قديم اليوم, 09:29 PM
المشاركة 421
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: مُهاجر
كنت أقف عند عبارة، أراجع عند أعتابها موقعي من معناها، يصدح صداها من أفواه المحذرين، بأنها مقبرة المبدعين، ونهاية المفكرين، ومع ذلك يسير الجمع الغفير متوشحا بمحتواها، وهي منها براء، لجهله بمعناها، وحسبانه أنه على شيء، وما علم أنه يلصق نفسه بها ليكون مثالا يضرب، ومناطا للتذكير. تلك العبارة هي: «الإمعة».



هو ذاك الذي يسير مع الركب ويحدو بحدائهم، وهو عن معنى الحداء ناكص بليد، ولسان حاله ومقاله: حيث سار الجمع أنا معهم أسير، ويد الله مع الجماعة، وليت ذلك التفويض يكون عن علم يفيض. فكم نرى من تزاحم الأعياد التي أضيفت على العيدين، عيد الفطر وعيد الأضحى السعيد.
فاليوم جاء عيد الحب، به شر أريد، حيث الرذائل في كل قطر، والجهر بها كواد يسيل، هذا في الحرام إذا خرج عن إطار الشرع، وذاك متبجح به سعيد. أما من خص فيه زوجته بيوم زواجه، وأحضر وردا وباقة تأسر القلب العفيف، فقد ضاهي أقوام كفر، وكأننا مبتورو الأصل عن دين حنيف. فما العيد لدينا إذا كان في الزواج؟ فكل أيامنا معه عيد.




ثم يعقبه عيد الأم، وكأن الأم لم يعرف حقها إلا في ذلك اليوم، فالكل فيه موف حليم. يا حسرة على أم ترتجي وصل ابن، لا يطرق بابها إلا إذا دار عليه حول. والإعلام بات بوقا لكل ناعق ينادي: اليوم عيد، حتى لم يبق لنا أصل، وصِرنا نسبح في فلك التغريب. فالفضيلة في عرفهم رذيلة، والرذيلة باتت أصلا في أعراف الهجين.




أما لكم عقول يا بني قومي، لتستبدلوا غاليا برخيص؟ أما لكم قرآن ينطق بالحق، وفيه الوعد والوعيد؟ ما لكم أسلمتم سمعكم وأبصاركم وقلوبكم للغرب، تنتظرون منهم كل جديد؟ كفاكم تقلبا في مراتع التقليد، فقد كنا خير أمة، وما سُحقنا إلا حين خلعنا ثوب العز وانقلبنا صاغرين.




وكم تضحكني وتبكيني تلك المقولة حين أسمعها من متفلسف مسكين: «خذوا منهم المفيد واتركوا الشر المستطير»، فأقول متأففا: كفاك مواربة، فالحق أولى أن يقال: خذوا منهم الغث واتركوا السمين. أما ترى صدق هذا القول حين تنظر إلى حال المسلمين؟ ليتنا أخذنا منهم العلم، وغزونا به الفضاء، وابتكرنا به أمصالا تخفف آلام الموجوعين، أو صنعنا أمة تتسلح بالمعرفة، وتبدد ظلمة الجهل القبيح.




ومن هنا ما زلت ألهج بها: ألا تبت يد التقليد، ومن صار إمعة بحجة مجاراة الواقع الكئيب. وكم تحضرني قصة ذلك الشيخ، لا يحضرني اسمه، وهو يحكي عن ابنته في القطار، حين جلست بجانبها امرأة من الغرب غير مسلمة، فأخذت تحدثها عن عمر الفاروق أمير المؤمنين، حتى إذا ما فارقتها، إذ بابنته تطلب منه كتابا يحكي عن الفاروق، فيقول الأب متعجبا: كم حدثتك عنه مرارا، ولم يحرك ذلك شيئا في قلبك، فلما ذكره على لسان من يخالف دينك، هرعت تطلبين كتابه!



وكم من هوية ضاعت في أتون التقليد، حتى بات بعضهم يتمنى أن يسلخ نفسه من انتمائه، ويرى مجتمعه متخلفا، ويتهمه بأنه سبب الانحدار والتأخر. فهناك ذاك الجين الثقافي الذي يتفاعل مع غيره، فينغمس الإنسان في شخوص الآخرين، ليخرج خلقا هجين الفكر، مزدوج الانتماء، يصارع بين أصل فطرته وطباع دخيلة، حتى ترى مسوخا من البشر، قلوبهم أقرب في قسوتها إلى الحجر.




وما كان للإنسان رداء عز إلا الاعتزاز بسالف عصره، حين كان أجداده سادة زمانهم. فبعد أن كنا متبوعين صرنا تابعين. لقد كان الغرب في فتوة عهد الفاتحين يتباهون بتعلم العربية، واليوم ننظر إلى واقعنا ونضع عليه ألف خط وخط.




فما نزال في قاع الغفلة نتنفس، إلا من رحم ربي، وكم من متباه بشهادته وهو مفلس من الثقافة، ليس له منها إلا ورقة يزين بها جداره. والتقليد لا يقف عند الأعياد، بل يتسع ليشمل المأكل والمشرب، والصحبة، وما نراه ونسمعه من أحوال تشيب لها المفارق.




وما نعانيه اليوم أننا نعلم الخطأ، ولكننا نعالجه بخطأ أعظم. وليس في هذا تسويد للواقع، ففي الشباب خير كثير، وإن أثقلتهم الغفلة والتسويف، فهم بين مطرقة الألم وسندان الأمل. والحل ظاهر، يبدأ بمعرفة الطريق، وبنية صادقة لا يقطعها قاطع.





ومن يقع في الخطأ، إذا نبه وحذر، فخير له أن يتواضع للحق، وألا تأخذه العزة بالإثم، فالنفس اللوامة أكرم عند الله من القلب المكابر، والحكم فرع التصور، والرجوع إلى الحق فضيلة لا منقصة.

قديم اليوم, 09:35 PM
المشاركة 422
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: مُهاجر
جف نهر العشق في سواقي قلبي، فاستسقيت من غمام الرجاء، من وابل الأمل، ومن ندى الصفاء. حروفي ترزح بالعويل، ومآقي تجود بدمع رطيب يروي عطش القلب ويغسل الغليل من الجرح العميق.



يا نوال الأمنيات، أسعفيني بصبح قريب، فقد سئمت من ليلي الكئيب ومن ظلال الوحدة التي تلفني وتكتم أنفاسي. كلماتي وحروفي ومصطلحاتي واستعاراتي ومجازاتي تواطأت على رسم خواطري بطعم حزين، بطعم مرارة الليالي الصامتة وبصدى الصمت المديد.



يقولون عني معذب، مغفل، حالم، يائس، قانط، لكن هذه قصتي وواقعي، غير أن القنوط لم يبلغ مداه، ولم يستوطن قلب الحنين، ولم يجمد حر الشوق في قلبي. فما للروح أن تموت، وما للشوق أن يندثر، وما للأمل أن يفنى.
كلماتك ناغمت بديع الكلام، غير أنها تتهادى بين الوهم والإيهام، فأجد حالي ممددا بين هذا وذاك، بين نور الحقيقة وظلال الضباب، بين مد وجزر الغرام وعمق انتظار اللقاء.




فلنمض معا، يدفعنا أمل يساق، ولعل حظوظ الزمان تعلن اليوم الوفاق، ويعود القلب مترعا بالهناء، وتشرق الأرواح بنور الصفاء، ويطيب لنا العيش في ضياء الوفاء، وتستقر النفوس على طمأنينة لا تزعزعها ريح ولا هبوب.




وفي ختام اليوم، حين ينسدل السكون على نوافذ الهمس وتهمس الرياح بأسرار الليالي، أدرك أن الشوق باقٍ، والحلم حي، وأن القلوب مهما بعدت تظل مترابطة، تتشابك أرواحها في نسيج واحد من حب وأمل. فما ضاع فجر من يملك الصبر، ولا خاب من سعى للوصول إلى صباح اللقاء. فلنمضِ معا بخطى ثابتة وعزيمة لا تضعف، نحو غد يحمل الوفاق ويضيء الطريق بنور الإيمان والصفاء.

قديم اليوم, 09:43 PM
المشاركة 423
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: مُهاجر
ما عاد للانتظار مساحة إشفاق تضمّد أثر الجراح، بل صار زميلا للألم ومعينا على تعميقها، ومهما امتد الليل فإن الفجر لا يغيب، والرجاء لا يموت، وما للروح أن تخبو وما للقلب أن يضعف.



ومن خرم كخرم إبرة أتنفس الأمل، غير أنه ينفض أركان اعتقادي، ويحيي مخاوفي، ويبث إرجافاته ليقضي على ما تبقى من يقين، لكن عزيمتي صامدة، وقلبي يعرف طريق الفرج، وما للحزن أن يستقر.



يهمس في أذني ذكر الحبيب، مواسيا دموع غربة تصدح بها أملاك الليل البهيم، أفرد أشرعتي، والريح لي رفيق تأخذني نحو المغيب، نحو حيث الأمل يشرق من جديد، وحيث كل حرف ينادي بلقاء، وكل كلمة تزهر شوقا ووفاء.
بحت فيها عن آهاتي، ومعاناتي، وطول انتظاري، ناظرا من يرفق بحالي ويواسي اغترابي في عالم كئيب، وما زال الألم يزحف وما زال الأمل يلوح في الأفق، فكم استباح سعادتي واغتال أحلامي جان بليد، وما يزال يرخي جدائل جرمه على ما تبقى من صبر جميل.



موغل ذاك البعد في أعماقي، تزورني أطياف حبيبتي لتمسح عن قلبي أحزاني وما تكدس فيه من حزن دفين، أية يد ترفع عني السواد وأي نور يضيء دروب الغياب؟ أي صبح جميل يشرق ليبدد حلكة الليل الثقيل؟ فقد طال بي المقام وأنا أقرع باب الفرج القريب، وما زال قلبي يطرق أبواب الرجاء.



مهشم العزم، تتناهشني ضباع الظالمين، وتستقبلني بالشماتة وجوه الحاقدين، لكني أغترف من نهر الرجاء، معلق الآمال برب العالمين، رفعت حاجتي إليه، وفي قلبي غرست اليقين، فقد بصرت بما حل بي، فأدرجته حلما نائما يوشك أن يقطعه استيقاظ على واقع جميل، واقع يزهر الأمل ويعيد الحياة لقلوبنا الضامرة.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2308 ( الأعضاء 1 والزوار 2307)
مُهاجر

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:29 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.