قديم 04-30-2012, 11:31 PM
المشاركة 501
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
باب الساحة
نشرت الروائية سحر خليفة روايتها باب الساحة عام 1990 وأعادت طباعتها للمرة الثانية عام 1999م . في هذه الرواية المتوسطة الحجم ، أطلقت الروائية العنان لمخيلتها فخلقت مجموعة من النساء تتظافر العوامل فتجمعهن في بيت واحد ، وعلى اختلاف أولئك النسوة وتمايز كل واحدة في تفكيرها ومستواها الثقافي إلا أنهن ينجحن في إزالة سياج شائك مترس بالإسمنت بطريقة ذكية طالعتنا عليها الروائية .
تدور أحداث الرواية في منطقة ( باب الساحة ) في نابلس إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى وتتعرض بكل جرأة لما أصاب المجتمع الفلسطيني من عدم الثقة بالآخر إلى أن وصل الأمر حد إعدام إحدى نساء باب الساحة للاشتباه بتعاملها مع العدو وجفاء جميع سكان الساحة لابنتها " نزهة " ليس لشيء بل لاعتقادهم بالمثل :" طب الجرة على ثمها بتطلع البنت لإمها " ولا تتوانى نزهة في هذه الرواية عن إكالة الشتائم لفلسطين إلى حد أني خفت على كاتبتها من أشباه النقاد فيصبح مصيرها عند البعض مشبوهاً فتغدو كوليمة حيدر حيدر !!
تطالعنا الكاتبة في صفحة 211عمّا قد يقوله إنسان ما في لحظة ضعف وتخلي الجميع عنه ما جاء على لسان الشخصية الأكثر حضوراً وغموضاً في الرواية " نزهة " المشبوهة من قبل الجميع ...:
- اهدي يا نزهة مشان الله.
- - بلا الله ومحمد وعيسى وموسى والصليب الأحمر واليو إن . لا حدا شايف ولا حدا سامع ، من إيمتى العالم بيتذكر إنا أوادم ؟
- وهذا اللي متربع وقاعد فوق ، مش شايفتيه ؟ ناديه وحاكيه وقولي له ليش يا خواجة ما بتتذكر إلا الأنذال : إيش عملنا ؟ ليش بتطلع علينا بالورب ؟ عينه مفتوحة على البواريد وإحنا غلابا وما إلنا حد .
الحقيقة إن سحر خليفة في روايتها قد نجحت في رسم معالم المجتمع الفلسطيني إبان الانتفاضة الأولى متمثلاً بالضعف الإنساني ، والخوف من كلام الناس ، وسطوة الأب ، والذكورية المفرطة لهذا المجتمع .
فلنغلق هذا الباب وننتقل إلى الباب الآخر .

قديم 05-01-2012, 09:57 PM
المشاركة 502
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
سحر خليفة
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

سحر خليفة واحدة من أهم الروائيين الفلسطينيين. ولدت في نابلس عام 1941. تزوجت في سن مبكرة زواجا تقليديا؛ وبعد مرور ثلاثة عشر عاما من الإحباط وخيبة الأمل، قررت أن تتحرر من هذا الزواج وتكرس حياتها للكتابة. وقد عادت لتواصل دراستها الجامعية، وحصلت على شهادة الدكتوراة من جامعة أيوا(University of Iowa) في دراسات المرأة والأدب الأمريكي. تعمل الآن مديرة لمركز شؤون المرأة والأسرة في نابلس.
رواياتها

كتبت حتى الآن عشر روايات. روايتها الأولى "لم نعد جواري لكم" (1974) أحدثت صدى كبيرا بسبب دفاعها عن حرية المرأة، غير أن سحر لم تلحظ بالاعتراف الأدبي إلا بعد صدور روايتها الثانية "الصبار" (1976). ترجمت معظم رواياتها إلى العبرية والفرنسية والألمانية والهولندية والإنجليزية والإيطالية والإسبانية والماليزية واليونانية والنرويجية والروسية.
نالت العديد من الجوائز العربية والعالمية أهمها: جائزة ألبرتو مورافيا للأدب المترجم للإيطالية، جائزة سيرفانتس للأدب المترجم للإسبانية، جائزة نجيب محفوظ عن روايتها صورة وأيقونة وعهد قديم، وجائزة سيمون دي بوفوار التي رفضتها لأسباب وطنية عام 2009.
أصدرت أيضا:
  1. (لم نعد جواري لك)م (1974)
  2. (الصبار) (1976)
  3. (عباد الشمس) (1980)
  4. (مذكرات امرأة غير واقعية) (1986)
  5. (باب الساحة) (1990)لاتلبالبا
  6. (الميراث) (2002)
  7. (صورة وأيقونة وعهد قديم) (2002)
  8. (ربيع حار) (2004)
  9. (أصلٌ وفصل) (2009)
  10. (حبي الأول) (2010)
في عملها الروائي تعبر سحر خليفة عن إيمانها العميق بأن وعي المرأة النسوي هو جزء لا يتجزأ من وعيها السياسي، وهي ترينا في رواياتها، وبأسلوب فني مقنع، أن نضال المرأة الفلسطينية والمحن التي تمر بها هي جزء من النضال السياسي الفلسطيني العام من أجل التحرير. أسلوبها الروائي حساس ومقتصد وشفاف؛ ورغم أنها تكتب بالعربية الفصيحة، فإن لها قدرة عجيبة على استعارة العامية الفلسطينية وتعبيراتها الدارجة عندما يقتضي حال الحوار في الرواية.
عملها

تتمتع الروائية والكاتبة والباحثة والناشطة النسوية سحر عدنان خليفة بحضور عربي وعالمي. ولدت في نابلس ودرست في مدرسة الخنساء ومدرسة خاصة في القدس، ومدرسة الراهبات الوردية في عمّان. وحصلت على بكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة بير زيت التي عملت فيها مديرة للأنشطة الثقافية لثلاثة أعوام ومديرة لدائرة العلاقات العامة من 76 - 1978 ورئيسة تحرير والمحررة المسؤولية عن مجلة "غدير" التي تصدرها الجامعة من 74 - 1977. مؤسسة ومديرة مدرسة الحنان النموذجية في نابلس 66 - 1969. مترجمة في سفارة نيجيريا في طرابلس - ليبيا 72-1973.
مترجمة في شركة شمال أفريقيا للتأمين في طرابلس - ليبيا 1970-1972.
حصلت على درجة الماجستير في جامعة (شبل هل) في ولاية (نورث كارولينا) في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1983. وحصلت على درجة الدكتوراه في الدراسات النسوية جامعة (ايوا-ايواسيتي) في الولايات المتحدة الأمريكية، ودراسات نسوية لمدة ثلاثة أعوام. أسست في عام 1988 مركز شؤون المرأة والاسرة بنابلس وما زالت تتولى إدارته، كما تتولى المنشورات التي يصدرها المركز. ومنذ العام 1997 تتولى تنفيذ إنتاج برنامج التثقيف التلفزيوني للمركز وأسست وأدارت مركز شؤون المرأة في غزة 1991-1994. نشرت أول رواياتها (لم نعد جواري لكم) عام 1974 عن دار المعارف في القاهرة والآداب - بيروت وحولت إلى مسلسل إذاعي في (الشرق الأوسط) القاهرة. والى مسلسل تلفزيوني في القاهرة عام 1982. وصدرت روايتها الثانية (الصبار) عام 1976 عن أربع دور نشر في القدس ودمشق وبيروت. وترجمت إلى اللغات الفرنسية والألمانية والإنجليزية والهولندية والإندونسية والإسبانية والإيطالية والعبرية. وصدرت روايتها الثالثة (عباد الشمس) عام 1980 عن أربع دور نشر في القدس ودمشق وبيروت. وترجمت إلى اللغات الفرنسية والالمانية والهولندية والإيطالية والإسبانية والعبرية. وصدرت روايتها الرابعة (مذكرات امرأة غير واقعية) عام 1986 عن دار الاداب- بيروت وترجمت إلى اللغات الألمانية والهولندية والإيطالية والإسبانية. وصدرت روايتها الخامسة (باب الساحة) عن دار الاداب – بيروت وترجمت إلى اللغات الألمانية والهولندية والإيطالية والإسبانية وصدرت رواياتها السادسة (الميراث) عام 1996 عن دار الآداب - بيروت وترجمت إلى اللغتين الفرنسية والالمانية. القت محاضرات في عدة دول أوروبية وعدد من الولايات الأمريكية

قديم 05-01-2012, 09:59 PM
المشاركة 503
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مذكرات إمرأة غير واقعية
رواية سحر خليفة التي تجاهلها النقّاد!؟

د. نـبـيـه القــاسم


نجحت سحر خليفة منذ روايتها الأولى "لم نعد جواري لكم" الصادرة عام 1974 أن تشدّ إليها اهتمام القراء والنقّاد وأن تُرسّخ وجودها على الساحة الأدبية. وبصدور روايتيها الصبار(1976) وعبّاد الشمس (1980) وتصويرها لوضع ومعاناة الانسان الفلسطيني تحت نير الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ حزيران 1967 فرضت سحر على نفسها التزام هموم شعبها وتصوير حياته اليومية وما فيها من تعقدات وتشابكات خاصة بكل ما يتعلق بوضع المرأة وعلاقتها بالرجل، وبالمقابل في مرافقة نضال الناس في مواجهتهم لاحتلال الأرض وظلم الانسان. حتى باتت سحر تُؤطّر بين ثنائيتين هما : المرأة في مواجهة الرجل. والانسان الفلسطيني في مواجهة جندي الاحتلال. هاتان الثنائيتان المترافقتان والمتلازمتان في معظم رواياتها حتى أصبح من الصعب الفصل ما بين النضال ضدّ المحتل الغريب والنضال ضدّ ظلم الرجل والمجتمع للمرأة، والاقتناع أنّ تحرّر الوطن من رَبَقة الاحتلال لا يكون كاملا وناجحا إذا لم يُرافقه تحرّر المرأة من قيود المجتمع والرجل.

لقد عايَشت سحر خليفة الناسَ وعانت ما عانوا وآمنت لفترة من الزمن أن ظروف الاحتلال والمقاومة قد تصقل المجتمع الفلسطيني وتأتي بشعب جديد عركته النضالات ووحدته الأهداف ومحت الفوارق بين فئاته ووضعت المرأة في مكانة واحدة مع الرجل لأنها كانت مرافقته وساعده الايمن، وفي كثير من الحالات المتقدّمة عليه ورأس الحربة في مواجهة المحتل، هكذا آمنت سحر ورسمت في روايتيها "الصبار و عبّاد الشمس" وهذا ما عملت على تحقيقه وفَرضه في حياتها اليومية والجامعية حيث نشطت في مختلف المجالات وكانت صاحبة الصوت القويّ والحضور الملموس
لكنّ خيبة أمل سحر خليفة كانت كبيرة وهي ترى أنّ سنوات الاحتلال العجاف التي زادت على العقد والنصف لم تُحقّق الذي أمِلته، وظلّ المجتمعُ الفلسطيني بكل موراثاته القديمة هو الضاغط، والرجل الذي أمِلت، من خلال مرافقتها له في الحياة النضالية والمَعيشية اليومية، أن يكون قد تغيّر وتبدّل وتفهمّ لأهمية دورها، ظلّ هو الرجل الذي لم تُغيّره الشهادات التي يُعلّقها على الحائط ولا ما تفرضه عليه ظروف الاحتلال وما فيها من إهانة وإذلال واحتقار وإلغاء لعنجهيتة الجوفاء. وزاد من حزن وثورة سحر ما ألمّ بالفلسطيني، وبالتحديد بالمرأة الفلسطينية في لبنان وما وصلها من أخبار المجازر التي تجاوزت كلّ حدود اللامعقول والخيال في مخيّمي صبرا وشاتيلا.
هذه الخيبات المتتالية كانت ثمرتها رواية سحر خليفة الجديدة "مذكرات امرأة غير واقعية" التي صدرت عن دار الآداب في بيروت عام 1986
تروي في هذه الرواية قصة فتاة باسم عفاف ولدت زمن الحكم الأردني في مدينة من مدن الضفة لأسرة ميسورة الحال، والدها يعمل مفتشا مما أكسبه وأهلَ بيته مكانة وهيبة بين الناس. ما أزعج عفاف منذ صغرها هذا الانحياز الكلي للولد الذكر على حساب البنت، فكل ما يعمله مغفور ومقبول، بينما البنت مرفوضة ومقيدة ولا حقوق لها. وهذا ما دفع عفاف لمحاولة إلغاء هويتها بالتظاهر والتصرّف كالولد الذكر مما أثار عليها انتقادات الأهل وجعلها ترفض وتتحدّى وتثور. وأخذت تصادق زميلاتها من الأسر الفقيرة وتلعب مع أولاد في سنها رغم تحذيرات أمها ومنعها من ذلك. تكبر عفاف وهي تعمل على كسر تابو الذكر، فارضة وجودها ومثيرة انتباه الكلّ، غير آبهة بالانتقادات والتحذيرات والأوامر. في المدرسة، بعد الاحتلال الاسرائيلي للضفة، تُصادق زميلة باسم نوال منظمَة حزبيا ومناضلة في الحزب الشيوعي، تقوم بتوزيع المناشير الداعية للفكر الاشتراكي والرافضة للاحتلال. لكنها تظل في نقاش حادّ مع نوال حول مَن يأتي في المرتبة الأولى من الأهمية: العمل على تحرّر المرأة من ظلم الرجل والمجتمع كما ترى عفاف، أو العمل على تحرير الوطن من المحتل أوّلا كما ترى نوال.!؟ وتفشل الواحدة في اقناع الثانية ويظلّ السجال بينهما.
ويحدث أن يضبط والدها في دفترها ورقة كتبها لها فتى تعرفه يُصارحها بحبّه لها، فتثور ثائرة الأب والعائلة وتُزوّج عفاف من تاجر موسر يعمل في إحدى الدول الخليجية ، وهناك تعيش في بيت وحيدة طوال ساعات اليوم لا تكلم أو تُجالس أحدا، تضيق بزوجها الذي أرغمت على الزواج منه وفَشل في كسب ودّها، وكرهت أن تلدَ له ولدا فعملت على اسقاط الحَمل مما تسبّب بمضاعفات خطيرة أدّت إلى استئصال الرحم وعقمها وجعل حياتها خاوية لا أمل لها فيها، فزوجها، انتقاما منها، لا يقبل طلبها بالطلاق، ويهملها ويعيش حياة ليلية صاخبة حيث يعود إليها ساعات الليل المتأخرة ليزيد عذابها باهانتها وضرب قطتها المؤنسة الوحيدة لها في غربتها، وتفشل عفاف في كل محاولاتها حتى نجحت أخيرا في إقناعه بالسماح لها بزيارة الأهل في الوطن ولكنه يتركها تعود وحيدة بينما هو يختار الدول الأوروبية ليسافر إليها . في عمان تلتقي عفاف صديقة صباها نوال التي تعمل الآن في مصرف، وتكشف لها نوال عن زيف صديقها الثوري الذي أحبته وبادلته الحب والأحلام والعمل النضالي، لكنه رفض الزواج منها مفضلا ابنة عمه عليها. وكذلك تلتقي عفاف بفتى أحلامها الذي كتب لها كلمات الحب وسبّب في زواجها وحياتها التعيسة، واكتشفت أنه لا يختلف عن أي رجل فهو يريدها عشيقة له بينما يصرّ على الابقاء على زوجته والحفاظ على أولاده وبيته مما صدمها وجعلها تبتعد عنه وتتركه وتتابع سفرها إلى أهلها في الضفة الغربية. وتُصدَم مما ترى وتجد، البيت البارد الخالي من أهله إلاّ الأم الوحيدة التي تعاني من الإهمال والوحدة بعد موت الزوج، والإخوة المشغول كل منهم بمشاغله وهمومه الخاصة، جلسات النساء المملة والنابشة في اعراض الغير، وجو الخمول والاستسلام والعجز الذي يعيشه الناس في ظل الاحتلال مما دفع بالعديد للقبول بالواقع المرّ أو الهجرة وترك الوطن.
كل شيء صدمها في الوطن، المدينة ليست المدينة، وبيت الأهل ليس الذي عرفته، غريبة هي في بيتها ووسط ناسها، ليس لها وجود، حتى صورة العائلة المعلّقة على الحائط لا وجود لها فيها. حياة الناس هي هي، لم يتغيّر شيء، نفس الكلام. نفس الأفكار، ولا يبقى أمامها إلاّ أن تتخذ القرار الصعب، ولكنه الوحيد، بالعودة إلى زوجها والاستسلام للحياة التي فُرضَت عليها.
تبدو القصّة للقارىء عاديّة في موضوعها لا تختلف عن روايات عديدة قرأها، لكن القارىء نفسه قد يستغرب ويتساءل عندما يعرف أنّ الكاتبة فلسطينية والرواية تحكي قصة أسرة فلسطينية وتعكس واقع وفكر مجتمع فلسطيني يرزح تحت نير الاحتلال ولا يزال. والأكثر إثارة للتساؤل أنّ القارىء لم يلمس أثر الاحتلال القوي على سير الأحداث وحركات الشخصيات وواقع الحياة اليومي!!
لعلّ الكاتبة سحر خليفة قصدت ذلك، وأرادت أن ترفع صرختها عاليا لتُنبّه الجميع إلى ما آل إليه الوضع في الأراضي المحتلة، وكيف أن احتلالا كهذا الواقع ، والسنوات الطويلة التي انقضت لم تفعل فعلها وتعمل على تغيير بنية ومفاهيم وأفكار أبناء هذا المجتمع. لعلّ سحر أرادت أن تقول: إنّ مجتمعا يحتقر المرأة ويستهين بها ويهمشها لن يكون مجتمعا قادرا على نيل حريته واستقلاله.
ولعلّ النقّاد من جهتهم تبنوا الموقف الثاني وهو أن تحرير الوطن هو الأهم وكلّ القضايا الأخرى يمكن تاجيلها وحلّها فيما بعد، وهذا ما دفعهم إلى عدم الاهتمام بالرواية وتناولها بالتحليل والنقد، خاصّة وأن الانتفاضة انفجرت في الأراضي الفلسطينية بعد أشهر من صدور الرواية عام 1987، وجاءت بعد سنوات الركود والقهر والحزن وشبه الاستسلام للواقع مفاجئة للجميع، فشدّت إليها الاهتمام وألهبت حماس الجماهير في كل الوطن العربي ولفتت انتباه العالم.
لقد نقلت الكاتبة صورة قاسية لهذا المجتمع الفلسطيني لا تختلف، كما أعتقد، عن واقع المجتمعات العربية الأخرى! مجتمع يحتقرُ فيه الغنيّ الفقير، ويخضع فيه الضعيفُ للقوي ويتذلل له وينافقه. فأم عفاف تكاد تُجن عندما علمت أنّ ابنتها تلعب مع فتيات من الطبقة الفقيرة، وحاولت ردعها عن ذلك. ووالد عفاف يتهادى متفاخرا بمركزه بين الناس البسطاء المبهورين ، ولكنه يتصاغر أمام المفتش الأعلى منه درجة في العمل. مجتمع تُحتَقر فيه البنت من يوم مولدها بينما يُحتفى بالمولود الذكر، ويتعطرون ببوله وتُغتفَر له ذنوبه مهما كبرت طوال سنوات عمره، بينما البنت تُراقَب وتُدان وتُعاقب وتُقيّد وقد تُقتَل لمجرّد أن زلّت بها القدم أو رفض مجتمعها الذكوري تصرّفها.
لقد أرادت سحر خليفة من خلال شخصية عفاف أن ترفع صوت الفتاة المتمردة المطالبة بحقها في الحياة والحرية، الفتاة التي ترفض هيمنة الذكر الأب أو الأخ أو العم أو حتى الفارض هيمنته من خلال استغلال موقع الأم وتأثيرها. لقد أرادت سحر أن تؤكد على حريّة الفتاة في تصرفاتها وجسدها وأفكارها وطريقة عيشها ومن خلال شخصية نوال المناضلة الشيوعية، أحقيّة البنت وجدارتها في دورها النضالي المقاوم. أما تلك النماذج من النسوة المتمثلات في الأخوات والجيران الراضيات بواقعهن والمستسلمات لقدرهن والمنزويات في بيوتهنّ، الغافرات للرجل كلّ ذنوبه، فهنّ النموذج للمرأة المنسحقة في المجتمع العربي الذكوري، النموذج الذي يُريد الرجل الإبقاء عليه وتكريسه. ومثل هذا النموذج النسائي هو الذي ترفضه الكاتبة وتريد توعيته وتثويره وتفعيله ودَفعه للمواجهة والوقوف في وجه الرجل ليأخذَ حقوقه ودورَه في صنع الحاضر والبناء للمستقبل. والمجتمع الفلسطيني لم يعدم مثل تلك الفتيات المناضلات أمثال تلك الفتاة التي شاركت الرجال في القتال والمقاومة (ص137) والمرأة التي رفضت كلام الناس وتزوجت بعد مقتل زوجها المقاوم حفاظا على مستقبلها ومستقبل ابنتها (ص142-143).
وتصوّر سحر خيبتها من إمكانية تحقيق التغيير السريع في مجتمعها وفي الرجل بشكل خاص بانكسار كل من نوال وعفاف. نوال التي خُدعَت بالرجل الثوري، رفيقها في الحزب وزميلها في النضال، واكتشفت بعد أن أسلمته قلبَها وجسدَها أنّه لا يختلف عن باقي رجال مجتمعه(ص 117). وعفاف التي قضت السنوات تتوق للقاء فتاها الوحيد الذي تصوّرته مغايرا فاكتشفت أنّه ككل رجال مجتمعه أنانيّ محبّ لنفسه يحتقر المرأة ويراها أداة لهو وإناء تفريغ لأحزانه وهمومه وشبقه، ويقتصر دورها، في رأيه، على توفير الجنس للرجل وتربية الأولاد وتدبير البيت، "فالرجل العربي مهما تعلّم يظلّ يحتفظ بنفس الصورة، المرأة فريسة وهو الصيّاد"(ص 135).
وسحر نفسها بوصفها لبطلة روايتها "امرأة غير واقعيّة" قد توقع القارئ في وَهْم استسلامها للواقع، والاعتقاد بأنّ تصرّفات عفاف وأفكارها هي المرفوضة بينما كان الآخرون على حقّ. بينما ما تُريد الكاتبة أن تقوله ويتبنّاه القارئ، هو أن عفاف بالفعل لم تكن امرأة واقعية في مثل هذا المجتمع الذي لا يزال يعيش في مفاهيم ومعتقدات كانت مقبولة قبل مائة عام وأكثر، لكنها اليوم وفي الربع الأخير من القرن العشرين، وقد تطوّر العالم وتغيّرت المفاهيم والأفكار والحياة، وانفتح الكلّ على الكلّ، كيف ترضى بواقع مجتمعها واستكانة أبناء شعبها واستمرارية تحكّم المفاهيم والمعتقدات التي كبّلت المرأة وهمّشتها وأخرجتها من دائرة التأثير والعمل، وحتى كبلت الرجل وسحقت شخصيته وجعلت منه مخلوقا مستعبَدا لا يثق بقدراته وينتظر رحمة السماء لعلّ وعسى!؟ مجتمع كهذا يرزح أهله تحت نير احتلال غريب يُصبح هو غير الواقعي وغير المعقول، يجب التمرّد عليه والثورة ضدّه، وهذا ما فعلته عفاف بطلة رواية سحر خليفة الواقعية جدّا.
لقد اختارت سحر خليفة أن تكتب روايتها على شكل مذكرات ترويها عفاف بطلة الرواية. والسرد بضمير المتكلم المفرد وَفّر لبطلة روايتها القدرة على اختيار المواقف والأحداث التي تُريد التركيز عليها والوقوف عندها، وجعل صوت عفاف، بطلة الرواية، هو الصوت الوحيد المقدّم للقارئ يحمل وجهة النظر الوحيدة، وإذا ما قُدّمت وجهات نظر أحد أفراد أسرتها أو صديقتها نوال فترتد إلى داخل ذاتها مستحضرة الماضي عبر شريط تستعرضه لحوار لها مع ذلك الشخص. لكن هذا السرد بضمير الأنا أعطى للقص دفئا خاصا وقرّب عفاف من المتلقي ليتعاطف معها ويتفهم أناها المعذبة ويؤيدها في رغبتها الانعتاق من الظلم وإثبات وجودها كأنثى لها مكانتها.
كون عفاف، بطلة الرواية، هي الساردة الوحيدة للأحداث جعلها تعتمد تيّار الوعي حيث تتنقل عبر الأزمنة، تخلط ما بين الحاضر والماضي والمستقبل، وإن كان الزمن الماضي هو المستأثر بالقسط الكبير، لأن ما تسرده هو مذكرات لأحداث جرت تستعيدها من الذاكرة، حتى غدت حياتها الحاضرة مقتصرة على ما كان في الماضي لدرجة أنها تعترف قائلة: "أحسست أني قطعة من ذاك الماضي، وأنّ الماضي ما زال حولي وأني ما زلت بانتظاره كي يمرّ في إحدى الطرقات ويراني أمامه".(ص28) فعفاف لا تحلم بمستقبل أجمل تعمل للوصول إليه بل نراها تحلم بالماضي وبعودته حيث فيه تجد حبيبها وسعادتها وكيانها. وإذ يتحقق لها ذلك بلقاء صديقتها نوال وحبيبها الولد الأهبل وأمها وأهل بيتها والجيران، تُصدَم ويتعرّى زيف هذا الماضي الجميل الذي تَوهمته، فترتدّ إلى نفسها وتختار حاضرَها مع كل قسوته مفضلة إيّاه على الوهم الكبير الذي عاشته كل السنوات الماضية في الغربة.
وكما طغى الزمن الماضي على فكر وحياة عفاف هكذا كان للأمكنة القائمة في الوطن سطوتها على عفاف في بلاد الغربة حيث كانت تستعيدها بكل عواطفها وحبها وشوقها، رافضة مكانها الذي تقيم فيه حيث الصحراء والوحدة والجو الخانق فَ "ربيع بلدي شيء آخر"(ص 73). صحيح أنّ علاقة عفاف مع الأمكنة بدت سطحية مجرد ذكر اسمها أو وصف خارجي عابر ، فلا نجد هذا الاحتضان للمكان والتماهي معه والوقوف على تفاصيل جزئياته ووصفها، حتى البيت الذي أقامت فيه وحيدة في الغربة وكانت تقضي فيه ساعات اليوم بطولها لم تهتم أن تصفه واكتفت بذكر الغسالة وحبل الغسيل والصحون والخزانة بكلمات عابرة. هكذا كانت علاقتها بمدينة عمان التي تتمثلها بسجن الفقراء، ومدينة القدس التي تنحصر رؤيتها لها في كونها مدينة سياحية مفتوحة لجنسيات مختلفة وأديان مختلفة. حتى البيت الذي ولدت وكبرت فيه لم تتوقف عند جزئياته واكتفت بذكر ما شدّ انتباهها ورغباتها مثل البركة والأوراق التي كانت تسقط فيها من شجرة الخشخاش.
لقد تألّقت سحر خليفة في روايتها هذه باستعمال مختلف أساليب السرد والحوار، والمرونة باستخدام اللغة ما بين الفصحى والعاميّة، وحافظت على عفويتها في اختيار الكلمات والعبارات، وتميّزت كعادتها بجملها القصيرة وكلماتها القليلة الحادّة في دلالتها وإيقاعها. كما اعتمدت أسلوب الوعي خاصة في مشاهد حياتها مع زوجها وعلاقاتها مع عنبر قطتها في الغربة.
صحيح أنّ النقّاد تجاهلوا رواية سحر خليفة هذه، وقد تكون لهم أسبابهم التي حاولنا توضيح بعضها، إلاّ أنّ الصحيح أيضا أن رواية سحر هذه "مذكرات امرأة غير واقعية" تشكّل علامة بارزة ليس في إبداع الكاتبة فقط، وإنّما في الإبداع الروائي العربي حتى منتصف سنوات الثمانينات من القرن العشرين.

قديم 05-01-2012, 10:23 PM
المشاركة 504
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
سحر خليفة والارتداد إلى الذّات الجميلة



د. نبيه القاسم


أصعب ما يُواجه الكاتب، خاصة المبدع، حالة التأطير التي يقيّده بها النقّاد والقراء، حتى يغدو، دون أن يُدرك، حبيس هذه الدائرة التي قيّدوه بها وصاحب تلك الصورة التي فصّلوها له، ومهما حاول وجاهد وتمرّد وثار يظلّ حبيسَ الدائرة وصاحب الصورة.
هكذا حال كاتبتنا سحر خليفة، فقد كاد النقاد يجمعون على تأطيرها ضمن ثنائيتين هما: ثنائية الرجل والمرأة، حيث تظهر المرأة بأنها الضحية المضطهدة الفاقدة لكل حقوقها في مقابل الرجل السيّد الذي يفرض هيمنته وسطوته، وتحرّرها وتحرّر الرجل من ظلمه لها يؤّدي إلى تطوّر المجتمع، ومن ثم تحرّر واستقلال الوطن. وثنائية الاحتلال والمقاومة، الانسان الفلسطيني في مواجهة جندي الاحتلال الاسرائيلي.
وإذا كان النقاد، وحتى القراء، قد صَدَقوا في هذا التأطير لسَحر خليفة، لأن هذا ما يستخلصه كلّ مَن يقرأ رواياتها: الصّبار، عبّاد الشمس، باب الساحة، مذكرات امرأة غير واقعية، الميراث. إلاّ أنّهم، وأقصد النقاد والقرّاء، سرعان ما يقَعون أسرى أنفسهم بهذا التأطير لسحر في روايتها "صورة وأيقونة وعهد قديم" التي صدرت عن دار الآداب في بيروت عام 2002.
تعود سحر خليفة في روايتها هذه، في غَفلة الآخرين، إلى زمن بعيد وأيام خوال وعهد قديم لا يزال يتفاعل في داخلها، يَدفعها إليه بَعد هذه السنين من الجَفاء والهجر والقَطيعة، زمن كانت فيه تنطلق من ذاتها لذاتها، فتسمو وتشفّ وتُحلّق وتضيع من ذاتها في ذاتها، وعندما تعود للواقع تجده كما تركته بكلّ قاذوراته، فلا تغضب، وتُتابع، بكل الصدق الجارح، خطواتها بثقة وأمل نحو الأمام كما عهدها الآخرون.
في رواية "صورة وأيقونة وعهد قديم" لا تكون الانتفاضة محور الأحداث رغم أنّ الرواية كُتبَت وصدرت في خضمّ أحداثها. ولا تكون المرأة ومعاناتها من ظلم الرجل ما يُشغل الشخصيات ويُحرّك الأحداث. بل تَحكي الرواية قصة حبّ جنوني، وعلاقات انسانيّة وارتباطات هي أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، ليس في الزمن الفلسطيني المعيش، وإنّما في كلّ زمن من أزمنتنا الحاضرة.
أعادتني سحر بروايتها هذه سنوات إلى الوراء، إلى روايتها الأولى "لم نعد جواري لكم" التي صدرت عن دار المعارف بمصر ضمن سلسلة إقرأ عام 1974 التي تناولتُها في دراسة طويلة نشرتُها في مجلة "الجديد" وكانت سبب تعرّفي على سحر ولقائي بها بعد هزيمة الجيوش العربية واحتلال الضفة وباقي الأراضي العربية في حزيران 1967.
تحكي سحر خليفة في "لم نعد جواري لكم" قصة حب عنيفة بين شابة جميلة مثقفة في أوّل تفتّحها ورسّام ثوري عصفت بهما الأحداث حيث اعتقل وحكم عليه بالسجن لسنوات طويلة. فتقطّعت العلاقة وتباعد الحبيبان. هي تزوّجت رجلا غنيّا مات بعد سنوات قليلة، تُدير مكتبة هي صاحبتها في مدينة رام الله، وهو خرج من السجن وغادر الوطن ليعود بعد سنوات فنّانا مشهورا ليُقيمَ معارض لرسوماته في الوطن. ويلتقيان من جديد، ولكن بشخصيّتين متباعدتين. يستذكران الماضي، كلّ يُلقي اللوم على الآخر ولا يسامح، فيفترقان من جديد وقد تأكّدا من عدم إمكانيّة التلاقي والحياة معاً.
وكما أنّ وقائع قصة "لم نعد جواري لكم" حدثت قبل حزيران 1967، أيام الحكم الأردني، هكذا أيضاً فالقسم الأول من أحداث قصة "صورة وأيقونة وعهد قديم" وقعت في الفترة الأردنية بينما باقي الأحداث كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي للضفة.
أحداث قصّة سحر تمتدّ على مَدى ثلاثين عاما، من منتصف الستينات حتى أواخر تسعينيات القرن العشرين. وفضاؤها مدينة القدس وقرية من قراها القريبة من رام الله. إبراهيم شاب مسلم من مدينة القدس يحلم أن يُصبح كاتبَ قصة معروفا، كان ضحيّة والده الذي ترك البيت ليتزوّج من امرأة تنجب له الأبناء الذكور، وخاله الذي أراد أن يُزوّجه من ابنته. فهرب ليعمل مُدرّسا في إحدى قرى المنطقة، لكنه سرعان ما وقع في حبّ فتاة مسيحيّة باسم مريم، مثقّفة تُجيد أربع لغات تُحبّ الأدبَ وتقرأ لفرانسوا ساغان، مَلكَت عليه حياته بما تمتّعَت من جمال وجاذبيّة وسحر وصَمْت يُخفي الكثيرَ من الأسرار. فطاردها ثمّ طاردته وسافرا معا إلى القدس فتكشّفَت له عن فتاة أخرى دائمة الحركة والحيويّة، تُحبّ الحياةَ واللهوَ والرقصَ، كانت قد عاشت، كما روت له، قصةَ حبّ غريبة مع كاهن في البرازيل حيث عاشت مع أفراد أسرتها، ممّا دفَع باخوتها لإعادتها إلى الوطن مَنعا لسقوطها الكامل. وفي رحلة ثانية لهما إلى القدس يقضيان ساعات جميلة بين معالم القدس وكنائسها، ثمّ تأخذه إلى دير للأرمن وينامان معا في هوستل الدير.
وتنتشر قصة حبّهما في القرية ويستنكرها الجميع. لكنّ ظهور الحَمل عقّدَ القضيّة واستَدعى حضور اخوتها من البرازيل لمسح العار، فيهرب إبراهيم مُتخفّيا إلى القدس بينما تلتجىء مريم إلى الدير فيحميها. وتنقطع العَلاقةُ بين إبراهيم ومريم باحتلال الجيش الإسرائيلي للضفة الغربية ورحيل إبراهيم.
ويعود إبراهيم بعد ثلاثين سنة إلى القدس رجلا غنيّا، لكنه لا يعرف السعادة ليبدأ عملية بحث شاقّة عن مريم، وعن ابنه أو ابنته، ثمَرَة تلك الليلة البَعيدة. وينجح بمساعدة راهب القرية التي تعرّف فيها على مريم، في الوصول إلى ابنه ميشيل الرّاهب العاكف على مداواة الناس ومُساعدتهم، لكنّ الابن يتنكّر له ويرفضه. ويتعرّف إبراهيم على عجوز باسم جميلة، مسؤولة عن بيع بيت مريم في القرية، تكشف له أنّها التي حضنت مريم ورعت ابنها ميشيل وتبنّته بعد أن تركته أمه واختارت الدير سكنا لها. ويصل إلى مكان مريم بعد مشقّة طويلة وتنقّل ما بين القرية والقدس والناصرة حيث وجدَها أخيرا في دير نوتردام في القدس، وقابلها واعتقد أنّه سيحرّك مشاعرها ويُعيدها إليه، فحدّثها عن ابنهما ميشيل الذي قابله ورغبته في أن يعيشا وإبراهيم معا. وخلال حديثه كانت مريم تكتفي بالابتسام وتَرديد كلمات: "هل عُدتَ يا ابراهيم؟ يا ابراهيم!. وقدّم لها صورتَها التي عثر عليها, فقالت: صورة قديمة وما حاجتي الآن إلى صورة".(ص227) ولم تنفعل ولم تتجاوب، وظلّت تبتسم بصمت وسخرية قاتلة رافضة الاستماع إليه ممّا دفعه لتركها والخروج إلى الشارع حزينا مُحطّما. وتكون النهاية بوقوعه وسط معركة غير متكافئة في ساحة المسجد الأقصى بين جند الاحتلال الاسرائيلي والمصلين، ولم يُنقذه من الموت الأكيد غير ظهور جميلة، وأخذها له إلى بيتها.
تبدو سحر خليفة في روايتها هذه مُرتاحة هادئة مُنسابة مُتصالحة مع ذاتها، تعيش الجوّ الذي تُريد، تترك مَشاغل الحياة الصاخبة لتُحلّقَ في قصة غرائبيّة نَسجها خيالُها الراكض نحو عوالم أخرى لا يعرف سكانها غير حياة الحبّ وفقط الحبُ. قصة تظهر فيها قوّة المرأة وقدرتها على التّعايش أينما كانت، وخَلق الجوّ الذي تُريد وإقامة العلاقات التي ترغب، غيَر آبهة بما يتعارف عليه الناس من عادات وتقاليد ومجتمع. امرأة متفتّحة على الحياة، تَعيشها بكلّ رغباتها المتوثّبة لا يردعها ثوبُ الكهنوت للحبيب المعشوق، ولا حاجز الدين للذي اعتقدته البديل. امرأة قد تُضحي في سبيل الوصول إلى مَن تُحبّ بكل غال، ولكنّها تحتقر هذا الرجل وتنفر منه إذا ما تكشّفَت لها أنانيّته وبان جُبنه وآثَر سَلامةَ نفسه وقتَ المحنة.
هكذا احتقرت مريم ابراهيم عندما تركها صباح تلك الليلة التي قضياها في هوستل الدير في القدس وذهب، دون أن يخبرها، ليُحضر الدولارات من والده وراودته مشاعر المذنب والرغبة في التكفير والدّخول إلى المسجد الأقصى ليصلي. فتركته وعادت وحيدة لبيتها وقد قرّرت، وصارحته بأنها ستعتبره صديقا ليس إلاّ. وبعدما تركها وآثر الهرب بعد احتلال الضفة عام 1967 قرّرت التنازل عنه نهائيّا وحتى عن ابنها الذي يُذكّرها به، واختارت أن تعيش حياتها وتُنهيها كما أرادت راهبة مُتعبّدة في الدير.
الحبّ كان محوَر رواية سحر خليفة، والرغبة في التمتّع بكل لحظة تُتاح كانت ما يُشغل مريم، وجُبنُ ابراهيم وعدم قدرته على استيعاب مثل هذا الحبّ كان المُثيرَ والمُغضبَ لمريم ومن ثمّ لابنها ميشيل الراهب الذي احتقر والدَه ابراهيم وصارحَه بكلّ القسوة قائلا: "ماذاتريد؟ تريد أمي؟ هي لا تُريدك. تريد رجوعي؟ أنا لن أرجع. تُريد مني أن أرضى بك؟ أنا لن أرضى. فدعني وشأني".(ص246).
تؤكد سحر خليفة في روايتها هذه قدرتَها على الخروج من عالم الواقع غير البادية بوادرُ التغيير فيه، عالم الظلم والقهر والاحتلال للوطن والمقاومة والذلّ العربيّ وانسحاق الانسان الفَرد، لتُعَيّشَنا قصّة حبّ غرائبيّة، بطلتها فتاة تشعر أنها "غريبة في أرض الوطن، وحيدة بين الاخوة، ووحيدة بين الأغراب"(ص50) رفضت أن تكونَ مجرّد صورة أرادها الناسُ لها، فعَرَفت كيفَ تُرضي الناسَ في قريتها بظهورها أمامهم في الصورة التي يُريدونها لها، وكيفَ تتمرّد وتثور وتعيش حياتَها التي أرادت بعيدا عنهم، إذا كان ذلك في البرازيل أو في مدينة القدس، وشجاعة في مواجهة المواقف الصعبة حيث اقترحت على ابراهيم عندما أحاق بهما الخطر الهرب والزواج بعيدا عن القرية وأهلها (ص 86). وحازمة وقاسية في رفض طلب إبراهيم عندما عاد إليها بعد ثلاثين سنة، وقد ضاع منها شبابها وحبها وابنها، يطلب منها أن يجدّدا الحبّ والحياة مقدّما لها صورتها أيام شبابها بقولها: "صورة.. صورة قديمة، وما حاجتي الآن إلى صورة؟" (ص 227) وابتسمت بكل الألم وأهملته، لم تنظر إليه ، تركته بستجدي عودتها ويجهد نفسه في اقناعها، وتسأله على فترات: "هل عدتَ يا ابراهيم؟" حتى يئس وتركها غاضبا فاقدا كلّ أمل في استرجاعها.
بينما أظهرت جُبْنَ الرجل وضعفَه وضياعه بمصارحة ابراهيم لنفسه "ما عدتُ أعرف مع مَن أعيش ومَن أعشق، أعيش مع مريم من خلال الكتاب وأعشق مريم من خلال الكتب وجوّ المكتبة وصور الأدب. ولم يخطر ببالي على الإطلاق أنّ المشكلة في ذاتي وليست مريم. ولم أكتشف تلك النقطة، أو تلك الجنحة أو المَثلبة إلاّ في ما بعد، بعد عشرات السنين، 20 سنة، 30 سنة، أو ربّما أكثر بقليل، وظلّت علاقتي بدنيا الناس تتخبّط لأنّي أتعامل مع أشخاص من صنعي، أصنعهم من الكتب ومخيّلتي، وأحللهم حسب ذوقي واجتهادي، وأفسّر طوابعهم وطوالعهم بما يحلو لي وما يُعجبني أو ما يدور في رأسي من فكر وأحلام وخواطر. فأعلو وأرتفع مع التحليل ثمّ أغرق، وأرى زوايا ليست هناك، وأبني توقّعات على ما أرى، ثمّ تأتي الصدمة كالإنفجار"(ص 24-25)، وتمزّقَه بين تعلّقه بأسرته ومُعتقداته وخوفه كلام الناس وعقاب الرّب. فكما هرَب أوّل مرّة من مُواجهة خاله ومصارحته بعدم رغبته في الزواج من ابنته، يُفكّر بالهرب ثانية من محبوبته مريم بعد قضاء ليلته معها في هوستل الدير، وأنْ يُكَفّر عن فعلته بالعودة إلى رحاب الأسرة وطاعة الرب، وبعد أن يَظهرَ الحَمْلُ لا يُفكّرُ إلاّ بالخلاص منه، وإذ يفشل يهرب من مواجهة الناس وإخوة محبوبته، ويجد في احتلال الجيش الاسرائيلي للضفة الغربية المناسبة للهرب وتَرك الوطن والمحبوبة والجنين الذي على وشك الولادة.
وتُظهر جَهلَ وسطحيَةَ الرجل (ابراهيم) الذي يعمل مُدرّسا ويُريد أن يكون كاتبَ قصص عندما يُفاجَأ في القرية التي ذهبَ ليعمل فيها بأجواء وحياة سكانها المسيحيين المختلفة عن حياة المسلمين، ويُبهَر بها، رغم أنّه ابن مدينة القدس، وُلد وكبُرَ ولا يزال يعيش فيها، فالكنائس، وخاصة كنيسة القيامة، لم يزرها طوال حياته، ودخلها أوّل مرّة مع مريم. وحتى مشهد المُواجهة الدّامية بين جنود الاحتلال الاسرائيلي والمُصلّين، والذي انتهى بقتلى وجرحى، لم تكن الغاية منه فقط تَصوير بشاعة المحتل وظُلمه، وإنّما جاء ليبرّرَ انقطاع كلّ خيوط امكانيّات اللقاء بين ابراهيم ومريم وابنهما ميشيل. وأنّ هذه العلاقات التي كانت غيرَ طبيعيّة وغيرَ صادقة، لا يُمكنها أن تبقى وتَتجدّد وتَحيا وتستمرّ. وقد يكون مَقتل إيلاي اليهوديّ الروسيّ صديق أبي يوسف في المُواجهة مع مَقتل محمود العربي، جاء ليؤكدَ على بشاعة الاحتلال، وأنّ ضحاياه ليسوا العرب فقط وإنما الفقراء اليهود الذين خُدعوا وغَرّروا بهم وجعلوهم يتركون مواطنَهم الأصليّة ويأتون إلى إسرائيل! رغم أنّه لم يكن لاحتلال إسرائيل للضفة ومن ثمّ لكلّ أعمال المقاومة ، بما في ذلك الانتفاضة، أيّ تأثير مُباشر على الأحداث، وإنّما كانت في النهاية إشارات لتغيّر المكان والزمان والأجواء، حيث تذكر المستوطنات، واحتلال اليهود لبيوت العرب، وأخيرا انفجار المقاومة بين المصلين المسلمين وجنود الاحتلال في باحة المسجد الأقصى.
هذا التّكامل المُتناسق بين كلّ أجزاء الرواية، والانسياب الأخّاذ في استمراريّة الأحداث، والّرسم الرّائع لشخصيّة مريم المُتكشّفة للقارىء مع كلّ حدَث ونَقلة وحوار يلتقي مع اللغة الهادئة السلسة الجميلة التي تُدخل القارىءَ في أجواء الخيال والحبّ بَعيداً عن هموم الحياة، وتُذكّره بجماليّات وأجواء وسحر رواية سَحَر خليفة الأولى "لم نعد جواري لكم" ، وتؤكّد ما ذهبتُ إليه في مُفتَتَح الكلام، بأنّ سحر خليفة في روايتها هذه تُغافل القارىء وتعود إلى زمن بعيد وأيّام خوال وعهد قديم لا يزال يتفاعل في داخلها، يَدفعها إليه، بَعد هذه السّنين من الجفاء والهَجر والقَطيعة، زمن كانت فيه تنطلقُ من ذاتها لذاتها، فتسمو وتشفّ وتُحلّقُ وتَضيع مع ذاتها في ذاتها. سحر خليفة في روايتها هذه "صورة وأيقونة وعهد قديم" تَرتدّ إلى ذاتها الجميلة رغمَ أنّها لا تنسى أنّ الواقعَ الذي يُحيط بها واقع ظلم وقَََهْر وظََلام.



www.nabih-alkasem.com


قديم 05-01-2012, 10:26 PM
المشاركة 505
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
رسمت بقلمها الواقع بلا "تجميل"

سحر خليفة: نحن عرب "قُح".. بـ"ملءِ الفم" قالت!


غزه - أسماء صرصور

يا لها من بصمةٍ مميزة تلك التي تتركها المرأةُ في كلِّ مكان..حتى في عالم الأدب..ذاك العالم المختلِف الذي يعبِّر فيه الإنسانُ عن ذاتِه ويعكِس من خلالِه الحياةَ بشكلها العميق.. وأمام عالم الأدب يقف عَالمٌ آخر بكامل خصوصيتِه.. إنه عالم المرأة.. ذاك الذي يدفعُ "بفضولِنا" الصحفيَّ للتعرف على ذاك المنظور النسائي الخاص، لتخرجَ إليكم "مقهى الأدبِ" عن نمطِها المعتاد، وتقدِّم عبر "البريد الإلكتروني" فنجانَ قهوةٍ بصحبة كاتبةٍ فلسطينية وروائيةٍ غير تقليديةٍ.. إنها ابنة نابلس "سحر خليفة"، والتي كرَّست حياتَها للكتابةِ بعد ضياعِ ثلاثة عشر عاماً من سنيّ عمرها في "خيبة الأمل " التي خلَّفها زواجُها.

ولدت "ضيفتنا" في نابلس عام 1941، وتزوجت في سنٍ مبكرةٍ، لكنها تخلصت بعد ذلك من الإحباط الذي عاشته في حياتها، وانتقلت من "عش الزوجية" إلى "عش الدراسة" الجامعية حتى حصلت على شهادة الدكتوراة في "دراسات المرأة والأدب الأمريكي".

وكانت المسيرة الأولى لها في الرواية "لم نعد جواري لكم" عام 1974، والتي أحدثت صدى كبيرًا، ولكنها لم تحظ بالاعتراف الأدبي إلا بعد روايتها الثانية "الصبار" عام 1976، وترجمت معظم رواياتها إلى العبرية والفرنسية والألمانية والهولندية والإنجليزية والإيطالية والإسبانية والماليزية واليونانية والنرويجية والروسية.

طبيعة الحياة هي الحَكَم
الأدب هو الجمال والحكمة والفهم، وأداة التواصل مع ذاتي ومع الآخرين"، هكذا استهلّت خليفة حديثها، مبينة أن أسس التعامل معه – من وجهة نظرها-هو الالتزام، والانتظام بمواعيد محددة للإنتاج، والصدق في التعبير، والعمل المستمر على تطوير الأدوات الفنية والمعرفية، "فالموهبة وحدها لا تكفي" وفق تعبيرها.

وتتابع حديثها:"بدايات المرأة الأدبية اقترنت بمستوى تعليمها، إذ لا يمكن لامرأة أمية أو متدنية المستوى التعليمي أن تنتج أدباً، فالمرأة الموهوبة والمتعلمة والمُثقفة مثل الرجل سواء بسواء"، لافتةً النظر إلى أن الإنسان حين يشعر بأن لديه شيء يقوله، ولديه القدرة الفنية والأدوات يفعل ذلك، وتضيف: "فالمسألة لا تحتاج لقرار، لأنها تأتي بشكل تلقائي وبدون تخطيط، لكن الاستمرار في الكتابة بحاجة لتخطيط، وتنظيم، والتزام".

وتشير إلى أن لكل امرأةٍ ظروفها الاجتماعية والسياسية والشخصية، فإنتاج المرأة محكومٌ بما تعرف، وبأسلوب الحياة الذي تعيشه، مستدركةً:"لكن باستطاعتِنا المُجازَفة بالقول إن المرأة حاولت أن تعبّر عن واقعها الشخصي والاجتماعي وما تعانيه من تمييز ضد الجنس، وبالنسبة للنساء في العالم الثالث، وبالذات الفلسطينيات، كان للواقع السياسي حيز كبير في أدبها، وأحياناً، يختلط الواقعان: الشخصي والسياسي، بحيث لا نستطيع الفصل بينهما، كما هو الحال في أدبي أنا".

نحن كباقي العرب
"تقولين إن نتاجك الأدبي هو صورة حقيقية مغايرة للتصورات المصطنعة أو الوهمية عن الواقع الفلسطيني، صورة حقيقية بلا هالات، فما المغاير فيه؟"، تجيب: "لطالما قدمنا الشعر الفلسطيني أو العربي في صورة شعب مختلف عن بقية خلق الله سواء من حيث التركيبة الاجتماعية، أو المزايا الخلقية، أو النزعات البطولية الفذة التي خلقها الله بتحيزٍ تام وجعل منا أبطال هذا الزمان والمكان، وأنا حاولت عبر مسيرتي الأدبية الطويلة أن أقول بملء الفم إننا مثل بقية خلق الله، "عرب أقحاح"، بكل ما لدى العرب من بؤس وفقر وتخلف، وأيضاً، قصص بطولة تتحدى الظلم والاستعمار، إلا أن واقعنا المحلي المتردّي، وموازين القوى العالمية المتحيّزة ضدنا على طول الخط، لم تثمر وتعطي بقدر ما قدمناه من تضحيات وضحايا، وهذا يحتم علينا أن ندرس هذا الواقع بشقيه المحلي والعالمي حتى نعرف أسباب الضعف ومؤهلات القوة".

وتكمل:"أنا حاولت، وما زلت أحاول، أن أقدم الواقع الفلسطيني من خلال هذا المنظور، وأقدم نماذجه البشرية بشكل حقيقي، بلا هالاتٍ ولا أوهام ولا تصنع، والناس حين يقرؤون شخصياتي يسارعون إلى وضعها في سياق حقيقي كما لو كانوا يعرفون تلك الشخصيات معرفة حميمية، شخصياتي.. حتى التي جسدتها منذ السبعينيات وما بعد، ما زالت تعيش في مخيلة الكثيرين من القراء".

ثنائية النقاد!
هناك من يرى أن روايات سحر خليفة انعكاس لمأساة مدينتها "نابلس" وشعبها، لكن هي ذاتها لا ترى ذلك، وتقول: "نابلس بالنسبة لي هي المختبر، والمحك العملي الذي أبرهن من خلاله أن الإنسان العربي المتشابه في الوعي والمعرفة والجهل والتخلف والاضطهاد والصراع مع القوى الأجنبية، ومع ذاته هو نفسه، سواء كان مكانه في نابلس أو بيروت أو دمشق أو بغداد أو تونس، فالشخصيات النابعة من حارات نابلس لا تختلف إلا ببعض التفاصيل الثانوية والمحدودة عن الشخصيات النابعة من حارات دمشق أو القاهرة أو المغرب، الإنسان هو الإنسان في كل مكان، ولا يميزه عن غيره سوى عوامل الثقافة والبيئة وظروف العيش بما فيها من بطالة وقمع وتخلف وقوى استعمار واستبداد.. نابلس هي رمز فقط، وهي واقع، وهذا الرمز هو الواقع!".

وتستأنف حديثها بالإشارة إلى الثنائية التي يحصرها النقاد في إطارها: "الرجل/المرأة، الاحتلال/المقاومة"، لتقول: "هل لدينا حقًا نقد أو نقاد؟ فلنكن دقيقين في التعريف، فما لدينا هو نوع من الصحافة النقدية أو الدراسات الأكاديمية، فالدراسات الأكاديمية لا تصل إلى القارئ العادي ولا حتى القارئ المثقف، وتظل محصورةً ومحشورة في أطروحات تناقش في المحافل الجامعية للحصول على شهادة أكاديمية ثم يُلقى بها في مخازن وأرفف المكتبات الجامعية وتموت هناك تحت الغبار".

وتضيف:"أما الصحافة النقدية التي تعتمد على وجهات نظر عاطفية غير مستندة إلى علم أو معرفة بأساليب النقد العلمية الحديثة وكل ما لديها هو التشهير أو المديح العاطفي والحماس غير المبرر، فهذا لا نسميه نقداً بالمعنى العلمي للكلمة، ولماذا حصرَني النقاد بين هاتين الثنائيتين، فلأن هاتين الثنائيتين هما الأسهل للتقييم أو المديح أو التجريح، أما الأبعاد الأخرى التي تتناول البنية الفنية وتطوير الشخصيات وتحليل البنية الاجتماعية النقدية، والثورة على أنماط التعبير التقليدية وجمود الاصطلاحات اللغوية، فهذه أصعب بكثير".

تاريخنا أصل الدَّاء
وتتحدث خليفة عن الدافع الذي جعلها بعد رواية "ربيع حار" التي تدور أحداثها في مرحلة حصار الرئيس عرفات التوجه إلى التاريخ في روايتيها "أصل وفصل" و"حبي الأول"، لافتةً النظر إلى أن الأمور توقفت عند تلك المرحلة ولا شيء جديد، فالحصار كان ولا يزال حصارًا، تماماً كالوضع الفلسطيني الذي يعيش حالةً مستمرة من الجمود والتفسخ، والانقسام أضافَ لعنةً جديدة إلى باقي اللعنات، فماذا أكتب؟ ورجوعي للتاريخ هو لنبش المخبوء وما خجلنا منه وما نسيناه أو تناسيناه، فبرأيي أن أصل الداء هو في التاريخ، ومحاولتي استعادة ذاك التاريخ هو للتذكير بأن أصل الداء ليس أميركا ولا (إسرائيل)، أصل الداء كان فينا، في تربيتنا، في قيمنا، في تركيبتنا الاجتماعية ونظرتنا الخاطئة أو السطحية للأشياء".

وتكمل:"في رواية "أصل وفصل" استحضرت "عز الدين القسام"، وفي "حبي الأول" عبد القادر الحسيني، والآن أستعد لتجسيد "أنطون سعادة"، إنهم من حاولوا القيام بثورات جزئية أو شمولية، بمعنى ثورات ضد الاستعمار أو ثورة تتخطى الاستعمار إلى محاربة الوضع الداخلي وقوى التبعية والرجعية، وفشلوا في تحقيق انتصارات تذكر لأن الوضع الداخلي لم يسعفهم، بل على العكس، أحبطهم وغدر بهم وكسر شوكتهم".

وتوضح الأسباب التي تدفعها للتذكير بهم، فالسبب الأول لوضع اليد على الجرح وتوجيه البوصلة إلى بيت الداء، والسبب الثاني لنتذكر هؤلاء الأبطال ونجعل من قصصهم عبرًا نعتبر منها، وسبب ثالث لا بد من ذكره، حتى يرى أبناء الجيل الجديد الذين يعيشون مرحلة الانحدار والتصحر أن هذا الوطن أنجب لنا رجالاً عظاماً ولم يبخل علينا بمن يستحقون الخلود والاستقرار في ذاكرتنا حتى يكونوا مبعث فخر واعتزاز وكرامة.

وتضيف: "مشروعي الروائي هو رصد تأثير تجربة الاحتلال على المجتمع الفلسطيني في تحولاته المختلفة، وبالتالي فإن رواياتي هي حكاية مجتمع بأسره، وهو مجتمع مليء بالقصص وكثير من الهزات والتحولات والظواهر القابلة للاستنتاجات التي يمكن تعميمها على مجتمعات عربية بأكملها"، متابعة: "من المؤكد أننا لا نستطيع أن نفصل بين هواجس الروائي وحياته وانطباعاته والأدب الذي يكتبه، ذلك لأن الأدب بالضرورة أداة تعبير عن الحياة وتجاربها، فبالنسبة لي لا أستطيع الكتابة عن أميركا اللاتينية، حتى لو تسنى لي ذلك، لأن المكان ليس مكاني، والمجتمع ليس مجتمعي، والأحداث ليست ملكي".

"إذًا هل أنت راضية عن نتاجك؟!"..كان ردها:"راضيةٌ وغير راضية، راضيةٌ عن نفسي لأني اتخذت القرار الصحيح في الوقت المناسب، واتخذت قرارًا بأن أصبح كاتبة تعكس حياة الناس وهمومهم، وأن تقول الصدق ولو على قطع رقبتها، لكن ما زلت أطمح للمزيد، وبإنتاج الرواية الصعبة التي تصل إلى كل قارئ عربي فتهز كيانه، وإلى كل أجنبي فتهز عقله ومواقفه وضميره".

المصدر: صحيفة فلسطين

قديم 05-01-2012, 10:41 PM
المشاركة 506
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
سحر خليفة في

حبّها الأوّل وغصّة الواقع الأليم


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


د. نـبـيـه القــاسم

"إنّ المعرفة بالواقع هي الصورة الحقيقيّة للواقع، أي للإنسان، إذ لا واقع في عدسة تنأى عن الواقع وتنحرف عنه"[1].
هكذا قالت سحر خليفة التي رافقت بإبداعاتها الروائية- نضالات شعبها الفلسطيني منذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية في الخامس من حزيران 1967، وهي التي ووجهت بكثير من الاتّهامات وحتى الرفض لمواقفها الصّلبة، وجرأتها في توجيه سهام الانتقاد باتّجاه الكثيرين.

السؤال الدّائم ورحلة الاسترجاع
لكنّ سحر نفسها، وبعد انقضاء العمر الجميل، وانحسار الأمل بتحقيق الحلم البعيد، وجدت نفسَها، كآلاف غيرها، تسأل: كيف حصل ذلك؟ لماذا؟ إلامَ نظلّ؟ وإلى أين نسير؟
وكانت رحلتها الاسترجاعيّة نحو الماضي للبحث والتنقيب والوقوف على حقائق الواقع الذي كان، رغم ما في رحلة الاسترجاع هذه من مفاجآت أليمة، محزنة، مُفجّرة للغضب.
بدأت رحلة الاسترجاع بروايتها "أصل وفصل"، وأعادتنا لتلك السنوات وأحداثها، وأهمها انفجار ثورة 1936 ومَقْتل رمزها الشيخ عزّ الدين القسّام، وانتهاء الثورة، وانقسام الزعماء في مواقفهم تجاه الثورة واستمرار النضال، بينما أصرّ الكثير من الشباب على مُتابعة القتال رغم دخول البلاد وسكانها في أجواء الحرب العالمية الثانية، حيث كانت بريطانيا المنتدبة على فلسطين طرفا أساسيّا فيها.
وقفت بنا سحر خليفة في روايتها "أصل وفصل" عند عام 1939 لتعود في روايتها هذه "حبّي الأوّل"[2]، لتُتابع السّرد وتصل إلى عام 1948، عام النكبة وضياع البلاد.
"أعود اليوم لدار العيلة لأقومَ بإصلاح ما تصدّع ونَخرَه السوس، وأجعل من الدار، دار العيلة، مكانا يُسْكَن، شيئا يُذكر وله تاريخ، ما عُدتُ أطيق جوّ الغربة والطيّارات والمطارات والبَدْء من جديد في كلّ مكان أذهبُ إليه. هناك عمّان، قبلها بيروت، ثمّ لندن، ثمّ باريس وواشنطن، ثمّ المغرب، وأخيرا جئتُ إلى الضفّة. شيء مُزعج أن تحسّ أنّك طَرد آدميّ مُتنقّل في كلّ مطار. ما أن تستقرّ في مكان ما حتى تنتقل إلى آخر، وإلى آخر بلا نهاية، وبلا تحديد."(ص9).
هكذا تبدأ سحر خليفة، على لسان راوية القصة، بتصوير حالة الفلسطيني المرفوض في كلّ مكان، مطرود من كلّ مطار، غريب لن يدخل، "برسونا نون جراتا"، كما وصفه الشاعر سميح القاسم.
وتوضّح أنّ عودتها سببُها أنّها "في هذه الدار وُلدتُ أنا، وأمي وداد وستي زكيّة. أنا كنتُ هنا منذ التاريخ" (ص10). وتشرح ما حلّ بالدار وأهلها "على هذه الدار مرّت أجيال، ومرّ احتلال وعواصف وزلزال رهيب جعل مدينتَنا مقلوبة، رأسها لتحت وأرجلها لفوق وحولها دمار وشظايا وغبار كثيف. وكذا الاحتلال ، مثل الزلزال." (ص10)
وتتساءل بألم: "في هذا الجوّ، مَن كان هنا؟ ستّي وأنا، وخالي وخالي، وخالي الآخر في السعوديّة، وأمي وداد. مَن ظلّ هنا؟ لم يبق أحد إلاّ سافر، هاجر، ولّى، أضحى ذكرى. وأنا أعود بعد كلّ السنين لأصلح ما اهترأ وتصدّع بعد الزلزال، وقبل الزلزال، وأعيد إلى الدار بعض الرّونق، وأزيل الغبار." (ص11)
راوية الحكاية
وراوية القصة هي نضال ابنة وداد بنت زكية، وشقيقة أمين ووحيد القحطان، الشخصيّات التي عرفناها في رواية ( أصل وفصل). ونضال الراوية هي التي عرّفتنا على نفسها في "أصل وفصل" بقولها "ولدتني وداد، لكن أمي الفعلية كانت ستّي، أمي كانت شبه طفلة، بعد أن تُرضعَني تُلقي بي في حجر الأم وتهرع لتعود للمستشفى ودرس التمريض. ومع الأيام بدأتْ تستوعبُ ما تسمعُ من كلام وأفكار وتتقبّلها بحماس، بأنّ الجيل القديم سيتغيّر إذا غيّرناه، وأنّ التقليد سيتغيّر إذا كسرناه، وأنّ الثورة تعني التغيير، وأنّ التغيير يبدأ بالنفس، فواظبَتْ على تغيير تلك النفس، نفسها هي، ولم تشملني، كانت مشغولة بما تحلمُ وبما تعملُ وتكسير القيود. وكنتُ أنا ضمن القيود فكسَرَتْني، وكانت تُحسّ أنّي امتدادٌ لماضيها وقيود الزواج فنبذتني."[3].
وكانت النكبة عام 1948 ليلفظها وطنُها، ويتنكّر لها الشقيقُ والأهلُ والغريب، وتذرو بها الرياح فترميها في مختلف العواصم المُتباعدة. كانت نضال قد عاهدت نفسَها وقد نُكبَتْ بفقدان الوطن والأهل أنْ تعيش بلا ذكريات وبلا أحزان، أن تنسى ما هي اليوم وما كانت بالأمس وتعيش فقط من أجل الفن، أن تعيش لإحساسها وترسم لوحات خرافيّة فيها ألوان مُشرقة وعيون خضراء وعسلية.(ص134). وتمرّ سنون التشتّت والغربة والضياع، وتُقرّر، وقد شارفت على السبعين من عمرها، أن تعود للوطن والبيت، رغم حراب جنود المحتل، لتُرمّم بيت العيلة، وتُعيد لحياتها بعضَ الاستقرار والطمأنينة والرّاحة.

أساليب السّرد
اتّبعت سحر خليفة في روايتها هذه أسلوب التوزيع ما بين ثلاثة أزمنة: الماضي المَسحوب من الذاكرة البعيدة، الماضي المُسَجّل على الأوراق، والحاضر المُخفّف من عبءِ الماضي، والشاهد على ما أوصلتنا إليه أعمال وخيانات الذين تاجروا بالبلد والشعب. وكان لتيّار الوعي حضور كثيف في العديد من المشاهد كتلك التي تستعيد فيها الماضي وتستحضر الأمكنة والأزمنة والناس الذين كانوا، خاصة في وقوفها أمام لوحاتها التي رسمتها بعيدا عن الوطن وعادت تحملها وتعمل على ترتيبها في بيت العائلة الذي تقوم بترميمه وإعادة الحياة إليه. فيختلط في ذهنها الحاضر بالماضي والرغبة في الانطلاق للمستقبل المرجو كما رأيناها في ساعة سماعها لكلمات ياسمين عن الرجل الطويل الذي وقف أمام الدار وقال إنه كان يوما من رُوّادها، فقفزت بها الذكريات إلى البعيد البعيد لتستعيد فتاها ربيع الذي أحبته وتعود لتعيش الساعات التي قضتها برفقته. والحالة نفسها أصابتها وهي تنظر إلى سعد الصغير الذي خبأته ياسمين في الخزانة عند مُلاحقة جُند الاحتلال له. واعتمدت سحر أيضا أسلوب الكتابة التوثيق في نقلها لبعض الحوارات التي دارت في اللقاءات بين عبد القادر الحسيني والزعماء والقادة العرب في دمشق، كما أرفقت الوثيقة والصورة، وحافظت على لغتها البسيطة القريبة من اللغة العاديّة القريبة للقارئ التي كتبت بها الجزء الأول من الرواية "اصل وفصل"، مع ازدياد المشاهد التي طغت الشاعرية والإيقاعيّة والجمالية على لغتها، مشاهد عاشتها في الماضي البعيد مع حبيبها الأوّل أيام المراهقة ربيع، ومشاهد حضرتها مع خاليها وحيد وأمين وحسنا، في مواقف الانكسار والتّوحّد والشعور بالهزيمة والضياع. ومثل المشهد الذي تنقل فيه ما دار من حديث بين وداد وأخيها أمين حول حبّه لليزاوحبّها هي لعبد القادر الحسيني.

عودة للماضي والحبّ الأوّل
تعود بذاكرتها الاسترجاعية نحو الماضي البعيد أيام طفولتها وحياتها مع جدّتها في بيت العائلة في نابلس لتستكمل صورة العمل العشوائي غير المنظم للعمل العربي السياسي والعسكري ضد الاستيطان اليهودي في البلاد الذي أسهبت في وصفه في رواية "أصل وفصل"، تستعيد شريط حياتها في عملية استرجاع للماضي البعيد، لتلك السنوات التي تلت مقتل عزّ الدين القسّام واستمرار الشباب في نضالهم ضدّ المحتل الانكليزي الغريب، وضدّ عمليات الاستيطان التي يقوم بها المهاجرون اليهود بدعم من المحتل. تسترجع أحداث الرحلة التي قامت بها مع ستّها زكيّة لموقع الثوّار حيث يتواجد خالها وحيد، مُتابع دربَ القسّام وحامل لواء قيادة الثورة، ولقاءها بالفتى ربيع مُرافق خالها وابنه المُتَبنّى، وكيف خفق قلبُها الصغير له."رأيتُ عينيه مثل قمرين أخضرين في وجه شبيه بوجوه البنات، أملس، أمرد، إلاّ من زغب فوق الفم، كان جميلا، طويلا نحيلا ومُثيرا فبدأتُ أحسّ بشيء يطفح داخل صدري كفوّار ماء، ماء ساخن، دفّاق، يُرسل موجات تلو موجات ترتفع وتصل حتى رأسي، ووجهي يصيرُ كرغيف خبز خرج من النار." (ص36). وتتابع شريط الماضي واستعادة المشاعر التي أحسّتها وهي برفقة ربيع وجدّتها في طريقهم للقاء خالها وحيد، "الولد الشاب طيّر عقلي، استولى عليّ، ما عدتُ أرى إلاّ خياله ولا أسمع سوى رنّة صوته."(ص45) لم يطل هذا اللقاء بسبب تحرّكات مُريبة لجُند الانكليز وقرار وحيد بعودتهم السريعة للبيت.
وتستعيد أحداث اليوم الذي فاجأهم فيه خالها وحيد، عندما دخل برفقة ربيع ليُعلن لهم "أنّ الثورة بدأت تنهار، وكيف جلس وخالها أمين يتبادلان الحديث حول الأوضاع. وزيارتها لخالها وحيد في قرية زواتا برفقة جدّتها ولقاءها بربيع، وما سمعت وشاهدت خلال زيارتها من أحداث المُواجهات بين الثّوّار وجُند الإنكليز وسيطرة اليهود على الأرض وعجز أصحاب الأرض عن المواجهة، والاكتفاء بالشكوى والنّدب. وتتذكر زيارتها وجدّتها لقرية صانور التي استقرّ فيها وحيد وتزوّج من حسنا وتحوّل ليُصبح فلاحا يعمل في أرضه.
وتتذكرُ آخر لقاءاتها مع ربيع والحالة الحزينة التي كان عليها بسبب تدهور الأوضاع وانهيارات الثوّار، قال لها معترفا : "انحلّت الثورة من الداخل، وما عاد بإمكاننا أن نتجمّع. كل فرد منّا بات يبحثُ عن مخرج لخلاصه. وأمثالي الآن بلا مخرج. لا مال ولا أرض ولا عمل ولا مستقبل. فماذا لديّ لأعطيك؟ لا شيء لديّ أعدك به لأقول بصدق انتظريني، كوني لي وانتظريني. وها أنا أقول لا تنتظري لأنّي سأهجّ من هذه الأرض وأبحث عن أرض تؤويني. أبحث عن عمل، أبحث عن خيط يهديني لأنّي الآن بلا حياة ولا مستقبل. أنا لا شيء، مجرّد لا شيء."(ص108) وتتذكّر كيف قبّل يدها يستسمحها، ووضع رأسه في حضنها وبكى عليها وعلى نفسه، وكيف بكى وبكى وهي بكت أيضا، وأقسمت أنها لن تنساه طوال حياتها، وستظلّ وفيّة على عهدها ما ظلّ نفَس في صدرها، وستظلّ له، وستنتظره، ولن تكون لرجل غيره".(ص108) وكيف قبّل يديها مرات عديدة وقبّل جبينها وسألها وهو يُفارق: لن تنسيني؟ وكيف ضمّت يديها إلى صدرها وقالت كصلاة قدسيّة: كيف أنساك؟ أنتَ ربيعي!." (ص 109).
وتقف نضال مع الماضي البعيد وهي تسال نفسها: " الآن، وأنا أتذكّر تلك الأيام، وأتذكّر ذاك الوداع وذاك الموقف أقول لنفسي كم ضاع العمر بلا ثمرة! كم خفق القلبُ بلا إحساس! لو ظلّ ربيع هل كنتُ أمرّ بتلك الخيبات؟ هل كنتُ أضيع بهذا العالم بحثا عن بديل لربيعي؟ لكن ربيع لا يُستبدل ولا يتجدّد، مرّة في العمر، فقط مرّة. هو حبّ الصبا وربيع القلب وحلم التغيير"(ص110).
وتتذكّر ما حدث من مُواجهات مع المستوطنين اليهود المدعومين من جند الإنكليز، واستيلاء اليهود على الأرض، والمواجهة الحاسمة التي كان من أثرها انفضاض شمل العائلة، فوحيد وزوجته حسنا انضما للثورة بقيادة عبد القادر الحسيني، وكان ربيع قد سبقهما، نضال وجدّتها عادتا لتقيما في بيت العائلة في نابلس، وأمين تابع عمله الصحافي يتتبع أخبار الثوّار والثورة.
تتوقف استرجاعات نضال عند هذه الأحداث الأخيرة التي شهدتها، وهي على يقين الآن وهي في السبعين من عمرها وقد عادت إلى بيت العائلة لترميمه تحت قيد الاحتلال الإسرائيلي للوطن، أنْ لا أحلام تنتظر تحقيقها، ولا أفراد عائلة يمكن أن يقفوا إلى جانبها، ولا أصدقاء ومعارف تبني معهم حياة جديدة. فكل الذي عرفت وعاشت كان ماضيا وانتهى.

عودة ربيع حبّها الأوّل وقد ضاع العمر الجميل
لكن في هذا الماضي السحيق كان ما يبعث الأمل ويشدّ الذاكرة ويرسم البسمة على الشفاه ويعود لينبثق ويتجدد مع كلمات جارة نضال ياسمين التي قصّت عليها ما حدث للفتى الذي هرب إليهم من جند الاحتلال وخبأته في خزانتها، وأسهبت في الحديث عنه بكل العواطف ممّا أثار حبّ معرفة المَزيد لدى نضال وذكّرها بفتاها ربيع الذي أحبته، ولكنه غاب عنها وانقطعت أخباره.
هكذا يتداخل الماضي بالحاضر وتتقابل الصور بعضها ببعض، وينتصب الوهم البعيد مُتجسّدا في كلمات ياسمين جارتها، عن ذلك الرجل الطويل النحيف ذي العيون الخضراء والشعر الأبيض ويحكي بلهجة قرويّة، الذي صادفته أمام الدار وأخبرها أنه يعرف الدار من داخلها لأنه كان كفرد فيها وابن العيلة، وكيف وقف بالباب عدّة دقائق وهزّ رأسه عدّة هزّات وقال: يا خسارة الدار، يا خسارة الدار وأهل الدار. ول يا زمن!" (ص168) فأيقظت أحاسيس نضال من مكامنها، وأعادت إليها ذاك الحبيب البعيد، ربيع الذي عشقت وفقدت كلّ أثر له بعد ضياع الوطن وتشتّت الأهل. وهل كان ربيع إلاّ حلما، رحلة قصيرة، صورة جميلة، مراهقة آفلة مَنسيّة، راحت، ضاعت، طواها النسيان"(ص169).
وبينما كانت تتنقل بين زوايا بيتها المهجورة وتُعيد الأدوات لأماكنها، بعد أنْ تركها العمال حين سماعهم دويّ الانفجار وإعلان مَنْع التجوّل، سمعت طرقا على البوابة الحديدية. وفوجئت بالرجل الذي رأته يقف أمام البوابة، كان رجلا غريبا بسَكسوكة، كبيرا بالسن، شعره أبيض ، بنظارات طبيّة، وقميص أمريكي بكاروهات وجينز أزرق لونه باهت. وقف يُحدّق في وجهها بنظرة غريبة، وقال بصوت مألوف: تغيّرتِ كثيرا يا نضال!
فسارعت لتقول: إذن أنت ربيع!
وبعد لحظات ارتباك وحيرة دعته للدخول. أخبرها أنه "كان في طريقه إليها ليسلّم عليها حين سمع بالانفجار وبدأ التجار يُغلقون الدكاكين والناس يتطايرون كالعصافير. وجد نفسه محشورا في المدينة، فالطريق أُغلقت والسيّارات أوقفت ولم يجد أمامه إلا أن يُكمل طريقه إليها حتى تفرج وتنفتح الطريق."(ص212-213) فقالت معلّقة: " إنّ الإغلاق قد يستمرّ عدة أيام، وهذا يعني أنّه سينام في هذه الدار طوال أيّام وليال."(ص213). وسالت نفسَها: ماذا سيقول الناس عنها، وماذا سيقول الجيران! رجل غريب في داري في هذا الزقاق؟ غير ممكن".( ص213)
وخلال جلوسهما في الحديقة كان يحدّثها عن نفسه وهي تتأمّله وتفكر، كم تغيّرنا واختلف ربيع! أهذا ربيع حفيد أم نايف بائعة اللبن والخبيزة وابن خالي بالروح ووريث الحسيني وسعادة؟ كنت قد سمعتُ من خالي أنّهما حين ذهبا للقدس بعد صانور التقيا بربيع في مقرّ قيادة الثورة عند الحسيني بقرية بير زيت. كان قد التحق بالحسيني وقوّاته وظلّ معه حتى استشهاده في القسطل، وبعد القسطل ذهب مع أمين إلى سعادة.(ص215). "وبعد هرب سعادة إلى دمشق بدأ رجال الأمن يطاردون أعضاء حزبه فالتجأ ربيع إلى السفارة الكندية، وهناك تعرّف على موظفة كانت تزورهم في مركز الحزب و هربت معه إلى كندا وهناك تزوجا وأنجبا" (ص258)
أخبرها ربيع أنه بعد هروبه إلى لبنان مع خالها أمين بدأ حياته رجل مطابع، تعلّم صف الحروف في جريدة الزوبعة الشهيرة في ذاك الوقت. صف الحروف تطوّر منذ ذاك الزمن، ومع تطوّره تطوّر هو من صفّ الحروف باليد حتى الإنترتايب والمونتايب والزينكوغراف والأوفست ثم الطباعة الالكترونية والكمبيوتر. وهو الآن لديه في الإمارات شركة ضخمة للكمبيوتر وآلات النسخ والتصوير والطباعة، يستوردها من كوريا واليابان والهند وألمانيا والبرازيل. يستورد كمبيورات وبرامج ويُتابع الثورة التقنيّة في كلّ مكان في العالم." وهو الآن رجل أعمال ومبرمج. زوجته ماتت منذ سنوات بسرطان الثدي. وقد تقاعد وأبناؤه يديرون أعماله.(ص215).
وروت نضال لربيع ما آلت إليه حياتها بعد النكبة وتشتت الأهل والشعب وضياع البلاد قالت: "بعدما ماتت ستي، وأمي اختفت ألحقني خالي بمدرسة الراهبات، وهناك اكتشفن موهبتي فدبرن لي بعثة فنيّة إلى روما، ومن هناك بدأت حياتي كفنانة وعشتُ حياتي بالطول والعرض. تزوّجتُ وطُلقت ثم تزوجت ثم تمرّدت ثم أحببت ثاني مرّة وثالث مرّة وعاشر مرّة، ثمّ قرّرتُ ألا شيء يستحقّ انشغال القلب إلا فنّي ورسوماتي، وها أنا أعود إلى داري حتى أرمم ما آل إليّ من آل قحطان."(ص216).
أيام الحصار أجبرت ربيع أن يبقى مع نضال في بيت العائلة، حيث كانت تتركه في الليل لينام وحيدا، وتنام هي عند صديقتها وجارتها ياسمين. هذه الأيام كانت مناسبة لإطّلاع ربيع على مذكرات أمين خال نضال وترتيب أوراقها. ومن خلال هذه المذكرات التي قرأتها نضال بتشجيع من ربيع، تعرّفنا على ما ألمّ بفلسطين بعد مَقتل عز الدين القسّام وانهيار ثورة عام 1936 وتشتت الثوار في مناطق مختلفة من البلاد. وبالتحديد تُطلعنا على تفاصيل الحرب المقدسة التي أعلنها عبد القادر الحسيني ضد الاحتلال الانكليزي، وضد الاستيطان اليهودي في منطقة القدس. ويُسجّل أمين في مذكراته تفاصيل أحداث تلك السنوات وما لاقاه عبد القادر الحسيني من لامبالاة الزعماء العرب وحتى زعماء فلسطين، ورفضهم مدّ يد المساعدة له وتزويده بالسلاح عندما ذهب إليهم في الشام، وقابلهم وبيّن لهم خطورة الوضع وأهمية توفّر السلاح. لكن الرفض والسخرية والاتّهام كان ردّ الزعماء العرب على عبد القادر الحسيني، مما جعله يعود منكسرا يائسا واعيا لما قد تؤول إليه حالة البلاد.
وكان الذي توقّع، فقد استطاعت القوّات اليهودية المدعومة من جُند الاحتلال الانكليزي أن توسّع سيطرتها على مساحات كبيرة من البلاد، وأن تحسم الحرب بعد استشهاد عبد القادر الحسيني يوم 7 نيسان 1948 في القسطل، حيث قامت بهجوم كبير وكاسح احتلت على أثره كل المنطقة القريبة من القدس. وكانت مقدمة لسقوط كل البلاد فيما بعد.

الواقع تحت حراب الاحتلال الإسرائيلي
أرادت نضال، بطلة سحر خليفة، أن تؤكّد منذ البداية أن عودتها للبيت والوطن كان عن إدراك وإصرار ورغبة في التحدّي والبقاء والاستمرارية في الوجود. "أجد نفسي الآن بلا صاحب وبلا مأوى. بقيتُ مثل السيف فردا. إن كان الأهل رحلوا مثلي، وأنا رحلتُ مثل الباقين، مَن ظلّ هنا؟ ما ظلّ هنا سوى هذي الدار. لهذا عدتُ ، هنا من جديد، لأجعل من الدار، دار العيلة، بيتي الأول هو بيتي الأخير، جاليري، متحف، صور ورسوم وبراويز، مثل المعرض."(ص15)
وتمحور اهتمام نضال بما حدث في الماضي، وذكر هذه الأحداث التي جرت، وقصّة الناس الذين كانوا يعيشون فيها، لم يصرفها عن نقل صور ومشاهد لما كان يجري.
اهتمت سحر أن تنقل للقارئ على لسان ياسمين جارة نضال صورا عن حالة البلاد والناس تحت الاحتلال الإسرائيلي. "كانت تحكي عن الحواجز والإغلاق، والفقر والهمّ وإسرائيل. دار أبو حمدان نسفوها، ابن البقّال مرمي في السجن من عشر سنوات، بنت المعتوق اعتقلوها مع جوقة شباب معهم ديناميت، نسفوا دار أبوها ونسفوها، يعني حبسوها عشر سنين." (ص63).
وتروي ياسمين ما حدث "الليلة اشتباك عند الجامع. دخلوا الزقاق بالجرّافة وبعدين لحقتها المركابا. المركابا يا جارتنا أعلى من الدار. عمرك شفتيها المركابا؟ المركابا لمّا تمرق أشوف الجندي رأسه براسي، رأسه أعلى من العليّة، يعني المركابا يا جارتنا أطول من الدار، أطول وأعرض، وتهدّ الدار. عمرك شفتيها المركابا؟.(ص76). وكيف أنّ الشباب كانوا في حالة ثورة دائمة ضد جند الاحتلال مما كان يستدعي فرض الحصار ومنع التجوّل على فترات متقاربة.
ونقلت على لسان ياسمين بعض مشاهد من أيام الانتفاضة وكيف كان الشباب يُقاتلون المحتل، ويواجهون العملاء والوشاة من بين أبناء شعبهم. "دارك أنتِ. كانت مهجورة ومفتوحة. شباب الانتفاضة كسروا الشبابيك ونزعوا الحديد ودخلوها. نزلوا في القبو يناموا هناك ويحاكموا هناك ويُعذّبوا هناك. بأوّل انتفاضة كنّا نبعث لهم بيض وجبنة، ومرّات صينيّة مقلوبة ومرّات كفتة. لكن بعدين لمّا صاروا يحاكموا فيها خفنا منهم. صرنا ما نقرّب عليهم ولا نتجرأ نحكي معهم، لكن نسمع، نسمع صياح، نسمع كرابيج ومسبّات، ونسمع الجيش يقتحم الدار. اقتحموا داركم ثلاث مرّات. أمي خوّيفة ومريضة، ستّ كبيرة، خايفة على حالها وعلى دارها، خايفة من السلطة ومن حماس، وخايفة من اليهود ومن العملاء" (ص64-65).

قديم 05-01-2012, 10:45 PM
المشاركة 507
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع

مُلامسة الزّمن في الرواية
تحدّد زمن الرواية في عشر سنوات من سنة 1939-1948 وهي السنوات التي شهدت فيها البلاد حدّة النزاع والصراع ما بين العرب واليهود على مَن منهما يكون صاحب البلاد وسيّدها.
لكن سحر بمزاوجتها بين الماضي والحاضر واستحضار شخصية ياسمين امتدت بزمان الأحداث إلى السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، لكنها اقتصرت على نقل صور متفرقة ومشاهد من حياة الناس، تحديدا في مدينة نابلس، تحت نير الحكم الإسرائيلي.
ورغم أنّ الزمن كامن في وعي كلّ إنسان وفي خبرته، إلا أنّه لم يُشكل أيّة قيمة لدى الإنسان العربي في كل مراحل مواجهته للقوى الاستعمارية الانكليزية أو للمستوطنين والمقاتلين اليهود. وكان تصرّفه على الغالب وكأنه يملك الزمن كله، فلا قيمة للساعات والأيام والسنوات، كما بَدا ذلك واضحا في رواية "أصل وفصل". وإذا كنّا نرى تغيّرا ما في التعامل مع الزمن في رواية "حبّي الأوّل"، إلا أن الزمن ظلّ ثانويّا ومُهمّشا بالنسبة لمجموع الناس وخاصة أصحاب الوجاهة والسيادة والزعماء، فعندما وصل عبد القادر الحسيني ورفاقه لمقابلة القائد العام في دمشق ليشرح له ولباقي الزعماء الحالة التي عليها الوضع في فلسطين، كان الموعد المُحدّد للمقابلة الساعة التاسعة والنصف صباحا، لكن البوّاب أخبرهم عندما وصلوا ولم يجدوا أحدا، أن السكرتير يحضر في التاسعة والنصف ومدير المكتب في الساعة العاشرة والقائد العام في الساعة الثانية عشرة.(ص289) والمواجهة في فلسطين على أشدها، والزعماء والوجهاء يقضون وقتهم في مقاهي دمشق وحتى في اجتماعهم مع عبد القادر لسماع تصوّره عن الواقع الراهن، وطلبه منهم الإسراع في تقديم السلاح للمقاتلين في أسرع وقت وإلا ضاعت الفرص وضاعت البلاد، لم يهتموا لما يسمعونه وأخذوا يضيّعون الوقت في جَدل عقيم وحوار بعيد عن الهدف مما أغضب عبد القادر الحسيني وجعله ينسحب من اللقاء.(ص291-318) وهذا التصرف رأيناه في المواجهات بين المستوطنين اليهود وأهالي القرى العربية ورجال الثورة، فبينما يُعدّ المستوطن نفسه ويجهزها للحظة الحسم والمواجهة نجد العربي والثوري يُشغل وقته بالقصص والجَدل والتسويف. والأمثلة التي تُقدمها الرواية عديدة في جزأيها: "أصل وفصل" و"حبّي الأوّل".
وقد شكّل الزمن بالنسبة لنضال، راوية القصة" حقيقة صعبة وظلّها المُلازم في كل ساعات يومها، يُذكّرها بالماضي الذي كان ولن يعود، ويُعيدها لمشاغل الحاضر الضاغط، ويدفع بها لتفكر في الغد الآتي. وإذا كانت نضال قد قرّرت في لحظة في الماضي، وعاهدت نفسها، أن تعيش بلا ذكريات وبلا أحزان وأن تنسى ما هي عليه اليوم وما كانته بالأمس، وأن تعيش فقط من أجل الفن ولإحساسها، وأن ترسم لوحات خرافيّة فيها ألوان مشرقة وعيون خضراء وعسليّة (ص134)، فقد كانت هذه اللوحات الفنيّة التي رسمتها هي الباعث للزمن الذي كان، والمحركة فيها الأحاسيس بالماضي، والآخذة بها في رحلة لاوعي إلى الماضي البعيد البعيد. فأخَذ الزمن يتداخل في وجدانها ما بين الحاضر والماضي وهي تقف أمام لوحاتها في بيتها الذي عادت إليه، وهي تُقارب السبعين من عمرها.

سحرُ المكان وتمدّدُه في الرواية
وأمّا المكان فقد امتد على مواقع عديدة في فلسطين، خاصة في مناطق الضفة الغربية ومنطقة القدس. وقد شكل المكان قيمة واضحة ومهمة في الكثير من المشاهد، خاصة تلك التي كانت في القرى المختلفة حيث نجد التركيز على الوصف التفصيلي للمكان والنباتات والناس الذين يعيشون فيه."خالي في القرى هناك بين الثوار في رؤوس الجبال بين الصخور والمغر والشوك وشجر الصبّار. وأنا وستي نذهب مشيا لأن الجبال بلا شوارع ولا سيارات ولا حتى حمير"(ص17) و "أم نايف تلك بيّاعة لبن وتين وفقّوس. في موسم الصيف تأتي بالعنب والتين والفقّوس ولبن وزبدة. وفي فصل الشتاء تأتي بالحلبة والفريكة وعدس وبرغل. وفي الربيع خبيزة وشومر وميرميّة وسلال عكّوب غير معكّب."(ص18) و "خرجنا مع الفجر وكانت المدينة ما زالت تصحو من النوم ببطء وخشوع. الشوارع خالية إلا منّا، والسوق العتيق بلا زبائن، وبعض التجار يعلقون بضائعهم أو يكنسون أمام المحال ويشطفون الأرض بماء أسود فنضطر للقفز وفَحج الخطوات."(ص20) و "دخلنا القرية مع آذان الظهر، ورأينا الرجال يتّجهون نحو مسجد صغير وسط البلد. وسط البلد هو شارع ضيّق فيه إسفلت، شبه إسفلت، مليء بالحفر والتراب والقشّ وبَعر الغنم، ويُحيط به خرفيش الربيع والخبّيزة، وعلى الجانبين دكاكين صغيرة وفقيرة أمام حواكير لدور من اللبن والتبن تختفي بين الخوخ والتين والمشمش، وخلفها حقول العدس والفول والبندورة." (ص24)
ولا يقتصر المكان على النقل الفوتوغرافي وإنما يكشف عن الذكريات البعيدة، ويكون مرآة أفراح وأحزان، ولا يكون ساكنا وثابتا بل هو متحرك ومتغيّر. فنضال عندما تمسك بلوحة " حرش الصنوبر" كانت قد رسمتها من سنوات بعيدة، يدور بها خيالها وتجعلها ذاكرتها تغوص وتتوغّل في ذاك الحرش، قبل أن توغل في الذكرى ، والحبّ البعيد، حبّها الأوّل. فقد التقت في ذاك الحرش وهي في بداية مراهقتها بحبّها الأول، بربيع الذي كان يكبرها قليلا.(ص32-33) كذلك تنقلها لوحة صانور ومرج الزنبق إلى البعيد وتُعيدها إلى رحلتها وستها إلى بلدة صانور واللقاء بربيع فتنتعش مشاعرها من جديد، وتعود لتعيش لحظات الحب المتدفق. "أنظر إلى عينيه الخضراوين، وأرى حقول القمح والبابونج، رائحة الزعتر والطيّون، عطر الميرميّة والريحان، غيوم الصنوبر واللزّاب وأعشاش الدوري والشنار تختبئ عميقا بين الغيوم" (ص97). كذلك أعادتها لوحة رسمتها للشهباء ومهرتها للماضي، وتؤكد أن صورة خالها فوق الشهباء ومهرتها تركض خلفه. صورة لبطولة ما اكتملت، لكن الوقت لن يمحوها، ولا ذاكرتها، ولا عشب نبت على الجدران"(ص111).
لقد استطاعت سحر خليفة أن تجعل من المكان في روايتها هذه مكوّنا من المكوّنات النصيّة الأخرى، حيث يؤسس مع الزمن والشخصيّات والوصف والحدث علاقات متبادلة. وأهميّته في تشكيل النصّ الروائي أنّه يُشكّل المساحة التي تجري فيها الأحداث، وتزداد أهميّته بعد أن تتشابك علاقاته مع الشخصيّات والمواقف والزمن.
كما ونجحت سحر خليفة في إضفاء وإسقاط الحالات النفسيّة للشخصيّة على المكان، بحيث أصبح المكان جزءا من طبيعة الشخصية وأحوالها ومشاعرها، كما رأينا في رحلات نضال إلى قرى زواتا وصانور، وفي علاقتها العاطفية وإسقاطاتها النفسية على كل مكان في بيت العائلة وما يُثيره من ذكريات وأحاسيس وانفعالات.
فعندما تعود بعد سنوات القطيعة الطويلة إلى دار العائلة في نابلس وتتنقل بين أجزاء الدار المهجورة، يعود الماضي بكل ما كان ليحيا من جديد وينتفض قويا، فتتحرك الأمكنة وتهتز تستعيد رونقها ويحضر أهل الدار وتدبّ الحياة من جديد.
وهذا البيت نفسه لا ينحصر دوره في كونه بيت آل قحطان العريق الذي تعود إليه نضال لترمم ما تهدّم منه وتُعيد إليه الحياة، وإنما كان ملجأ الثوّار ومركز قيادتهم ، والسجن الذي حبسوا فيه العملاء والخونة، والمحكمة التي حاكموا فيها وأصدروا قراراتهم . كما ومثّل صمود الوطن والأهل ضد كل محتل غريب.
ونكاد نجد قدسية المكان ورمزيته ومركزيته في صنع الحدث أو دافعا للحدث أو مكونا للإنسان ومُقررا مصيره في معظم أجزاء الرواية. ولا ننسى أن الصراع الحادّ والشديد والمستمر بكل شراسته بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود يدور حول المكان، ومَنْ مِنَ الطرفين صاحب الأحقيّة فيه وسيكون صاحبه؟

شخصيّات مستمرّة في دورها
لم أتوسّع في تناولي للشخصيات في الجزء الأوّل من الرواية "أصل وفصلوالسبب أنّ هذه الشخصيات لم ينته دورها وإنما استمر عملها في الجزء الثاني "حبي الأوّل".
"وكما أنّ المكان لا يأخذ أهميّته بغير الإنسان، والإنسان لا يتحقّق وجوده إلا من خلال المكان، والزمان ملازم للمكان، فإنّ هذا الثالوث معا هو التشكيل الأساسي لكل عمل روائي متكامل."[4] فالزمان والمكان، كذلك الشخصية تُشكل عنصرا مهما في البناء الروائي.
فستّي زكيّة الشخصية النسائية المركزية في "أصل وفصل" التي أمسكت بزمام الأمور واعتنت بعائلتها، وعملت وتعبت في سبيل تربية أفراد أسرتها، وظلّت ترعاهم وتوحّد بينهم خاصة في مواقف الخلاف والتنافر، وكانت صاحبة الرؤيا والاستشراف للآتي البعيد والتنبؤ بما ستؤول إليه أوضاع البلاد من ضياع وتشريد لأهلها، لم تغب في "حبي الأوّل" وإنّما استمرت في دورها ومركزيتها من خلال استعادة حفيدتها نضال لذكرياتها ورحلاتها مع جدّتها زكية لزيارة خالها وحيد في الأماكن التي يتواجد فيها مع الثوّار في قرى زواتا وصانور وغيرها، وفي إبراز دورها المهم والاحترام الذي تحظى به عند كل رجال الثورة كما برز في المواجهة الحادّة التي كادت تصل إلى حدّ القتال وإطلاق النار بين الثوّار، "بحضرة الحجة أنا ابن ناس ومؤدّب. أنا بحضرة الستّ الوالدة لطيف ومؤدّب."(126) هكذا يقول الزيبق أحد رجال الثورة المشهورين المخيفين بعد أن كان يبغي القتال وتأدّب بحضرتها. فقد نجحت ستي زكية أن تحافظ على مركزيتها وأهميتها في تشكّل وتطوّر الأحداث منذ اللحظة التي توفي فيها زوجها وحملت عبء تربية أبنائها حتى يومها الأخير.
ومثلها كانت ابنتها وداد التي عرفنا في "أصل وفص" في سيرتها الطويلة، فتاة خجولة، تُزوّج من ابن خالها وتلاقي الأمرين منه ومن إهماله لها وخيانتها مع الفتيات اليهوديات، ثم ما حدث لها من تغيّرات جذرية بعد هربها إلى القدس ومرافقتها لليزا في مختلف المواقف الوطنية، ثم عودتها للبيت وإصرارها على العمل ودراسة التمريض حتى ولو أدّى بها ذلك إلى إهمال ابنتها نضال وتركها في عهدة أمها لتتولى تربيتها. وتعود بنا نضال في "حبي الأوّل" لتكشف لنا الكثير من سيرة والدتها وداد. كيف أصرّت على متابعة دراستها في دورة التمريض وثم العمل في المستشفى ومداواة الجرحى. وكيف تطوّرت فكريا وثقافيا وأصبحت تملك رؤيا ثورية نضالية. ثم تكشف لنا، من خلال مذكرات خالها أمين، أن والدتها وداد عالجت القائد عبد القادر الحسيني واعتنت به مدّة نزوله المستشفى، وأنها وقعت في حبّه وعانت الكثير من هذا الحب الصامت.
كذلك تذكر ليزا الفتاة المسيحية التي كانت المؤثرة الأولى على وداد، ومن ثم كانت معشوقة خالها أمين ومدى الشخصيّة القويّة التي ملكتها وفرضتها على أمين وكل مَن عرفها.
وسردت لنا تفاصيل من حياة خالها أمين مستعيدة بعضها من ذاكرتها البعيدة وناقلة البقية من مذكرات أمين نفسه، وكيف أن خالها أمين ظل في عمله الصحافي ومتمسكا بمواقفه المبدئية الناقدة رغم ما أوصلته إلى مُواجهات وصدامات حادّة مع شقيقه وحيد. وأن أمين هام بحب ليزا وكان عبدها المطيع، يعشق كلّ ما يمتّ لها. وكيف أنّ أمين بعد فشل ثورة وحيد ورجاله في القرى، انضم إلى عبد القادر الحسيني وأصبح مرافقه الملازم في كل تحرّكاته حتى اللحظات الأخيرة وسقوط عبد القادر شهيدا في القسطل وأمين إلى جانبه. وبعد استشهاد الحسيني ذهب أمين إلى لبنان ليلحق بليزا وبأنطوان سعادة الذي وعد بتحرير القدس.(ص383).
وعرفنا من خلال ذكريات نضال وما سجله خالها أمين في مذكراته ما حدث لخالها وحيد بعد استشهاد عز الدين القسّام وفشل ثورته عام 1936. كيف أنّ وحيد استلم قيادة الثورة وتابع القتال ضد المحتل الإنكليزي وضدّ المستوطنين اليهود، ولكنه نقل ثورته من شمال فلسطين إلى قرى منطقة نابلس. وأنه أصبح القائد المُطاع والمحبوب حتى آلت به تطوّرات الأحداث السياسية وخيانات القيادات العربية ودعم الإنكليز لليهود أن يُعلن فشل الثورة وانتهاء القتال، وتحوّل ليكون مزارعا عاديا، وتزوج من حسنا المناضلة القوية، ومن ثم انضم للقائد عبد القادر الحسيني وقاتل معه حتى استشهاد الحسيني في القسطل، أمّا وحيد نفسه فقد قُتل في دير ياسين.
المشترك بين هذه الشخصيات كلّها أنها كانت مركزيّة، ولها دورها المهم في صنع الأحداث وتطوّرها، وكانت دائمة التطوّر في تكوّن وبلورة واستقلال شخصيتها ورؤيتها النضالية والسياسية والفكرية.
نضال راوية القصة في "حبي الأوّل" عرفناها في "أصل وفصل" في مراحل تكوّنها جنينا ينتظره مستقبل غير واضح المعالم. وها هي تعود إلينا فنّانة تحمل لوحاتها، تقترب من السبعين من عمرها، لتُرمّم بيت العائلة وتموت في الوطن بعد عناء الشتات والغربة. وهي تروي لنا ما خفي عنّا في السنوات الأولى بعد استشهاد القسّام وتفجّر الثورة في قرى منطقة نابلس بقيادة خالها وحيد. تروي لنا قصّة رحلاتها مع جدتها "ستي زكية" إلى مواقع الثوّار حيث خالها وحيد، وقصة حبّها لربيع الصغير مرافق خالها وساعده الأيمن، وما حدث في كل المنطقة من أحداث وتغيّرات. وما آلت إليه أحوالها بعد إدخالها للدير في القدس ومن ثم مغادرتها الوطن وعودتها إليه بعد الغياب الطويل، وتعرّفها على جارتها ياسمين، ومن ثم مقابلتها وحياتها مع ربيع الذي أحبته في سنوات مراهقتها، ربيع العائد من الماضي البعيد شيخا هرما يملك المال ولكنه يفتقد للجسد القوي والأمل الكبير والرؤيا البعيدة.

شخصيّات حملت الراية وتابعت الطريق
عبد القادر الحسيني قائد منطقة القدس وشهيد فلسطين الذي سقط في القسطل يوم 7 نيسان عام 1948. وقد لعب دورا مركزيا في مواجهة الإنكليز والقوات اليهودية، ومثّل النموذج الأسمى للرجل القائد المخلص المتفاني في سبيل شعبه ووطنه. وقد استحضرته سحر خليفة، كما استحضرت غيره من القادة المناضلين، لتؤكّد مصداقيّة ما سعت إليه وما حصلت عليه بالوثائق المثبتة ويجيب على السؤال الضائع منذ ستة عقود وأكثر: مَن أضاع فلسطين وكيف؟ وقد اعتمدت المراجع الكثيرة من وثائق ومذكرات وشهادات وصور، أثبت بعضها في الهوامش وضمن الرواية .
ربيع حبيب نضال شخصيّة جديدة عرفناها في "حبي الأوّل" فتى في بداية حياته، ترك والده وعاش مع جدذته ثم التحق بالثورة وكان الإبن المُتَبنّى لقائدها وحيد القحطان وريث الشهيد عز الدين القسّام. ربيع كان اليد اليمنى المخلصة للقائد وحيد وظلّ في رفقته حتى انهيار الثورة وتشتّت رجالها فتركه لينضم إلى عبد القادر الحسيني ويكون مع أمين القحطان أقرب المقربين حتى استشهاد عبد القادر في القسطل، فترك ربيع البلاد إلى لبنان، ومن ثم عرفنا مما رواه لنضال بعد التقائهما، أنه سافر إلى كندا وتزوّج من فتاة كندية ماتت بسرطان الثدي، وعاد إلى البلاد رجلا ثريا وقد تعدّى السبعين من عمره ليعيش فيها هادئا مطمئنا بعد أن أوكل لأبنائه إدارة أعماله.
وقد مثّل ربيع شريحة الشباب الثوري الذي آمن بالعمل الثوري ومقاومة المحتل ولكنه أصيب بخيبة الأمل من الزعماء والقادة والوجهاء وخياناتهم التي أدّت إلى فشل الثورات وضياع البلاد وتشتت الشعب.

دور المرأة البارز
شكّلت المرأة دورا بارزا ومهمّا في كل مهمّة قامت بها، وقد فاقت الرجل في الكثير من المهمّات والمواقف النضالية. فالنساء في "أصل وفصل" خرجن في المظاهرات، وواجهن الحاكم الإنكليزي وعملن على مساعدة الثوّار والعناية بالمصابين منهم، وساهمن في الثورة الاجتماعية والفكرية وتبلور المجتمع الفلسطيني الحضاري. وقد كانت وداد القحطان النموذج المثالي للمرأة الرافضة واقع الظلم الذي فرض عليها، والتي ثارت وتمردّت وخرجت لتعلن ثورتها وتعمل على خلق واقع جديد لها ولكل أبناء مجتمعها بالخروج على العادات والتقاليد ورفض هيمنة الرجل وحكمه، فتعلمت وعملت وشاركت في كل نضالات أبناء شعبها.
ومثل وداد كانت حسنا المرأة المناضلة ذات الشخصية القوية التي اختارت وحيد سيّد الرجال وقائد الثورة، ليكون زوجا لها بعد استشهاد زوجها المناضل. حسنا التي وقفت إلى جانب وحيد تتحدّى مختار القرية وتُعيب مواقفه المُتخاذلة أمام استشراس المستوطنين اليهود في الاستيلاء على الأرض. والتي لم تخف سطوة وقسوة وعنف الزيبق الذي فاجأ الجميع فيبيت المزرعة في صانور ودخل عليهم مهددا حيث فاجأته بوضع البندقية في ظهره وتهديده بالموت إذا تمادى في غيّه. "فجأة رأينا حسنا تسدّ باب المطبخ فحجبت النور بثوبها الأسود وضخامتها، وبندقيّة بيدها موجّهة إلى ظهر الزيبق. وبدون كلام، غرست الفوّهة في ظهره فجمد مكانه وحملق عينيه ثم ابتسم بسمة خبيثة وقال متسائلا : حسنا؟ أكيد حسنا؟ أكيد حسنا.عفارم عليك! (ص130-131).
وكانت ياسمين جارة نضال في نابلس الشخصيّة التي سحبت الزمن إلى السنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين، ورغم أن هدف الكاتبة التمحور في السنوات التي سبقت يوم النكبة عام 1948 وفي الأحداث التي جرت ما بين أحداث 1939 و1948 وكشف المستور عمّا جرى من مؤامرات على الشعب الفلسطيني وتعرية القادة والزعماء والوجهاء الذين خانوا فلسطين وشعبها، وتركوا الشعب يواجه أبشع جريمة، وهي ضياع الوطن والتشريد، إلا أن ياسمين بحيويتها وحبّ استطلاعها وفرض صداقتها على نضال كانت التي نقلت أحداث السنوات التي عاشها ويعيشها الشعب الفلسطيني تحت الحكم الإسرائيلي، فذكرت الكثير من المواقف النضالية للشباب ضدّ جند الاحتلال، خاصة زمن الانتفاضة الأولى، وكشفت الكثير من ممارسات جند الاحتلال غير الإنسانية، كما أنها أعطتنا صورة عن التحوّلات الاجتماعية والفكرية وحتى السياسية في المجتمع الفلسطيني تحت الحكم الإسرائيلي. ورغم أنّ ياسمينكانت قد تزوّجت وطلّقها زوجها لأنها عاقر، وعادت لتعيش مع أمها لم تفقد الحيويّة والطرافة وحبّ الدعابة، وأضفت على المَشاهد التي شاركت فيها جو المَرح والضحك بتعليقاتها وحركاتها التي كانت تُثير الآخرين وتخرجهم من همومهم الذاتية والعامّة ليضحكوا ويفكروا بما يُفرحهم ويُطيل البسمة على شفاههم، " واستدارت بكلّيتها لصديقها الصغير الذي كان يُضحكها ويسلّيها ويسألها عن أخبار خزانتها وعن الراديو وهي تضحك، وأنا أضحك، وأمّها ترمقها بامتعاض خفيف لأنّها تشعر أنّ ابنتها ليست راكزة وثقيلة وتضحك بخفّة ورعونة كالمهفوفات، لكن يا سمين لم تأبه لنظرات الأمّ وهزّات الرأس وظلّت تضحك."(ص222)

مَن قتل عبد القادر الحسيني؟
مَن قتل البطل، أهمُ اليهود أم هي الشام وزعماء القدس؟
بهذه الحدّة ونغمة الاتّهام القوية تُوجّه سحر خليفة سؤالها الدائم القاسي: مَن قتل عبد القادر الحسيني؟ وهذا يعني مَن قتل الحلم والقضية والبلد والشعب وكل ما حارب من أجله عبد القادر الحسيني واستشهد في القسطل؟
وبهذا السؤال المتّهم تصل سحر خليفة إلى الجواب على السؤال الذي طرحته مع انطلاقتها لكشف المستور والمخبّأ وأسرار ومؤامرات وخيانات كانت السبب في وقوع النكبة وتشريد الشعب الفلسطيني عام 1948.
فهؤلاء الزعماء والوجهاء والقادة الذين رفضوا مَدّ يدِ العَون لعز الدين القسّام ورجاله في ثورتهم ضد جند الإنكليز والمستوطنين اليهود في ثورة 1936، تخلوا عن وحيد القحطان ورجاله عام 1939، وعادوا وكرروا موقفهم مع عبد القادر الحسيني عام 1948، ولهذا لم يجد الثوار أمامهم من مخرج إلا الدخول في معارك غير متكافئة كانت نتائجها معروفة سلفا. "إنّ الثورة عادت لتكرر الأخطاء نفسها. خالي أمين كتب، وآخرون كتبوا وقالوا إنّ ما حدث في ثورة 1929 أعيد ثانية في ثورة 1936 وها هو يُعاد في نهاية1939.." (102)
وبمرارة ساخنة يقول أمين لأخيه وحيد حين طلب منه وحيد أن يتوسّط لدى وجهاء القدس للحصول على سلاح الذي سافر إلى الشام ليجتمع بالقادة العرب ويطلب مساعدتهم: "ما زلنا نغني الموال نفسه ضع يديك بماء بارد. هؤلاء الوجهاء والزعماء لا يعبأون بك ولا برجالك ولا بالثورة. أنت تظن أن رجالك يتصرفون بهذا الشكل لأنهم فقراء وأشقياء وبلا تعليم؟ لو أنك هناك وسمعت الزعماء والوجهاء لكفرت بكل شيء حتى بنفسك(ص114)
وكانت فجيعة عبد القادر عندما اكتشف أنّ القائد العام للمعركة المكلف من قبل زعماء العرب لا يعرف قراءة الخارطة ولا يعرف تحديد موقع مدينة القدس أو حيفا أو يافا أو عكا أو نابلس ويسأل بغباء: "يافا على البحر؟ وهي ميناء؟ وتل أبيب؟ وميناء حيفا؟ ولكن القدس ليست على البحر وليست ميناء، فلماذا لا تحاصرون تل أبيب بدل القدس؟"(ص294). وبينما كان عبد القادر يشرح للقادة والزعماء كانوا يرشفون القهوة والشاي والزهورات ببطء وجمود لأنهم- كما عرفنا وكما هو واضح- ملتزمون بعهد قطعوه لبريطانيا بألا يُعطونا سلاحا ولا ذخائر، ولا يُدرّبونا على حَمْل السلاح، وألا يعترفوا بالجهاد المقدّس وقائدنا."(ص297).
ويُسجّل أمين في مذكراته مَحضر الجلسة، "وقال لهم عبد القادر وقد يئس من تجاوبهم وتلبيتهم طلبه: "هذه فلسطين العربية بين أيديكم، والشعب العربي يُناديكم لأنكم الزعماء والقادة، ومَصير الأمّة بمختلف أقطارها أمانة في أعناقكم."(ص300) وكيف صُدم عبد القادر من كلام القائد العام: "أنا يا عبد القادر قلت لك إنّي غير متحمّس لحصار المستعمرات وأفضّل حصار تل أبيب حتى نقضي على رأس الأفعى ونُحقّق نصرا تاريخيّا ونمحقهم."(ص300) وعاد عبد القادر ليطالبهم بالسلاح وقال: أستحلفكم بالله، أناشدكم. القدس أمانة في اعناقكم أنقذوها."(ص302) وطار صواب عبد القادر وأمين وربيع وهم لا يصدقون ما يقوله القائد العام وقد نفذ صبره ولم يعد يريد سماع عبد القادر: "ولماذا كلّ هذا الاهتمام بالقدس؟ أنا لا أفهم! لو كانت على البحر لاستحقّت، لكنها ليست على البحر. لو كانت على البحر لساعدناك وأعطيناك، لكنها ليست على البحر ولا هي مرفأ."(ص302). ولم يعد عبد القادر يحتمل وقد بلغته أخبار سقوط القسطل، وهو يرى صفاقة القائد العام بحمق ورعونة وهو يقوم بحركات بهلوانية برفع يد وإنزال يد، ويقبض على الهواء بقبضته ويقول ضاحكا: هذه دبابات، خذها، تفضّل. وهذه مدافع ، خذها حبيبي، خذها، تفضّل. تريد سلاحا؟ ما فيه سلاح. تريد مالا؟ ما عندنا مال. نحن نعرف شغلنا ونعرف الحقائق ولدينا ما يكفي من المعلومات."(ص316)(5)[5] فردّ عليه بغضب: "ما هذا الهراء؟ ما هذا العبث بمصير الناس والأوطان؟ ألا تخجلون؟" (ص317) وجنّ جنون عبد القادر من تعليقات وجواب القادة والزعماء العرب: "خلاص ماكو، ماكو مدفعيّة، ماكو سلاح وماكو مال وماكو قنابل."(ص318) وقال موجها اتّهاماته وسهامه لهم: "سيسجّل التاريخ أنّكم السبب في ضياع القدس وبقيّة فلسطين، أنتم المسؤولون عمّا سيحلّ بنا وبكم. أنتم متآمرون مع بريطانيا. أنا سأموت ولن أستسلم. سأحتل القسطل بلحمي ودمي ولحم رجالي ولن أستسلم، وسيسجّل التاريخ ما فعلتم. أنتم متآمرون. أنتم خونة."(ص318).
ويذكر أمين القحطان في مذكراته أنّ عبد القادر "خرج من الباب وصفقه بعنف فاهتزّ البناء، ومشى أمامنا كأنّه يركض، ولحقناه نحن حتى خرجنا ووقفنا على الرصيف تحت السماء ونحن نلهث. وبعد دقائق من الصمت والوجوم والتّنفّس، سمعناه يقول: اسمعوا يا رفاق. هذه بداية النهاية، ليس أمامنا إلا التالي: إمّا أن ننتحر هنا في الشام، أو نذهب إلى بغداد ونختفي فيها،أو نعود إلى فلسطين ونموت هناك، ماذا ترون؟ وقبل أن يسمع إجابتنا، سمعناه يقول: نذهب إلى فلسطين ونموت هناك."(ص318). وهذا ما حدث،
فقد عاد عبد القادر الحسيني وأمين وربيع إلى القدس وبدأ يُعدُّ رجاله القلائل لمعركة استعادة القسطل، ورغم تحذيرات أمين وغير أمين لعبد القادر بالنتائج الوخيمة للمعركة لعدم التكافؤ ما بين العرب واليهود، إلا أنه أصرّ على خوض المعركة التي كانت نتائجها استشهاد عبد القادر والعديد من الرجال وسقوط القسطل وبعدها دير ياسين ومعظم أراضي فلسطين وتشريد الشعب الفلسطيني.
ولم يعد سؤال سحر خليفة: مَن قتل عبد القادر؟ بالسؤال الصعب، فجوابه واضح ولا لبس فيه، فالذي قتل عبد القادر الحسيني هم الذين ضيّعوا فلسطين وشرّدوا شعبها. والمُضحك المُبكي أنّهم يبنون أمجادَهم ويُثبّتون مقاعدَ حكمهم بشعاراتهم الصاخبة التي يُعلنونها وقسمهم بتحرير فلسطين.

بداية الرواية ونهايتها
لقد حقّقت سحر خليفة في روايتها هذه، بجزأيها "أصل وفصل و حبّي الأوّل"، ما أرادت تحقيقه بكشف كل أسرار الجريمة التي كان ضحيتها شعبها الفلسطيني بضياع الوطن وتشريد الشعب. لكن سحر التي بدأت "أصل وفصل" بتصوير مأساة أسرة وحيد وأمين القحطان واستشراف النكبة التي ستحل بكل الوطن وأبنائه، أرادت أن تنهي الجزء الثاني "حبّي الأوّل" بومضة أمل وإشراقة مستقبل مرجو وفرحة قد تكون من نصيب الشعب الذي صبر ولا يزال، فقد أنهت الرواية بمشهد دخول ربيع ومعه "سَيل عرمرَم من الزوّار، كبار وصغار، نساء ورجال، وأطفال رضّع وحوامل. قدّمهم لي، الأكبر فالأصغر فالرُّضّع: هذان التوأمان، توأما حسنا.هذان وحيد وعبد القادر، وهؤلاء، كل هؤلاء، أبناء وحيد وعيلة قحطان. هؤلاء أولاد وحيد وأحفاده، وأولاد عبد القادر وأحفاده، وعديّ ونضال."(ص391)
وبكت نضال من الفرحة والتأثّر ولم تعدّ. كانوا اكثر من أيّ عدد."(ص391).
وبهذه النهاية تقول لنا سحر: ليَقْتُلوا ويُشَرّدوا ويَعتقلوا، فشعبُنا باق، وحلمُه لا يخبو.وليذهبْ كلّ الخَوَنة والعُملاء والسماسرة الذين ضيّعوا الوطن، وسبّبوا في تشريد الشعب إلى الجحيم.
[1]من كلمتها في مؤتمر الإبداع الروائي الذي عقد في القاهرة يوم 16شباط 2008

[2]دار الآداب 2010

[3]أصل وفصل ص361/363
[4]نبيه القاسم، الفن الروائي عند عبد الرحمن منيف (دار الهدى للطباعة والنشر كريم 2001م.ض كفر قرع ). ص31

[5]كلمات الحوار في معظمها حرفيّة، أوردها أمين سرّ الجهاد المقدّس قاسم الريماوي في: مخطوط عبد القادر الحسيني 1950، كما تشير الكاتبة في الهوامش..

قديم 05-01-2012, 10:47 PM
المشاركة 508
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
صدور كتاب جديد للدكتور نبيه القاسم "سحر خليفة وصرختها العالية:لا"
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

"سحر خليفة وصرختها العالية:لا"... هو الكتاب الجديد للدكتور نبيه القاسم. وقد صدر الكتاب هذا الأسبوع عن دار الهدى للنشر لصاحبها عز الدين عثامنة. والكتاب يُشكل حلقة جديدة في أعمال الدكتور نبيه القاسم النقدية.
وقد أكّد الكاتب أهمية سحر خليفة الأدبية بقوله:
تميّزت سحر خليفة في إبداعاتها بالتزامها معالجة هموم الشعب وتصوير حياته اليوميّة وما فيها من تعقيدات وتشابكات خاصّة بكل ما يتعلّق بوضع المرأة وعلاقتها بالرجل، وبالمقابل في مرافقة نضال الناس في مواجهتهم لاحتلال الأرض وظلم الإنسان حتى باتت تُؤَطّر بين ثنائيتين هما: المرأة في مواجهة الرجل. والإنسان الفلسطيني في مواجهة جندي الاحتلال.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

سحر خليفة واحدة من الذين شاهدوا وتوقّعوا وحذّروا ونبّهوا وصرخوا، وتكاد تكون الوحيدة التي لم تُهادن ولم تتراجع ولم تقبل بكلّ التفسيرات والتعليلات والتطمينات والإغراءات، وظلّت على موقفها المنتَقد الرافض.
سحر خليفة، صاحبة الرؤية الثاقبة الصحيحة، والرؤيا البعيدة، والرّافضة لكل مخادعات الواقع ومُغريات الحياة، اختارت اللغة القريبة للغة الصحافة اليومية لتخاطبَ الناس وتحكي لهم قصّتهم التي يعيشونها ليعرفوا حقيقة واقعهم ويرفضوا رفع راية التسليم. ورغم سهام الاتّهام التي وُجّهت لها ظلّت على مواقفها الصامدة الرّافضة المتّهمة مُعلنة صرختها العالية: لا.

قديم 05-02-2012, 03:41 PM
المشاركة 509
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
في حزيران الفلسطيني يشتعلُ الوجع والحصاد
التفاحةُ انشطرت رجل وامرأة
2008-06-09
امل جمعة –رام اللة/ فلسطين
التفاحةُ انشطرت رجل وامرأة

وقفت على المنصة تشكر الحضور المثقف رجالا ونساء، وتروي بصوتها -المجرب والخبيربجذب الاخرين - كيف هاجمها النقاد مع صدور روايتها الاولى "لم نعد جواري لكم" - كتبته سرا عن زوجها آن ذاك –اتهموها بالعجز والقصور عن فهم (ماهية الرجل والمرأة ) ، وقالوا:"امرأة محبطة تكره الرجال وتكره انوثتها. اختبأت سنوات قبل ان تصدرروايتها الثانية (الصّبار) وفي مطلع الثمانينات خرجت "كعبادالشمس" من عمق الارضلتحلق بالضوء ، وتنبأت بها بالانتفاضة الاولى لتأتي فيما بعد روايتها "بابالساحة" مشهدا روائيا يؤرخ للمرأة والانتفاضة .
فجأة، وسط انتباه الحضور الشديد اخرجت الروائية سحر خليفة من كيس بلاستيكي ابيضتفاحة حمراء يانعة امام الجمهور المندهش صارخة بمرح وبالم مستتر:" لولا التفاحة لماكنا نحن ولا انتم ولولا فضول حواء لما وقفت على هذه المنصة"، القت بها لنائب رئيسجامعة بيت لحم ( د.روبرت سميث) قائلة: " لا تأكلها احتفظ بها وتذكر ان التفاحةالمشطورة بين الرجل والمرأة لابد ان تكتمل بهذا الشكل .
الروائية الفلسطينية سحر خليفة ابنة مدينة نابلس_ شمال الضفةالغربية_ ، تأتيوطنها فلسطين وبالتحديد الى مدينة بيت لحم -جنوب الضفة- لتكرم في" مؤتمر الادبالقلسطيني الثالث" والذى تحتضنه جامعة بيت لحم للسنة الثالثة على التوالي بعنوانلافت ومثير (الأدب النسوي في فلسطين) ويرعى من جهتين، نسوية وثقافية مركزالمرأةالفلسطينية للابحاث والتوثيق والتي تديرها زهيرة كمال وزيرة المرأة الاولىوالسابقة ومؤسسة عبدالمحسن القطان الثقافية المتمركزتين في مدينة رام اللة .
بين الجمهور جلست سيدة بشعر اسود وصوت جميل، غنى للوطن والحرية يوما ما / قبل انتختار سامية بدران الصمت . تقول :" منذ سنوات الحاني واغنياتي لا تجد من يطبعهااو يروج لها . دمعت سامية -مدرسة الموسيقى في مدرسة الفرندس-وفيلم قصير يستعرض حياةسحر خليفة ويحكي عن كبت وظلم مارسته الام اولا ثم مدرسة الراهبات الداخلية ومرورابزواج اجبرت عليه اثمر زهرتين جمليتين قبل ان تشهر قلمها وتعلن نهاية عصر الجواريعام 1974، لتنطلق وتنضم لجامعة بيزيت ولها من العمر 32 عاما ، وام لمراهقتين لتحصلعلى درجة الدكتوراة من جامعة ايوا الامريكية "دراسات المرأة والادب الامريكي"،
لفتتانتباهي هذة السيدة المتحمسة لأدب سحر خليفة وشدتني دمعة فلتت منها قالت في اروقةالاستراحة : اتدرون هذه السيدة الظالمة ( وتقصد والدة سحر خليفة ) كانت السبب فيحياتي، فقبل ان تنقذني من الغرق في بئر مجاور لبيتنا ولي من العمر سنتين انجبتامي ،احترت في مشاعري-تقول منفعلة - اسمع واشاهد خالتي تتحدث عن اول سجانيها " جدتي " التي احبها وخالتي التي ربتني كابنتها الروحية .
تلك المشاعر المتناقضة تعيشها النساء تجاه بعضهن واردة كثيرا في حياتنا العربية .سحر خليفة تعد اليوم من اشهر الكاتبات النسويات في المنطقة العربية ولا زالت اقلامالنقاد والناقدات تطال الروايات الست التي اصدرتها ومنها "باب الساحة "والذي صدرنهاية الثمانينات كانت حجر الزاويه الاهم ورغم الترجمات التي وصلت الى ثلاث عشر لغةلكتبها توصف بانها" كاتبة نسوية "هذا الوصف تصر عليه وان بدا وصفا نقديا ملغومافالمتلقي العادي مثلا لا يحسم ان كان الوصف على سبيل المدح او الذم .
انا كاتبة نسوية اقر بذلك ملتزمة بقضايا المرأة تجهر بها سحر خليفة بالمؤتمر بما يشبه الاعلان ، في مؤتمر اتخذ عنوانا له الادب النسوي وخصصت اوارق عمله الكثيرة للذاهب الى الرواسات الممهورة بتوقيع النساء وتشرح :"ابنتي مثلا تتصرف بحرية وتدافع عن نسويتها بقوة لكنها ترفض لقب نسوية ، والشاعرةالعظيمة فدوى طوقان صرحت في اكثر من مرة ،"انا لست بشاعرة نسوية" ومع ذاك كتابها "رحلة جبلية رحلة صعبة" هو اقوى مثال على ما اقصد بالكتابه النسوية كان هذا في محضر اجابتها عن الفرق بين الادب النسوي والادب الذي تكتبه النساء وهو محور المؤتمر المنعقد يومي 6/7 حزيران الجاري .يقودنا هذا لتعريف مصطلح الأدب النسوي والذي جاء في اجندة المؤتمر" الكتابة من وجهة نظر نسوية ملتزمة بقضايا المرأة بغض النظر كانت ابداع رجل او امرأة لكن بالغالب ولاسباب مفهومة ومبررة النساء يكتبن بها اكثر. وهذا يختلف عما يسمى بكتابة النساء برأي الناقدة سماهر الضامن
==
سحر عدنان خليفة
حياتها في سطور:
- ولدت عام 1941.
- تعلمت في ابتدائية الخنساء في نابلس من 1949 – 1953,
- متوسطة صهيون – القدس عام 1954- 1955.
- كلية راهبات الوردية عمان الأردن عام 1955- 1959.

تقول سحر خليفة عن حياتها في كتاب عثرت عليه في مكتبة بلدية نابلس ص. 564 + 565+566:
- ولدت في نابلس عام 1941 من عائلة محافظة.
- كنت إحدى ثماني بنات إلى جانب ولد واحد، ماتت اثنتان منهما وهما ما زالتا طفلتين، وكنت اسمع نسوة العائلة يتبادلن تعليقات تشي بالارتياح لان العبء نقص اثنتين. بمعنى أننا كبنات عوملنا كما لو، كنا عبئا، بعكس أخي الذي عومل منذ البداية كما لو كان سر استمرار العائلة وسرج سعادتها. وهكذا وعيت مشكلة التمييز الجنسي منذ الطفولة.
- طفولتي كانت مليئة باللعب والحركات الصاخبة . الضجيج كان متنفسي، لكني حين كنت أعود إلى البيت واخلد إلى السكون كنت أحس بوحشة خانقة.
- كان أبي منشغل بعمله، أمي بهموم الحمل والميلاد والذرية، أخواتي كل في عملها الصغير، فاستعضت عن برودة الجو بعالم مليء بالخيالات والهوايات المتعددة المتنوعة. قصص مليئة بالإحداث المختلقة أقصها على أقران الطفولة على أنها حقائق فيصدقونها كما أصدقها أنا.
- تنقلت بين المدارس المتعددة. فترة الابتدائية قضيت معظمها في مدرسة الخنساء الابتدائية في نابلس، وفترة الثانوية قضيت معظمها في كلية راهبات الوردية في عمان.
- مراهقتي كانت صعبة لأبعد حد. وعانت أمي كما عانيت أنا من أحاسيسي المتطرفة. وفي تلك الفترة قرأت كثيرا ورسمت كثيرا ورقصت وغنيت وملأت الدنيا ضجيجا وأزعجت الآخرين فابكوني وأحببت وكرهت فعاقبوني فتماديت حتى كادت أمي تفقد عقلها خوفا مني وخوفا عليّ، فوضعتني في مدارس داخليه لراهبات تعمدت أن يكن صارمات، فأخفتهن كما أخفنني ثم أحببتهن كما أحببني.
- تأثرت باللمسة الشعرية التي تحيط بحياتهم: دهاليز معتمة وأخرى مضيئة وترانيم تنطلق من وراء زجاج الكنائس الملون مع عنبر البخور وأعياد تكثر فيها الشموع والزينات والورود وشجرة الميلاد والمغارة والتماثيل الصغيرة بين نباتات تزرعها في أوعية صغيرة بانتظار العيد.
- كان لكلمات الفنان الفلسطيني إسماعيل شموط أثرها العظيم في نفسي حين سمعته في أول محاضرة ألقاها في المنتدى الثقافي في نابلس حين تحدث عن الفن، ومنذ ذلك الحين أصبح إسماعيل شموط قدوة ومثالا ومعلما. وكان كبيرا فأحاطني بالرعاية وكنت صغيرة ومضعضعة الثقة فرفع معنوياتي وباتت كلماته وتجاربه الفنية والحياتية نورا اهتدي به والتجئ إليه كلما اشتدت وطأة الحياة عليّ.
- زواجي كان كابوسا أفقت يوما وكنت في الثامنة عشرة فوجدتني مقيدة الى رجل هو ابعد الناس عني. وبالإضافة إلى بعده النفسي والعاطفي والفكري فقد كان مقامرا مدمنا مما جعل حياتي الزوجية حطاما لا أمل فيه. ورغم ذلك جاهدت السنة تلو السنة حتى يستمر الزواج ويظل البيت قائما من اجل البنتين وأجلي فلم أوفق، وانتهى الزواج بعد 13 سنة وكنت في الحادية والثلاثين.
- روايتي الثانية لم نعد جواري لكم كان لها اثرا كبيرا على حياتي إذ كانت الحد الفاصل ما بين الزواج والأدب. وكان زواجي قد وصل الى مرحلة من اليأس كادت تؤدي بي الى الانتحار فكان قبول الرواية للنشر في دار المعارف مؤشرا على وجود أمل في النجاة.
- في شهر أيار عام 1972 غادرت زوجي وليبيا إلى غير رجعة. ووجدتني أعود إلى البداية ولكن بمسؤوليات وهموم وطموح أكبر من إمكانياتي بكثير. وكنت لا املك إلا إلف دينار هي حصيلة عملي في ليبيا، وشهادة ثانوية، وأحلام كبيرة- وطفلتين.
- وكانت العائلة التي طالما فمعتني وحمتني قد أضحت شتاتا ، أبي تزوج امرأة أخرى. أمي هدتها هموم الدنيا، أخي مصاب بالشلل أثر إصابته بحادث سيارة. أخواتي بعضهن متزوجات وبعضهن يخططن للزواج ، وأنا وحدي ضد العالم وفي رقبتي مسؤولية طفلتين وحلم كبير.
- منذ البداية كنت اعرف ما أريد ، أن أصبح أديبة وذات دخل ثابت..كان ذلك ما أريده باختصار فسعيت نحوه مباشرة ودون تردد.

قديم 05-02-2012, 03:53 PM
المشاركة 510
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اهم الاحداث المؤثر في طفولة سحر خليفة:

في ردها على سؤال من الصحفية نوارة لحرش من جريدة النصر الجزائرية في 21 أفريل 2009جاء فيه :
- برأيك ما هي أهم أسئلة الرواية الفلسطينية، هل بقيت نفسها أسئلة الهوية والوجود أم إنضافت لها أسئلة أخرى؟
تقول سحر خـليفة : الأدب بالنسبة لمعظم الأدباء الفلسطينيين أداة صراع من أجل الحرية والتغيير. هذا بشكل عام، أما بالنسبة لي، فأنا أعمد أن أطلق في رواياتي الأسئلة الحارة ذات الأبعاد الوجودية، والسياسية، والاجتماعية، وكل ما يمكن أن يمس وجودنا: ما يعطله أو يحركه أو يقلقه.

بالنسبة لي، كان الأدب كل هذا: أسئلة وبحث وفهم وتصوير وجمال، رسم بالمشهد والكلمة، فكما سبق وقلت، بدأت حياتي الفنية كهاوية، ثم تطورت. أصبحت أديبة ملتزمة. تعلمت أن أكون ملتزمة.

ربما بحكم ظروفي الشخصية، وربما لأني عشت مرحلة انتكاسات واحتلال وانتفاضات وثورة ونضال وعنف ودمار.
- و ربما لأن الفن الفلسطيني بجملته كان تعبيرا عن ألم جماعي متواصل وأحلام فردية لا تتحقق.
ربما بسبب كل هذا وذاك اخترت لنفسي هذا النوع من الفن: الأدب، الرواية، الرواية السياسية ذات الأبعاد الوجودية حيث الأفراد يتصارعون مع الذات ومع الخارج. والخارج مجتمع ما زال في طور التكوين ومستعمر، ومفاهيم ما زالت محكومة بالتقليد ورفض التجديد وتقييد الفرد. والذات التي تجد نفسها محاصرة بدوائر متتابعة لا حصر لها. فهناك الإخفاق الذاتي، فالاجتماعي فالسياسي المحلي فالعالمي.
وكلما زاد الوعي وانكشف المحيط زاد الإنسان تساؤلا وتعمقت أزمات الفرد. لكن الفرد هو البذرة، بذرة المجتمع ولبنته المرصوصة في ذاك البناء. ومن العبث التساؤل حول من الأكثر تأثيرا في الآخر: الفرد في المجتمع، أم المجتمع في الفرد. فهذا من ذاك، وذاك من هذا، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نعزل الواحد عن الآخر. وعليه، فحين نصور الفرد من خلال عمل فني - وبالذات في الرواية، لا بد وأن نأخذ بالاعتبار تأثير الخارج على الداخل، أي تأثير المجتمع على مسرى الفرد. ولا بد أيضا من رصد تحركات الفرد ومعاناته وتفاعلاته والأساليب التي يبتدعها أو يرتضيها للتعبير عن ذاته ومكنوناته.
- وهذا ما أحاول فعله في رواياتي: تصوير أفراد مأزومين يعيشون واقعا لا يرضيهم. يثورون عليه، أو يسحقون تحت ثقله، أو يقدمون التضحيات لتغييره سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي، المستوى الفردي أو الجماعي.
- فقضيتنا كمجتمع مهزوم مأزوم متخلف، لا يمكن حصرها بالاحتلال والاستعمار. ومسألة التغيير أعقد وأصعب من مسألة الاستقلال الوطني والتحرير. ولذلك، نجد دعاة التغيير والتطوير ملاحقين، وأحيانا منبوذين ومستهدفين في مجتمعهم مثلما هم ملاحقون من قبل حكوماتهم والمستعمر. وهذا ما أحاول رصده في رواياتي. أو بالأحرى، هذه هي الأسئلة التي أطرحها والأجواء التي أرصدها والإجابات التي أبحث عنها من خلال شخوصي، ومن خلال الجو، ومن خلال واقع أحياه وأعرفه وأتصارع معه وأتمنى لو أغيره، أو أساهم في تغييره. أي أن أقذف في مياهه الآسنة بحصاة تساهم في تعكير ركوده.

واضح ان سحر خليفة عاشت طفولة ونشأة صعبة جدا اختبرت فيها الموت وهي في سن صغيرة حينما توفيت اثنتان من اخواتها الثمانية، لكن ازمتها امتدت مع ام صعبة ومدرسة داخلية متزمته هي راهبات الوردية وهي تقع في مكان بعيد عن مكان الولادة ( عمان )، وزواج تقليدي مبكر في سن الـ 18 وكانت حياتها خلاله اكثر صعوبة ولم يقف الحد عند ذلك فلما عادت بعد عذاب الزواج لمدة 11 سنه وجدت العائلة قد تشتت فالوالد تزوج من امرأة اخرى والاخ الوحيد اصيب بالشلل نتيجة لحادث سيارة.

اذا عاشت سحر خليفة ظروف شخصية صعبة وظروف عامة اصعب تمثلت في مرحلة انتكاسات واحتلال وانتفاضات وثورة ونضال وعنف ودمار، فجاءت الكتابة عندها تعبير عن ألم فردي والم جماعي متواصل.

مأزومة.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 26 ( الأعضاء 0 والزوار 26)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 12:39 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.