قديم 10-30-2010, 09:50 PM
المشاركة 61
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الخطة ( شامل ) المعدة لنسف الثغرة :


بعد جنوح العدو وإصراره على خرق وقف إطلاق النار وتفجر الخلافات بين الفريق الشاذلى والرئيس السادات حول الحل الأمثل في تصفية الثغرة ,
رفض السادات خطة الشاذلى وأمر بإعداد خطة سريعة لتصفية الجيب الإسرائيلي دون الحاجة لسحب أى قوة من الشرق ,
وعليه تم إعداد الخطة ( شامل ) لتصفية الموقع الإسرائيلي غرب القناة بعد إتمام حصاره ,
وكانت الخطة جاهزة للإعداد يوم 29 أكتوبر بعد أن امتثلت القوات الإسرائيلية بالفعل لوقف إطلاق النار وذلك بناء على الضغط الأمريكى الذى مارسه هنرى كيسنجر على جولدا مائير عقب وصول رسالة السادات إليه , والتى رد عليها بتهديد مبطن ولكنه عرض في نفس الوقت انسحاب القوات الإسرائيلية من مواقعها غرب القناة للحيلولة دون تدميرها , بعد التعهد بالتزام إسرائيل بإيقاف العمليات فورا
وكانت رسالة السادات الخفية بإطلاق صاروخين ( سكود ) قد أتت ثمارها دون شك , حيث عكست إصرار مصر على توقف النشاط الإسرائيلي والتعهد بسحب كافة القوات وفك الحصار عن الجيش الثالث ومدينة السويس وإما تصفية هذه القوات وإبادتها ,
وكانت أهداف تلك المرحلة هى اتخاذ الإجراءات اللازمة لو لم تستجب القوات الإسرائيلية للتهديد المصري وكان ترتكز على النقاط التالية :
أولا : إحداث أكبر خسائر ممكنة في قوات العدو وأسلحته ومعداته عن طريق عمليات الصاعقة والمظلات وهو ما تم تنفيذه بالفعل منذ بدء المواجهات حتى تم تسمية المعارك بحرب الإستنزاف الثانية
ثانيا : القيام بعمليات إزعاج مستمرة على أوسع نطاق حتى يصبح بقاء قوات العدو في غرب القناة جحيما لا يطاق
ثالثا : إرغام إسرائيل على الإستمرار في تعبئة قواتها الإحتياطية مما يهدد الحياة العامة فيها بالشلل الكامل وهو ما لا تحتمله إسرائيل بينما كان فى طاقة الجيش الثالث والسويس احتمال الحصار لعدة أشهر
رابعا : بعد إتمام هذه التمهيدات يتم تنفيذ الخطة شامل بقيادة اللواء سعد مأمون ـ والذى تعافي من إصابته ـ وتولى قيادة الجيش الذى تم إعداده من الإحتياطى المصري والحرس الجمهورى لتصفية الثغرة



وقد تم في تلك الفترة حوالى 1500 إشتباك بالنيران اشتمل على 439 عملية فقط هى ما تم الإعلان عنه من الجانب الإسرائيلي والباقي تم التعتيم عليه ,
ووفقا للبيانات الإسرائيلية تكلفت القوات الإسرائيلية الخسائر التالية [1] فى المرحلة الأخيرة فقط :
أولا : تدمير 11 طائرة و41 دبابة وعربة مدرعة وعشر رشاشات ثقيلة
ثانيا : تدمير 36 بلدوزر ومعدة هندسية ومعدة ركوب
ثالثا : إصابة ناقلة البترول الإسرائيلية ( سيرينا ) وتوقف خدمتها بأعطاب جسيمة
رابعا : إغراق قارب إنزال بحرى
خامسا : قتل 187 فردا من ضباط وجنود العدو بالإضافة لمئات الجرحى والأسري



وبهذا الشكل تمكنت القوات المصرية من تمهيد الطريق أمام تنفيذ الخطة ( شامل ) والتى تم إعداد قواتها وتكليف قيادتها للواء سعد مأمون وكانت تحتوى على فرقتين مدرعتين هما الفرقة 4 والفرقة 21 بالإضافة إلى ثلاث فرق مشاة ميكانيكى دفعة واحدة وهى الفرق الثالثة والسادسة والثالثة والعشرين ,
فضلا على مجموعات مختلفة من الصاعقة والمظلات جاهزة من قوات الإحتياطى العام ,
وقبل بدء مهمة هذا الجيش العرمرم كان موقف القوات الإسرائيلية غرب القناة كما يلي :
أولا : زال التهديد العسكري تماما غرب القناة سواء فى طريق القاهرة أو الدلتا بعد أن تم حشد القوات المصرية الإحتياطية غرب القناة وإعادة التوازن الإستراتيجى للقوات المصرية فى شرق القناة ليصبح الجيب الإسرائيلي بين المطرقة والسندان
ثانيا : تفوقت القوات المصرية غرب القناة على قوات العدو بمعدل 2 : 1 ونجحت عملية حصار قوات العدو فى غرب القناة بحيث لم يستطع أن يتجاوز الجيب المحصور بمتر واحد
ثالثا : تحصن الإسرائيليون داخل الجيب المحاصر عن طريق حفر الخنادق وبث الألغام على طول المواجهة مع القوات المصرية بعد أن نجحت قوات الصاعقة والمظلات المصرية فى تنفيذ 439 عملية عسكرية لاستنزاف قوات العدو المحاصرة مما كان له أبلغ الأثر فى انخفاض الروح المعنوية لهذه القوات ,
رابعا : فشل العدو فشلا ذريعا فى تحقيق أى هدف من أهداف عملية الثغرة رغم الخسائر الهائلة التى تعرض لها فلم تنجح المحاولات لاحتلال السويس أو الإسماعيلية ولم تنجح محاولة القضاء على الجيش الثالث أو تصفية رأس كوبري الجيش الثانى وبقيت رءوس كباري الجيش الثالث فى شرق القناة قوية كما هى منذ بدء العمليات رغم خضوع مؤخرة الجيش للحصار فى غرب القناة مما جعل الحصار الإسرائيلي معدوم الهدف ,
خامسا : ارتفعت الروح المعنوية للقوات المصرية فى تلك الفترة إلى عنان السماء بعكس ما أرادت القوات الإسرائيلية من عملية الثغرة وذلك بعد أن أدركت القوات المصرية حقيقة وضع العدو وهو محصور بين القوات المصرية التى تحاصر قواته غرب القناة من جهة وتحاصره قناة السويس من الجهة المقابلة وخلف القناة قوات الفرق المصرية الخمس شرق القناة
هذا فضلا على عجز قوات العدو غرب القناة من رد أى عملية هجوم على القوات المصرية بعد أن عادت شبكة الدفاع الجوى المصري إلى نفس كفاءتها السابقة وردع طيران العدو ـ وهو عامل تفوقه الوحيد ـ عن التدخل تماما
سادسا : اضطرت القوات الإسرائيلية إلى اتخاذ أوضاع دفاعية فى غرب القناة رغم أنها بصدد عملية هجومية وذلك بعد أن اضطرتها القوات المصرية إلى حفر خندق مضاد للدبابات قبعت خلفه القوات الإسرائيلية ترقبا للهجوم المصري عليها مما أفقدها أى ميزة للمبادأة وجعلتها فى حالة حصار بعكس ما كان متوقعا من مهمتها الأصلية
سابعا : أصبحت القوات الإسرائيلية فى غرب القناة رهينة فى قبضة الجيش المصري بعد أن تحقق المحظور الذى كانت تخشاه القيادة الإسرائيلية وهو انقطاع القوات الإسرائيلية فى الغرب عن القوات القابعة فى الشرق ما عدا طريق ضيق عرضه عشرة كيلومترات يسهل قطعه من القوات المصرية فور اتخاذها القرار بذلك


بنود الخطة شامل :
بعد حالة الحصار الكامل التى مهدتها القوات المصرية كانت بنود الخطة شامل كما يلي :
أولا : تقوم القوات المصرية شرق القناة من اتجاه رأس كوبري الفرقة 16 مشاة لإغلاق ثغرة الإختراق من المنبع فى الشرق وفصل القوات الإسرائيلية عن خطوط مواصلاتها فى الغرب وإحكام دائرة الغلق والحصار حولها ,
ثانيا : تقوم القوات المصرية بتوجيه ضربة أخرى فى اتجاه محور أبو سلطان باتجاه الدفرسوار غرب القناة
ثالثا : تقوم القوات المصرية بتوجيه ضربة ثالثة على محور طريق السويس فى اتجاه مدينة السويس للوصول بأقصي سرعة إلى المدينة وفك حصارها وفك الحصار عن الفرقتين 7 و19 مشاة التابعتين للجيش الثالث
وتكون الضربة الرابعة على محور طريق جنيفة فى اتجاه البحيرات المرة الصغري ,
والضربة الخامسة والأخيرة موازية لخليج السويس فى اتجاه ميناء الأدبية ,

ولم يتح القدر للخطة شامل أن يتم تنفيذها بعد أن تم تحقيق الفصل الفعلى بين القوات وفك حصار القوات الإسرائيلية غرب القناة يوم 17 يناير 1974 تحت إشراف الأمم المتحدة وبدأت إسرائيل فى سحب كافة قواتها غرب القناة وصدر القرار السياسي عند ذلك بتجميد الخطة شامل بعد إتمام القوات الإسرائيلية انسحابها ,
وذلك بعد أن ظلت القوات الإسرائيلية رهينة الحصار ورهينة الإبادة بالخطة شامل طيلة الفترة من 28 أكتوبر وحتى موعد فض الإشتباك في 17 يناير 1974 م
وبهذا انتهت عمليا آخر معارك حرب السادس من أكتوبر بفشل ذريع لعملية الغزالة أو عملية القلب الشجاع والذى حولها المصريون إلى عملية القلب المذعور ,


الهوامش:
[1]ـ المعارك على الجبهة المصرية ـ مصدر سابق

قديم 10-30-2010, 09:51 PM
المشاركة 62
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
المعالجات الإعلامية لمعارك الثغرة ,

كما قلنا من البداية كانت عملية الثغرة عملية تليفزيونية الهدف الرئيسي منها إعلامى بنشر البلبلة وخفض الروح المعنوية للقوات المصرية , ومحاولة إدراك ما تبقي من سمعة الجيش الإسرائيلي فى العالم
والهدف الثانى تحقيق مكاسب على الأرض تجبر القوات المصرية على التخلى عن مكاسبها في الشرق ,
ولهذا شهدت تلك الفترة عمليات تزوير إعلامى واسعة النطاق قام بها الإعلام الإسرائيلي بمعاونة أبواقه في سائر أنحاء العالم في مواجهة غير متكافئة مع الإعلام العربي والمصري الذى يفتقر إلى إمكانيات المواجهة ,
هذا رغم أن عملية التزوير كان عمرها قصيرا جدا لم يتعد الأشهر حيث أن الصورة الحقيقية للأحداث لم يتم تزييفها طويلا لا سيما بعد وقف إطلاق النار الفعلى وبدء محادثات فض الإشتباك حيث فوجئ العالم أجمع بأن الطنطنة الإسرائيلية حول ما حققته قواتها غرب القناة ليس لها أثر فعلى على الأرض , وأن هذه القوات تم سحبها تدريجيا بعد فض الإشتباك دون أن تكسب إسرائيل من هذا الإجراء مترا واحدا في الشرق حيث قبعت القوات المصرية العابرة على خطوطها التي استولت عليها دون تغيير , ودون أن تستبقي تحت سيطرتها مترا واحدا فى الغرب !
أى أن العالم فوجئ بالنهاية الفعلية لمعارك حرب أكتوبر على نفس صورة التفوق العربي الذى ظلت قائمة منذ اجتياح القناة واحتلال القوات المصرية للمواقع التي كان يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي قبل 6 أكتوبر بعمق 20 كيلومترا ,
هذا فضلا على الإنسحاب الكامل غير المشروط لقوات غرب القناة مرة أخرى وبقاء قوات الجيش الثالث ورءوس الكباري الخاصة به كما هى دون أن يتم الإلتفاف حوله وتدميره أو حصاره وتصفية رءوس الكباري في الشرق !
بالإضافة إلى قبول إسرائيل الإنسحاب التدريجى بعد ذلك حتى خط المضايق عام 1975 م , ثم تتويج هذا كله بالإنسحاب من سيناء وإتمامه في عام 1982 م ,

لذلك كان السؤال القائم في العالم كله ,
أين هى المكاسب الطبيعية التي حققتها إسرائيل من عملية الإختراق في الثغرة , وأين ما كانت تردده جولدا مائير من أن أوضاع قواتها في الحرب مطمئنة شرق وغرب القناة ولا تدفعها للعجلة في قبول وقف إطلاق النار ؟!
وبالطبع كان الخبراء العسكريون هم أقدر الناس على فهم الإشكالية واكتشاف الخداع الإعلامى الإسرائيلي بمنتهى البساطة لأن مبادئ الإختراق في العلم العسكري لها هدف واضح محدد وهى القيام بحركة التفاف حول القوات المعادية من الخلف وحصارها وخنقها واستخدام الحصار لتحقيق مكاسب إقليمية أو إبادة هذه القوات ,
وهذا ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه على المستويين وغادرت قواتها مواقعها كما لو كانت هى التي كانت في الحصار دون أى مكسب يعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل يوم 6 أكتوبر
وبالتالى كان من السهل على الخبراء أمثال الجنرال بوفر أو المحلل العسكري ديبويه أو قادة الجيش المصري إدراك الفشل التام للقوات الإسرائيلية ,

ليس هذا فقط ..
بل ضاعت فرصة من أعظم الفرص أمام الجيش المصري لتدمير فيلق إسرائيلي كامل بكل ما يعنيه هذا الأمر من هزيمة ساحقة لوجود الدولة اليهودية وهو ما منعته الولايات المتحدة بالتدخل المباشر من هنرى كيسنجر
ومن أغرب الغرائب أن جولدا مائير خرجت بعد ذلك تقول أن الفرصة أفلتت من الجيش الإسرائيلي لتدمير القوات المصرية بسبب تدخل القوى الكبري وفرضها لإطلاق النار ,
وهو إدعاء لا يخدع طفلا بالطبع لأنه لا يصمد أمام عدة أسئلة بديهية منها :
أولا : قبلت إسرائيل علنا وطواعية قرار وقف إطلاق النار في يوم 22 أكتوبر وأعلنت للعالم هذا القبول دون أى ضغط أمريكى لأن الضغط الأمريكى جاء بعد ذلك بأيام بعد تفاقم الأزمة
وأنكرت إسرائيل أنها قامت بخرق وقف إطلاق النار وادعت أنها واصلت إطلاق النار بسبب خرق القوات المصرية لقرار الأمم المتحدة ,
والسؤال هنا :
لو كان كلام جولدا مائير منطقيا فهذا معناه أن قواتها في الغرب قامت بأداء مهمتها كاملة وإلا ما هو الداعى لإعلانها قبول وقف إطلاق النار طواعية دون ضغط في 22 أكتوبر ؟!
فهل نجحت إسرائيل في تحقيق أى هدف يوم 22 أكتوبر وحتى يوم 28 أكتوبر عندما استمرت في خرق وقف إطلاق النار متعمدة طمعا في تحقيق أى مكسب أو على حد اعترافها بنفسها في محادثتها لهنرى كيسنجر أن جنرالتها رجوها في ساعات إضافية لتحسين وضع هذه القوات !
وبالطبع كانت جولدا مائير تعتمد في تصريحاتها الرنانة على سرية هذه الإعترافات التي دارت بينها وبين هنرى كيسنجر وهى السرية التي رُفعت بعد ثلاثين عاما من الحرب

ثانيا : لو كانت القوات الإسرائيلية أوضاعها مطمئنة كما ادعت جولدا مائير فما هو الدافع الذى دعاها لقبول سحب قواتها جميعا في الغرب دون أن تفاوض على مكاسب أرضية في الشرق فتشترط انسحاب القوات المصرية عن شرق القناة وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 6 أكتوبر كمقابل للانسحاب الإسرائيلي من غرب القناة ؟!
وهو الأمر الذى لم يحدث ولم تتخل القوات المصرية عن أى أرض اكتسبتها خلال العمليات وظلت يدها على أرضها المحررة حتى تمام تحرير سيناء جميعها


ثالثا : ادعت جولدا مائير أن القوى العظمى منعتها من تحقيق أهدافها وهى تشير صراحة بهذا الكلام إلى أن كلامها السابق كله كان عبارة عن افتراء مكشوف لأنها وقعت في تناقض بادعائها أن قواتها حققت أهدافها تارة وتارة أخرى تدعى أن قواتها لم تسنح لها الفرصة لتحقيق مكاسبها في الغرب !
بالإضافة إلى حقيقة هامة يعلمها كل من له علاقة بالشئون السياسية والعسكرية في العالم وهى أن إسرائيل تفعل ما تشاء وقتما تشاء دون أن تلقي بالا للقوى العظمى , حتى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ,
وهذا إذا سنحت لها فرصة تحقيق أى مكسب مهما بلغت ضآلته , فما بالنا بهدف رهيب كهذا الذى كانت تطمح إليه إسرائيل ألا وهو رد الهزيمة إلى القوات المصرية واستعادة سمعة الجيش الإسرائيلي والإحتفاظ بسيناء
والتاريخ خير دليل على أن إسرائيل عجزت عجزا كاملا عن تحقيق أى هدف من هذه الأهداف وأنها قبلت الإنسحاب لهذا السبب وليس بسبب الضغوط الأمريكية والسوفياتية
فبداية :
فمسألة عدم اكتراثها بالإتحاد السوفياتى أمر ثابت لا جدال فيه ثبت في معارك عام 1967 م عندما أقدمت على خرق وقف إطلاق النار بعد قبول جميع الأطراف له ـ بمن فيهم إسرائيل ـ يوم 9 يونيو واجتاحت الجولان السورية وأتمت إحتلالها دون أن تخشي وقف إطلاق النار أو تدخل الإتحاد السوفياتى ,
هذا فضلا على إقدام موشي ديان على احتلال بورفؤاد المصرية بعد قرار وقف إطلاق النار وهى المحاولة التي فشلت فيما بعد عندما نجحت وحدة خفيفة من الصاعقة المصرية لا تزيد عن ثلاثين رجلا في رد كتيبة المدرعات الإسرائيلية بخسائر فادحة في معركة رأس العش الشهيرة
وهددها الإتحاد السوفياتى في معارك حرب أكتوبر ولم تحفل للتهديد واعتمدت على الحماية الأمريكية وبالفعل لم يستطع الإتحاد السوفياتى أن يفعل شيئا ونفذت إسرائيل هدفها بخرق وقف إطلاق النار لمدة ستة أيام في تحد مبالغ فيه ,
وعندما هددت إسرائيل العاصمة السورية دمشق ولم يكن في نيتها احتلالها بطبيعة الحال خرجت التصريحات السوفياتية تشير إلى أن وقوع عاصمة عربية في يد إسرائيل هو خط أحمر لن يسكت عليه الإتحاد السوفياتى
ونحن نؤكد أن إسرائيل لو كان باستطاعتها أو من أهدافها تحقيق ذلك لما حفلت بالإتحاد السوفياتى لأنه سكت وغض الطرف عن سقوط عاصمة عربية أخرى بعد ذلك وهى بيروت في يد الإسرائيليين عام 1982 م ,
فأين هو خوف إسرائيل أو خشيتها أو تراجعها أمام الإتحاد السوفياتى ؟!


قديم 10-30-2010, 09:53 PM
المشاركة 63
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ورغم أنها الأم الرءوم لإسرائيل ,
فقد أثبت التاريخ أيضا أن أهداف إسرائيل التوسعية لا تملك الولايات المتحدة عليها سلطانا فيها بدليل أن موشي ديان في حرب يونيو 67 م اعتزم نقض اتفاقه مع الرئيس الأمريكى ليندون جونسون بعدم اجتياح الضفة الغربية والقدس , ولكن موشي ديان قام بدم بارد وأعصاب هادئة بضرب سفينة المراقبة ( ليبرتى ) في البحر المتوسط حتى لا تكشف أنه اجتاح الضفة الغربية دون أن يحاول الملك حسين التدخل ابتداء في المعارك ,
وحتى لا تكشف السفينة أن القوات الإسرائيلية دخلت الضفة الغربية من تلقاء نفسها دون مبادرة هجوم من الجيش الأردنى كان قرار ديان بإغراق السفينة الأمريكية بأوامر مباشرة منه ثم قدم اعتذارا لجونسون على اعتبار أنه خطأ عسكري[1]
وفى أثناء أزمة وقف إطلاق النار أنذر هنرى كيسنجر السفير الإسرائيلي سيمحا دونتز بأن الوضع لم يعد يحتمل والمواجهة السوفياتية الأمريكية على وشك الوقوع بسبب تحدى إسرائيل للإرادة الدولية وعدم التزامها بوقف إطلاق النار ,
قامت جولدا مائير بتجاهل تحذير كيسنجر وأبلغته بحاجتها لهذا الخرق الذى استمر أياما ولم تحفل بما قاله فما كان منه إلا أن عاد لمجموعة العمل في البيت الأبيض واتخذ قراره بتصعيد المواجهة مع الإتحاد السوفياتى ولم يستمر في الضغط على جولدا مائير حتى أعلنت جولدا مائير قبولها الفعلى للقرارين 239 و240 بالوقف الفعلى لإطلاق النار

فكيف يمكن أن نتصور إسرائيل تترك الفرصة تفلت من يدها إذا كانت تملك حقا تحقيق أى انتصار من عملية الثغرة يعيد لها بعضا من الخسائر الفادحة التي تكبدتها ؟!
وكيف يمكن أن نقتنع بأن جولدا مائير قبلت سحب قواتها من غرب القناة دون تحقيق أية مكاسب من العملية على الأرض لولا أنها كانت بالفعل قوات مهددة بالإبادة كما توعدها المصريون ؟!

رابعا : الإعترافات الإسرائيلية والأمريكية بفشل إسرائيل في عملية الثغرة تسربت من بين الإدعاءات بنجاحها , فى مزيج غريب يبين كم أن حبل الكذب قصير !
فمثلا هنرى كيسنجر الذى يذكر في مذكراته أنه تدخل لدى جولدا مائير كى يقنعها بألا تحقق إنتصارا ساحقا على العرب حتى يمكن لهم قبول المفاوضات من مركز مشرف !
كان هو نفسه القائل لموشي ديان أثناء مؤتمر السلام الدولى بجنيف عام 1974 م بألا يطمح فوق ما يتصور وذلك ردا على إدعاء ديان أنهم يملكون أوراق للتفاوض والضغط بوضع القوات الإسرائيلية في غرب القناة وأنه لولا كيسنجر لتمكنت القوات من تحقيق المكاسب المطلوبة ! وهو ما نفاه كيسنجر وسخر من ديان سخرية مبطنة وقال له ما معناه أن القوات كانت معرضة للإبادة لولا تدخله الشخصي[2]
مما يشي بوضوح بحقيقة اقتناع كيسنجر ومخالفته لما قال فى مذكراته حول النصر الإسرائيلي وهو الأمر الذى اتضح فى جلاء من ممارسات كيسنجر العملية سواء بتدخله لدى السادات لمنعه من تدمير قوات الثغرة أو تعهده الشخصي للسادات أنه يضمن له استجابة إسرائيل لشروطه كلها بعد أن استجاب له السادات ومنعه من تحقيق إنتصار كامل على إسرائيل ,
وتعبير تحقيق انتصار كامل على إسرائيل كان هو تعبير كيسنجر نفسه [3]
ويضاف إلى ذلك شهادة كيسنجر الصريحة أن إسرائيل هى من توسلت لوقف إطلاق النار بغرض استغلاله وخرقه فيما بعد لمحاولة تحقيق أى مكسب وهى الشهادة التي نقلناها من مذكرات كيسنجر في الفصول السابقة عندما تحدث عن زيارته لإسرائيل يوم 22 أكتوبر واكتشف حالة الإنهيار البادية على جولدا مائير نفسها ووزرائها بل وأفراد الشعب الذين صفقوا له في الطريق انتظارا لما سيبذله من جهد لتحقيق وقف إطلاق النار [4]
فمن نصدق يا ترى ؟!
حديث كيسنجر الأول الذى كان يوحى فيه بالنصر الإسرائيلي أم حديثه الفعلى عن زيارته يوم 22 أكتوبر أى في نفس الوقت الذى يدعى فيه أن إسرائيل كادت أن تحقق مكسبا ,
فضلا على أن أشار ـ عن غير قصد ـ لحالة الإنهيار التي كانت تعيشها جولدا مائير رغم أنها في نفس الوقت كانت تطلق تصريحاتها للإعلام حول نجاح قواتها في غرب القناة ؟!

فضلا على ذلك شهادة موشي ديان نفسه والذي انتابه الرعب طيلة مراحل تنفيذ عملية الثغرة وصرح للمجلس العسكري بإلغاء العملية حتى لا يذبح المصريون رجالهم على الشاطئ الآخر , وهو الأمر الذى رفضه دافيد إليعازر وأصر على الإستمرار رغم الخسائر ولم يتدخل ديان على عادته في تلك الحرب , تهربا من مسئولية الحساب السياسي
ثم عاد ديان ووضع شهادته على الصورة المرعبة التي رآها في آثار معركة المزرعة الصينية والتى سماها له أحد ضباطه بمزرعة الموت أو وادى الموت وقال فيها ديان :
( وأنا أتأمل الأشلاء والدماء والحطام أخذت أتحسس العلامات على المعدات والأفراد لعلى لا أجد علامة الجيش الإسرائيلي غير أنى وجدت الكثير منها , ورغم أنى شاهدت أبشع مناظر الحروب من قبل إلا أننى لم أقع على مثل هذا المنظر المرعب )
وفى حديث صحفي لموشي ديان بعد الحرب قال ما نصه بالحرف :
( في الواقع كانت الأمور على غير ما نتوقعه فلم نستطع بناء الجسور على القناة وكانت الخسائر بالنسبة لنا غير متوقعة )
وشهد المفكر العسكري الأمريكى ديبويه في كتابه ( النصر المراوغ ) أن إسرائيل أوقعت نفسها في مأزق عنيف بعملية الثغرة وأنها منحت المصريين فرصة تطويل الحرب على حسابها وخاضت إسرائيل معركة خاسرة بكل المقاييس واضطرت للإنسحاب بعد أن أنقذها تدخل الولايات المتحدة الأمريكية ,


الهوامش :
[1]ـ سر ليبرتى ـ جيمس أنس ـ المعهد الدولى للأبحاث
[2]ـ محاورات هنرى كيسنجر مع وزير الخارجية المصري إسماعيل فهمى أثناء مؤتمر جنيف ـ كتاب المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل ـ محمد حسنين هيكل ـ الجزء الثانى ـ دار الشروق
[3] ـ المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل ـ الجزء الثانى ـ مصدر سابق
[4] ـ مذكرات هنرى كيسنجر ( سنوات الفوران ) ـ الجزء الثانى ـ الطبعة العربية

قديم 10-30-2010, 09:54 PM
المشاركة 64
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
خامسا : كان من الغريب جدا أن تتزامن الدعاية الإسرائيلية والأمريكية حول عملية الثغرة مع المحاكمات التي جرت لجميع القادة العسكريين أمام لجنة الكنيست الإسرائيلي المعروفة باسم ( لجنة أجرانات ) والتى خرج تقريرها يدين جميع القادة العسكريين الإسرائيليين في حرب أكتوبر ابتداء من رئيس الأركان وحتى باقي قادة الأفرع الرئيسية دون أن يحتوى تقرير أجرانات على أى تنويه يوحى بأن هؤلاء القادة حققوا أدنى انتصار في أى معركة من معارك حرب أكتوبر !
بل خرج التقرير بالإدانة الكاملة لكافة هؤلاء القادة والتوصية بتقاعدهم جميعا !
فأين هو الأثر العملى للنصر الإفتراضي الذى حققوه في وسائل الإعلام وبرهنوا على عكسه بتصرفاتهم بعد الحرب
وحتى عندما خرج تقرير لجنة أجرانات يرفع المسئولية عن القادة السياسيين ويتهم العسكريين وحدهم كان هذا غريبا لأن قرار عملية الثغرة كان قرارا عسكريا محضا وعندما تدخلت القيادة السياسية ممثلة في وزير الدفاع موشي ديان رفض رئيس الأركان وباقي القادة الأخذ برأيه وأصروا على الإستمرار رغم الخسائر ,
فهذا معناه أن تقرير لجنة الكنيست يشهد بأن الفشل العسكري لهؤلاء القادة كان فشلا كاملا وإلا ما أوصي بتقاعدهم
وفى مذكراته برهن إيلي زاعيرا مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية ( أمان ) على أن التقصير والفشل كان سياسيا وعسكريا وأن خروج تقرير لجنة أجرانات بقصر المسئولية على القادة العسكريين تم بضغوط سياسية على اللجنة
ولهذا عندما خرج تقرير اللجنة بعدم إدانة جولدا مائير وموشي ديان قامت المظاهرات والإحتجاجات حتى اضطر كلاهما إلى الإستقالة والدعوة لانتخابات جديدة فاز فيها حزب العمل برياسة اسحق رابين ,
فلماذا استقالت جولدا مائير وموشي ديان وهما ـ طبقا للدعاية الإسرائيلية ـ قادا إحدى المعارك الناجحة في حرب أكتوبر وهى معركة الثغرة ؟!
ولماذا لم يضع صانع القرار الإسرائيلي هذا النصر في اعتباره يا ترى ؟!
وأين هو الواقع العملى للدعاية الإسرائيلية التي انتشرت في العالم أجمع وقالت بأن معركة الثغرة غيرت محور الحرب وغيرت نتيجتها في نهاية القتال ؟!
أليس من المفترض ـ طبقا للدعاية ـ أن يكون النصر الأخير لإسرائيل مغيرا وفاعلا في نتيجة المكاسب السياسية على الأرض بعد وقف القتال ؟!
فلماذا فر الإسرائيليون من مواقعهم وأخلوا الضفة الغربية وقبلوا الدخول في مفاوضات الكيلو 101 ثم مؤتمر جنيف والذي أفضي إلى انسحاب كافة القوات الإسرائيلية غرب القناة , ثم توالى الإنسحاب بعدم ذلك وأخذ الضمانات على الطرفين بعدم تجدد القتال
وكانت كل الضمانات المطلوبة تصب في الجانب المصري , فألح كيسنجر في اتخاذ السادات ضرورة منح إسرائيل ما يطمئنها إلى أن القوات المصرية لن تبادر بتجديد القتال مرة أخرى !!
وهل هذا الذعر والخوف من تجدد الإشتباكات يتناسب مع روح المنتصر التي ادعتها إسرائيل ؟!
الأكثر من ذلك أن إسرائيل جندت جميع عملائها في مصر كى يأتوا لها بخبر تجدد القتال قبل وقوعه
وكان توقعهم يقارب الفزع إلى درجة أنهم رصدوا مليون دولار لأحد أشهر عملائهم في مصر إذا نجح في إنذار الإسرائيليين قبل الهجوم المصري الجديد [1]


سادسا : تقوم الإستراتيجية العسكرية على أن مفاهيم النصر والهزيمة مرهونة بتحقيق الأهداف بالنسبة للطرف الإيجابي ومنع تحقيق هذه الأهداف بالنسبة للطرف المدافع ,
كما تقوم مفاهيم النصر والخسارة على تغير الواقع العملى على الأرض فيتم تحديد المنتصر من المهزوم بدراسة الأوضاع قبل اشتعال المعارك والنظر إليها بعد وقف القتال ,
ولهذا كانت إسرائيل منتصرة فى حرب يونيو 67 م لأن خريطة المنطقة تغيرت وتمكن الجيش الإسرائيلي من بسط نفوذه على أرض سيناء ,
وأيضا بدراسة الوضع بعد حرب أكتوبر مباشرة نجد أن الخريطة تغيرت لصالح الجيش المصري حيث سيطر على سيناء من القناة حتى منطقة الممرات وكل هذه الأراضي كانت خاضعة للإسرائيليين ,
وبالتأمل فى أهداف معركة الثغرة الإسرائيلية نجد أنها فشلت فى تحقيق جميع أهدافها دون استثناء وبالتالى انسحبت دون مكاسب فى نفس الوقت الذى ظلت فيه القوات المصرية مسيطرة على الجزء المحرر من سيناء ,
وإذا تأملنا أهداف معركة أكتوبر من الجانب المصري نجد أن التوجيه الإستراتيجى الذى وجهه الرئيس السادات إلى المشير أحمد إسماعيل يوم 5 أكتوبر قد تحقق بكل بنوده ,
فقد أصدر الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة الأمر إلى قواته بكسر وقف إطلاق النار وتكبيد العدو أكبر الخسائر الممكنة فى الأفراد والأسلحة والمعدات والعمل على اقتحام خط بارليف والإستيلاء على مواقع العدو فى سيناء على مراحل وفق إمكانيات القوات المسلحة المصرية ,
وكل هذا تحقق بفضل الله إلى أبعد مدى ممكن , فضلا على تحقيق الهدف الإستراتيجى الأول ـ طبقا للتوجيه ـ وهو كسر نظرية الأمن الإسرائيلي القائمة على نظرية الحدود الآمنة وخط الدفاع الثابت ,
وقد ولت إلى الأبد أسطورة الأمن الإسرائيلي والجيش الذى لا يقهر بعد حرب أكتوبر , ولم يجرؤ قائد إسرائيلي واحد على ترديد نغمة الجيش الذى لا يقهر بعد حرب أكتوبر ولم نسمعها ولو لمرة واحدة رغم أنها كانت سائدة ليل نهار فى وسائل الإعلام منذ حرب يونيو 67 وحتى بداية معارك أكتوبر 73 م ,


فضلا على أن العدو نفسه اعترف بجلاء ووضوح بهزيمته الفادحة , وذلك بعد زوال أثر شائعات الثغرة سريعا مع الإجراءات التى تم اتخاذها فى إسرائيل سواء بمحاكمة القادة المهزومين أو تخلى إسرائيل عن مكاسب حرب يونيو أو فى كمية الإعترافات المذهلة من هؤلاء القادة بالهزيمة والتى عرضنا أغلبها خلال الفصول السابقة ,
هذا فى نفس الوقت الذى كان فيه الرئيس السادات يقلد أبطال أكتوبر نياشين النصر ,
ولأن الحقيقة لابد لها من فرض قوتها فى النهاية فقد أثبتت السنوات السابقة كلها أن إسرائيل لم تتجرع فقط هزيمة عسكرية يسهل نسيانها مع السنوات , بل تجرعت هزيمة ساحقة وقياسية لا زالت تمضغ آثارها حتى يومنا هذا رغم مرور ستة وثلاثين عاما على معارك حرب أكتوبر ,
ولا زالت تظهر كل عام الوثائق والتقارير التى تفيد مدى انتصار العرب فى تلك الحرب المجيدة , وكان آخرها تقارير جريدة ( يديعوت أحرونوت ) الذى كشفته فى السادس من أكتوبر لهذا العام وحمل الصورة الكاملة للانهيار الإسرائيلي من الداخل بين القادة السياسيين والعسكريين على حد سواء
كما نقلت تصريحات رئيس الوزراء الحالى بنيامين نتناياهو حول هذا الأمر وحملت تصريحاته مرارة الذكرى التى لم تمحها الأيام وتكشف فى وضوح عن عجز الدعاية الإسرائيلية حتى فى مجرد إقناع نفسها بما رددته أيام حرب أكتوبر !
هذا بالإضافة إلى ما أعطته حرب أكتوبر من المعارف فى مجال العلوم العسكرية وتم اعتبارها أكثر المعارك قوة بعد الحرب العالمية الثانية , والمعركة التى أضافت نظريات جديدة فى مجال القتال وهدمت نظريات أخرى سادت ميادين القتال طيلة الفترة بين نهاية الحرب العالمية الثانية وبين معارك حرب أكتوبر ,
وكما قلنا وكررنا دائما أن الحق كل الحق فيما شهدت به الخصوم والأعداء , وقد طالعنا ما اعترف به العدو من انتصار مذهل إلى درجة تثير الإستغراب الشديد من ظهور بعض الأقلام العربية التى تروج لدحض هذا الإنتصار أو تقليل قيمته !!
وكأن هذه الأطراف أصبحت ملكية أكثر من الملك فتشهد لأعدائها بتفوق هم أنفسهم غير معترفين به !
فإن لم يكن اعتراف الخصم بالهزيمة واعترافه بأن وجوده ذاته كان محل شك فى تلك الحرب , فما هى الهزيمة الكاملة إذا ؟!
وإن لم يكن انتصارنا فى حرب أكتوبر هو الإنتصار الكامل فما هو الإنتصار الساحق إذا ؟!
تم الفصل الثانى بحمد الله , ويليه الفصل الثالث ويختص بمعالجة بعض الكتابات التى تناولت معارك أكتوبر




الهوامش :
[1]ـ كل شيئ هادئ فى تل أبيب ـ حسنى أبو اليزيد ـ الدار المصرية للطبع والنشر

قديم 11-05-2010, 08:03 PM
المشاركة 65
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
كيف نقرأ أكتوبر قراءة جديدة ؟


حديثي هنا في هذا الفصل شديد الخصوصية ..
لأنه حديث قراءة لأكتوبر , وذلك بعد أتممنا القراءة ـ في الفصول السابقة ـ عن أكتوبر ,
والقراءة عن التاريخ شيئ .. وقراءة التاريخ شيئ آخر
فالأولى وسيلة .. والثانية هى الغاية ,
ذلك أن القراءة عن التاريخ معناها معرفة الأحداث والوقائع , وقراءة التاريخ معناها أخذ العبرة والتجربة وتطبيق النتائج على الحاضر وفى التحضير للمستقبل ,
ومن مشكلاتنا الكبري ـ إن لم تكن هى أكبر مشكلة ـ أننا لا نقرأ عن التاريخ أو نقرؤه , وإذا فعلنا وقرأنا عن التاريخ فلا نطبق النتيجة التي توصلنا للغاية وهى قراءة التاريخ ,
فكان أن تعودنا على النظر إلى التاريخ باعتباره قصصا مسلية لا نلبث أن نطوي صفحاتها ونطفئ الأنوار .. ونذهب للنوم !

وحديثي هنا إلى ذلك الجيل المستقل الذى وُلد في السبعينيات من القرن العشرين , أى أن ولادته كانت في معمعة الأحداث المجيدة التي نفذها جيل الشباب في السبعينيات ,
ذلك أن العلاقة بينهما وثيقة ,
فالجيل المستقل الذى أصبح شبابه اليوم بين أعمار الثلاثين والأربعين من المفروض أن وعيهم قد إكتمل , ومضي زمن التقليد وحان وقت العطاء الفكرى ,
ولابد لهذا الجيل أن يعيد قراءة التاريخ المعاصر قراءة جديدة تبتعد تماما عن قراءات جيل المفكرين الذين عاصروا أبطال أكتوبر وكتبوا عنهم ولهم ,
ذلك أن جيل السبعينيات بقدر ما كان عظيما في بطولات شبابه الذين بذلوا الدم وحققوا المعجزة , بقدر ما كان الجيل السياسي والفكرى أصغر من هذا الحدث , وتسبب بكتاباته في تشويه الصورة الحقيقية لأكتوبر تحت مبرر الصراعات والإنتماءات الأيديولوجية ,
وانقسم الناس في عصورهم إلى ناصريين قوميين وساداتيين ,
واشتعلت المعارك بينهما وكل منهما يهاجم الطرف الآخر عن طريق مهاجمة رموزه , فعمد أنصار السادات إلى تشويه دعاة القومية والمرحلة الناصرية وعمد أنصار القومية إلى اتهام السادات بخيانة الثورة والقضية العربية ,
وفى ظل التراشق المتبادل والعداء المستحكم تورط مفكرو الجانبين في خطايا أعمت الأجيال المعاصرة لهم وقسمتهم إلى فريقين متصارعين تحت تأثير الأهواء بغض النظر عن الرسالة والهدف
أما الجيل الذى نتحدث عنه وإليه اليوم , فهو الجيل المستقل الذى تشكل وعيه في فترة لم تشهد هذه الصراعات الفارغة وأصبح هذا الجيل ومفكروه في حاجة إلى النظرة الواقعية البعيدة عن التمييز إلى نظرية ( ضد أو مع )
وبالتالى أصبحوا في أمس الحاجة إلى تحليل جديد للوقائع والأحداث
تحليل يبتعد تماما عن تحليلات الجبهات المتصارعة التي شوهت النصر وجمّلت الهزيمة في سبيل الإنتصار للأشخاص

ويكفي أن كبار مفكرينا من الجيل المتصارع في السبعينات أورثوا الأمة تناقضات بلا نهاية , كما ضربوا عرض الحائط بمنجزات لابد للأمة أن تقف عليها وعندها لأنها منجزات للأمة لا للرؤساء ,
فحرب أكتوبر لم يصنعها السادات أو حافظ الأسد ,
بل صنعها شباب القوات المسلحة على الجسور وحققوا بها الإنتصار المذهل الذى أعاد للأمة كرامتها , وأثبت قدرتها على الدخول في مواجهة عسكرية مع قوة باطشة .. والإنتصار عليها أيضا
وتلك في حد ذاتها أكبر هدف جاءت به معركة أكتوبر وحققته

لكن الناصريون شنعوا على انتصار أكتوبر لمجرد أن السادات كان قائده , والساداتيون شوهوا صورة عبد الناصر واتهموا الثورة الوطنية بأنها عميلة للمخابرات المركزية ,
دون أن ينتبه الطرفان لحقيقة مضحكة ,
أن منتقدى السادات المتبرئين منه من الناصريين , ينسون أن السادات إفراز طبيعى لتجربة عبد الناصر وهو الذى جعل من السادات نائبا وحيدا له ,
بل وكان محمد حسنين هيكل ـ أشرس منتقدى السادات فيما بعد ـ هو الذى ثبّت أقدام السادات في الحكم في عملية مراكز القوى عندما تفجر الصراع بينه وبين رموز عهد عبد الناصر ,
وينسي الساداتيون أن السادات كان رمزا من رموز الحكم أيام عبد الناصر , وأحد كبار المنافقين له في كتبه التي نشرها في حياة عبد الناصر وتبرأ منها فيما بعد , مثل كتاب ( قصة الثورة ) أو كتاب ( يا ولدى .. هذا عمك جمال ) !!
وأى انتقادات ساقها أنصار السادات لعبد الناصر فللسادات نصيب وكفل منها دون شك لأنه كان رئيسا للمجلس التشريعى في عهد عبد الناصر ونائبا ـ فيما بعد ـ لرئيس الجمهورية ,
فأصبح حال الطرفين ينطبق عليه المثل القائل ( إذا اختلف اللصوص .. ظهر المسروق )
وقد اختلف لصوص القومية فظهرت فضائح العهدين بأيديهم لا بأيدينا نحن الأجيال المعاصرة !

فالتيار القومى يحاول أن يتبرأ من السادات باعتبار أنه عدو المنهج القومى والناصري !
ويطالبون الأجيال التالية لهم بترديد هذه المقولة بلا عقل ! وكأنه نحن الذين أتينا بالسادات فوضعناه رئيسا لمصر قبل حتى أن نُولد !
السادات كان وسيظل ابنا شرعيا لثورة يوليو ولتيار القومية , وقد نسي القوميون أنهم هم الذين منحوا السادات خيوط الغزل التي غزل بها سياسته ,
وذلك أنهم ابتدعوا النظم القومية ونقلوها عن النظم الشيوعية بمسمى عربي وهو الإشتراكية وأهملوا ثوابت الأمة وتاريخها واعتبروا التاريخ الإسلامى كهفا من الماضي ونادوا بالجنس العربي منهجا بدلا من الدين الإسلامى رابطا ,
فمشي السادات على نفس الدرب واختار القومية ,
غير أنه اختارها بمفهومها الضيق وجعل من مصر مبدأ ومنتهى سياسته وفصل نفسه عن تيار القومية العربي بعد أن دفعت ثمنه غاليا من دماء شبابها ومن أراضيها ثم وُصمت بالخيانة في نهاية الأمر وهى التي ما خاضت حربا في الصراع العربي الإسرائيلي إلا لأجل الدافع القومى !
فسياسة السادات إفراز طبيعى للقومية العنصرية التي تخالف ما نشأت عليه أمة الإسلام , ولأنها أهملت الدين ووضعته في بوتقة المتاحف , فقد غاب عنها أهم ما كان يميز المسلمين ويعطيهم التفوق ألا وهو الإخلاص لله في كل قول وفعل , والصدق مع النفس والتصرف وفق الإمكانيات المتاحة
فجاء القوميون ليبحثوا عن الزعامة الشخصية , وغاب الإخلاص نهائيا مع الحرب التي أعلنوها على التوجه الإسلامى وازدحمت ساحة القوميين في الستينات والخمسينات بالرجولة المظهرية التي نراها في شعارات تلك الفترة والتى لم تكن مبنية على أساس واقعى , والتى أدت في النهاية إلى هزيمة يونيو 67


قديم 11-05-2010, 08:04 PM
المشاركة 66
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وعندما لمعت في ذاكرة الشعوب العربية حقيقة إنتمائها الإسلامى وخاضت حرب أكتوبر بكلمة ( الله أكبر ) والسعى خلف المبدأ الإسلامى العتيد ( النصر أو الشهادة ) لم يعجب القوميون هذا الإنتصار ولا هذه النتيجة لأنها خالفت ما درجوا على تضليل الأمة به ردحا طويلا من الزمن ,
ووقف بعضهم يعيب مقولة ( أن نصر أكتوبر من الله ) باعتبار أنه إنجاز حضاري إنسانى !!
ثم اختلقوا العيوب في نصر أكتوبر من عند أنفسهم بينما الأعداء الذين تلقوا الهزيمة أشادوا بالنصر !

وهكذا كان الصراع كله مبنيا على الأهواء ودفعت ثمنه الأوطان التي تشوهت أحداث تاريخها تحت ذريعة الإنتصار لعبد الناصر أو الإنتصار للسادات ,

وبالمثل في سائر العالم العربي ..
لعبت القومية العنصرية لعبتها في النفوس وأصبحت الدول العربية ـ على حد تعبير المفكر الكويتى د. عبد الله النفيسي ـ شظايا جغرافية محتلة بالكامل وتدعى أنها دولة ولها كيان وسيادة على أرضها وشعبها !
وكما انقسم جيل السبعينات والثمانينات حول عبد الناصر والسادات ,
توزع العالم العربي زمرا حول الزعامات المظهرية , وكرسوا المنطق القبلي , ودافعوا عن الحكام العرب ـ رغم سياستهم المعروفة ـ دفاعا مريرا , ليس له هدف إلا التعصب العرقي وحده !
وكما اعتبر الناصريون عبد الناصر نبي آخر الزمان ,
وكما اعتبر الساداتيون أنور السادات بطل الحرب والسلام ,
اعتبرت الشعوب العربية حكامها المنبطحين من سلالة الخلفاء الراشدين !!
وأصبح المصري يهاجم السورى والسعودى يهاجم الإماراتى والمغربي يهاجم الجزائري , وكل هذه الخلافات بسبب التعصب لجنسية الحكام وعدم الإنتباه لحظة واحدة إلى طبيعة سياسة هؤلاء الحكام الذين يقول عنهم المفكر الكبير عبد الله النفيسي أنهم يضاجعون الشيطان منذ مطلع الخمسينيات !
والدفاع عن أى نظام عربي اليوم خطيئة لا تغتفر لأنها تكرس لسياسة الإستقطاب والتعصب العرقي وتساهم دون وعى في أن يصبح الجيل الثالث ـ جيل مواليد السبعينات ـ والذي عليه أملٌ معقود في الإستقلال والإنتماء الحر للإسلام وحده , أصبح هذا الجيل معرضا لأن يصبح صورة مشوهة واستنساخ مريض من نفس صورة جيل الستينات والسبعينات الذين كان زعماؤهم وجماهيرهم يتراشقون العداء والحروب فيما بينهم بدلا من أن يطبقوا مبادئ القومية والوحدة التي اعتادوا ترديد شعاراتها دون العمل بمضامينها !

فأين هى القومية العربية وتجربتها على أرض الواقع ,
وهى التى تعتبر الآن السبب الرئيسي في اضمحلال العرب بعد أن تعبدوا بالشعارات والوحدة بينما كان عصر الخمسينيات والستينات عصر الحروب العربية ـ العربية , وتفننت الأنظمة من مصر إلى الخليج في تبادل أقذع الشتائم والتهم والمؤامرات ,
واستعانوا بتحالفات مع إسرائيل نفسها لتحقيق مكاسب إقليمية !
ويكفينا مثال واحد فقط تحدث عنه واعترف به أحد أكبر دعاة الناصرية الأستاذ محمد حسنين هيكل , في كتابه ( المفاوضات السرية ـ الجزء الثالث ) عندما كشف عن كنه حرب التوريط وهى مؤامرة حرب 67 , والتى ساهمت في إشعالها فصائل عربية رأت أنه من مصلحتها العليا توريط مصر في حرب بأى شكل مع إسرائيل بغض النظر عن النتيجة
لأن مصر في نظرهم كانت في ذلك الوقت تعطى أولوية للتنمية الداخلية وبناء مؤسسات الدولة , ونسيت القضية الفلسطينية , فشاركت بعض هذه الفصائل في إشعال الأمور على الحدود السورية ـ الإسرائيلية , والحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية حتى ترد إسرائيل ويصبح اشتراك مصر في الدفاع عن سوريا ولبنان أمرا مؤكدا !
فاكتفت إسرائيل بالتهديد الكلامى لسوريا , ورد عبد الناصر بتهديدات فعلية رغم أنه أوفد الفريق محمد فوزى رئيس الأركان إلى الجبهة السورية لتقصي خبر الحشود الإسرائيلية هناك , واكتشف فوزى كذب هذه الأخبار !
ورغم هذا تمادى عبد الناصر ـ طبقا لمقتضيات زعامته التي رفضت اتهامات الصحف اللبنانية بأنه يختبئ خلف قوات الطوارئ الدولية ـ فأعلن سحب قوات الطوارئ وغلق خليج العقبة وحشد قوات الجيش المصري حشدا علنيا في سيناء , ولم تكن إسرائيل تتمنى أكثر من ذلك
انطلق الإعلام اليهودى كالطوفان الهادر يستصرخ العالم أن يتعاطف مع إسرائيل التي يهددها العرب المتوحشون !
واستجاب الغرب لهذا النداء لأنه رأى أمامه واقعا يصعب تكذيبه , ولهذا التمسوا العذر لإسرائيل في الهجوم الذى نفذته في يونيو باعتباره دفاعا عن النفس
واقتنعت القوى العظمى في العالم بهذا المبرر الذى أحسنت إسرائيل إخراجه بمسرحية لعبت فيها النظم العربية دور قطع الشطرنج , ولم تتحرك القوى الكبري لترد اعتداء إسرائيل كما حدث في عام 1956 م , والذي كان العالم فيه شاهدا على عدوان ثلاثي صريح بينما مصر تدافع دفاعا شرعيا عن أرضها

أما في عام 1967 م ,
فالعالم أجمع كان شاهدا على أن مصر والعرب هم البادئون بالعدوان !!
وكل هذا بسبب الزعامة العنترية والإستجابة للاستفزاز الطفولى الذى ربته تيارات القومية في العالم العربي ,

وجاء السادات ,
وحاول أن يفتح صفحة جديدة بعد أكتوبر تتسم بالعقلانية والتحرك السياسي المحسوب للفخاخ , لكنه وقع رهن مجده الشخصي أيضا وعندما رفض العرب الإنضمام إليه استدعى إلى ذاكرته تجربة مصر القومية التي كانت في نظره سببا في خراب مصر بالزعامات الصوتية ,
لأنها كانت تقتضي عمل مصر بإستنزاف سياسي واقتصادى مستمر لحدود تفوق إمكانياتها الفعلية لمجرد تأكيد الزعامة القومية
وبدلا من أن يصلح هذه السياسة بسياسة متوازنة لا تتنازل عن دور مصر المحورى أعلن التمرد وأخرج نفسه وبلده من معادلة الصراع لاعنا القومية ودعاتها !!
وهو بتصرفه هذا لم يخرج عن كونه نتيجة طبيعية لتيار القومية , لأنه تيار عنصري ضيق بطبيعته , جعل لكل قطعة جغرافية استقلال قومى منفرد بينما كانت المنطقة العربية كلها متوحدة أساسا بفعل التاريخ والواقع حتى جاء الإستعمار ,
وبدلا من أن يأتى الثوار لإعادة الوضع القديم نابذين الخلافات فيما بينهم , ومتبرئين من حدود اتفاقية ( سايكس بيكو ) انطلق الثوار بالتيار القومى يكرسون هذه الحدود كنتيجة طبيعية للنداء بالوحدة بين أوطان مختلفة !

واليوم , وبعد انتهاء عصر عبد الناصر والسادات ..
آن الوقت اليوم لجيل مستقل في الثقافة العربية لينظر بعين الواقعية والحياد للتجربتين , لا ليصدر الأحكام , بل ليطلق الأقلام في معالجة التجارب المختلفة والإستفادة من التاريخ في التنظير للمستقبل ,
ويكفي أن إنتصار أكتوبر الخالد في تاريخ الأمة , لم يخرج إلى اليوم عنه فيلم وثائقي عربي ناجح ومحايد وخالى من الأغراض , ولم يخرج كتاب واحد عنه يقيّم التجربة تقييما حقيقيا ويروى الأحداث ويصحبها بتحليل محايد مستعينا بموقف الأعداء والأصدقاء , ومنزها نفسه عن صراعات جيل السبعينات ,

وسنتعرض لبعض كتابات أصحاب التيار القومى والناصري ,
والذين أساءوا لأنفسهم قبل أن يسيئوا للأمة عندما انتقصوا وانتقدوا بمكيالين في تجربة أكتوبر وحاولوا بشتى الوسائل أن يدمروا الصورة الأسطورية لملحمة أكتوبر لمجرد تصفية الحسابات !
في نفس الوقت الذى خرج فيه الغرب بمئات ـ وليس عشرات ـ المؤلفات والدراسات تحلل وتدرس إنتصارات أكتوبر وتؤرخ لها فضلا على عشرات الأفلام الوثائقية التي تتناول حرب أكتوبر كأحد الأحداث المفصلية في القرن العشرين



قديم 11-05-2010, 08:05 PM
المشاركة 67
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أزمة التيار القومى ..

مأزق أمة الإسلام اليوم , لا يتعلق إلا ببند واحد تتقافز الأسباب حوله وتتجمع عليه ,
ألا وهو مأزق التاريخ ,
فالتاريخ لأى أمة هو الموجه والمعلم والأساس الذى ينبنى عليه المستقبل ,
وهو أمر لا تتخلى عنه الأمم إلا بعد هوانها على نفسها قبل أن تهون على العالم من حولها , بينما سائر الأمم حتى في التقدم المادى وغلواء الواقعية نجد أنها تحفر بأظافرها لتتشبث بتاريخها مهما كان بسيطا أو عارضا , بل وتجنح لاختراع التاريخ إذا لم تتوافر لها أسباب الحضارة والجذور ,
وتتمسك بالخيال وقصص الأساطير أحيانا وتبالغ في تمجيدها إذا خلا تاريخها من غيرها , أو تجنح إلى أعمق أعماق التاريخ البعيد لتتمسك بشظايا مجد كان !
ولعل المتأمل في ممارسات الغرب سواء في أوربا أو الولايات المتحدة يلحظ هذا بوضوح , فلم تكتف الأمة الأوربية بأنها وصلت نفسها بالحضارة الرومانية واليونانية التي يفصلها عنها مئات السنين والقرون ,
بل جنحت إلى كتب الأساطير وجعلت منها واجهة ثقافية , ولا زالت السينما الأوربية والغربية عموما تتشبث بأسطورة ( أخيل ) وتصنع لها الأفلام المثيرة , أو أسطورة هرقل ( هركليز ) أو ( زينا ) المحاربة القديمة !
بينما إذا ذهبنا نحن مثقفو العالم الإسلامى إلى تاريخنا البديع الذى شهد عشرات الآلاف من الأساطير الملهمة الحقيقية , خرج علينا نفر الكُتاب والمحللين المتأثرين بالغرب ليستنكروا إغراقنا في كهوف الماضي كما يسمونها !
ولست أدرى كيف يطالبون بتجاهل ثوابت الأمة التي لا زالت آثار تاريخها ناصعة بالأحداث والمؤثرات , بينما يمتدحون موقف الغرب المغرق في الخيالات !


لكن هكذا جاءت ضربة الغرب
فعندما عجز عن انتزاع قوة العقيدة الإسلامية بقوة السلاح , كان لابد من ضربها من داخلها , فقام بنشر فكره أثناء فترة الإستعمار عبر عملاء مكشوفين أحيانا أو عن طريق التجنيد غير المباشر في أحيان أخرى عن طريق تفريغ عقول المثقفين غير المنتبهين من ثوابت حضارتهم ودفعهم لما يسمونه بالفكر الحديث
والقسم الأول من العملاء الذي مارس عمله بشكل مكشوف وعمالة صريحة , مارس عمله من خلال المؤسسات الصحفية التي أنشأتها أموال الغرب بمسميات مختلفة , وقنوات فضائية بإمكانيات هائلة تمكنها من نشر الأهداف الغربية في تجريف الإنتماء الإسلامى والعربي , وأيضا عبر مؤتمرات ومراكز ثقافية مغطاة بغلاف البراءة ودعم الثقافة وكلها تمارس عملها بدعم غربي كامل وهائل أيضا !
وليس سرا أن إحدى المؤسسات الصحفية العملاقة في مصر أنشأتها المخابرات المركزية الأمريكية لمكافحة الشيوعية والإسلام معا والدعوة للنموذج الغربي [1] واشتهر أمرها لدرجة أن بائع الجرائد في الأربعينات وأوائل الخمسينيات كان ينادى عليها بقوله ( إقرأ جريدة السفارة الأمريكية ! )


أما القسم الثانى فهم المفكرون الذين جرفتهم نظرية الإنبهار فانتموا عقلا وقالبا للمذاهب الإنسانية الجديدة التي قامت في القرن العشرين وحاولوا نقلها بعد تعريبها ,
ولئن كان القسم الأول غير ذى بال في التأثير باعتبار أن إنكشاف أمره سهل لذوى العقول ,
فالقسم الثانى له خطورته وتأثيراته الهدامة الفادحة لأنه يقول ويروج لتلك الثقافات عن اقتناع كامل وإيمان عنيف !
ومنها سلسلة مفكرى العلمانية والوجودية والشيوعية ( التي تم نقلها باسم الإشتراكية والقومية ) وغيرها ,


ولم نعان في العالم العربي قدر ما عانينا من حقبة أفكار القومية , والتى تفتحت بشكل كبير في عصر جمال عبد الناصر الذى أشعل جذوتها بوطنية حقيقية ورغبة مخلصة ,
لكن النوايا الحسنة لم تكن بالطبع كافية !
فكان أن وقعنا في تناقضات بلا نهاية وانتهت التجربة إلى فشل ذريع بعد أن استمدت الفكر القومى من الفكر الشيوعى أو الاشتراكى واتخذت الفكر الإسلامى عدوا لها أو في أقل الأحوال صديق يجب إسكاته !


وقضية الإنتماء القومى للأقطار ليست قضية قديمة كما نتصور بل هى قضية معاصرة لا تتعدى المائة عام ونجح الإستعمار فى بثها أثناء الإحتلال عندما تمكن من القضاء على الخلافة الإسلامية العثمانية ومزق أوصالها تمزيقا .. ثم قامت اتفاقية سايكس بيكو بالبقية الباقية حيث تمكنت من تقسيم وترسيم الحدود بين أقطار الخلافة الواحدة والتى ظلت لمدة ثلاثة عشر قرنا عبارة عن وطن واحد وبلد واحد لا يرتفع فيه صوت قومى مطلقا
وقبل الدخول فى صلب القضية يجب علينا التنبيه على حقيقة هامة نغفلها دوما وهى أن الخلافة الإسلامية لم تسقط كما يظن البعض بمضي الخلافة العباسية أو بمجئ التتاربل ظلت الخلافة قائمة حتى سقوط الدولة العثمانية ..
أى أن الحضارة الإسلامية استمرت قائمة حتى بعد سقوط العباسيين أيام المغول وذلك أن جيش مصر والشام تمكن من دحر المغول ورد هجماتهم وأُعيدت الخلافة العباسية مرة أخرى وإن كانت تقسمت إلى عدة دويلات وإمارات إلا أنها جميعا كانت تحت الحكم والإشراف العام للخليفة
وتناوبت الدول الإسلامية فى الحكم حتى ظهرت دولة العثمانيين واتسعت رقعة الخلافة الإسلامية إلى قريب من حدودها القديمة وظلت حاكمة لثمانية قرون ودحرت أوربا دحرا كاملا واستولت على مناطق شاسعة منها , وكان الراكب يمتطى جواده أو جمله سائرا من المغرب حتى يصل لحواف الخليج العربي , دون أن تقابله شرطة حدود ! أو حرس دولة ! حتى جاء وقت انهيار العثمانيين فى بدايات القرن التاسع عشر وسقطت الخلافة سقوطا نهائيا فى هذاالتاريخ




الهوامش :
[1]ـ بين الصحافة والسياسة ـ محمد حسنين هيكل ـ دار المطبوعات للنشر والتوزيع

قديم 11-05-2010, 08:05 PM
المشاركة 68
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ومن هذا التاريخ فقط ..
ظهرت مسألة القوميات التى ما كانت معروفة أبدا طيلة القرون السابقة حيث أن الدولة الإسلامية كانت واحدة ولم يكن هناك من ينادى بأنه مصري أو حجازى أو نحو ذلك إلا لمجرد التعريف بمقامه فحسب وذلك لأن لواء الإسلام كان يجمع المسلمين فى أقطار الخلافة على وطن واحد ويؤكد هذا المعنى أن دعوى القومية والعصبية للجنس أو القبيلة أو الدولة اعتبرها الإسلام دعوى جاهلية بنص حديث النبي عليه الصلاة والسلام عندما أثيرت تلك النعرات فقال ( دعوها فإنها منتنة )
فالإنتماء فى الإسلام لا يعرف الأقطار بل هوممتد ليشمل كل أرض فتحها المسلمون وأقاموا عليها شيئا من حضارتهم حتى لو تم احتلال هذا القطر فيما بعد


ولهذا فالمتأمل فى كتب الفقهاء القدامى فى باب الجهاد يجد بعض القواعد التى تشير إلى هذا المعنى بوضوح
ومنها ما أورده بن قدامه فى المغنى وغيره مما اتفق عليه الفقهاء أنه إذا ديس شبر من أرض المسلمين فالجهاد حينئذ فرض عين وإلا عم الإثم الجميع
ولهذا السبب فإنه حتى فى عهد الدويلات التى امتلكت رقعة أرض الخلافة كان أمراء تلك البلاد يتناسون خلافاتهم عندما يتعرض بلد منهم لحملة صليبية أو مغولية .. والتاريخ يحتفظ بعشرات المعارك التى خاضها جيش مصرفى عهد المماليك دفاعا عن الشام
ولم تسقط حملات الغرب الصليبية إلا بسبب هذا التوحد الإسلامى ولهذا كان الغرب عبقريا فى إدراكه لهذه الحقيقة فسعي أولا لبعثرة هذا النداء على المدى الطويل وفق خطة مذهلة ..
وهذه الخطة وضعها نابليون فى حملته على مصر حيث أدرك باستقراء التاريخ أن المفصل الواقع بين مصر والشام والإتصال بينهما هو السبب الرئيسي فى فشل الحملات الغربية دوما فما إن تشتكى الشام حتى تهب مصر والعكس بالعكس ..
فابتكر خطته المعروفة باسم الورقة اليهودية والتى تحدث عنها محمد حسنين هيكل فى كتابه المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل بالجزء الأول
وكان مؤدى الخطة هو زرع جسم غريب بين المنطقتين يجعل التوحد بينهما مستحيلا ..
وسقط نابليون أمام أعدائه فى معركة ووترلوا لكن الإنجليز فطنوا لخطته ومضوا فى تنفيذها بالفعل وبدأت الهجرات اليهودية من أواخر القرن التاسع عشر تتوالى على منطقة المفصل الشامى المصري برعاية المنظمات اليهودية وآل روتشيلد فى بريطانيا حتى تأسست إسرائيل التى قامت بدور الحارس الأمين ومن المعلومات الغائبة عن أذهان الكثيرين أن المناضلين المصريين أيام الإحتلال الإنجليزى لم يكونوا ينادون بتحرر مصر كدولة مستقلة بل كان نداؤهم وجهادهم كله منصب على عودة مصركولاية من ولايات الخلافة العثمانية وكان زعيم هذا التيار هو مصطفي كامل نفسه والذى كان جهاده بالتواصل مع والى مصر آنذاك ومع السلطان العثمانى باعتباره خليفة المسلمين ..


فلم يكن هناك أى فكرة عن مسألة القوميات فى تلك الفترة ولا حتى القومية العربية التى لم تكن معروفة ولم ينادى بها أحد أبدا طيلة هذا التاريخ بل كان النداء مركزا على الخلافة وحدها وضرورة تحرر أراضيها من الإنجليز ,
ولما سقطت الخلافة وتم تعيين فؤاد الأول ملكا على مصر وتغير مسماه من سلطان إلى ملك لدولة مستقلة هى مصر والسودان بدأت خطة الإنجليز تثمر بدفع الكوادر للمطالبة بحركات تحرر قومى مستقلة وهو ما تم بعد ذلك بالفعل فتسللت ثقافة الشيوعية والقومية إلى عالمنا قادمة من دول غرب أوربا وبلغت أوجها فى الخمسينيات والستينات وتخلت مصر طواعية عن السودان والذى كان هو السبب الرئيسي فى فشل مفاوضات الصلح بين الوفد وبين الإنجليزفقبلت الثورة فيما بعد هذا الإنفصال لتستقل مصر وحدها كدولة ..

قديم 11-05-2010, 08:06 PM
المشاركة 69
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ثم ظهرت نداءات القومية العربية التى تنادى بوحدة العرب وحدهم على أساس الجنس وهى دعوة ما كان لها ذرة وجود قبل تلك الفترة ومع تفعيل اتفاقية سايكس بيكو وتقسيم وترسيم الحدود فى العالم العربي بالشكل الواقع حاليا
أصبح لكل قطر عربي توجه قومى منفرد
أى أن العرب وبمنتهى البساطة أقروا التقسيمات التى تفصل بينهم إلى دول شرذمية رغم أن هذا التقسيم جاء من الغرب المحتل فى اتفاقية سايكس بيكو والأدهى من ذلك أن العرب عندما اختلفوا فيما بينهم على تلك الحدود احتجوا بترسيم انجلترا وفرنسا لتلك الحدود واعتبروها مرجعا للخلاف !
أى أن المفارقة الكبري فى التيار القومى , تتبدى فى أنه تيارا وحدوديا فى مظهره , بينما أساسه عنصري بكل المقاييس لأن التيار القومى اعترف بالفعل والواقع أن المنطقة العربية ليست منطقة واحدة أو أقطار متوحدة , بل هى دول مختلفة لها حدودها وقوميتها الضيقة تسعى فيما بينها للتوحد !!
وهكذا نشأت دول الوطن العربي المعاصر والتى ليس لمعظمها أى أصل مستقل فى التاريخ ..فمثلا كانت الشام بأكملها قطرا واحدا وكذلك المغرب العربي وأيضا الجزيرة العربية .. وكذلك حوض النيل كله من أقاصي الصومال وحتى الإسكندرية بمصر وكل الدول القائمة حاليا بلا استثناء قامت على حدود عمرها من عمر اتفاقية سايكس بيكو وساهم الغرب فى توطين تلك الثقافة بتوطين شهوة الحكم والخلافات بين حكام تلك الأقطار الجديدة , وجاءت نداءات القومية العرقية لتؤكد هذا المعنى
لنصل إلى النتائج التالية :
* اندثار الإنتماءالإسلامى الواحد الذى جمع المسلمين عربا وعجما تحت لواء واحد لثلاثة عشر قرنا
* ظهور مسمى الوحدة العربية كبديل عن الخلافة الإسلامية والدولة الإسلامية
* ظهور الغيرة على القوميات الضيقة بل وظهور العداءات الجارفة بين تلك الأقطار التى تشكلت إلى دول مختلفة بينما كانت قبل مائة عام فقط دولة واحدة متحدة
*ضياع أراضي المسلمين ضياعا نهائيا بسبب نداء القوميات الذى فشل فى مواجهة اليهود فتركوا لهم فلسطين لقمة سائغة
وفى نفس الوقت أجرم أكبر جرم فى استبعاد الوحدة الإسلامية من قضية فلسطين لتصبح فى عهد القوميات مشكلة عربية لا إسلامية .. وبهذا وبجرة قلم أخرج القوميون عشرات الدول الإسلامية من معادلة الصراع فضلا على أن القومية وبطبيعتها كنداء جاهلى أدت إلى التضييق أكثر فأكثر فأصبحت قضية الأقصي قضية دول المواجهة ثم أصبحت قضية فلسطين بعد تشكل دولة فلسطين الورقية ثم أصبحت قضية غزة وحماس والمعابر .. وهكذا !
والتيار القومى ذاته هو الذى أنشأ منظمة التحرير كممثل وحيد للشعب الفلسطينى , فبدلا من أن تصبح قضية القدس قضية أمة , وقضية عقيدة وتاريخ , أصبحت قضية شعب مستقل يحمل اسم الشعب الفلسطينى وله ممثلون رسميون قوميون يتفاوضون فى هذا الحق ويملكون الخروج بتنازلات لا تستطيع الدول الإسلامية قبولها لأن التيار القومى ببساطة جعل القضية قضية إقليمية , رغم أن القدس لا تخص شعب فلسطين ولا حتى الشعب العربي بل هى ملك لأمة الإسلام جميعا ولا يوجد شعب أو عنصر معين له الحق فى الحديث باسمها خارجا عن السياق !
ولو أن التيار القومى لم يرتكب جريمة إلا هذه الجريمة لكفته !
*تخلى العرب بأنفسهم وبمنتهى البساطة عن دورهم المحورى فى الدول الإسلامية التى كانت معهم تحت مظلة واحدة طيلة ثلاثة عشر قرنا ووصل نداء القومية بهم إلى الوقوف على الحياد من قضايا دول إسلامية شقيقة فى إيران وأفغانستان وباكستان والشيشان وأندونسيا وغيرها مما قطع أى حلقة اتصال بين العرب وتلك الشعوب
*كانت واحدة من أكبر الجرائم القومية هى أن القوميون لم يكتفوا بالحياد المخزى بل قاموا بالإنضمام لضفوف الغرب ضد مصالح إخوانهم فى الدين بآسيا ..
فدخلت بعض الدول العربية التى كانت تمثل المرجعية الإسلامية لسائر مسلمى الأرض فى تحالفات مصالح مع الإتحاد السوفياتى ضد الولايات الإسلامية وتحالفوا مع الهند ضد باكستان ثم أخيرا اعتبروا الشيشان مسألة روسية داخلية
كما ساهموا بأعظم جناية عندما نشروا ثقافة القومية الضيقة فأصبح المخلصون من أبناء هذه الأوطان صما وعميانا عن إدراك الحقيقة الراسخة فى دينهم وهى أن تعاطفهم فرض واجب ـ ليس مع فلسطين فحسب ـ بل مع سائر قضايا الأمة الإسلامية وليست هناك أرض إسلامية أغلى من شقيقتها ..
ووصل التغييب اليوم بين المثقفين فضلا عن العامة إلى درجة مفزعة بلغت بالمثقفين أنهم يجهلون حتى مسمى الدول الإسلامية فى آسيا فلا يمكنهم معرفة من هى الدول المسلمة فى العالم من غيرها !


وقد قيل أن القومية لا تعادى الإسلام ,
باعتبار أن القومية هوية وطن والإسلام دين لا علاقة له بالأوطان بل هو علاقة بين العبد وربه ,
وهذا أساس علمانى حاول التيار القومى فرضه على الجماهير قسرا , فالجماهير بطبيعتها تنزع إلى الدين ولهذا يعترف محمد حسنين هيكل أنه في سبيل فرض التغيرات الإجتماعية التي فرضها عبد الناصر على الشعب , كان ضروريا أن يؤمم الإعلام ويراقبه بحيث لا يرتفع صوت واحد يعادى هذا التيار !
وعندما رفض عدد كبير من القضاة الإلتزام في أحكامهم بالقوانين الإشتراكية لم يجد عبد الناصر بدا من أن يقوم بتنحية هؤلاء القضاة جميعا فيما عرف باسم مذبحة القضاة عام 1969 م ,

قديم 11-05-2010, 08:06 PM
المشاركة 70
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وبهذا وقع زعماء التيار القومى في تناقضات بلا نهاية أدت في النهاية إلى انهيار التيار القومى بعد نكسة 1967 م ,
ومنها :
أولا : من الغريب أن مفكرا في قيمة محمد حسنين هيكل يتخذ من النداء الديمقراطى منهجا ثم يرفض حقيقة أن الشعوب العربية لا تقبل المنهج الإشتراكى , بل ويلتمس العذر لممارسات القمع في عصر الناصر وتأميم الإعلام من أجل ترسيخ العقائد الإجتماعية الجديدة في المجتمع !
فأين هو النداء الديمقراطى ولماذا نصب القوميون أنفسهم أوصياء على الشعوب التي قاموا بالثورة بهدف تحريرها من الطغيان وهدف ترسيخ القيم الديمقراطية ,
ثانيا : ناقض هيكل نفسه ومعه المنادون بالقومية عندما عادوا التوجه الإسلامى ورابط يجمع العرب وغير العرب , ونادوا فقط بالعروبة دون الإسلام !
ولم نجد أحدا من القوميين يجيب عن أسئلتنا الحائرة !
إذا كانت العروبة ـ منهجا وجنسا ـ لم تُخلق إلا بسبب الإسلام الذى كان الرابط الرئيسي الذى جمع أشتات القبائل العربية المتناحرة وجعلها دولة واحدة , ثم رحلت العروبة مع الإسلام إلى الشمال الإفريقي وانتشرت العروبة في تلك البلاد بسبب الدعوة الإسلامية ,
فكيف يفصل القوميون بين الإسلام والعروبة بينما العروبة ما وجدت إلا بالإسلام ؟!
ولم يجبنا أحد من القوميين بشأن قضية القدس وفلسطين , والتى تعتبر من أكبر أدبيات القومية , لم يجيبونا عن مستند ملكيتهم لهذه الأرض ,
ومن أين أتوا بالإثبات التاريخى أن القدس وفلسطين من حق العرب ؟!
لو فتش القوميون إلى يوم الدين عن دليل في مواجهة الغرب على هذه الملكية لما وجدوا إلا الفتح الإسلامى للقدس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فإذا كان الإسلام هو الذى يمنحنا مستند الملكية لأكثر قضايانا تعقيدا , فكيف تستبعدوه من معادلة الصراع ؟!
وسؤال أخير :
من المعروف أن النظرية تظل في حكم النظرية ولا يتم الحكم عليها بفشل أو نجاح إلا بعد تجربة على الأرض تثبت نجاحها ,
وقد جاءت نظرية القومية في الخمسينات والستينات دون أن تحقق ـ في أزهى عصورها ـ هذه الوحدة العربية التي اتخذوها بديلا للوحدة الإسلامية , بل إن العداء العربي ـ العربي في ظلال القومية كان أشد فتكا عما قبلها من العصور ,
فكيف نترك تجربة الوحدة الإسلامية التي صنعت لنا دولا عظمى على مدى ثلاثة عشر قرنا ونتشبث بنداء قومى أثبت فشله الذريع على الأرض ؟!
ثالثا : يعترف هيكل في كتبه وتجربته ـ على نحو غير مباشرـ أن القومية قامت على أساس هش لم يجمع العرب بقدر ما فرقهم وبعثر شملهم إلى أشلاء منذ الستينيات ,
ومن ذلك أنه ينتقد ممارسات الحكام العرب عندما يواجهون جماهيرهم بشعارات القومية والوطنية للإستهلاك المحلى وفى نفس الوقت لم ينتقد موقف عبد الناصر عندما فعل نفس الشيئ !
فعندما أعلن عبد الناصر أنه لا يمتلك خطة لتحرير القدس ـ كان هذا قبل 67 ـ وقامت قيامة الجماهير العربية وجاءه أنصار القومية من شتى الأقطار متوسلين سحب تصريحه ــ رغم أن الرجل كان بالفعل يتكلم بالواقع ولا يخادع ! ـ ولكنهم أصروا على خداع أنفسهم وعلى سياسة المزايدات العقيمة وقبل عبد الناصر هذه السياسة , وسحب التصريح !
وهذا معناه ترسيخ خداع الشعوب بالشعارات البراقة بغض النظر عن الواقع !
ففي كتاب ( الإنفجار ) لهيكل يروى رواية بالغة الوضوح في هذا الصدد , وهو أن مؤتمر القمة العربي الذى انعقد في منتصف الستينات بالمغرب , اعترض فيه جمال عبد الناصر على مشروع قرار يناقش كيفية الهجوم على إسرائيل والخلاص منها قبل أن ينتبه العالم !! ـ على حد تعبير الرئيس السورى أمين الحافظ ـ بدلا من الإكتفاء بتشكيل قوات عربية تحمى مياه نهر الأردن من الإستغلال الإسرائيلي
وأصر الرئيس السورى على مناقشة الموضوع في جدول الأعمال ووافق عبد الناصر على المناقشة رغم إدراكه التام أنها مزايدات لن تؤدى لشيئ , لكنه استجاب لدواعى القومية التي يجب ألا تهتز في الإعلام
وبالفعل تمت مناقشة القرار الخيالى وأعد الفريق على على عامر قائد القوات العربية المشتركة قائمة بالمطلوب من كل دولة عربية وتم وضع الأمر في وثائق رسمية !

وفى اليوم التالى وصلت نسخة كاملة من وثائق ومحضر إجتماعات القادة العرب في قمة المغرب إلى إسرائيل ! وعبر مصدر لم يتم كشفه إلا في التسعينيات , وكان الذى كشفه هو محمد حسنين هيكل نفسه [1] والمصيبة السوداء أن هذا الصديق الحميم جدا لتل أبيب والذي نقل لها هذه التفاصيل كان هو نفسه رئيس ما يسمى ( المجلس الأعلى للقدس ) والذي أنشأته إحدى القمم العربية للدفاع عن قضية القدس !!
ولا عجب مع العرب
المهم ..
استخدمت إسرائيل هذه الوثائق لتقديمها إلى الإدارة الأمريكية لتفتح هذه الأخيرة باب تعاونها مع إسرائيل إلى مداه الأقصي وتم تجهيز مؤامرة 67 بحيث تبدو إسرائيل فيها كالحمامة فى مواجهة الوحوش الذين يرغبون فى القضاء عليها !
ولم تكن إسرائيل تحتاج جهدا لإثبات ذلك فها هى وثائق القمة العربية الأخيرة تثبت بشكل قاطع أن الحكام العرب مجتمعون للتخطيط على إبادة إسرائيل قبل أن ينتبه العالم !
وعرف عبد الناصر عن طريق الرئيس تيتو رئيس يوغسلافيا أن الوثائق وصلت لإسرائيل وتساءل الرئيس اليوغسلافي عن مدى صدق هذه الوثائق الخطيرة وهل تفكر مصر والعرب جديا فى ذلك !
وصُعق عبد الناصر وسأل تيتو عن كيفية معرفته فأخبره أن ( ناحوم جولدمان ) أحد زعماء الصهيونية الكبار قابله على عجل ونقل إليه هذا الكلام كدليل على نوايا العرب !
وعلى حد تعبير الأستاذ هيكل , حاول عبد الناصر مرارا أن يشرح المعضلة فى أن الوثائق نوقشت بالفعل لكنها ليست واقعية فى نفس الوقت , لكن تيتو كان صعبا عليه جدا استيعاب هذا المنطق العربي الغريب الذى يستجيب لجو من المزايدات يعرفون تماما أنها خيالية ومع ذلك يبرزونها ويعطونها لخصومهم ليغزلوا ما شاءوا من مؤامرات !
كل هذا بسبب الطبع القومى المترسخ في أعماق حكام تلك الفترة ألا وهو الزعامة الصوتية والظهور بمظهر المناضلين في سبيل الأمة العربية , والتنافس بين بعضهم البعض على حديث القوة دون أن يمتلكوا من أسبابها ذرة !


الهوامش :
[1]ـ كلام فى السياسة ( قضايا ورجال ) ـ مجموعة مقالات وجهات نظر ـ محمد حسنين هيكل ـ دار الشروق


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: حدائق الايمان فى حرب رمضان
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حدائق بابل المعلقة أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 0 10-10-2015 08:37 PM
ll~ زهُورٌ مِن حدائق ِ الفـَـصيح ِ .. أمل محمد المقهى 25 12-30-2014 01:56 PM
فردريك نيتشه .. بين الايمان والالحاد فارس كمال محمد منبر الحوارات الثقافية العامة 5 05-03-2014 09:43 PM
في حدائق حبك منى شوقى غنيم منبر البوح الهادئ 5 10-01-2011 02:17 PM

الساعة الآن 08:38 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.