قديم 11-07-2010, 09:40 AM
المشاركة 31
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وَيغْتسِلُ الجَمْرُ مِن ماءِ حَرْفِي
وَمِن وَدْقِ قافِيَتِـي المُنْـزَلِ


ويتابع الشاعر في هذا البيت وصف مشاعره وما الم به كنتيجة لتلك الحالة التي أصابته على اثر الحب والغرام الذي وقع فيه... ومن ثم ارتحاله مستوحشا على متن الضنى... بعد أن يأس من الحبيب وبعد أن لاقى منه الصدود...


فهو يسير في الطرقات تائها محترقا احتراقا شديدا كما اخبرنا في البيت السابق، كما انه يغلي من شدة الحب والشوق كما المرجل، ولكن ذلك ليس آخر المطاف وليس كل شيء...فهو يخبرنا هنا في هذا البيت بأن حب تلك الجميلة وصدودها وما نتج عن ذلك من الم وتشرد، وتيه.. كان ملهما له ففجر في ثنايا عقله وقلبه نبع الشعر ولكن أي شعر ذلك الذي تفجر؟؟؟!!!


انه الشعر الملتهب، الحار المعبر عما يجول في خاطره والذي يصل في حرارته درجة الغليان أو أعلى من ذلك بكثير كونه نابع من قلبه الذي صار كالمرجل يغلي من شدة الحب ومن احتراقه بنار الحب والشوق والحرمان!!

ولذلك حينما يفكر الجمر في الاغتسال يكون ماء حرف الشاعر الملتهب، أي أشعاره الساخنة كونها انعكاس لحاله، هو الماء المفضل عند الجمر ليغتسل فيه، وهي كناية عن شدة الحب والحرمان الذي وصل به إلى درجة الاحتراق والغليان، فانعكس ذلك على ما يقوله الشاعر من قصيد، ولذلك يلجأ الجمر لهذه الأشعار ليغتسل فيها إذا ما أراد الاغتسال كونها أكثر منه حرارة!

ولا أظن أن هناك ما هو أجمل من هذه الصورة الشعرية بالغة الجمال، فمن ناحية يشبه الشاعر أشعاره بماء ساخن بل شديد السخونة، وقد وصل إلى تلك الحالة من السخونة كونه نابع من القلب الذي شبهه الشاعر بالمرجل والذي وصل إلى درجة الغليان أو أكثر لان الشاعر نفسه كان وبفعل الحب والبعد عن الحبيبة سائرا في الطرقات تائها يحترق احتراقا...ولذلك كان هذا الشعر ماءا مناسبا لاغتسال الجمر وهو ما يشير إلى أن تلك الأشعار هي أعلى حرارة من حرارة الجمر الملتهب نارا !!!! وهي تبدو كذلك في تقديري أليس كذلك أيها المتلقي الكريم؟


ومن ناحية أخرى نجد أن الشاعر قد شخصن الجمر هنا فجعله كإنسان يغتسل وحينما يريد أن يغتسل فهو يختار كلمات الشاعر ليغتسل بها لشدة حرارتها، وربما يكون هذا الوصف والتشخيص والصورة الشعرية الملتهبة سابقه لم يسبق لأحد أن استخدمها في الشعر العربي قبل شاعرنا هنا.


ولكن ذلك ليس آخر المطاف فالشاعر يخبرنا أيضا في نفس البيت بأن ما أصابه من حب وألم الخ....بعد أن رأى تلك الجميلة جعل الشعر ينهمر من لسانه وقلبه وكأنه المطر النازل من السماء والمنهمر بغزارة شديدة (منزل)، ولا شك أن تلك الأشعار المنهمرة هي بنفس حرارة ماء حرف الشاعر لان الشاعر يخبرنا بأن الجمر إذا ما أراد أن يغتسل فهو يغتسل إما بماء حرفه وإما من أشعاره المنهمرة من السماء كالمطر الغزير.


وسر الجمال في هذا البيت يكمن في الصورة الشعرية التي هي غاية في الجمال والتي صور فيها الشاعر الجمر وكأنه يغتسل بماء شِعرِه المنهمر كالمطر وهو شديد الحرارة ولذلك كان ملائما لاغتسال الجمر وهو اشد حرارة من الجمر حتما لأنه كان قد تم تسخينه في مرجل قلب الشاعر المحب العاشق الولهان ...الذي كان يدور في الطرقات وهو تائه يحترق احتراقا ويصطلي من صدود الحبيبية وبعدها....ومن الناحية الأخرى يخبرنا الشاعر بأن ما رأى من جمال كان ملهما له فصار الشعر ينهمر من قلبه كما ينهمر المطر من السماء غزيرا بل شديد الغزارة ( الودق ) .


ولا شك أن هذا الوصف الجميل والصورة الشعرية والعمق في المعنى والقدرة على التعبير بما يجول في خاطر الشاعر من مشاعر تدفعني لان أقف من جديد لأصفق للشاعر ولكن بحرارة شديدة هذه المرة هي ربما اشد حرارة من أشعاره المنهمرة من سحابة مرجل القلب،،




يتبع،،

قديم 11-10-2010, 02:08 PM
المشاركة 32
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
غَزَلْتُ رداءَ الحِكاياتِ حتَّـى
تَوَعَّدَنِـي ضَجَـرُ المِغْـزَلِ

وفي هذا البيت يتابع الشاعر وصف ما فعل به جمال وجه تلك الحسناء حينما رآها ومن ثم صدودها، فقد ألهب جمالها خياله وجعل مُزْن الشعر تنهمر شعرا ساخنا حارا...والحكايات أيضا، ولا بد أنها حكايات كان يقولها الشاعر فيصف فيها جمال وحسن تلك المرأة التي أحبها وما أصابه كنتيجة لما رأى.

شعر تفجر ينابيع متدفقة من ثنايا قلبه، وانهمر كما المطر الغزير، وحكايات صاغها الشاعر لا بد انه روى فيها قصة غرامه وحبه وكل ما أصابه من غليان وشرود واحتراق الخ...فكان شعره ملتهبا حارا ومنهمرا كالودق لكنه ساخن من حرارة الحب الذي يعتمل في قلبه.

ويضيف الشاعر هنا بأن قريحته في قول الشعر والحكايات قد تفتقت وعلى أشدها فحاك الكثير من الحكايات، وكأن خياله كان يعمل مثل المغزل وهي كناية عن غزارة ما تفتقت به قريحته من قول وشعر..فشبه نظم القصائد والحكايات بصناعة الغزل، وفي ذلك صيغة مبالغه عن كثرة ما كتب وروى من حكايات حتى كاد المغزل أن يصاب بالملل والضجر.

وفي هذا البيت تشخيص للحكايات فجعلها الشاعر وكأنها إنسان قام الشاعر بغزل ردءا له، كما شخصن المغزل فجعله مثل إنسان يصيبه الضجر والملل ولكن من ماذا؟! من كثرة الحكايات التي رواها الشاعر عن حبه وعن حبيبتيه...ونجد المغزل يتوعد صاحبنا الشاعر من كثرة ما أنتج من أشعار وحكايات وربما شبه الشاعر هنا القلم بالمغزل.

وفي البيت وبالإضافة إلى تلك الصور الجميلة والتشخيص نستشف الحركة التي ما تزال تغني أبيات هذه القصيدة وتجعلها حية ذات وقع وتأثير عظيم على المتلقي، وذلك من خلال كلمة (غزلت) بل هي حركة سريعة بسرعة النول أو المغزل الذي يدور على مدار الساعة ولا يستكين ابدا.

وهل هناك أجمل من هذه الصورة الشعرية التي جعل الشاعر فيها المغزل يضجر وهو الذي يعمل دون كلل أو ملل وبغزارة منقطعة النظير منذ بدء الخليقة؟ فنجده هنا يضجر من غزارة ما أنتج الشاعر من قصائد وحكايات في وصف تلك الجميلة..فهل لنا أن نتخيل إذا غزارة ذلك الإنتاج من الأشعار والحكايات؟ وهل لنا أن نتخيل إذا جمال وحسن تلك الفتاة التي فجرت ينابيع الشعر في قلب الشاعر؟؟؟!!!

قديم 11-10-2010, 05:23 PM
المشاركة 33
عبد اللطيف غسري
شاعر ومترجـم مغـربي
  • غير موجود
افتراضي
حفظك الله ورعاك أخي الكريم الأستاذ أيوب صابر.. هكذا تكون قراءة الشعر وهكذا يكون التفاعل معه..
أحييك على رقي ذائقتك وسمو فكرك وحسن تقديرك للإبداع أيا كانت مشاربُه..
كن بالقرب واسلم لأخيك.

قديم 11-11-2010, 10:02 AM
المشاركة 34
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وهـذَا الفـؤادُ فـلاةٌ بَـرَاحٌ
بهَا غَيرُ خيْلِكِ لـمْ تصْهَـلِ

في هذا البيت يصف الشاعر قلبه، ذلك القلب الذي أصابه سهم الحب فأصبح ولهان يغلي كالمرجل كنتيجة لحبه لتلك الفتاة فتفجرت من ثناياه ينابيع الشعر الحار الملتهب والغزير.

ونجد الشاعر هنا يصف قلبه ويشبهه بـ(الفلاة) وهي الصحراء الواسعة أو البيداء، بينما يشبه الشاعر نفسه أو صدره (براح) أي الأرض الأشد اتساعا فتكون الأرض الشاسعة بأتساع الصحراء الغربية، فقلبه واسع بوسع الصحراء في صدر أوسع بكثير.

أما لماذا يشبه الشاعر قلبه، في وسعه، بالصحراء الواسعة، في هذا التشبيه البليغ والجميل؟!

الجواب يأتينا في الشطر الثاني من البيت، إذ يخبرنا الشاعر بأنه وعلى الرغم من ذلك الاتساع فأن هذه الأرض لم يمر عليها ولم يصهل بها أي خيل سوى خيل الحبيبة...تلك الفتاة الجميلة ملهمته ومفجرة ينابيع الشعر والحكايات في قلبه وذهنه...وفي ذلك كناية عن إخلاصه لها في حبه فلم يعرف سواها ولم يسمح لأحد غيرها من النساء أن يَعّبُرْ إلى ذلك القلب...وربما جاء التشبيه أيضا ليوحي وليعبر عن الحالة النفسية التي انعكست على الشاعر على اثر الهجران فقلبه أصبح خاليا مثل الصحراء وليس حدائق غناء!

وكأننا هنا نسمع صوت الشاعر وهو يخاطب حبيبية ربما مستعطفا إياها ومعلنا بأن قلبه لم يعرف حب آخر سوى حبه لها...وربما هو يلومها على بعدها وهجرها وصدودها رغم كل ذلك الإخلاص من ناحيته لها.

ونجد هنا صورة شعرية جميلة للغاية أيضا، فمن ناحية يشبه الشاعر قلبه بصحراء في وسعها، بينما يوصل لنا ما أراد أن يصفه بأنه حبه الأول والوحيد بصهيل الخيل الأول والأوحد الذي تعرفه تلك الأرض الشاسعة.

وهنا نجده يعود لاستخدام كلمة الخيل فنكاد نسمع صوت صهيل الخيل وهي تتراكض في ثنايا قلبه...ونكاد نرى صورتها وهي تعدوا في تلك الصحراء الشاسعة لوحدها..وما أجملها من صورة!

وذلك الاستخدام لصورة الخيل يوقظ فينا موروث ثقافي مرتبط بالخيل ونواصيها وجمالها من ناحية، ويستحضر في ذهننا خيول الشعراء الكبار أمثال المتنبي، كما يحرك فينا بعنف حاسة السمع من خلال استخدام كلمة (صهيل) وهي من أهم الحواس على الإطلاق، كما أنها أول حاسة تتفعل لدى الطفل عند الولادة...فنكاد نسمع صهيل الخيل ...ولذلك كله يكون وقع الصورة الشعرية هنا بليغ الأثر على المتلقي.

يتبع،،

قديم 11-21-2010, 05:14 PM
المشاركة 35
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ألمْ يَخْتبِرْ فِيكِ غَيْظَ المَرَايَـا
وَمَوْجِدَةَ الكـأسِ والمِشْعَـلِ؟

ويستمر الشاعر في مخاطبة حبيبته في هذا البيت أيضا وفيه يسوق الشاعر لها ولنا المبررات التي جعلت قلبه الواسع بوسع الصحراء يقتصر في حبه عليها، هي فقط، كونها تلك الفتاة الجملية ملهمته وملهبة نار الحب في قلبه، هي فقط التي مرت بخيلها عبر ارض وصحراء قلبه الشاسعة دون غيرها.

فمن ناحية يقول الشاعر أن سبب ذلك هو شدة جمال وحسن تلك الفتاة ذلك الجمال الذي أغاظ المرآة والدليل على ذلك انه حينما تنظر تلك الفتاة في المرآة تغتاظ المرآة من شدة جمالها.
ومن ناحية أخرى يصف الشاعر جمال حبيبته على أنها جميلة بجمال تلك الفتيات التي تكلف عادة بتقديم (الكأس والمشعل) في حضرة الملوك ربما وهي فتيات لا بد بالغة الجمال...
وقد يكون هذا الاستخدام لكلمات (موجدة الكأس والمشعل) مأخوذة من التراث المغربي وربما من التراث الأدبي العالمي كون الشاعر مطلع على الأدب الانجليزي بحكم تخصصه ...فربما استعار هذه العبارة من مسرحية روميو وجوليت مثلا، لكن السياق يوضح لنا بأن ما هو مقصود بها المبالغة في وصف جمال تلك الفتاة ولذلك فقد اكتفى بحبها.

ويستمر الشاعر، في البيت التالي، في سوق مزيد من الأدلة والأسباب وهو يخاطب حبيبته، تلك الفتاة التي جعلته يقتصر في حبه عليها ولم يتسع قلبه لأحد سواها فيقول لها:

ألمْ يَغْفُ فِيكِ؟ ألـمْ يَلْتَحِـفْ
بِثَوْبِ نَضَارَتِـكِ المُخْمَـلِ؟

وكأنه يقول ويتساءل... أي حبيبة ...كيف لا يقتصر حبي عليك وقد عشقك قلبي عشقا يصل حد الهذيان، عشق يذهب العقل...

ثم الم تلاحظي أيضا بأنه ومن شدة حبك كان قلبي يبدو وكأنه يلتحف بثوب نظارتك المخمل؟ وهي كناية أخرى يعبر فيها الشاعر عن شدة جمال فتاته تلك...وهي من المبررات الأخرى التي جعلت قلبه لا يحب سواها...وفي ذلك تشخيص للقلب إذ جعله الشاعر هنا وكأنه إنسان يغفو ويلتحف بجمال وحسن تلك الفتاة ذلك الحسن المخملي الرائع.


يتبع،،

قديم 11-21-2010, 07:26 PM
المشاركة 36
عبد اللطيف غسري
شاعر ومترجـم مغـربي
  • غير موجود
افتراضي
أحييك وأشد على يديك أخي الفاضل الأستاذ أيوب صابر في جهودك الحثيثة من أجل تمحيص الإبداع وتقييمه..
أتابع جهودك الجميلة الرائعة بكل شغف وحبور..
دمت بخير وسعادة وهناء.
مودتي والتحيات

قديم 11-24-2010, 02:22 PM
المشاركة 37
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ولولا شُموعٌ بِكَفَّـيَّ يَقْظَـى
أفَـاقَ قليـلاً ولـمْ يَعْـجَـلِ

ويستمر الشاعر في مخاطبة حبيبته بعد أن شخصن في البيت السابق قلبه فجعله كمثل طفل صغير يغفو في حضنها ويلتحف بثوب جمالها الناعم والدافئ وكأنه ثوب من الحرير أو المخمل...فكان نومه وغفوته عميقة في مثل ذلك الجو المريح والدافئ بل المشتعل بالحب.

وفي هذا البيت يستمر الشاعر في مخاطبة حبيبته فيقول ..أي حبيبة..نعم ...تأكدي بأن غفوت قلبي في حضن الحب المخملي ( الم يغفو فيك؟ )، حبك أنت لوحدك، كان يمكن أن تطول وتستمر، وكان يمكن لقلبي أن يظل يغط في نوم عميق وهو يلتحف بثوب نظارتك المخملي، لولا أن نيران الحب هذه المشتعلة في كياني جعلت أصابعي تضئ فأصبحت وكأنها شموع مشتعلة فاستفاق قلبي، ولكنه استفاق على مهل ولم يتعجل...حيث كان من الممكن أن يستمر في تلك الغفوة إلى ما لا نهاية وذلك بسبب ذلك الجو المخملي المفعم بالحب الذي يوفره جمالك ونظارة وجهك.

وهذا البيت كناية أراد الشاعر أن يعبر فيها عن شدة الحب أيضا، وهو ما جعله يقتصر في حبه عليها، وكأنه يقول أن جمال فتاته كان رائعا مخمليا إلى الحد الذي وفر له مكانا مريحا جدا، فغفى قلبه فيه، واستغرق في غفوته، لولا أن حرارة الحب المشتعلة في ثنايا قلبه جعلت أصابعه تضئ فاستفاق من شدة الوهج وحرارة الحب.

فمن ناحية غفى الشاعر في حضن الحب وتلحف بثوب جمال تلك الفتاة المخملي، وكان يمكن أن يظل يغط في نوم عميق إلى ما لا نهاية بسبب ذلك الجو المفعم بالحب والدفء والإحساس المخملي، ولكنه استفاق كنتيجة لحرارة الحب المشتعل في قلبه، والدليل على ذلك أن أصابعه قد أضاءت من شدة ذلك الاشتعال ( الحب ) الملتهب في كيانه.

وقد أبدع الشاعر هنا إذ شبه أصابعه بالشموع المشتعلة، وشبه القلب بالطفل الذي يغفو ويستيقظ...وهو ما جعل هذا البيت من الشعر يضج بالحياة...وقد سخر الشاعر هنا التضاد من جديد فمن ناحية تحدث عن النوم واليقظة ومن ناحية أخرى تحدث عن البطء والقلة والعجلة...فتمكن من اسر انتباه المتلقي...من خلال هذه الصورة الشعرية الجميلة.

يتبع،،

قديم 11-25-2010, 11:17 AM
المشاركة 38
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
فإنْ تسْألِي كَيفَ يَذوِي الرَّبيعُ
يُنَبِّئْكِ صَيْـفٌ، وَإنْ تسْألِـي
لِماذا هَوَتْ لَبِنَـاتُ الأمانِـي
تُخَبِّـرْكِ ذاكِـرَةُ المِـعْـوَلِ

وما يزال الشاعر في هذين البيتين يخاطب حبيبته مستعطفا إياها راجيا لعلها تحن عليه فتعود إليه أو تتوقف عن مقاطعته والنأي عنه وهو هنا يصف حاله البائس وما حل به بعد أن تركته وحيدا من خلال طرح الأسئلة والإجابة عليها.

ويشبه الشاعر نفسه بالربيع ويقول مخاطبا إياها: أن تسألي كيف يذوي الربيع، ربيع العمر طبعا، أي كيف انه أصبح شاحبا، بائسا، حزينا، مصفر الوجه ضعيفا؟ يأتيك الجواب بأن الصيف بحرارته هو المسئول عن ذلك، أي أن شدة حرارة الحب والحرمان الذي شبهه الشاعر بحرارة الصيف هي التي تسببت بكل ما أصابه من الم، فذوى جسده وكأنه ربيع ذهبت عنه الخضرة.

ويستمر الشاعر في مخاطبة حبيبته في البيت التالي فيسألها مزيدا من الأسئلة الاستنكارية...فيقول وان تسألي لماذا تحطم أملي بالحب وتكسرت الأمنيات وتهدمت؟ (لماذا هوت لبنات الأماني؟)، فيأتي الجواب في الشطر التالي...يمكنك أن تعرفي الإجابة...فأنتِ السبب في ذلك... ونجد الشاعر هنا قد شبه الحب وأحلامه فيه بـ لبنات الأماني، أي الأمنيات،بينما شبه صدودها وبعدها بالمعول الذي تسبب في هدم لبنات الأماني تلك.

وكأن الشاعر يقول لحبيبته بأن ما أصابني من شحوب وضعف ومن ثم تحطم كل أحلامي وأماني هو في الواقع ناتج عن صدودك وبعدك...وفي ذلك استعطاف لتلك الفتاة بأن تعود له ربما.

وهنا شخصن الشاعر الربيع فجعله كشخص يذوي وشخصن الصيف فجعله السبب في ذويان الربيع، وشخصن الأمنيات والأحلام فجعلها تتهدم كاللبنات، وشخصن المعول فجعل له ذاكرة وكأنه إنسان يمكنه أن يتعرف على ما فعله.
والتضاد يظهر من جديد في الربيع والصيف واللبنات والمعول... وطرح الأسئلة هنا والإجابة عليها حواريه تلفت انتباه المتلقي وتقحمه في الحدث.

يتبع،،

قديم 11-28-2010, 02:17 PM
المشاركة 39
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وها أنتِ في نَزَقِ الياسَمِيـن
تعودِيـنَ بالعَبَـقِ الأكْـمَـلِ

ويستمر الشاعر في رواية قصته مع تلك الفتاة هنا بهذه الكلمات المعبرة والصور الشعرية الساحرة والدافئة، فبعد أن وصف لنا حسنها وحبه الملتهب وما لاقاه ويلاقيه كنتيجة لبعدها من بؤس، وضعف، وألم، واثر ذلك عليه جسديا، فصار كأنه الربيع الذي يذوي، ويخبرنا أن نأيها كان السبب في ما أصابه.

يخبرنا الشاعر في هذا البيت بأن محبوبته قد عادت إلى المكان الذي يعيش فيه ولكن أي عودة تلك التي يتحدث عنها الشاعر هنا؟ إنها تعود بخفة الياسمين وجماله وعبقه الكامل... فنجد الشاعر هنا يشبه حبيبته بزهرة الياسمين في خفتها، ورشاقتها، وجمالها، ورائحتها العطرية الزكية الطيبة الكاملة....وكأنه قطر عطر الياسمين جميعه في كلمة (الأكْـمَـلِ ) ليصف فيه عذوبة ما هي عليه حبيبته عند عودتها.

إلَـيَّ فَعُـودِي وَأَلْقِـي إلَـيَّ
بأجْنِحَـةِ الخَبَـرِ المُهْـمَـلِ

وبعد أن اخبرنا الشاعر بأنها عادت إلى المكان الذي يسكن فيه، يتوجه إليها في هذا البيت بالحديث، طالبا منها أن تعود إليه شخصيا، ولا تكتفي بالعودة إلي المكان الذي يسكناه أصلا، والذي شاهدها فيه لأول مرة فوقع ما وقع من حب وصل حد الهذيان وأدى إلى كل ذلك الوله والنحول...بل يطالبها وقد أوضح لها ما أصابه من هزال وألم واحتراق وغليان كنتيجة لبعدها ونأيها... فيطالبها بأن تصرح له بحبها الذي أهملته وأنكرته طويلا...بعد أن أورد لها مبررات كثيرة تدلل على مدى حبه لها...وهو يستعجلها بالعودة والتصريح بحبها له ومبادلته الشوق والحب والحنين... فلذلك يطلب منها أن تعود على أجنحة السرعة.. لتخبره بلك تلك المشاعر التي ظلت مهملة لمدة طويلة لأنها تركته وغابت كل تلك المدة...وهنا يشبه الشاعر الخبر وكأنه الطير له أجنحة وفي ذلك تعبير عن شدة الشوق للقاء الحبيبة فهو لا يستطيع الانتظار ونعرف السبب كما يصفه الشاعر في البيت التالي.

ألـمْ تعْلمِـي أنَّ يَوْمِـي، إذا
توَارَيْتِ، فِي لَهَبٍ يَصْطلِـي؟

وفي هذا البيت يعود الشاعر فيؤكد لفتاته مستعطفا أيها وحاثا أيها أن تعود إليه من خلال سؤاله، أي حبيبة، ألم تعلمي أن يومي يكون إذا تواريت عني في لهب يصطلي؟ اي يشتعل احتراقا ...وهو بذلك يستمر في التعبير عن حبه الملتهب واثر بعد فتاته عنه...ولذلك فهو يستعجل عودتها على جناح السرعة...وهنا نستشعر حرارة ذلك الحب من خلال استخدام كلمة (يصطلي).

إليكِ ـأَقُبَّرَةَ القلـبِ ـأهْفـو
تعالَيْ وَحُطِّي على كَلْكَلِـي

وفي البيت الأخير من القصيدة نجد الشاعر يصرح بحبه لها بصورة جليه واضحة ومباشره، فمن ناحية يشبهها بطائر القبرة الجميل...لكنها قبرة قلبه هو، وذلك تعبير عميق عن الحب لها... ومن ناحية أخرى يطلب منها وإذ هي عادت إلى المكان الذي يسكن فيه أن تعود إليه هو فتصل ما انقطع، لكل تلك المبررات التي ساقها، لا بل هو يطلب منها أن تعود إليه بسرعة الطير مرة اخرى، فهو إذ شبهها بطائر القبرة يطلب منها أن تطير لتحط على صدره فيضمها إليه.

وفي هذه الأبيات الأخيرة الكثير من الحركة والتي توحي بها كلمات (تعالي وعودي) والصور الشعرية الجميلة (أجنحة الخبر، أقبرة القلب) والتعابير التي تدغدغ المشاعر والأحاسيس ومنها حاسة الشم واللمس والسمع ( عبق، لهب، يصطلي، الخبر)...وهو أسلوب بالغ التأثير يمتاز بالقوة والصور الجميلة والبلاغة الساحرة....أسلوب يأسر لب المتلقي ويجعله يصفق بحرارة للشاعر على قدرته الفذة على النظم الجميل والأصيل الذي يضج بالحياة.

انتهى،،

قديم 11-30-2010, 11:30 AM
المشاركة 40
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الى زوار هذا المنبر الكرام،،

تحية وبعد،،
استبيان

1- هل تؤيد عمل مثل هذه القراءة لقصائد اخرى؟
2- هل قدمت هذه القراءة اضافة للقصيدة هنا؟
3- هل تعتقد ان مثل هذه القراءة تساعد على فهم اعمق للقصيدة بشكل عام ام انها تشوه جمالية النظم الشعري والصور الشعرية المكثفه؟
4- هل تعتقد ان هذه القراءة كافية ام تحتاج للمزيد؟
وشكرا ،،


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:22 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.