قديم 05-20-2012, 10:22 PM
المشاركة 631
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بنسالم حميش يروي" معذبتي"
صلاح فضل بيان اليوم : 16 - 05 - 2010


بذاكرة فكرية، وإيقاع لغوي كلاسيكي يقدم أستاذ الفلسفة ووزير ثقافة المغرب بنسالم حميش مغامرته الروائية الجديدة، في نقد عولمة السياسي في السجون الأمريكية العابرة للقارات. يروي بضمير المتكلم أحداثا معاصرة.
بعد أن أشبعنا بتجاربه التاريخية منذ مجنون الحكم(1990) والعلامة(1997) إلى هذا الأندلسي(2007) فيقبض على حجرة السياسة الدولية ليتأملها، في لون من التجربة الفكرية المتخيلة، وهي تمسك بشخص مغربي بريء، لتجبره على الاعتراف بما لا يعرفه، أو الانخراط في سلك عملائها المجندين. وتذيقه من مشاهد الجحيم الأرضي ما يهتك دعاواها في رعاية حقوق الإنسان، ويدفعه إلى المبالغة في التمسك بدينه واستنفار طاقاته الروحية في المقاومة والتماسك، بما يؤدي إلى عكس ما تستهدفه من اقتلاع جذوره وترويضه.
ولأن الكاتب مثقف محنك، برع في تشكيل نماذجه الروائية بمنطق التصوير الدرامي واستثمر حسه السينمائي فهو يدير روايته الجديدة "معذبتي"- وقد نشرها في دار الشروق القاهرية- على محور الاعترافات الحميمة،حيث يستهلها الراوي السجين برسالة كاشفة دستها في يده مواطنته "نعيمة" بعدما أشفقت عليه فكتبت له:"عزيزي حمودة: إذا شق عليك أن تصير خديم أعتاب الطغاة وخططهم الجهنمية، عميلا مزدوجا، قاتلا أجيرا، فعليك بمراودة حل قد ينجيك لو أتقنته: أن تتحامق وتتمارض.. دوّخ مستنطقيك بأعتى كلام الحمقى والمجانين، هدد معذبيك بمالك وعدوى مرضك، لعل وعسى أن ييأسوا منك فيعيدوك إلى موطنك أو قريبا منه، مخذراً بأفيون، تصحو منه وأنت مراقب بدمليج كهربائي، ومستهدف برصاصة في الرأس، تصيبك ولا تخطئ ، إذا مارويت قصتك أو رفعت في شأنها شكاية ".
في هذه السطور الأولى من الرواية يجازف الكاتب بكشف سر الموقف في ذروته السردية، بما يجعل بسيطاً لما يسبق احترام المصيدة، أو تطبيقا عمليا لما يرد فيها من إشارات جامعة، بلغة مفرقة وإيجازها البليغ ومائها العتيق.
عنف المتخيل:
يمتلك حميش حافظة شعرية مستوعبة، ربما كان اختيار عنوان الرواية بضغطها وصيغة "معذبتي" تذكرنا بمعلّلتي في قول أبي فراس" معللتي بالوصل والموت دونه" ومع أن التعذيب قد ينصب عند إسناده للمؤنث إلى مراجع العشق فإن المفارقة هنا تكمن في قصد معناه الحرفي، وهي التجربة التي يتمثلها الكاتب بعنفوان متخيله، تقع لمواطن مغربي طيب، يحمل قهراً بعد تخديره وعصب عينيه إلى مكان مجهول، ويخضع لسلسلة من الاستجوابات الشنيعة، بعد أن يمر في البداية على ما يسميه المؤلف " لقاط الأكاذيب" أي جهاز كشف الكذب، فيضطرب عند سؤاله عن انتمائه إلى خلية جهادية نائمة أو عاملة: "سكت معرضا متمنعا، لكني اضطررت إلى تلفيق جواب بعدما شعرت بموس حادة تلامس قفاي، مضاده أني عاشرت فيما مضى فرقة صوفية لمدة محدودة سألني عن اسمها، قلت: فرقة اليقظين، وعن شيخها ومقربيه، أجبت بعد تلكؤ نسيت، فاسودّت الشاشة فجأة كأنها عطبت" لاختبارات في إشارة إلى احتمال كذبه، واسودّ بعدها مصيره في السجن؛ حيث أخذ يتعرض لاختبارات شديدة القوة، بدأت بإلقاء رفاق ورفيقات، جرحى ومشوهين من التنكيل بهم في فراشه حتى يرى بعينيه ما ينتظره مثلهم، وأخذت تتصاعد وثيرة التعذيب النفسي والجسدي بأشكال عديدة حتى انتهت إلى تسليمه لما أسموها " ماما غولة " وأعوانها، فيرد الراوي: "علقوني من رجل واحدة إلى حبل متدل من السقف مثل كبش معدِّ للسلخ، اقتربت الغولة منى، سيجارة بين شفتيها، أخذت تكوى بتبغها المتقد أخمص قدمي فرد في وظهري وإبطي، بالرغم من صبري الأيوبي ندّت عنى صرخات مخنوقة، ثم أقدمت الغولة على تفريق فخذيّ واسعا، وحشت رأس قنينة في سوّتي بعنف جعلني أملأ المكان بصرخات الألم، فاهتبلتها معذبتي فرصة لتضييق الخناق عليّ بأسئلتها عن انخراطي في الخلايا الجهادية" وتتخلل صورة العذاب فترات من الرفق الذي يمهد لتراجعه وخضوعه لإغراء العمالة، فتقوم بينه وبين المحقق الذي ينتمي إلى بلد عربي حوارات طريفة، تتعرض للأوضاع العربية في علاقتها بالسياسات الأمريكية، منها مثلا ما يقوله المحقق" كلما ناوشت مساعدتي المغربية بالقول: مصر أم الدنيا ردت عليَّ تواً: والمغرب أبوها، لكنني اليوم مصري بالعرض، عربي قومي بالجوهر، مصر كانت أن الدنيا أيام زمان، لكن اليوم يا خسارة، الأرض للي تطلّع جماعات التكفير والهجرة وإخوان كذا وهي دولة على قدها كيف تكون أم الدنيا ؟ البلد الذي عجز عن أن يكون في التنمية الشاملة القاطرة، وفي الديمقراطية المثال والقدوة، نقول عنه أم الدنيا؟ أحسن لي أسكت" ومع هذا الاستطراد النقدي الصائب فإن ذاكرة الراوي عندما تستنجد بقطعة شعرية عن عذاب المعتقلات لا تجد سوى قصيدة لأحمد فؤاد نجم عن سجن القلعة يقول فيها: "في المعتقل سلام سلّم / موت وأ تألم / لكن لمين راح تتظلّم/ والكل كلاب/ كلاب حراسة/ وكلاب صيد/ واقفين بالقيد/ يكتفوا عنتر وأبوزيد " والسجانون في هذه المعتقلات الرهيبة أشد خسة من الكلاب، فالغولة تنتهك عرض سجينها" الوجدي حمودة" وتذيقه ومئات مثله سوء العذاب حتى يعيد إلى الحيلة التي نصحته بها مواطنته نعيمة عندما زودته بأنبوب من الدم كي يضعه في فمه ويوهم المحقق بأنه يبصق دما من مرض السلّ الذي تغلغل في صدره فيخشى من العدوى ويكف عن استدعائه، ومع ذلك يطلقون عليه الرصاص الزائف لكسر إرادته وترويضه وإذاقته رعب الموت وهو حيّ،ولا يصبح في وسعه حينئذ إلا أن يعتصم بمذخوره الديني في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ويكون مغزى ذلك الدلالة على فشل المشروع القوي للسجن والتعذيب، ويصبح مصرع الغولة على يد مساعدها العملاق الأسود في نوبة هستيرية جزاءها العادل ويفرج عن السجين ويعود للاعتزال في قريته المغربية ليسير في " ثبات ونبات" على طريقة الأفلام المصرية أيضا.
عن الأهرام المصرية

قديم 05-20-2012, 10:25 PM
المشاركة 632
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
فلسفة الوجود والجدوى

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
لمسلم رشيد
الحوار المتمدن - العدد: 1754 - 2006 / 12 / 4 - 10:56

فلسفة الوجود والجدوى نقد ثقافة الحجر وبداوة الفكر
قراءة في كتاب بنسالم حميش

بهذه القولة لفيلسوف الوجودية سارتر، استهل المفكر المغربي بنسالم حميش مقدمة مؤلفه فلسفة الوجود والجدوى، نقد ثقافة الحجر وبداوة الفكر في مقدمة خصصت لمساءلة إشكالية الثقافة والمثقفين في ظل تعدد وفرة الخطابات في العالم العربي والمغرب على الخصوص• فالواقع يستفز كل ذات متأملة ومفكرة• أزمة المشهد الثقافي، تراجع الانتاج، وفرة الخطابات الفارغة••• كلها معطيات جعلت من المؤلف يقف وقفة تأمل ونقد• مستبعدا بذلك أية معالجة أكاديمية صرفة وكل موقف إرتيابي عدمي بخلاف المعالجة - التقديم - المؤسسة لمشروع ثقافي تنويري يسعى الى كشف حساب ثقافة لا من باب التراكم الكمي، بل بمقياس النمو النوعي، الذي من أهم أمارته الاشعاع والصحة وبالتالي القدرة على المنافسة والتأثير، أي على الفعل الثقافي ذي الجدارة والجدوى• فالفيلسوف المغربي بنسالم حميش يسائل المثقف والمشهد الثقافي مبرزا أحقيتنا في النقد والمجال، ملحا في تساؤله عن حالة إصابة حق راسخ مشروع، حقنا جميعا في النقد وحرية القول والتعبير، وحرية النقض وإعلان المغايرة والاختلاف، في زمن اللامعنى وسيادة اللغة الخشبية والواجهة• ذلك أننا كما يقول المؤلف غدونا منذ أكثر من عقدين في جو ملؤه التراخي والفتور، لانحسن فيه إلا سلوك الاحجام عن بعضنا بعضا او، عند الحاجة والاقتضاء، المداهنة والمواربة والتوزيع للأوسمة والتهاني• وفي كلتا الحالتين يظهر المثقف - المنتج مستقرا في فرح بنفسه مستقبلا السكوت عنه عنوانا للرضى عنه• والتفريط في حقه دليلا على قيمته الذاتية وتفوقه اللامرئي••• عوالم الحضور والغياب تتجلى بين فصول هذا الكتاب في عدة مقالات تسائل الفكر والواقع وتجعل من فلسفة الوجود حضورا متميزا لاستشكال قضايا وراهنية الانسان المعاصر مع محيطه المحلي والدولي• فصاحب المؤلف يبحر بنا في عوالم قد تظهر للبعض بمثابة أحداث جزئية ولا جدوى من طرحها•• إلا أن الزمن التاريخي يستحضر إمكانياته العلمية والتاريخية لإعادة النبش والحفر الأركيولوجي في المعرفة وما يرتبط بها من تساؤلات• فالفيسلوف ينزل من برجه العاجي لملامسة الانسان والتفكير به ومعه في انشغالاته مستحضرين عالم العلم والمعرفة وتطور التقنية• فسؤال المثقف يلازم كل العصور• فالفصل الاول من الكتاب خصص لإشكالية الهيجمونيا بين السياسة والثقافة استهله بتقديم عن مسألة الغزو والتبعية، فقد أظهرت الدراسات في الستينات والسبعينات ان عقدة التخلف الحقيقية لاتكمن - كما توهم روستوف وغيره - في فقر المداخيل وبالتالي في ضعف التوفير والاستثمار، بل في التبعية اللامنتجة للسوق الرأسمالية العالمية• أي انبناء اقتصاديات البلدان المتخلفة على سياسة التصدير والصناعات التعويضية• اما منطق القوة فيستحضر الكاتب إدوارد سعيد إذ يعيد في كتابه المميز الامبريالية والثقافة، قراءة اعمال كل من اميكار كابرال وسي• جيمس• ووالتر رودني وبالاخص معذبو الأرض لفرانز فانون فيعترف مسجلا• إن كنت قد أسهبت في ذكر قانون، فلأنه كما أعتقد يعبر مأساويا وقطعيا أكثر من غيره عن التحول الثقافي الهائل من حقل الاستقلال الوطني الى المجال النظري للتحرر• ليستخلص من خلال طرح لأمثلة ومؤلفات ناقشت نظريا ومعرفيا إشكالية القوة، إن الغرب لايريد أن نشبهه، بل يريد فقط ان نطيعه• كما يذكر بذلك أمين معلوف، في الهويات القاتلة• اما الفصل الثاني فخصص لطرح نموذجين للتدليل على ماسبق، بحيث تناول المؤلف، الفرنكفونية••• والفرنسية باستحضار الفكرة تاريخيا وسياسيا، والفرنكفونية في بعدها الصراعي• ومفارقات الفرنكفونية إذ كان ما ليس واضحا، كما يقول ريفارول، ليس فرنسيا فإن الفرنكفونية تسيء من حيث لاتعلم الى الفرنسية ذاتها، وذلك لآنها هي والوضوح أو الشفافية على طرفي نقيض• كسر قاعدة الشك المنهجي، كسر قاعدة التساوي في حيازة العقل والنور الطبيعي، كسر قاعدة التحليل والتركيب ، بالاضافة الى استحضار ماسماه المؤلف عن مأساة أدبنا الفرنسي أي ظاهرة الادب المغاربي المكتوب بالفرنسية• فهل نحن أمام قولة شيترون أن يغير كاتب لغته معناه• ان يكتب رسالة حب مستعينا بالقاموس فالادب المغربي المكتوب بالفرنسية: أدب فرنسي بأقلام مغاربة، كما يقول عبد الله العروي فإشكالية الانتاجات باللغة الفرنسية جعلت من صاحبنا أن يستحضر بالتأمل والنقد مجموعة من الاقلام ساهمت بفكرها ونظرها في لغة الآخر• كمالك حداد، العروي، جاك سيرك• كاتب ياسين - ادريس الشرايبي• أسية جبار الخطيبي، منهم من انتقد المعطيات والمضامين سواء ضمنيا او ساهم في تلميع أدب وفكر الآخر• فلسفة الوجود والجدوى تميزت بأكثر وضوح في العقل الثالث من الكتاب، المعنون، عن عقيدة القوة والزعامة في الفكر الامريكي / ضوكوياما وهنتنعنتون كمثالين لسيطرة القوة بكل أشكالها• خصص المحور الاول من الفصل، فوكويما من بوش الى هيغل، خدمة للمتغلب، فيمكن اعتبار كتاب نهاية التاريخ والانسان الخاتم لفرانسيس فوكوياما، مستشار الدولة الامريكي الاسبق• الوليد الشرعي للقراءة الامريكية لحدثين جسيمين في أواخر القرن الماضي، تصدع الاتحاد السوفياتي، وانهيار جدار برلين من جهة• وحرب الخليج الثانية من جهة أخرى• فالكتاب محاولة - حسب رأي بنسالم حميش - شبه فلسفية لتأصيل تلك القراءة نظريا وتمنيع المنتصر في تينك الحدثين حاضرا ومستقبلا ، وذلك على هدي الرئيس الأمريكي المعاصر لها جورج بوش الذي دعا على إثرها منتشيا إلى إقامة نظام عالمي جديد بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، فحول الحدث الثاني لايتهاون المؤلف في تضمين كلامه عنه بكرهه الشديد لصدام حسين، ضريع هتلر وستالين عنده وكذلك للعالم الاسلامي، النافر طبعيا من النظام الديمقراطي الليبرالي• كما يذكر بذلك فرانسيس فوكوياما في مؤلفه نهاية التاريخ والانسان الخاتم، ليقف مؤلفا نظرة تأمل نقدية ففي زحمة تسخيره المتعسف الشاذ لفكر الفيلسوف الالماني هيغل، نراه يأتي بتبرير نظري بعدي لحرب الخليج الثانية ضد العراق، فيسجل بالحرف: إن الديمقراطية الليبرالية التي يخوض كل جيل حربا قصيرة حاسمة للدفاع عن حريتها واستقلالها ستكون اوفر ورضى من الديمقراطية التي لاتعرف غير السلام الدائم• اما الحدث الاول الذي يرى فيه فوكوياما هزيمة الماركسية - اللينينية، فإن سببه كما ينقله عن سابقيه، يرجع الى كون تلك الايديولوجية عجزت عن رفع تحديات الاقتصاد ما بعد الصناعي القائم على الخوصصة وحرية المبادرة والفكر والاتصال والبحث العلمي• ويزيد على ذلك سببا آخر يحسبه من بنات أفكاره، هو الماثل عنده في تفوق هيغل على ماركس من حيث إن صاحب المثالية المطلقة ذهب الى القول ان المحرك الرئيسي لتاريخ البشر ليس هو العلوم الطبيعية الحديثة او النمو المطردي في الرغبات الذي يدفع بهذه العلوم الى الامام - كما عند ماركس - وإنما هو حافز غير اقتصادي بالمرة• فهذا التأويل معيب في نظر المؤلف، ذلك أنه مطبوع بالابتسار وسوء الطوية، إذ انه يتعامل مع ماركس بكثير من القبليات والاحكام المسبقة، كما أنه غير دقيق معرفيا ونصيا، وعلى صعيد تاريخ الافكار والمقولات، إنه تسخير هيغل حتى التعنيف في نظر مفكرنا• فالمثالية لاتلقننا كما يقول لينين إلا أحسن طريقة لنصاب بصداع في الرأس•


قديم 05-20-2012, 10:56 PM
المشاركة 633
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الروائي المغربي ووزير الثقافة بنسالم حميش يتحدث عن الرواية :

* إن لم أتفاعل إلى حد قوي وصادم مع شخصية أو فترة تاريخية لا أمسك القلم .
* ما أريده دائما وما أتوسله هو محاولة كتابة تاريخ المبعدين وتدوين تاريخ المهزومين .
* كنت أثناء كتابة " مجنون الحكم " أشعر بأن الذي يقودني عبر هذه الأفعال الغريبة هو الحاكم بأمر الله نفسه !
* كما أفادتني قراءة التاريخ في العثور على شخصياتي الروائية أفادني النقد في النبش عن جذور تلك الشخصيات .
* ظل هدفي من الإبداع هو أن أحول التاريخ إلى مسالك إبداعية تحمل أسئلة لا تنتهي .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

حوار : سمير الفيل.

الدكتور بنسالم حميش روائي مغربي معروف كان يعمل لفترة طويلة أستاذا جامعيا في شعبة الفلسفة بكلية الآداب ، وله تخصص في مجال التاريخ صدرت له عدة روايات نذكر منها: " مجنون الحكم " 1990 ، " محن الفتى زين شامة " 1993، " سماسرة السراب " 1995، " العلامة " 1997، " بروطا بوراس يا ناس" 1998، وروايات أخرى .
يكتب سالم بنحميش ـ أيضا ـ في مجال الدراسات التي لها علاقة بالعلوم الإنسانية ، وكذلك في التاريخ وقد اختير مؤخرا وزيرا للثقافة بالمغرب.
حصل الكاتب هذا العام 2009 على جائزة نجيب محفوظ التي يمنحها اتحاد كتاب مصر سنويا لكاتب عربي عن مجمل أعماله كما سبق أن فاز بجائزة الجامعة الأمريكية بالقاهرة سنة 2002 عن رواية "العلامة". كما حصل سنة 1990 على جائزة مجلة "الناقد" التي كانت تصدر من لندن، عن روايته "مجنون الحكم" التي ترجمت إلى عدة لغات أجنبية، وكذا على جائزة " الأطلس " للترجمة سنة 2000 .
ألتقيناه وكان لنا هذا اللقاء معه.
* المولد وبطاقة تعريف شخصية ؟
** كان مولدي في ازداد بمدينة مكناس بتاريخ 13 يوليوسنة 1948. تابعت دراستي العليا بالرباط ثم التحق بالمدرسة التطبيقية العليا ، وبالسوربون بباريس. حصلت على الإجازة في الفلسفة وعلى الإجازة في علم الاجتماع سنة 1970، ثم على دكتوراه السلك الثالث سنة 1974، وعلى دكتوراه الدولة سنة 1983. اشتغلت أستاذا مساعدا بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط ثم عملت فترة طويلة أستاذا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية (شعبة الفلسفة ) بالمدينة نفسها، وقد انضممت لاتحاد كتاب المغرب سنة 1968.
* هل نعيش بالفعل عصر الرواية ؟ كروائي كيف تشكل مادتك الخام ومن أي البدايات تنطلق خاصة وأنك تلجأ للتاريخ في أحيان كثيرة لمساءلة الواقع ؟
** بحسب ما يشغلني ، فكل كتب ما يسمى بنوع من التجاوز " الرواية التاريخية" استعمل التاريخ كذريعة ، وربما كمدخل لقول أشياء والتعبير عن حالات ربما هي أكثر قربا من حاضرنا أكثر منها استعادة للماضي.
فهناك طريقة تقليدية لكتابة الرواية التاريخية كما وجدت عند جورجي زيدان ، واندريه مروة ، وعلي أحمد باكثير . هذه الطريقة تعتبر المواضيع قائمة وجاهزة في قوارير ، ثم يأخذ الكاتب شخصية ما ، وينسج نصا حول حياتها وعلاقاتها . ليست على كل حال هذه طريقتي في الكتابة ، فإن لم أتفاعل إلى حد قوي وصادم مع شخصية او فترة تاريخية لا امسك القلم ، ولا اهتم بتسويد صفحات لا تقدم جديدا . فالكتابة الروائية تقدم لنا مادة معرفية وحفرا في طبقات التاريخ.
* ما هدفك إذن من معالجة المادة التاريخية عبر تقنية السرد ؟
** ما أريده دائما وما أتوسله وأعتبره جديدا في هذا الجنس الأدبي هو محاولة كتابة تاريخ المبعدين وتدوين تاريخ المهزومين ، هؤلاء الذين لم يلتفت إليهم المؤرخون ، أو إذا التفتوا إليهم ، وضعوهم في هوامش وخانات صغيرة . كما أسعى كذلك إلى إعطاء الكلمة لهؤلاء " الحرافيش" ليحتلوا وسط الدائرة ، لنلقي الضوء عليهم بنفس الدرجة التي يقع عليها ضوء الخليفة أو الوزير أوالقاضي ، أو قائد الجيش .
هذه هي طريقتي لإعادة الشرائح المجتمعية الأدنى درجة كي يحتلوا وسط المسرح ، وهو ما تميزت به رواياتي.
بهذا المنهج أعمل فيما يخص تجربتي كلها ، لكن ثمة روايات أخرى ليس لها علاقة بالتاريخ ، اللهم إلا التاريخ الحاضر. رواياتي توظف المخزون التاريخي ولامناص لها من الارتباط القوي الخصب بالتاريخ وبالتراث . بهذه الصيرورة من القيم المضافة تتكون نصوصي التي تحمل عنوان إنسانيتنا وآيات ابداعنا.
* أنت بذلك تهتم بالتاريخ أكثر من اهتمامك بالحاضر؟
** أبدا ، فرواية مثل " محن الفتى زين الدين شامة " من إحدى سماتها الأساسية تلك المصيبة الكبرى التي يصاب بها متخرج من إحدى الجامعات وحامل لشهادتها ، فيجد السوق مقفلا أمامه ، وبالتالي فإن المجتمع يحرمه من حقوقه الأولى كالزواج وبناء الأسرة ، والتمتع بنعم الحياة.
في " سماسرة السراب" عالجت قضية الهجرة السرية إلى بلدان الشمال الأوربي لأن هناك حيثيات في الرواية تجعل من تلك الهجرة مجرد هجرة مأساوية ساخرة ؛ لأن من كان يسهر عليها هم أولئك الذين كانوا يتاجرون في المهاجرين عبر القوارب التي سميت عن حق " قوارب الموت " .
إذن النزعة التاريخية لم تمنعني من معالجة قضايا عصرية ، فأنا انطلق في الكتابة الروائية من تراكماتها ، بالمعنى القيمي والكيفي للتراكم ، كما أنني أهتم بواقعها الحاضر ، إن كان هذا الواقع يغني التركة ، ويطورها بعيدا عن الضوضاء ومزايدات التجريد ومتاهات التعتيم ، مما يجيب عن سؤالك الأول حول عصر الرواية . إنه كذلك بالفعل.
* وماذا عن رواية " العلامة " أهي رواية تاريخية أقرب للتوثيقية ؟
** تتعلق العلامة " بشخصية عبدالرحمن بن خلدون ، ويمكن القول ـ إلى حد ما ـ أنها تندرج في جنس ما يسمى بالرواية التاريخية . لكن ما أردت فعله في هذه الرواية أن أقف عند لحظات بارزة ولحظات مأساوية من منحنى حياته . وتناولت زمن وجوده بالقاهرة عندما كان يتولى القضاء ، وجعلته معالجتي للحياة انطلاقا من واقعة غرق أسرته بالقرب من الأسكندرية فأصبح وحيدا ، فقال قولته المشهورة " الآن وقد استأثر البحر بأسرتي فقد غلب الزهد" .
* ما الدور الذي تلعبه اللغة في أعمالك ؟
** لابد أن يحدث نوع من التلاقي بين الموضوع الذي له نكهته ورائحته ، وبين اللغة. الأساس عندي ألا تكون اللغة منفرة أو لغة معتقة . لابد أن تكون اللغة ناصعة ، مقتصدة في معظمها ، لا تلجأ إلى التقعر أو الإسراف في استعمال غريب مفردات النحو، وهذه عناصر حاكمة في كل أعمالي .
* هل تسعى لن تحدث متعة فنية للمتلقي أثناء إنتاج رواياتك؟
** أول شيء يسعى إليه الكاتب هو المتعة ، واللذة التي يشعر بها حين يكتب ورغم أنها لذة عسيرة ، وتكون في شكل مخاض انتظارا للوضع . بدون هذه اللذة لن تكون هناك مثابرة وإلحاح على تسويد الصفحات ، وعلى بناء الشخصيات ، وإنشاء العقد . بدون الشعور باللذة لا يمكن أن تطمع في أن تنتقل " عدوى " اللذة إلى الآخرين . . إلى القراء . أول ضمان لكي تنتقل المتعة الفنية للآخرين هو أن يشعر بها كاتب النص أولا ، أشعر بالسرور أكثر عندما أتأكد أن الآخر قد تمتع إلى حد ما بالشكل الذي مررت به ، أو نال حظا من متعة الحكي والسرد.
* هل حدث أن تمردت عليك إحدى شخصياتك الروائية وارتأت غير ما ارتأيت ككاتب؟
** نعم ، هذا ما حدث لي فعلا مع شخصية الحاكم بأمر الله في رواية " مجنون الحكم " لأن الرجل كان ثريا في انفعالاته ، وأعتقد أن كتاب المسرح لو انتبهوا إليه لكان موضوعا لأعمالهم المسرحية ، فالشحنة الدرامية داخل شخصية الرجل تذكرنا ببعض رجال الأمبراطورية الرومانية مثل" نيرون " الذي أحرق روما ، ومثل " كاليجولا" المجنون الذي عين حصانه قنصلا.
فالرجل له أفعال غريبة ، ويشترك مع " نيرون " في إصابته بالمناخوليا ، وكما حرق نيرون روما ، فقد احرق الحاكم بأمر الله مدينة " الفسطاط" . ليس بالضرورة لكي ينزل العقاب بالناس بل ليتمتع برؤية النيران وهي تلتهم البيوت. أليست تلك رؤية مأساوية تفوق الواقع؟!
* ما ذكرياتك الأخرى حول كتابة هذا النص ، والذي قرأناه فور فوزه بجائزة مجلة " الناقد" ؟
** كنت في بعض مناطق الكتابة أشعر بأنه الذي يقودني عبر هذه الأفعال الغريبة . لقد شعرت أن خيالي مهما وصل إلى درجة عالية من القوة يبقى دون ما أنجزه هذا الطاغية الذي حكم مصر المحروسة ربع قرن من الزمان.
في بعض منعطفات الرواية يشعر الروائي بأن عليه أن يبذل جهدا ، وأن يطور أدواته ليكون على نفس مستوى الموقف . هكذا رأيت نفسي وأنا أتعامل مع شخصية الحاكم بالله " أبو علي المنصور " .
* ماذا عن دور النقد في مسيرتك الأدبية . هل استطاع الوصول إلى أغوار نصوصك الروائية؟
** أعتقد أن النقاد قد اهتموا كثيرا بإنتاجي الروائي ، وساهموا في بالفعل في إضاءة نصوصي ، خاصة عبر مجلة هامة هي " الناقد" التي أشرت إليها في سؤال لك، وهي التي قدمتني بالفعل لجمهور واسع من قراء العربية.
وما يقال عن وجود أزمة نقدية هو أمر مختلف تماما ؛ فقد وجدت نقدا فاهما لنصوصي ، وكما أفادتني قراءة التاريخ في العثور على شخصياتي الروائية أفادني النقد في النبش عن جذور تلك الشخصيات بصورة لم أتوقعها وعلى العموم فإن كان هدفي هو أن أحول التاريخ إلى مسالك إبداعية تحمل أسئلة لا تنتهي فإن الوجود الحي والحضور لا يتأتى إلا بنبذ التقليد الأعمى والإتباع.
قياسا على ذلك فإن المشاريع النقدية الأصيلة هي التي تتألق بإشراقات تعبر الأزمنة والأمكنة لتقدم آفاقا للممكن والمحتمل!

قديم 05-20-2012, 11:18 PM
المشاركة 634
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
للاسف لم اعثر على تفاصيل عن طفولته المبكرة وعناصر التأثير في صناعة عبقريته.

مجهول الطفولة.

قديم 05-21-2012, 02:05 PM
المشاركة 635
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
84- الخماسية إسماعيل فهد إسماعيل الكويت
يبدو ان الخماسية اصبحت مع الزمن سباعية لانه لا يوجد تعليق على الشبكة العنكبوتية حول الخماسية ولكن هناك الكثير يقال حول السباعية:
=

الخطاب الروائي في إحداثيات زمن العزلة .








د. مرسل فالح العجمـي


قراءة نقدية في رواية معاصرة ، هي رواية إحداثيات زمنالعزلة للكاتب الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل ، أنضج عمل روائي يتعرض لكارثة الاحتلالالعراقي للكويت ، ومرد ذا النضج يعود إلى تمكن المؤلف من وسائل الكتابة الروائية منجهة ، وإلى معايشة موضوع روايته من جهة أخرى . لقد جاءت هذه الرواية من سبعة أجزاء، مما جعلها أطول رواية كتبت بالعربية ، وفي صياغة تعتمد على التسجيل الذي يتداخلفيه التاريخ العام بالتجربة الذاتية .



ويركز هذا البحث على جانب الخطاب الروائي في تلك السباعية ،ومن هنا جاء الاهتمام بلعبة العنونة ، والبحث في الصوت السردي ، والحديث عنالعلاقات الزمنية في تلك الرواية المتميزة .

قديم 05-21-2012, 02:06 PM
المشاركة 636
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
جرف الخفايا .. توحش مدينة و أحلام مضمرة
مجلة الرواية
د. أبو المعاطي الرمادي -كلية الآداب ـ جامعة الملك سعود
الرواية بشكلها الفني الآن بنت المدينة , فهي نتاج المدينة البرجوازية بتناقضاتها, وحيرة إنسانها وقلقه الوجودي , فبفضل قراءتها لواقع المدينة المعقد اجتماعياً , وسياسياً , وثقافياً, وعقائدياً, الواقع الزاخر بالنماذج البشرية والمفارقات الأيديولوجية, وضعت يدها على عوالم وتجارب لا حصر لها , عوالم ساهمت في بلوغها سن الرشد الفني , وساعدت على تطورها ونضجها وتنوع أشكالها وتقنياتها .
فالفن الروائي \" ابتدع ليعبر عن المدينة , وليس الريف أو القرية , وارتبط ازدهاره بنشأة المدن الكبرى \" (1 ) ولا عجب في ذلك ؛ فالمدينة على الدوام مركز صناعة التاريخ , و \" المـركز العصبـي لحضارتنـا \" (2 )*

ولعل تربة المدينة الخصبة هي سبب اتساع مساحة المنجز السردي المتخيل وامتداده عند الكاتب الواحد من ثنائية إلي ثلاثية ورباعية , بل وخماسية , وضخامة حجم غير الممتد , مثل ثنائية ترابها زعفران, و يا بنات إسكندرية لإدور الخراط , ورباعية الإسكندرية للورانس داريل , وخماسية عبد الرحمن منيف \" مدن الملح \" , وهو ما لم نره في الروايات التي تتخذ القرية بيئة مكانية لها .
والمتابع للمنجز الروائي العربي بداية من العقد السادس من القرن الماضي حتى الآن يجد أعمالاً روائية معنونة باسم مدينة بعينها, مثل \" إسكندرية 47 \" لعبد الفتاح رزق , و \" بيروت 57 \" لغادة السمان , \" ثلاثية غرناطة \" لرضوى عاشور, وأعمالا أخرى تحمل اسماً ينحو منحى إيحالياً على فضاء مدينة , مثل \" مدينة اللذة \" لعزت قمحاوي , وأعمالاً لا تعنون باسم حقيقي لمدينة , ولا باسم يحيل إلي مدينة ما , وتحمل اسماً وهمياً لا يشير من قريب أو من بعيد للفضاء المكاني للحدث , مثل روايات إسماعيل فهد \" المستنقعات الضوئية , والحبل, والصفات الأخرى \" , ورواية حنان الشيخ \" مسك الغزال \" , ورواية يوسف المحيميد \" فخاخ الرائحة، ورواية\" جرف الخفايا \" لعبد الحفيظ الشمري .

والاهتمام بذكر اسم المدينة الحقيقي \" لا يخلو بدوره من وظيفة ودلالة، ليس فقط لكونه يحدد لنا، في غالب الأحيان، ومنذ الوهلة الأولى، الفضاء الروائي ومسرح الأحداث والوقائع، ولكن أيضاً لكونه يمنح الفضاء قيمته وموقعه الخاص به على مستوى الكتابة والتلقي، وحتى على مستوى الاستهلاك ، على اعتبار أن لعبة العنونة هنا لا تخلو، هي أيضاً من وظيفة موجهة ومؤثرة على عالم التلقي في بعده التعددي . \" ويكفي أن نستدل، في هذا الإطار، بروايتي \" الوليمة المتنقلة\" لإرنست همنغواي، و\" القاهرة الجديدة \" لنجيب محفوظ. فبالنسبة للرواية الأولى, وفي ترجمتها إلى اللغة الفرنسية، تم تغيير العنوان الأصلي للرواية بعنوان آخر لا علاقة له بالأول وهو «باريس هي حفل (
Paris est une fête، وهو إجراء ربما تعمده المترجم أو الناشر لإظهار اسم المدينة \" باريس\" في العنوان وعلى الغلاف، على اعتبار أن \" باريس\" هنا هي التي تشكل الشخصية الرئيسية في هذا النص، وبالتالي وجب إبرازها للقارئ الفرنسي في الطبعة الفرنسية، وهو ما يشي هنا بأهمية إبراز المكون الفضائي/ المديني حتى على مستوى العنوان \"(3)
وهي ميزات لا نعدمها في الروايات التي تنحو منحى إيحالياً على مدينة و يتوفر في عنوانها لفظة مدينة , مثل \" مدينة اللذة \" للقمحاوى , و \" شطح المدينة \" لجمال الغيطاني , و\" سيرة مدينة \" لعبد الرحمن منيف ؛ فلفظة مدينة علامة إشارية تساهم في تحديد أبعاد فضاء الأحداث للمتلقي قبل الخوض في عملية القراءة .
لكننا نعدمها في الروايات الحاملة عنواناً مبهماً لا يشير للفضاء المكاني , وإن كانت عناوينها ذات بعد سيميائي طارح للأسئلة المثيرة , والمساهمة في تعميق الرؤية ولذة التلقي .
لكن مع هذه الاختلافات الشكلية فإن جل الروايات المتخذة المدينة فضاء مكانياً لها تتقارب مضموناً؛ فموقف الروائيين العرب من المدينة ينحصر في الرفض والنفور والكراهية المطلقة.
****
تبدأ الرواية المكونة من ستة عشر مقطعاً مرقماً ومعنوناً بحديث الراوي غير المعلوم عن مشاجرة بين \" صقر المعنى\" و \" مبارك راعي الربابة \" بدأت لسانية بنقد \" عنيف جاءت نبرته الحوشية الغليظة من حنايا مبارك راعي الربابة \" ( 4), بدافع من حقد دفين على بدايات شهرة \" بدأت تداعب المعنى \" (5 ) بعد أن ذاع صيته مطرباً, وانتشرت أغانيه بين قاطني ورواد \"جرف الخفايا \" تلك المدينة الوهمية , ثم حمي وطيسها إلي \" اشتباك بالأيدي , وصراع بالأرجل , وعض بأماكن عدة من جسديهما \" (6 ), وهدأت بعد تدخل الأصدقاء السكارى ( العزي فرقنا , و دحام المعداوي , و ضاحي الأبرق , وخليل المهبد , وخويلد الأملس , ورويان بن يفدك , وحمد المزين , ووحيد وفريد ابنا الشيخ فادي الأبيض) رفاق وكر \"عرين السباع \" الذي أسسه الطبيب المخلوع \"العزي فرقنا \" ليلتقي فيه مع رفاقه الهاربين من جحيم المدينة إلي متاهات اللاوعي .

بعد المشاجرة يستضيف الشاعر \" دحام المداوى \" صديقه \" صقر \" ليبيت ليلته بحجرة فوق سطح فيلا أبيه \" القوي المتسلط الذي تقيم معه زوجتان شرستان \" ( 7) مؤكداً عليه \" عدم الحركة والتحلي بالصمت لأنه في هذا المكان الحقير مهدد بوجبة أخرى من الضرب والرفس والطرد \" (8) من قبل المداوي الأب وزوجتيه الشرستين.

في صباح اليوم الثاني لم يجد \" دحام \" صديقه بالغرفة \" التي تركه بها , وجد باب الغرفة مفتوحاً ولا أثر لصقر الذي ترك عوده , ومحفظته , وبعض ملابسه. لم يهتم \" فـصديقه فنان يركبه الجنون \" (9 ), اعتاد منه على الاختفاء ثم العودة لعرين السباع , لكن الغياب طال , والقلق زاد ؛ فصقر وعوده أصيل لا يفترقان , وابتعاد صقر عن عوده لا يعني إلا شيئاً واحداً، هو موت صقر .

تواصل مساءً مع أصدقائه , تجرعوا خمر \" ماء العصافير \" تحت عباءة عتمة الخفاء , لكن عوالم السكر لم تفلح في انتزاع قلقهم على \" صقر\" . اقترح \" العزي فرقنا البحث عنه , وشاركه الرأي المدرس والكاتب \" خويلد الأملس \" , لكن بقية الرجال \" وقفوا ضد فكرة البحث عنه معللين الأمر بأن صقراً درويش ألفوا غياباته المتكررة \" (10 ) , لكن طول الغياب اضطرهم للبحث .

وفي بحثهم سلكوا كل السبل , سألوا في المستشفيات , وأقسام الشرطة , وفي المقابر , واستعانوا بالدجالين , وأصبح اختفاء \" صقر \" قضية وجهت أصابع الاتهام فيها لمبارك راعي الربابة , ودحام , وأبيه المداوي , لكن لم يظهر \" صقر \" , ولم يثبت موته , فنشط الأصدقاء وجعلوا اختفاء صديقهم قضية رأي عام , طبعوا صورته وهو حامل عوده وألصقوها في كل مكان غير هيابين من فرق حراس الفضيلة , وجماعة لحيان الأجرب, وفرق مكافحة الحريات العامة , لم يهدأ لهم بال إلا بعد أن وصل الأمر للسيد / الحاكم الذي أمر بتشكيل لجنة مهمتها معرفة سر اختفاء \" صقر المعنى \".
لكن كالعادة , اللجنة تفرعت منها لجان , وانضم إليها أشخاص لا يشغلهم \" صقر \" ولا اختفائه في شيء , كل ما يشغلهم ما سيحصلون عليه من عضوية اللجان. وكانت النتيجة عدم العثور على \" صقر \" , وكأنه تبخر .
*****
في رحلة البحث عن \" صقر \" / الرمز يتكشف لنا وجه مدينة أقل ما توصف به أنها مدينة متوحشة , من خلال إدراك رفاق عرين السباع لها . فهي مدينة المتناقضات \" تقبل يد السارق في أطرافها العليا , ويحكم على سارق الخبز في أطرافها السفلى , ويطلق سراح مغتصب طفلة أمام نظر خادمتها في الطرف اللامع من أحيائها , فيما يتوعد الإمام على المحراب في جانبها الشاحب أهل الغناء بالويل والثبور \" ( 11).

تقترف فيها كل أشكال المعاصي تحت عباءة الخفاء في ليلها الطويل , يتفنن أهلها في التخفي ويفعلون كل ما يريدون . رواد عرين السباع يتجرعون الخمر, ويدخنون الحشيش , ويستمتعون بالمتعة الحرام مع \" جوجة \" و\" فاتنة \" , ويمارس بعضهم اللواط بعلم الأصدقاء دون حرج , وتطمع \" فاتنة \" في جسد \" جوحة \" الفائر بالأنوثة ولا تعترض \" جوجة \" , تمادوا في غيهم حتى أصبح \" الإثم حالة عشق أبدي \" ( 12) , ويمارس فيها الدجل عياناً بياناً , ويحتل الدجالون مدعو معرفة الغيب مكانة مرموقة , ويتمتعون بحصانة تمنع التفكير في الاقتراب منهم . وفي المقابل رجال جماعة حراس الفضيلة, ورجال لحيان الأجرب يمزقون قميصاً لصبي عليه صورة كلب مدلل . \" فيما الخفافيش والجرذان تنهش أرضها لسوء تخطيط وعبث في مشاريع بنائها .. تلك التي لا تزال منظمات العالم تعجز عن تصنيفها ومجاراة تناقضاتها \" ( 13)
ترفع شعارات العدالة الاجتماعية والمؤاخاة , لكنها لا تطبقها , ينظر أهلها للغرباء شزراً \" بل تلمح على وجوههم أمارات الازدراء \" ( 14) لكل غريب , هي لا ترفض الغرباء بل تستقبلهم \" وتلبسهم أقنعة جديدة , وما أن يصبح الغرباء أهلا حتى تبدأ سحقهم وسحلهم لتغازل آخرين يبيتون على أعتاب رضاها \" ( 15) , والغريب في عرفها كل وافد إليها حتى ولو من مدينة مجاورة .إن أخطأ الغريب \" تمارس عليه ألوان التعذيب والسجن والترحيل. سيعاقب من معه من أهل هذه البلاد بأحكام شرعية وإدارية واجتماعية وقبلية وأسرية ولعنة وشتيمة وبصاق؛ وسينال الزائر من بعض هذا وذاك وستزداد محنته حينما يعلن ترحيله إن لم يكن محتضنا من ذوات كبيرة أو تحت وصاية ثعلب جرفي ماكر.\" ( 16)

تتشدق بشعارات الحرية في كل مكان, وتجبر بعض أهلها على الالتزام بعشر وصايا / قيود. يقول الأملس عن هذه الوصايا المقيدة للحريات : \" نلزم الحياد , وننادي بالوسطية في نومنا وشربنا , نطيع الأوامر , نعصى من يراد لنا أن نعصاه , نحفظ عن ظهر قلب نشيد السلام المزيف , نصدق الكذب الواضح , نحارب الغناء , نقتل الفنون الجميلة , نتشرنق في جهلنا , نعلن الطاعـة والولاء لمن يركبنا باسم النظام \" ( 17) . وهي وصايا استعبادية جعلت أهل جرف الخفايا \" دواب مدربة وبمهارة فائقة \" على العيش في حظيرة العبودية (18 ), بل والأكثر من ذلك استمرئوا العبودية وأدمنوا العيش عبيداً , و\" ألفوا الترويض وداوموا العيش فيه \" (19) فسمحوا للكبار أن يعاملوهم كدمى ويحركونهم في الاتجاه الذي يريدون , ووقتما يريدون , وينظرون لهم على أنهم بشر فاقدون كل الجينات البشرية , ولا تصلح معهم سوى معاملة الحيوانات . فيفصلون الرجـال عن النساء في الأماكن العامة, بل ويسعون إلى \" فصل الرجال عن الرجال كباراً وصغاراً, وكذلك النساء \" (20 ).

لا أمان فيها لأحد , الأغنياء المتحصنون بمالهم عليهم أن يكونوا مستعدين دائما لأن يداسوا بالمال هم ومالهم؛ لأن هناك من يملكهم هم ومالهم, وأصاحب القيم والمياديء فيها ملفظون \" واحداً تلو الآخر إما للمنافي أو إلى القبور ؛ فلا يعيش فيها إلا النفعيون والطفيليون والمرتزقة والمأجورون \" ( 21) , المألوف فيها أن تستيقظ على \" إطلاق نار , سطو مسلح وغير مسلح , مداهمات واعتقالات \" ( 22) , القتل فيها \" هو الوارد والسجن وقمع المعارضين وتفتيت عضد النشطاء هو المصير المحتوم \" ( 23) لا مجال فيه لسماع بسيط مظلوم له حق ؛ فلا حقوق للبسطاء غرباء وغير غرباء \" أن قلت صدقا لٌعنت وإن كذبت حاكمتك عدالة السماء التي تهبط على لحيان الأجرب ولجانه وفرق حرس الفضيلة التي تنتشر بصخب وجلجلـة تثير مقتك للحيــاة هنـا \" ( 24)

مدينة تدعي العصرية والوداعة وهي غارقة لأذنيها في تخلف آسن \" تقضم وبشراسة أطراف أبنائها وتقرض ألسنتهم , وتنخر رؤوسهم , وتقلب مواجعهم وتكشر بوجوههم , وتثير غبار اليأس والقنوط في فضائهم , وتحثو التراب في وجوههم .. بل تعذب البعض حينما يهمون بمطاردة الأمل .. ذلك الخيط المترائي بضعف ووهن \" (25) , تفهم جيداً كيف يساس / يساق الناس , لذا فهي \" تذيب قلوب أهلها دائماً حتى تجعلهم في حيرة دائمة وجهد مستفيض \" (26) حتى تأمن على نفسها, وتضمن بقاءها .
وهي لا تعدم الفساد بكافة أشكاله, الموظفون يرون فيه مصدر رزق \" سنصبح بفضل طيور الظلام مرتزقة جدد.. لكن العيب أن نقضي على مصدر رزقنا, فمن الواجب إذن أن نزيف تقاريرنا, ونغش في المبيد لتتكاثر هذه القاذورات لنضمن وظيفـة كفاحية مميزة تطارد أسراب الخفـاش دون إيذائها \" (27)
كبارها قادرون بسلطتهم وأموالهم على شراء كل شيء حتى الفتاوى الشرعية , كل حرام عندهم \" قابل أن يتحول إلى حلال , وكل حلال ما لم يكن مرضياً عنه سيكون حراماً حرام \" (28 )
*****
إن الشمًري لم يتعامل مع مدينة \" جرف الخفايا \" على أنها فضاء روائي , بل تعامل معها على أنها فضاء مناسب للحكي والتخيل , قادر على التكاثر وإنجاب الأحداث , لذا نرى شخصيات الرواية متوافقة مع واقع المدينة , هم صورة لعفنها , وكذبها , ووحشيتها, يتملكهم الخوف والقلق دائماً ولا يعنيهم الانتماء الوجداني والنوستالجي والتاريخي للمدينة .
جعلهم الكاتب من مثقفي المدينة إمعاناً في تجسيم حالة الضياع والتردي , وإبراز الوجه الشيطاني المرعب لهذه المدينة الغريبة . وهم من أدني طبقات المثقفين \" متورطون دائما بالأحاديث المجانية.. مولعون بالنميمة وتقصي الأخبار أيضاً، هذر طويل في كل شيء لكنه يأتي بعد عنائهم وجهدهم في ترديد النعيق لثقافة بالية ومهاترات في أدب رخيص, وادعاء في شعر بائس, وفجاجة في مقولات فضفاضة, وأفكار مسها التهالك.\" ( 29)
وهم مازوخيون مولعون بجلد الذات , هاربون دائماٍ من المواجهة إلى الخمر والمكيفات والنساء , غير قادرين على المواجهة , فعندما حاولوا ممارسة الوقوف في وجه المدينة بحثاً عن صديقهم \" صقر المعني \" والبحث في ذات الوقت عن ذواتهم الاجتماعية والثقافية والإنسانية فشلوا , وظهر ضعفهم / استلابهم أمام قوى لها أيد إخطابوطية قادرة على كبح جماح كل باحث عن الحقيقة؛ لأنهم دخلوا ميدان المواجهة بلا سلاح , بلا ثقافة , بلا وجود حقيقي .

ويلاحظ حرص الكاتب على تكرار التعريف بهم والتركيز على أوصافهم * وهو أمر غير مؤلف في الكتابة الروائية , فالروائي إما أن يعرف المتلقي بشخصياته في بداية الرواية تعريفا شاملاً , أو يجعل التعريف نتفاً تتناثر داخل السرد بهندسية يحتاج لها النص , لكن الشمّري يكرر التعريف بنصه أكثر من مرة بغية تعرية هذه الشخصيات أمام المتلقي حتى لا يتعاطف معها , فكلما تحركت عاطفة الحزن عليهم يذكرنا بحقيقتهم . وفي ذلك قصد من الكاتب ؛ فهو يريد من وراء توسيع مساحة القبح إلهاب المشاعر لتبحث عن حل يغير شكل المدينة, وهذا ما يجعلنا نقول إن في الرواية حلم مضمر , حلم بالصفاء , بالعدل , بالأمان , بالحرية , بالمدينة الفاضلة , وفي وحشية تعامل الشمري مع شخصيات مدينته صرخة يطلقها كي ننتبه إلى أن واقعنا يحتاج إلى نوعية أخرى من البشر قادرة على تحقيق أحلامنا المضمرة .

لقد خدمت لغة الكاتب فكرة توحش المدينة بشكل رائع, فالكاتب حريص على تكديس كم من لفظات القبح أمام المتلقي ليفهم حقيقة هذه المدينة, انطلاقاً من أن القبح يصنع الجمال المؤثر المولّد مشاعر تفوق الجمال الناتج عن جمال. فتكثر لفظات ( العتمة ـ معتمة ـ متشحة ـ الظلام ـ شاحبة ـ المتاهة ـ الشاحب ـ الليل ـ روائح مقززة ـ الخفافيش ـ الجرذان ـ تقضمهم ـ تبتلع ـ تفني أهلها ـ تدوس ـ العسس ـ المخبرين ) صانعة لوحة سوداء لمدينة متوحشة.

ويتجلى أثر هذا التكديس بوضوح في كل أحاديث الراوي, حتى وهو يصف أوقات اللهو أو الاستعداد له. يقول عن الاستعداد لمجلس لهو بالعرين \" رفاق الكيف ينتظرون لحظة الألق السرمدي .. ذلك الذي يحملهم كقارب خرافي عبر نهر الأفاعي .. قارب يمخر أمواج الخنا \" (30)

كما انعكس على منطوق الشخصيات حتى أصبح لازمة , يقول الأبرق \" جرف الخفايا يا دحام لا تعترف بنواميس الحياة الأخرى . تختصر كل شيء وتعبث بكل المسلمات, تتجاوز حدود الواقع وتمارس الحلم بطريق معكوسة مقززة \" (31)

وخدمت تقنيات العرض التي اعتمد عليها الشمّري ـ أيضا ـ فكرة التوحش ؛ فالحلم الظاهر بشكل واضح بما فيه من غرائبي وعجائبي يبرز الصورة الوحشية للمدينة , ويبرز توحش إنسانها, كما أن كثرة لحظات البوح ومساحتها لها دور في إبراز هذه الصورة خاصة أن البوح يخرج من بؤرة اللاوعي , وما في هذه البؤرة هو أصدق ما في الإنسان .
****
متى تثوب هذه الأنثى إلى رشدها وعقلها كأي مدينة تعاند سياط الجلاد الموسوم بزمني العولمة والردة الجديدة \" (32) هذا هو حلم الشمّري المضمر . حاول أن يستفز كل من لهم علاقة بالجرف أملاً في أن تتحول لمدينة فاضلة.
الهوامش :
1ـ محمد حسن عبدالله : الريف في الرواية المصرية , دار المعارف , مصر , ( بدون ) , ص 8
2ـ جورج هنري لاري : الرواية والمدينة , مجلة الثقافة الأجنبية , ع 3, 1983, ص 17
• أول رواية عربية فنية ـ رواية زينب لهيكل ـ دارت أحداثها في القرية ، وبرت عن مأساة فقراء الريف ، لكن الرواية لم تزدهر فنياً إلا بعد أن عبرت عن المدينة وإنسانها .
3ـ عبد الرحيم العلام: المدينة فضاء إشكاليا في الرواية المغربية , مجلة نزوى ع 51, 2009م
4ـ عبد الحفيظ الشمري : جرف الخفايا , دار الكنوز الأدبية , 2004 م , ص 11

قديم 05-21-2012, 02:07 PM
المشاركة 637
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اسماعيل فهد اسماعيل

ساطته آسرة رغم شهرته، ورغم ما حققه من سمعة على المستوى العربي.. لكن بدايته كانت متواضعة وفي نفس الوقت طموحة، وبعيدة عن التقليدية وبعيدة أيضاً عن حب الشهرة.. كانت البداية في (كانت السماء زرقاء) من القاهرة.. انطلق بعدها من رواية لأخرى ومن كتاب إلى آخر..
لكن نكسة حزيران 1967م كان لها أبلغ الأثر في توقفه عن الكتابة والإبداع، لأنه كان يؤمن بالقومية العربية التي منحته الكثير من الآمال والانطلاقة بعيداً عن القيود..
لأنه عاش في العراق فترة صباه، ولأنه متولد من أم عراقية كانت أغلب رواياته عن الواقع العراقي، منها روايته الشهيرة (الحبل) وروايات أخرى اختط لها هذا الخط، فكان صادقا وراسماً للمشاعر الإنسانية وتوصيفه لشخصياته بالغ الدقة..
عرف أسرار الرواية فانطلق في كتابتها مبتعداً عن القصة التي جربها في بداية حياته، لكنه كما يبدو لم يأبه بها، على الرغم من أنه يحن إليها بين الفترة والأخرى، لكن تبقى الرواية عشقه الأساسي، حيث جرب الشعر أيضاً في فترة الستينات، لكن لمعرفته أن هناك من ينافسه في هذا المجال، وأن هناك لاعبين مهرة لا يمكنه مجاراتهم انخرط في عالم الرواية فمسك بتلابيبه وجعله من أمهر الروائيين على مستوى الخليج، إذ يمكن أن يطلق عليه الروائي الأول في الخليج، ومع أنه لم يكن يسعى للجوائز إلا أنه حصل على الكثير منها، آخرها في بداية الألفية الجديدة عندما حصل على لقب واحد من أفضل 100 روائي خلال مائة عام بصحبة الروائية ليلى العثمان.
الصعلكة كانت إحدى هواياته المفضلة، وقد عاش ردحاً كبيراً من الزمن متقمصاً إياها مسافراً من بلد لآخر لا يستقر في مكان ولا يفكر في لقمة يأكلها، فألهمته تلك المرحلة زاداً عميقاً وفكراً نيراً، فالصعلكة بالنسبة إليه ليست مجرد تيار إنها فلسفة حياة، لكنها لم تعد مجدية في زمن يفكر الإنسان في الزوجة والأولاد وكيف يصرف عليهم وكيف يفي بالتزاماته الاجتماعية.
اسماعيل فهد اسماعيل، ليس مجرد روائي كويتي معروف وله قرابة 22 عملاً بين رواية ونص مسرحية وكتابة نقدية (آخر أعماله سباعية إحداثيات زمن العزلة)، إنه أب لكل كتاب القصة والرواية في الكويت، وكثيرون كتبوا عنه وعدوه صاحب مشروع روائي يستحق الدراسة.



نقلا عن جريدة اليوم 7 ربيع الثاني 1426 هـ

قديم 05-21-2012, 02:08 PM
المشاركة 638
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
إسماعيل فهد إسماعيل

، كاتب وروائي كويتي متفرغ منذ عام 1985. من مواليد 1940م.حصل على بكالوريوس أدب ونقد من المعهد العالي للفنون المسرحية - دولة الكويت. عمل في مجال التدريس وإدارة الوسائل التعليمية، وأدار شركة للإنتاج الفني.
يعد الروائي إسماعيل فهد إسماعيل المؤسس الحقيقي لفن الرواية في الكويت، لكونه يمثل إحدى العلامات الروائية العربية المحسوبة في سماء فن الرواية. فلقد قدم إسماعيل الفهد روايته الأولى >كانت السماء زرقاء< عام 1970، وفي حينها قال عنه الأديب العربي المعروف الأستاذ الشاعر صلاح عبد الصبور في تقديمه للرواية:
كانت الرواية مفاجأة كبيرة لي، فهذه الرواية جديدة كما أتصور. رواية القرن العشرين. قادمة من أقصى المشرق العربي، حيث لا تقاليد لفن الرواية، وحيث ما زالت الحياة تحتفظ للشعر بأكبر مكان. ولم يكن سر دهشتي هو ذلك فحسب، بل لعل ذلك لم يدهشني إلا بعد أن أدهشتني الرواية ذاتها ببنائها الفني المعاصر المحكم، وبمقدار اللوعة والحب والعنف والقسوة والفكر المتغلغل كله في ثناياها<، إن إسماعيل فهد إسماعيل يعد بمنزلة العمود الأهم للفن الروائي والقصصي في الكويت خصوصا. ورعايته لعدد كبير من كتاب القصة القصيرة والرواية، واحتضانه لمواهب أدبية إبداعية باتا يمثلان حضورا لافتا على الساحة الكويتية والعربية. السيرة الذاتية
أعماله</SPAN>
  • البقعة الداكنة قصص (1965).
  • كانت السماء زرقاء رواية (1970).
  • المستنقعات الضوئية رواية (1971).
  • الحبل رواية (1972).
  • الضفاف الأخرى رواية (1973).
  • الأقفاص واللغة المشتركة قصص (1974).
  • ملف الحادثة 67 رواية (1975).
  • الشياح رواية (1975).
  • القصة العربية في الكويت دراسة (1977).
  • الفعل الدرامي ونقيضه دراسة (1978).
  • الطيور والأصدقاء رواية (1979).
  • خطوة في الحلم رواية (1980).
  • الكلمة - الفعل في مسرح سعد الله ونوس دراسة (1981).
  • النص مسرحية (1982).
  • النيل يجري شمالا - البدايات رواية (1983).
  • النيل يجري شمالا - النواطير رواية (1984).
  • النيل الطعم والرائحة رواية (1989).
  • إحداثيات زمن العزلة - رواية سباعية
  • الشمس في برج الحوت رواية (1996).
  • الحياة وجه آخر رواية (1996).
  • قيد الأشياء رواية (1996).
  • دوائر الاستحالة رواية (1996).
  • ذاكرة الحضور رواية (1996).
  • الأبابيليون رواية (1996).
  • العصف رواية (1996).
  • يحدث أمس رواية (1997) تناولها الناقد العراقي حسين السكاف في مقال نقدي تفصيلي نشر في جريدة إيلاف الإلكترونية وجريدة المدى البغدادية.
  • بعيدا.. إلى هنا رواية (1997).
  • الكائن الظل رواية (1999).
  • سماء نائية رواية (2000).
  • علي السبتي - شاعر في الهواء الطلق دراسة (2002).
  • ما تعلمتة الشجرة ليلى العثمان كاتبة دراسة (2005).
  • مبدعون مغايرون كلمات مثامرة(2006)
  • للحدث بقية ابن زيدون مسرحية (2008)
تحت الطبع
  • مسك.. (رواية)
  • مالا يراه نائم (مجموعة قصصية)
الجوائز التي نالها
  • جائزة الدولة التشجيعية في مجال الرواية، عام 1989.
  • جائزة الدولة التشجيعية في مجال الدراسات النقدية، عام 2002.

قديم 05-21-2012, 02:09 PM
المشاركة 639
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الرواية العربية
http://www.google.ps/search?q=%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A9+%D8%A7%D9% 84%D8%AE%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9+%D8%A5%D8%B 3%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D9%84+%D9%81%D9%87%D8%AF +%D8%A5%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D9%84&hl=ar& gbv=2&prmd=ivnso&ei=qxm6T6z3AqO60QX737z1Aw&start=1 0&sa=N

قديم 05-21-2012, 02:10 PM
المشاركة 640
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
إسماعيل فهد إسماعيل : الرواية العربية عالمية متجاوزة .. مشكلتها اللغة


تبدو شخوص روايات إسماعيل فهد إسماعيل قلقة تعاني الأرق والاختناق كما في روايته " البقعة الداكنة " تحاول ان تبحث عن حلمها الخاص كما في روايتي " كانت السماء الزرقاء " و" المستنقعات الضوئية " وفي رواية " الحبل " رأينا كيفية التفاف الحبل حول العنق محملة بالدلالات بين محاولة إيهام الآخر لحظة الموت ، عوالم إسماعيل فهد إسماعيل مزدحمة بالأمكنة : الشارع ، السجن ، المقهى ، البيت، البحر، النهر، ترصد كثيرا من الأحداث التي مر بها عالمنا العربي ، التي من خلالها استطاع ان يترك بصمته على ساحة القصة والرواية العربية ، بلغت اعماله ما يقارب الثلاثين عملا ، بين رواية ومجموعة قصصية ومسرحية ودراسة نقدية وسيناريوهات لبعض الاعمال الفنية ، في حقيقة الأمر إنها جزء لا يتجزأ من باقة الاعمال المهمة التي ميزت عالم الرواية والقصة العربية في النصف الأخير من القرن العشرين ، فمنذ مجموعته القصصية الأولى " البقعة الداكنة " التي صدرت عام 1965 وهو يضع بين أيدينا وثائق تاريخية مهمة يتحتم علينا مراجعتها ، وتذكرها بين حين وآخر، وهذا ما يعطي أعماله اهمية خاصة من حيث واقعيتها ومادتها التاريخية.

لم يتوقف إسماعيل فهد إسماعيل في كتابة اعماله على نسق سردي ، بل انه في كل عمل من اعماله يحاول ان يقدم جديدا ، فما وجدناه في اعماله الابداعية من حالة اشتباك وتنوع ، وجدناه في منزله المفعم بالمحبة ، وفوق جدرانه التي تزينها لوحات تشكيلية لمجموعة من الفنانين العرب ، وارفف مكتبته الغنية بكتبها في انواع المعرفة المتنوعة ، هناك شاكسنا الروائي والناقد إسماعيل فهد إسماعيل لنعرف ما الذي يدور في العزلة التي اختارها لنفسه ، ونستعرض معه بعض هواجس الثقافة ، فكان لنا معه هذا الحوار:

- لقد كتبت روايتك « احداثيات زمن العزلة » ، فهل اتخذت العزلة منهجا ، إذ لا تكاد تظهر في المشهد الثقافي الكويتي ؟
• لا اعتبرها عزلة بمعناها التام ، لأنني مازلت التقي أصدقائي من الوسط الثقافي ، لكن ما حدث هو تقسيم للوقت بين المسؤوليات المختلفة على الصعيد الفردي والاجتماعي والعمل وغيره. هذه العزلة الجزئية خصصتها للتركيز على كتابة قراءات عدة في الرواية والمسرحية ، وكتبت مجموعة قصصية قد انشرها يوما ما. وكتابا في نقد المسرح ، وآخر في نقد الرواية ونصا مسرحيا من ثلاثة فصول عن شخصية الشاعر الاندلسي « ابن زيدون » ، عدا ذلك ، عملت كثيرا في الكتابة للتلفزيون ، وهي الكتابة التي تحتاج إلى كثير من الوقت والجهد والتركيز، منها عمل بالاشتراك مع الفنان سليمان الياسين، عن تاريخ الكويت في الخمسينات والستينات وما بعد الاستقلال ، كتبها أحمد الجارالله من ثلاثين حلقة ، وآخر اسمه « دنيا » اعتقد انه يلامس هموم الانسان الكويتي . فضلا عن عمل بالاشتراك مع احدى المحطات قائم على الشعر والفنون الأخرى ... قد يعتقد الكثير من الأصدقاء أنني اهدر وقتي في الأعمال التلفزيونية ، لكنني في الواقع عدت للعمل الدرامي الذي مارسته في السبعينات والثمانينات، لأن الدراما تتسع لما لا تتسع له الرواية ، بمعنى ان آفاق التلفزيون والفضائيات أرحب ، وتأثيرها أكبر، على أمل ان تلقى التجربة استحسانا ، وثمة عمل يمثل حالة اشتباك بعنوان « حينما يكون رأسك في طريق واسمك في طريق أخرى » وهو نص درامي يشاركني العمل فيه الشاعر البحريني قاسم حداد ، وان كنت لست براض عنه ، ما جعلني أحاول اعادة كتابته ، لأنني اراه غير مؤهل حاليا لإعادة بناء ، فهو يحتاج إلى جهد كثير، وخصوصا ان لغته صوفية أكثر مما هي سردية .

المشهد الثقافي

- كيف ترى المشهد الثقافي الكويتي ؟
• يبدو لي ان المشهد الثقافي مترد ، وغير براق في شكله العام ، ولكن اذا ألقينا نظرة فاحصة سنجد الشبان الأدباء قد احدثوا فيه مفارقة ، منهم بثينة العيسى في مجال الرواية ، ومنى كريم بديوانيها الصادرين عن قرطاس وشرقيات ، وسعد الجوير وحمود الشايجي ومحمد المغربي وآخرون قد لا تحضرني أسماؤهم الآن ، كما أننا سنجد المسرح أكثر نشاطا وحيوية عن السنوات السابقة ، إذ برزت أصوات شبابية جديدة بدا حضورها واضحا في المهرجانات وغيرها ، مثل : حسين المسلم الذي حصل على جائزة أفضل نص في مهرجان الخرافي . حتى في الفن التشكيلي ظهر كثير من الدماء الجديدة. لكن تبقى الحركة النقدية متأخرة لأنها تحتاج الى وقت للحاق بالآداب والفنون ، وأستطيع أن أقول: « إن النقد شبه غائب في الكويت ». أما على مستوى الدولة فمطلوب من الجهات الحكومية إلى جانب اصداراتها العالمية المختصة الاهتمام بالاصدارات الكويتية والخليجية فالعربية ، كأن تقوم باصدار كتب جيدة الطباعة ومتقنة لتوزع بأسعار رمزية ، ومن ثم تكون الرعاية الرسمية قد وفرت دعما للمشهد الثقافي الكويتي . لكننا يجب ان ننبه على ان الرعاية الرسمية قد تقتل الاديب اذا زادت على حدها .

جيل الرواية

- نرى بوادر جيل كويتي مهووس بفن الرواية ، هل ترى المشهد الكويتي يمثل تربة خصبة لهذا الجيل وأحلامه ؟
• التربة الخصبة تكمن في عمق المبدع ذاته ، وفي قراءاته وتطلعاته وثقافته ، وعلاقته وطموحه وجهده الشخصي . فكل انسان يبدأ من الصفر، ولا يوجد شخص يعتلي القمة منذ البداية ، بل لا توجد قمة أصلا . ويبقى السبق وحده بيد الطموح الذي يحافظ على تفوقه بين أبناء جيله ، بتجويد فنه وابداعه وسعيه إلى تحسينه. فبقدر ما يكون الجهد حقيقيا ومخلصا وموجها ، يصبح المنتج أو المبدع أكثرأهلية للانطلاق والتعبير بحرية .

الرواية العربية

- باعتبارك روائيا ، ما رأيك في وضع الرواية العربية الحالية مقارنة مع الفنون الأخرى ؟
• الرواية العربية كما أرى ، رواية عالمية ، لا تقل عن غيرها من الروايات من حيث الكم أو الطرح ، وتسلحها بالمعارف والفنون الأخرى . فهى رواية متجاوزة حدودها الضيقة ، وصلت إلى العالمية ، ليس لأن نجيب محفوظ حصل على نوبل ، وهو يستحقها ، بل لأن هناك روائيين بدأوا من حيث انتهى محفوظ ، وواصلوا الطريق . لكن يبقى ، اننا نعيش عصر سيادة اللغة الانجليزية ، ومن هنا تأتي أهمية الترجمة التي تحمل في داخلها عوامل الشهرة الاعلامية . لذا نحن مكبلون في خانة اللغة العربية التي لايجيدها الآخر، وأشياء اخرى . أما اذا اردنا مقارنة الرواية بغيرها من الفنون ، فأجد الشعر اكثر تطورا منها ، على سبيل المثال « سريرالغريبة » لمحمود درويش و « قصائد ساذجة » لسعدي يوسف ، اجدها وصلت إلى العالمية لأنها قصائد تحوي الكثير من الجماليات فعلا . ومن ثم يجب ان نضع في اعتبارنا ان من الطبيعي ان يصل الشعر إلى مرحلة كهذه بحكم عمره الطويل ، بينما الرواية حديثة الولادة ، وبرغم ذلك فإن وصولها الى هذه المرحلة من التقدم يدعو الى التأمل ، وهذا يعني انها حققت انتشارا اكثر مما نتوقع ، بالتالي نرى الناشر يهتم بالرواية خصوصا لأنه يلاحظ اهتمام القراء بها ايضا.

الثقافة النسوية

- ماذا عن الثقافة النسوية ؟ ، وهل استطاعت المرأة العربية المثقفة أو المبدعة تسليط الضوء على معاناتها ، وسبر غور البيئة والمجتمع في ظل قمع ذكوري؟ وكيف تقرأ الحالة الكويتية ؟
• أؤمن بان تاء التأنيث لا وجود لها ، فالمبدع مبدع سواء كان ذكرا أو انثى ، لكنه امر لا يمكننا تجاهله ان كنا في مجتمع متخلف أو عالم ثالث ، فحتى في بيوت المثقفين تجد الامر مختلفا عن معتقدات المثقف ذاته ، واحيانا تجد المرأة ترفض الحرية ، ففي الستينات كانت حرية المرأة أوسع مساحة ومضمونا ، وقد كنا نعتقد أن الامور ستتطور نحو الأفضل ، لكنها تتراجع ، وتشهد انكسارا كبيرا للمرأة . آنذاك كانت هناك حركات نسائية أقوى وأكثرجوهرية على خلاف ما يحصل في وقتنا الحالي . إذ تجد في دولنا تجريدا واضحا للمرأة من حقوقها ومن ثم علينا الاعتراف بحقوق نصف المجتمع ، لأن انكارها نفي له ، وبالتالي قتل للمجتمع . هنا يكون للتربية والتعليم دور كبير في خلق المرأة الحقيقية . فالمرأة تعاني معاناة مزدوجة من المجتمع ، ومن الرجل ، ما يكبل طاقتها الابداعية ، شئنا أم أبينا ، حتى في ابسط التفاصيل الشخصية ، لذا نجد المرأة التي تعرضت للمصادرة تحول هذا الكبت إلى نصوص أدبية فيها كثير من كسر المحظورات والتابوهات في الجانب الجنسي ، كرد فعل على ما عانته من محاولات للتحكم في كل تفاصيل حياتها الشخصية . بينما معاناة الرجل اقل ، فهو قادر على امتلاك حياة خاصة ، وعشيقة وزوجة وحرية السفر الخ ... من دون ان يتعرض للعار والعزل الاجتماعي أو القتل بداعي الشرف ، بينما المرأة ينتهي وجودها حتى بيد ابنها أو أخيها من دون تردد . أخيرا يجب ان نؤكد أهمية منح المرأة حقوقها ، فأنت حتى الآن تجد بعض الديموقراطيين في مجلس الأمة يرفضون منحها حقها السياسي ، وغير السياسي .

الثقافة الاستهلاكية

- يرى بعض المثقفين ان القوى الاقتصادية تفرض ثقافتها الخاصة متجاهلة كل الثقافات الاخرى ، فهل انت من مؤيدي هذه المقولة ؟
• من المعروف دائما عبر كل العصور، ان الطبقة المسيطرة على الاقتصاد هي المهيمنة على سدة الحكم ، لذا تفرض طبيعة ثقافتها ومفاهيمها وقوانينها ، وطبيعة سلوكها وعاداتها وتقاليدها وكل ما يرتبط بذلك ، تفرضها بكل اساليبها سواء من خلال الممارسة اليومية أو بالترغيب والترهيب من خلال القوانين الوضعية ، بالاغراء أو بالعنف ، وهذا امر لامفر منه . وعصرنا الحالي لا يختلف عن العصور السابقة ، عدا- ربما - ميزة واحدة ، هي الديموقراطية الغربية بمفهومها الحالي ، انما حتى لو تعاملنا مع هذه الديموقراطية بمفهومها الحالي ، التي تقوم على حرية الفرد ، لرأينا ايضا هيمنة من خلال الاقتصاد ، ومن ثم على أنظمة الحكم ، وهناك هيمنة على اجهزة الاعلام الرسمية أوالتجارية والعالمية كمحطات التلفزة والفضائيات ، فتجد كل فنها وقوانينها وثقافتها ومفاهيمها هي السائدة . لو ألقيت نظرة على الدراما بشكل عام أو السينما ، لوجدت ان الرؤية الأميركية هي المهيمنة تلتهم المساحة الأكثر من زمن الفضائيات. الامر الآخر لكل عصر حضارة تتبعها كل الأمم ، والآن نتبع حضارة الغرب ولذا تسود لغتهم الانكليزية في كل مكان، والأدب الغربي هو السائد وهو الذي تقارن به الآداب الأخرى . لا يمكن وجود ظاهرة بلا طرف صراع آخر، ولربما يتسم عصرنا بان صراعنا ليس قائما على التصفية بالشكل الذي كان عليه ، بل قائم على صراع يهدف إلى هيمنة المال والقدرة والأجهزة المرتبطة بجهات معينة . منذ الثورة الصناعية ، كان التطور الحضاري بطيئا لكنه أصبح أكثر سرعة حتى اصبح من الصعب ملاحقة التطور الحادث ، ما يؤكد فكرة هيمنة السائد القائم على الحضارة الرأسمالية، لكن في الوقت نفسه ثمة تحولات داخل المنظومة السائدة ذاتها ما يؤدي إلى التجديد والتواؤم مع متطلبات العصر، ومفتاح الحل ان نبني جيلا لديه مناهج دائمة التغيير بشكل مبدع بدلا من حشو عقول الطلاب بمعلومات جامدة.

كيانات ثقافية

- هل يوجد في الوطن العربي كيانات بامكانها ايجاد حالة تواصل بين المثقفين والمبدعين العرب من أجل تفعيل المشهد الثقافي العربي؟
• الكيانات موجودة في اماكن عدة كسورية ، ومحاولات اخرى هنا وهناك . لكن دائما ارتباط المؤسسات الثقافية بالأنظمة وأيديولوجيتها يعزل كل هذه المنظمات ويحد من أهمية أفعالها . حتى اليوم لا يزال المثقف العربي غير مستقل ، بالتالي لا يمكن ان يعيش ويستمر ويبدع . إلا اذاتغير هذا الوضع الذي لا اعلم ان كان سيتغير أم لا ، لكن يمكننا ان نحلم . إلا أنني أعتقد ان كل الدول حتى فرنسا وأميركا لا يوجد فيها رابطة تجمع كل ألوان الثقافة في البلد، فهناك منظمات تعتمد على ايديولوجيات وأفكار مختلفة . وفي الوقت ذاته هناك صيغة عامة تجمع المبدعين ، كالاكاديمية الفرنسية في فرنسا التي تعمل على توجيه التيار العام نحو ما هو ايجابي . وهذا ما يريده المثقف العربي ، منظمات منفصلة عن الأنظمة ، وهذا صعب التحقق لأن هناك من الكتاب من يعيش واقعا اتكاليا وجبريا باعتبار المثقف انسانا يريد ان يعيش.

الحرية وفاعلية الإنسان

- ما مفهومك لحرية العمل الأدبي ، وهل تعتقد ان جرأة كالتي في رواية « الخبز الحافي » مقبولة ؟
• لا اعتقد انها منافية للأخلاق ، لكنها رواية جريئة ذات لغة يراها البعض مخالفة أو اباحية ، لكن ما فيها هو مجرد ادوات سردية مساندة ، المتزمت اخلاقيا فقط هو من يرى انها رواية منافية للأخلاق ، وهو بذلك يريد ان يحجب الرؤية عن الناس ، بحجة منع الفساد ، لكن الحقيقة هي العكس ، فالانسان يجب ان يطلع على كل شيء ، ليعرف الخطأ كي يتجنبه . لقد أسعدني اطلاق الكتب وتحريرها من الرقابة ابان تولي د. سليمان العسكري منصب الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، وهذا ما يجب ان يكون لانه يمكننا من قراءة ما يتهمه البعض بأنه ادب منحل اخلاقيا وبالتالي نتمكن من الرد عليه ، ذات مرة سحب احدهم روايتي من يد فتاة ، وألقاها بعيدا قائلاً : « انها رواية مفسدة » ، وحين سألته ان كان قرأ أي رواية لي أجاب : « انه لن يخرب عقله بيده » . مما يعني انه غير قادر على حماية نفسه من الاطلاع على الكتب ، انه فاقد لثقته بذاته ، ومن ثم ارى ان بناء الانسان يجب ان يقوم على حرية الاطلاع حتى على ما هو مخالف لفكره . " الخبز الحافي " حين صدرت لم تمنع ، ووصلت الى كثير من المكتبات في دول كثيرة لسنوات عدة ، حتى أثار احدهم ضجة حولها ومنع تدريسها في الجامعة الأميركية في القاهرة ، والسؤال : لماذا اذن لم تمنع طوال الفترة السابقة ؟ وكيف يحاول مسؤول منع رواية في جامعة تتصف بالاكاديمية ؟. روايات عدة لي منعت في الكويت برغم انها نشرت ، وطبعت من قبل ، ووصلت الى القارئ في الكويت . وهذا يدل على تراجعنا وتراجع مساحات الحرية عندنا ، ولكن ما زال الوضع في الكويت أفضل من حيث انه لم يمنع تدريس روايتي - الممنوعة - في الجامعة الكويتية ، لكنني ارى ان زمن المنع لن يدوم لأن الانسان الذي يحب الاطلاع يعرف طريقه الى ما يريد . فعلى سبيل المثال حيازة الكتب الممنوعة في العراق خلال الستينات كانت تؤدي الى اعتقالك ، لكن برغم ذلك كنا نسافر لنقرأ هذه الكتب ، لدرجة انه حين كنا نعثر على نسخة واحدة منها نعيد كتابتها بخط اليد لنتداولها بيننا ، فكل ممنوع مرغوب ، وكلما منعت شيئا ازدادت الرغبة فيه ، لذا نجد الكتب الممنوعة توزع أكثر .

- كيف ترى الحرية في مجتمعاتنا العربية ؟
• الحرية مفهوم نسبي ، ولذا تجده مختلفا خارج العالم الثالث ، ففي هذا العالم قد تطرق السلطة بابك وتأخذك من دون ان يعلم احد عنك شيئا ، فطبيعة الأنظمة وما تأسست عليه ، بمعنى أن جملة القيم التي تقوم الأنظمة بتبنيها ، هي التي تحدد هذا المفهوم ، ولو القينا نظرة على هذه القيم بشكل دقيق لوجدناها متناقضة مع متطلبات الانسان المعاصر فهي اما سلفية او قبلية ، ببساطة هي قيم متخلفة ، لذا نجد الحرية المكفولة في الدساتير غير مطبقة في واقع المجتمع ، فقد عجز القانون عن انصاف المرأة تماما ، بضغط من سلطة الرجل ، والأمان لا يتحقق الا بالحرية .

- في رأيك ما المخرج؟
• بناء الانسان ذاته هو الرهان ، فأنت لا يمكنك ان تحدث تغييرا اذا لم تصنع جيلا تتابع خطواته من الروضة إلى الابتدائية وكل مراحل التعليم ، المفتاح السحري بناء الانسان ، ومراجعة النظم التعليمية والتربوية باستمرار، لو عدت إلى نظام التعليم في الستينات والسبعينات في الكويت لوجدت انه كان يهتم ببناء الانسان وتأهيله للاندماج في نسيج المجتمع ، الآن مع كل الاسف أفرغت المناهج التربوية من محتواها ، وخلت من خطة لتغيير الفرد واطلاق قدراته العقلية والفكرية على أسس صحيحة ، ولم تعد قادرة على كشف ومضات الابداع لدى هذه العقول. فقد اصبح هم التربويين حشو عقول الطلاب بمعلومات فاقدة القيمة، واصبح المدرس اشبه بالآلة يأخذ بالشكليات ، من تحضير الدروس والدفاتر والواجبات والعناية بساعات الدروس بشكل لا يستطيع فيه الخروج على هذا المألوف ، حتى الوزارة كان اسمها وزارة المعارف ، ثم تحولت الى وزارة التعليم ، ثم وزارة التربية والتعليم ، والآن افرغت تماما من معنى هذا الاسم ، لا معارف ، لا تربية ، لا تعليم ، ولهذا السبب قل عدد الفاعلين في حركة المجتمع ، واصبح هناك حالة كمونية بسبب عدم وجود رؤى معارضة ، أو مختلفة ، أو ابداع ، أو خطط فاعلة تثير حراكا .


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 42 ( الأعضاء 0 والزوار 42)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 02:06 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.