احصائيات

الردود
27

المشاهدات
6439
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
06-07-2014, 08:02 PM
المشاركة 1
06-07-2014, 08:02 PM
المشاركة 1
افتراضي مخبول... و مخبولة ...
صباحا توجهت صالحة نحو محطة الحافلة التي تقلها بمعية المستخدمين ، مرت بجانب السوق الشعبي الذي دبت حركة الباعة فيه قبل وصول الزبناء ، فهمّت بالمرور لولا أن جذبتها إليه قوة خارقة وشوق جارف دام لأسبوعين ، كل مساء تخترق باحاته و هي تقتني بعض حاجاتها ، كلما مرت برحبة السمك علا صياح بائع الأعشاب الستيني ، بلهجته الغريبة المزعجة " كزبرة ، ليمون يا محبي الأسماك " .

عيناها تتفرسان الرحبة لعل صورته تظهر، تكاد ترى بقلبها العاشق عينيه البراقتين و وجهه الباسم المتخفي وراء لحيته غير المهذبة و صلابة عضلاته و ملابسه الخشنة و هو يوزع الصناديق على الباعة من محل التبريد ، مالت خطواتها جهة المخزن مطلة بوجهها المشرق من باب حديدي عتيد فاتح لدفتيه ، عيناها لم تتوجعا من رؤية السمك و سبابتها لم تتسلل لفرك أرنبة أنفها ، أطالت النظر فكاد يصدمها حامل الصندوق مطلقا صيحة تنبيه أن أفسحي الطريق يا فتاة ! استيقظت على صرخته الحادة فوجدت نفسها واقفة متسمرة أمام المخزن ، طافت ببصرها لتجد بائع الأعشاب يحدق نحوها بعينيه الغائرتين ، وقد تعودت على غمزه الخفيف كلما قطع عليها ناصر الطريق ، كان يطلق صوته عاليا " ليمون ... بقدنوس... كزبرة ... "
انتشلت جأشها المبعثر و حركت قدميها المتثاقلتين ، عاودت النظر إلى المحدق نحوها فأرعبها وجه سطرت الحاجة معالمه ، و تلذذ نحل السنين بامتصاص رحيق ملاحته . فكرت بالرد على تجسسه وتعقبه لحركاتها ومحاصرته لعفوتها و لعنفوان رغبتها ، قطبت جبينها وهمت برشق فضوله بلعنات تضخمت على طرف لسانها لولا دين على عاتقها لجم سخطها . احست بيد غادرة تمتد نحو محارمها و الحرارة تجتاح جسمها والعرق يندي جسدها الملتهب و هي بين دهشة و فتور، رمشة عين على استدارتها كانت كافية ليستل الصعلوك من يدها محفظتها مبرزا في وجهها مدية من وراء سترته كبحت فيها طلب النجدة ، لكن صوتا نشازا تلألأت نبراته المميزة مستصرخة ، فإذا بصندوق ناصر يهوي على رأس السارق فتناثرت أسماكه فوق جثته قبل أن يتنفض هاربا ، ويد قوية تمد المحفظة لها و لم تنتظر تمتة شكر من شفتيها المتراقصتين المثقلتين بجفاف ريقها .
تحركت صوبه بخطوات حازمة و لسانها يفصح عن غضبها : " وقوفك بجانبي يومها لا يمنحك وصاية علي ، فرغم طيبوبتي فأنا أنتقم لشرفي ." رد عليها ببرودة: " ربما افتقدك هو أيضا ، إن أباه مصاب بوعكة صحية .. " ما إن أتى ذكره على لسانه حتى تفتحت شهية مسامعها و طارت ظلمة انتقامها ، و رأت الوجه المرعب فانوس نور تشع من خلاله صورة من لم تتصور أنها أضحت معلقة بأهداب عيونه ، وطالبة لإشراقة طلعته ، أربكتها اللهفة فسألته : " متى سيعود ؟" تبسم بخبث فأحست بتسرعها في إفشاء مشاعرها لرجل غريب ، بل لشخص بشع وقح ، علت حمرة وجهها بعد سماع جوابه المقيت بسخرية : " هائمة إذن يا عصفورة!" تتابعت خطواتها تاركة السوق و في حلقها غصة تخنق أنفاسها ، لعام كامل استطاعت أن تكتم سرها و تحكم كبح اندفاعها ، ربما تراخت حبال ألجمتها و أصبحت نزوتها تقودها ، تذكرت الحافلة و خطفت نظرة إلى ساعتها ، آه هذا وقت الحافلة ، بدأت توسع خطواتها و تزيد من سرعتها ، عند المنعطف رأت الناقلة تغادر المحطة فازداد حنقها وغضبها ، يجب أن تدفع لسيارة الأجرة . ضربت كفا بكف و هي تتأفف من تعثر حظها ، فالعربات لا تكثرت لإشاراتها و الدقائق تتابع مهرولة ، تهيأت لها صورته أمامها فبصقت في وجهه المنكوث ببقع رمادية و كاد صوته المزعج يصعق كبرياء ثباتها ، حوقلت و تعوذت من شر رؤيته صبحا ، و أقسمت أن لا تعود إلى ما فعلته اليوم ، كان عليها أن تستقبل الحديقة بدل السوق الشعبي ، فلربما منحتها زهورها حظا موفقا .
توقف المصعد و فسح الباب فتحة أمامها و عقب حذائها يحدث صوتا مزعجا تمنت لو يصمت قليلا فتتسلل إلى مكتبها دون لفت الانتباه ، فالتفاتة الموظفين تزعج مشيتها ، و تضطرها إلى افتعال بسمة وقاية من تأثرها بنظراتهم الحاملة لعلامات تعجب و استفهام ، أخيرا وصلت إلى كرسيها و ضغطت على زر الحاسوب لكنه تأخر في الاستجابة لتمد يدها إلى الهاتف فور تراقص رناته ، صوت من مكتب الضبط يأمرها بالتوجه إلى الإدارة ، قامت و مزاجها ملتهب ، تحاول ترتيب الأعذار عن تاخرها ، تحاول اختراع كذبة بيضاء تنجيها من شطط القانون المذل ، خمسة عشر شهرا وهي تناضل من أجل قطف شهادة الأهلية و الترسيم كمحاسبة ، نقرت نقرة خجولة على باب الإدارة فسمعت همس المدير : " تفضلي.. " وقبل أن ينطلق لسانها بالسلام ، قال في حزم : " ما سبب تأخرك لساعة ونصف الساعة ؟" ردت وهي تكابر قشعريرة دبت في أوصالها : " من فضلكم سيدي ، أمي مصابة بالزكام . و..." ازداد منسوب النبرة الجافة من المدير : "هذا ليس عذرا يا صبية ، لماذا لم تهاتفي الشركة لتتخذ الإجراءات الضرورية ؟ أتعلمين أن دقائق من الإهمال كافية لتصيب الشركة بالإفلاس ؟ أنت لست أهلا لهذا المنصب ." ردت و الدموع تسيل من منابعها و تتجمع على أطراف جفونها . " سيدي لن أكرر ما فعلت ، ولكم الفضل في قبول طلبي للترسيم أنتم و رئيس مجلس الإدارة ، كما أنني لم أخطئ طيلة المدة التدريبية و أنتم يا سيدي أدرى بكفاءتي في عملي .." فقاطع لسانها الذي بدأ يتحرر من عقده : " انظري هذا قرار الاستغناء عن خدماتك ، لا مجال للتساهل ، قانون السوق ربح أو خسارة ...." صاحت في وجهه شاكية من الظلم الذي لحقها ، والتعسف الذي بخس مجهوداتها ، و القسوة التي قوبل بها تفانيها ، و التجاهل الذي أبدته الإدارة لمطالبها منذ وطئت أرض الشركة . فرد عليها المدير : " أتعلمين أن رئيس مجلس الإدارة يوجد في حالة عجز ، و قد كلف ابنه بشغل منصبه لأنه المساهم الأول في الشركة ، أتعلمين أنه عقد اجتماعا مع كل الموظفين والمستخدمين و أنت لا تزالين تغطين في فراشك ، أتعلمين أولى تعليماته أن لا تساهل إلا بعذر مقبول ناتج عن سبب قاهر . " علا صياحهما فاقتحم عليهما ناصر المكتب ، نظر نحوها و العجب يرتسم على ملامحه ، إنها صالحة بلحمها ودمها وجمالها الفتان ؟ كيف تصرفت هكذا مع المدير ؟ كيف امتدت يداها إلى الأوراق تمزقها ، أصابتها الدهشة و هي تنظر إلى ناصر في حلة جديدة و وجه حليق و المدير يتملقه و بين الكلمة و أختها يفخم سيدي الرئيس ، كادت ركبتاها تفشلان في دعم وقوفها ، غطت وجهها الملطخ بالدموع بكفيها مطأطئة رأسها ، توجهت منحنية نحو الباب ، والمدير لا يزال يذكر مساوئها لرئيسه الجديد الممسك عن الكلام ، في الشارع بالكاد تتبين ملامح العالم و صوت بائع الكزبرة يتردد في أذنيها و هو ينطق آخر كلماته : " مخبول و مخبولة ."


قديم 06-09-2014, 05:21 PM
المشاركة 2
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
دخل إلى مكتبه وضع رأسه بين كفيه ضغط بقوة كأنه يعصر من دماغه آلامه ، يحاول أن يقنع نفسه المجروحة أن لا يد له في مصابها ، فالمدير له من الخبرة ما يجعله يتفطن للذين تتضرر الشركة جراء تصرفاتهم غير المسؤولة ، وشطحاتهم غير الناضجة . حاول عزل شخصية ناصر المحبة عن رئيس الشركة وقائد السفينة التي إن غرقت كانت وبالا على مئات العمال والمستخدمين . تنهد بعمق و نفّس ربطة عنقه و هو يحاول أن يجد تبريرا لهذا الذي يحصل في أول يوم من عمله . كان أبوه يوصيه في أيامه الأخيرة بالمؤسسة خيرا ، مراجعة الحسابات و احترام قرارات الإداريين و أصحاب الاختصاص ، آه لو يستطيع أبوه الكلام اليوم لما غالبه هذا القرار الجائر في حق أقرب الناس إلى قلبه من كل الذين وقعت عليه عيناه في هذا العالم الذي لا يحبه ، و يكره مساطره ، بل وجد في العام الماضي راحة و هو يعيش على الهامش ، حيث يسكن كوخا بجانب البحر يطربه خريره عند المد والجزر ، يستمتع بحلاوة رمال الشاطئ . يغادر مع البحارة بعد منصف الليل لتتم العودة مع بزوغ النور ، كان للبحر طعم خاص ، تجعل ريحه المنعشة بدنه طريا و مشاعره عذراء كل يوم ، يرمي بكل تأوهاته هناك في فضاء اليم ويعود هادئا آمنا مطمئنا ، يتجه نحو السوق يوزع الصناديق على الباعة و يضع الباقي في محل التبريد ثم يغادر عند قدوم الشمس كي يعود مساء عند المغيب ، يكون أمامه اليوم كله ، فيه يستريح وفيه يرقص على إيقاعات موسيقي الطبيعة ، فيه يعانق مياه البحر عوما ، فيه يجد لنفسه المتعطشة للمرح مخرجا من تلك العوالم التي آلمته منذ الصغر ، يبتعد عن كل الذي تحمله تلك الكتب التي كان يسهر الليالي لاستكشاف مخزوناتها ، يعتقد في قرارة نفسه أن كل أولئك العظام و كل هؤلاء العباقرة ، ليسوا سوى أشخاصا عملوا على تعقيد الحياة البسيطة ، بل يرى كل تمظهرات التطور ما هي إلا عقبات توضع في وجه الناس البسطاء و الأطفال الصغار ، يتمعن بعمق ما جدوى الدراسة لمدة قد تصل إلى العشرين سنة ، هل العيش يحتاج إلى كل هذا الزمن المهدور ، و الحمل الثقيل ؟ هناك في فناء البحر وجد الطبيعة تتكلم قاموسا جديدا ، قاموسا عذريا ، قاموسا هادئا ، و هناك وجدت الأسماك لنفسها متنفسا رغم غياب الهواء في القاع . كان جسده هزيلا عندما كان في قاعة المدارس ، وهنا في الفضاء الرحب تمدد وتمطط و تضخم ، أيقن أن العقل مأساة الإنسان فهو من قزم بنيته العملاقة ليتحكم فيه ، إن الإنسان كتلة صراع بين العقل والجسد ، تميل فيه الغلبة للعقل و معها ينهار الجسد والعواطف حيث ميولاته العذرية . زفر زفرة حادة ، يرى عواطفه يكبتها ويقتلها فقط لإعطاء سطوة العقل مكانته المرموقة ، إنها الموازين المختلة ، والاستغلال والاستبداد ، يرى حبيبته تنهار أمامه صاغرة ، و لا يقدم على فعل فقط لأن المنطق لا يزاوج بين العقل والعاطفة ، كم كان هناك حرا طليقا يوم رمى بالصندوق في وجه اللص الذي تجاسر عليها ، كان بائع الكزبرة من أيقظ في نفسه تلك الشجاعة ، إنه نسخة لإنسان متحرر بعد طول صراع ، خبير بمفاصل الحياة ، يقرأ التصرف بسرعة ، إنه إنسان طبيعي يعرف قاموس الجسد العذري حيث تطفو العواطف والميول . لو كان قربه اليوم لكان مصير المدير مختلفا . إذ ذاك سيكون معها و يفتح لها صدره و يختارا العيش البسيط على إيقاعت الطبيعة .
فتح النافذة لعله ينتعش بريح قادمة من البحر يتأمل هذه المدينة الصاخبة يتأمل صواعدها بأعناقها المشرئبة نحو أعالي الفضاء ، حتى البنايات تواقة لاستنشاق عبير الطبيعة و رافضة لازدحام فرض عليها فرضا مقيتا ، أليس الكون فسيحا بما يكفي لاحتضان هؤلاء الذين يحبون التدافع في الزحام ، لكنه العقل من سيطر عليهم و فرض عليهم قواعده المليمترية . وحال بينهم وبين فسحة وهناء هناك ، يستظلان بوريقات الأشجار في الغابات ، يرتشفان كؤوس الشاي في خيام الصحراء ، و يطلان على الفضاء في أعالي الجبال .

" ياله من يوم ثقيل ! " هكذا قال ناصر وهو طوال اليوم يراجع السجلات المكدسة أمامه دون أن يستوعب كل تلك الجداول و المنحنيات ، تبسم حانقا على سنوات الدراسة البعيدة كل البعد عن الممارسة الفعلية ، إنه الآن لا يفقه شيئا في هذه القيادة التي أسندت له يتأمل قائلا : " كان الله في عونكم أيها الركاب عندما يسوق حافلتكم من لم يتمرس بعد على القيادة . ألم تكن حبيبتي أولى الضحايا ؟ هل هناك ما يعادل هكذا مأساة ؟ " فكر أن يطل على سوق السمك لكن مزاجه ليس صافيا ولا يظنه سيكون صافيا يوما ، كما أنه لا يحب الرجوع إلى الوراء ، فالعودة إلى الخلف إهانة للمستقبل وتشكيك بالذات و خياراتها مهما كانت غير صائبة ، فجرح العودة إلى الوراء لا يندمل ، كان أبوه يقول له عندما أحس أنه توجهه التعليمي لم يعد مشوقا كما كان يعتقد :" انت مخبول يا ولدي فلا استمرارية بلا عناد و مكابرة ، فالكل لا يحبون أعمالهم ، فقط يرفضون الاستسلام والعودة إلى الوراء ، فقاوم ستنتصر " لم يجد بدا من المقاومة رغم ما استنزفته من طاقته ، فأحس منذ ذلك اليوم أن القوانين التي وضعت للحياة تغلف و تحتضن ظلما عظيما .

هي في متاهة معتمة تخوض : " يا لهذا الذي كسر ضلوع اللص و هو حثالة ، كيف وافق على طردي بهذه السهولة وهو في أعتى المناصب ، ترى الفضيلة رديفة الضعفاء ؟ ترى المنصب يركب صاحبه منذ يومه الأول ؟ مخبول أنت يا قلبي ، تعلقت بالأعالي ، كنت أتحاشى أن أحبه منذ رأيت هيأته و عدم اهتمامه بمظهره ، كنت أتحاشى أن أنزل من رتبتي رغم وضاعتها و أشارك رجلا يعتمد فقط على بنيته الجسدية لكسب قوته ، كنت تائهة يومها في تساؤلات عديدة ، أحاول من خلالها قهر مشاعري التي لا تزداد إلا اتقادا كلما هممت بكبسها و إحكام الطوق حولها ، و اليوم رأيت كم كنت مخطئة ، إنه ابن رئيس مجلس الإدارة ، بل الرئيس بعينه يعوم في الملايين ، و يمتلك رقاب الكثير من البشر ، أين أنت يا صالحة من هذا ؟ " لم تجد غير الدموع مؤنسا ومواسيا لهذه المعادلة الجديدة كلما خرجت من متاهتها أسرعت بالعودة " يا له من يوم عصيب هذا الذي تكاثفت فيه الأحداث حد الصداع ، لكن ما الحل ؟ إنه العناد والمكابرة ، ألم تكن أمي معاندة جدا حتى مع الأقدار الصعبة ، ألم تتحدث معي طوال الأيام عن نضالها وكفاحها ، ألم يتكسر حبها على صخرة الواقع الفج والأعراف البالية ؟ ألم تسافر وتغادر الوطن لأعوام طويلة ؟ وهناك بنت بيتها و لقنتني أبجديات الحداثة و طعمت روحي بجميل الأصالة ، كنت مخبولة إذ رضخت بالعودة إلى وطني الأم ، لأكون ضحية بائع الكزبرة وحمال الأسماك ، و لص المحافظ النسائية ، و مدير لا يفهم في الإدارة غير العقاب . "
كان اندماجها في هذا الوسط عسيرا ، يوم مات والدها عزمت أمها على العودة إلى الوطن ، أخوها فضل الاستقرار هناك كمسير لمتجر والدهما ، أمها تخلت عن وظيفتها مكتفية بتقاعد نسبي ، وهي استكملت دراستها و قررت مرافقة أمها و تبحث لها عن استقرار في مسقط رأس والديها و الأزمة تلف بلاد المهجر ، و فرص النجاح تزداد في بلادها . تغيرت نظرتها إلى وطنها جملة وتفصيلا ، كانت أيام العطل تقدم صورة كاذبة عن مشاعر الحب والصفاء و التعايش ، إنه صراع طاحن من أجل العيش ، صراع بين الفقراء ، صراع بين النساء في توافه الأمور ، صراع لا يتوقف ، مع الجيران ، في الأسواق ، في الشوارع ، أينما وليت وجهك زكم السب والشتم مسمعك و تلقيت ضربات تحت حزامك ، وطعنات من وراء ظهرك . اليوم تأكدت أن الهجرة هي الحل من جديد كما هربت أمها ذات يوم من حب فاشل ، عليها أن تبحث هي أيضا عن موطئ قدم آمن لا يبخسها حقها ، تبني فيه مستقبلها بعيدا عن هذا الصراع الأجوف . تأملت الوطن يفر منه أبناؤه تباعا ، يا لها من صورة لو فتحت الحدود ، سترى الجحافل تغادر رغم عشقها لهذه الأرض ، لكن شيئا فيها يقض المضجع والراحة ، ليس الخبز وحده ، ليست الرغبة منفردة ، ليست الكرامة و ليس الأمن ، قد يكون الفرد يفر من ثقافة غير قادر على التحرر منها ، وربما أسلوب حياة لم يعد صالحا .
جمعت حقائبها فجاءت أمها تتوسلها أن لا تتسرع في اتخاذ القرار ، فبكت بكاء مريرا " أتعلمين يا أماه لأول مرة أحس نفسي مرتبكة ، ولو استرسل الأمر على هذا النحو سأفقد صوابي كلية ، أتعلمين كم كنت طموحة ؟ كم كنت واثقة من خطواتي ؟ من امتص كل مدخراتي من الصمود ، من عراني من قدراتي دفعة واحدة ، يا أماه ليس للمسألة علاقة برغبة ، بل مجرد انقاذ لروحي من الضياع " صمتت الأم برهة وقالت " إنه التاريخ يعيد نفسه يا بنيتي ، أتعلمين أنني مذ فكرت بالرجوع كنت خائفة عليك ، كما كنت خائفة على نفسي من عدم الاندماج ، يا بنيتي هي الحياة لا تقاس دوما بالنجاح والفشل ، أحيانا نصمد فقط و نتقبل عواقب الخيار و ربما المتاح ، يا بنيتي كنت حانقة كما أنت يوم رفضت عائلته زواجنا ، فثرت و ذهبت إلى أقاصي الأرض ، لا أخفيك أنه طوال غربتي فقدت نفسي التي كنت أعرفها ، التي من أجلها قمت بخياراتي ، لولا صالحة و أخوها حامد ما استطعت الصمود و مواصلة المشوار ، كانت ضريبة الغربة قاسية فقدت فيها تاريخي و صداقاتي و جزءا كبيرا من كياني ، لولا أيام العطل التي تحيي صلتي بجذوري لفقدت كل شيء ، لولا أبوك المثابر لكنتم على شاكلة أبناء الضواحي حيث الجريمة والانحراف ، يا بنيتي لم تكن الحياة يوما سهلة ، يا بنيتي علينا أن نقرأ من تجارب الآخرين لكي لا نضطر كل يوم للبداية من جديد . أنا فخورة بك و لك كامل الاختيار . "



كنت سأقتصر على النص الأول ، و لما رأيتها لم تنل إعجاب أحد عقدت العزم على تطويلها لعلها تكون عند حسن الظن هههههه . و أتمنى لكم خبلا ممتعا .

قديم 06-09-2014, 05:48 PM
المشاركة 3
جليلة ماجد
كاتبة وأديبـة إماراتيـة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اتعرف من المخبول أستاذي الفاضل ؟؟
من ﻻ يلتفت لهكذا رواية
سجلني أول المتابعين
و لي عودة تليق بالبهاء

عند المطر ..تعلم أن ترفع رأسك ..
قديم 06-10-2014, 12:34 AM
المشاركة 4
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

الأستاذة جليلة
ليست رواية بعد فمعالم النص في ذهني لا تزال مشوشة
لكن بفضل دعمك سأجتهد أكثر لتكون رواية

كل التحية لعائلة منابر


قديم 06-11-2014, 01:02 AM
المشاركة 5
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بائع الكزبرة أطلق العنان مسافرا عبر تأملاته لما غادرت صالحة سوق السمك : " تراهما يتغلبان على أنانيتيهما ويترجلان من برجيهما العاجيين ليشيدا مجد الحب ، أم أنهما لن يختلفا عن الكثيرين الذين يتوقفون عند أول عثرة ، ناصر طفل في هيئة رجل ، مشاعر خفيفة و صوت هامس ، انسحب مبكرا من الحلبة ، أتكون هذه المدارس هي من تقلم شوكة العزم في الصبيان ؟ أتكون الأجيال مختلفة ؟ جيلنا لا يستسلم أبدا ، قهر الفقر المذقع و المذل ، بنينا الوطن و قد تركه المستعمر خرابا ، أتكون المصائب من تصنع الرجال وتشحذ الهمم ؟ هل أكثرنا من الدلال لأولادنا حتى أضحت طبائعهم مهذبة ، ينسحبون من المعارك بلا محاولة ، أتكون الحرية من فعلت بهم الأفاعيل ؟ و هل هناك حرية ؟ ( ألم تكن الحياة ناجمة عن واجب ، و نعيشها بالإكراه و نموت بحادث وصدفة ) فأين الحرية التي عنها يتحدثون ؟ جيل لا يستحق أكثر من الشفقة . " غادر بائع الكزبرة قريته مطلع الاستقلال و هو لا يزال صبيا ، نام في الشوارع و امتهن كل الحرف ، فاستقر على النشل حتى سجن ، في الزنزانة تعلم أن الحياة تتموضع في الوسط ، و لاتحتاج إلى كثرة مجهودات ، بل ذكاء وحيل و تصرف يضمن السلامة من الأذى ، هناك تعلم أساليب المعاملة ، لو بقي على عفويته لارتكب الكثير من الجرائم داخل السجن و لبقي هناك أبد الدهر ، قدم حزمة بقدنوس و ليمونتين للزبونة و رجع إلى رياضته العقلية و فسحته " الحياة مسرح كبير تتغير فيه الأدوار كل لحظة ، و الكيس من يتقن تقمص الدور الذي يقتضيه الموقف ، لن يتأتى ذلك إلا لقارئ الأحداث و العارف بمنطق الكون . رغم ذلك فهذان الطفلان نقرا نقرة الليونة في فؤادي ، أرى فيهما رمزا للبراءة ، رمزا للبدايات الأولى ، وقتها كانت حتى الطبيعة تكلم وترشد الإنسان يوم كان جزءا منها يسير وفق نواميسها ، يتأبط سذاجته فتجعل له مخرجا من كل الآفات ، أما اليوم حيث يعتبر الإنسان نفسه أهلا و قوة بيدها مفاتيح المستقبل ، فالطبيعة هجرته بل بين الفينة والفينة تغضب منه وتتركه فريسة لنزواته ، هذان الولدان يعشقان الحياة هما ذاكرة الإنسان التي فقدها ، هما مشكاتان قد لا يكفي نورهما لإضاءة الكون لكنهما يملكان ترك بصمة إن استطاعا الصمود ، وخبرا ما يجعلهما يتحملان المنعطفات ؟ أليست الحياة تضطرب بأخطاء بسيطة ، فكم شمسا خسفت في مهدها و كم نبيلا نالت منه المنعرجات ! "
تعكر مزاجه فأحس بلغة الكون تخز فسحته ، لاشك أن صدمة هزت قلعة حصينة ، لكنه متمرس على كبح نزوات نفسه التي تحاول بين الفينة والفينة الزج به إلى مقارعة الحزن ، إنه يقظ ، العاصفة زمنها قصير إلا على الذين يكابرونها و يعاندونها ، فكل ما انتصب أمامها شقى و تكسر قوامه ، ومن انحنى تركته سالما آمنا ، إنه ناموس الطبيعة ، لا يجابه الحزن إن زاره كي لا يترك في نفسه كسورا لن تجبر يوما . أخبره عقله أنهما في لجة فوضى يعتصرهما الألم ، فقلبه مربوط بتلابيب قلبيهما ، عاش معهما عاما كاملا ، رآهما منذ اليوم الأول في السوق ، حين جاء ناصر ، وقفت وقفة عجيبة تسجل كل حركاته و ملامحه ، مد إليها الكزبرة لكنها لا تبالي ، قام ثم جلس و لا حياة لمن ينادي ، إنها وجدت من تبحث عنه ، التفت نحوها مرتين في الأولى مستغربا و الثانية مبتسما ، إنها لغة القلوب . عند ذاك فقط استرجعت نفسها و قالت : " أين حزمي ؟ " نظر إليها ولم يجب و اكتفى بالإشارة نحو قفتها و رفع صوته عاليا : " كزبرة...ليمون... يا محبي الأسماك " نظرت نحوه باشمئزاز و ابتلعها السوق .

أخيرا جاءها الرد بشغور مقعد في طائرة ستقلع بعد ساعتين ، دفعت ثمن التذكرة عبر الأثير ، و وضبت حقيبتها ، جرتها خلفها مطلقة العنان لشعرها تهزه نسمات قادمة من المحيط ، تودع نخلات كانت تزين الشارع ، وضعت نظارات شمسية كي لا تتأذي عيناها من تفاصيل وجوه لفحها القحط ، وجردتها الخيبات من نضارتها ، تذكر خطاب أمها كما تلك المواويل التي يكررها السياسيون ، انتهى عصر التوجيه أيها العالم القاحل ، مات عصر الدروشة و القبول بأشباه الحلول ، إنه عصر التخلص من كل المعطوبات ، مات عصر الإصلاح ، تلفاز معطوب إلى الكسارة ، صنبور يقطر إلى المزبلة ، حاسوب معطل إلى المطرح ، كلام هزيل إلى مهب الريح ، إنه عصر الكينونة بالفعل والقوة معا ( أكون أو لا أكون ) تراخت خطواتها فكلما اقتربت منها سيارة زادت من سرعتها ، حظها مع المواصلات غير موفق اليوم ، طوال مدة خدمتها الرتيبة في الشركة ، اكتسبت ثقافة لم تكن يوما بها عليمة ، تأثير البعيد في الفعل ، دورة النجوم والأيام المشؤومة ،ماورائيات تكبح الفعل و الفوز، طرق يائسة في التعامل مع الصعاب ، وضع تميمة ، ارتداء خميسة وغيرها من الأوهام ، إنها نظرية المؤامرة تحيط بالفعل ، تبريرات للفشل ، وتهدئة للعقد و الإحباطات إلى حين . تأففت من هذه اللعنة المقيتة التي تلبست تفكيرها ، تريد أن تتحرر ، أن تعود إلى سابق عقلها الناضج المؤمن بالقدرة على الفعل عندها استجابت سيارة أجرة لطلبها الملح ، نطقت بكلمة المطار فعاود السائق المسير بدون إجابة ، يا لها من طريقة في التعامل مع الزباء ، كلنا تافهون ونصر على تفاهتنا ، أف تقترب ساعة الرحيل ، لوعلمت بأنها ستواجه هذه المعضلة ما استحمت و ما وقفت تلك الدقائق أمام المرآة ، يزداد غبضها ، إنها ذات العجلات الثلاثة تقف لها أخيرا دون أن تسألها الوقوف ، إلى أين يا كتكوتة ؟، كادت تصفع وجه السائق جراء هذا التحرش الظاهر، لولا أنها بحاجة لهذه الخدمة اللعينة لأوقفته عند حده ، دراجة بهئية أسيوية كانت تستعمل فقط لنقل البضائع ، الآن تحمل البشر بلا ترخيص ، إن وقعت حادثة فلا تأمين ولا تعويض ، وقف عند الميكانيكي قائلا : "لا تبتئسي يا غزالة سيصلح الدراجة بسرعة " ما هذا الحظ الموفق ؟ دفنت وجهها بين ركبتيها و طفقت تتأمل المشهد ، "هل أصحاب المكان يرغبون في بقائي ، تبا لهذه الترهات التي تأتيتي رغما عن أنفي ، وهذا الزنديق الذي يتغزل بي كل حين ، هل لم يبق من المصائب غيره " تذكرت أنه عندما يكون الفرد في حالة عصبية رهيبة فأحكامه لا تكون موفقة ، بل يؤول دماغه كل شيء بسلبية .
أخيرا وصلت إلى بوابة المهجر ، فكرت أن تمسح زوج حذائها قبل دخولها لكنها فضلت أن تمسحهما عندما تكون في المدرج ، بدأت إجراءات الدخول ، مع كل ولوج يطن الصفير في أذنيها ، فتعاود الكرة وهي تتخلص من حليها و ملابسها ، لم يتوقف الطنين فصحبها الحراس إلى غرفة خاصة و أمروها بالانتظار ، تتنتظر وتنتظر حتى أقلعت الطائرة ، فجاءها ضابط معتذرا عن الإزعاج و مفسرا سبب التأخر بعطل في شبكة الاتصال بمصالح الأمن لمراقبة البطاقة الوطنية و جواز السفر ، مكررا أسفه قائلا : " يمكنك الدخول فسجلك نظيف خال من المخالفات ". أخذت أوراق هويتها ثم عادت أدراجها وهي تقول : " سأبقى هنا لأحارب ..."

قديم 06-11-2014, 01:57 PM
المشاركة 6
جليلة ماجد
كاتبة وأديبـة إماراتيـة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

الأستاذة جليلة
ليست رواية بعد فمعالم النص في ذهني لا تزال مشوشة
لكن بفضل دعمك سأجتهد أكثر لتكون رواية

كل التحية لعائلة منابر

و الله أنا أراها رواية استثنائيّة ...

متدفقة كنهر و أنا أعلم عِندما تتدفق الرواية ...

أزِل التشويش .. و صدقني .. ستدهشك نفسك ...

إحترامي أ . ياسر


عند المطر ..تعلم أن ترفع رأسك ..
قديم 06-11-2014, 02:04 PM
المشاركة 7
جليلة ماجد
كاتبة وأديبـة إماراتيـة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
و يستمر الأستاذ ياسر في تدفقه الجميل فلنبدأ ؟؟

رواية [ مخبول و مخبولة ] للأستاذ ياسر علي :

1- اللغة : بسيطة ..سهلة .. تدلف إلى العقل بلا مقدمات و يندمج القارئ مع الشخصيات الـ يكاد يراها و يسمعها و يشمها .

2- التشويق : أبرز سمات هذا النص التشويق .. فما إن تنتهي من سطر حتى تحترق لمعرفة ما في السطر الثاني .. و التشويق هو الذي يقيس مدى براعة الروائي في جذب قرائه ...

3- التصاوير : القلم عند الأستاذ ياسر ريشة بها رسم السوق و الشركة و الشخصيات فكأنما تتابع مسلسلاً أو فيلماً في التلفاز ...

4- الأفكار : يعبّر الكاتب هنا عن همومه و ينفثها مع الشخصيات ، فصالحة و ضياع الهوية و و ناصر و ضياع الذات و بائع السمك الحكيم المحنّك و هذا ما شدني في البداية لهذه الرواية جميل أن تقرأ الراوي من خلال أفكار شخصياته ..!

............ لي عودة .... أستاذي الفاضل تقبّل تحياتي ....

عند المطر ..تعلم أن ترفع رأسك ..
قديم 06-11-2014, 11:32 PM
المشاركة 8
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

الأستاذة جليلة
يسعدني أن يجد نصي استحسانك
ويسعدني النشاط الذي دب في منبر القصة
والفضل كله يرجع لك بالذات
إذ عملت على ضخ نفس جديد في شرايينه

كل الشكر على قراءتك التي أسعدتني كثيرا
وبدون شك سيكون لها الأثر الإيجابي على أدائي

كل التقدير .


قديم 06-11-2014, 11:40 PM
المشاركة 9
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يتنقل ناصر بين روافد الشركة حيث أمضى يوما كاملا في مصنع النسيج ، وضع القيّم بين يديه الكثير من الأوراق و الوثائق و المستندات والملفات ، هذه للعمال و مطالبهم و تلك للمواد الأولية و أخرى للآليات ، راجع معه كلفة الإنتاج و قيمته و نسب الربح . نقل إليه اقتراحات الترسيم والترقية ، تداولا كثيرا في السبل الممكنة للرفع من جودة المنتوج و تطويره و تخفيض التكلفة حفاظاعلى تنافسية عالية وضمانا للتواجد في الأسواق و المحافظة على الزبناء . في اليوم الموالي شد الرحال إلى مزارع الخضر والحوامض ، هناك وقف على معايير دقيقة في الزراعة ، إنها لغة الكمياء في الإنتاج ، كميات موزونة في الأسمدة و أصناف رفيعة من البذور و الشتلات في مشاتلها تحظى بعناية و رعاية تفوق تلك التي يحظى بها الأبناء في المشافي ورياض الحضانة ، مياه السقي توزعها أنظمة الحواسيب بالمليلترات ، يشرح المهندسون ويشرحون و هو لا يستوعب مثقال ذرة مما يتفوهون به ، تساءل أين كان طوال هذه المدة ، لكأنه كان يعيش في كوكب آخر . يرجع ليلا مهموما غير قادر على استيعاب كل تلك العوالم ، يتساءل متثائبا إن كان قادرا على تحمل هذه المسؤولية . في شركة النقل يستعرض المدير عدد الحافلات المخصصة للعمال ، عدد الشاحنات من النوع الكبير الخاصة بنقل الخضر إلى الميناء ، عدد الشاحنات المتوسطة التي تقل السجاد إلى محطة القطار ، عدد لترات البنزين المستهلكة ، فواتير قطع الغيار و تكاليف الصيانة و تجديد الأسطول . رجع إلى مكتبه منتفخ الرأس ، تجرع قرصا فوارا و هو يأذن للمدير بالدخول : سيدي لديكم مجموعة من الدعوات ، لقاء مع منتجي الحوامض ، دعوة من وزير النقل ، لقاء مع رئيس جمعية المقاولين ، لقاء مع ممثلي النقابات ، للإشارة سيدي فكلهم يباركون لكم منصبكم ، لا تنسى إدخال طلب الحضور إلى التجمع الحزبي إلى الأجندا سيدي ، وهناك موضوع هام أيضا فرئيس قسم الضرائب في مكالمة هاتفية يتمنى التعرف عليكم في أقرب وقت . بدأ يعرف لماذا لا يرى أباه طوال مدة دراسته إلا للحظات قليلة ، تنهد و تمطط و قام إلى منزله مقفلا هاتفيه ، وجد أمه وحيدة تفترسها الوحدة ، أبوه على السرير فاقد للسيطرة ، أخته هناك في بلاد الغرب تلتهم دروس عالم اليوم ، تأمل هذا الشتات ، طلب من الخادمة كوب ماء ، أحس بالضيق ، فغادر من جديد يبحث له عن مكان آمن ، عن فضاء واسع فسيح ، فروحه تكاد تغادر ، في هذا الأسبوع بدأ وزنه يخف و ملامحه تشحب ، وصفرة تعتري وجهه الداكن .
صالحة قامت صباحا في بذلتها الرياضية توجهت نحو البحر ، وجدت العالم هناك هادئا ، دخلت المياه الباردة بعد أن أكملت تمارينها ، تمططت على الرمال وهي ترتب أجزاء خطتها ، استعرضت معطياتها ، إمكانياتها ، أهدافها ، و بدأت تفكر في التفاصيل الجزئية هذه تحاج إلى ورقة وقلم و أيضا إلى حاسوبها ، طوال الأسبوع تنقح خطتها ، رياضة وحاسوب وقلم وأوراق ، إنه الإصرار على الوجود . أمها تحاول مواساتها فترد عليها :" لاعليك أمي أنا نسيت الوضوع ، وسترين قريبا قدراتي ، فأنا صنيعة أمي " من بريق عينيها رجعت بأمها إلى الأيام الخوالي ، فتمتمت الأم مبتعدة عنها : "لطفك يا الله ."
باكرا يقتني بضاعته من سوق الجملة و يستقبل سوق السمك ، يبيع طيلة اليوم تحت ظلته مستمتعا بالأفواج الآدمية التي تغدو خماصا و تروح بطانا ، عند مقدم الليل يجمع أدواته و أعشابه ، في طريقه إلى بيته يوقف دراجته واهبا بقية الأعشاب للجمعية الخيرية ، يصل إلى بيته تستقلبله زوجته برفق ، تسأله عن جديد السوق ، يحكي لها تفاصيل اليوم ، يفرغ محفظته على المائدة ، ترتب خديجة النقود قطعا وأوراقا ، ترجع إلى المحفظة رأس المال لزوجها ، تأخذ مصروف الغد تضعه في المطبخ ، و تقبل ماتبقى و ترميه في صندوق خشبي في غرفة النوم ، في نهاية كل شهر تعد ما في الصندوق تدفع منه فواتير الماء والكهرباء ، تقتني منه بعض الأواني و الملابس الضرورية ، وتحمل الباقي إلى البنك ، أسرة تعيش على مهل ، في هدوء ، زوجت بنتها البكر و ابنها يعيش مع زوجته في بيته ، أسرة مقتصدة تعيش على باب الله ، لكل يوم رزقه تمطره السماء ، تعاظمت ثروة بائع الكزبرة فاضحى ملاكا للعقارات ، و تضخ في حسابه البنكي الدراهم كل شهر ، رغم ذلك لم يركب المال حياته ، و لم تتغير طبائعه ، فهو مؤمن أن المال فقط لإنقاد الروح من الفقر. يحكي لزوجته قصة العشيقين ، يتذكران عندما التقيا لأول مرة ، كان أبوها بائع الأعشاب و هو مساعده عند خروجه من السجن ، آواه في بيته و زوجه ابنته الوحيدة.
أوصته زوجته أن يبتعد عن طريقهما ، ويترك الأقدار تسري بهما نحو مسارهما ، وأن لا يتدخل فيما لا يعنيه ، فربما المصائب تأتي من حيث تظهر أمارات النور ، يؤمن بأنه تزوج أكبر حكيمة في الكون ، يؤمن أن لو تعطى الشهادات على المنجزات لنالت من الدرجات أعلاها ، لكنه أيضا يعتقد أن حدسها لم يوفق اليوم ، إنها لم تشاهد نظرات الولدين ، لم تر شوقا في عينيها وهي قلقة على غيابه المفاجئ ، لم تعرف عن قرب عذرية الفتى و لا معدنه و هو يداهم السارق بشجاعة .
فقرر المضي في طريق معرفة الشابين و المساهمة في تحقق أحلامهما .

قديم 06-12-2014, 02:10 PM
المشاركة 10
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أخيرا حظي برؤيتها بعد طول انتظار ، حاول استجماع ما يكفي من المعلومات عن الشابين ، يريد أن يدرس الحالة ليتدخل بلمسة سحرية تكسر جمود علاقتهما ، الحب عن بعد ما أظلمه من حب ، يريد أن يكون تلك الصدفة المفائجة التي تجمع بين روحين ، يتمنى أن يكسر تلك الحواجز التي تحول بينهما وبين السعادة ، تشاءم من غيابهما الطويل ، لكنه يعرف أن الطيبين لا يتخلصون من أحزانهم بسهولة ، إنها لعنة العناد تؤثر عليه، لم يجمع إلا القليل من المعلومات عن ناصر ، فحتى البحارة لا يعرفون عنه الكثير ، يقولون إن أباه ربما لم يتعاف من مرضه ، و ربما يكون ميتا ، و هو رجل ذو شأن عظيم هذا ما كان ناصر يقول . وصلت أمامه بخطواتها المتثاقلة و علامات السنين ظهرت على وجهها الصارم ، كادت أن تمر دون أن يكلمها ، لكنه أخيرا اهتدي إلى عرض خدعة مسرحية : " يا مدام..، ألا تريدين كزبرة ؟" رجعت بخطوتين إلى الوراء و تأملت ذلك الوجه الذي طعنته عواصف الزمان قائلة : " هيا حزمتين من كل نوع " وجدها فرصة سانحة للاستفسار عن صالحة ، فمرارا كانت تصاحب أمها في الماضي البعيد : "هل صالحة بخير ما عدت أراها في السوق؟ " استغربت الأم من هذا السؤال فواصل موضحا : : " إنها زبونتي و تضررت من غيابها " فردت متنهدة:" قصتها طويلة يا ...." بسرعة قال : "أحمد أحمد سيدتي" وهو متلهف لمعرفة المزيد ، " السيد أحمد ، لقد فقدت وظيفتها وهي الآن تحاول بناء نفسها من جديد .." قال ضاحكا : " حسبتك ستقولين تزوجت وغادرت المدينة ...." نظرت إليه بابتسامة : " وهل شباب اليوم يفكرون في الزواج ، آه مضت الأيام الحلوة يا.... " فهب لنجدتها : " أحمد أحمد سيدتي " و لما همت بالذهاب قدم لها حزمة مجانا قائلا : " لا تنسي أن تسلمي عليها .." ردت عليه بنظرة اعتراف وامتنان وهي تستبشر في قرارتها : " أن الدنيا لا تزال بخير ، رغم كل مظاهر الفوضى .."
تمر الأيام ولا تتقدم خطواته ، فلاهي ظهرت في السوق و لا ناصر وصل إليه واحد من رفاقه ، عاد أحمد إلى طبعته القديمة و ظن أنها زوبعة صيف عابرة ، و عمر العاصفة لا يطول ، فإن كان لم يحظ بغنيمة تقريب الحبيبين فهو على الأقل ما خسر شيئا .
صالحة تطوف على المكاتب وتهيء أوراق مقاولتها ، تسافر إلى القرى النائية و تجالس التعاونيات النسائية وهن يعانين من قلة الكفاءة و قلة الطلب ، تأخذ عينات من منتوج الزيوت و العسل و التوابل ، تطير نحو بلاد المهجر التقت بصديقات الدراسة ، كن في حاجة إلى دفعة تنتشلهن من رتابة المكاتب ، وضحت لهن فكرتها وافقت اثنتان منهن على توزيع المنتوج ، هيأن ملفات الشركة بسرعة البرق و اقترضن الملايين من البنوك استعلمن عن المنتوجات عند ذوي الاختصاص ، طبعن آلاف الملصقات والصور تعلوها علامة تجارية جديدة ، تلقين آلاف الطلبات .
حملت هدايا كثيرة في رحلة عودتها ، هذه لمدير الوكالة البنكية الذي سيمنحها دفعة البداية ، و تلك لمسؤول الجمارك الذي سيحررها من قيود التصدير ، و أخرى للموظفين الصغار في كل المكاتب التي ستضطر للتعامل معها .
نجحت الفكرة أخيرا بتصدير دفعتها الأول فوضعت قدمها الأولى في ميدان الأعمال.
ناصر غارق في فوضوية السوق ، في اجتماع مجلس الإدارة ، حاول إقناع المساهمين باستغلال مدخرات الشركة في تعويض خسارة فساد المنتوج الزراعي فبضاعتها ردت إليها ، مئات الأطنان من الخضر والفواكه تم تفريغها في عرض البحر ، والتحقيقات جارية لتحديد المسؤولية ، و خبراء الإتحاد الأوربي قادمون لزيارة قلاع الإنتاج والوقوف على أسباب الكارثة . لطفي غريمه في الشركة رجل خمسيني لا يؤمن بالخسارة هدد ببيع أسهمه و إغراق الشركة إن تم استغلال مدخراتها ، ناصحا ناصر بالإقتراض من الأبناك على أسهمه أو بيع جزء منها لتسوية مشاكله ، فالشركة لم تكن يوما في خطر إلا يوم تولى القيادة . عرف ناصر أن خصمه يكيد له كيدا ، واستغل خبرته في تعكير صفاء الشركة ، من أين له بالنقود ، إن قلص أسهمه فمنصب رئيس مجلس الإدارة في مهب الريح ، إن اقترض من الأبناك تأجلت الأرباح لسنوات عديدة ، دعا إلى مكتبه غريمه ، عرض عليه اقتسام الخسارة بين الأسهم و المدخرات فبالكاد وافق لطفي تحمل المدخرات لعشرين بالمئة من الخسارة مما يجعل ناصر سيتخلى على أربعة في المئة أسهمه ، هذه النسبة على الأقل لن تمنح لغريمه منصب القيادة ولو قام باقتنائها .
لطفي كانت خطته السيطرة على الشركة ، لكنه في ذات الوقت يتوجس من استمرار التحقيقات فلو تعثرت الشركة ستتدخل الدولة بثقلها فهي مشاركة فيها بنسبة رمزية لتضمن مراقبة الشركة كشريك . فأجل مشروعه إلى حين .

تهلل وجه أحمد وهو يرى العصفورة تحوم حول دكاكين السمك ، تغير شكلها قليلا ، ربما صورتها ، أصبحت أكثر جرأة تتحدث إلى الباعة بثبات بل ترد على غمزهم بدعابات فتطول القهقهة ، توجهت نحوه دون أن تنظر في عينيه ، وصلت أخيرا و حدقت فيه وابتسمت: " وصلتني رسالتك و شكرا لك على الاهتمام " فرد عليها بفضول : " وما أخبار ناصر ؟" تغيرت ملامحها وبرقت عيناها بريقا مفزعا لكنها تمالكت نفسها : " حكاية قديمة ربما للنسيان " نظر إليها بحنان قائلا : " بابنيتي إنه لرجل صالح ، فتى بريء ، شبل شجاع و إني لأراكما خلقتما لبعض ، فما الذي يحول بينكما " تأملت هذا الوجه البشع يذكرها بالبطولات والملاحم و تلك العنتريات البالية ، و ذلك الصفاء والنقاء ، .. لكنها في غنى عن دخول جدالات قاحلة لا طائل منها ، إنها اليوم تتقن لغة السوق ، ربح وخسارة لا غير ، و عندما رأت حديثها مع بائع الكزبرة خسارة للوقت قالت : " أستأذنك فمشواري طويل وأنا مازلت في بداية الطريق .." فرد عليها : " إن كنت في حاجة إلى مساعدة فأنا رهن الإشارة ." ضحكت مقهقهة في دواخلها : " مساعدة من بائع الكزبرة ، أي حمق أكبر من هذا ، وعندما تمكنت الفكرة من دماغها تذكرت ناصرا وهو في ثوب الحمال و بين ليلة وضحاها وجدته على وثاب فاخر يؤشر على ورقة طردها ، أيكون بائع الكزبرة على هذا النحو ، لا بد من طريقة للوصول إلى الحقيقة . "


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:04 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.