قديم 01-30-2016, 05:29 PM
المشاركة 31
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

الحراك الثوري العربي في ذكراه الخامسة

بشير عبد الفتاح
بشير عبد الفتاح, أكاديمي وباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

ثمة تحسب أمني محلي وإقليمي عالي المستوى لأي تصعيد للحراك الشعبي العربي هذه المرة، توخيا للحيلولة دون توسعه وانتشاره داخل الدولة الواحدة ككرة الثلج، أو على المستوى الإقليمي وفقا لنظرية الدومينو على غرار ما جرى قبل سنوات خمس.

مع حلول الذكرى الخامسة لاندلاع الحراك الثوري العربي في مثل هذه الأيام من العام 2011، فيما لا تزال حصيلة العوائد الإيجابية التي كانت متوخاة من ورائه بطيئة ومتواضعة، لا سيما الاقتصادية منها؛ تطل برأسها التساؤلات بشأن احتمالات إعادة إنتاج ذلك الحراك في بعض البلدان التي دهمتها رياحه، خصوصا في ظل انبعاث سيناريوهات ومقدمات تصعيدية مشابهة في تونس على خلفية احتجاجات ومواجهات بين الدولة وشرائح شعبية ناقمة على شظف العيش، بالتوازي مع وقوع عمليات "إرهابية" محدودة بمناطق متفرقة في ربوع مصر، تتزامن بدورها مع دعوات حذرة لإطلاق تظاهرات احتجاجية حاشدة.

ففي تونس، التي يتراءى لمراقبين هناك أن ثورتها قبرت على مذبح تسوية فوقية أبرمت بين بقايا النظام البائد وحزب النهضة الإسلامي الذي قايض شراكته الهامشية في السلطة بمصالحة مع الدولة العميقة، تجددت احتجاجات شبان غاضبين يطالبون بالعمل، واجتاحت مدنا عدة من بينها القصرين غربي البلاد، بعد يومين من انتحار شاب عاطل عن العمل احتجاجا على شطب اسمه من لائحة للتوظيف.

"توسعت رقعة الاحتجاجات لتشمل ما لا يقل عن ثماني مدن تونسية، مما أدى إلى دخول الجيش على الخط وإعلان الداخلية التونسية حظر التجوال بعموم البلاد خلال الليل"

وتوسعت رقعة الاحتجاجات إلى مدن مجاورة قبل أن تتصاعد وتيرتها لتشمل ما لا يقل عن ثماني مدن، كما هددت العديد من النقابات بشن عدد من الإضرابات والاحتجاجات، للتنديد بما أسمته "الفوضى الحكومية في تنفيذ سياستها"، ما أدى إلى دخول الجيش على الخط، وإعلان الداخلية التونسية حظر التجوال بعموم البلاد خلال الليل، ونشر قوات للجيش تحسبًا لإمكانية تحرّك "إرهابيين" في جبال تالة استغلالا منهم لغياب الأمن.
وفي مصر، وبعد مرور خمس سنوات على ثورة يناير/كانون الثاني*2011، لا يزال المصريون يتساءلون عن إنجازاتها وما تبقى منها، وما برح الجدل محتدما والاشتباك لم يفض ما بين 25 يناير/كانون الثاني*2011 و30 يونيو/حزيران 2013، حتى تزايدت المخاوف من اندلاع ثورة جديدة في ظل وجود دعاوى إخوانية بالتظاهر، بالتزامن مع انطلاق دعاوى ثورية واحتجاجية للتظاهر من قبل حركات مدنية أخرى لا تخفي رفضها للمسار الراهن.

غير أن اللافت في الحالة المصرية قد تجلى في رفض قطاع عريض من المصريين لدعاوى التظاهر أو الاحتجاج مجددا، على الرغم من تحفظ الكثيرين منهم على أداء النظام الحالي.

وانطلاقا مما ذكر آنفا، يمكن الوقوف عند بعض الملاحظات اللافتة:
أولها، أن أدبيات علم الاجتماع السياسي، كما خبرات العالم مع التجارب الثورية الشعبية تؤكد أن الحكم على تلك الثورات الحداثية التي لم تتأت على شاكلة الثورات الكلاسيكية التي شهدها العالم خلال القرنين الماضيين، من حيث النجاح أو الفشل أو موعد جني ثمارها، يتطلب مدى زمنيا يتخطى بكثير الخمس سنوات التي تلت اندلاع الحراك الثوري العربي، خصوصا في ظل أجواء الاضطراب الأمني والارتباك الاقتصادي التي تلقي بظلالها على العالم أجمع، وحالة السيولة السياسية والجيوستراتيجية التي تخيم على منطقة الشرق الأوسط برمتها.

وثانيها، أن الدول التي يتهددها شبح الحراك الثوري مجددا تعاني من غياب موجع للكوادر السياسية والإدارية، فضلا عن هشاشة النخب السياسية والفكرية، وعجزها عن ملأ الفراغ السياسي الناجم عن إسقاط الأنظمة البائدة
، إضافة إلى إخفاقها في الاضطلاع بمهمة تنفيذ مطالب الثورة وأهدافها، في الوقت الذي تنزع فيه الحكومات المرتعشة المتعاقبة إلى الاستسهال في التعاطي مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية عبر التوسع في الإجراءات القمعية وتبني سياسات تقشفية لا تلبث أن تعصف بحقوق البسطاء، دون سواهم، بدلا من ابتكار حلول إبداعية للأزمات المزمنة ، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام انبعاث الاحتجاجات الشعبية الغاضبة.

أما ثالثها، فيتجلى في أن هواجس ونذر تجدد الحراك الثوري إنما تنحصر في البلدان التي شهدت انطلاق ذلك الحراك الثوري قبل خمس سنوات، لكنها لم تتعرض للتفكك أو الانهيار أو السقوط في براثن الحروب الأهلية أو الصراعات الطائفية التي باتت تتهدد الدولة الوطنية العربية في مقتل، حيث دشنت تلك الدول مسارات سياسية لإعادة بناء نظام سياسي أقرب للسمت الديمقراطي.
كما انتهجت نهجا تنمويا يتوسل بلوغ نهضة اقتصادية واجتماعية شاملة ومستدامة. لكن المشكلة أن عوائد وثمار تلك المسارات والبرامج قد تأخرت، بسبب الإرهاب وسوء التخطيط وغياب الكوادر الإدارية الناجعة والمبدعة، فلا الديمقراطية ترسخت دعائمها ولا التنمية ظهرت بشائرها حتى الآن.
"واحدة من مشكلات دول الثورات العربية تكمن في ارتفاع سقف توقعات الشعوب*وتعجلها قطف ثمار تلك الثورات، في الوقت الذي يعجز فيه مستوى أداء الحكومات والأنظمة الجديدة عن الوفاء بتلك التوقعات "

ورابعها، أن المشكلة الحقيقية تكمن في ارتفاع سقف توقعات شعوب بلدان الثورات وتعجلها قطف ثمار تلك الثورات في الوقت الذي يعجز مستوى أداء الحكومات والأنظمة الجديدة عن الوفاء بتلك التوقعات، في ظل ظروف إقليمية ودولية قلقة ومشكلات محلية معقدة ومزمنة.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن الدواعي الاقتصادية والاجتماعية المحركة للاحتجاجات والمغذية للهواجس الخاصة بتجدد الحراك الثوري، والتي تعرف بالاقتصاد السياسي للثورة، إنما تأتي هذه المرة في سياق وضع اقتصادي عالمي متأزم، فلئن قفز معدل البطالة في تونس إلى 15% بعد أن كان 12% عام 2010 -إذ يعاني ثلث الشباب التونسي من البطالة، بينما تبلغ نسبة البطالة في أوساط الخريجين 62%- فليس الحال في مصر بالأفضل على الإطلاق، حيث البطالة المرتفعة والركود الاقتصادي وارتفاع الأسعار وغير ذلك من المشكلات.

وما التراجع الاقتصادي في تلك البلدان بالمنبت الصلة عن تراجع عام يخيم على الاقتصاد العالمي ككل، في ظل عدة معطيات أبرزها: انهيار عدد من أسواق الأسهم الرئيسة حول العالم، وتراجع النمو الاقتصادي في الصين، وتدهور أسعار النفط إلى 27 دولارا للبرميل بسبب زيادة المعروض منه بواقع 31% بعد عودة إيران كمصدر بارز داخل منظمة "أوبك" وزيادة حصص السعودية وليبيا والعراق، فضلا عن تفاقم صادرات الدول من خارج المنظمة، في ظل حرص الدول المصدرة للنفط على إبقاء سعر النفط العادي أقل من النفط الصخري ليستمر الاعتماد الأميركي على نفطها، علاوة على تراجع معدلات نمو الاقتصاد الأميركي بنسب هي الأخطر منذ أربعينيات القرن الماضي.

ونتيجة لذلك تنامت التوقعات بتفاقم معدلات البطالة حول العالم، حيث أعلن المكتب الدولي للعمل أن عدد العاطلين عن العمل في العالم يبلغ حاليا 213 مليون شخص، وقد أرجع خبراء التراجع في معدلات التوظيف وتدهور البطالة في الأشهر الأخيرة إلى تغيير سياسات الدول التي تخلت عن خطط الإنعاش لتتبنى برامج التقشف، وهو ما يهدد باندلاع أزمات اجتماعية حادة.

وقد حذرت صحيفة "الغارديان" البريطانية من تزايد المخاوف من انهيار اقتصادي عالمي يذكر بالأزمة المالية في عام 2008، إثر ما سمته "الهلع الذي يسود الأسواق المالية العالمية"، والذي تمخض بدوره عن موجة من الاهتزازات في الأسواق المالية عززت من اندفاع المستثمرين للبحث عن أماكن آمنة لاستثماراتهم. وبناء عليه، هيمن موضوع تباطؤ الاقتصاد العالمي على أجندة الاجتماع السنوي لصندوق النقد والبنك الدوليين في أكتوبر/تشرين الأول*الماضي.

وخامسها، ثمة تحسب أمني محلي وإقليمي عالي المستوى لأي تصعيد للحراك الشعبي العربي هذه المرة، توخيا للحيلولة دون توسعه وانتشاره داخل الدولة الواحدة ككرة الثلج، أو على المستوى الإقليمي وفقا لنظرية الدومينو على غرار ما جرى قبل سنوات خمس خلت، لا سيما بعد أن حذرت زعيمة حزب العمال التروتسكي في الجزائر لويزة حنون من اندلاع ما أسمته "ثورة اجتماعية"، جراء إمعان الحكومة في تطبيق سياسة وصفتها بـ"التجويعية"، من خلال لجوئها إلى الخيارات السهلة بفرض ضرائب ورفع أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية كالوقود والكهرباء والماء، لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية بما يكبل القدرة الشرائية للفئات الاجتماعية البسيطة، دون المساس بمداخيل الطبقة الثرية وكوادر الدولة. الأمر الذي أدى إلى اتساع الاحتجاجات في الشارع الجزائري ضد السياسة الحكومية بعدما هددت العديد من النقابات بشن إضرابات واحتجاجات، للتنديد بما أسمته "الفوضى الحكومية في تنفيذ السياسات".

وأدان خبراء افتقاد الحكومة للشجاعة السياسية بغية إقناع الجزائريين بالإجراءات التقشفية التي تبنتها، فبتجاهلها ثقة الشارع المهزوزة فيها، انتهجت الحكومة أسلوب التحايل على الشعب، بعد إفراد قانون الموازنة لبند يسمح لوزير المالية التصرف في الموازنة العامة، وهو ما تعتبره المعارضة مصادرة لحق البرلمان ولسلطة رئيس الجمهورية.

"أحد أخطر التداعيات السلبية لما تشهده تونس ومصر وغيرهما من الدول العربية هذه الأيام، يكمن في إمكانية تقويضه لثقة مواطني دول الثورات، ليس فقط في جدوى "الثورة" كآلية للتغيير نحو الأفضل، وإنما أيضا في أهمية الديمقراطية التي قد تتمخض عنها"

وربما انبلج ذلك التحسب الأمني من رحم تعاظم المخاوف من استغلال الإسلاميين المتطرفين لأي حراك شعبي جديد، وقيامهم باختطافه والزج به وبدول وشعوب المنطقة والعالم إلى مآلات كارثية مثلما حدث في مصر وتونس، حيث جنحت جماعات إسلامية راديكالية إلى مبايعة وموالاة تنظيم "داعش الإرهابي"، فيما انضوى زهاء ثمانية آلاف "متطرف" تونسي تحت لواء التنظيمات "الإرهابية" في سوريا والعراق، كما تقلد بعضهم مناصب قيادية مهمة داخل الهياكل الإدارية لتلك التنظيمات، لتحتل بذلك الدولة المفجرة للحراك الثوري العربي المرتبة الرابعة فيما يخص قائمة جنسيات المسلحين المنخرطين في تلك الجماعات بعد الشيشان والسعودية ولبنان.

أخيرا وليس آخرا، فإن أحد أخطر التداعيات السلبية لما تشهده تونس ومصر وغيرهما من الدول العربية هذه الأيام، إنما يكمن في إمكانية تقويضه لثقة مواطني تلك الدول، ليس فقط في جدوى "الثورة" كآلية للتغيير نحو الأفضل، وإنما أيضا في أهمية الديمقراطية التي قد تتمخض عنها، كأداة ناجزة لتحقيق الاستقرار والتنمية.

فلم تكن الخطوات المهمة والخجولة التي خطتها كل من تونس ومصر على طريق بناء أنظمة مدنية ديمقراطية بفعل الحراك الثوري، لتنعكس بالإيجاب على الأوضاع المعيشية والحياة اليومية للمواطنين، خصوصا على المدى القصير، وهو الأمر الذي من شأنه أن يقلص مستوى الطلب على الديمقراطية في سائر البلدان العربية، وربما على مستوى العالم الثالث ككل، التي لن تجد نخبها وأنظمتها -غير المؤمنة أصلا*بأولوية قضية الديمقراطية- أية غضاضة في عرقلة أو تجميد مسيرة التحول الديمقراطي القلقة، كلما تراءى لها ذلك، تذرعا بمحاربة "الإرهاب"، والحفاظ على وحدة الدولة الوطنية، أو توسل النمو الاقتصادي.
المصدر : الجزيرة

قديم 01-30-2016, 05:48 PM
المشاركة 32
خالد أبو إسماعيل
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشباب الذين دعوا الى التظاهر يوم 25 يناير لم يصدقوا عندما رأوا الجموع الغفيرة وكانوا يظنونها كالعادة يتجمعون ثم يتفرقون عند مجيء اﻷمن المركزي فاتصلوا فيما بينهم وقرروا التوجه الى التحرير .
هذا يعني كما قلت الطغيان أي الظلم الذي تجاوز الحد فانفجر ، ﻻتحدث هبة للجماهير اﻻ بعد طغيان .
كيف يمكن افراز قائد يرضى بقيادته الجميع ؟
بنو اسرائيل لم يستطيعوا ذلكفطلبوا من نبيهم أن يختار الله سبحانه وتعالى القائد فاختار الله سبحانه وتعالى طالوت ، فلم يستجيبوا فورا بل قالوا أنه فقير فرد عليهم النبي أن الله سبحانه وتعالى قد أعطاه القوة والعلم فرضخوا .
إذن مشكلة القيادة والزعامة ليست بسيطة بل معضلة حقيقية .
لما انتصر المجاهدين اﻷفغان على الروس حدث معهم نفس الشيء فلم يرضوا لشخص منهم بالقيادة مما أدى إلى اقتتالهم ، ﻻحظ في مصر لم يرض اﻷحزاب والعلمانيون واللبراليون بقيادة الإخوان فتحالفوا مع الجيش والعسكر وقالوا أن اﻻنتظار إلى اﻻنتخابات ثﻻث سنوات فترة طويلة فكانت البوابة التي ولج منها العسكر إلى السلطة بحجة انقاذا البلد من هذا الإنقسام .

قديم 01-30-2016, 11:47 PM
المشاركة 33
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الاستاذ خالد
حتما أساء الاخوان تقدير الموقف خاصة فيما يتعلق بالثقة بالجيش وكان عليهم ان يدركوا بان عقيدة الجيش وتبعيته وولاءه واهدافه قد تغيرت والذي حصل ان الجيش استغلهم حتى يتغير المزاج العام وكان يعمل من اليوم الاول ضمن خطة مدروسة من اجل سحب الثقة منهم او اغتيالهم معنويا وكان من اهم الوسائل لتحقيق ذلك الاعلام لكن الخطة تشتمل على مجموعة اخرى من الاجراءت وعندما تم تهيئته الظروف انقض الجيش عليهم بتبرير انهم الارهاب رغم انهم استوردوا نهجا هنديا في تعاملهم مع الأزمة فكان إعلانهم بان " سلميتنا أقوى من الرصاص " وجلسوا في الساحات مثل البط ليصطادهم رصاص الجيش وكان ذلك خطئهم الاستراتيجي القاتل .

المشكلة ان الجيش فشل هو أيضاً في اقتناص الفرصة وفشل في التعامل مع الامور بصورة سليمة وبحيث يكسب ود الشريحة المهمشة التي هبت ضد الظلم حيث الجيش همش الشباب وقود الثورة ومحركها وجاء بعجوز كاول رئيس للوزارء ولم يقم باي اجراءات تخفف المعاناة بل على العكس تفاقم الوضع الاقتصادي لذلك يظل الوضع متفجر .

اما فيما يتعلق باختيار القائد فان التاريخ يقول ان افضل القائدة جاؤا من بين الأيتام فلا بد من البحث عن قائد يتيم يمتلك سمات القيادة الفذة واهمها الكرزما التي يستطيع من خلالها الفوز بقلوب وعقول الناس وينحاز للجماهير على شاكلة عبد الناصر ويكون لديه برنامج لتحقيق العدالة الاجتماعية ولا يخشى مراكز القوى لتنفيذه ويكون ولاه للوطن والجماهير المسحوقة ولكن السلطة لا تمنح وانما تؤخذ اي انه لا بد من قيام قائد يتيم بالانقلاب والاستيلاء على السلطة ولذلك لا بد ان يكون من الجيش .

*

قديم 01-31-2016, 02:02 AM
المشاركة 34
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بعد خمس سنوات من الثورة: غياب العدالة الاجتماعية ما زال «قنبلة موقوتة» في مصر تنتظر من يفككها
january 30, 2016
عن القدس العربي

القاهرة ـ «القدس العربي»: بعد خمس سنوات من ثورة يناير في مصر، قد لا يكون من المبالغة القول ان قليلا قد تغير فيما يتعلق بمنهجية التعامل مع مفهوم العدالة الاجتماعية الذي كان حاضرا بقوة سواء في أسباب اندلاع الثورة أو ضمن أهدافها المعروفة. بل ان المواطنين الذين أطلقوا اسم (خساير) على الثورة بدلا من يناير محقون من الناحية الموضوعية، من حيث ان حالة التدهور الاقتصادي في أعقاب الثورة، والذي تتحمل مسؤوليته الإدارات السياسية المتعاقبة وليس الثورة في حد ذاتها، أسهمت في تفاقم الحالة المعيشية للغالبية المسحوقة أصلا بدلا من ان تساعد في تحسين أوضاعهم كما كان مأمولا عندما خرج الملايين إلى الشوارع يطالبون بالعيش بمعنى العيش الكريم وليس الخبز فقط.
وإذا كان تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية لعام 2007 أكد أن هناك 14 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر، بينهم أربعة ملايين لا يجدون قوت يومهم، وأن نسبة من يعيشون على دولار واحد يومياً بلغت 3.1٪ من السكان، كما أكدت دراسة لمعهد التخطيط القومي أن أكثر من 16٪ من السكان يعيشون تحت خط الفقر. فان الأوضاع اليوم اسوأ على أي مقياس، إذ تقول الحكومة ان نسبة من يعيشون تحت خط الفقر وصلت إلى 26 ٪ بما يعادل 23 مليون مواطن، وان كانت مصادر أخرى متطابقة تؤكد ان النسبة وصلت إلى 42٪ ما يعادل 37 مليون مواطن. وخسر الاحتياطي النقدي عشرين مليار دولار، حيث هبط من 36 مليار دولار قبل الثورة إلى نحو 16 مليارا فقط الشهر الماضي وهو الحد الأدنى الذي يمكن الحكومة من توفير السلع الغذائية.
وقد أدى تراكم عجز الموازنة العامة العام الماضي إلى إرتفاع حجم الدين العام المحلي إلى 1700 مليار جنيه ما يمثل أكثر من 90٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي وبلغت فوائد هذا الدين الداخلي حوالي 182 مليار جنيه يمثل ربع حجم الإنفاق.
ومن الناحية السياسية لا يجد كثير من المواطنين فارقا كبيرا في تعامل الحكومة مع هذه الأزمة الاقتصادية المتفاقمة مما كانت عليه قبل الثورة. وبنظرة سريعة نجد ان حكومة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك كانت رفعت شعار الأولوية لمحدودي الدخل، ومعها رفع الحزب الوطني شعار (وعدنا .. فأوفينا)، وخرج وزير التنمية الاقتصادية حينها ليصرح بأن «المواطن المصري بإمكانه أن يعيش على 150 قرشاً في اليوم»، في دليل واضح على انفصال الحكومة عن الواقع الذي يعيشه الناس، وعدم ادراكها للأزمات التي تزداد تفاقماً يوماً بعد يوم.
وقد أدى ذلك إلى تزايد مطرد في مظاهر الاحتجاج والرفض والتململ الاجتماعي، كمياً ونوعياً سواء على شكل مظاهرات أو اعتصامات أو اضرابات أو تجمهر زاد عددها من 86 احتجاجاً عام 2003 إلى ما يقرب من 900 احتجاج في عام 2008.
وفي الواقع يمكن القول ان ثورة يناير نفسها، وبالتوازي مع عوامل سياسية وأمنية واجتماعية أخرى بالطبع، لم تكن سوى محصلة طبيعية لتلك الاحتجاجات.
وللاستدلال على المنهجية التي تحكم تعامل الحكومة اليوم، نجد ان وزير العدل أدلى بتصريح مشابه قبل عدة شهور قال فيه ان (المواطن يستطيع ان يعيش بجنيهين يوميا) أي ما يعادل ربع دولار. اما على الأرض فان اختلال موازين العدالة الاجتماعية آخذ في التعمق بين فئات المجتمع بسب الزيادة الواسعة في الأسعار كنتيجة طبيعية لانهيار سعر صرف الجنيه أمام الدولار من خمسة جنيهات للدولار عشية الثورة إلى أكثر من ثمانية جنيهات ونصف للدولار في السوق الموازية أو السوداء اليوم. بالإضافة إلى ذلك تستمر مشاكل عدم استقرار العمالة المؤقتة ومطالبتها بالتثبيت، وعدم تناسب الرواتب والأجور رغم زيادتها مع الأسعار.
وبينما كانت حكومة مبارك تفتح أبواب الفساد على مصراعيها للنخبة المقربة من السلطة، فقد فشلت في تقدير خطورة تلك الاحتجاجات حيث أنها في أغلبيتها احتجاجات كانت غير سياسية، وان انتشارها الواسع في نسيج المجتمع وفي مستوياته الأكثر فقراً ومعاناة.
اما الحكومة اليوم فانها تواصل تجاهل خطورة هذه الأزمة. وبالرغم من انها سعت إلى اتخاذ اجراءات تستهدف تقليل الفجوة بين الأغلبية المسحوقة والطبقة الأكثر غنى، إلا ان هناك اجماعا على انها ليست كافية، بل انها لا تقارن بالحجم الهائل للانفاق على مشروعات أخرى.
ومن هذه القرارات، تطبيق الحد الأدنى للأجور (1200 جنيه شهريا) وتطبيق الحد الأقصى (42000 جنيه شهريا)، وزيادة معاش الضمان الاجتماعي إلى 11 مليار جنيه وبالتالي زيادة عدد المستفيدين من هذا المعاش، ورفع أسعار المواد البترولية من بنزين وسولار ومازوت لتوفير 44 مليار جنيه وقد يؤدي ذلك إلى إرتفاع تكلفة نقل الركاب إلى 10٪ على الأقل من وجهة نظر الحكومة، رفع أسعار الكهرباء لتوفير 27 مليار جنيه مع تطبيق نظام الشرائح المتعددة أي أن سعر الكيلو وات في الشريحة العليا للإستهلاك التي يدفعها أصحاب الدخول المرتفعة أصبح 10 أمثال سعر الكيلو وات بالنسبة للفقراء.
ولا يستطيع كثير من المصريين اليوم فهم أولويات الحكومة التي تنفق مئات المليارات من الجنيهات في مشاريع مثل حفر مجرى جديد لقناة السويس أو إقامة عاصمة إدارية جديدة فيما تتفاقم أوضاع الصحة والتعليم والبطالة والاسكان بشكل مطرد دون وجود أي برنامج محدد لاصلاحها.
كما انهم لا يجدون أسبابا مقنعة للتفاؤل بحدوث تغييرات سياسية تصب في مصلحة تحقيق العدالة الاجتاعية المنشودة. ولا يعني هذا ان المجتمع سيقبل استمرار الأوضاع الحالية أو السياسة الحكومية بهذا الشأن. وقد فشلت الحكومة في تمرير قانون الخدمة المدنية الاسبوع الماضي رغم الضغوط القوية على أعضاء البرلمان، في تعبير واضح عن حجم الأزمة في الشارع المحتقن. وبالرغم من تدخل أجهزة الأمن سعيا لعرقلة تشكيل تحالف للعدالة الاجتماعية في البرلمان، فقد وقع النائب هيثم الحريري وآخرون على مذكرة تطالب الحكومة بإجراءات محددة في الاتجاه نفسه، ومنها:
- إعادة توزيع الدخل القومي على أسس عادلة بما في ذلك وضع نظام عادل للأجور يتضمن حداً أدنى يكفي لمعيشة كريمة لأسرة من أربعة أفراد لا يقل عن 1200 جنيه شهرياً، وحداً أقصى لا يتجاوز خمسة عشر ضعف الحد الأدنى، وزيادة الإنفاق في الموازنة العامة على الصحة والتعليم والإسكان وتطوير نظام التأمينات الاجتماعية ليشمل كل الفئات الضعيفة.
– خفض الإنفاق غير الضروري في الموازنة العامة مثل الإنفاق على الأمن المركزي والحرس الجمهوري والعلاقات العامة.
- زيادة الاستثمار بما يكفي لتحقيق معدلات نمو لا تقل عن 6٪ سنوياً .
- رفع المستوى المهاري للداخلين الجدد إلى سوق العمل، وإعادة النظر في سياسة التدريب لربطها بفرص العمل الجديدة وإنشاء مجلس أعلى لتنمية الموارد البشرية يشرف على هذه العملية .
- إعطاء أولوية في البرامج الاستثمارية والاجتماعية لاستئصال الفقر .
وقبل هذا كله بإمكان الحكومة تنظيم لقاءات مع ممثلي الفئات المختلفة للتعرف على مطالبهم ووضع جدول زمني بالأولويات ليطمئنوا أن مشاكلهم في طريقها للحل عبر فترة زمنية مناسبة. وهنا يطرح السؤال الذي يتصور أصحابه أنهم يوجهون به الضربة القاضية إلى أنصار العدالة الاجتماعية، من أين تأتي الموارد التي تكفي لتمويل هذه الإجراءات، والإجابة ببساطة نأتي بها من القادرين، لأن هذا المجتمع لن تستقر أوضاعه ما لم يقم الأغنياء بمسؤوليتهم الاجتماعية، ولن تكون ثرواتهم بأمان ما لم يتحقق لهذا المجتمع الاستقرار بأن يمولوا من فائض أموالهم ما يكفي لسد الاحتياجات الضرورية لأغلبية الشعب، وهناك العديد من الإجراءات التي يمكن أن تحقق هذا الغرض مثلاً:
- فرض ضريبة على الأرباح على المعاملات الرأسمالية التي لا يبذل فيها جهد مثل الاستثمار العقاري في شراء وبيع أراضي البناء وعلى المعاملات في البورصة، وفرض شرائح جديدة تصاعدية في الضريبة العامة تتجاوز العشرين في المئة لتصبح 25٪ ، 30٪ ، 35٪ ، بالنسبة للأرباح التي تتجاوز ملايين الجنيهات سنوياً .
- مراجعة اعتمادات الدعم وخاصة دعم الطاقة التي يتمتع بها القادرون.
- مراجعة عقود استخراج وتصدير البترول والغاز .
وفي النهاية يجمع الخبراء الاقتصاديون على أن المواطنين لن يشعروا بالعدالة الاجتماعية إلا عندما تمكنهم السياسات العامة للدولة من المحافظة على آدميتهم وكرامتهم، وتحقيق احتياجاتهم، والحصول على فرص متساوية دونما إقصاء أو محاباة. فالعبرة ليست برفع شعار العدالة الاجتماعية أو إدراجه في الخطاب السياسي ولا حتى بوضعه في صلب الدستور والقانون، فكل هذه الإجراءات تظل (معلقة في الهواء) ما لم تتم ترجمتها على أرض الواقع في سياسات عامة تطبقها حكومة رشيدة.
وطالما ان هذا لم يتحقق سيبقى غياب العدالة الاجتماعية «قنبلة موقوتة» تنتظر من يفككها .

قديم 01-31-2016, 02:18 AM
المشاركة 35
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

5 أعوام على 25 يناير: غاب الثوار وحضر العسكر وخميرة لثورة قادمة تكتمل
إبراهيم درويش
january 30, 2016


بعد خمسة أعوام على مرور الثورة المصرية في 25 يناير تحولت مصر في يوم الذكرى إلى ثكنة عسكرية، وعاد ميدان التحرير الذي انطلقت منه شعلة الثورة إلى «دوار» لمرور السيارات، ولم يعد المكان الذي التقى فيه الثوريون قبل خمسة أعوام وهتفوا «خبز، حرية وعدالة اجتماعية»، صلوا وغنوا وحلموا بغد أفضل ومستقبل جميل لأطفالهم. في يوم الإثنين الأسبوع الماضي بقي الثوار في بيوتهم وتركوا الميدان لهتاف جديد باسم طاغية أو فرعون جديد من فراعنة مصر الذين يتحكمون بمصيرها منذ عقود. وكعادة الفراعنة تصرف النظام بعصبية مبالغ فيها كما لاحظت مجلة «إيكونوميست» (23/1/2016) وقالت إن الحكومة الحالية التي يقودها عبد الفتاح السيسي حاولت منع مخاطر تكرار السيناريو نفسه الذي أطاح بحسني مبارك في عام2011.
ومن أجل نسيان الذكرى «المزعجة» عبأت الحكومة رجال الدين وقادة العمال ومقدمي البرامج التلفزيونية في محاولة لمنع الناس من الخروج إلى الشوارع. وأظهرت الحكومة «حماسا منقطع النظير» وشنت حملة اعتقالات لأشخاص ورمتهم في السجون إلى جانب عشرات الألوف من المعتقلين السياسيين الذين يقبعون فيها. وطال القمع أيضا الصحافيين ومدراء صفحات فيسبوك بل وداهمت الشرطة مسارح وغاليرهات للفنون في وسط القاهرة. وتقترح الممارسات التي قام بها النظام أن الدائرة قد اكتملت، فقد تم تناسي ذكرى الثورة عندما أكدت الدولة على الإحتفال بـ «يوم الشرطة» وهو اليوم الذي اندلعت فيه ثورة 25 يناير. فالدولة المخيفة باتت تحكم عبر الخوف وتبني شرعيتها من خلال العنف وتعامل بوحشية حتى نقادها اللطيفين. فالعنف حسب صحيفة «الغارديان» أصبح عادة يمارسها النظام للتشويش على حياة الناس الناقدين له مع أنهم لا يمثلون تهديدا حقيقيا. وترى الصحيفة أن منظومة العنف هي جزء من تبرير دعاية الحكومة واسطورة محاربة الإرهابيين والتي تقول يجب الإنتصار عليهم بأي ثمن. ولهذا فهي تبرر عبر هذه الإسطورة كل أنواع الإجراءات القاسية. ولا يعني التقليل من شأن التحدي الإرهابي في مصر خاصة ما يجري في سيناء لكن سياسات الحكومة تزيد من خطرها. فسياسة الأرض المحروقة التي تمارسها في سيناء تنفر الناس منها وتجعل المنطقة حضنا لكل المتمردين عليها.
عليه أن يخاف من الشعب
وتعتقد «الغارديان» أن تحدي الإرهاب هو جزء من مشاكل دولة ما بعد انقلاب تموز/يوليو 2013 إلا أن التحدي الحقيقي يظل هو قدرة النظام السيطرة على مجتمع غيرته وبعمق تجربة وثورة عام 2011 لدرجة أنه لم يعد يتقبل بحكم نخبة صغيرة من العسكر والبيروقراطيين ورجال الأعمال المتحالفين معهم. ومن هنا ترى الصحيفة أننا إن نظرنا للثورة من هذه الزاوية فالنظام يواجه معضلة كبيرة. فالمجتمع الذي يحكمه السيسي وإن لم يتغير على مستوى النخبة لكنه تحول على مستوى القاعدة، وهي التي رفضت الخروج للتصويت بالانتخابات البرلمانية في الخريف. وكما يقول جاك شينكرفي كتابه «المصريون: قصة راديكالية» الذي صدر يوم الخميس فمن يغير مسار مصر اليوم ليس السيسي ونخبته ولكنهم المزارعون المتمردون والعمال والمغنون الشعبيون والناشطون والناشطات النسويات الذين يقومون بخلق سياستهم من القاع. من الباكر الحكم على الثورة المصرية، فلم تنته قصتها ولا الثورة المضادة.
علامات تصدع
ولنبدأ بالثورة المضادة، فقد أقام السيسي شعبيته على تصديه للإخوان واستخدامه شماعة الترهيب منهم لتعزيز أعمدة حكمه. ومن هنا أعاد استنساخ «الدولة العميقة» في عهد مبارك والتي تتكون من زمرة أصحاب المصالح والرساميل ومؤسسات الدولة مثل الجيش وقوات الأمن والإعلام والقضاء والقبائل المؤثرة في منطقتي الدلتا والصعيد. ولا يزال السيسي يتمتع بشعبية بين الناس، لكنها ليست كما في السابق والسبب متعلق بالحالة الاقتصادية وتراجع العملة الصعبة رغم الإعلان عن المشاريع الضخمة وافتتاحها بهالة من العظمة والأبهة فالحالة الاقتصادية لم تتغير ولم يحضر المستثمرون بعد، مع أن النظام نجح في مؤتمر شرم الشيخ في أذار/مارس 2015 بالحصول على تعهدات بالمليارات من الدولارات. والمسألة كما لاحظ إريك تريغر في مقال نشرته مجلة «فورين بوليسي» (22/1/2016) ونقل عن رجل أعمال مصري قوله «إن كانت شعبيته عندما وصل الحكم هي 93٪ فقد أصبحت الآن 60٪ . مشيرا إلى انتهاء «شهر العسل» للسيسي. وقال تريغر أن مخاوف السيسي من أن يكرر التاريخ نفسه وينتفض الشعب ضده مبررة. لكن الخوف ليس نابعا من هذا الجانب. ففي ضوء ما يجري في دول الربيع العربي من فوضى وحروب ودمار لا أحد من المصريين يرغب الدخول بالمتاهة نفسها. ورأى تريغر أن خوف السيسي يجب أن يكون من «الدولة العميقة» التي وحدتها كراهية الإخوان وتفرقها دائما المصالح. والآن تم تدمير الإخوان وسجن قادتهم وشردوا فلم يعودوا يهددون النخبة الحاكمة، وظهرت ملامح من التوتر بين الرئيس ورجال الأعمال والشرطة والجيش والإستخبارات، ضرب تريغر أمثلة عن المخاوف التي تعتري النخبة ضد بعضها البعض مثل اعتقال رجل الأعمال صالح دياب ونجله في عملية قام بها «زوار الفجر»، وهجوم السيسي على نخبة أصحاب المصالح في كلمة له ببور سعيد. ومنها سماح المخابرات لشلة الإعلام بنقد السيسي كما فعلت لميس الحديدي وزوجها عمرو أديب. و بالسياق نفسه اتهم توفيق عكاشة المخابرات باستخدامه للهجوم على الإخوان. وقال في مقابلة مع يوسف الحسيني «أخذوا ما يريدون ثم أصبح عكاشة مشكلة». ومن مظاهر التوتر داخل الجيش الذي ينحدر منه السيسي سجل الكاتب مستوى من عدم الثقة نابع كما قال تريغر من حالة عدم ثقة وحسد بين قيادات الجيش البارزين. وأخبر مسؤول الكاتب «يقول الجنرالات إن السيسي معزول وأحاط نفسه بمجموعة من الرجال الذين لا يملكون أجوبة». و «بدأوا يطرحون أسئلة، لماذا تغرف الإسكندرية ولماذا قتل السياح المكسيكيون، هذا أمر مثير للخجل». وتظل مؤسسة الجيش هي المؤسسة التي استفادت من التغيير. فشعور السيسي بالامتنان لها جعله يغدق عليها من العطايا والعقود مما وسع امبراطورية الجيش الاقتصادية.
لعبة الجيش
ولا بد من الإشارة إلى حسابات الجيش في الثورة ضد مبارك ومن ثم انقلابه عليها. ويعتقد كل من ناثان براون وياسر الشمي بمقال نشرته دورية «فورين أفيرز» (25/1/2016) أن الجيش تعامل مع الثورة كلحظة تهدد البلاد بالفوضى والإطاحة بالنظام السياسي والاجتماعي. فرغم دعم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعض مطالب المتظاهرين خاصة أنه كان ضد توريث مبارك الرئاسة لابنه جمال وكان غير راض عن تنامي سلطات وزارة الداخلية في النظام السياسي إلا أنه تحرك عندما استجمعت الثورة زخما وقام بخلع مبارك الذي كان أحد جنرالات القوات الجوية. وجاء تحرك الجيش ضمن ما يراه دورا تاريخيا لحماية الشعب والتخلص من الشخصيات الحكومية التي فقدت شرعيتها. ويقترح الكاتبان أن الجيش استطاع تحقيق المهمة نظرا لقربه من السياسة منذ ثورة عام 1952. ويناقش الكاتبان أن الجيش حاول عبر ثورة 2011 لعب دور الوصي على البلاد وإصدار المراسيم والإعلانات الدستورية من جهة واحدة مع الحفاظ على حكومة مدنية تتمتع باستقلالية ذاتية في الصحة والتعليم والبنية التحتية. والأكثر طموحا هو أن المجلس سعى لإجراء انتخابات حرة والسماح للأحزاب الإسلامية بالمشاركة ويبدو أن الفكرة كانت تهدف لخلق نظام «استبداد تنافسي». ولو نجح هذا المجهود لأعاد الجيش فرض سلطته ولكن كوصي على نظام شبه ديمقراطي مستقر داخليا ومقبول دوليا. ولكن الجنرالات لم يتمكنوا من السيطرة على النتائج وفشلت استراتيجيتهم. فقد أنتجت الانتخابات البرلمانية عام 2011-2012 برلمانا بأغلبية إسلامية حيث حصل حزب «الحرية والعدالة» المنبثق عن الإخوان المسلمين على نصيب الأسد وتبعهم السلفيون الأكثر تطرفا. وتبخرت الآمال بأن يكون الرئيس عسكريا عندما فاز مرشح الإخوان الثاني محمد مرسي على الجنرال المتقاعد أحمد شفيق. وتحرك مرسي بسحب السطلة التشريعية من المجلس العسكري ثم عين مدير المخابرات العسكرية عبد الفتاح السيسي وزيرا للدفاع مكان المشير محمد حسين طنطاوي. ويرى الكاتبان أنه لم يحدث أي تعاون بين الإخوان والمجلس العسكري، بل قام الإخوان المسلمون بحملة تدجين فاشلة للجنرالات. ومع أن التنافس عام 2012 لم يظهر واضحا (وتصرف الإخوان المسلمون وكأن عندهم متسعا من الوقت لإدارة العلاقة) إلا أن الجنرالات كانوا يستعدون لتأكيد صدارتهم. وأثبتت الوقائع أن الجيش تحرك للحد من سلطات البرلمان وتقييد حركة الرئيس الدستورية. وعندما اتضح للجيش أن الإخوان المسلمين يسعون لفرض سيطرة مدنية على القوات المسلحة قامت الأجهزة الأمنية بتشجيع المظاهرات وأطيح بالرئيس. ولا يعفي الكاتبان الإخوان من المسؤولية ويميلان إلى أن الجيش تدخل لإنقاذ البلاد من الانهيار الكارثي وفرض النظام مهما كلف الأمر.
هل أنقذ السيسي البلاد؟
ولكن النظام الذي أنتجه الإنقلاب كان أسوأ من حكم الفرد الواحد الذي كان في عهد مبارك. وقد يكون هناك تقارب من ناحية القمع بين نظام السيسي والفترة الناصرية (1956- 1970) لكن السيسي لا يملك عقيدة ولا حزبا وكل ما لديه هو شعارات قومية باهتة. وهنا يمكن مقارنة نظامه بالأنظمة الاستبدادية التي ظهرت في جنوب أوروبا وأمريكا اللاتينية منتصف القرن العشرين. وفي هذا النظام لا يمارس من السياسة إلا القليل وفي حدود ضيقة. وتترك فيه القرارات المهمة لمؤسسات الدولة المتخصصة (والتي لا تخضع للمساءلة). ويتفاخر جيش مصر أنه أنقذ البلاد من مصير ليبيا وسوريا واليمن. وهو إن كان إنجازا يحسب له لكن حركته لم تقض على الظروف التي قادت للثورة الأولى. فكما تناقش إميلي كرين لين بـ «فورين بوليسي»(27/1/2016) فعلاقة السيسي بالجيش تظل رهنا بقدرته على توفير المشاريع والأموال له. وعندما تنضب الأموال الخليجية سيواجه امتحانا حقيقيا. وفي اندفاعته القصرة الأمد ومشاريعه الضخمة نسي الرئيس المصري الناس العاديين وهم الذين كانوا وقود الثورة. وفي هذا السياق حذرت صحيفة «واشنطن بوست» (25/1/2016) من تفكك النظام المصري الذي تجاهلته إدارة الرئيس باراك أوباما وأستأنفت المساعدات السنوية له بقيمة 1.5 مليار دولار تحت ذريعة أن دعم الأنظمة الديكتاتورية سيقود للإستقرار. وعلقت قائلة «على الإدارة أن تعرف الآن أن مراهنتها كانت سيئة. وفي حالة عدم حدوث تغيرات واسعة في سياسات النظام فمن المتوقع أن تتجه أكبر دولة عربية تعدادا للسكان نحو الإنهيار». وختمت بالقول «لا تستطيع الولايات المتحدة بالضرورة وقف الدمار الذاتي الذي يمارسه السيسي. ويمكنها تعبيد الطريق لمستقبل أفضل من خلال حث النظام على وقف محاكمة المعارضين السلميين بمن فيهم القادة العلمانيون والليبراليون الذين شاركوا في ثورة 2011 ومعظهم إما في السجن أو اختاروا المنفى. وعلى الولايات المتحدة ربط المساعدة بحرية الإعلام وإلغاء القوانين القمعية مثل قانون منع التظاهر». وإن غدا لناظره قريب.
إبراهيم درويش

قديم 01-31-2016, 02:17 PM
المشاركة 36
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تونس.. الانقسام الاجتماعي حقيقة الحقائق

زهير إسماعيل
أكاديمي وباحث تونسي

تونس على مفترق طرق حقيقي، وهي البلد الوحيد من بلدان الربيع التي تواصل مسار انتقالها الديمقراطي، ويؤكّد خبراء الاقتصاد والانتقال الديمقراطي أنه لا سبيل لنجاح هذا الانتقال ما لم ينجح في إحداث نقلة اقتصادية واجتماعية.

الانقسام الاجتماعي حقيقة الحقائق في تونس، وهو انقسام عمودي يشقّ البلاد إلى ساحل وداخل وحاضرة وهامش، والهامش ليس حيّزا جغرافيّا بقدر ما هو "مستوى معيشي"، فكما يكون في مدن الداخل المفقّر نجده مجاورا "لأحياء الفساد البرجوازي" في العاصمة، مثلما هي حال "بوسلسلة" و"الجبل الأحمر" الحيَّيْن الشعبيّيْن المُفقّرَيْن، وقد يتحوّل الهامش إلى ما يشبه "الفيتو" أو المخيّم الفلسطيني، مثل أحياء "دوار هيشر" و"سيدي حسين" و"الكباريّة"، التي تمثّل أحزمة الفقر في العاصمة التونسيّة، وتكاد تتحوّل إلى عوالم اجتماعيّة وتبادليّة ولسانيّة ورمزيّة مستقلّة.

والانقسام الاجتماعي ساحل/داخل لا يمكن إلاّ أن يذكرك بانقسام مخيم/مستوطنة في فلسطين المحتلّة وما جاورها.

"كان الانقسام الاجتماعي سبب الثورة العميق، وكانت انتفاضة الهامش المفقّر 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 صورته السياسية، وكان رأبُه هو الغاية التي تجري إليها، وكان الوجه الاجتماعي للحرية والكرامة هو توحيد البلاد اجتماعيّا"

يشعر من أقام بضاحية قرطاج أو قمرت من سكّان الداخل -لمصادفة عابرة- بأنّه سكن مستوطنة، ويكون هذا الشعور حافزا له على "اكتشاف" أنّ مدينته الأصليّة لا تشبه سوى مكان واحد هو المخيمّ الفلسطيني. فكأنّ في بلادنا جدل لا ينتهي بين المستوطنة والمخيّم، بل بلادنا مستوطنات قليلة ومخيّمات ممتدّة من "بنزرت" إلى "رأس الجدير".

كان الانقسام الاجتماعي سبب الثورة العميق، وكانت انتفاضة الهامش المفقّر 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 صورته السياسية، وكان سبب انتفاضة الهامش الجذريّة، وكان رأبُه هو الغاية التي تجري إليها، وكان الوجه الاجتماعي للحرية والكرامة هو توحيد البلاد اجتماعيّا.

وكان الوصول إلى هذه الغاية المتمثّلة في "توحيد البلاد اجتماعيّا" من خلال تنمية محلية عادلة ومستدامة هو المضمون الاجتماعي للديمقراطيّة في بلادنا، وكنا على وعي بأنّه لا استقرار دون عمليّة التوحيد هذه.

ولم نكن نطمع أن يتحقّق هذا الهدف بقرار سياسي، وإنّما كان مأمولا أن يشرع أصحاب هذا القرار السياسي، الذي حررت الثورة إرادته بالتفويض التاريخي في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، في "مشروع التوحيد الاجتماعي" بوضع اللبنات الأولى المطلوبة وتلبية الاستحقاقات الاجتماعيّة العاجلة.

ولكن العوامل الذاتيّة والموضوعيّة التي ألمّت بمن تمّ تفويضهم حالت دون وضع اللبنة الأولى، وبقي الأمر على حاله بسبب انقسام الطبقة السياسيّة وعجزها عن بناء وفاق وطني كانت البلاد في أشدّ الحاجة إليه، وهو انقسام لا يقلّ خطورة عن الانقسام الاجتماعي.

وكان خبراء الاقتصاد يدركون أنّ شرط النهوض الاقتصادي وانطلاق برنامج تنموي حقيقي شرط سياسيّ وليس اقتصاديّا، ويتمثّل هذا الشرط في استقرار سياسي وهدنة اجتماعيّة تضمن استثمارات ضخمة كانت كفيلة بتحقيق مستويات عالية من النموّ الاقتصادي قد تفوق السبع نقاط، وهو ما يعني تشغيل أكثر من مئة ألف عاطل عن العمل سنويّا.

كانت لانقسام الطبقة السياسيّة وما نتج عنه من تجاذبات حادّة واضطراب اجتماعي نتيجتان كارثيّتان: تعطيل الآلة الاقتصاديّة وعودة المنظومة القديمة بعناوين سياسيّة مستعارة. فكما منع التجاذب السياسي الحادّ والعمليات الإرهابيّة توفير الاستقرار الذي يحتاجه الاستثمار، كان انقسام النخبة المنْفذ الوحيد الذي تسرّبت منه المنظومة القديمة للالتحاق بصفّ "المعارضة" مع انطلاق مرحلة التأسيس التي كانت تعني كلّ القوى التي ضمّها المجلس الوطني التأسيسي، غير أنّ الصراع السياسي بعنوان أغلبيّة وأقليّة وحكم ومعارضة، قبل أن تتوفر أرضيّته المؤسسات والديمقراطيّة ودستوريّة، مثّل انحرافا سياسيّا ما زالت تعاني منه البلاد.

ورغم تبدّل الوجوه السياسيّة في تدبير الشأن العام بقي الشرخ الاجتماعي هو القاسم المشترك بين كلّ المراحل التي شهدتها الحياة السياسيّة والاجتماعيّة في سنوات الثورة الخمس، وكان أداء من تمّ تفويضهم متقاربا رغم اختلاف درجات الإخفاق، ورغم اختلاف هذه الجهات المُفوّضة في مرجعياتها وارتباطاتها وغاياتها، لأنّ قانون الشرخ الاجتماعي كان بمعزل عن منطق الحياة السياسيّة، وقانونه هو الاحتجاج المتواتر.

وتبقى أسباب هذا الاحتجاج فاعلة أيّا كانت الجهة السياسيّة الحاكمة، وهذا لا يمنع وجود جهات سياسيّة وأيديولوجيّة متهيّئة دوما لركوب موجة الاحتجاجات الأصيلة وتوجيهها بما يخدم أجندتها الحزبية والفئويّة. ولقد عرفت الاحتجاجات الأخيرة هذا المصير، فقد انطلقت في بداياتها موحّدة الصوت حول مطلب التشغيل، وكانت تدرك أنّها اشتباك مواطنيّ اجتماعي مع الفساد وبقايا الاستبداد من داخل المنظومة الديمقراطيّة.

"تبقى أسباب الاحتجاج فاعلة أيّا كانت الجهة السياسيّة الحاكمة، لكن هذا لا يمنع وجود جهات سياسيّة وأيديولوجيّة متهيّئة دوما لركوب موجة الاحتجاجات الأصيلة وتوجيهها بما يخدم أجندتها الحزبية والفئويّة"

ومع تطوّر الاحتجاجات تعدّدت الأصوات، وكادت تغطّي على الصوت الشبابي المواطني الاجتماعي، وأمكن تبيّن صوتين إلى جانب صوت الشبيبة الأصيل: صوت ائتلاف التسوية الحاكم، وهو بقدر اعترافه بمشروعيّة المطالب الاجتماعيّة وتذكيره بالتزامه بالنهج الديمقراطي واجتهاده في تجاوز الخطاب الخشبيّ للاستبداد، يبدو متردّدا في القطع مع الفساد أصل الداء وسبب البلاء.

وصوت يطالب مواربة بإسقاط النظام جمَع خليطا من شقوق حزب النداء ومن اليسار المتوتّر دوما مع حزب النهضة، وقد كان صوت الأحزاب الديمقراطيّة الاجتماعيّة متناغما مع صوت الشبيبة وامتدادا له في الساحة السياسيّة، صوت مع الثورة من داخل المنظومة الديمقراطيّة، وهذا ما يجعله في اشتباك دائم مع الفساد الممثل في مكوّنات من الائتلاف الحاكم وفي مواجهة مستمرّة مع ما يهدّد المكاسب من خارج المنظومة الديمقراطيّة، وهو يدرك أنّ للمنظومة القديمة حضورا داخل المنظومة الديمقراطيّة وخارجها، ويعبّر حراك تونس الإرادة بقوّة عن هذا الصوت.

وفي هذا السياق يأتي حديث رئيسه الدكتور محمد المنصف المرزوقي عن دور إحدى الدول العربيّة الصغيرة في استهداف التجربة التونسيّة الرائدة، وهو ليس اتهاما منه لهذه الدولة بقدر ما هو تذكير لها بما صرّح به قادتها وأمنيوها، وما تناقلته وسائل إعلام أميركيّة وأوروبيّة باستهداف تونس، وبما اجتمع من مؤشّرات في الأحداث الأخيرة على هذا التدخّل.

لم تكن الثورة نفسها خارجة عن قانون الانقسام الاجتماعي هذا، غير أنّ من ثاروا في الهامش ونقلوا حركتهم إلى الحاضرة كانوا يُحسنون الظنّ بالطبقة السياسيّة التي خرجت لتوّها موحّدة من مواجهة الاستبداد؛ فقد وحّدها مطلب الحريّة.

كان الهامش الثائر يُحسن الظن بمناضلي الطبقة السياسيّة، لأنّه لم يختبرها، وكانت انتظاراته من أدائها كبيرة، ولكنّ حصاد السنوات الخمس من الثورة كان مرّا، وكان يمكن لبعض الأفذاذ من أهل الاختصاص في الحركات الاجتماعيّة أن يتبينوا ملامح ما سيكون على مدى خمس سنوات منذ القصبة (1) والقصبة (2) وما كان فيهما من احتكاك سياسي غير مسبوق بين الحاضرة ونخبتها والهامش الذي حلّ بينهم ليكتب دستور ثورته على جدران "قصبتهم" الناصعة.

بقي الهامش موضوعا للسلطة حين يستسلم وموضوعا للركوب حين يثور؛ فلم يستطع أن يكون لسان حال نفسه، أو أن يبني مع الحاضرة "خطابا مشتركا جديدا" يمكن أن نطلق عليه خطاب الثورة. كانت هنالك أصداء لصوت الهامش تظهر على مدى السنوات الخمس الماضية وفي محطّات مختلفة: في زمن الترويكا، وفي حكومة التكنوقراط الشهيرة، وهذه الأيّام، ولكن ضجيج الطبقة السياسية -حُكْمًا ومعارضةً- وفي المراحل المذكورة جميعا، كان يطغى على هذا "الصوت الوليد" فيختلط الأمر حتّى على محترفي السياسة والخائضين فيها، وهذه الأيام بدا صوته أوضح رغم ركوب الراكبين وخوف المذعورين.

هذه الحقيقة لا تبرّئ الفريق الحاكم بوصفه مسؤولا مسؤوليّة مباشرة، ولا تُبرّئ أحدا، مع اختلاف في درجة الإدانة؛ فمن الإنصاف أن يُنسّب مَنْ تحمّل المسؤوليّة يوما حديثه في المسألة الاجتماعيّة وأن يكون مروره بنصيبه من الإخفاق أدعى للمصداقيّة، ومن المروءة أن يكفّ من احترف ركوب الاحتجاج الاجتماعي عن توظيف حركة المحرومين من التشغيل وقيام المهمّشين من أجل حقوقهم في خدمة أجندته الفئويّة، ومن المروءة أن يجتهد في بناء معادلة تجمع بين تحقيق جانب من أهداف المحتجّين ونجاحه في دعم صورته ومصلحة البلد.

ومن المفاجآت السارة أن يتجنّب من بيده الحكم اليوم اللغة الخشبيّة وأن يعترف بإخفاقه وافتقاده الرؤية الواضحة والبرنامج الدقيق الملائم، وألاّ يُعلّق فشله على خمسين عاما من التنمية المشوّهة والسياسات الاقتصاديّة الفئويّة، لأنّه لا يفتأ يذكر وراثة إرثها السياسي والرمزي، ولأنّه كان بالأمس لا يُنصف مَنْ طالبه بالهدنة كي يتوفّر المعلوم من شروط التنمية بالضرورة.

ومن الكياسة أن ينتهي الجميع إلى أن منطق التسوية المسمّى "توافقا" لن يُسعف البلاد بالخروج من الأزمة الخانقة، ولئن كان من "فوائد" التسوية تجنيب البلاد الاحتراب الأهلي، إلى حدّ الآن على الأقلّ، فإنّها أورثت حالة من الهشاشة السياسيّة جعلت البلاد غير قابلة للحكم إن لم يكن حكمها مستحيلا أصلاً.

ويتأكّد هذا الاستعصاء بعد انتخابات 2014 التشريعيّة والرئاسيّة التي حملت نداء تونس عنوان المنظومة القديمة إلى الحكم، وهو الحزب الذي وعد التونسيين بازدهار اقتصادي تصنعه كفاءاته الفذّة وبرنامجه الاقتصادي "المذهل".

"تونس هي البلد الوحيد من بلدان الربيع التي تواصل مسار انتقالها الديمقراطي، ويؤكّد خبراء الاقتصاد والانتقال الديمقراطي أنه لا سبيل للنجاح هذا الانتقال ما لم ينجح في إحداث انتقال اقتصادي اجتماعي"

وكان للتونسيين ما توقّعه زعيم النداء، الذي صار رئيس تونس، من الدوار وفقدان الصواب أمام نسبة النموّ التي قاربت الصفر، وتشير بعض الدوائر الاقتصاديّة العليمة إلى تدحرجها إلى ما تحت الصفر، في حين تراوحت النسبة زمن الترويكا بين 2.8 و3.5% وهو ما يجعل المقارنة بين حكم الترويكا وحكم النداء وحلفائه مثيرة للعديد من المفارقات.

ومن هذه المفارقات ما كان قادحا على السؤال التالي: إذا كان فشل الترويكا الرئيسي بسبب رفض المنظومة القديمة وحلفائها النتائج السياسيّة للانتخابات التأسيسيّة أدّى إلى حرمانها من شروط النجاح الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي، فما الذي حرم الائتلاف الرباعي المسمى "ائتلاف التسوية" من النجاح رغم رعاية القديم العائد؟

الجواب يجد حقيقته في المسألة الاجتماعية، وتحديدا في الصدع الاجتماعي الذي لم يُرأَبْ، فضلا عن عامل الفساد الذي تفاقم بعد الثورة، ولا سيّما عودة المنظومة القديمة برموزها التي كانت عناوين الأزمات الاجتماعيّة الحادّة التي عرفتها تونس على مدى عقود.

من المهمّ الإشارة إلى أنّ الإسلام السياسي الذي عُدّ أحد أهمّ الشروط في بناء الديمقراطيّة صار جزءا من التسوية المذكورة رغم إصراره على تسميتها "توافقا"، ومن المهمّ لفت الانتباه إلى أنّ التسوية التي عقدها مع القديم تقع داخل مجال المنظومة الديمقراطيّة سليلة المسار الثوري، ولكن يبدو أنّها مشروطة بإكراهات القديم وبمصالحه الموروثة عن منظومة الفساد.

يقف المتتبع للشأن التونسي على تعقّد المشهد السياسي، وأنّه مشهد انتقالي بامتياز، ولم يفصح عن نتاجه ليستقر عند معادلة سياسيّة واضحة المعالم، ومن المثير أنّ القديم والجديد ليسا جبهتين متقابلتين مثلما كانت عليه الحال عند اندلاع الثورة أو في بدايات المسار التأسيسي، ولئن كان الجديد كلّه منضويا داخل المنظومة الديمقراطيّة فإنّ بعض مكوّناته اليوم جزء من ائتلاف التسوية، في حين توزّع القديم بعد انشقاقه بين داخل المنظومة الديمقراطيّة وخارجها، وهو في موقعيه المختلفين مهدّد للديمقراطيّة الناشئة.

تونس على مفترق طرق حقيقي، وهي البلد الوحيد من بلدان الربيع التي تواصل مسار انتقالها الديمقراطي، ويؤكّد خبراء الاقتصاد والانتقال الديمقراطي أنه لا سبيل لنجاح الانتقال الديمقراطي في تونس ما لم ينجح في إحداث انتقال اقتصادي اجتماعي.

لن تصبح تونس قابلة للحكم إلاّ على أساس أرضيّة وفاق وطني جامعة قوامها خطّة وطنيّة لمقاومة الفساد ومنوال تنموي بأفق مواطني اجتماعي لرأب الصدع الاجتماعي ومصالحة وطنيّة من أجل محاسبة على قاعدة قانون العدالة الانتقاليّة وإستراتيجيّة وطنيّة لمقاومة الإرهاب.

عندها يمكن لصوت الهامش أن يلتقي مع صوت الحاضرة لأوّل مرّة في تاريخ تونس الحديث، وعندها يكون لديمقراطيتنا نكهتها الخاصّة في جمعها بين الحريّة والكرامة.
المصدر : الجزيرة

قديم 01-31-2016, 05:27 PM
المشاركة 37
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الانقسام الاجتماعي حقيقة الحقائق في تونس، وهو انقسام عمودي يشقّ البلاد إلى ساحل وداخل وحاضرة وهامش، والهامش ليس حيّزا جغرافيّا بقدر ما هو "مستوى معيشي"، فكما يكون في مدن الداخل المفقّر نجده مجاورا "لأحياء الفساد البرجوازي" في العاصمة، مثلما هي حال "بوسلسلة" و"الجبل الأحمر" الحيَّيْن الشعبيّيْن المُفقّرَيْن، وقد يتحوّل الهامش إلى ما يشبه "الفيتو" أو المخيّم الفلسطيني، مثل أحياء "دوار هيشر" و"سيدي حسين" و"الكباريّة"، التي تمثّل أحزمة الفقر في العاصمة التونسيّة، وتكاد تتحوّل إلى عوالم اجتماعيّة وتبادليّة ولسانيّة ورمزيّة مستقلّة.


كيف لا تقوم ثورة والوضع كما وصفة هذا الاكاديمي التونسي ؟؟؟!!!

وكيف يكمن توقع انتهاء ربيع تونس والوضع مزري الي هذا الحد وغياب العدالة الاجتماعية هو السمة البارزة ؟



قديم 02-01-2016, 05:51 PM
المشاركة 38
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
- هل تمتلك الثورات العربية اي فرصة لتحسين الوضع الاقتصادي في ظل هيمنة البنك الدولي وسياسات العولمة التي تسببت في افقار المجتمعات بداية ؟

- وهل تحسن الأداء الاقتصادي النسبي في زمن مرسي مؤشر على قدرة النظم الثورية ان تحقق انجازات لو تخلصت من تبعيتها الاقتصادية للنظام العالمي واعتمدت سياسات وطنية في المجالات الزراعية والصناعية وحققت الاكتفاء الذاتي ؟

- وهل تمتلك مثل هذه الأنظمة اي امكانية للحياة لو انها تعرضت للمقاطعة الاقتصادية ؟

- الم يعد العالم قرية صغيرة ولا يمكن لاحد ان يغرد خارج السرب ؟

- فهل هناك اي افق لنجاح اين من ثورات الربيع العربي ؟ ام ان الامر اصبح محسوما ويشير الي فشل ذريع لتجربة الثورات ؟
-
هل انتهى الربيع العربي ؟ *

قديم 02-02-2016, 07:57 AM
المشاركة 39
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
السنوات الخمس.. خصم أم إضافة؟


لا خير فينا إذا فوتنا الذكرى الخامسة لثورة يناير دون أن نطالع وجوهنا في مرآة الواقع، لكي نجدد مسيرة الثورة ونعالج أسباب انتكاسها.
(1)
ما الذي حدث خلال السنوات الخمس، بحيث كانت الشعارات المرفوعة في عام 2011 تطالب بالخبز والحرية والعدالة الاجتماعية، ثم صارت أصوات النشطاء تنادي في عام 2016 بوقف الاختفاء القسري وإدخال البطانيات والأدوية إلى سجن العقرب؟
هذا السؤال ألقيته يوم السبت الماضي (30/1) ووعدت بمحاولة الإجابة عنه. وحين قلَّبت الأمر وجدت أننا لا ينبغي أن نتعجل في إصدار الأحكام، لأن تفاعلات الثورة لا تزال مستمرة بصور مختلفة، ومن ثم يفرض علينا الإنصاف أن نتحدث عن تجربة [color="rgb(255, 0, 255)"]السنوات الخمس التي مرت من عمر الثورة باعتبارها أولى حلقاتها[/color]، وليست كل عمرها. أدركت أيضا أن ثمة مفاتيح ربما سبقت الإشارة إلى بعضها، ومع ذلك يظل استحضارها مهما لكي نتفهم ما جرى ونضعه في إطاره الصحيح، من تلك المفاتيح ما يلي:
"على مدى التاريخ، فإن الثورات الحقيقية استغرقت عقودا (الثورة الفرنسية لم يستقم لها الأمر إلا بعد 80 عاما)، حتى صار طول الأجل من سماتها وأعرافها. الأهم من ذلك أنه ما من ثورة وقعت إلا تعرضت للانتكاس، وحين يحدث ذلك فإن عناصر الثورة المضادة تعود إلى سابق عهدها بصورة أكثر عنفا وشراسة"
- إن الثورة بمعنى إحداث تغيير في النظام والمفاهيم والمشروع وجهاز الإدارة، عمل كبير يتطلب وقتا طويلا وعملا دؤوبا. وهي تختلف عن الانقلاب الذي عادة ما يكتفي بتغيير السلطة بحيث يبقى ما عدا ذلك على حاله (في اللغة الفارسية تعد الثورة انقلابا في كل الأحوال). من هذه الزاوية تعد السنوات الخمس مرحلة تمهيدية وإعدادية. والتقييم في هذه الحالة حين ينصب على الشوط الذي قطعته الثورة، ينبغي ألا يستقبل بحسبانه حكما لصالح الثورة أو ضدها.
- على مدى التاريخ، فإن الثورات الحقيقية استغرقت عقودا (الثورة الفرنسية لم يستقم لها الأمر إلا بعد*80 عاما)، حتى صار طول الأجل من سماتها وأعرافها. الأهم من ذلك أنه ما من ثورة وقعت إلا تعرضت للانتكاس، وحين يحدث ذلك فإن عناصر الثورة المضادة تعود إلى سابق عهدها بصورة أكثر عنفا وشراسة، لأن أداءها كان مشوبا بالرغبة في الانتقام واستئصال قوى الثورة التي أزاحتها.
- إن الثورة كانت بمثابة انفجار لبركان الغضب المتراكم في الأعماق العربية والمصرية منذ عقود، وذلك الانفجار أطلق الأشواق المحبوسة التي تعلقت بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. الأمر الذي يعني أنها كانت إشهارا لثورة الإنسان العربي ضد الظلم السياسي والاجتماعي معا، وقد أثبتت تجربة تونس من خلال الانتفاضة الأخيرة أن زوال الظلم السياسي لا يشبع طموح الجماهير التي لم تتخل عن رفضها للظلم الاجتماعي.
- حين هبت رياح الثورة فإن أصداءها ترددت في عموم الوجدان العربي، وكان تغيير بعض الأنظمة بمثابة الجزء الظاهر منها، في حين في حين أن التغيير الأكبر كان من نصيب حراك المجتمعات وتطلعاتها وأصواتها التي ارتفعت وما عاد ممكنا إسكاتها خصوصا بعدما وجدت في الفضاء الإلكتروني متنفسا لها. ولأنها كانت ثورة أمة وليست ثورة قطر بذاته، فإن عناصر الثورة المضادة في العالم العربي استجمعت قواها واحتشدت لقمعها، فحققت نجاحات في بعض المواقع وأخفقت في مواقع أخرى.
- إن المؤامرة كان لها دورها ووجودها حقا، لكن ذلك لم يكن له علاقة بإطلاق الثورة، وإنما برز الدور بوضوح في محاولات إفشالها أو إجهاضها. وهي المحاولات التي أسهمت فيها الأطراف الإقليمية بدور فعال لا يزال مستمرا حتى الآن.
- ليس صحيحا أن الثورة أتت بالإرهاب الذي خطف الأضواء منها، ولكن الإرهاب خرج من عباءة الأنظمة المستبدة التي تحالفت مع الثورة المضادة. وتشكل سوريا حالة نموذجية في ذلك، لأن ثورة الشعب السوري حين انطلقت من درعا عام 2011 كانت سلمية ولم تطمح لأكثر من إصلاح النظام، ولكن شراسة القمع دفعت الجماهير للدعوة لإسقاط النظام، وحينئذ أُطلق "الشبيحة" وظهرت الجماعات المسلحة التي قلبت المشهد وسوغت لنظام الأسد ادعاءه بأنه يخوض معركة ضد الإرهاب لا ضد شعب يدافع عن حريته وكرامته.
(2)
(2)
حقا كان فعل الثورة في مصر بمثابة لحظة نادرة في تاريخها، ذابت فيها الهويات والتمايزات والخلافات، وانعقد إجماع الأمة على ضرورة الانتصار للوطن، إلا أنها كانت في ذات الوقت ومضة لمعت في الأفق، ثم حجب بريقها بسرعة وجرى تنزيلها إلى الأرض على هيئة مغايرة.
أتحدث عن إخفاقين منيت بهما الثورة المصرية في سنواتها الأولى: أحدهما يتعلق بطمس حقائق الثمانية عشر يوما التي انتهت بإسقاط نظام مبارك، والثاني يتمثل في تأجيل أهدافها والانجرار في مسارات أخرى بعيدة عنها.
"ليس صحيحا أن الثورة أتت بالإرهاب الذي خطف الأضواء منها، ولكن الإرهاب خرج من عباءة الأنظمة المستبدة التي تحالفت مع الثورة المضادة. وتشكل سوريا حالة نموذجية في ذلك، لأن ثورة الشعب السوري حين انطلقت من درعا عام 2011 كانت سلمية ولم تطمح لأكثر من إصلاح النظام، ولكن شراسة القمع دفعت الجماهير للدعوة لإسقاط النظام"
إن تلك اللحظة التاريخية الباهرة والنادرة وغير المسبوقة في مصر، جرى تشويهها بسرعة بحيث أضحت عملا مشبوها وسابقة أو حادثا مؤسفا في السجل العدلي لمجتمع المصريين، وهو ما سوغ اعتبارها مؤامرة من قبل البعض أسهمت في تدبيرها جهات خارجية، الأمر الذي فتح الباب لاتهام المشاركين فيها الذين صاروا بين محكومين في السجون أو مهاجرين خارج مصر، أو متوجسين في داخلها.
إن شئت الدقة فقل إن أحداث الثورة أصبح لها الآن تاريخان في مصر، واحد مدفون ومحبوس والثاني معمم على وسائل الإعلام وحاضر في ساحات المحاكم. التاريخ المدفون كتبته لجنة تقصي حقائق الثمانية عشر يوما المجيدة، التي رأسها المستشار عادل قورة رئيس محكمة النقض الأسبق، وضمت عددا من كبار رجال القانون والخبراء.
إذ أعدت اللجنة تقريرها في ظل أول حكومة بعد الثورة -في زمن البراءة الأول- وانتهت منه وأعلنته في مؤتمر صحفي يوم*3 أبريل/نيسان 2011، واتهمت فيه الشرطة بالمسؤولية عن قتل الثوار. كما حققت في وقائع أخرى من قبيل ما جرى في واقعة الجمل، وفتح السجون وغير ذلك.
لكن ذلك التقرير تم تجاهله تماما، وجرى الترويج بعد ذلك لصياغة جديدة للوقائع حملت مسؤولية قتل الثوار لعناصر من خارج مصر، وبرأت مرتكبي واقعة الجمل وجعلت فتح السجون جزءا من المؤامرة. (للعلم ثمة تقرير آخر لوقائع مرحلة حكم المجلس العسكري أعدته لجنة محايدة رأسها المستشار عزت شرباص نائب رئيس محكمة النقض، وقد تم تجاهله ودفنه بدوره).

محو التاريخ الحقيقي للثورة الذي قامت به عناصر الدولة العميقة كان تمهيدا لما هو آت، ومقدمة لاستعادة نفوذ وسياسات النظام القديم الذي لم يحاكم رموزه على ما ألحقوه بمصر من فساد سياسي على مدى ثلاثين عاما، وبرّأ أغلبهم من التهم التي وجهت إليهم بخصوص الفساد المالي. وفي الوقت ذاته بُرئت قيادات الشرطة من كل قضايا القتل والتعذيب التي رفعت ضدهم.
حين طمس وجه الثورة وشوهت ملامحه، فإن التساؤل عن مصير شعاراتها وأهدافها لم يعد له محل. إذ لم يكن مستغربا أن تغيب تلك الشعارات عن أجندة النظام القديم الذي عاد إلينا بوجوه جديدة، لذلك أصبح طبيعيا ومفهوما أن تظل تلك الشعارات معلقة في الفضاء بعد مضي خمس سنوات من الثورة، ولم يتم تنزيلها على الأرض بعد، الأمر الذي يعني أن الثورة صارت جزءا من التاريخ وليست جزءا من الواقع.
(3)
يظلم الوضع الراهن في مصر إذا حملناه بكامل المسؤولية عما آلت إليه حال الثورة، ذلك لأنه ورث أوضاعا مختلفة كان لها إسهامها الأساسي في إشاعة حالة القابلية للانتكاس. إذ في ظل تغييب الديمقراطية وانعدام المشاركة الشعبية طوال عدة عقود فقد المجتمع عافيته وضمرت عضلاته بحيث أصيب بدرجة عالية من الهشاشة والضعف. ففقدت مؤسساته استقلالها بحيث تحولت إلى هياكل وكيانات ملحقة بالإدارة السياسية، وهو ما حدث بالنسبة للأحزاب والهيئات الأخرى، ولم تكن شرائح النخبة بعيدة عن تلك الأجواء. فالتحقت الأغلبية ببيت الطاعة الذي هيمنت عليه السلطة السياسية معتمدة في ذلك على الأجهزة الأمنية.
هذا المجتمع الرخو الذي أصابته الإدارة السياسية بالإعاقة، ظل الناس فيه يختزنون الحزن والغضب، حيث لم يجدوا منبرا يعبر عنهم بعدما جرى تأميم المجال العام واختزال الوطن في النظام واختزال النظام في الزعيم الذي بات يستمد شرعيته من قوة الأجهزة الأمنية وبطشها.
وحين تمادى النظام في سطوته وجبروته، فإن جيل الشباب كان وحده الذي غامر بالتمرد واستطاع أن يوظف ثورة الاتصالات لإيصال رسالته إلى الملايين التي اختزنت الغضب واحتملت الهوان والانكسار عدة عقود. تفاعلت الرسالة مع شرارة الثورة التي انطلقت من تونس وأصبحت بمثابة عود الثقاب الذي ألقي في مخزن الوقود والبارود، فكان الانفجار الكبير الذي فاجأ الجميع وأبهرهم.
"لأننا لا نملك ترف الاستسلام، فلا مفر من استنفار همة الشرفاء في مصر ودعوتهم للعودة إلى الاصطفاف وراء شعارات الثورة التي حجبت أو نسيت، ومن ثم فتح باب الحوار حول السبيل إلى تحقيق الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، والانتقال من مرحلة "الأمن يريد" إلى شعار "الشعب يريد"، بعيدا عن التهريج والتزوير"
حين انتفضت الجماهير في*25 يناير/كانون الثاني*2011 في أجواء الخواء السياسي المخيم آنذاك، فإننا أصبحنا إزاء جسم كبير بلا رأس. وحين غاب الرأس غاب العقل واختلت الرؤية وضاقت الخيارات والبدائل. إذ في ظل الأنقاض التي خلفها النظام السابق عز العثور على بناء محتفظ بقوامه ويمكن المراهنة عليه.
بكلام آخر فإنه حين ماتت السياسة ولم يعد للمجتمع المدني وجود يذكر، فقد البلد بوصلته الهادية وتعذر العثور على قيادة تحظى بالإجماع الوطني. وفي هذه الأجواء أصبحت القوات المسلحة هي المؤسسة الوحيدة التي احتفظت بتماسكها، ومن ثم صارت "خيار الضرورة" الذي لم يكن هناك بديل عنه.
بشكل مواز فإنه في غياب المشاركة الشعبية ضمرت أيضا القوى السياسية واختلت العلاقات بين تياراتها المختلفة التي أصبحت أسيرة تناقضاتها وصراعاتها الأيديولوجية، ومن أسوأ النتائج السيئة التي ترتبت ما تورط فيه المثقفون حين انشقت صفوفهم وتوزعوا بين فصيلين، أحدهما مدني والآخر ديني، الأمر الذي أعاد إلى الواجهة الصراع الإسلامي العلماني، الذي هزم بسببه الطرفان في نهاية المطاف.
(4)
لست أقلل من شأن أو أهمية موضوع الإرهاب ولا قصة الصراع بين السلطة والإخوان، لأن مستقبل الثورة والوطن بأسره هو الأكثر أهمية في اللحظة الراهنة. وهذا المستقبل لم ينل ما يستحقه من اهتمام في الحوار الدائر الذي بات يستدرجنا إلى أمور فرعية وتفصيلات بعضها يعمق من الجراح والبعض الآخر يوسع من التيه ويحشرنا في نفقه المظلم.
ولأننا لا نملك ترف الاستسلام لذلك المستنقع، فلا مفر من استنفار همة الشرفاء في مصر ودعوتهم للعودة إلى الاصطفاف وراء شعارات الثورة التي حجبت أو نسيت، ومن ثم فتح باب الحوار حول السبيل إلى تحقيق الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، والانتقال من مرحلة "الأمن يريد" إلى شعار "الشعب يريد"، بعيدا عن التهريج والتزوير.

وتلك هي الخطوة الأولى لطي صفحة المطالبة بوقف الاختفاء القسري والانشغال بإدخال البطانيات والأدوية إلى سجن العقرب أو غيره من السجون، فضلا عن الإجراءات الأخرى التي سحبت الكثير من رصيد الثورة.
المصدر : الجزيرة

قديم 02-02-2016, 09:40 AM
المشاركة 40
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
خلاصة مقال فهمي هويدي لهذا اليوم يمكن تلخيصها بما يلي :

" ان ثورات الربيع العربي اشتعلت بسبب عوامل متعددة على راسها غياب العادلة الاجتماعية وحيث ان الثورات المضادة نجحت في وقف المد الجماهيري ولو مؤقتا مما يعتبر انتكاسة لهذه الثورات فقد تكرست الاسباب الموضوعية التي انطلقت هذه الثورات من اجل القضاء عليها وعليه فان هذه الثورات سوف تشتعل من جديد وربما بصورة اكثر حنكة وتنظيما مستفيدة من اخطاء المرحلة الاولى وسوف تنتصر ويستقر لها الامر لو استغرق ذلك 80 عاما"

فهل تتفق مع هذه الرؤيا ؟؟؟؟؟؟
- وهل هذا التحليل قائم على معطيات واقعية ام هو مجرد تمنيات واحلام يقظة ؟
- وهل يمكن للثورة السورية ان تنتصر رغم هذه التدخلات الاجنبية العنيفة جداً وخطط التبديل الديمغرافي ؟
ام ان وجود مثل هذه التدخلات الاستعمارية يغذي الثورة بوقود جديد وان الارض في النهاية ستعود لأهلها مهما تجبر المستعمر وعربيد وكما حصل في فيتنام مثلا ؟




مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: هل انتهى الربيع العربي؟
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الفصل الثاني من الربيع العربي .. عبدالله الشمراني منبر الحوارات الثقافية العامة 8 11-17-2019 11:58 PM
كيف سيؤثر الربيع التركي على الربيع العربي؟؟؟؟؟؟ ايوب صابر منبر الحوارات الثقافية العامة 6 08-19-2016 12:30 AM
على الرغم من كل شيء انا مع الربيع العربي..وانت؟؟ ايوب صابر منبر الحوارات الثقافية العامة 11 06-11-2013 04:07 PM
الربيع العربي: هل هو ياسمين وإعمار ام هو اشواك وانهيار؟؟؟؟ ايوب صابر منبر الحوارات الثقافية العامة 26 07-15-2012 01:12 PM

الساعة الآن 08:58 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.