإسلامي، قد يعود من جهة إلى قوة الجموح الشعري، أو إلى الصعوبة التي تكمن في صياغة السيرة الذاتية شعرا من جهة ثانية، لأن على من يختار هذه الصياغة الأدبية أن يبذل جهدا مضاعفا لسرد تاريخه الخاص، بالمقارنة مع ما تتطلبه الصياغة النثرية في تأليف هذا التاريخ، مما دفع بكثير من الشعراء إلى كتابة سيرهم الذاتية نثرا، لكن هذا لا يعني في شيء أن الشعر غير مؤهل لاحتضان السيرة الذاتية.
وإذا كانت ميزة النثر كامنة في طاقته الاستيعابية لأدق تفاصيل التجارب الإنسانية، وفي بعض الحرية والسرد المتسلسل، الذي يطمئن إليه مؤلف السيرة الذاتية، فإن الشعر بدوره يستطيع أن يعكس التاريخ الخاص، وقد سبق له قديما أن أدى وظيفة السيرة الذاتية، وللباحث أن يلاحظ ما قد انطوى عليه الشعر العربي القديم من ملامح كثيرة لأدب السيرة الذاتية قبل أن يصير هذا الأدب لونا مستقلا من التعبير.
فهل سنكون محقين وعلى صواب إن بادرنا إلى إعادة تعريف أدب السيرة الذاتية بقولنا: السيرة الذاتية جنس أدبي سردي، استرجاعي نثري أو شعري، يتولى الكاتب من خلاله تدوين تاريخه الخاص؟


أدب السيرة الذاتية وأدب الترجمة الذاتية
(المقالة الثانية)



نرى في البداية أن نعرض جملة من الأسئلة والتساؤلات التي نصادفها في متن النصوص النقدية التي عالجت جنس السيرة الذاتية، والتي تتخذ مسألة تعريف هذا الجنس الأدبي محورا لها، وهي كالآتي:
هل صحيح أن محاولة إعطاء تعريف واضح لجنس السيرة الذاتية مآلها الفشل؟ وهل صحيح أن السيرة الذاتية جنـس أدبي محير؟ وأن ما يظهر على أنه تقـدم في النفاذ إلى جوهر هذا الجنس الأدبي، بقصد وضع حدود تعريفية له ما هـو إلا تجريد وإبهام؟ وأن الإشكالية الرئيسة الخاصة بالسيرة الذاتية منحصرة في تعريف هذا الجنس من الكتابة؟
ثم أمن الصواب أن ننطلق من موقف القارئ و منظوره حتى نضع تعريفا للسيرة الذاتية؟ أم أن الوصول إلى تعريف شامل للسيرة الذاتية يعد من قبيل المستحيل؟
هل السيرة الذاتية غير مرشحة لحمل سمات الجنس الأدبي المستقل، وأن تعريفها جزء من تعريف جنس الرواية، باعتبار أن القارئ يتلقاها كعمل أدبي متخيل؟ أم أن جوهر جنس السيرة الذاتية كامن في المؤلف صاحب التاريخ الفردي الخاص، وفي القارئ المتلقي لهذا التاريخ؟
لقد انتهى فيليب لوجون (Philippe Lejeune)في دراسته جنس السيرة الذاتية إلى أنه لم يكن يسعى منذ البداية سوى إلى عقلنة وتوضيح معايير قراءته، على الرغم من التعريف الذي خص به هذا الجنس الأدبي في مرحلتين، أنفهم من هذه الخلاصة أن كل محاولة جادة لتعريف أدب السيرة الذاتية مآلها الفشل حتما؟ وأن تعريف هذا اللون من الأدب رهين بموقف قارئه، بحكم أن ليس هناك تعريف واحد يجمع عليه القراء، سواء كانوا متلقين عاديين أم نقادا متخصصين؛ بل ثمة تعريفات عددها بعدد قراء السيرة الذاتية، وأنه إن كان لا بد من الوصول إلى تعريف دقيق لها، فيجب أن يكون نابعا من تاريخ مواثيق القراءة، التي يتعاقد عليها كتاب السيرة الذاتية مع قراء هذا اللون من التعبير الأدبي.
أما جورج ماي (Georges may ) فيرى أن العائق الذي يمنع إجماع الدارسين على تعريف محدد لأدب السيرة الذاتية كامن في كون هذا اللون من التعبير حديث الوجود، ودرجة حداثته لا تمكنه من اكتساب صفة "الجنس الأدبي"، لأنه ليس على درجة من العراقة كباقي الأجناس الأدبية، وأن الأوان لم يحن بعد لتعريفه، ما دام في مرحلة التكون، ونحن إن كنا نتفق إلى حد معين مع فيليب لوجون (Philippe Lejeune)، في ما ذهب إليه من طرح حول تعريف السيرة الذاتية، باعتبار أنه رهين بما ينعقد من مواثيق للكتابة والتلقي بين أصحاب السير الذاتية وقراء هذا اللون من الأدب، فإننا ننظر بكثير من الحذر إلى ما جاء به جورج ماي من طرح حول نفس المسألة، إذ هل بالفعل أن أدب السيرة الذاتية حديث العهد؟ وأن مكمن الصعوبة في وضع تعريف له متمثل في هذه الحداثة؟
ثم إننا نتفق مع عبد القادر الشاوي، لكـن ليس من باب الافتراض؛ بل من باب القنـاعة الراسخة، خاصة وأن الإشكالية الأساسية لأدب السيرة الذاتية منطوية في تعريفه من خلال النصوص الممثلة له؛ فهل نحن حقا أمام مشروع بحث لا غنى لباحثي ودارسي جنس السيرة الذاتية عنه؟
إننا نرى على وجه اليقين أن دراسة مختلف السير الذاتية بعمق نظري و منهجي كفيلة بوضع تعريف عام لهذا الجنس من الكتابة الأدبية، ومن باب اليقين كذلك لا من باب الافتراض نستطيع أن نخلص إلى تعريف السيرة الذاتية العربية والإسلامية إن نحن اعتمدنا في دراسة ما يمثلها من نصوص عمقا نظريا ومنهجيا سليما.
فهل السيرة الذاتية جنس أدبي يروي الإنسان من خلاله ذكرياته الشخصية، متحدثا عن حياته أكثر مما يتحدث، بالقدر الضروري لفهم جملة من الأحداث، عن حياة غيره من الناس؟ أم أنها حياة إنسان يكتبها بنفسه؟
ثم هل بلغ تحديد ماهية السيرة الذاتية هذه الدرجة من الصعوبة، حتى صار تعريف هذا اللون من الأدب من قبيل المستحيل؟
هل السيرة الذاتية حكي استرجاعي نثري، يتولى إنجازه شخص واقعي، مركزا على وجوده الخاص وحياته الفردية؟ أم هي كل نص مكتوب، سواء أكان عملا أدبيا أم دراسة فلسفية، يعبر من خلاله الكاتب عن حياته الفردية؟ أم أن السيرة الذاتية عملية إعادة بناء أدبية لحياة إنسان، يتولى نفسه القيام بها، أم إنها المسار الحيوي الذي عاشه الفرد الكاتب في سياق تسلسلي من التنوع الوجودي والحياتي المختزن؟
ثم هل يمكن أن نعتبر أدب السيرة الذاتية الفن الأول للذاكرة، تكشف من خلاله الذات حياتها مسترجعة ماضيها على نحو مباشر وبشكل صريح؟ وأنه سيرة يكتبها الإنسان عن نفسه، ساردا أصداء ما انطوت عليه مختلف أدوار حياته الفردية؟
أم أنه مؤلف، مختلف من حيث المادة و المنهج عن المذكرات واليوميات، يروي الكاتب في ثناياه حياته بقلمه، أم أنه أدب يضم رأي صاحبه في الحياة وأبرز الأحداث التي عاشها، ويرسم الكاتب، الذي يمثل محور هذا الأدب، في تضاعيفه صورة البيئة الأولى وتحولاته من طور حياتي إلى آخر؟
وهل تمثل السيرة الذاتية ذلك الأدب الذي ينحصر في تجارب صاحبه، ولا يضاف إليه أي تجربة أو حادثة من الخارج قد تحجب عنا حقائق الذات الكاتبة؟ أم أن هذا اللون من الأدب هو عبارة عن كتابة الإنسان تاريخه الذاتي الشامل والمستوعب لأيام طفولته، وشبابه، وكهولته؟ وهو حديث ذكي عن النفس وليس حديثا ساذجا عنها، ولا هو عملية تدوين لمآثرها و مفاخرها؟ أم أن هذا الأدب تعبير عن أهم تجليات الحياة الفردية لمنشئه، ونتاج لا ينسلخ باطنه عن ظاهره؟ ووعاء لأصدق حياة ذاتية يستطيع أن يكتبها الإنسان؟
ثم هل يمثل أدب السيرة الذاتية فن الحديث عـن الذات بحسناتها وسيئاتها، وتفاعلها مع البيئة والوسط الاجتماع؟ وهل يصح النظر إلى هذا الأدب على أنه محكي ذاتي معاش، تتولى الشخصية المعنية به إنجازه عن ذاتها دون وسيط؟ وعلى أنه يعتمد في أساسه الفني على الانتقاء والترتيب لإعادة بناء أدبية خاصة بالذات الفردية لصاحب السيرة، مع مراعاة نمو وتطور هذه الذات؟ أم أن السيرة الذاتية تجسيد لما يكتبه الإنسان من تاريخ حياته من خلال تسجيل حوادثها ووقائعها المؤثرة في مسار الحياة، مع تتبع تطورها الطبيعي من الطفولة، مرورا بطور الشباب، ثم انتهاء بمرحلة الكهولة؟ ثم هل السيرة الذاتية شكل أدبي للتاريخ؟
وهل هذا اللون من الأدب يندرج ضمن الفنون الأدبية الأكثر حرصا على النقل الأمين لحقيقة الإنسان، وعلى تحري الصدق في ما يعكسه من حياته الفردية الخاصة؟ أم أنه تركيب أدبي مستحدث للذات، وعملية بناء جديدة لشخصية تتجاوز صاحبها؟ ثم هل من المنهجية العلمية أن نتفادى أي حديث بشأن شكل معين أو أسلوب محدد وحيد ينفرد به جنس السيرة الذاتية؟
هل السيرة الذاتية هي الأوراق الشخصية والسرية لمؤلفها؟ وأن هذه السمة هي التي مكنتها من تحقيق التميز بين مختلف أجناس الأدب ؟أم أنها تسجيل استعادي صادق ومقصود لعمر من الخبرات، والأفعال، والتفاعلات، وتأثيراتها الفورية والبعيدة المدى على الشخص؟ ثم هل صحيح أن المنطلق الأساس في دراسة أدب السيرة الذاتية، يتمثل في البحث عن المنظور الذي يتم به استرجاع الوقائع، وتتبين في ضوئه الأحداث الغنية بدلالاتها، ومن خلاله تتعين مواطن الصمت ذات الصلة الوثيقة بما هو مسكوت عنه من الخطاب المقموع، وتتميز فضاءات الحديث بالمباح من الخطاب.
هذه جملة من الأسئلة والتساؤلات التي تجري في فلك جنس السيرة الذاتية، والتي تحمل في طياتها الكثير من الإجابات والعديد من صفات وملامح هذا الجنس الأدبي بوجه عام، ومما لا شك فيه أن ما ينجز من الأبحاث والدراسات النقدية حول جنس السيرة الذاتية سيؤدي حتما إلى إعادة النظر في ما يحكم هذا الجنس الأدبي من قوانين، بقدر ما سيرتقي به، خاصة وقد غدا جنس السيرة الذاتية ساحة للنقاش النظري الأدبي حول موضوعات لا يخلو أحدها من أهمية.
لقد سقط عدد من الباحثين و نقاد أدب السيرة الذاتية في خطأ كبير عندما جعلوا "السيرة الذاتية" اصطلاحا مرادفا ومطابقا لمصطلح "الترجمة الذاتية"، ولم يميزوا بين الاصطلاحين، وهذا خلط اصطلاحي واضح لم يعرفه العرب المسلمون قديما، ونحن نتساءل باستغراب عما إذا كان العرب المسلمين القدماء حقا لا يميزون بين لفظ "السيرة " ولفظ "الترجمة" وأنهم كانوا يوظفون كلا اللفظين بمعنى واحد، هو: (حياة الشخص بصفة عامة)؟!
إن هذا الاعتقاد الذي لا يقوم على أساس سليم ثغرة في منظومة المفاهيم الخاصة بجنس السيرة الذاتية لا سبيل إلى تجاهلها، لهذا نرى من الضروري في البداية التذكير بما أورده ابن منظور في معجمه الكبــير (لسان العرب) بخصوص لفظ "السيرة" ولفظ "الترجمة" أما "السيرة" فهي السنة، والطريقة، والهيئة، وأحاديث الأوائل، وهي الميرة، وفي التنزيل العزيز قول الله عز وجل: "سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأولىَ"، أي هيئتها الأولى، وأما "الترجمة" فهي نقل الكلام من لغة إلى لغة.
ثم إن لفظ "الترجمة" دخيل على اللغة العربية، وهو أصلا من اللغة الآرامية، ولم يكن لفظ "الترجمة" من بين الاصطلاحات الأدبية القديمة، المرتبطة بتاريخ الحياة الفردية، إلا في بداية القرن السابع الهجري، وذلك مع أبي عبد الله ياقوت الحموي
(574 - 626 للهجرة )، في مؤلفه: (معجم الأدباء)، والذي وظفه بمعنى مختصر حياة الفرد وكان أبو الفرج الأصفهاني المتوفى عام 356 للهجرة قد استعمل لفظ "الخبر" بصيغتي الإفراد والجمع.
إن المعاجم العربية القديمة لم تتخذ لفظ "الترجمة" مرادفا للفظ "السيرة"، في حين عمدت المعاجم الحديثة، بما فيها المعاصرة، إلى توظيفهما مترادفين وبنفس المعنى، أما القول بأن الذي فصل قديما بين مفهوميهما وحمولتهما الاصطلاحية هو مجرد توظيف اعتباطي حسبما يرى ماهر حسن فهمي، ومحمد عبد الغني حسن، على سبيل المثال، فهو استنتاج نرده على أصحابه، لأن التمييز بين الاصطلاحين لم يأت دون مراعاة الحمولة الدلالية لكل مصطلح على حدة، أو دون قصد و غاية؛ بل إن ثمة فوارق بينة ومحددة بين لفظي "الترجمة" و"السيرة"، تتجاوز منطق الاستعمال الاعتباطي أو ما جرت عليه العادة، وهي فوارق تم إغفالها من قبل معظم الباحثين ونقاد أدب السيرة الذاتية.
وإذا كانت هذه المسألة الاصطلاحية في الوقت الراهن قد تبدو لأول وهلة قضية جزئية متجاوزة، فإننا نعتقد، على العكس من ذلك تماما، بأنها مسألة تستدعي إعادة النظر والمراجعة، والظاهر أن العرب المسلمين القدماء قد حسموا في هذا الأمر، وذلك عندما استقر رأيهم على ضرورة التمييز بين مفهوم "السيرة" وما تعنيه "الترجمة"، أو بالأحرى بين لفظي: "السيرة" و"الترجمة"، سواء كانا للذات أم للغير، مع أن المتقدمين من أهل الأدب والنقد العربي الإسلامي، لم يكونوا يلحقون صفة "الذاتية" أو "الموضوعية" بهذين الاصطلاحين.
صحيح أن لفظ "الترجمة" لم يعرف بمعنى أو بمفهوم (المختصر من حياة الفرد) إلا عند المؤلفين المتأخرين، لكنه لم يكن يدل عند القدماء من الأدباء والنقاد العرب المسلمين على "السيرة الذاتية"، أو "السيرة الموضوعية/ الغيرية "، وإنما قصدوا به "الترجمة الذاتية "، وعنوا به من جهة ثانية "الترجمة الموضوعية/ الغيرية "، وذلك باعتبار من يقوم بعملية الترجمة بطبيعة الحال.
وحتى نبرهن بقسط من الملاحظة والاستنتاج على ما نعتقده في شأن تمايز وتباين لفظي: "السيرة" و"الترجمة" لغة واصطلاحا، نقول: إن انتقال دلالة لفظ "الترجمة" مجازا من أصل معناها، الذي ارتبط قديما بعالم التأليف والآثار الأدبية وغيرها، إلى معنى التعريف بالأعلام ، مع احتفاظ اللفظ الدال طبعا بمدلولاته الأصلية، هو التحول الذي يفيدنا في تمييز حد "الترجمة" عن حد "السيرة"، باعتبار أن مدار الحد الأول (حد الترجمة) هو الاختصار أو الإيجاز، بخلاف مدار الحد الثاني (حد السيرة) وهو الإسهاب.
لقد كانت ترجمة الكتاب تعني: التعريف به من خلال عنوان، أو فقرات قصيرة، أو من خلال فاتحة خاصة بالكتاب، وقد جعل المؤلفون القدماء، على سبيل المثال، لفظ "الترجمة" مصطلحا دالا على معنى العنوان إبتداء من القرن الثالث الهجري.
ولا شك أن القصد من وضع لفظ "الترجمة" اصطلاحا هو الدلالة على: التقديم، والتعريف، والشرح، والتفسير، وإيضاح المبهم، والتعيين، والتسمية، والإفصاح كذلك، وجميع هذه المعاني والمدلولات نصادفها في تراث الأدب العربي الإسلامي ضمن سياقات مختلفة.
ثم إن ترجمة الكتاب وترجمة الكاتب تعني: التعريف بهما، وتقديمهما إلى جمهور القراء دون إطالة أو إسهاب، أو ترك أي معلومة مبهمة وغامضة تشوب هوية الأثر الأدبي أو الشخص، ومن ثم فإن لفظ "الترجمة" قد تمت استعارته من عالم الكتب والمصنفات، حتى يدل كذلك على التعريف بالأحياء والمتوفين من أعلام الأدب، والتاريخ، والطب، والفكر، والفلسفة، وغيرهم.
ومن مقاصد اصطلاح "الترجمة"، سواء كانت ذاتية أم موضوعية، التاريخ المقتضب للأعلام.
وبالإضافة إلى عناية المترجم بذكر اسم، وكنية، ولقب، ونسب الذي يترجم له، نجده يعتني كذلك بذكر عقيدته، ويثبت تاريخ ومكان ولادته، ثم يذكر من أخذ عنهم العلم، ويسرد أهم مراحل حياته، ثم ينتهي إلى ضبط تاريخ وفاته إن كان من المتوفين.
فهذا ابن أبي أصيبعة في ترجمته لعدد غير قليل من قدماء الأطباء في مؤلفهعيون الأنباء في طبقات الأطباء)، ينهج الخطوات التالية:
أولا: يذكر اسم المترجم له و نسبه.
ثانيا: يوجز الحديث عن المجال الذي نبغ فيه.
ثالثا: يسرد الأسماء التي أخذ عنها المترجم له صناعة الطب، والأماكن التي تلقن فيها هذه الصناعة.
رابعا: يسرد مزايا المترجم له و صفاته.
خامسا: يعرض أسماء الذين عاصرهم من ذوي السلطان، والمكانة، والصيت الذائع.
سادسا: يثبت تاريخ و مكان وفاته.
سابعا: يذكر بعض أقواله المأثورة.
ثامنا: يعرض جملة من الآثار التي خلفها المترجم له.
ونهج ياقوت الحموي مسلكا في ترجمته لقدماء النحويين والأدباء العرب لا يختلف كثيرا عما التزم به ابن أبي أصيبعة من خطوات في تراجمه، بحيث آثر كل من ابن أبي أصيبعة، وياقوت الحموي مبدأ الاختصار والإيجاز في ترجمتهما لكثير من الأعلام، وكان قصدهما من وراء التزام هذا المبدأ، هو أن تجمع كل ترجمة موضوعية بين صغر الحجم وكبر النفع، مما يدل على أن الإيجاز وصغر الحجم هو السمة والقاعدة في كتابة تراجم الأعلام؛ بل هو شرط ملازم في الغالب للترجمة، ذاتية كانت أم موضوعية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن كل ترجمة لا بد أن تنطوي على نفع وفائدة كبيرة، وهذا شرط ثاني لا يقل أهمية عن الشرط الأول.
فجميع هذه الملامح والمعالم تساعد بدون شك على الاقتراب أكثر من مفهوم "الترجمة الموضوعية"، بقدر ما تفيد ضمنا في إيضاح المقصود بالترجمة الذاتية، ونحن لا نتفق مع من يرى بأن من الممكن أن تشغل السيرة الذاتية صفحات معدودة! أو أنها قد تكون أشبه بشهادة ميلاد صاحبها! فهذه ليست صفة "السيرة الذاتية" على الإطلاق، وإنما هي صفة "الترجمة الذاتية"، ذلك لأن السيرة، سواء أكانت ذاتية أم موضوعية، فإنها من غير الممكن تماما أن تأتي في صفحات معدودة، بحكم أن الإسهاب في السرد يعد من خصائصها الأصلية، بحيث إن وضع الترجمة الذاتية بالنسبة إلى السيرة الذاتية شبيه بوضع الأقصوصة أو القصة بالنسبة إلى الرواية.
ومما يثير الاستغراب أكثر لدى القارئ الباحث - خاصة لدى ذلك المتلقي الذي قد يلتبس عليه المقصود بلفظي: "الترجمة" و"السيرة" - تلك المصادفة التي تحدث بينه وبين توظيف المصطلحين في غير محلهما، أثناء قراءته بعض الأبحاث أو الدراسات، أو المقالات النقدية حول أدب السيرة الذاتية.
وكان من الأجدر لتلافي هذا اللبس وسد هذه الثغرة الاصطلاحية، أن تحكم بدلا من ذلك التوظيف الاعتباطي قاعدة دلالية واضحة، وأما الأمثلة الشاهدة على سوء توظيف المصطلحين فكثيرة جدا، بدءا من عناوين الأبحاث، والدراسات، والمؤلفات، والمقالات النقدية، وانتهاء بالمتون الواصفة لأدب السيرة الذاتية، وجميع تلك التوظيفات يخلط فيها أصحابها بين "الترجمة الذاتية" و"السيرة الذاتية"، وشتان بين ما تعنيه الأولى وما يراد بالثانية.
وجميع النماذج التي نستطيع أن نعثر عليها دون عناء في العديد من الكتابات تكشف بجلاء عن مظاهر الخلل على مستوى الاصطلاح، وعن مدى الخلط الحاصل في الذهنية الأدبية والنقدية العربية، وإذا كان أكثر الباحثين الدارسين في مجال أدب السيرة الذاتية قد نظروا إلى مسألة الخلط بين لفظي: "السيرة" و"الترجمة" وكأنها قضية مسلم بها، ووقفوا منها موقف الحياد السلبي، فإننا نجد من النقاد من آثروا توظيف لفظ "السيرة" عند تحدثهم عن تاريخ الفرد المسهب، واستعملوا لفظ "الترجمة" عند تناولهم بالحديث التاريخ الموجز للفرد، كما نلمس عند بعضهم قدرا من الحذر في تعاملهم مع الاصطلاحين معا ، وعيا منهم بأن ثمة تمايزا بينا وفرقا جليا بينهما.
لا يوجد إذن أي مبرر لدمج الاصطلاحين معا في معنى واحد، وقد حان الوقت لنضع كل مصطلح في سياقه الطبيعي والمناسب، وليتخذا وضعهما الأصلي في الحقلين: الأدبي والنقدي العربي الإسلامي، لأن الترادف المزعوم بينهما، كما ذكرنا، في الدلالة الاصطلاحية لا يستند إلى دعامة صلبة أو ركن شديد، ومن ثم فنحن لا نتفق مع من يرى بأن التمييز بين اصطلاحي: "السيرة" و"الترجمة" ما هو إلا تفريق سطحي، سرعان ما يتلاشى عند تعريضه لأدنى تمحيص.
ثم لأن ثمة شواهد ومعالم تبرز ضرورته، ثم إن "الترجمة الذاتية" أدب نثري له من الشروط، والخصائص، والأغراض ما يميزه عن "السيرة الذاتية"، وكلا اللونين ينتميان إلى الأدب الذاتي أو الخاص، ويكتبان من طرف المعني بهما، كذلك "الترجمة الموضوعية" ليست هي "السيرة الموضوعية"، إذ لكل منهما شروط و مبادئ خاصة، على الرغم من كونهما ينتسبان إلى الأدب الموضوعي أو الغيري، ويؤلفان من قبل شخص آخر غير معني بهما.
أما "الترجمة الذاتية"، فستظل على الدوام غير مؤهلة إطلاقا لتقوم بدلا عن "السيرة الذاتية" أو لتحل وتشغل مكانها، ذلك لأن كاتب السيرة الذاتية ملزم بأن يعكس للقراء وجه حياته الشخصية بتفاصيلها ودقائقها، قدر الإمكان طبعا، على مرآة التعبير الأدبي، مع العلم بأن السيرة الذاتية تهدف إلى الاشتمال على جزء من حياة صاحبها، إذ يتعذر عليها أن تحيط بسائر ما مضى من حياته الشخصية، ومؤلفها مطالب بالاقتراب أكثر من ذاته بالوصف، والتفسير، والتحليل، والتعليق، والنقد أيضا، وجميع هذه الأفعال الخطابية يجب أن يمارسها بإسهاب وليس باقتضاب، وإن كان من غير الهين على الإطلاق أن يتخذ الكاتب من ذاته وذاكرته موضوعا للسرد.
كانت هذه إطلالة سريعة على ما تعنيه الترجمة الذاتية وما تدل عليه السيرة الذاتية، ونأمل أن نكون قد أسهمنا بهذه المقالة في دعوة الباحثين والمهتمين بأدب السيرة الذاتية إلى إيضاح قدر الإمكان ما يمكن إيضاحه في هذا الباب.



بواعث كتابة أدب السيرة الذاتية الإسلامية قديماً

قديم 08-05-2010, 03:35 PM
المشاركة 24
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
أدَب السِّيرة الذاتية بين الشِّعر وَبيْن النَّثر

د. عبد الفتاح أفكوح




بواعث كتابة أدب السيرة الذاتية الإسلامية قديماً

(المقالة الثالثة)





لقد ترك لنا العرب المسلمون القدماء سيرا ذاتية كثيرة، حفزتهم عوامل أو بواعث ذاتية وموضوعية مختلفة ومتشعبة، فضلا عن كونها تضيق بحصرها عدا، وقد ذكر غير واحد من الباحثين والنقاد بعضا منها ومن خصائصها، التي تميزها عن غيرها ولم يختلفوا في شانها، ونحن في سياق هذا المحور سنحاول الكشف عن المزيد من البواعث والخصائص التي ارتبطت بالسير الذاتية الإسلامية قديما، مع التذكير بما سبق وكشفت عنه الأبحاث والدراسات السابقة من بواعث وخصائص.
من الممكن أن نصنف مختلف بواعث كتابة السيرة الذاتية الإسلامية القديمة إلى ثلاثة أنماط هي:
أولا: البواعث الإخبارية، أو البواعث التاريخية، أو الصنف الإخباري البحت، وهي مجموع البواعث التي تنحو بأصحاب السير الذاتية إلى تحقيق منفعة خارجة، و تدفع بهم إلى تسجيل تجاربهم، وأخبارهم، وذكرياتهم، بالإضافة إلى ما عاينوه من مشاهد، وعاشوه من مواقف دون النفاذ إلى عمقها، وهي بالتالي عبارة عن حوافز على التأليف، تلزم الكاتب بفعل الأخبار فقط، ونقل معلومات معينة، أو تدوين وقائع تاريخية.
ومن الأعمال القديمة التي تندرج في دائرة هذا النمط الإخباري التاريخي، نذكر ما خلفه كل من ابن سينا، وعبد اللطيف البغدادي، وعلي بن رضوان المصري من حديث حول ذواتهم، ومثل هذا الضرب من الكتابة كثير في المعجم الذي ألفه ياقوت الحموي، وخص به الأدباء والنحويين.
ثانيا: البواعث النفسية والروحية، وهي ملتقى الأبعاد الإنسانية الثلاثة، ونقصد بها: النفس، والروح، والفكر، وقد نختزل هذا اللون من البواعث في ظاهرة النزوع إلى تصوير الصراع الروحي، من خلال الرغبة في اتخاذ موقف ذاتي من الحياة، وتصوير الحياة المثالية والفكرية.
ومن النماذج التراثية التي تنطبق عليها مواصفات هذا النوع من البواعث، نذكر: "السيرة الفلسفية" التي كتبها محمد زكريا الرازي، وأراد من خلالها التعبير عن اتخاذه موقفا ذاتيا من الحياة، ونذكر كذلك رسالة لابن الهيثم، المتوفى سنة 430 هجرية، في تصوير حياته الفكرية.
ثم إننا نستحضر في ذات السياق كتاب"الاعتبار" لصاحبه أسامة بن منقذ، المتوفى سنة 574 هجرية، و الذي سخره لاسترجاع الذكريات، ولتمكين قرائه من أخذ العبرة، كما نخص بالذكر أيضا كتابي: "طوق الحمامة في الألفة والآلاف"، لصاحبه علي بن حزم، المتوفى عام 454 هجرية، وقد روى فيه ما عاناه في شبابه من تأثير الحب والعشق وما خلفاه في نفسه من آثار، وأراد من خلال ذاته أن يحيط عن طريق التجربة، والملاحظة، والاستقراء بظاهر وباطن العاطفة التي تنشأ بين الجنسين من بني الإنسان.
ولابن حزم مؤلف آخر يحمل عنوان "الأخلاق والسير في مداواة النفوس"، ومن الأعمال القديمة التي ضمنها أصحابها التعبير عن الثورة، والصراع الروحي، ومناجاة النفس، نستحضر ما تركه أبو حيان التوحيدي محفوظا في رسالته "الصداقة والصديق"، التي عبر فيها عن ثورته ومعاناته مع الفقر والاغتراب بين الناس، ونذكر أيضا ما خلفه أبو عثمان الجاحظ المتوفى سنة 255 هجرية، وأبو العلاء المعري المتوفى سنة 449 من الهجرة، وأبو بكر الخوارزمي المتوفى سنة 232 في بعض رسائلهم.
ودائما في سياق النمط الثاني من بواعث الكتابة، نذكر مؤلف "الفتوحات المكية" لمحي الدين ابن عربي المتوفى سنة 638 من الهجرية، الذي يعتبر إلى جانب رسالته في مناصحة النفس نموذجا للحديث الدقيق والعميق مع النفس، ونستحضر كذلك كتاب "المنقذ من الضلال والموصل إلى ذي العزة والجلال" لأبي حامد الغزالي المتوفى سنة 505 من الهجرية، وفيه اجتهد المؤلف في عرض و تحليل صراعه الروحي، ومحاسبته لنفسه عما اقترفته من آثام، وما بذله من جهد وسلكه من سبيل لتطهيرها والسمو بها، ويعد هذا الأثر من بين السير الذاتية التي كان القصد من تأليفها ـ نزولا عند طلب الغير، كما رأينا مع ابن حزم الأندلسي ـ أن تكون تجربة، ووثيقة روحية وفكرية تعرض على جمهور القراء لينظروا فيها طلبا للاهتداء إلى مجاهل النفس، والاستفادة من تجارب الغير.
ثم نذكر شمس الدين محمد بن طولون، الذي تحدث عن نفسه في رسالة مستقلة، سماها "الفلك المشحون في أحوال محمد بن طولون"، ويظهر أن إحساسه بكون حياته قد أشرفت على النهاية، كان باعثا له في الأصل على كتابة رسالته، وثمة ضرب آخر من السير الذاتية ينتسب إلى النمط الثاني من بواعث الكتابة، ونعني به السير الذاتية التي يهدف أصحابها إلى ذكر الأسباب التي جعلتهم يعتنقون الإسلام، ويتركون ما كانوا عليه من دين في السابق من حياتهم، وممن كتبوا في هذا الباب نذكر السموأل بن يحيى المغربي، المتوفى عام 570 من الهجرة، الذي ألف كتابا سماه: "بذل المجهود في إفحام اليهود"، بسط في فصل منه تجربته الروحية تحت عنوان: "إسلام السموأل بن يحيى المغربي و قصة رؤياه النبي صلى الله عليه وسلم"، والأشواط التي قطعها وهو في طريقه إلى اعتناق الإسلام، ويعد من العلماء القلائل الذين كتبوا سيرتهم الذاتية.
ونصادف من الآثار الأدبية القديمة ما قصد به مؤلفوه الغاية التعليمية، وإسداء النصح، والتذكير، والتوصية بالحق وبالصبر، أو سعوا به إلى تصوير الحياة المثالية، والتحدث بنعمة الله عز وجل، مثل كتاب: "لطائف المنن والأخلاق في بيان وجوب التحدث بنعمة الله على الإطلاق" لصاحبه عبد الوهاب الشعراني المتوفى سنة 973 من الهجرة و"لفتة الكبد إلى نصيحة الولد" لعبد الرحمان بن الجوزي، المتوفى سنة 597 من الهجرة، ونستحضر كذلك مؤلف عبد الله بن بلقين، المسمى "التبيان عن الحادثة الكائنة بدولة بني زيري في غرناطة"، والذي كتبه تأريخا للأحداث، ودفعا للتهم، وتفسيرا للسلوك، وتبريرا للمواقف، ثم تحقيقا للتبعة على الوجه الصحيح، وذلك بعد أن فرضت عليه الإقامة الإجبارية في "أغمات" بالمغرب.
ثم نذكر كتابي الشاعر عمارة اليمني، وهما: "النكت العصرية"، و"سيرة المؤيد داعي الدعاة"، وفيهما تحدث عن نفسه، ثم إن جميع من أقدموا على كتابة تواريخهم الخاصة، بناء على نفس المبدأ والباعث، وعملا بمقتضى الآية القرآنية الكريمة في سورة الضحى، لم يكونوا راغبين في الإشادة بأنفسهم أو مدحها، و إنما أرادوا بتأليفهم أن يذكروا فضل الله تعالى عليهم، وأن يتحدثوا من خلالهم بنعمه، فنظروا إلى الكتابة في هذا الباب على أنها من جهاد النفس، وأحد أسباب ومناهج العبادة التي تقرب إلى الله عز وجل.
لقد اتخذوا حديثهم عن أنفسهم لسانا يفصحون به عن جزيل الشكر لخالقهم، وعن منتهى الاعتراف له بالفضل والجميل، فلم يتخذ كل واحد من هؤلاء سيرته الذاتية رياء و مباهاة؛ بل أراد لها أن تكون حمدا لله الذي من عليه بالنعم التي لا تعد و لا تحصى.
ثالثا: البواعث الاجتماعية: وهي بواعث تبريرية، أو تفسيرية، أو تعليلية، أو اعتذارية، تستمد قوتها من الوسط الاجتماعي، أو بالأحرى من تأثير الجماعة الإنسانية، التي تترقب دفاع المتهم عن نفسه، وتبرير مواقفه، أو تفسير أعماله وأقواله، أو تعليل آرائه المعلنة.
وقد كتب حنين بن إسحق ، المتوفى عام 260 من الهجرة، في هذا الباب، متحدثا عن معاناته و مكائد أعدائه، وتعد سيرته نموذجا حيا لمجموع السير الذاتية العربية الإسلامية القديمة، التي هدف بها أصحابها إلى الدفاع عن أنفسهم، نذكر كذلك ما كتبه عبد الرحمان بن خلدون، المتوفى سنة 808 من الهجرة، عن نفسه في كتاب: "التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا"، إذ كانت غايته مما كتب مختزلة في الدفاع عن نفسه من خلال التبرير والتفسير، وكثير من السير الذاتية القديمة ألفها أصحابها لهذا الغرض، ولا شك أن باعث الدفاع عن النفس يندرج ضمن أقوى وأبرز بواعث كتابة هذا اللون من الأدب.
ومن جملة بواعث الكتابة التي نقف عليها في أدب السيرة الذاتية الإسلامية القديمة، ثمة باعث الرد على أعداء الإسلام، ودفع ما يحوم بفعلهم حول العقيدة الإسلامية من شبهات، وأوضح مثال نسوقه في هذا الباب ما كتبه السموأل بن يحيى المغربي.
ثم إن بواعث وحوافز تأليف السير الذاتية الإسلامية القديمة كثيرة ومتشعبة، ونادرا ما يكون وراء كتابتها باعث أو حافز واحد فقط.
أما محاولة تصنيف الأعمال الأدبية العربية الإسلامية، تبعا لتصنيف بواعث الكتابة، وكذا تقسيمها إلى أنماط، فهو عمل واجتهاد نسبي، وحتى إن كان مكن الباحثين والنقاد من الوقوف على أهم البواعث أو الدوافع الرئيسة، فإنه لم يحط بعد بأكثر البواعث الفرعية، ثم إن كان ساعدهم على ضبط البواعث الظاهرة، فإنه لم يمكنهم بعد من الإلمام التام بالبواعث الباطنة.
هذا حظ يسير مما جاد به نشاط الذهن، نسأل الله عز وجل أن يجد فيه كل قارئ بعض الذي كان يترقبه ويستشرفه، وعسى أن يكون ما خطته يمين عبد الله باعثا للباحثين، والدارسين، والمهتمين عموما على إلقاء ولو نظرات معدودة على أدب السيرة الذاتية ...



نَظرَة فِي خِطاب أدَب السِّيرَة الذاتية الإسلامِية الْحَدِيثة
(المقالة الرابعة)



من بين المعايير المعتمدة في تحديد مقومات أي جنس أدبي، ثم ضبط هويته وموقعه بين باقي الأجناس الأدبية، هناك: مستوى الصياغة التي تهتم بتشكيل الخطاب، وطبيعة المضامين التي تتقيد بالدلالة المقصودة، بالإضافة إلى كيفية تقديمها، ونوعية التركيب الذي يسم أسلوب الكتابة، ويهدف به الكاتب إلى تبليغ ورسم أبعاد خطابه، ثم الوظائف الخطابية التي تدل على آثار الخطاب وتكشف عن آفاقه.
فجميع هذه المعايير وغيرها تقتسم أدب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة، وتجعل منه في النهاية شبكة من الموضوعات الأساسية والفرعية، تقوم بالحفاظ على توازنه الإبداعي، بحكم أن كل موضوعة تمثل مركز ثقل خطابي، وقطبا يختزل شحنات دلالية، تنتظم بدورها نسيج العلاقات الداخلية للخطاب، وسنحاول في هذا المقال أن نكشف بإيجاز شديد مظاهر خطاب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة، وأن نبحث في مكوناته الكبرى، وفي طبيعة حمولته المتنوعة، اقتناعا منا بأن الخطاب الأدبي ليس مجرد صياغة وتركيب، ومضامين ووظائف؛ بل إنه نتاج ذو مظاهر ومكونات أكثر تشعبا، وكائن ينطوي على خفايا وأسرار، ويتشرب عناصر دقيقة ومجردة، تضرب بجذورها في ذات الإنسان وذاكرته.
ثم إن الحديث بالدرس والتحليل عن خطاب السيرة الذاتية الإسلامية في العصر الحديث، يعني كذلك البحث في بواعثه ودرجة الصدق التي ينطوي عليها، ونحن نطمح في هذا الفصل من الأطروحة إلى أن نحيط أكثر بهذه المحاور، وإلى أن نوسعها نقدا و توضيحا، على أن نتخذ هذه الخطوة ـ التي تقتضيها الضرورة المنهجية ـ تمهيدا مفصلا في مدارات، قبل الانتقال إلى معالجة ميثاق قراءة السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة، وبواعث تلقي هذا الضرب من الأدب الإسلامي.
ونحن عندما نتناول بالفحص متن هذا الفرع الأدبي الإسلامي الحديث، لا نجد أنفسنا أمام مادة أدبية يستعصي فهمها وتأويلها، أو إزاء خطاب أدبي يتعذر علينا الوصول إلى معرفة تامة به، ذلك لأننا لسنا بصدد خطاب أدبي تخييلي، تتداخل وتتلاحم فيه العناصر الواقعية بالعناصر الخيالية، وإنما نحن نطرق باب خطاب لا يقترح عوالم تخييلية، سواء من داخله أم من خارجه، وبالتالي يعرض تجارب ذاتية إنسانية واقعية.
ثم إننا نرى أن خطاب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة، يتمتع بحياة متعددة، بحكم ارتباطه بالأزمنة الثلاثة (الماضي، والحاضر، والمستقبل)، مما يؤهله ليكون إشارة مفتوحة على كثير من المعاني والدلالات، على الرغم من التباين المبدئي القائم بين جنس السيرة الذاتية وباقي الأجناس الأدبية التخييلية.
فلا سبيل إذن إلى إسقاط طبيعة الخطاب الأدبي التخييلي على الطبيعة الخاصة بخطاب السيرة الذاتية المعتمدة على التجربة الواقعية، ثم لا يحق لنا أن نبرر عملية الإسقاط باحتمال اتفاق الهدف، وبكون باب التأثير المتبادل بينهما سيظل مفتوحا، وبناء على ما تقدم ذكره، نجد أنفسنا لا نشاطر رأي جورج ماي (georges may) في هذه المسألة، إذ عوض أن يفضي به البحث إلى رسم حدود صارمة، تفصل ما بين السيرة الذاتية والأجناس المجاورة لها، نراه يؤكد على عدم وجود أي حد فاصل بين أدب السيرة الذاتية وأدب الرواية.
ويكفي أن ندفع هذا الرأي بالتنبيه إلى ما يتفرد به خطاب السيرة الذاتية من قراءات متميزة، سواء كانت عادية أم نقدية أم إبداعية، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار الكيفية التي سيتعامل بها القارئ مع هذا النص أو الخطاب الأدبي، وهي بداهة ليست نفس الكيفية التي سيتعامل بها نفس القارئ مع نص قصصي، أو نص روائي، أو نص شعري على سبيل المثال.
ثم إن من الخصائص الجوهرية للسيرة الذاتية كون صاحبها عاجز عن بلوغ الغاية المتمثلة في "الموت"، وقول الكلمة الأخيرة في حياته، ومن ثم فإن أدب السيرة الذاتية هو رحلة تبدأ من حاضر الكتابة وتنتهي إليه، وهي الرحلة التي تتم في حركة دائرية ببعديها الزماني والمكاني، لكن هل صحيح أن خطاب السيرة الذاتية لا يستطيع أن يتجاوز أحادية رجع الصوت الواحد؟ وأنه يفتقر إلى إمكانات الرواية الإبداعية ؟!
ونحن لا نتفق مع من يرى هذا الاعتقاد، لأن ما نصادقه للوهلة الأولى من رجع الصوت الواحد في خطاب السيرة الذاتية، ليس في الواقع وجوهر الأمر إلا مرآة تتراءى على صفحتها عدة أصوات، ومدخل إلى عالم يحفل بتعدد أصوات قراءة أدب السيرة الذاتية.
إن قراءة خطاب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة يجب أن تتم بحس واقعي، بخلاف باقي الخطابات الروائية وغيرها، مما ينتمي إلى الأجناس الأدبية التخييلية، التي ستقرأ بحس تخييلي، لكن هذا لا يعني أن هذه الخطابات لا علاقة لها بالواقع، أو أنها ذات مضامين جوفاء؛ بل إنها في الحقيقة عبارة عن منافذ تفضي في أغلبها بالمتلقي إلى الحياة الواقعية بأدق تفاصيلها.
فما أدب السيرة الذاتية إلا جزء من الظاهرة الإبداعية على المستوى العام، وهذا شأن كل الخطابات الأدبية التي تحكي التجارب الواقعية، وكل من يلقي نظرة متأملة على مختلف الاتجاهات الأدبية في مختلف المراحل التاريخية، يعثر على ذلك التجاوب القائم بينها وبين جميع مناحي الحياة الاجتماعية الواقعية، وهي اتجاهات تعكس نبض المجتمعات وما يسودها من مفاهيم وقيم.
ثم إن غزارة وغنى المضامين والقضايا، وكثافة الموضوعات والأحداث التي نصادفها بوجه خاص في خطاب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة، هي من بين المعطيات التي نادرا ما نعثر عليها في الأدب العالمي الحديث، شعره ونثره، ومن ثم ستبقى هذه المعالم من أبرز سمات الخطاب الأدبي الإسلامي، الأكثر تميزا واغترابا في هذا العصر، على الرغم من أنه عمل على ملء فراغ كبير، وحرص على تقريب المسافة بين الذات الإنسانية ـ العربية والأعجمية ـ والإسلام.
وقد استطاع الخطاب الأدبي الإسلامي أن يجلي كثيرا من الحقائق التاريخية، التي أفرزها مجرى التحولات والاضطرابات في العالم العربي الإسلامي الحديث، حتى إنه يمتلك من خلال أدب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة من الخصب والتنوع، ما قد لا تمتلكه السيرة الذاتية، وهي الجنس الأدبي المنفتح على المضامين الأكثر تشعبا.
إن خطاب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة نتيجة نهائية لتراكيب ومناهج معينة؛ إنه من جملة الخطابات الأدبية الإسلامية المرتبطة أصلا بذات مسلمة فاعلة، وذاكرة إسلامية حافظة، ثم إن هذا الخطاب الأدبي الإسلامي ينفرد بخاصية جوهرية، وهي أن الذات المنتجة له ليست أحادية، وإنما هي ثنائية: عربية وأجنبية، كما أنه خطاب ذو قواسم مشتركة يكمل بعضها بعضا، على الرغم من اختلاف المعطيات البيئية، والثقافية، والاجتماعية وغيرها بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الأجنبية.
ثم إن لكتابة السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة اليوم، وأكثر من أي زمن مضى، دورا كبيرا وفعالية لا تقل أهمية عن باقي خطابات الأدب الإسلامي الحديث، خاصة مع اكتساح الآداب، والمفاهيم، والقيم الغربية للبلاد العربية الإسلامية، التي انبهر كثير من مثقفيها بكثير من الإنتاجات الأدبية الغربية، التي لا صلة لها بواقع الحضارة الإسلامية، وأخلاق المسلمين، وثقافتهم، وعقيدتهم.
ونحن موقنون بأن أدب السيرة الذاتية الإسلامية الحديثة سيظل أحد أبرز مظاهر الأدب الإسلامي المتميزة في العصر الحديث، وأداة خطابية مؤهلة لتحقيق تواصل أدبي فاعل ومثمر، فضلا عن اعتباره مجالا فسيحا للدعوة إلى الإسلام، ومعينا لا ينضب من المواد التاريخية، والاجتماعية، والنفسية الموحية، ومن العناصر الفنية التي تبعث على الإبداع الأدبي، إذ باستطاعة كل أشكال التجارب الذاتية، والمعاناة، والأفكار، والرؤى، والمواقف، والمشاهد المسترجعة، وكذلك الفضاءات المكانية والزمانية أن تنمي في الذات الكاتبة والذات القارئة حساً فنيا وحدساً جمالياً رفيعاً.

قديم 08-05-2010, 03:37 PM
المشاركة 25
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
قالت لي العرافة

رامي وسوف


نثر إبداعي



ذاكرة الماضي اختزال كبير للوقع الخارج عن إرادة الزمان وارتداد المكان في كل ثانية

مرت عبثاً كما الأحلام الجوفاء في قلب خابية عُتق فيها الحب على عجل.... من هنا تطل

ولادة جديدة تثور بها الأيام بوحاً وانتقاصاً من فوضى الأشياء التي عبثت بالوقت الضائع

مني وتراكمت خارج كل الحدود التي أطلق الزمن عليها( أشياء لم تولد بعد).

كان يوم اللقاء عاصفاً مثل دمي الذي فتح نوافذ كثيرة للمستقبل الذي قالته العرافة أمام

موج البحر الذي تراكم كثيرا مع الكلمات وغاب طويلاً في ثنايا ذاكرتي الجائعة إلى لحظة

حلم تستوي فيها مدارات أمنيتي على وجع القصيد الذي امتد إلى أيدي العرافة وهي

ترمي رمال البحر إلى موجه الذي لايزال يخترق بصوته كل عبارة من عبارات الحلم القادم.

قالت ليّ العرافة: حين يأتيك الحب يمضي سريعا في لهفة خالصة وفي فيضه كل الأمنيات

القادمة من البحر وينتهي الليل مجددا في عمق الذات بترتيلة حلم غريب تبتاع منه كل

الثنايا الغائبة بينه وبين الأقاصي المجهولة المنتشرة مع الفجر كما انتشار الجسد على

ساحة الحلم وأين تبحث عن الحب وفي الحب كل القتل والهجر وكل الأشياء الاعتيادية من

زمن مجهول ضاعت ثناياه في عتمة الذات ... ربما كان بعيدا أكثر اليوم وربما كان قريبا

حد الاحتراق.

قالت لي العرافة أيضاً : الحلم هو الحب الخاص يحمل ذاك الرونق الذي يرتشف عمق الذات

في تلاوين متفردة وبكل الأشياء التي لم تولد بعد.....والحب كل اليقين في لحظة الذات

المصطفاة على ساعة الميلاد يوم لاميلاد فينا يجدد غربة الآتين ... أأنت هنا تزرع من هذا

المكان أمنية لعلها بفيض ماتشتهي تخفي ذاك المداد الواسع للقلب الذي تغنى على

فوضى الأشياء وانتهى في عروقك مثل الأنثى التي أحرقت ضفائر الوجد إلى الوجد في

تسمية الأشياء واقترابها من كل صوب .... علك في النهاية تجد ملفات الضياع خاصة الانثى

التي لم تأت على نهار.......وينبثق الحلم فيك أخيرا من كل فج عميق حيث لايدري الإنسان

إلا روحه أنت والليل ذكرى خلاقة لفوضى ذكراك وذاكرتك وكل الأشياء التي سافرت معك

الى الهجر في ضجة عالم الميلاد والعدمية.

وقفت أخيراً ... أنظر إلى غياهب البحر بعينين اتقدت فيهما النار وظللت ثورتهما ضجة

المكان الذي ازدحم والعرافة والبحر وكل الأشياء التي عرفت .... أترقب نهاية الحكاية

التي آثرت لحظات الصمت على استنهاض الباقي منها ولوهلة شعرت بامتداد خاص يوقد

في العرافة أشياء اقتربت أكثر وأكثر حين قالت : ابحث عن الصمت الذي يدرك كل مكان

في أجزاء الذاكرة... وابحث عن ذالك الغيب الأخير لتجلي الحلم بعيداً حتى تلتقي في

دروب لاحدود فيها ولا مصير لامتشاق القصيدة جوف المكان وستعرف مدناً في قلب مدنٍ ..

تنتشر الأنثى فيها كما الروض في تلك الأعالي الغائبة عنا وستدرك أن الحكايا مهما بلغت

فهي في النهاية قليلة لابوح يستر عيوبها ولا انتفاضة تؤرق جدليتها والشيء الأهم من

كل هذا وذاك طهر الذات ياسيدي فهو الذي سيعرفك دوما في كل ثانية وصوب .

كان ذلك اليوم عالي الصخب .. قوي اللحظة... أوتاره عزفت على كل الماضي وأشياءه

التي عرفتُ منها مستقبلاً عمق الحكاية ونهاية الدوران في عتمة أنثى أنهت تاريخاً

يحتوي الليل الخالص في عروقي وفاضت عنه إلى ذكرى معذبة تقيم احتفالاً خاصاً في

جسدي وعقلي كلما غابت شمس وجلست أمام البحر والعرافة في محاولة جديدة للانقلاب

الكبير على الذاكرة والمستقبل.

قديم 08-05-2010, 03:39 PM
المشاركة 26
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
الجمهورية التـــونسيــــة

طارق الاحمدي
منبر التاريخ و الحضارة


عـــــلم الجمهورية التونسية :



شعــــــار الجمهـــــورية التــــونسيـــة


1 - أصل التسمية:

عرفت تونس قديماً باسم ترشيش، فلما أحدث فيها المسلمون البنيان واستحدثوا البساتين

سميت تونس، وهي كلمة بربرية ومعناها البرزخ.

ـ الاسم الرسمي: الجمهورية التونسية.

ـ العاصمة: تونس.

2- جغرافية الجمهوريـــة التــونسيــة :

ـ المساحة الإجمالية: 163610 كلم2.

ـ مساحة الأرض: 155360 كلم2.

3- المـــــوقــــــع:

تقع تونس في شمال القارة الإفريقية، وتطل على البحر المتوسط شمالاً وتحدها الجزائر

غرباً، ليبيا شرقاً والجزائر وليبيا جنوباً.

ـ حدود الدولة الكلية: 1424 كلم، منها 965 كلم مع الجزائر و459 كلم مع ليبيا.

ـ طول الشريط الساحلي: 1300 كلم.

ـ أهم الجبال: أطلس التل، الأطلس الصحراوي.

ـ أعلى قمة: قمة الشعانبي (1544م).

ـ أهم الأنهار: وادي مليان، وادي ملاق، مجردة (482 كلم).

ـ المنـــــــــــاخ:

مناخ إقليم البحر المتوسط؛ حار جاف صيفاً، دافىء ماطر شتاءً.أما في المناطق الجبلية

فمعتدل الحرارة صيفاً وماطر وبارد شتاءً أما المناطق الوسطى الجنوبية فمتوسط الأمطار

بارد شتاءً وحار صيفاً.

ـ الطبـــوغرافيا:

يتألف سطح تونس من سهول ساحلية التي تمتد بامتداد السواحل البحرية المطلة على البحر

المتوسط وتتسع في الوسط، المناطق الجنوبية هي امتداد للصحراء الجزائرية.

ـ الموارد الطبيعية: زيت خام، فوسفات، حديد، توتياء، رصاص، بترول.

ـ استخدام الأرض: الغابات 4,3%، المروج والمراعي 20%، الأراضي الزراعية 31,9%،

أراضي المحاصيل المستمرة 10%، والباقي أراضي أخرى.

ـ النبات الطبيعي: النباتات الصحراوية تنمو في الصحراء، إضافة إلى نبات الحلفاء، أما

في المناطق الجبلية والساحلية فتنمو غابات السنديان والبلوط والفلين والزيتون والخروب

وغيرها أما الواحات فتكثر فيها أشجار النخيل.

- المؤشرات الاقتصادية

ـ مساهمة في اجمالي الناتج المحلي:

ـ الزراعة: 12,8%.

ـ الصناعة: 28,1%.

ـ التجارة والخدمات: 59%.

ـ أهم الصناعات: صناعات بترولية، تعدين الحديد والفوسفات، منسوجات، تعليب الأغذية.

ـ المنتجات الزراعية: الزيتون، التمور، اللوز، الحبوب، الحمضيات، الخضار والفواكه، قصب

السكر، الشمندر والكروم.

ـ الثروة الحيوانية: الضأن 7,6 مليون رأس، الماعز 1,35 مليون، الأبقار 770 ألفاً، الدواجن

35 مليون.

ـ المـــــواصــــــلات :


ـ دليل الهاتف: 216.

ـ سكك حديدية: 2154 كلم.

ـ طرق رئيسية: 17700 كلم.

ـ أهم المرافىء: بنزرت، تونس، صفاقس، سوسة.

ـ عدد المطارات: 5.

ـ أهم المناطق السياحية: أثار قرطاجة، متحف باردو، منتجع الحمّامات، مدينة القيروان،

جزيرة جربة. والسياحة الصحراوية بالجنوب

المؤشرات السياسية


ـ شكل الحكم: جمهورية برلمانية تخضع لنظام تعدد الأحزاب.

ـ الاستقلال: 20 أذار 1956.

ـ العيد الوطني: عيد الاستقلال (20 أذار).

ـ حق التصويت: ابتداءً من عمر 20 سنة.

ـ تاريخ الانضمام إلى الأمم المتحدة: 1962

نبذة تاريخية للبلاد التونسية

تقع تونس في أقصى شمال القارة الأفريقية، على ساحل البحر المتوسط، وتبعد مسافة

140 كلم عن مضيق صقلية.

يحدها البحر المتوسط من الشمال والشرق إذ يبلغ طول شاطئها عليه نحو 1200 كلم.

وتحدها ليبيا من الجنوب الشرقي (وطول حدودها معها 480 كلم). والجزائر من الغرب

(بطول حدود 1050 كم).

تبلغ مساحة تونس 163,610كم2. أما عدد السكان فحوالي 10 ملايين نسمة. عاصمة البلاد

مدينة تونس التي تحتل مع ضاحيتها المركز الصناعي والتجاري الأول في البلاد، وتتصل

بالبحر المتوسط بواسطة قناة تجعلها مرفأ مهماً


تـــــاريــــخ البـــلاد التـــونسيـــــة

أول السجلات التاريخية الموجودة تشير إلى أن المناطق الداخلية التونسية كانت مأهولة

قديما بقبائل بربرية، أما الساحل التونسي فقد قطنه الفينيقيون -الذين هاجروا من ساحل

المتوسط الغربي- بدءا من القرن العاشر قبل الميلاد. في القرن السادس قبل الميلاد صعد

نجم قرطاج كدولة ذات قوة ومكانة على المتوسط، و استمرت قرطاج حتى سقوطها بيد

الرومان في القرن الثاني قبل الميلاد .

في القرن الخامس بعد الميلاد أصبحت تونس في قبضة الوندال ومن ثم تحت سيطرة

البيزنطيين في القرن السادس للميلاد. دخل العرب المسلمون تونس في القرن السابع

للميلاد، مؤسسين مدينة القيروان فيها جاعليها مركزا لهم في تونس. استمر حكم الولاة

المسلمين وسط اضطرابات متقطعة نتيجة تمردات البربر. أهم السلالات التي حكمت تونس

وحققت عصورا مزدهرة لتونس كانت الأغالبة في القرن التاسع الميلادي، والزيريون بدءا

من 972 م، وهم من البربر (الأمازيغ) التابعين للفاطميين.

في عام 1050 م، خرج الزيريون عن طوع الفاطميين في القاهرة، مما أغضب الفاطميين

ودفعهم لإرسال قبائل بني هلال في حملة تخريبية على تونس.

في القرن الثاني عشر للميلاد، سيطر نورمانديو صقلية لمدة قصيرة على سواحل تونس .

لكن في 1159 م سيطر الخلفاء المهديين في المغرب على تونس بالكامل، وتلاهم

الحفصيون الأمازيغ (حوالي.1230–1574)، الذين حققوا عصورا ذهبية أثناء حكمهم لتونس.

في أواخر حكم الحفصيين، استولت إسبانيا على العديد من المدن الساحلية التونسية، لكن

العثمانيين استعادوا هذه المدن . حكمت تونس بعد ذلك في ظل الخلافة العثمانية من قبل

حكام يطلق عليهم لقب باي، حيث تمتع هؤلاء البايات بشبه استقلال في إدارة شؤون

الإقليم التونسي. و قد بدأ حكم الحكام الحسينيين من البايات في 1705، و استمر حتى

1957 م.


سكن الفينيقيون في هذه المنطقة التي اسمها اليوم تونس . كانت تخضع قديماً

لإمبراطورية قرطاج. تأسست مدينة قرطاج في شمال شرق تونس الحالية في سنةً814 قبل

الميلاد وبداية قرطاج بعد ذلك مركزا لامبراطورية سيطرت على شمال إفريقيا و جنوب

أوروبا في سنة 264 قبل الميلاد حدث صراع بين قرطاج والإمبراطورية الرومانية حروب

عرفت باسم الحروب الغادرة. في الحرب الثالثة هزم الرومان القرطاجية و دمروا عاصمتهم

تماما و خلال هذه الفترة من القرن لثاني قبل الميلاد و حتى الخامس الميلادي كانت معظم

المنطقة في تونس الحالية خاضعة للامبراطورية الرومانية.

في القرن الخامس الميلادي استولى الوندال على تونس من ثم فتح المسلمون تونس خلال

القرن السابع الميلادي. وفى نهاية القرن الثاني عشر قام روجر الثاني باحتلال تونس من

النقاط البحرية الهامة ولكن تمكن العرب من استعادتها. من ثم قام القرصان

بارباروساالثاني باحتلال مدينة تونس ولكن في العام التالي قامت 1534 قام الاسبانيون

بطرده وفي عام 1574 هزمت جيوش العثمانيين اسبانيا و وضعت القوات التركية تونس تحت

الحكم التركي . تمتعت تونس بفترة من الاستقرار ما بين سيطرتها على الحكم التركي يتم

من خلال حكام تونسيين حيث كان يحمل 1574 و 1881 و كان 1705 ثم عرف بعد ذلك

بلقب "باي".

الحسين بن على حكم بين عامي 1705-1745 كان أول من حمل لقب "باى" ، أثناء الفترة

الحسينية تمتعت تونس بقدر من الاستقلال بسبب السلالة الحسينية في تونس تحت الحكم

واستمرت أعمال القرصنة تحت الحكم و تحقق الكثير من الازدهار والرخاء الاقتصادي

الثامن عشر الميلاديين كان عدد الحسيني وفى نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن

تدفع جزية سنوية إلى الحكومة كبير من الدول الأوروبية التي تقوم بتجارة ملاحية

التونسية لتأمين مرور سفنها في البحر المتوسط.



تونس جمهورية ذات نظام رئاسي قوي يحكم من قبل حزب سياسي واحد. يرأس الجمهورية

التونسية الرئيس زين العابدين بن علي منذ عام 1987 بعد أن أزاح الحبيب بورقيبة والذي

تولى الرئاسة منذ تاريخ إعلان الجمهورية سنة 1957. استعان بورقيبة في حكمه بوزراء

أول هم على التوالي: الباهي الأدغم,الهادي نويرة,محمد مزالي, رشيد صفر وزين

العابدين بن علي. التجمع الدستوري الديمقراطي وريث الحزب الحر الدستوري هو الحزب

الحاكم في تونس منذ تأسيس الدولة، وكان الحزب الوحيد المصرح في الدولة بين سنتي

1962 و1983. رئيس الجمهورية ينتخب لمدة خمس سنوات و يقوم بتسمية الوزير الأول (رئيس

الوزراء) ، الذي يسهم في تنفيذ سياسات الدولة . الحكام المحليون للولايات و الممثلون

المحليون يتم تعيينهم أيضا من قبل الحكومة المركزية ، في حين يتم انتخاب محافظين

استشاريين و مجالس بلدية في الولايات .

يوجد في تونس هيئتان تشريعيتان، مجلس النواب و مجلس المستشارين، مجلس النواب فيه

182 مقعدا ، تحتل المعارضة 20% منها . يأخذ هذا المجلس أهمية متزايدة كساحة نقاش و

جدال حول السياسات الوطنية المتبعة لكن من النادر ألا تمر ميزانية أو تشريع مقدم من

قبل السلطة التنفيذية .

سكــــــان تونـــــــــس

سكان تونس الحاليين خليط من العرق الأمازيغي البربري سكان تونس الأصليين و القبائل

العربية التي وفدت مع الفتح الاسلامي و خليط الشعوب و الحضارات التي وصلت تونس من

فينيقيين و رومان و يونان. التاريخ الحقيقي لتونس يبدأ بوصول الفينيقين لها و تأسيس

دولة قرطاج و باقي مستعمراتهم في شمال افريقيا في القرن الثامن قبل الميلاد . أصبحت

قرطاج قوة بحرية عظمى صارعت الامبراطورية الرومانية على السيطرة على البحر

المتوسط و حاصر قائدها حنبعل روما بالفيلة كما تذكر بعض كتب التاريخ دون ان يفتحها

لكن شوكة قرطاج انكسرت في النهاية و هزمت من قبل الرومان في عام 146 قبل الميلاد .

سيطر الرومان على شمال افريقيا حتى القرن الخامس الذي شهد سقوط امبراطورية روما ،

بعدها اجتاحت تونس قوات أوروبية اهمها الوندال . بدأت سيطرة المسلمين على تونس في

القرن السابع للميلاد محدثة تحولا في التركيبة السكانية عن طريق موجات هجرة متتالية

من القبائل العربية التي اختلطت بقبائل البربر ، اضافة إلى عد من الاسبان و اليهود في

نهاية القرن الخامس عشر . دخلت تونس بعد ذلك تحت سيطرة العثمانيين مع حكم شبه ذاتي

ثم تحولت لمستعمرة فرنسية من عام 1881 إلى عام الاستقلال 1956 لكنها بقيت مرتبطة

سياسيا و اقتصاديا من فرنسا .

تقريبا جميع التونسيين (98%) مسلمين ، مع وجود أقلية يهودية في جزيرة جربة التونسية

استمر لمدة سنين ، يهود تونس قدموا من اسبانيا في أواخر القرن الخامس عشر للميلاد .

لكن يهود جربة قدموا من المشرق بعد حرق معبدهم من قبل نبوخذنصر قبل 2500 سنة

التقسيم الإداري للبـــلاد التــونسيــة

تعد ّ الجمهورية التونسية 24 محافظة , وهي كالتالي مرتبة حسب الحروف الهجائية وليس الأهمية :


1- محافظة أريـــــــــــانة

2 - محافظة بــــــــــــــاجة

3- محافظة بـــن عروس

4 - محافظة بنــــــــــزرت

5 - محافظة تطـــــــاويــــن

6 - محافظة تـــــــــــــوزر

7 - محافظة تــــــــــــونس

8 - محافظة جنــــــدوبـــة

9 - محافظة زغـــــــــوان

10 - محافظة سليـــــــــانة

11 - محافظة ســــــــــوسة

12 - محافظة سيــدي بوزيد

13 - محافظة صفــــــــــاقس

14 - محافظة قـــــــــــابس

15 - محافظة قـْبـــِــــــــلّي

16 - محافظة القصــــرين

17 - محافظة قفصــــــــة

18 - محافظة القيـــــروان

19 - محافظة الكـــــــــاف

20 - محافظة مدنيـــــــــن

21 - محافظة المنستيــــر

22 - محافظة منّـــــــــوبة

23 - محافظة المهديّــــــة

24 - محافظة نـــــــــــــابل

قديم 08-05-2010, 03:39 PM
المشاركة 27
عادل بشير
المهندس اللطـيـف

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
فكرة حلوة يا ريم
مشكورة

قديم 08-05-2010, 03:40 PM
المشاركة 28
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
تاريخ مدينة قسنطينة الجزائرية
صوفيا منغور
منبر ذاكرة التاريخ و الحضارة


تتميز مدينة قسنطينة القديمة التي يزيد عمرها عن 25 ألف سنة، بكونها مبنية على صخرة من الكلس القاسي، مما أعطاها منظراً فريداً يستحيل أن يوجد مثله عبر العالم في أي مدينة.
للعبور من ضفة إلى أخرى شُيّد عبر العصور عدة جسور، فأصبحت قسنطينة تضم أكثر من 8 جسور بعضها تحطم لانعدام الترميم، وبعضها ما زال يصارع الزمن، لذا سميت قسنطينة مدينة الجسور المعلقة.
يمر وادي الرمال على مدينة قسنطينة القديمة وتعلوه الجسور على ارتفاعات تفوق 200 متر.
بدأ تاريخ المنطقة مع قدوم الأمازيغ وانتظامهم في قبائل. أطلق الإغريق عليهم اسم الليبيين، النوميديين.وينسب تأسيس قسنطينة إلى التجارالفينيقيين.كان اسمها القديم هو (قرتا) ويعني بالفينيقية (القرية أو المدينة) وكان القرطاجيون يسمونها(ساريم باتيم).
اشتهرت "سيرتا" -الاسم القديم لقسنطينة - لأول مرة عندما اتخذها ماسينيسا ملك نوميدية عاصمة للمملكة. عرفت المدينة بعدها حصار يوغرطة الذي رفض تقسيم مملكة أبيه إلى ثلاثة أقسام، بفضل دعم الرومان وبعد حصار دام خمسة أشهر اقتحم تحصينات المدينة واستولى عليها. عادت سيرتا لتحيا مجداً جديداً مع يوغرطة ملك نوميدية الجديد والذي استطاع أن يتفادى انقسام المملكة إلى ممالك.
دخلت المدينة بعدها تحت سلطة الرومان، فأثناء العهد البيزنطي تمردت سنة 311 م، على السلطة المركزية فاجتاحتها القوات الرومانية من جديد وأمر الإمبراطور ماكسينوس بتخريبها.
أعاد الإمبراطور قسنطنطين بناءها عام 313 م. واتخذت اسمه وصارت تسمى القسطنطينة أو قسنطينة. ثم عرفت ابتداء من سنة 429 م غزوات الوندال، ثم استعادها البيزنطيون من جديد.
مع دخول المسلمين المغرب عرفت المدينة نوعاً من الاستقلال فكان أهلها يتولون شؤونهم بنفسهم وحتى القرن التاسع. عرفت المنطقة قدوم القبائل الهلالية، وفي القرن العاشر وطغت بعدها اللغة العربية على أهالي المنطقة.
دخلت المدينة في عهدة الزيريين ثم الحماديين أصحاب القلعة وبجاية. استوطن المدينة بها الأندلسيون كما استقرت بها جالية يهودية ،وتعامل معهم أهل المدينة بالتسامح. وجدير بالذكر أن قدوم اليهود كان بعد سقوط الأندلس التي كانوا يعيشون فيها بسلام في ظل الحكم الإسلامي، ثم طردهم المسيحيون المتعصبون للكنيسة الكاثوليكية في روما بعد سقوط آخر حكام الأندلس.
و منذ القرن الثالث عشر انتقلت المدينة إلى حوزة الحفصيين أصحاب تونس وبقيت في أيديهم حتى دخول الأتراك.
قبل استقرارهم نهائياً في المنطقة حاول الأتـراك العثمانيين احتلال المدينة مرات عدة، وكانوا دوماً يصطدمون بمقاومة الحفصيين. وفي سنة 1568 م. قاد الداي محمد صالح رايس حملة على المدينة، واستطاع أن يستولي عليها من غير قتال. ودانت له البلاد بعد أن طرد عبد المومن زعيم الحفصيين ومعه قبيلة أولاد صاولة.
تم اختيار قسنطينة لتكون عاصمة بايليك الشرق. قام صالح باي (1771-1792 م.) بتهيئة المدينة وأعطائها طابعها المميز.من أهم أعماله بناء جامع ومدرسة القطانية. ومدرسة سيدي لخضر والتي عني فيها بتدريس اللغة العربية. كما قام بإنشاء حي خاص لليهود بعد كانوا متوزعين في أنحاء المدينة.
سنة 1830 م، ومع احتلال الجزائر من طرف الفرنسيين رفض أهالي المدينة الإعتراف بسلطة الفرنسيين. قاد أحمد باي الحملة واستطاع أن يرد الفرنسيين مرتين في سنتين مختلفتين في معارك للاستيلاء على القنطرة، التي كانت تمثل بوابة الشرق. عام 1837 م، استطاعت الحملة الفرنسية بقيادة دوموريير عن طريق خيانة من أحد سكان المدينة اليهود (حيث استطاع الفرنسيون من التسلل إلى المدينة عبر معابر سرية توصل إلى وسط المدينة)، وعن طريق المدفعية أيضاً من إحداث ثغرة في جدار المدينة. ثم حدث الإقتحام، واصطدم الجنود الفرنسيون بالمقاومة الشرسة للأهالي واضطروا لمواصلة القتال في الشوارع والبيوت. انتهت المعركة أخيراً بمقتل العديد من الأهالي، واستقرار المحتلّين في المدينة بعد عدة سنوات من المحاولات الفاشلة. استطاع الباي أحمد وخليفته بن عيسى الفرار إلى الجنوب.

قديم 08-05-2010, 03:41 PM
المشاركة 29
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
لمفيد في تاريخ بغداد

إعداد : محمد هاديالشاهد
منبر ذاكرة التاريخ و الحضارة


(( الجزء الأول ))




مقدمة

منذ طفولتي عشقت بغداد
وكنت سعيدا جدا حين يأخذني والدي معه في عمله الذي يتطلب المرور في إنحاء بغداد
وكنت دائم السؤال عن هذا المكان أو ذاك
حتى أنتبه أبي لكثرة أسئلتي وأخذ على عاتقه الإجابة دون السؤال مني
عندما ندخل منطقة الكسرة ..
يقول في هذا المكان كان البلاط الملكي
ويروي لي ذكرياته وكيف قابل الوصي الأمير عبد الإله
وكيف سار مع والده وعمره خمسة سنوات في تشييع جنازة الملك غازي الأول رحمه الله
ومن خلال والدي أحببت بغداد إلى درجة العشق
وأحببت العائلة المالكة في العراق
ووالدي رجل مثقف من طراز فريد رغم أنه لم يدخل المدرسة قط وتعلم القراءة والكتابة من خلال الصحف والمجلات وهو العصامي الذي شق طريق النجاح بتعبه ومثابرته .
وحتى اليوم امتلكت كنزا لا يقدر بثمن حول تاريخ بغداد
عمره أكثر من أربعين عاما كنت أدون فيه كل معلومة أحصل عليها
وكانت المكتبة الوطنية ملاذي الدائم في شبابي .
واذكر إنني كنت أطلب كتب فريدة لا يسمح في الاطلاع عليها سوى لطلبة الدراسات العليا
ولم أجد خيار سوى دخول مكتب الأستاذ الفاضل عبد الحميد العلوجي
مدير عام المكتبة الوطنية وأحصل منه في النهاية
على قصاصة ورق صغيرة يسمح لي فيها بالحصول على ما أريد من كتب
وسمح لي أيضا الدخول إلى أرشيف الوثائق الموجود في سرداب المكتبة
وكنت أصول وأجول فيها .


معنى أسم بغداد لغويا

بغداد ..... في المصادر العربية
بحث كتبه الأستاذ الدكتور يوسف رمزي

لقد قام العديد من المؤرخين العرب بذكر مدينة بغداد في صدر الإسلام:
نكتفي هنا بذكر أهميتهم وإيجاز أقوالهم فيها.

لقد ذكر أحمد البلا ذري ( ؟ ـ 892م) بغداد قائلا:

(( وكانت بغداد قديمة فمصرحا أمير المؤمنين ))
أي أنها كانت موقعا صغيرا فجعلها مدينة.

كما أن أحمد اليعقوبي (؟ ـ 897م) قال فيها:

(( ولم تكن بغداد مدينة في الأيام المتقدمة .. أعني أيام الأكاسرة والأعاجم .. وإنما كانت قرية من قرى طسوج بادويا ))
وهذا يعني أن تلك القرية كانت تسمى بغداد قبل أن يحتل الفرس العراق.


وقد تحدث الحسن الهمداني(؟ ـ 945م) عنها وعن مكانتها التجارية في العالم آنذاك قائلا:

(( وكانت بغداد قديمة، فمصرها أبو جعفر المنصور. وكانت بغداد سوقا يقصدها تجار الصين بتجارتهم فيربحوا الربح الواسع ))

كما أن أبا جرير الطبري (839 ـ 923م) يذكر بطولات القائد العربي خالد بن الوليد قائلا:

(( أغار على سوق بـغداد… وانه وجه المثنى فأغـار على سوق فيها جمع لقضاعة وبكر ))


وقد اتفق الطبري مع عبد الرحمن ابن الجوزي (1116 ـ 1200 م)
وبدر الدين العيني (1360 ـ 1451م) إذ قالوا:

(( وكانت بغداد مزرعة للبغداديين يقال لها المباركة، كانت لستين نفسا من البغداديين. فعوضهم المنصور عنها عوضا أرضاهم ))

كما أن أبا علي ابن رسته (؟ ـ 903) يذكر بغداد قائلا:

(( بغداد أسم موضع كانت في تلك البقعة.. في الدهر القديم، وهي أرض بابل ))

والخطيب البغدادي يروي لنا عن طريق الشيخ أبي بكر الذي قال:

(( والمحفوظ أن هذا الاسم ـ بغداد كما يعرف به الموضع قديما ))


ومن المؤرخين العراقيين المعاصرين ..........

الأستاذ الدكتور أحمد صالح العلي الذي كتب عن بغداد قائلا:

(( اختار أبو جعفر بنفسه رقعة مرتفعة من الأرض على الجانب الغربي من دجلة
عند مصب نهر الرفيل فيه ....
وقرر أن يشيد عاصمته الجديدة على هذه الرقعة.
وكانت في المنطقة.. بضع قرى صغيرة
ودير للنصارى ..... وجسر على دجلة
وسوق تقام في بعض أيام الأسبوع لأهل المنطقة فالأرض التي حولها سهلة فسيحة
فيها مزارع تسقيها مياه ترع تتفرع من نهر الرفيل الواسع الذي يأخذ من الفرات
ومن نهر الدجيل الذي يأخذ من دجلة في تساليها…
يقابلها في شرق دجلة أراض منبسطة أيضا تروي مزارعها عدة أنهار وترع
أكبرها نهر بوق ))

(( وقد أطلق أبو جعفر المنصور (754 ـ 774م) على المدينة
التي شيدها (سنة 762م) اسم
( مدينة السلام )
تيمنا بالجنة لذكر الله
الوارد في القرآن الكريم باسم ( السلام ) وكان هذا الاسم الرسمي لها يدون على المسكوكان
والموازين والوثائق والكتب الرسمية.
غير أن الناس كانوا يسمونها في الغالب
( مدينة المنصور )
نسبة للخليفة الذي شيدها. كما أنهم أطلقوا عليها
وعلى ما شملته من أبنية أخرى عند توسعها اسم ( بغداد )
الذي كان يطلق على هذه المنطقة منذ أيام البابليين.. ))


كما أن الأستاذ الدكتور حسن فاضل زعين كتب عن عراقية اسم بغداد وعروبته قائلا:

(( تؤكد المصادر والوثائق التاريخية وما كشفته التنقيبات الآثارية
أن بغداد أسم عراقي قديم.
والأدلة على قدم عراقيته و عربيته ..... وارتباطه بالعراقيين دون سواهم كثيرة..
إن بغداد اسم عراقي أصيل
عرفه سكان العراق القدماء منذ أقدم العصور
وان اسمها بقي محافظا على مكانته حتى يومنا هذا .........
مع طول تلك الأزمنة التي مرت عليه ))


وأقدم لكم أول خارطة لبغداد

(( منطقة بغداد في أواخر العهد الساساني وأوائل العهد الإسلامي ))

أطلس بغداد ... للدكتور أحمد سوسة
وفيها ما تم ذكره أعلاه

الخارطة كبيرة وجعلتها نصفين













(( بغداد في الألواح الأثرية قبل الميلاد ))










أول من قام بالتنقيب في العراق .... كان المستشرقين الأجانب.
ومن بين هؤلاء جاك ريسلر الذي قال :

(( وكانت بغداد مدينة قديمة بابلية على الشاطئ الغربي من نهر دجلة ))

في حين يقول أوليري:

(( إن بغداد مدينة عريقة في القدم ، كانت تعرف زمن البابليين ببغداد ))

كما أن المستشرق لسترانج يقول ..............

(( ويستدل من التنقيبات الاثرية التي قام بها السر رولنسون في سنة 1848م
في أثناء انخفاض الماء في فصل جفاف أكثر من مستواه العادي
أن هذا المكان كان موقعا لمدينة موغلة في القدم .............
بدليل الواجهة الواسعة المشيدة من الأجر البابلي.
والتي لا زالت تحاذي ضفة دجلة الغربية عند بغداد.
وكل قطعة من الآجر مختومة باسم نبوخذ نصر وألقابه
وقد وجد منذ ذلك الوقت أيضا اسم قريب الشبه ببغداد
في الكشوف الجغرافية الآشورية في عهد سردنابالس
ولعله يشير إلى المدينة التي كانت موجودة حينذاك في الموضع
الذي أصبح فيما بعد عاصمة الخلفاء العباسيين ))


لقد ورد ذكر اسم بغداد صريحا في الألواح المكتشفة حديثا

والتي يرقى تاريخها إلى أزمنة موغلة في القدم ........
ويعود بعضها إلى العصر البابلي .
ومن أهميها وأبرزها النص الصريح الوارد في ( لوح سبار) المكتشف في تل أبي حبة
الذي يبعد عن شمال غربي بابل (50) خمسين كيلو مترا ............
حيث ورد اسم بغداد فيه صريحا هكذا
( بجدادا )

ويرجع تاريخ هذا اللوح إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد
أي أنه من زمن الملك حمورابي .


وورد ذكر اسم بغداد أيضا في لوح آخر
يعود تاريخه الى الأعوام 1341 ـ 1316 قبل الميلاد .....
وهو مكتوب فيه هكذا :
( بغدادي )

وفي لوح آخر ورد اسم بغداد مكتوبا فيه هكذا:
( بجدادو )

ويعود تاريخ هذا اللوح الى القرن الثاني عشر قبل الميلاد.


كما ورد اسمها أيضا مكتوبا هكذا:
( بغدادو )

في وثيقة تاريخية يرقى عهدها الى سنة 728 قبل الميلاد
إبان حكم الملك الآشوري تجلات فلا سر الثالث (745 ـ 727 ق. م )


( معنى اسم بغداد في اللغات العراقية القديمة )


اللغات العراقية القديمة ................ أو الجزرية :
هكذا يحب بعض باحثينا العراقيين المعاصرين
أن يسموا اللغات السامية المتعارف عليها دوليا
وذلك نسبة الى سام (شيم) ابن نوح.
إما الأستاذ الدكتور يوسف فوزي فقد أقترح تسمية
(( لغات شامية ))
نسبة إلى الاسم العبري الأصيل والى بلاد الشام موطن أغلب لهجاتها الشقيقة القديمة
وذلك تلافيا لإثارة المشاكل التي نحن الباحثين في غنى عنها.

إن أبا الفضل بديع الزمان الهمداني (968 ـ د1007م)
ذكر اسم بغداد في اثنتين من مقاماته الخمس والعشرين:
في المقامة الازاذية حيث قال :
(( اشتهيت الازاذ ......... وأنا في بغداذ ))

وفي المقامة الأزاذية حيث قال:

(( كنت ببغداذ ........ وقت الأزاذ ))
والأزاذ هو أجود التمور العراقية حينها.
هذه المقامات شرحها الشيخ محمد عبده المصري (1849 ـ 1905م)
ونشرها في بيروت سنة 1889.
وقد عقب على اسم بغداد قائلا:
(( بغداذ هي مدينة بغداد المشهورة ))
وفي لفظها لغات: بذالين معجمتين ودالين مهملتين ومختلفتين
مع تقدم المعجمة أو تأخرها ..... وبغدان وبغدين ومغدان.
وتلقب بمدينة السلام ......... ولفظها في الأصل فارسي مركب
من باغ ........... بمعنى بستان
وداد بمعنى العدل فهو بدالين مهملتين ..... وبقية اللغات وجوه تقريب
وكانت من بناء الفرس قبل الإسلام ...... ألا أنها لم تكن من حواضرهم .
وبقيت كذلك إلى سنة 145 من الهجرة فجدد الخليفة المنصور ثاني خليفة من بني العباس
أخطاط مكانها حاضرة للخلافة العباسية وتم بناؤها في سنة 146 هـ.
وانفق فيه أربعة ملايين درهم وثمانمائة وثلاثين درهما.
وكان عرض الطريق فيها أربعين ذراعا

( لسنا نعلم من أين وكيف توصل الشيخ محمد عبده إلى أن لفظ بغداد هو من أصل فارسي.
لعله يكون قد تأثر بالمستشرقين من أمثال كارل بروكمان وغيره
حيث قال بأن (باغ/ بستان) فارسية الأصل )



ولكن هل نسي جميع هؤلاء بأن الفرس ... بعد استيلائهم على بابل عام 539 ق. م
تبنوا آرامية أهل العراق لغة رسمية لدولتهم !!!
بحيث إنها سميت اشتهرت بآرامية المملكة؟
فضلا عن أن اسم بغداد موجود في موقعها
منذ عهد الملك البابلي الشهير حمورابي (القرن 18 ق،م) مثلما ذكرنا آنفا.
ومعروف أيضا أن اللغة الفارسية القديمة ... أي البهلوية
قد اقترضت ألفاظا كثيرة حقا من اللغة الآرامية

كما أن اوجين منا ............. في معجمه الشهير
( دليل الراغبين في لغة الآراميين )

يعتبر لفظة "باغ" آرامية أصيلة ....وهذا هو الرأي السديد.
إن المؤرخين والباحثين الذين كتبوا عن بغداد لم يحاولوا بجدية أن يحللوا لغويا معنى اسمها المركب بجزأيه ومن حاول منهم لم يوفق وذلك لقلة معرفة بأبنية اللغات الشامية وجذورها وأصولها.
أن من الواجب علينا هنا أن ندرس اسم بغداد لغويا ونحلله جذريا
لكي نتوصل إلى ما كان يقصد به أهل العراق القديم إن أمكن.
نحن نرى أن اسم بغداد:
(( المركب من كلمتين آراميتين ........ يتحمل على الأقل تحليلين اثنين
وتفسيرين من حيث البناء اللغوي والمعنى ))

(( التحليل الأول ))
نجزئ بغداد إلى بَ وهو اختزال لكلمة بيت
وهذا يرد كثيرا في الأسماء الآرامية القديمة لا سيما أسماء المواقع الجغرافية
من القرى والأرياف........
بحنو بعقوبا (بيت المتعقب)...... بعشيقا ( بيت المتكبر)

وبرطلي (بيت الأرطال)
ثم نجزئها الى جذاذ (= غداد) وهي كلمة آرامية سريانية معناها إما هو خيط أو غنم أو نسيج عنكبوت
وهكذا إذن يكون معنى اسم بغداد
(بيت الخيط) أو (بيت الغنم) أو (بيت نسيج العنكبوت)
وللقارئ أن يختار ما يراه له الأفضل بين هذه المعاني الثلاثة

(( التحليل الثاني ))

نجزئ بغداد إلى باغ:
وهي تعني في الآرامية السريانية (جنينة، بحر،بطيح، سهل)
ثم نجزئها الى داد:
وهذه أيضا كلمة آرامية سريانية، ومعناها (حبيب، عم، خال)
وهكذا هنا أيضا يكون معنى اسم بغداد ( جنينة الحبيب أو العم أو الخال) أو بستانهم
وان لفظة داد قد وردت في الاكدية بصيغة داد ...........
وفي العبرية بصيغة دود (بإمالة الواو)
وفي العامية العراقية بصيغة داد أيضا.
وهي لها في هذه اللغات جميعا المعنى ذاته ............


وربما هناك تحليل ثالث لاسم بغداد ....

يكون مرده الى جذور اللغة العربية
فالناطقون بالسريانية ...... في سائر لهجات السورن
ينطقون اسمها (بغدد) بفتح الباء قصيرة وفتح الدال الأولى قصيرة أيضا.
ولابد لنا من أن نذكر بأن السريان ينطقون حرف الجيم الساكن وغير المشدد غينا إذا كان مسبوقا بحرف متحرك، مثلما هو الحال هنا.
وفيه نجزئ (بغدد) الى بغ/ يج:
ومعنى هذين الفعلين عربيا هو على التوالي: بغ/ هاج، ويج/ وسع مشق العين
أما الجزء الباقي منها فهو (دد) ومعناه إما اللهو واللعب

( الخاتمة )


من خلال هذا البحث المختصر .... يمكن استخلاص العبر والنتائج التالية :



(( إن أبا جعفر المنصور شيد عاصمته الجديدة
على موقع قرية كانت تعرف باسم (بغداد) منذ أيام حمورابي (القرن 18 ق.م)
وسماها (مدينة السلام) تيمنا بالجنة .....
وكأنه كان قد فهم الجزء الأول من اسمها المركب في لغة أهل بابل القدماء
ألا وهي البستان أو الجنينة.
حيث إن لفظة باغ الآرامية تعني ذلك.
أما جزء اسمها الثاني (داد) فيعني الحبيب.
إذن معنى بغداد هو جنينة الحبيب وصديقه وبستانه .
هذا في رأينا هو المعنى الأساس والرئيس لاسم عاصمتنا الحبيبة بغداد ...
فضلا عن المعاني الأخرى التي عرضت قبل قليل.
وجميع هذه المعاني بجذورها اللغوية ذات أصالة وعراقة
تعود الى لغات أهل العراق ماضيا وحاضرا وإن شاء الله مستقبلا أيضا.
وهكذا فهي بعيدة تماما عن كل تأثير أجنبي وغريب لا يمت بصلة للغة العربية
وشقيقاتها الشامية ..... السامية. ))




(( مصادر البحث وهوامشه ))

1ـ البلاذري .... أحمد ( فتوح البلدان ) مجلد2 ص 361.

2ـ اليعقوبي أحمد .... كتاب البلدان (منشور مع كتاب الأعلاق النفسية لابن رسته) ص 235.

3ـ الهمداني ... الحسن ( بغداد مدينة السلام) ص 27و35.

4ـ الطبري .... ابن جرير( تاريخ الأمم والملوك) مجلد 3 ص 385
ابن الجوزي .... عبد الرحمن( مناقب بغداد ) ص 6 ـ 7.

5ـ الطبري.. ابن جرير ( تاريخ الأمم والملوك ) مجلد 8 ص 619
ابن الجوزي ... عبد الرحمن( مناقب بغداد) ص 7
و ( المنتظم في تاريخ الأمم ) ..... مجلد 8 ص 34
و ( عقد الجان ) مجلد 7 ص 186.

6ـ ابن رسته ... أبو علي ( الاعلاق النفسية ) ..... مجلد 7 ص 108.

7ـ الخطيب البغدادي ..... احمد بن علي ..... ( تاريخ بغداد) مجلد 1 ص 062
ولد سنة 1002م وتوفي سنة 1071م وله ( تاريخ بغداد )

8ـ العلي ... صالح أحمد ( بغداد ... تأسيسها ونموها) العراق القديم .... بغداد 1983 ص 375.

9ـ العلي .... صالح أحمد في المصدر السابق ص 376.

10ـ زعين .. حسن فاضل واخرون ( بغداد في التاريخ ) بغداد 1991 ص 30 ـ 31.

11ـ ويسلر .. جاك ( الحضارة العربية ) ص 137
و( انتقال علوم الإغريق الى العرب ) ص 199.

12ـ لسترانج ( بغداد في عهد الخلافة العباسية ) ص 17.

13 ـ مصطفى جواد ( دليل خارطة بغداد ) ص 18.

14ـ زعين ..... حسن فاضل المصدر السابق ص 31.

15ـ يوسف فوزي ( اللهجات الآرامية وانتشارها الجغرافي ) في مجلة المجمع العلمي
بغداد 1996 ص102.

16ـ الشيخ محمد عبده ... ( مقامات أبي الفضل بديع الزمان الهمزاني ) بيروت 1889، ص 55.

17ـ الشيخ محمد عبده .... المصدر السابق ص 6.

18ـ الشيخ محمد عبده ... المصدر السابق ص 6/ هامش1.

19ـ أوجين منا ( دليل الراغبين في لغة الآراميين ) ص 49؛ ROCKELMAVN - K

Lescicon Sysiacam - Hilaesheim 1966 -20ـ p- 57. يوسف فوزي
المصدر السابق .... ص 102.

21ـ أوجين منا المصدر السابق ص 91

22ـ أوجين منا المصدر السابق ص 49.
وفي ص 49.
وفي ص 521 نجد (عابا) أي غاب .. غيضة
أجمة ولعلها تكون في الأصل للغوي الثاني قلبا (قلب العين غينا)
وبالتقديم أو التأخير أصبحت (باغا)

23ـ أوجين منا ... المصدر السابق ص 138؛ 1440

24 ـ احمد بن فارس ( مقايس اللغة ) القاهرة 1979 مجلد 1، ص 173 لويس معلوف
( المنجد في اللغة ) ..... بيروت. 1960 ص 43.

25ـ احمد ابن فارس .... المصدر السابق، مجلد، ص 266.

قديم 08-05-2010, 03:41 PM
المشاركة 30
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: يبلغ لمن يهمه الأمر
لمفيد في تاريخ بغداد

إعداد : محمد هاديالشاهد
منبر ذاكرة التاريخ و الحضارة


(( الجزء الأول ))




مقدمة

منذ طفولتي عشقت بغداد
وكنت سعيدا جدا حين يأخذني والدي معه في عمله الذي يتطلب المرور في إنحاء بغداد
وكنت دائم السؤال عن هذا المكان أو ذاك
حتى أنتبه أبي لكثرة أسئلتي وأخذ على عاتقه الإجابة دون السؤال مني
عندما ندخل منطقة الكسرة ..
يقول في هذا المكان كان البلاط الملكي
ويروي لي ذكرياته وكيف قابل الوصي الأمير عبد الإله
وكيف سار مع والده وعمره خمسة سنوات في تشييع جنازة الملك غازي الأول رحمه الله
ومن خلال والدي أحببت بغداد إلى درجة العشق
وأحببت العائلة المالكة في العراق
ووالدي رجل مثقف من طراز فريد رغم أنه لم يدخل المدرسة قط وتعلم القراءة والكتابة من خلال الصحف والمجلات وهو العصامي الذي شق طريق النجاح بتعبه ومثابرته .
وحتى اليوم امتلكت كنزا لا يقدر بثمن حول تاريخ بغداد
عمره أكثر من أربعين عاما كنت أدون فيه كل معلومة أحصل عليها
وكانت المكتبة الوطنية ملاذي الدائم في شبابي .
واذكر إنني كنت أطلب كتب فريدة لا يسمح في الاطلاع عليها سوى لطلبة الدراسات العليا
ولم أجد خيار سوى دخول مكتب الأستاذ الفاضل عبد الحميد العلوجي
مدير عام المكتبة الوطنية وأحصل منه في النهاية
على قصاصة ورق صغيرة يسمح لي فيها بالحصول على ما أريد من كتب
وسمح لي أيضا الدخول إلى أرشيف الوثائق الموجود في سرداب المكتبة
وكنت أصول وأجول فيها .


معنى أسم بغداد لغويا

بغداد ..... في المصادر العربية
بحث كتبه الأستاذ الدكتور يوسف رمزي

لقد قام العديد من المؤرخين العرب بذكر مدينة بغداد في صدر الإسلام:
نكتفي هنا بذكر أهميتهم وإيجاز أقوالهم فيها.

لقد ذكر أحمد البلا ذري ( ؟ ـ 892م) بغداد قائلا:

(( وكانت بغداد قديمة فمصرحا أمير المؤمنين ))
أي أنها كانت موقعا صغيرا فجعلها مدينة.

كما أن أحمد اليعقوبي (؟ ـ 897م) قال فيها:

(( ولم تكن بغداد مدينة في الأيام المتقدمة .. أعني أيام الأكاسرة والأعاجم .. وإنما كانت قرية من قرى طسوج بادويا ))
وهذا يعني أن تلك القرية كانت تسمى بغداد قبل أن يحتل الفرس العراق.


وقد تحدث الحسن الهمداني(؟ ـ 945م) عنها وعن مكانتها التجارية في العالم آنذاك قائلا:

(( وكانت بغداد قديمة، فمصرها أبو جعفر المنصور. وكانت بغداد سوقا يقصدها تجار الصين بتجارتهم فيربحوا الربح الواسع ))

كما أن أبا جرير الطبري (839 ـ 923م) يذكر بطولات القائد العربي خالد بن الوليد قائلا:

(( أغار على سوق بـغداد… وانه وجه المثنى فأغـار على سوق فيها جمع لقضاعة وبكر ))


وقد اتفق الطبري مع عبد الرحمن ابن الجوزي (1116 ـ 1200 م)
وبدر الدين العيني (1360 ـ 1451م) إذ قالوا:

(( وكانت بغداد مزرعة للبغداديين يقال لها المباركة، كانت لستين نفسا من البغداديين. فعوضهم المنصور عنها عوضا أرضاهم ))

كما أن أبا علي ابن رسته (؟ ـ 903) يذكر بغداد قائلا:

(( بغداد أسم موضع كانت في تلك البقعة.. في الدهر القديم، وهي أرض بابل ))

والخطيب البغدادي يروي لنا عن طريق الشيخ أبي بكر الذي قال:

(( والمحفوظ أن هذا الاسم ـ بغداد كما يعرف به الموضع قديما ))


ومن المؤرخين العراقيين المعاصرين ..........

الأستاذ الدكتور أحمد صالح العلي الذي كتب عن بغداد قائلا:

(( اختار أبو جعفر بنفسه رقعة مرتفعة من الأرض على الجانب الغربي من دجلة
عند مصب نهر الرفيل فيه ....
وقرر أن يشيد عاصمته الجديدة على هذه الرقعة.
وكانت في المنطقة.. بضع قرى صغيرة
ودير للنصارى ..... وجسر على دجلة
وسوق تقام في بعض أيام الأسبوع لأهل المنطقة فالأرض التي حولها سهلة فسيحة
فيها مزارع تسقيها مياه ترع تتفرع من نهر الرفيل الواسع الذي يأخذ من الفرات
ومن نهر الدجيل الذي يأخذ من دجلة في تساليها…
يقابلها في شرق دجلة أراض منبسطة أيضا تروي مزارعها عدة أنهار وترع
أكبرها نهر بوق ))

(( وقد أطلق أبو جعفر المنصور (754 ـ 774م) على المدينة
التي شيدها (سنة 762م) اسم
( مدينة السلام )
تيمنا بالجنة لذكر الله
الوارد في القرآن الكريم باسم ( السلام ) وكان هذا الاسم الرسمي لها يدون على المسكوكان
والموازين والوثائق والكتب الرسمية.
غير أن الناس كانوا يسمونها في الغالب
( مدينة المنصور )
نسبة للخليفة الذي شيدها. كما أنهم أطلقوا عليها
وعلى ما شملته من أبنية أخرى عند توسعها اسم ( بغداد )
الذي كان يطلق على هذه المنطقة منذ أيام البابليين.. ))


كما أن الأستاذ الدكتور حسن فاضل زعين كتب عن عراقية اسم بغداد وعروبته قائلا:

(( تؤكد المصادر والوثائق التاريخية وما كشفته التنقيبات الآثارية
أن بغداد أسم عراقي قديم.
والأدلة على قدم عراقيته و عربيته ..... وارتباطه بالعراقيين دون سواهم كثيرة..
إن بغداد اسم عراقي أصيل
عرفه سكان العراق القدماء منذ أقدم العصور
وان اسمها بقي محافظا على مكانته حتى يومنا هذا .........
مع طول تلك الأزمنة التي مرت عليه ))


وأقدم لكم أول خارطة لبغداد

(( منطقة بغداد في أواخر العهد الساساني وأوائل العهد الإسلامي ))

أطلس بغداد ... للدكتور أحمد سوسة
وفيها ما تم ذكره أعلاه

الخارطة كبيرة وجعلتها نصفين













(( بغداد في الألواح الأثرية قبل الميلاد ))










أول من قام بالتنقيب في العراق .... كان المستشرقين الأجانب.
ومن بين هؤلاء جاك ريسلر الذي قال :

(( وكانت بغداد مدينة قديمة بابلية على الشاطئ الغربي من نهر دجلة ))

في حين يقول أوليري:

(( إن بغداد مدينة عريقة في القدم ، كانت تعرف زمن البابليين ببغداد ))

كما أن المستشرق لسترانج يقول ..............

(( ويستدل من التنقيبات الاثرية التي قام بها السر رولنسون في سنة 1848م
في أثناء انخفاض الماء في فصل جفاف أكثر من مستواه العادي
أن هذا المكان كان موقعا لمدينة موغلة في القدم .............
بدليل الواجهة الواسعة المشيدة من الأجر البابلي.
والتي لا زالت تحاذي ضفة دجلة الغربية عند بغداد.
وكل قطعة من الآجر مختومة باسم نبوخذ نصر وألقابه
وقد وجد منذ ذلك الوقت أيضا اسم قريب الشبه ببغداد
في الكشوف الجغرافية الآشورية في عهد سردنابالس
ولعله يشير إلى المدينة التي كانت موجودة حينذاك في الموضع
الذي أصبح فيما بعد عاصمة الخلفاء العباسيين ))


لقد ورد ذكر اسم بغداد صريحا في الألواح المكتشفة حديثا

والتي يرقى تاريخها إلى أزمنة موغلة في القدم ........
ويعود بعضها إلى العصر البابلي .
ومن أهميها وأبرزها النص الصريح الوارد في ( لوح سبار) المكتشف في تل أبي حبة
الذي يبعد عن شمال غربي بابل (50) خمسين كيلو مترا ............
حيث ورد اسم بغداد فيه صريحا هكذا
( بجدادا )

ويرجع تاريخ هذا اللوح إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد
أي أنه من زمن الملك حمورابي .


وورد ذكر اسم بغداد أيضا في لوح آخر
يعود تاريخه الى الأعوام 1341 ـ 1316 قبل الميلاد .....
وهو مكتوب فيه هكذا :
( بغدادي )

وفي لوح آخر ورد اسم بغداد مكتوبا فيه هكذا:
( بجدادو )

ويعود تاريخ هذا اللوح الى القرن الثاني عشر قبل الميلاد.


كما ورد اسمها أيضا مكتوبا هكذا:
( بغدادو )

في وثيقة تاريخية يرقى عهدها الى سنة 728 قبل الميلاد
إبان حكم الملك الآشوري تجلات فلا سر الثالث (745 ـ 727 ق. م )


( معنى اسم بغداد في اللغات العراقية القديمة )


اللغات العراقية القديمة ................ أو الجزرية :
هكذا يحب بعض باحثينا العراقيين المعاصرين
أن يسموا اللغات السامية المتعارف عليها دوليا
وذلك نسبة الى سام (شيم) ابن نوح.
إما الأستاذ الدكتور يوسف فوزي فقد أقترح تسمية
(( لغات شامية ))
نسبة إلى الاسم العبري الأصيل والى بلاد الشام موطن أغلب لهجاتها الشقيقة القديمة
وذلك تلافيا لإثارة المشاكل التي نحن الباحثين في غنى عنها.

إن أبا الفضل بديع الزمان الهمداني (968 ـ د1007م)
ذكر اسم بغداد في اثنتين من مقاماته الخمس والعشرين:
في المقامة الازاذية حيث قال :
(( اشتهيت الازاذ ......... وأنا في بغداذ ))

وفي المقامة الأزاذية حيث قال:

(( كنت ببغداذ ........ وقت الأزاذ ))
والأزاذ هو أجود التمور العراقية حينها.
هذه المقامات شرحها الشيخ محمد عبده المصري (1849 ـ 1905م)
ونشرها في بيروت سنة 1889.
وقد عقب على اسم بغداد قائلا:
(( بغداذ هي مدينة بغداد المشهورة ))
وفي لفظها لغات: بذالين معجمتين ودالين مهملتين ومختلفتين
مع تقدم المعجمة أو تأخرها ..... وبغدان وبغدين ومغدان.
وتلقب بمدينة السلام ......... ولفظها في الأصل فارسي مركب
من باغ ........... بمعنى بستان
وداد بمعنى العدل فهو بدالين مهملتين ..... وبقية اللغات وجوه تقريب
وكانت من بناء الفرس قبل الإسلام ...... ألا أنها لم تكن من حواضرهم .
وبقيت كذلك إلى سنة 145 من الهجرة فجدد الخليفة المنصور ثاني خليفة من بني العباس
أخطاط مكانها حاضرة للخلافة العباسية وتم بناؤها في سنة 146 هـ.
وانفق فيه أربعة ملايين درهم وثمانمائة وثلاثين درهما.
وكان عرض الطريق فيها أربعين ذراعا

( لسنا نعلم من أين وكيف توصل الشيخ محمد عبده إلى أن لفظ بغداد هو من أصل فارسي.
لعله يكون قد تأثر بالمستشرقين من أمثال كارل بروكمان وغيره
حيث قال بأن (باغ/ بستان) فارسية الأصل )



ولكن هل نسي جميع هؤلاء بأن الفرس ... بعد استيلائهم على بابل عام 539 ق. م
تبنوا آرامية أهل العراق لغة رسمية لدولتهم !!!
بحيث إنها سميت اشتهرت بآرامية المملكة؟
فضلا عن أن اسم بغداد موجود في موقعها
منذ عهد الملك البابلي الشهير حمورابي (القرن 18 ق،م) مثلما ذكرنا آنفا.
ومعروف أيضا أن اللغة الفارسية القديمة ... أي البهلوية
قد اقترضت ألفاظا كثيرة حقا من اللغة الآرامية

كما أن اوجين منا ............. في معجمه الشهير
( دليل الراغبين في لغة الآراميين )

يعتبر لفظة "باغ" آرامية أصيلة ....وهذا هو الرأي السديد.
إن المؤرخين والباحثين الذين كتبوا عن بغداد لم يحاولوا بجدية أن يحللوا لغويا معنى اسمها المركب بجزأيه ومن حاول منهم لم يوفق وذلك لقلة معرفة بأبنية اللغات الشامية وجذورها وأصولها.
أن من الواجب علينا هنا أن ندرس اسم بغداد لغويا ونحلله جذريا
لكي نتوصل إلى ما كان يقصد به أهل العراق القديم إن أمكن.
نحن نرى أن اسم بغداد:
(( المركب من كلمتين آراميتين ........ يتحمل على الأقل تحليلين اثنين
وتفسيرين من حيث البناء اللغوي والمعنى ))

(( التحليل الأول ))
نجزئ بغداد إلى بَ وهو اختزال لكلمة بيت
وهذا يرد كثيرا في الأسماء الآرامية القديمة لا سيما أسماء المواقع الجغرافية
من القرى والأرياف........
بحنو بعقوبا (بيت المتعقب)...... بعشيقا ( بيت المتكبر)

وبرطلي (بيت الأرطال)
ثم نجزئها الى جذاذ (= غداد) وهي كلمة آرامية سريانية معناها إما هو خيط أو غنم أو نسيج عنكبوت
وهكذا إذن يكون معنى اسم بغداد
(بيت الخيط) أو (بيت الغنم) أو (بيت نسيج العنكبوت)
وللقارئ أن يختار ما يراه له الأفضل بين هذه المعاني الثلاثة

(( التحليل الثاني ))

نجزئ بغداد إلى باغ:
وهي تعني في الآرامية السريانية (جنينة، بحر،بطيح، سهل)
ثم نجزئها الى داد:
وهذه أيضا كلمة آرامية سريانية، ومعناها (حبيب، عم، خال)
وهكذا هنا أيضا يكون معنى اسم بغداد ( جنينة الحبيب أو العم أو الخال) أو بستانهم
وان لفظة داد قد وردت في الاكدية بصيغة داد ...........
وفي العبرية بصيغة دود (بإمالة الواو)
وفي العامية العراقية بصيغة داد أيضا.
وهي لها في هذه اللغات جميعا المعنى ذاته ............


وربما هناك تحليل ثالث لاسم بغداد ....

يكون مرده الى جذور اللغة العربية
فالناطقون بالسريانية ...... في سائر لهجات السورن
ينطقون اسمها (بغدد) بفتح الباء قصيرة وفتح الدال الأولى قصيرة أيضا.
ولابد لنا من أن نذكر بأن السريان ينطقون حرف الجيم الساكن وغير المشدد غينا إذا كان مسبوقا بحرف متحرك، مثلما هو الحال هنا.
وفيه نجزئ (بغدد) الى بغ/ يج:
ومعنى هذين الفعلين عربيا هو على التوالي: بغ/ هاج، ويج/ وسع مشق العين
أما الجزء الباقي منها فهو (دد) ومعناه إما اللهو واللعب

( الخاتمة )


من خلال هذا البحث المختصر .... يمكن استخلاص العبر والنتائج التالية :



(( إن أبا جعفر المنصور شيد عاصمته الجديدة
على موقع قرية كانت تعرف باسم (بغداد) منذ أيام حمورابي (القرن 18 ق.م)
وسماها (مدينة السلام) تيمنا بالجنة .....
وكأنه كان قد فهم الجزء الأول من اسمها المركب في لغة أهل بابل القدماء
ألا وهي البستان أو الجنينة.
حيث إن لفظة باغ الآرامية تعني ذلك.
أما جزء اسمها الثاني (داد) فيعني الحبيب.
إذن معنى بغداد هو جنينة الحبيب وصديقه وبستانه .
هذا في رأينا هو المعنى الأساس والرئيس لاسم عاصمتنا الحبيبة بغداد ...
فضلا عن المعاني الأخرى التي عرضت قبل قليل.
وجميع هذه المعاني بجذورها اللغوية ذات أصالة وعراقة
تعود الى لغات أهل العراق ماضيا وحاضرا وإن شاء الله مستقبلا أيضا.
وهكذا فهي بعيدة تماما عن كل تأثير أجنبي وغريب لا يمت بصلة للغة العربية
وشقيقاتها الشامية ..... السامية. ))




(( مصادر البحث وهوامشه ))

1ـ البلاذري .... أحمد ( فتوح البلدان ) مجلد2 ص 361.

2ـ اليعقوبي أحمد .... كتاب البلدان (منشور مع كتاب الأعلاق النفسية لابن رسته) ص 235.

3ـ الهمداني ... الحسن ( بغداد مدينة السلام) ص 27و35.

4ـ الطبري .... ابن جرير( تاريخ الأمم والملوك) مجلد 3 ص 385
ابن الجوزي .... عبد الرحمن( مناقب بغداد ) ص 6 ـ 7.

5ـ الطبري.. ابن جرير ( تاريخ الأمم والملوك ) مجلد 8 ص 619
ابن الجوزي ... عبد الرحمن( مناقب بغداد) ص 7
و ( المنتظم في تاريخ الأمم ) ..... مجلد 8 ص 34
و ( عقد الجان ) مجلد 7 ص 186.

6ـ ابن رسته ... أبو علي ( الاعلاق النفسية ) ..... مجلد 7 ص 108.

7ـ الخطيب البغدادي ..... احمد بن علي ..... ( تاريخ بغداد) مجلد 1 ص 062
ولد سنة 1002م وتوفي سنة 1071م وله ( تاريخ بغداد )

8ـ العلي ... صالح أحمد ( بغداد ... تأسيسها ونموها) العراق القديم .... بغداد 1983 ص 375.

9ـ العلي .... صالح أحمد في المصدر السابق ص 376.

10ـ زعين .. حسن فاضل واخرون ( بغداد في التاريخ ) بغداد 1991 ص 30 ـ 31.

11ـ ويسلر .. جاك ( الحضارة العربية ) ص 137
و( انتقال علوم الإغريق الى العرب ) ص 199.

12ـ لسترانج ( بغداد في عهد الخلافة العباسية ) ص 17.

13 ـ مصطفى جواد ( دليل خارطة بغداد ) ص 18.

14ـ زعين ..... حسن فاضل المصدر السابق ص 31.

15ـ يوسف فوزي ( اللهجات الآرامية وانتشارها الجغرافي ) في مجلة المجمع العلمي
بغداد 1996 ص102.

16ـ الشيخ محمد عبده ... ( مقامات أبي الفضل بديع الزمان الهمزاني ) بيروت 1889، ص 55.

17ـ الشيخ محمد عبده .... المصدر السابق ص 6.

18ـ الشيخ محمد عبده ... المصدر السابق ص 6/ هامش1.

19ـ أوجين منا ( دليل الراغبين في لغة الآراميين ) ص 49؛ ROCKELMAVN - K

Lescicon Sysiacam - Hilaesheim 1966 -20ـ p- 57. يوسف فوزي
المصدر السابق .... ص 102.

21ـ أوجين منا المصدر السابق ص 91

22ـ أوجين منا المصدر السابق ص 49.
وفي ص 49.
وفي ص 521 نجد (عابا) أي غاب .. غيضة
أجمة ولعلها تكون في الأصل للغوي الثاني قلبا (قلب العين غينا)
وبالتقديم أو التأخير أصبحت (باغا)

23ـ أوجين منا ... المصدر السابق ص 138؛ 1440

24 ـ احمد بن فارس ( مقايس اللغة ) القاهرة 1979 مجلد 1، ص 173 لويس معلوف
( المنجد في اللغة ) ..... بيروت. 1960 ص 43.

25ـ احمد ابن فارس .... المصدر السابق، مجلد، ص 266.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: يبلغ لمن يهمه الأمر
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اندرو موشن: إلى من يهمه الأمر عادل صالح الزبيدي منبر الآداب العالمية. 2 09-14-2018 11:04 PM
*** إلى من يهمه الأمر .. عاجل وهام .. سحر الناجي المقهى 99 03-14-2011 11:48 AM

الساعة الآن 11:14 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.