قديم 05-21-2012, 02:11 PM
المشاركة 641
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عندما عدت بالأمس إلى البيت وجدت العزيز خالد يوسف وقد نقل هذا الموضوع
شكراً أخي خالد
بالأمس كنت عائداً من رابطة الأدباء في الكويت وكان النشاط كعادته يوم الإثنين خاص بالأدباء الشباب ، في هذا اليوم كان النشاط عبارة عن دعوة للروائي إسماعيل فهد ليتحدث عن تجربته وعن ذاته وليتلقى الأسئلة من الأدباء الشباب بغية الفائدة لكن الذي حصل أن غاب الشباب ( تقريباً ) وحضر الكبار ( سناً )
للذي لم يقرأ إسماعيل فهو كاتب من طراز جميل تناول مجمل قضايا أمته وقضايا بلده وبعد الانقلابات الكبرى بدأ يتشاكل مع التراث والثقافي بوجه عام بتقنيات روائية جميلة .
إسماعيل فهد إنسان ودود غاية في اللطف ، يتساوى عنده في التقدير والاحترام الكبير والصغير ويجبرك بلطفه على صداقته .
قد يقول قائل أن اسماعيل فهد كويتي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب ، لكنه وحسب تصريحه بالأمس شعر بكويتيته فقط لحظة الاحتلال وغاب عنه هذا الشعور لحظة التحرير . تحدث عن هويته قائلاً عشت في العراق ربع قرن بالتمام وكنت أعامل على أني كويتي واعتقلت فيها أربع مرات ـ بسبب مواقفه اليسارية ـ عدت إلى الكويت معلماً وكنت أعامل على أني عراقي ( مع علمهم بأني كويتي )
عقب التحرير سافر إلى الفلبين وبقي عدة سنوات أنجز فيها سباعيته .
متواضع إلى الحد الذي ينكر فيه ذاته وقيمته إذ عندما سئل عن كتابة السيرة الذاتية قال : وما الذي يشكله إسماعيل فهد في حياة مجتمعه أو وطنه العربي ليقدم سيرته للناس متسائلاً من هو إسماعيل في المحصلة .
عرفته منذ سنوات وخلال هذه السنوات لم أشعر تجاهه بغير كونه صديقاً حميماً يشاطرك آلامك وأفراحك .
في جلسة الأمس كان شفافاً لدرجة ذكرني فيه وهو يتحدث بهذا الألم والصدق بفلم تسجيلي عن الصراع العربي ـ الإسرائيلي أخرجه المخرج السوري عمر أميرلاي للتلفزيون الفرنسي وكان بطل الفلم او المتحدث فيه سعد الله ونوس الذي قال عنه المخرج الاسرائيلي الذي أخرج الفلم نفسه من وجهة نظر إسرائيلية . قال : أمام هذا الصدق الجارح لاتملك إلا أن تشعر بالإكبار لهذا الرجل .
في صدد موقفه من الغزو العراقي قال بصراحة أنا من أشد المؤيدين للوحدة العربية ولو بالقوة ولكن على ألا يفرض عليك هذه الوحدة رجل تلطخت أياديه بدماء شعبه و هجر الملايين من شعبه

قديم 05-21-2012, 02:11 PM
المشاركة 642
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
إسماعيل فهد إسماعيل... ارتحالات الإنسان وعبور المكان وملحمة الوطن
[
attachmentid=1902]


لا يزال الإنسان محور الفكر والإبداع، مهما حاولت الآلة العصرية تجريده من كينونته النفسية وحقيقة وجوده الفطري والعقلي والمكاني، في مواجهة تسلحت بها التكنولوجيا بكل مهارات الذكاء والسيطرة وقوة التحمل، بما يجعلها سلاحا مسلطا على رقاب الأحياء في هذا العالم الممتد بتاريخه الواسع وحضارته العريقة وحداثته العصرية.
فالإنسان سيد العالم، تحكم عبر قرون طويلة في رسم معالمه ووضع جاداته الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية الكثيرة في طريق البشرية، وما يوازيها في هذه المملكة الأرضية، ليتجاوز حدودها نحو جارتها السماوية، وكأن المكان هنا لم يعد يحتمله عقـل الإنسان، فآثر الانطلاق إلى الضفاف الأخرى، علّه يجد خارج الأقفاص الأرضية لغات مشتركة، يحمل معه إخفاقات واقعه الأرضي وما انطوى في بقعة داكنة لكائن الظل، في زمن بات يعاني العزلة في أكثر من مكان.
من هنا، كانت اللغة حبلا سميكا يخطو فوقه هذا الإنسان عدة خطوات، خطوة في الحلم، وأخرى تنعي سماء نائية كانت زرقاء في يوم ما.
هكذا هي ملامح الأدب عند الروائي الكويتي الكبير إسماعيل فهد إسماعيل، لكوننا سنلاحظ ارتحالا واضحا لإنسان رواياته وقصصه، يتجاوز نطاق الواقع و إحداثياته إلى ما هو أبعد من هنا أو أقرب من هناك. وكأن الكاتب لم يكتف بواقعية وجوده في بعض هذه الأمكنة، وإنما استعار أيضا ذلك الارتحال النفسي لشخصياته، وربما لنفسه أيضا، بما يهيئ المتلقي للقبول بوجوده في غير هذه الأمكنة.
يرتبط المكان في أدب إسماعيل بذلك الوجود النفسي الذي يستظل به الكاتب في رحلة الكتابة والفكر، في البحث عن ذلك الوجد الخالص بعد معاناة الإنسان الكامن فيه، وغربة المكان محل التجربة الروحية. ولا يقصد هنا بالغربة، ذلك المنفى الذي يُقصي الإنسان عن وطنه، أو الذي يهرب إليه من نفسه، وإنما هي العدم الذي يصنع منه الكاتب شيئا في العزلة، يزيد هالة الإبداع ألقاً وتألقا في مخاطبة العقول، بعيدا عن ضوضاء وصراع هوس قديم، بتحطيم كل ما هو جميل وجديد!
في كتاباته الإبداعية، لمسنا ذلك الارتحال الدائم للإنسان عند إسماعيل بين مواطن عدة، استنطق فيها عذابات المكان والهواجس التي تسكن بين زوايا زمنه، بسبب صراع الأفكار واختناق أشكال شخصياته بمختلف الأحاسيس والمشاعر وأنماط الإدراك المتحولة ما بين مرجعيات أيديولوجية عدة. فأصبح المكان حلبة تتصارع فيها أفكار الكاتب، والتي استرجع فيها الكثير من حوادث الزمان في ذات المكان، ليكون عنصر التأزيم وانفراج العقدة... الإنسان نفسه.
فرواية مهمة في أدب إسماعيل وهي «كانت السماء زرقاء»، والتي وصفها الشاعر العربي صلاح عبد الصبور بأنها من أهم الروايات التي صدرت في أدبنا العربي حتى الآن، وذلك في معرض تقديمه لها في طبعتها عام 1970. عندما تقرأ تلك المضامين التي حملتها سطور النص، والرؤى التي حبلت بها، ستجد أن قارئا معينا يخاطبه الكاتب، وإن تغلّف النص بأنسجة ملونة تغري البعض العابر على النص دون مضمونه، سيجد مأساة الثوار الذين تأكلهم الثورة بعد تصفية الحسابات والمصالح بينهم دون أن يشفع لهم كفاحهم الثوري أو أن يفسح لهم المجال لإثبات حقيقة ما كانوا يؤمنون به، فالمكان الذي كان مشتعلا بثورتهم، بات جحيما يهربون منه إلى أراضي الغير، وإن كانت أرض أعداء الأمس أو باتت لهم منفى اليوم، وهنا تكمن سخرية الزمن في تبدل وجه المكان وهروب الإنسان منه و إليه، و إن كان قابعا بين زواياه المترامية وسمائه الزرقاء، ويكفينا ما سرده الكاتب على لسان الرجل الهارب في حواره مع ضابط الثورة الهارب أيضا عندما سأله الأخير:
- متى يأتي النهار؟
- بعدما تتم الأرض دورتها.
- وأنا أتممت دورتي الخاصة.
- وأنا أدور بصورة عكسية.
- ألا زلت مصرا على الهرب؟
- بلى.
- إذاً فأنا قد حبستك إلى جانبي نهارا كاملا!
- أنا حبست نفسي. لحـد الآن لم أتخذ قرارا قطعيا بالنسبة للمكان الذي سأتجه إليه. «فالمكان هنا أصبح جحيما ومخبأً في ذات الوقت والموقع.
في حين، يأتي المكان في صورة مغايرة في رواية «مستنقعات ضوئية»، حيث يتكور في موقع مغلق على من فيه «السجن»، إلا أن الكاتب استطاع أن يرحل بشخصياته إلى خارج السجن، و ما ارتسم في ذهنية بطل الرواية «جاسم صالح» المختبئ وراء لقب «حميدة» من فضاءات أبعد من سقف الزنزانة أو أرض الأشغال الشاقة وشمسه الحارقة، فما كان الظل في فترات الراحة سوى عبور تلك الأمكنة إلى ذات الإنسان، فتتداعى معها صور الأفق المفتوح، باستحضار من هم... من هناك... من خارج مكان السجن. ليكون المكان هنا «السجن» حرية في شكل آخر، خلاف ذلك المكان الخانق «خارج السجن».
ثم تحول المكان في رواية «الشياح» إلى ملجأ في زمن الحرب الأهلية اللبنانية، اجتمع فيه الأفراد من كل شارع وأيديولوجيا، خلقوا في مكانه المعتم والبعيد عن شمس النهار ونجوم الليل عالما مفتوحا فضاءات من سلوكيات شخصيات المكان، والذين اختلفوا عن بعضهم في ذلك. والمكان «الملجأ» لم يكن مقصورا في كونه ملاذا من أذى الحرب ورصد القناصة، بقدر ما كان ملاذا للجميع من حياتهم في خارج المكان.
ويمضي الإنسان بارتحالاته في روايات إسماعيل، ليتجول بين العراق ولبنان ومصر والمغرب وسورية والخليج، ليعود إلى الكويت التي لم يغادرها بل عبرت إليه في كثير من تداعيات الروح الساكنة بها والنفس الكاتبة في جمالها. ولعل أجمل ما نُقل عن إسماعيل فهد إسماعيل عندما سئل، كيف استطعت أن تكتب عن الكويت «هنا» وأنت بعيد في الفلبين «هناك»... فأجاب أنه يراها «الكويت» أجمل. ليتمخض عن ذلك الشعور بالانتماء لهذا المكان «الكويت» أجمل وأروع وأهم أعماله الروائية وأضخمها إنتاجا وإبداعا، وأعني السباعية إحداثيات زمن العزلة» وهي رواية ملحمية عن الوطن إبان غزو النظام الصدامي للكويت، وكيف أن الكاتب صرّح بأن هويته الوطنية وانتماءه للمكان «الوطن» تعمّق أكثر عن ذي قبل، فكانت المواطنة جوهر مداد قلم إسماعيل في الكتابة عن هنا... المكان/ الوطن. ليقدم لنا نموذجا رائعا في تعلق الإنسان بوطنه، وأنه مصدر إلهام هذا الإبداع، دون إدعاء أن المكان الآخر (المنفى أو المهجر سمّه ما شئت) هو نبع ذلك الإبداع، فلولا الوطن ما كان للمغترب أن يراه في إبداعه وإحساسه، ولولاه – و هو المكان الأول – لما كانت هذه الارتحالات و هذا العبور الدائم له بين سطور القلم. وفي غمرة العزلة التي قد يختارها الكاتب، إلا أنها جاءت مغايرة هنا: «لكنك حيثما وليت شأنك يبقى الوطن تحت جلدك. إذ إن المكان البديل أشبه بالفتيل... قابل لتنكرك عليه... ليس إحساسا بالغربة، لكنه آخذ بالخواء، ومن ثم لامناص من أن تقفل عائدا». وهكذا الإنسان والمكان والوطن عند إسماعيل فهد إسماعيل.
فهد توفيق الهندال*

* كاتب وناقد

الراي الكويتيه.اليوم.

قديم 05-21-2012, 02:12 PM
المشاركة 643
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ملتقى شاهندة للإبداع الروائي الخليجي ... (2)
يكرمه ملتقى شاهنده للابداع الروائي

إسماعيل فهد إسماعيل يعلو ويستحق هذا التحليق

يكرم “ملتقى شاهنده للإبداع الروائي الدورة الأولى” والذي تنظمه دائرة الثقافة والاعلام في عجمان الأديب والروائي الكويتي اسماعيل فهد اسماعيل تقديراً لمكانته الأدبية وإسهامه في ترسيخ فن الرواية في الكويت ومنطقة الخليج العربية.

لا يختلف اثنان على أن إسماعيل فهد إسماعيل هو المؤسس الحقيقي لفن الرواية في الكويت، فهو من الروائيين الذين وضعوا بصمتهم الواضحة في مسيرة الرواية العربية منذ أن أصدر روايته الأولى “كانت سماء زرقاء” في القاهرة في العام 1970. وإن كانت مجموعته القصصية الأولى “البقعة الداكنة” قد صدرت في العام ،1965 إلا انه انطلق في عالم الرواية، حيث توالت رواياته والتي بلغت أكثر من عشرين عملا الى جانب مجموعاته القصصية ودراساته التي تناولت القصة والرواية.

نواف يونس
ومن أهم رواياته “الاقفاص واللغة المشتركة”، و”المستنقعات الضوئية” و”الحبل” و”الشياح” و”الطيور والأصدقاء” و”النيل يجري شمالاً”، و”أحداثيات زمن العزلة” وهي سباعية تشمل عدة روايات “الشمس في برج الحوت” و”الحياة وجه آخر”، و”قيد الأشياء” و”دوائر الاستمالة” و”ذاكرة الحضور” و”العصف”، وقد نال جوائز عدة من أهمها جائزة الدولة التشجيعية في مجال الرواية في العام ،1989 وأيضا جائزة الدولة التشجيعية في مجال الدراسات النقدية في العام ،2002 الى جانب انه واحد من افضل 100 روائي عربي خلال المائة عام الفائتة. ولم يكتف إسماعيل فهد إسماعيل بذلك، وهو يرسخ مكانته الأدبية كقامة متميزة في المسيرة الإبداعية، ولكنه استكمل دوره الحضاري كمبدع له بعده الإنساني في ذاكرة المكان والوطن، فقام بدعم وتشجيع الأجيال الشابة الجديدة من كتّاب القصة والرواية في الكويت، وأسهم في بروز العديد من المواهب الأدبية الشابة التي يرى أن المستقبل في الخليج العربي عموماً والكويت خصوصا هو للرواية لأنها الجنس الأدبي الأقدر على تصور المتغيرات التي حدثت وأثرت في البعد الاجتماعي والفكري للمجتمع والإنسان الخليجي.

عاش إسماعيل فهد إسماعيل مسافرا لا يستقر في مكان فقد مر بتجربة حياتية عمقت من انتمائه للمكان والوطن، حيث عاش فترة صباه في العراق وكتب فيها “الحبل” وانطلق بروايته الاولى “كانت سماء زرقاء” من القاهرة، ثم استقر في وطنه الكويت ليستكمل مسيرته الإبداعية، التي تناول في مجملها قضايا أمته العربية ومعاناة الإنسان العربي، وليظل هذا الارتحال يسكن إسماعيل فهد إسماعيل ويستنطق من خلاله عذابات المكان وكوابيسه وهواجسه، وهو يصور فيه الصراع واختناق شخصياته (المكان) المتناقضة والمتداخلة الأحاسيس والمشاعر والأفكار، والتي صنعت بدورها المكان في عالمه الروائي والذي تحول الى حلبة تتصارع فيها أفكار إسماعيل نفسه والتي استرجع من خلالها الكثير من حوادث الزمان في المكان نفسه ليكون حالات التأزم وانفراج العقدة.

يقول عنه الكاتب والناقد فهد توفيق الهندالي في دراسة عالمه الروائي “لقد نجح إسماعيل فهد إسماعيل في أن يجعل لغته حبلاً سميكاً يخطو فوقه الإنسان عبر الحلم والارتحال في رواياته وقصصه التي يتجاوز فيها الواقع وأحداثياته الى ما هو أبعد، وكأن الكاتب لم يكتف بواقعية وجوده في هذه الأمكنة، وإنما استعار الارتحال النفسي لشخصياته وأيضا لنفسه لكي يهيئ المتلقي للقبول بوجوده في غير هذه الأمكنة”.

لذا يستطيع المطلع على أدب إسماعيل فهد إسماعيل ان يلحظ ارتباط المكان في أعماله بذلك الوجود النفسي الذي يستظل به الكاتب في رحلته الأدبية، والفكرية، وهو يبحث عن ذلك الوجود اللاوجود اي الوجود الخالص، في ذلك المنفى الذي يقصي الإنسان عن وطنه او الذي يهرب اليه من نفسه، بعيدا عن الصراع الذي يحاول ان يحطم كل ما هو جديد او جميل.

ويرصد الراحل صلاح عبدالصبور الذي قدم له روايته الأولى، وتحديدا عن المكان وعلاقته بشخصيات الرواية “عندما تقرأ تلك المضامين التي يحملها النص، والرؤى التي حبلت بها، ستجد مأساة الثوار الذين تأكلهم الثورة بعد تصفية الحسابات والمصالح بينهم، دون أن يشفع لهم كفاحهم الثوري او ان يفسح لهم المجال لإثبات حقيقة ما كانوا يؤمنون به، فالمكان الذي كان مشتعلا بثورتهم، بات جحيماً يهربون منه، وهنا تكمن سخرية الزمن في تبدل وجه المكان وهروب الإنسان منه وإليه، وإن كان قابعا بين زواياه المترامية وسمائه الزرقاء.

وفي روايته “مستنقعات ضوئية” تأتي صورة المكان على شكل مغاير ومختلف، إذ يصبح السجن الموقع المغلق على من فيه أكثر رحابة عندما يرحل إسماعيل فهد إسماعيل شخصياته الى فضاء اوسع خارج السجن وأسواره وزنازينه، وأصبح الظل في فترات الراحة، مرحلة للخروج من تلك الأمكنة إلى الانسان، الذي نجح إسماعيل في استدعاء من هم خارج السجن ليتبادل معهم المكان (هنا وهناك) أما روايته “الشياح” فقد جمع في المكان المظلم والمعتم كل هؤلاء الناس الذين يتناقضون في فكرهم وانتمائهم وثقافتهم في هذا الملجأ أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، لا ليكون ملاذاً من ويلات الحرب وحسب، بل ليصبح ملاذاً للجميع من حياتهم في خارج المكان.

إن ترحال إسماعيل فهد إسماعيل الانسان وحياته في العراق ولبنان ومصر والمغرب وسوريا ودول الخليج ليستقر في الكويت والتي في الحقيقة لم يغادرها لأنها استقرت في جل تداعيات الروح الساكنة فيه، فقد كتب بعض رواياته الأخيرة عن الكويت وهو يعيش في الفلبين، وقدم فيها عدة نماذج عن الانتماء والهوية والوطن الذي يظل مصدراً للالهام والمكان سواء في حالة العزلة أو الارتحال أو الاستقرار.

أما إسماعيل فهد إسماعيل على المستوى الشخصي والانساني فهو يتميز بالبساطة رغم شهرته يرد على من يسأله عن سبب عدم كتابته لسيرته الذاتية بعد هذه التجربة الابداعية والحياتية، “أنا لا أرى إسماعيل فهد إسماعيل بهذه الأهمية ليكتب سيرته الذاتية، وما الذي يشكله إسماعيل في حياة مجتمع الكويت أو وطنه العربي، ليقدم سيرته للناس”.

وعن مواقفه الوطنية وإيمانه بالوحدة العربية يقر إسماعيل فهد إسماعيل بذلك، ويقول “أنا من أشد المؤيدين للوحدة العربية، ولكن على ألا يفرض عليك هذه الوحدة.

لم يتشكل عالم إسماعيل فهد إسماعيل الأدبي إلا عبر جهد كبير وتضحية ومواقف حياتية وفكرية جادة وملتزمة بدأت مع محاولاته الكتابية الأولى في العام 1952 واستمرت لتكتمل مع مرحلة نضوجه الأدبي في العام ،1961 وصدور عمله الأول “البقعة الداكنة” حيث قرأ وتأثر بجيل الرواد من نجيب محفوظ وكاتب ياسين ومولود فرعون وحنا مينا وتوفيق عواد وفؤاد التكرلي، وصولاً إلى روايته الأولى “كانت سماء زرقاء” والتي أدهشت وقتذاك الشاعر الراحل صلاح عبدالصبور، لتولد بعدها بقية أعماله الأدبية.

وهو من الأدباء العرب الملتزمين لأنه يعتبر الأدب ومن ضمنه الرواية وظيفة اجتماعية مسؤولة عن رصد الواقع وعكسه فنياً، والمحاولة دائماً لتغيير هذا الواقع، وبالتالي فهي إذن فعل سياسي، لأنها تنحو إلى توظيف القضايا والمفاهيم والمواقف التي يؤمن بها الكاتب والمبدع. وأن الأدب في حصيلته أو في خلاصته، هو صدى لموقف المبدع من الحياة بصيغها العامة، ومن ضمنها رؤياه أو فهمه السياسي لأحداث عصره وحركة مجتمعه. لذا صور في سباعيته “إحداثيات زمن العزلة” معاناة الشعب الكويتي إثر الغزو في العام ،1990 والواقع الذي عاشه الانسان الكويتي بكل ما فيه من مآسٍ اقتصادية واجتماعية ووطنية وسياسية ونفسية.

يقول سلامة موسى “كاتب بلا قلق ولا توتر لا يعادل أدبه ثمن الحبر الذي يستهلكه” وإذا كان هذا القول ينطبق على أحد، فأول من سيخطر على البال من كتابنا وشعرائنا العرب كتيبة متقدمة على رأسها إسماعيل فهد اسماعيل إلى جوار أمل دنقل وأحمد فؤاد نجم وحيدر حيدر ومحمد شكري وغيرهم، ومجمل أعماله تبرز مدى انغماس قلمه وفكره بالمعاناة التي عاشها في ارتحاله عن وطنه الكويت، بعد أن ظل مسافراً لا يستقر في مكان.

الخليج

قديم 05-21-2012, 10:30 PM
المشاركة 644
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اسماعيل فهد اسماعيل

- عاش إسماعيل فهد إسماعيل مسافرا لا يستقر في مكان فقد مر بتجربة حياتية عمقت من انتمائه للمكان والوطن، حيث عاش فترة صباه في العراق وكتب فيها “الحبل” وانطلق بروايته الاولى “كانت سماء زرقاء” من القاهرة، ثم استقر في وطنه الكويت ليستكمل مسيرته الإبداعية، التي تناول في مجملها قضايا أمته العربية ومعاناة الإنسان العربي، وليظل هذا الارتحال يسكن إسماعيل فهد إسماعيل ويستنطق من خلاله عذابات المكان وكوابيسه وهواجسه، وهو يصور فيه الصراع واختناق شخصياته (المكان) المتناقضة والمتداخلة الأحاسيس والمشاعر والأفكار، والتي صنعت بدورها المكان في عالمه الروائي والذي تحول الى حلبة تتصارع فيها أفكار إسماعيل نفسه والتي استرجع من خلالها الكثير من حوادث الزمان في المكان نفسه ليكون حالات التأزم وانفراج العقدة.
- لكن نكسة حزيران 1967م كان لها أبلغ الأثر في توقفه عن الكتابة والإبداع، لأنه كان يؤمن بالقومية العربية التي منحته الكثير من الآمال والانطلاقة بعيداً عن القيود..
- لأنه عاش في العراق فترة صباه، ولأنه متولد من أم عراقية كانت أغلب رواياته عن الواقع العراقي، منها روايته الشهيرة (الحبل) وروايات أخرى اختط لها هذا الخط، فكان صادقا وراسماً للمشاعر الإنسانية وتوصيفه لشخصياته بالغ الدقة..
- الصعلكة كانت إحدى هواياته المفضلة، وقد عاش ردحاً كبيراً من الزمن متقمصاً إياها مسافراً من بلد لآخر لا يستقر في مكان ولا يفكر في لقمة يأكلها، فألهمته تلك المرحلة زاداً عميقاً وفكراً نيراً، فالصعلكة بالنسبة إليه ليست مجرد تيار إنها فلسفة حياة، لكنها لم تعد مجدية في زمن يفكر الإنسان في الزوجة والأولاد وكيف يصرف عليهم وكيف يفي بالتزاماته الاجتماعية.

واضح ان هذا الكاتب الفذ قد عاش حياة ازمة ويتم اجتماعي.

يتيم اجتماعي .

قديم 05-22-2012, 04:35 PM
المشاركة 645
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
85- أجنحة التيه جواد الصيداوي لبنان


العنوان:

تأليف: جواد صيداويالقياس: 20*14 سم الصفحات: 816الناشر: دار الآداب /السنة ورقم الطبعة: 1999 /1السعر: 28.0$تجليد: عاديالموضوع القصة والرواية والحكاية





نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة توصيف .......إن أجمل مافي حبي لعزيزة بر موسى، وكل مافي حبي لعزيزة جميل، هو أنه نما وتررع في أجواء هادئة، وعلى نحو طبيعي.فكأن عزيزة قد خلقت، يوم خلقت لتكون هواي. وكأنني خلقت، يوم خلقت لأكون هواها.ليس هذا الحب، بالنسبة لي بمثابة تعويض عما عانيت منه في حبي الفاشل لخديجة بوزير، وهو ليس بالنسبة لعزيزة ارتماء متسرعاً منها لأنني الرجل الأول الذي اقتحم أحلامها الضبابية

قديم 05-22-2012, 05:24 PM
المشاركة 646
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
رواياته تلامس هموم الناس وتعبر عن أحلامهم 25/06/2011جواد صيداوي: أنا كاتب واقعي ملتزم بالإنسان


أمام هذا الانفتاح المذهل علينا الحذر كي لا نقع في فخ العولمة
بيروت - ليندا عثمان:
قدم الى المكتبة العربية الكثير من الروايات والقصص والنقد الأدبي والتاريخ, ورواياته كانت تتصدر الكتب الأكثر مبيعاً في معارض الكتب المحلية والعربية وأيضاً في باريس وقد ترجمت الى لغات عدة. من هذه الروايات: جمانة, أجنحة التيه, مطاردة, أسنان المشط, صرنا على الليسته, فساتين هندومة, ثلاثية-الى ثمالة حب وكتابات أخرى, يواصل خلالها جواد صيداوي نقد شوائب المجتمع والجنوح الى اليومي الواقعي مسجلاً تفاصيل الحياة.. في "ثمالة الحب", يتحدث الروائي عن علاقة حب حميمة بين رجل كهل وامرأة في أواسط العمر, وتنطوي على اشكاليات اجتماعية وأخلاقية, لأن بطلة الرواية ذات ماضٍ ملتبس قد لا يكون قابلاً للغفران في نظر البعض ان السؤال المحوري الذي تثيره الرواية هو: هل تنجح علاقة حب في ظل تلك الاشكاليات فضلاً عن فارق السن بين بطلي الرواية التي تجيب على هذا السؤال في قول الكهل "العاشق": "ان الحب, في حال توافره بين الرجل والمرأة, لا يحلق بأجنحة السنين والأعمار, وانما يحلق بأجنحة اللحظة التي يولد فيها, وبما أن الحياة لا توهب لنا مرتين, ينبغي لنا كلما ساء مجرى الحياة أن نوجه الدفة متى كنا قادرين على ذلك, وفي أي مرحلة من مراحل العمر, نحو مجار أكثر أمناً, مثلما يفعل البحار الحاذق, حتى اذا بلغنا الشاطئ الأخير غادرنا سفينة الحياة غير آسفين على ما فاتنا". وثمة سؤال آخر: "هل ينجح الحب بمعناه الكبير, في تطهير الانسان من شوائب ماضٍ تستمر في القاء ظلال سوداء على حياته?", ربما نعم وربما لا, الجواب في سياق الرواية وفي نهايتها. في كل ما كتب جواد صيداوي كانت الواقعية هي المسار وهي الهدف دون التحايل على النص وفي ذلك قال لنا:
أنا كاتب واقعي ملتزم بالانسان, وعندما أقول الالتزام, أعني الالتزام بمعناه الانساني الشامل, البريء من الانقياد الأعمى لنهج فكري أو سياسي أو مذهبي معين, فالرواية تميل الى الحديث عن الحياة العادية للبشر العاديين, والقارئ يتمنى أن يجد في الكتاب الذي يقرأ صورته ومشاكله ومكان عمله وهمومه اليومية. من هنا تدخل نماذج من شتى شرائح المجتمع الى عالم الرواية من الباب الواسع, كما أن الكاتب ذاته قد يجد في الرواية التي يكتب متسعاً لكي يعبر عن أفكاره ومشاعره الشخصية من دون أن يكون ما يقوله جزءاً من سيرته الذاتية, أو أن يحمل أشخاص الرواية تلك الأفكار والمشاعر على نحو متعسف.
مرجعية
ما مرجعيتك الروائية, من أين منابع جوك الأدبي وأنت الذي أقمت ردحاً من الزمن في باريس?
لا أخفي عليك أن جيلنا في أربعينيات القرن الفائت جيل جرجي زيدان وجبران وتوفيق الحكيم وتوفيق عواد, كنا نلتهم كتبهم ونبكي مع "سلمى كرامة" في "الأجنحة المتكسرة" ونحلم بأجواء "دمعة وابتسامة", ونضحك لسذاجة الفلاحين المعدمين في "يوميات نائب في الأرياف" لتوفيق الحكيم, كان ذلك في المرحلة الابتدائية, في المرحلة التكميلية غدت مطالعاتنا أكثر تنوعاً وأكثر غنىً التأثير الأدبي الحقيقي الأول جاءني من كتاب "البؤساء" رغم ما كابدته من عناء في قراءته لكم أوجعتني مأساة "فونتين" وبأي شغف قلق تابعت مصير ابنتها "كوزيت". ولم يقتصر تأثير الرواية على نزاعي الأدبي المبكر فحسب وانما أيضاً على نزاعي الفكري, ثم بدأت التعرف على أعمال نجيب محفوظ في مستهل خمسينيات القرن الماضي. وكنت شديد التأثر بها خصوصاً ثلاثية "بين القصرين", حيث وجدت في شخصية "أحمد عبد الجواد" صورة لأبي ولكل أب "سلطوي" في الأسرة العربية, وأغرتني روايات نجيب محفوظ بكتابته الرواية الى جانب الشعر. وكانت محاولتي الروائية الأولى في أواسط الستينيات ولكنني لم أجرؤ على نشرها الا بعد عقدين وهي "العودة على متن الرحيل", لقد استفدت من كل ما قرأت, ومازلت أستفيد مما أقرأ لكني لم أتقيد في رواياتي بنهج روائي معين على غرار هذا الكاتب أو ذاك. وان كنت أميل الى واقعية الأدباء الروس والى نزعتهم الانسانية ونقد الواقع الاجتماعي.
لاشك أنني استفدت كثيراً على الصعيد الأدبي عموماً وعلى صعيد الرواية بشكل خاص خلال اقامتي في فرنسا, وفضلاً عن القراءة كان هناك علاقات شخصية مع عدد من كبار الأدباء والمفكرين والباحثين الفرنسيين مثل "ألان-روب غرييه" رائد الرواية الحديثة, لويس أراغون, جاك بيرك, مكسيم رودنسون وسواهم, وكلما كان برنار بيغو صاحب البرنامج الثقافي الشهير: "أبو ستروف" يستضيف في حلقات برنامجه كاتباً روائياً أو أكثر, كنت أحرص على وجودي في الاستديو مع المستمعين والمشاركين.
الرواية الحديثة
يكثر الحديث عن الرواية الحديثة وهي الآن تشغل الأقلام والنقاد, ماذا عن هذه الاشكالية?
ما أود قوله على هذا الصعيد, هو أن مقولة "الرواية الحديثة" ظهرت في أواسط القرن الماضي في فرنسا, والتف حولها عدد من الأدباء جمعهم رفضهم للتقليد السائد في الكتابة الروائية, مثلما تجلت في أعمال عمالقة الرواية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر (ستندال, بلزاك, فلوبير: في فرنسا, تولستوي, دويستويفسكي: في روسيا,), لكن رواد "الرواية الحديثة" لم يسعوا الى تأسيس مدرسة أدبية محددة المعالم, ولم يصدر عنهم "بيان" خاص مثل "البيان السوريالي" لأندريه بريتون مثلاً, وانما هو "تيار" أدبي, أو اذا شئتِ نزعة أدبية من بواكيرها "معبر ميلان" لميشال بوتور, وقد ظهر تأثير هذا التيار الروائي في عدد من أعمال الكتاب العرب المعاصرين الذين جارى بعضهم أو تجاوز حتى الكتاب الغربيين, ولم أكن بدوري بعيداً عن التأثير, وليس التقليد, في ما كتبت. ولا ننسى أيضاً أن لتنوع الثقافات الدور البالغ الأهمية, ليس في العمل الروائي فحسب, وانما أيضاً في أي عمل ابداعي, لا سيما بعدما شرعت تقنيات الاعلام أبواب الحضارات بعضها على بعض, لم تعد "المعاني الملقاة على الطريق" على قول الجاحظ, تكفي رغم أهميتها طموح المبدع العربي, أو غير العربي, ثمة معانٍ أخرى ملقاة على دروب الحضارات الأخرى تساعد في الأخذ بها على معالجة الهموم والنزعات والرغبات التي لا تقتصر على مخاطبة حضارة بعينها وانما على مخاطبة الانسان بالمطلق وأياً كان انتماؤه, بيد أنه ينبغي لنا, أمام هذا الانفتاح المذهل, أن نتسلح بالحذر لكي لا نقع في "فخ العولمة" المتمثل بالسياسة الأميركية الهادفة الى الهيمنة على الساحة الدولية بكاملها, عسكرياً واقتصادياً وثقافياً, ولكي تحقق هذا المسعى المحموم والأخرق لا بد لها من العمل على تدمير الأسس التراثية والخصائص الذاتية للمجتمعات المستهدفة عبر اشاعة ثقافة الانحلال وتمييع الوجدان وتحقير الماضي لكي لا تكون العودة اليه سفراً نحو المستقبل. ان الحداثة تعني بمضامينها الانسانية المختلفة, بناء حصن جديد على قلعة التراث قد يختلف شكل الحجارة واصطفاف المداميك والزخرفة, في الحصن الجديد, دون أن يخل بتناسق الهيكل العام للصرح العام. ومن الخطأ أن يأخذ بعضنا ببغائياً, بالأشكال الأسلوبية والمضامين الجامحة, من ثقافة أخرى ويفرضها على نحو متعسف, على مجتمع يعاني من غير مظهر من مظاهر التخلف, وهذا لا يعني اطلاقاً أن نغلق النوافذ دون الآخر, ونتقوقع في اطار ما ورثناه مع ما في الارث من أفكار ومعتقدات ميتة

قديم 05-22-2012, 05:32 PM
المشاركة 647
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
المستقبل - الخميس 22 أيار 2003 - العدد 1302 - ثقافة و فنون - صفحة 18



جواد صيداوي في "صرنا على الليستة"
الموت يدق الباب


ياسين رفاعية
في سرد أقرب إلى الحكي، تتمدد حياة رجل على أبواب السبعين، يرثي حياته، يتهكم أحياناً، وبسخرية طوراً، وبحزن في أكثر الأحيان. وهذا الرجل السبعيني يروي سيرة ذاتية، ومن يعرف كاتبها "صرنا على الليستة" جواد صيداوي، يدرك كما لو أن الكاتب نفسه يروي حياته، إزاء ذكريات مع أصدقاء، وحياة بين مدينة النبطية التي كان فيها في زهو شبابه، وبيروت التي تشهد في هذه الأيام استسلامه لمصير لا يعرف متى يدخل عليه ويأخذ الحياة منه. وما يؤكد أن الحكاية حياة الكاتب، ما يقوله عن المعاناة التي تنتاب الكاتب أثناء الكتابة "متى استبدت الكتابة بالكاتب أنسته حركة الزمن واقتلعته من واقعه لتنقله إلى الواقع المتخيّل الذي يعيش فيه أشخاص الرواية، فيشارك التعيس منهم تعاسته، والسعيد سعادته، والشجاع شجاعته والخامل خموله والتائه ضياعه... إلخ.
يعيش الراوي نديم الصافي وحيداً في بيته في شارع مار الياس في بيروت، بعد أن افترق عن زوجته المصرّة على البقاء في باريس حيث عاشا فترة الحرب الأهلية، معاً، هناك، وبعد توقف الحرب لم يعد مبرراً أن يبقى في الغربة، وهو الكاتب والفنان والحزبي والسياسي الذي يريد أن يكون فاعلاً في الوطن عوض أن يعيش غريباً في بلاد الآخرين. ترفض الزوجة، ربما من أجل أولادها الذين باتوا في المدارس الفرنسية، فيأفل راجعاً إلى الوطن ليعاني من وحدة ملولة تتكرر أمام عينيه كل يوم، بل كل ساعة، ثم يطرق الموت باب أقرب أصدقائه، فإذا بهذا الموت يذكره أنه هو الآخر بات على الليستة كما ذكره عادل محمود زميله في التدريس وزميل المرحوم السيد بديع، وثلاثتهم رفاق مدينة واحدة لم يفترقوا إلا لماماً بسبب ظروف الحياة، والشيخوخة هي إنذار للنهاية، بمتاعبها وأمراضها ومعاناتها حيث يغدو جسد الانسان "شبيهاً بقصر كبير لم يعد باستطاعة صاحبه، الذي أفقرته الأيام أن يشغل غرفه وقاعاته جميعها". وعندما يروي لصاحبه الآلام التي بدأت تنتابه في العصب والقدم والجسم كله. يذكره هذا ساخراً: الخير لقدام، أمامك، إذا نسيك الموت، تلف الأسنان، وتقرّح المعدة، والتهاب البروستات، وانسداد الشرايين، وارتعاش الأطراف، والطرش، والعمى... وو. وفي طقوس التشييع يعاني مع صاحبه من الحر والتعب، فتتداعى الأفكار على رأسه فـ: خير الميت دفنه. وإزاء مشاهدة الموت، والصديق الراحل، يتداعى الراوي إلى ذكرياته هنا وهناك، فعندما كان شاباً كان يفعل كل شيء بهمة الشباب في السياسة في المجتمع في الأسرة في الحب، دون أن يتخيّل أن الموت ذات يوم سيطاله، وإذ به الآن يرى ما آلت إليه حاله مذكراً صاحبه لها قائلاً: شق مائل ولون حائل، كما قالت الحكمة، فيجيبه: وعقل زائل. وهذا ما يدفعه هنا إلى التساؤل الفلسفي: هل الموت نهاية أم بداية؟ إنه السؤال الأزلي الذي يستمر بدون جواب إلى أبد الآبدين، ومع ذلك يترنم بقول أبي العلاء المعري:
فموت ثم بعث ثم حشر حديث خرافة يا أم عمرو
ويعلّق على بيت أبي العلاء قائلاً: هذا حكي... هذا شعر... إسمع:
أتترك ها هنا الصهباء نقداً لما وعدوك من لبن وخمر؟
خرافات يا طويل العمر خرافات.
ويعود نديم الصافي إلى بيروت بعد أن شيّع رفيقه إلى مثواه الأخير، وشعور الهرب من الموت وأجواء الموات تتلبس فيه دون جدوى "الموت محو للكائن من دائرة الوجود. بالأمس (كان) السيد بديع، واليوم غدا مجرد ذكرى، وغداً يطويه النسيان كأنه لم يكن. فـ: الموت الذي سلبه اليوم، صديقاً ودوداً، سلبه في الوقت عينه، الشعور الخادع بأنه عائش إلى أجل غير مسمى. وما هذا الارهاق الذي يعاني منه بعد هذه السفرة القصيرة، سوى دليل واضح على أن جسده، هذا الرفيق الأمين الذي واظب على وفائه قرابة سبعين عاماً، قد غدا عدواً ماكراً سوف ينتهي به الأمر إلى تدمير صاحبه "ثم: ان العقد السادس، في حياة الانسان هو المرحلة الأكثر خطراً، والموت لص ماهر يعرف متى يسرق الحياة".
ويستعرض الكاتب الملتبس بالراوي حياته الملأى بالأحداث: أربعون عاماً من النشاط الحزبي والوطني والقومي قولاً وكتابة وسجناً وحرماناً، انتهت بدمار الوطن، وتدهور العالم العربي، وانهيار الأمل الاشتراكي، وسيطرة الفكر الظلامي الأسود على العقول والنفوس جميعاً، عدا عن التشتت العائلي، والضيق المادي، وجحود الأحبة وتنكر الأهل".
ليس من شيء يعزّيه في هذه العزلة القاتلة بين جدران البيت متنقلاً بين الصالون وغرفة النوم والمكتبة وكتبها، فسخر من نفسه كمثقف، إذ يجد كل ما يحيط في هذا البيت سجنه وأسره: هل يكفي أن تغطي هذه الكتب جدران البيت كي يعتبر نفسه مثقفاً وكاتباً؟ ويتساءل: أهو كاتب حقاً؟ إن الكتابة بمعناها الكبير، انتقام من الذات وانتقام من العالم في آن معاً. انتقام من الذات في جنوحها نحو الدعة والتسليم. ورضوخها للنواميس المفروضة والحدود المرسومة. وانتقام من العالم، كما وصفه الفيلسوف الفرنسي موريس نادو "في قلبي العاري احساس دائم بالغربة عن العالم وطقوسه".
وتتآكل الحياة بين يدي نديم الصافي، يحاول أن يتناسى ما ألم به من وحشة ومن فقدان الصديق، ومن إرخاء الموت رداء النهاية على حياته، فيتلصص من الشرفة على البنت الصبية الملأى بالأنوثة بصدرها العارم وساقيها المكشوفتين، والتي تتعمد أن تبرز له مفاتنها كلما رأته في الشرفة، فيتحسر على حاله، ويترك البيت مشياً إلى الكورنيش، كما لو أنه يودع العالم وهو يتذكر ويرى البحر الأزرق الشامخ في هدير موجه الصاخب، تبقى الأمكنة فيما هو ذاهب لا محالة آجلاً أم عاجلاً، فعبارة: صرنا على الليستة تظل متمسكة بأفكاره لا تريم، وكلما حاول نسيانها أو تناسيها تهبط على أفكاره وروحه بقوة لتذكره أن الآتي أعظم وأن الأيام الباقية معدودات.
وأخيراً يستسلم نديم الصافي لقدره، مهما كانت الأحداث المقبلة فرحاً أو شؤماً، فالحياة ولادة وموت، وهي سنة الحياة وقدرها.
رواية سردية، هي، كما لو أن كاتبها يرويها لأصدقائه، وهذا سر عفويتها، ومع أن الكاتب وقع في التكرار، خصوصاً الاستشهادات، والإقحام في مواقع أخرى، لكن هذا لم يمنع أن نقرأ في "صرنا على الليستة" نصاً متماسكاً يثبت دراية الكاتب في الكتابة، خصوصاً وأن له في السابق نحو ست روايات ومجموعات قصص ودراسات، تؤكد على احترافه، ولعلني لا أُحرج أو أحرج الكاتب إذا قلت انها قصة حياته بحذافيرها، ومشاعره وأحاسيسه تكاد تكون طبق الأصل عن مشاعر وأحاسيس الذين في عمره.
الكتاب: صرنا على الليستة رواية
الكاتب: جواد صيداوي
الناشر: دار الفارابي بيروت 2002

قديم 05-22-2012, 07:44 PM
المشاركة 648
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الشعر ... وعد يستحيل انجازه
الناقد محمد العباس - 18.11.2006 - 07:07 pm

بقلم الناقد محمد العباس
الشعر هو المغامرة المستمرة ، إذ به يمكن، بل ينبغي تدمير الثقافة، وتدمير معابد التثقف للعودة إلى صحراء البداية ونقائها. هذا ما يستخلصه صلاح ستيتية الذي يعني بالثقافة، ذلك المصنّع والمعد المستثمر إجتماعياً خارج أي مغامرة فكرية، على اعتبار أن الشعر يرفض أي صيغة من صيغ التصنيع العاطفي أو الفكري أو حتى اللفظي، على العكس من الأدب الذي هو وليد الثقافة، وبالتالي فهو مثقل بالتمسرح الداخلي والحاحية الإقناع والإبتكار المزخرف.

من ذات المنطلق يفرق بين طريقين للشعر: أولهما رحب واسع، وآخر ضيق جداً. ذلك الواسع الأصح ربما قد يوصل إلى فسحات رحبة في العالم، لولا أن فسحاته تضيع المعنى الأساسي الذي يسعى إليه الشاعر الآخر، الذي يؤثر بدوره الطريق الضيق، أو المظلم الذي يؤدي بصاحبه إلى بلوغ شيء نادر الوجود، صعب واستثنائي يسميه " نور المعنى " أو السقوط إلى الهاوية كدرب موصل إلى الكنز، حسب تعبيره، حيث التيه في صحراء الجنون أو ما يشبهه.

أما الإبداع بوجه عام، فلا ينشأ من التاريخ أو من الظروف، أو حتى من العواطف والأحداث وحدها، إنما ينشأ من إبداع آخر، كما يتوجس ذلك هارولد بلوم في " قلق التأثر " فالشعر هو ابن الشعر، والفن هو ابن الفن، أو هكذا يلخص الشاعر صلاح ستيتية نظرية مالرو الواردة في كتابه " أصوات الصمت " ويعتنقها مؤكداً على أن الأشياء الأخرى إنما تأتي لكي تغذي العملية التحولية المستمرة.

هذا الرأي الذي يعتبر مفتاحاً لشعرية شاعر عربي يعتبر أحد أكبر الشعراء في اللغة الفرنسية، بشهادة دو موندرياغ، ليس الوحيد الذي يتبناه ستيتية من " الآخر " ففي حواره المطوّل مع جواد صيداوي، يبدو عرضة لأسئلة ذلك " الآخر " ومقولاته، واعتقاداته الإبداعية، في صيغتها الفلسفية والشعرية، وذلك في الكتاب الصادر عن دار الفارابي بعنوان " ليل المعنى - مواقف وآراء في الشعر والوجود " والمستمد من عبارة الموسيقار ماهلر " لست سوى نابلٍ يرمي بسهامه في الظلام ".
هكذا يعضّد كل رأي يبديه في الكتاب بمقوله لأحد أولئك المبدعين الذين صاحبهم في رحلة جمالية طويلة، أو استجلبهم من التاريخ، حتى عندما جادل القصيدة العربية استند إلى صورة مقتبسة من دراسة لغابريال بونور عن بيار جان جوف، حيث شبهها بالجرف الصخري الصلد المنحوت إلى درجة ظهور العنصر الفوسفوري في اللغة، أي الإنصهار الفذ لعدة مستويات من الواقع متحققة في المزيج ذاته، وموحدة بين التجربة والغناء، وبين العالم والقلب، إذ لم تعد وصفاً أو سجلا ً أو جرداً للسطح، بقدر ما هي عقدة من الطاقات المستهلكة، ليخلص إلى " أن القصيدة العربية تصبح إنغراساً حارقاً في القلب الأسود للواقع ". وعندما تحدث عن سر الإنجاز السريع والكثير لبعض المبدعين والروائيين العرب كان يرد عليهم بمقولة آلن روب غرييه الاستخفافية " القردة في كل مكان ".
أما حكايته مع التأثر أو التفاعل الإبداعي فتبدأ بالنصيحة التي تلقاها من غبريال بونور عندما كان في السابعة عشر من عمره، ومفادها ألا يحاول استكمال شخصيته على نحو متسرع " لأن الشخصية التي تتكون بسرعة تفقد الكثير من فرص التلقي وفرص تكونها على نحو أكثر شمولاً ". ومنذ تلك اللحظة التي استقبل فيها ذلك الكلام الذي يبدو تربوياً في ظاهره، فيما يستبطن وعياً يسائل عمق الذات الإبداعية، وهو يردد في داخله عبارة أبو لينير " لقد حان وقت مجيئك " مقتفياً آثار ذلك " الآخر " دون انفلات شعري عن مرجعياته العربية الإسلامية، أو كما وصفه أدونيس في مقدمة ترجمته العربية لقصيدة ( الوجود - الدمية ) بأنه يكتب العربية بلغة فرنسية، أي بحدس إسلامي عربي.
الكتاب يزدحم بالكثير من الآراء حول الوجود والحياة والفلسفة والتاريخ والمعرفة، وكلها تصب في المعنى الشعري الذي استهدفه ستيتية خلال مسيرته الشعرية، وعبر عنه بقوله " الشعر مادة تقتضي هذا التفكير الدائري، وبما أن الشعر هو هاجسي الأكبر فسأستمر في الكتابة عنه والتفكير فيه، ساعياً إلى تعميق معاني الشعر بصورة عامة، وتعميق أبعاد شاعريتي بصورة خاصة، فقد لا يكون لي من معنى إلا في مجال الشعر، بل قد لا يكون للإنسان عامة من معنى إلا من خلال النص الشعري، حتى أن النصوص السامية المقدسة، بأبعادها غير المرئية تخاطب في الإنسان إحساسه الشعري ".
ذلك التطرف الإعتقادي بالشعر كخطاب إنساني هو ما يدفعه للإعتقاد بأن الشعر هو السؤال الأكبر، بل هو الجواب الجواب الوحيد، حسب تعبيره، أما الشاعر فهو الوسيط بين ذاته وذاته، بين ذاته وإنسانيته، بين الماضي والمستقبل، بين الظاهر والمستتر، بين الشيء وشفافيته " فكل شيء في تصور الشعر موجود في كل شيء، فهو كمفهوم الحديقة الإسلامية عند جلال الدين الرومي، مكاناً مغادراً بكثير من التندم، مستعاداً بالأمنيات والشعر، وبالتالي فهي ليست رمزاً للوجود بكامله وحسب، بل هي صورة مصغرة له، وهو أحياناً - أي الشعر - بتصور ستيتية، واتكاء على مقولة بول كلوديل أيضاً، يشبه المرأة كوعد غير منجز، فالشعر كذلك وعد يستحيل انجازه، وهو ما يفسر انطلاق شعره نحو جميع المؤنثات في الوجود واللغة.
على ذلك يعتقد أن " سر الشعر وسر الشاعر " يكمن في الطفولة فهذه هي اللحظة التي يتبرعم فيها ذلك الاختبار، كما يسميه في إشارة ذات مغزى، فهو ليس " جنة " كما يعتقد الذين لا يعرفون منابعه، إنما استعار دائم بفعل ظلمة الحياة ومصاعبها وآلامها، وبفعل الشكوك التي تعترينا خلال بحثنا عن قدر من الشفافية. أما الطفولة - برأيه - فهي المرحلة الأهم، وهي المرجع والوطن والقبر بالنسبة للكائن، وكل شيء في حياتنا يبدأ من تباشيرها، فجميع الأطفال يملكون النبوغ، حسب جان كوكتو، إلى أن يصلوا إلى سن الرشد فتضيع مواهبهم. وللتأكيد على ذلك النبع يستشهد بطفولة ثلاثة من الشعراء الفرنسيين البارزين وهم : جيرار دو نرفال، وشارل بودلير، وآرثر رامبو، فهم يقولون، وبعبارات متقاربة " بأن انطلاق الاحساس الأول بسحر العالم، وبخطورة العالم، وبما يحمله من مأساوية، مرتبط بطفولة الشاعر ".
ومن ذلك المنطلق يدين الاهمال النقدي العربي، قديمه وحديثه، لتلك المساحة من طفولة المبدع، وفداحة التعامل مع الطقل ككائن ناقص، ومع الطفولة كمرحلة عابرة. أما الشأن الشعري بالنسبة له، ومن حيث علاقته الجدلية بعالم الطفولة فقد كان على صلة بعالم الكلام منذ طفولته، عندما كان يدخل على والده وبرفقته مجموعة من الشعراء يتعاطون الشعر فلا يفهم منه شيئاً، لولا أن اللغة السحرية تلك كانت تفتنه، ومنها عرف أن " هناك استعمالاً عادياً للغة، وهناك في الوقت نفسه، استعمالاً آخر مختلفاً تماماً " فكان ذلك أول اختباراته مع عالم الشعر، أي في " الفهم غير الاستعمالي للكلمة ".
وقد تطور هذا المفهوم الأولي عنده إلى منطق شعري يسمح له بتكوين عبارات على هامش القواعد والأسس البلاغية المعتمدة في اللغة، فهناك داخل اللغة الشعرية المتحررة إلى حد ما من منطق سياق اللغة العادية إمكان استعمال أكثر غرابة داخل ذلك الاساعمال الغريب، حسب اعتقاده، وهو لب نظرية الانزياح عند جان كوهن، كما يتقاطع من ناحية المعنى مع التصور الذي يعتقده ايف بونفوا في مسألة " كمال الفراغ " وسعيه - أي الشعر - للقبض على الأشياء العابرة أو الزائلة، فاللاكمال هو الذروة بالنسبة له، الأمر الذي يقتدي به ستيتية ليؤكد بأن الشعر " هو تفاصيل بين النور والظلام، بين ما وضح من المعنى وبين ما عجز المعنى عن النفاذ اليه من السر ". وصولاً إلى ما يعتبره جان كوكتو وظيفة سحرية للشعر متمثلة في رواية الأشياء الغامضة بدقة ووضوح.
وعندما يفسر أزلية ذلك السر الإنساني، يرى الغموض يكتنف كل ما في الوجود، والشعر يلتزم بجميع الموجودات الغامضة التي تسعى إلى التعبير ويمنحها القدرة على الكلام، كما يعطي التجارب المتضاربة، وغير المنطقية معنى ما، ويؤكد على ذلك بصوفية ريلكه المتأثر بالدين الإسلامي، وكذلك الشاعر الفرنسي جول سوبيرفييل. أما الغموض للغموض في الشعر فآت - برأيه - من فقدان أي نافذة مضيئة لدى الشاعر، أي من عجزه عن الوصول إلى أي سرٍ في نفسه، أو إلى أي سرٍ من أسرار الوجود، وأسرار اللغة، وهو يتوهم أن جميع المعاني واضحة أمام نظر عقله فينطبق في شعره من بدائيات الأمور، مستعيناً بالغموض لكي يوهم القارئ.
وقد بذل جواد صيداوي جهداً معرفياً وذوقياً لافتاً في استنبات أسئلة جادة لاستنطاق ستيتية، والذهاب به إلى مناطق جدلية عميقة طالت مسألة التجديد والحداثة التي رأى ستيتية شرطها في " عقيدة قتل الأب " وبالتالي فإن الحديث حول إشكالية قصيدة النثر والشعر يعتبر ضرباً من الهذر، فالشعر بأي صيغة من الصيغ لا بد أن يعلن التزامه بتوضيح الأشياء المرتبطة بعمق الوجود، كما رفض إمكانية الربط بين مضمون الشعر ولغة الشعر، فللشعر منطق غامض، فهو ليس أمراً منزلاً، إنما يشبه الإلهام في أولياته، أو ضمن ضرباته الأولى كأبيات مستقرة في الوعي الباطن، وآنية فيما بهد من أعماق اللغة أو التاريخ الشخصي للشاعر. وحسب تعبيره هو نعاس داخل النعاس، أو يقظة داخل اليقظة، أو حلم داخل الحلم. أما الزمن كمفتاح من مفاتيح شعريته فقد أكد على صلته بمفهوم المكان من منطلق ارتباطه بجذوره العربية، وفق مفهوم حضاري في أصله، فالزمن عند الشرقيين مدلول تراكمي، أما عند الغربيين فله مدلول أفقي، بمعنى التحرك المستمر في سيره

قديم 05-22-2012, 07:52 PM
المشاركة 649
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
“فساتين هندومة” لـ جواد صيداوي 09:16 21/Jan
عن "الاتحاد" الظبيانية

“فساتين هندومة” لجواد صيداوي هي الرّواية الصّادرة عن دار الفارابي في مئة وثمانين صفحة من القطع الصغير، بعنوانها الطريف، ورمزيّتها السّاخرة، بعد سلسلة من الرّوايات التي تغرس جذورها في البيئة والانسان، دون أن تسقط في الابتذال، نحو العودة على متن الرحيل، جمانة، مطاردة، أسنان المشط، صرنا على الليسته...

تتخذ الرواية منبع أحداثها من بلدة طبرنا المواجهة لجبل الشيخ، أو ما يعرف بجبل حرمون، وهو سلسلة فاصلة بين لبنان وسورية من ناحية الحدود الجنوبية الشرقية، وتنطلق من غنى المكان: المسجد، السوق، المنزل، حيث تطلّ شخصية المؤذن الشيخ عبدالله المخلص في أعماله وعباداته، والطامح الى مرتبة الإمامة ولو من الدرجتين الثانية أو الثالثة، يجالس أبناء بلدته، فيقصد حوانيتهم، ومراكز أعمالهم محاورا ناصحا، معينا بكلّ الوسائل: كتابة الرّقى، والتّعاويذ التي تحصّن ضدّ الشّيطان، فكتابة الحجب التي تجمع أو تفرّق، فضلا عن عمله في النجارة، وهي أعمال اضطرّ إليها بعد تعذّر تنصيبه إماما. وقد يتدخل شيخنا في العلاقة بين الأب وابنه، فيوجّه ويلقي المواعظ التي لا تجد من يأخذ بها، كالنصيحة التي أعطاها للقصّاب عباس نعمان كي يبقي ابنه عبّود في المدرسة.

عشرة أجزاء





قسّم صيداوي روايته عشرة أجزاء عاملا على تنمية الأحداث والتناقضات باتجاه الذروة، بدءا من اللقاء الأوّل بين الشيخ والشخصية الرئيسة الثانية في الرواية: الفتاة هندومة التي لها آراء لاتحيد عنها في الاجتماع والحرب والسلم.

كان اللقاء حاميا لأنّ كلا منهما متمسّك بوجهة نظره، فهندومة تقصد الشيخ في دكّانه، وتلقي اليه أخبارها الجديدة غير عابئة بفارق الخبرة بينها وبينه، ولا بفارق الموقع الاجتماعي أو الديني الذي يجعل كلمته فوق كلمتها. علما بأنّ مولانا يعالجها من المسّ الشيطاني منذ بضع سنوات، واذا كان لم ينجح كلّيّا في مهمّته، الآ أنّه استطاع أن يخفّف عنها حالة الصّرع التي يسبّبها دخول الجنّيّ في الانسيّ.

المهمّ أنّها رأت القمر في حال متعبة، واستطلعت الدلالة الغيبية الكامنة فيه قائلة:

ـ “الحرب بدها توقع واليهود بدهن يجوا (سوف يأتون)”.

فابتسم الشيخ وقال:

ـ “ما تخافي يا هندومة، اليهود ما بيجوا لهون أبدا، واذا إجوا لاسمح الله، بدهن ياكلوها بصرماية عتيقة”.

عندها اتهمته بقلّة العقل فنالت منه ماتيسر من الزجر واللعن.

بين هندومة وفلسطين

تتداخل الأحداث، انطلاقا من الجزء الثاني، فيغدو الحديث عن ولادة هندومة ونشأتها، ممزوجا بتاريخ النكبة الفلسطينية، والخروج القسري لوالدها عثمان المحمد من قريته في الطرف الشمالي لغور الاردن باتجاه لبنان، وكيف توزّع اللاجئون الفلسطينيون الذين تدفقوا على طبرنا بكثرة على المدارس والمساجد والخيام التي نصبت على عجل، ومنهم من حلوا ضيوفا لأّيام على أصدقائهم، أو استأجروا منازل...

بلغة سردية مؤثرة يرصد صيداوي نزوح اللاجئين الفلسطينيين والمأساة التي حلت بهم والوعود بإعادتهم فورا الى موطنهم.

وفي خضمّ البحث عن الوطن/ المأوى، ينشغل عثمان المحمّد بمداواة ابنته هندومة على يد الشيخ عبدالله على الرغم من كلّ الأقاويل التي سمعها في مقاهي طبرنا ومجالسها.

وعلى ما في الرواية من شخصيّات ثانوية مثل حيدر الأخوت ومسعودة الشركسية، وكامل حمدان الشيوعي... الا أنّ الكاتب يعيدنا دائما الى النقطة المركزية وهي شخصية هندومة النّامية، منذ ولادتها في سيارة الشحن حين قالت أمّها: ربّنا يستر.

ولمّا بلغت العاشرة طفقت تخرج الى أزقّة حيّ القلعة، وتختلط بأطفاله، أو تقف بمفردها قرب جدار تراقب دون أن تشارك، فتسمع من يصفها بالمجنونة فلا تبالي، واذا تعرّض لها أحدهم بأذى قاومت بشراسة... وتصرّفاتها وأقوالها، استمرّت مختلفة عن الأطفال العاديين.

ومع مرور الزمن أخذت دائرة جولاتها تتسع تدريجا لتشمل ساحة البلدة وأسواقها، ثمّ الأحياء القريبة فالبعيدة، وصولا الى الحقول والتلال المجاورة.

المحلّيّة مع العاميّة

وإذا كانت هذه الرواية مغرقة في محلّيتها، عاشقة لصور التقاليد المعيشية، فهي مغرقة في إنسانيتها، مبدعة في التقاط مشاهد الحياة من أفواه الناس، تتركهم على طبيعتهم الأولى، وجبلتهم النفسية والاجتماعية، وقد وفق الكاتب في ترسيم الشخصيات انطلاقا من عالمها الداخلي، عالم الرغبات والأحلام، عالم الصدق والعفوية، فالمجنون له دور فاعل في تحريك الأحداث، وتشكيل المشهد الإنساني في حيّه وبلدته، كذلك الرجال من أصحاب المهن البسيطة: لحّام، كندرجي، سائق سيّارة، حانوتي، والنسوة على ما هنّ فيه من بحث عن الأسرار العائلية، وتسلّ بفضائل الرجال وعاهاتهم ونواقصهم، والحزبيون الذين يلاحقون النخب المثقّفة من الطلبة لتنظيمها، الى المنحرفين والمنحرفات الذين ساءت سمعتهم، فالمتزوجين والمتزوجات بين شجار وطلاق.

هذه المحلّيّة تطبع الأحداث بطابعها، من خلال الحوار الساخر باللغة العامية وباللهجة الخاصة، فتشعر كأنّ الشخوص ما زالوا أحياء يتحرّكون بلحم ودم، ويتقدمون الى المسرح بكامل دوافعهم وارتباطاتهم ومستوياتهم.

وقد أصبحنا أمام فسيفساء اجتماعية ساخرة، فيها دين وسياسة واقتصاد، جنون وتعقّل وثرثرة، إبداع وابتذال، فهذه البلدة الصغيرة والمسافة بين حيّ القلعة والساحة وسوق القصابين اختزال لكلّ إنسان، ولكلّ بقعة من الكرة الأرضية.

وتدخل هندومة وسط الضجيج الاجتماعي خاطفة الأنظار بفضولها، وعباراتها اللاذعة، وفضحها لأسرار من يسخر منها، أو يطارحها المزاح الثقيل، فلا تغيب صورتها عن الدكاكين والمقاهي والمجالس على تنوع أهلها من لاعبي قمار أو أصحاب فكر وكياسة. وغدت مع الأيّام مالئة دنيا طبرنا وشاغلة ناسها، كأسماء شهيرات النساء في التاريخ: كليوباتره، زنوبيا، شجرة الدر... وأصبحت مقولاتها تنبّؤات على مسحة من جنون، مع قربها الشديد من استشراف المستقبل أي مجيء اليهود

وفي الجزأين الأخيرين ينضمّ أحمد الوأواء، مجنون آخر، الى هندومة، فيناجيان معا النجوم في ظلمات الأحياء المقفرة، وقرب الآبار المهجورة.

غياب الحلم

وتسري عدوى الجنون الى كلّ العقول المتعطشة للأخبار تتلقّفها من الإذاعات العربية متتبعة تطورات الصراع مع العدو الصهيوني، وقد أراد صيداوي أن يسترجع مشهدين: الأول عدوان السويس سنة 56 والثاني عدوان حزيران سنة67، والنكسة المرة التي نزلت بالأمة العربية، وأفقدت أهل طبرنا عامة وخاصة توازنهم النفسي والعقلي، لهول الكارثة.

لم تعد طبرنا كما كانت، تغير كلّ شيء في نظر هندومة حتى سكان المخيم باتوا غرباء في نظرها، لا أحد يمازحها، أو يستفزّها أو يرحّب بها.

وعندما تقترب الرواية من خطّ النهاية تهرول هندومة تجاه المحافر، مستعجلة لقاء الموتى الذين سبقوها، وقد ضاقت أنفاسها وتعثّرت خطاها، وأحسّت أنّ فساتينها وأسمالها عبء على وظائف أطرافها، الى أن وقعت أرضا تاركة هذا العالم.

وبغياب هندومة، يغيب حلم جدّها بالعودة الى فلسطين، في حين يراود سكّان المخيم شعور بالارتياح.

هكذا يسدل الستار على أحداث الرواية بالاقتران الجنوني بين رحيل هندومة عن ساحة طربنا، وتلاشي الأهداف العزيزة ومنها: عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، في إشارة الى أنّ الزّمن العربيّ، واللّحظة التاريخية مفرطة في الحمق الى درجة الجنون السّياسي

د. حسن محمد

قديم 05-22-2012, 08:02 PM
المشاركة 650
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
حوار في "الثقافي للبنان الجنوبي" ـ النبطية
حول ديوان "عرف الولاء" للشيخ صادق

المستقبل - الاثنين 10 نيسان 2006 - العدد 2235 - شؤون لبنانية - صفحة
النبطية ـ "المستقبل"
غصّ المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، في فرعه، في النبطية، بالمتحاورين حول ديوان "عرف الولاء" للعلامة الشاعر الشيخ عبد الحسين صادق.
وتعاقب على الكلام، كل من الشاعر شوقي بزيع والناقد ميشال جحا والأديب الروائي جواد صيداوي والشاعر مصطفى سبيتي، بدعوة من المجلس الثقافي وبلدية النبطية، في إطار فاعليات النبطية 2006 "مدينة علم وعراقة" وفي حضور أمين عام المجلس حبيب صادق والنائب السابق رفيق شاهين ورئيس بلدية النبطية الدكتور مصطفى بدر الدين وحشد من الوجوه الأكاديمية والثقافية والاجتماعية ومن أبناء مدينة النبطية والجوار.
تقديم من الدكتور علي سلوم الذي أشار الى نشأة الشيخ عبد الحسين صادق وتميزه "بسعة صدره، وحيويته، وقوة حجته، وسطوة برهانه".
ثم تحدث بزيع فقال: "إن تجربة الشيخ في عرف الولاء، تؤكد أن عظمة الشعر لا تتأتى من الأفكار والموضوعات التي يقاربها، بل من التناول الفني لهذه الموضوعات ومن قدرة الشاعر على إضرام النار تحت ما يبدو أقرب الى الرماد الخالص؛ لذلك فإن الشيخ بتصديه لموضوعات دينية تمّ استهلاكها من قَبل عبر مئات الكتابات والقصائد السابقة، يضع نفسه أمام محنة قاسية هي محنة التميز والاختلاف والمغايرة".
وقال: "ثمة من يتحدث عن عبقرية التاريخ وعبقرية الجغرافيا، أو بمعنى آخر عبقرية الزمان والمكان. وليس الشيخ عبد الحسين صادق وآخرون سواه سوى الثمرة الفعلية لتقاطع هاتين العبقريتين، كأن السيف الذي سمّي بذي الفقار هو الذي يشج منذ صفّين وكربلاء هامة الزمن الشيعي ليترعها بالحزن والشجن والتهيؤات، وهو نفسه الذي يشج عند منحدر قلعة الشقيف هامة المكان لتنبجس من ذلك الثلم الجغرافي المبقّع بالبسالة والدم المراق أكثر الشاعريات رهافة وبهاء في فضاء العروبة الشاسع".
وقدم صيداوي "تحية" فيها: "عرفت الشيخ وكنت حدثاً. ومن حسن حظي أنني كنت من أوائل المحظوظين الذين حصلوا على ما نشر من شعر الشيخ في مستهل خمسينيات القرن الماضي بواسطة أبنه المرحوم الشيخ حسن صادق، وبدأنا نطلع على لون من ألوان الشعر الشديد الروعة. لم نستوعب ما كان يقوله لأننا لم نكن نملك الأهلية الشعرية التي ملكها الشاعر شوقي بزيع منذ طفولته، فكان للمرحوم الشيخ محمد قديح دور بارز في توصيل شعر الشيخ عبد الحسين صادق الى جيلنا. صحيح أن هناك غزلاً عرفانياً لكنه غزل بكل معنى الكلمة".
وتحت عنوان "بوصلة الشعر تتجه جنوباً" قال الباحث جحا: "واضح من عناوين الديوان أن القصائد تدور حول فنين من فنون الشعر، هما المديح، لكنه المديح للنبي والأئمة، والرثاء، وهو كذلك رثاء لشهداء كربلاء. والشاعر العلامة الشيخ عبد الحسين صادق، لا يدّعي أنه شاعر مجدد أو أنه أمير الشعراء، هو صادق في ما ينظمه من شعر يدور جله في المعاني الإسلامية، وهو شاعر تقليدي يعبر عن آراء رجل وهب حياته لأمور الدين وتخلى عن أمور الدنيا أو زهد بها..".
ولفت سبيتي الى أن "الشيخ عبد الحسين صادق حلّق بقادمتي قافيته، عابراً مضائق كثيرة في فضائه الشعري، ليس أحرجها: أولاً: النص القرآني الهازئ بالشعراء الهائمين في كل واد، ما ألزم صادق بصياغة القصيدة العرفانية التقية المحاذرة إغضاب ربها، الطامحة الى رضاه. ثانياً: السمعة السيئة التي راكمها الشعر خلال قرون من النظم المادح الهاجي المفاخر، فاختار شاعرنا وقف شعره على من يعتبرهم نخبة زمانهم وكل زمان... ثالثاً: الموقع الاجتماعي المتقدم لرجل الدين، وتمثله نموذجاً يحتذى وقدوة لأتباعه ومقلديه وهذا ما يلزمه حذراً مفرطاً في اختيار مفرداته تجنباً لمبتذلها ولمخالف الآداب والأخلاقيات اللفظية، هذا إضافة الى منهج الشيخ في استبعاد الألفاظ القاموسية والخشنة على المسامع. فاقتصر شعره على الكلم السلس والمنزه تنزيه موضوعاته، ما أضأل باقة العناوين الشعرية وقلص مساحة قاموسه اللغوي وأضاف أعباء شديدة على عاتق القصيدة.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 40 ( الأعضاء 0 والزوار 40)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 01:48 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.